وضع داكن
25-04-2024
Logo
الموضوعات الأدبية - درس تلفزيوني : 01 - الأخطل الصغير
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أهلا ومرحبا بكم، في هذا اللقاء الأول لهذا العام، راجيا أن يكون الموضوعُ المعالجُ واضحًا لكم، ومنظَّما، وممتِعا في الوقت نفسه، متمنِّيا عليكم أن تسجلوا بعض الملاحظات، فلعلكم تفيدون منها في أثناء دراستكم لهذا الموضوع .
 موضوعُ درس اليومَ شعرُ الأخطل الصغير القصصي، أو القصة في شعر الأخطل، كما جاء في الإعلان عن هذا الدرس، ولكي نعرف مكان هذا الموضوع في منهاجكم أذكركم بأن هذا الموضوع هو جزء من مضامين الأخطل الشعرية، والأخطل الصغير كما تعرفون أحد الأديبَيْن المقرَّرين في كتاب التراجم والنقد في الصف الثالث الثانوي الأدبي .
 أيها الطلاب الأعزاء، عنوان الدرس يثير فينا بعضَ التساؤل، فالقصة كما تعلمون إطارٌ فنيٌّ تعتمد على الحدَث المروي، والشخصية المصوّرة، والشعر إطار فني آخر يعتمد على الوزن والموسيقى والقافية، فهل يجتمع فنَّانِ أدبيانِ في إطار واحد ؟ أم هل تجتمع قصة ومسرحية في عمل فنيّ واحد ؟ الجواب نعم، يجتمع فنّانِ أدبيان، و تجتمع القصة و المسرحية في عمل فني واحد، وهذا اسمه المزاوجة الفنية، وهو أكثر تأثيرا في القراء، لذلك استخدموا القصة إطارا للتعبير عن تجاربهم، وعن أفكارهم، وعن مشاعرهم، وهذه الظاهرة ظهرت في هذا الأدب العربي الحديث، ولكن لا يعني أن هذه الظاهرة ظهرت كليًّا في هذا الأدب، أو أنها ظاهرة جديدة كل الجدة، بل لها ما يماثلها في الأدب العربي القديم .
 أذكركم بالقصة التي مرت بكم في الصف العاشر في الأدب العربي القديم، والتي عنوانها، " قصة كرم "، تلك القصة للشاعر الحطيئة، وملخصها أن أعرابيا جاءه ضيف و لم يجد ما يكرمه به، فوقع في موقف حرج، و قد عبّر عن هذا الموقف الحرج الشاعرُ الحطيئةُ بهذه الأبيات:

***

رأى شبحًا وسْط الظلام فراعَه  فلما بدا ضيفًا تسوَّر واهتمَّــا
فقال هيا ربّاه ضيفٌ و لا قِرى  بحقك لا تحرمه تالليلة اللحـما
و قال ابنه لما رآه بحَيـْــرة أيا  أبت اذبحني ويسِّر له طعما
ولا تعتذر بالعُدْم علَّ الذي طر ا(1) يظنُّ لنا مالاً فيوسِعُنا ذمَّـــا
فروّى قليلا ثم أحجم بُرهــةً و  إنْ هو لم يذبَح فتاه فقد همَّـا
***

