وضع داكن
24-04-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 18 - مظاهر ضعف الإيمان9 -عدم اتباع سنة النبي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نجدد التحية، ونرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد رابت النابلسي، أهلاً ومرحباً بكم معنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ نتابع الحديث عن مظاهر ضعف الإيمان، وأمامنا لنقُلْ حالة، وليست خُلقاً ذميماً يدل على ضعف الإيمان، ولكن هي حالة يقع فيها البعض، يحاولون من خلالها فقط الابتعاد عن المحرم، ولا يأبهون للوقوع في المكروه، إذا صح التعبير، طالما أنه ليس محرماً يستحلون فعله، كيف نشرح هذه الحالة بداية ؟ ليكون هناك الميزان الدقيق عند المستمع، وكيف نصور أمثلة عملية تدل على ذلك ؟
 الأستاذ:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أخ زياد، الإنسان حينما يعرف الله، وحينما يعرف الآمر يتفانى في طاعة الله عز وجل، فيطبق المحكمات، ويتباعد عن المتشابهات، ويأخذ بالحسنات، ويفعل الفضائل، ويحب أن يأخذ كل ما في الدين بحذافيره، لأنه يحب الله عز وجل، والدليل: أن الله عز وجل يقول في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ:

(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))

[البخاري]

 أنتم تفضلتم، وقلتم: هناك من يريد أن يأخذ بالمحكمات وبالقرآن فقط من أحكام، ولا يعبأ بما في السنة.
 المذيع:
 يقول: هل هذا الشيء محرم في القرآن ؟ هل يوجد نص واضح يحرمه ؟
 الأستاذ:
 هناك اتجاه خطير جداً هو فصل القرآن عن السنة، عَنْ مَالِك أَنَّهم بَلَغَهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ))

(موطأ مالك)

 أنا أؤكد للإخوة المستمعين أنه لمجرد أن تكتفي بالقرآن فأنت تخالف القرآن، لأن الله عز وجل قال:

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

 

(سورة الحشر)

 النبي مشرّع، بل إن الله عز وجل حينما قال:

 

﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾

 

(سورة النساء)

 حينما كرر فعل أطيعوا، معنى ذلك أنه ينبغي أن تطيع رسول الله استقلالاً، ولا تربط بين كلامه والقرآن.

 

﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾

 

(سورة النساء)

 أولوا الأمر كما قال الإمام الشافعي هم العلماء والأمراء، أمرهم ينبغي أن يربط بأمر رسول الله e، فإن وافقه فعلى العين والرأس، وإن خالفه فلا نعبأ به، إلا أن الله حينما قال:

 

﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾

 ينبغي أن تطيعه استقلالاً، لا أن تطيعه تبعاً للقرآن، النبي صلى الله عليه وسلم معصوم.
 المذيع:
 ولأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلى وحي يوحى، فما ينطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو وحي يوحيه إليه الله سبحانه وتعالى.
 الأستاذ:
 أحد أصحابه سأله: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قُلْتُ:

 

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ أَشْيَاءَ أَفَأَكْتُبُهَا ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، قَالَ: نَعَمْ، فَإِنِّي لَا أَقُولُ فِيهِمَا إِلَّا حَقًّا))

(أحمد)

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:

(( كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ؟ فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ: اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ ))

(أبو داود)

 الله عز وجل عصمه، من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، لذلك أمرنا أن نأخذ ما أعطانا، وأن ننتهي عما عنه نهانا، طاعة رسول الله جزء من طاعة الله.

 

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾

 

(سورة الأحزاب)

 أخ زياد، القضية دقيقة جداً: حينما نرفض السنة وفيها تفاصيل مئات الموضوعات الفقهية، فلا وجود لها إن حذفت السّنة، أمرك الله أن تصلي، كيف تصلي ؟ كم وقتًا ؟ أمرك أن تزكي، كيف تزكي ؟ كأن في القرآن الكليات، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين، ويفصل هذه الكليات، فكأن سنته تبيان وتفصيل لما جاء في القرآن.
 نحن الآن حينما يصدر قانوناً بخمسين مادة، ثم يصدر مرسوم تشريعي تنظيمي لهذا القانون بألف مادة، فهل يعقل أن نفصل المادة عن المرسوم التنظيمي ؟ مستحيل، إن ألغينا المرسوم التنظيمي لهذا القانون التشريعي ألغينا القانون التشريعي.
 العلماء حينما فسروا قوله تعالى:

 

﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾

 

(سورة الحجر)

 رأوا أن من لوازم حفظ الله لهذا الكتاب حفظ سنته، لذلك الله عز وجل هيأ رجال كبار محققين، لهم باع طويل، نخلوا هذه الأحاديث، وأخذوا ما صح منها، وتركوا ما لم يصح، فأي محاولة لفصل الكتاب عن السنة محاولة تخريبية في الدين، وهذا الذي يقول: أنا أتبع ما في القرآن، ولا أتبع ما في السنة هو يناقض القرآن، ويدع القرآن، لأن القرآن أمرنا أن نأخذ ما آتانا النبي صلى الله عليه وسلم.

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

 أنا أرى أن الذين يناصبون الدين العداء بذكائهم أدركوا أنه مستحيل أن يهاجموه كلياً، بدؤوا بحرب جزئية، أرادوا أن يطعنوا في السنة، ويقولون: إنها أحاديث كثيرة، بعضها موضوع، وبعضها ضعيف، هذا الشيء كفانا إياه علماء الحديث، نحن معنا الصحاح، معنا كتب صحيحة واضحة جداً، لنأخذ ما صح من السنة، ونكتفي بها، أما السنة فلها موقع خطير جداً في الدين، بل إن كتاب الله وسنة رسوله هم المصدران الأساسيان لهذا الدين، وما القياس ولا الإجماع إلا تبع لهما، فالإنسان حينما يضعف إيمانه يريد تحريماً قرآنياً صريحاً، حتى إن الذين يقولون: إن الله لم يحرم الخمر، والعياذ بالله، قال تعالى:

 

 

﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾

 

(سورة المائدة)

 الاجتناب أشد من التحريم، لو أن الخمر محرمة فقط، جاز لك أن تبيعها، وتشتريها، وتتاجر بها، وأن تعصر عنبها، وتحملها من مكان إلى مكان، لكن حينما قال:

 

﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾

 

 لعن الله شاربها، وشاريها، وبائعها، وحاملها، والمحمولة إليه، والمعلن عنها، فنحن حينما نفهم كلام الله فهماً أصولياً لابد من أن نفهمه في ضوء سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
 المذيع:
 أن تجتنبها أن تبتعد عنها، فكيف بك، وأنت تدخلها إلى بيتك.
 الأستاذ:
 أن تدع بينك وبينها هامش أمان، بربك لو أن وزير كهرباء كتب على لوحة قرب تيار التوتر العالي " ممنوع مس التيار "، أيهما أصح ؟ ممنوع مس التيار، أم ممنوع الاقتراب منه ؟ التيار له ساحة، من دخل هذه الساحة جذب إليه، واحترق فوراً، فلابد من أن تقول: ممنوع الاقتراب من التيار، لا ممنوع مس التيار، وهناك معاصٍ خطيرة جداً لها قوة جذب، قال تعالى:

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾

(سورة الإسراء)

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾

(سورة الأنعام)

 لابد من أن تدع هامش أمان بينك وبين المعصية.

 

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾

 

(سورة البقرة)

 هذا الهامش إذا ألغي، وقعنا في الحرام عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، أَمِنَ الْحَلَالِ هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ، فَمَنْ تَرَكَهَا اسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ فَقَدْ سَلِمَ، وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ، كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ))

(سنن الترمذي)

