وضع داكن
25-04-2024
Logo
درس تلفزيوني قناة سوريا - الدرس : 24 - ثمرة الصيام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أعزائي المشاهدين، أخوتي المؤمنين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
 فالمسلم في رمضان يدع الطعام والشراب، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غياب الشمس بنية أداء العبادة، والتقرب إلى الله عز وجل، والطعام والشراب مباح في الأصل، ولأن الإنسان أيها الأخوة، لا يستطيع أن يتوازن مع نفسه حينما يدع ما هو مباح، ثم يقترف ما هو محرم.
ورد في الحديث الشريف: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
 عندئذٍ يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، لذلك شاءت حكمة الله تعالى أن يكون رمضان تدريباً على الطاعة والإحسان ومناسبة ليذوق المؤمن حلاوة القرب، فلعل طاعته وإحسانه، ولعل حلاوة القرب التي ذاقها في رمضان تنسحب على أشهر العام، وبهذا يصبح رمضان قفزة نوعية في السلوك، وقفزة نوعية في المعرفة وقفزة نوعية في القرب، فالمرء حينما يعرف الآمر قبل الأمر، يتفان في طاعة الآمر، وحينما يعرف الأمر ولا يعرف الآمر، يتفنن في التفلت من أمره، لذلك قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾

( سورة فاطر: 28 )

 بل إن العلم لله محيطاً علمه بكل شيء، وقادراً على كل شيء هو علة وجودنا في الحياة الدنيا، قال تعالى:

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)﴾

 

( سورة الطلاق: 12 )

أيها الأخوة الكرام:
 حينما يوقن الإنسان، أن الله تعالى، محيط علماً وقدرة بالإنسان، وأنه سوف يحاسبه عن كل أعماله، وأنه في قبضته، في كل وقت، عندئذ لا يتوازن الإنسان مع عقله ولا يتوازن مع نفسه، إلا بطاعته لربه، والتوجه إليه والقرب منه.
من أجل أن نعرف الله ينبغي أن نفكر في ملكوت السماوات والأرض، نعرفه كي نقبل على طاعته.
أيها الأخوة:
 أرسلت مركبة فضائية قبل ستة سنوات، وقد وصلت قبل خمسة أشهر قريباً من المشتري، وعلى هذه المركبة، مرصد للنجوم عملاق، وقد ألتقط هذا المرصد، أثراً لمجرة تبعد عنا ـ دققوا في الرقم ـ ثلاثمائة ألف بليون سنة ضوئية، أي أن هذه المجرة كانت في مكان انطلاق ضوئها، قبل ثلاثمائة ألف بليون سنة ضوئية، فأين هي الآن ؟ وبعض المجرات تسير بسرعة تقترب من الضوء، نشر هذا الخبر في إحدى محطات الأخبار العالمية.
أيها الأخوة:
 الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلومتر، فكم يقطع في الدقيقة وكم يقطع في الثانية ؟ وكم يقطع في اليوم ؟ وكم يقطع في السنة ؟ تبعد هذه المجرة عنا، ثلاثمائة ألف بليون سنة ضوئية دققوا في قوله تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

( سورة الواقعة: 75 ـ 76 )

 من أجل أن نعرف هذه المسافة تقديراً، أضع بين أيديكم هذه الحقيقة، إن أقرب نجمٍ ملتهبٍ إلى الأرض، يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، ولكي نصل إلى هذا النجم القريب جداً، بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عام، فكم نحتاج إلى أن نصل إلى مجرة تبعد عنا ثلاثمائة ألف بليون سنة ضوئية.

 

﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)﴾

 

( سورة غافر: 64 )

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

( سورة يونس: 101 )

أيها الأخوة المشاهدون:
 لو انتقلنا من مجرة تبعد عنا ثلاثة مائة ألف بليون سنة ضوئية إلى نملة صغيرة سواد، على صخرة صماء، في ليلة ظلماء، وللنظر إليها مع سيدنا علي بن أبي طالب حيث يقول: انظروا إلى النملة في صغر جثتها، ولطافت هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع بحرها لبردها، وفي وردها لصدرها، مكفولة برزقها، مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنان ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجانس.
 يقول الإمام علي: ولو فكرت في مجال أكلها، في علوها وسفلها، وما في الجو من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجبا، وللقيت من وصفها تعبا، فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على قدرتها قادر.
 ولقد أثبت الله جل جلاله للنملة التخاطب والمعرفة في القرآن الكريم.
فقال تعالى:

﴿ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)﴾

( سورة النمل: 18 )

 وفي كل آية، وفي كل شيء له آية تدل على واحد.
أيها الأخوة المشاهدون:
 والمهم أن يعلم الصائم علم اليقين أنه مالم يرقى الصيام بالمسلم من ترك المباحات، إلى ترك المحرمات، وفعل الخيرات، فليس في صيامه جدوى يقطف ثمارها في رمضان.
أيها الأخوة:
 الإمام جعفربن أبي طالب رضي الله عنه، حدث النجاشي ملك الحبشة، حدثه عن الإسلام فقال أيها الملك: كنا قوم أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف صدقه، وأمانته، وعفافه ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده، ونوحده، ونخلع ما كان يعبدوا آبائنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء.
 هذا النص الدقيق الذي يشرح فيه الإمام جعفر الصادق، يشرح فيه حقيقة الإسلام يشير إلى أن العبادات منها ما هو شعائري، ومنها ما هو تعاملي، فمن العبادات الشعائرية، الصيام، والعبادات الشعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية.
ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، ومن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافي في مسجد هذا.وترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ))

 

أيها الأخوة المشاهدون:
 إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحميل النص

إخفاء الصور