 ثم حُلَّت العقدة حينما رأى هذا الأعرابي عن بُعد قطيعا من حمُر الوحش، فاصطاد أحدها، وأكرم ضيفه وانتهت القصة .
وقبل أن ندخل في صميم الدرس، يحسن بنا أن نلقي نظرة على مخطط هذا الدرس العام.
الأخطل الصغير، شعره القصصي، في هذا الموضوع مقدمة، و عرض و خاتمة .
ففي المقدِّمة، أو المقدَّمة كما قلت قبيل، حياته، والقصة في شعره، وهذا شأن المقدَّمات كلها، والعرض فيه موضوعات قصصه وحوادثها، و شخصياتها والوسائل الفنية في القصة في شعره .
 موضوعات قصصه وحوادثها تنشعب شعبتين ؛ الموضوعات بشكل عام، والحوادث، حوادث هذه القصص، الريال المزيف، من مآسي الحرب، المسلول، عروة، وعفراء، وأما شخصياتها فنتحدث عن بعض مناهج الشخصيات في قصص الأخطل الشعرية .
أما الوسائل الفنية فتنقسم إلى حركة، وإلى تعبير فني، والحركة تعني التصميم والعرض، والتعبير الفني يعني الحوار والوصل، وَفق هذا المخطط سيسير هذا الدرس الحالي .
والآن إلى فقرات الموضوع فقرة فقرة، والفقرة الأولى مقدمة عن حياته .
 الأخطل الصغير لقبٌ له، واسمه الحقيقي بشارة الخوري، ولد وترعرع في بيروت عام ألف و ثمانمائة وخمسة وثمانين (1885)، وكان والده طبيبا يمارس الطبَّ على طريقة ابن سينا، أي يمارس الطب العربي، وحينما كبُر الأخطلُ نهَل من الأدب العربي الكلاسيكي، وألمّ بالشعر الفرنسي الرومانسي، فاستوحى منه، وترجم بعضه إلى العربية، ونظم شعرا اعتمد فيهـــــــــــــــــــ
(1)أي الذي جاء .
 الأسلوب القديم، وحمل في طيّاته النزعة الرومانسية الوجدانية، فذاع صيته، وتألق نجمه في سماء الأدب يوم أصدر ديوانه " الهوى والشباب" عام ألف وتسعمائة واثنين وخمسين (1952)، وعمل في الصحافة، وصار نقيبا للصحافيين، وصدر ديوانه الشامل تحت عنوان " شعر الأخطل الصغير " عام ألف وتسعمائة وواحد وستين (1961)، وتوفي الأخطل في بيروت عام ألف و تسعمائة وثمانية وستين (1968) .
 وما يعنينا من شعر الأخطل هو شعره القصصي، فللأخطل محاولات في الشعر القصصي استوحاها واستمدها من واقع الحياة، ومن تجاربه، ومن التاريخ العربي القديم، ومن الآداب الفرنسية الرومانسية، وإذا دلّت هذه المحاولات على شيء فإنها تدل على رغبة الأخطل الصادقة في تطوير وسائله الفنية، وعلى أن القصة عند الأخطل محاولة من أجل تفريغ توتره الناشئ عن معاينة الواقع المرّ، والقصة الشعرية عند الأخطل محاولة تؤكد احتجاجه على الظلم الإنساني في شتى أشكاله وألوانه، وشيء آخر أنّ القصة عند الأخطل تشير على نحو أو آخر إلى تفتح وعي شاعرنا الاجتماعي و السياسي .
والآن، ننتقل إلى فقرات الموضوع المتتابعة، وأُولى هذه الفقرات موضوعات قصصه وحوادثها .
 طلابي الأعزاء، توزعت مضامينُ قصصه بين الموضوعات الاجتماعية، والموضوعات العاطفية، مع أن الغنى والفقر وأثرهما السلبي على العلاقات الاجتماعية كان هذا الموضوعُ الأولُ محورَ قصصه كلها من دون استثناء، فالمال الذي يفتقر إليه الناس يخلق تفاوتا طبقيا يفسد علاقات الحب، كقصة عروة وعفراء، والمال الذي يفتقر إليه بعض الناس يلجئهم إلى الهجرة، والهجرة تعني الفراق بين الأحبة، كما جاء في قصة " سلمى الكرنية"، والمال الذي يفتقر إليه بعض الناس يدفع بعضهم، ولا أقول كلهم، يدفع بعضهم إلى السقوط في هاوية الرذيلة، كما في قصة "المسلول"، وقصة "الريال المزيف"، و"من مآسي الحرب"، ولا تنسوا أن المثل العربي يقول " تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها "، ومن أبرز هذه القصص " الريال المزيف "، فالريال المزيف قصة استوحاها شاعرنا من واقع الحياة الاجتماعية، بل من حادثة واقعية جرت أحداثها في أوائل السنة الثانية من الحرب العالمية الأولى، وملخص حوادثها أن امرأة ذهب زوجها إلى الحرب جنديا، وخلفها وابنتها تواجهان البؤس والشقاء، وقد تفجّر هذا البؤس مأساة لدى مرض ابنتها، وحاجتها إلى ثمن الدواء، وتمسكها بالفضيلة، وهنا نشب الصراع الحاد في نفسها، هل تضحي بابنتها، أم بعفتها ؟

 

***

 

أأصون عرضي و ابنتي وحياتها  و علاجها يحتاج للإنفـــاق
أنا إن أعفّ قتلتها، فعــلام لا  تحيا دمائـي التعفف المهراق
لا، لا تموت فإنها لبريئـــة  حسناء ما شبّت عن الأطواق

***

 وقد حسمت الأم هذا الصراع بالحل الأخير، وظفرت بريال، وكم كانت فرحتها كبيرة:

 

***

 

رجعت وفي يدها الريال ورأسها  لحيائها متواصل الإطراقِ
وكأنها خطرت لها ابنتها و مـا  تلقاه من ألم طوى المقلاق
فأًصابها مثل الجنون فتمتمـت ْ بشراكِ إني عدتُ بالترياقِ
***

 ولكن يا للأسف، لقد كان هذا الريالُ ريالا مزيفا، وهنا بلغت المأساة قمتها، والذي قدمت له الريال فحصه، وردّه في وجهها .

 

***
فحص الريال بأصبعيه وجسّه  وانهال بالإرعاد والإبــــراقِ
قبحا لوجهكِ، سيدي أتسبني  عفوا و تحسبني من الســـرَّاقِ
لا، فالريال مزيف، أمزيف  صاحت وقد سقطت من الإرهاقِ
***

 وانتهت المرأة إلى السجن، وابنتها إلى الأسواق، وما زال هذا الفاسد الذي ينصب شباكه، ولا يناله عقاب، وهنا تكشف تناقضًا رهيبًا في المجتمع، الأغنياء و أخلاقهم المتفسخة، والفقراء وضعفهم أمام حاجاتهم .

 

 

***
طلعت عليها الشمسُ وهي سجينةٌ  وفتاتها ضيفٌ على الأسواقِ
أمّا الأثيمُ فما تزال شباكــــه  منصوبةً لنواعس الأحـداق
***

طلابي الأعزاء، يؤخذ على الشاعر أنه يعلم شخصياته كلها سلبية تتحرك إلى مصيرها في عجز، و لا تنبئ تصرفاتها عن أي موقف إيجابيّ، يعطي الخير قوة أو أملا في صراعه مع الشر .
 وقريبٌ من هذه القصة قصةُ " من مآسي الحرب" التي استوحاها الشاعر من حادثة واقعية، وقعت عام 1917، وملخص حوادثها أن فتاة طاحت المجاعة بوالديها، الذين تركا لها أخا صغيرا، فاستغل متصرف لبنان حاجتها إلى المال وأوقعها في شركِه، ويفجر الشاعر الحدث القصصي بثورة عاطفية على المال والأغنياء، والمجتمع، فيقول:

 

 

***
لا رعاك الله يا قصرُ ولا  سالم الدهر ولا جاد الغمامُ
فدماء الشهداء هذي الطلا  وعواميدك من تلك العظامُ
***

أي أن طلاء هذه القصور من دماء الشهداء، وأعمدته من عظام الفقراء .
 وأما قصته " المسلول" فهي من أبرز قصصه، فالنقاد يرون أنه قد استوحاها من قصة حب الشاعر الفرنسي " ألفريد دونوسييه" من دون أن ينكر أن تجاربه العاطفية قد أغنتها بمادة غزيرة، وملخص حوادثها أن شابا صغيرًا وقع في شرَك امرأة مستهترة، فأقبل على الملذات و الخمرة، ينهل منهما، فما انقضى عام حتى خرج من حلبة اللهو يحمل في صدره علَّة السل القاتلة، وانصرفت عنه الغانية مستمرة في فسادها، وهاهو ذا الشاعر يقول:

 

 

***
هذا الفتى بالأمس صـار إلى  رجل هزيل جسم منجـردِ
متلجلج الألفاظ مضطــرب  متواصل الأنفاس مطّــردِ
متجعِّد الخدين من ســرف  متكسر الجفنين من سُهــدِ
عيناه عابقتان في نفـــق  كسراج كوخ نصف متّقـدِ
تهتز أنمله فتحسبهـــــا ورد  الخريف أصيب بالبرَدِ
يمشي بعلته على مهـــلِ  فكأنه يمشي على قصــدِ
و يمد أحيانا دمًا فعـــلى  منديله قطع من الكبـــدِ
قطعٌ تآبينٌ مفجَّعـــــة  مكتوبة بدم بغير يــــدِ
قطع تقول له تموت غـدا  وإذا ترق تقول بعد غــدِ
لكنه والداء ينهجــــه  كالشِّلو بين مخالب الأسـدِ
أما الحبيب فمذ خــاف  انتقال الداء لم يعــــدِ
مات الفتى فأقيم في جـلة  مستوحش الأرجاء منفـردِ
كتبوا عل حجراته بــدمٍ  سترا به عظة لذي رشـدِ
هذا قتيل هوى ببنت هوى  فإذا مررتَ بأختها فحــدِ
***

لقد ضعفت الحركة في هذه القصة، وغلب عليها الطابع الوصفي، حتى إنها أصبحت صورة مفصلة لهذا المسلول الذي كان ضحية انحرافه و سقوطه .
 والقصة التي تأتي بعدها قصة عروة وعفراء، هذه القصة استوحاها الشاعر من مطالعاته لتاريخ الأدب العربي، و تدور حول الشاعر العذري عروة بن حزام لابنة عمه عفراء، فقد تربَّيا في بيت واحد، وشبَّ على حبها، وعندما رجا عمه أن يزوجه إياها قال له كما في رواية أبي الفرج الأصفهاني: ما عنه مذهب، ولا بنا رغبة عنه، ولكنه ليس بذي مال، وليست عليه عجلة .

 

 

***
يكلّفني عمِّي ثمانين ناقة  ومالي والرحمانِ غيرُ ثمان
***

 وقد أشار عليه عمُّه أن يسافر في طلب المال، فلما سافر عروة إلى الشام، زوَّج عمُّه عفراءَ من رجل ثري، غني، وعندما عاد فوجئ بالأمر، وحمل عروةُ الحبَّ والألمََ في قلبه حتى مات غمًّا وحزنا، وحينما علمت عفراءُ بموته زارته في قبره، وارتمت عليه ميتة .
إليكم أيها الطلاب الأعزة أبياتا مختارة من هذه القصة:

 

 

***
ولد الفتى العذري عروة بعدما  دارت بوالده رحى الــحدثانِ
فإذا بعروة في مضارب عمـه  قُصر فكان هناك زهـــلولانِ
عفراء ابنته مع ابن شقيقــه  وكلاهما في العمر دون ثمــانِ
وإذا تضمهما الحقول فإنــها  ظفرت بمائستين من ريــحانِ
فذا به بصر و كان يســوءه  من عروة ابن شقيقه يتمـــانِ
وأهم يتمي عروة في عينــه  يتم الغنى لو يسمع الأبـــوان
ما راعه إلا مقالة عمــــه  إني أراك عن الغنى متـــوانِ
سر للشآم بمتجر فأطاعـــه  وعصى الفؤاد فظل في الأوطانِ
بينا الفتى في الشام يكدح  للغنى كانت حبيبته تزفُّ لثـــــانِ
***
ويصف الشاعر موتها  ودفنها في قبر واحد، فيقول:
***
ضموا الفتاة إلى الفتى في حفرة  من فوقها غصنان ملتفانِ
روحان ضمّهما الهوى فتعانـقا  وتعاهدا فتعانقا الكفنـانِ
***

 لقد طبعت هذه القصة بطابع رومانسي، بالغ فيه الشاعر في العواطف، وأنهى حياة العاشقين نهاية فاجعة، وكانت هذه النهايةُ في رأي الشاعر إدانةً للنظام الاجتماعي الذي يفسد المالُ فيه العلاقات الاجتماعية، ويحطم الكل .
ننتقل الآن إلى فقرة أساسية ثانية من موضوعنا، ألا وهي عرض شخصيات قصصه .
 الحقيقة أن شخصيات قصص الأخطل كانت شخصيات من عامة الشعب، بل إنها شخصيات من الطبقة الفقيرة، أناس فقراء مستسلمون لمصيرهم المحدود، تسوقهم ظروفهم الصعبة و القاسية إلى مآسٍ كبيرة فوق تحمُّلهم، هؤلاء الشخصيات لا يعرفون بالضبط أبعاد مأساتهم، مأساتهم عندهم جوع و عريٌ وفاقة وحاجة، أما أن يعرفوا أسباب هذه المأساة وعلاجها، فهذا لم يكن في مقدورهم، ولم يكن في مستوى وعي الشاعر، لذلك طبع الشاعر هذه الشخصيات بطابع رومانسي حزين، تعلمون أن الطابع الرومانسي يعني المبالغة في الألم، وهذا يسوقنا إلى أن قصصَه الشعريةَ كلَّها انتهت نهاية حزينة، فكان الموتُ هو نهايةً قاتمةً في قصصه، الموت بمعانيه المتعددة، ومعانيه الواسعة، موت الكرامة، موت العفة، موت الفضيلة، موت النفس الإنسانية، ومعانيه المحددة، موت الجسد، فشخصياته طبَعها كلَّها بطابع رومانسي حزين، فهي متألمة ألما عميقا شديدا، عقيما، وهذه الشخصيات انتهت إلى مصير مأساوي، والشاعر لا تنسوا من الشعراء الرومانسيين، وهذه الشخصيات هو الذي اعتنى بتصميمها، و لكنه أبرز الناحية الشكلية الخارجية، وأنتم تعرفون في القصص الحديثة الكُتَّاب يعنون أكثر ما يعنون بإبراز الجانب الداخلي، تذكرون قصة " سرج آخر البيت " لزكريا الدامغ، كيف أن تصميم الشخصية اقتصر على ما يدور في نفس يوسف من انفعالات، ومن آلام، ومن عقد مفقودة، ومن تطلعات، ومن أمراض نفسية، وما إلى ذلك .
شيء آخر، هو أن أكمل الشخصيات التي رسمها الأخطل هي شخصية المسلول، وشخصية عروة، وشخصية الريال المزيف، ولكن كيف استطاع الشاعر أن يصور هذه الشخصيات ؟
هذا الشاعر صوّر شخصياته بطرائق ثلاث ؛ الطريقة الأولى هي طريقة النجوى، أو طريقة الحوار الداخلي، واسمها الأجنبي " المونولوج"، هاكم شيئا من النجوى الذي جاء في قصة صاحبة الريال المزيف:

 

 

***
أأصون عرضي وابنتي وحياتها  و علاجها يحتاج للإنفــاق
أنا إن أعفّ قتلتها، فعـلام لا  تحيا دمائـي التعفف المهراق
لا، لا تموت فإنها لبريئــة  حسناء ما شبّت عن الأطواق
***


والطريقة الثانية التي صور فيها الأخطل شخصياته هي طريقة الحوار، فالحوار من شأنه أن يكشف عن خبايا النفوس، ويعبر عن مكنوناتها، هذه بعض الأبيات من حوار جاء في قصة المسلول:

 

 

***
من لا تكابر كاد رأسك  يهوي بكأسك غير أن يدي
***

أجابها:

 

 

***
يهوي نعم وا فِتنتي ومنِّى  نفسي و زهرة جنة الخـلدِ
يهوي وإلا والشباب هوى  وعلى الشباب كان معتمدي
***

والطريقة الثالثة التي غلبت على تصميم شخصياته هي طريقة التعليق المباشر، وهذا التعليق المباشر كثر في قصصه كلها .
 والآن ننتقل إلى الفقرة الأساسية الثانية وهي وسائله الفنية، والوسائل الفنية تعني الحبكة، والتعريض الفني، الحبكة هي ترابط الأحداث ترابطا زمنيا وسبريا، ونعني بالحبكة أيضا التصميم، أي أن نبدأ الأحداث من أولها على الطريقة التقليدية، أو من منتصفها على الطريقة الحديثة، أو من آخرها على الطريقة السينمائية، والعرض طريقة عرض الأحداث كالسرد المباشر، و السيرة الذاتية، والرسائل، وهذه بعض فقرات موضوع القصة، وعناصر القصة، وأما التعبير الفني ففيه الحوار، و فيه الوصف .
 ننتقل الآن إلى الوسائل الفنية، الحقيقة أن وسائل الفنان الشاعر الأخطل الصغير الفنية كانت على شكل حبكة، وعلى شكل تصميم، وعلى شكل حوار ووصف، فالحبكة عند الشاعر الأخطل الصغير كانت حبكة تقليدية بدأ فيها الأحداث من أولها، و سارت سيرا زمنيا وسرديا حتى نهايتها، وإن كانت هذه الأحداث في هذه الحبكة غير محكمة، فالشاعر حينما كان يعرض الأحداث، كثيرا ما كان يقطعها بمقاطع وصفية، أو تعليقات طويلة، الأمر الذي كان يبعد ترابط الحبكة، والحبكة عند الأخطل بكلمة موجزة إلى أن تكون حبكة حكاية أقرب منها إلى أن تكون حبكة قصة فنية .
 وأما طريقته في عرض الحوادث فكانت طريقة تقليدية، طريقة السرد المباشر، أي طريقة الرواية التاريخية، فالقاص أو الشاعر شخصية بعيدة عن الأحداث تصورها من عَلٍ أو من مكان بعيد، وكثيرا ما يتمزق السرد بمشاهد الوصف كما قلنا قبل قليل، أما الحوار فلم يكن يعتمد عليه الشاعر إلا قليلا، وإذا اعتمد عليه فكان حواره قصيرا، وكان حواره لا يستخدم إلا في المواقف الحرجة .
أذكركم بالأبيات:

 

 

***
نقص الريال بأصبعيه وجسّه  وانهال بالإرعاد والإزبــــادِ
قبحا لوجهكِ، سيدي أتسبني  عفوا و تحسبني من الســـرَّاقِ
لا، فالريال مزيف، أمزيف  صاحت وقد سقطت من الإرهاقِ
***

 أما الوصف فكان بعينَيْ الأخطل ولم يكن بعينَيْ شخصيته، وهذا يبعدنا عن معرفة نمط رؤيتهم للوقائع .
 وختاما فإن القصة عند الأخطل قد أكَّدت حبه لتطوير وسائله الفنية، وأكدت أيضا تفتُّح وعْيه الاجتماعي والسياسي، وكانت محاولةً سار عليها الشعراءُ من بعده، وهي في النهاية موقف انفعالي، يحتجُّ به الشاعر على كل أشكال الظلم الإنساني الذي عاينه أو طرأ عنه .
أعزائي الطلاب، أتمنى لكم نجاحا مطَّردا في شتى الميادين، وإلى لقاء آخر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

إخفاء الصور