 فالورع كما قيل: " ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط "، أي من الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئًا.
 هناك مقولة تعجبني: من لم يكن له ورع يحجزه عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله، عمله أصبح نفاقيًّا، فهذا الذي يقول: أنا آخذ بالقرآن فقط، ولا يعبأ بالسنة، إنه حينما ردّ السنة ردّ معها القرآن، وحينما ردّ السنة ردّ معها ثلثي الدين، كل الأحكام الفقهية مأخوذة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 المذيع:
 وعندما يسأل عن شدة حرمة هذا الأمر، هل أن حرمته قطعية شديدة ؟ أم أن هناك بعض العلماء، أو بعض المفسرين يخففون من حرمتها، لتكون مكروهاً، لتكون غير واجبة ؟
 الأستاذ:
 حينما تعرف الآمر والأمر تتفانى في طاعة الآمر، حينما تعرف الأمر، ولا تعرف الآمر تتفنن في التفلت من هذا الأمر، وجهد المسلمين اليوم البحث عن فتوى ضعيفة، ورأي شاذ ضعيف، وعن كتاب يبيح لك كل شيء، فهناك رغبة جانحة في التلفت من الدين، أولها ترك السنة، ثانيها البحث عن التحريم القطعي، المؤمن يتقصى الحلال بحذافيره، ويبتعد عن الحرام بحذافيره، أما حينما تجرؤ على أن تفعل شيئاً مختلفاً فيه، فأنت مما استبان أجرأ، حينما تدع ما اختلف فيه، فأنت مما استبان أبعد، وحينما تقترف ما اختلف فيه فأنت مما استبان أشد وقوعاً فيه، فالعبرة الورع، والورع يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين، وكما قلت قبل قليل: ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، هذا كله يحتاج إلى معرفة بالله، ويحتاج إلى إيمان قوي، فمن لوازم ضعف الإيمان التفلت من منهج الله، بدعوى أن هناك خلافًا حول هذا الموضوع، أو أن هناك رأيًا شاذًّا أباح هذا الشيء، تجد المؤمن ضعيف الإيمان جهده أن يبحث عن منفذٍ.
 هناك من يقول: الربا ليست محرمة، وحينما قيل هذا الكلام أصبح هناك انحراف خطير جداً عند الناس.
 المذيع:
 الفائدة المصرفية ليست محرمة، وهي نوع من أنواع الربا.
 الأستاذ:
 أنا أقول حينما تظن أن الدين من المرونة حيث يمكن أن يتقولب مع كل شيء فهذا كلام غير صحيح، ما هو ثمن الجنة ؟ طاعة الله عز وجل، كنت قد ذكرت سابقاً أن في الإنسان طبعاً، ومعه تكليف، وأن هذا الطبع يتناقض مع التكليف، من هذا التناقض يكون ثمن الجنة، لا تحقق كل المصالح، من أحب دنياه أضر بآخرته، ومـن أحب آخرته أضر بدنياه.
 كنت أضرب هذا المثل: مطعم يبيع الخمر، تاب صاحبه، كان من الممكن ـ والله قدير على كل شيء ـ أن يرفع له دخله أضعافاً مضاعفة بعد ترك بيع الخمر، ولكن الذي يحدث عكس ذلك، حينما يلغي بيع الخمر يقلّ دخله، ليجعل هذا الإنسان يدفع ثمن قراره العظيم، ولا يرقى إلا إذا دفع ثمن قراره، لو أن الإنسان ترك معصية، فجاءته الدنيا وهي راغمة، عندئذ الإنسان يتاجر بالدين، أما حينما تأخذ قراراً خطيراً، وتدفع ثمنه ترقى إلى أعلى عليين، وحينما يظن المرء أنه لابد من توافق الدين مع المصالح المادية فهذا وهم خطير لا وجود له، لابد من أن تضحي، لابد من أن تدفع الثمن.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾

 

(سورة التوبة)


 ربما تفتقرون، الآن بالمنطق السياحي لو منعنا دخول الأجانب إلى بلدنا، الفنادق أصبحت شاغرة، والمطاعم أصبحت فارغة، الدخل يقلّ.

 

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾

 لابد من أن يأتي الرد متأخراً، ليأخذ الإنسان أبعاده، لابد من أن تأخذ أبعادك، لابد من أن تدفع ثمن قرارك.
 المذيع:
 هل ستصبر ؟
 الأستاذ:
 لابد من أن تصبر، الإمام الشافعي سئل: أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى، أنت حينما تمكن نفسك على أن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لا يفرح لرخاء، لأنه مؤقت، ولا يحزن لشقاء أيضاً لأنه مؤقت: قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ويعطي، ويبتلي ليجزي، هذا الفهم العميق للدين يجعلك تصبر، وتتحمل المتاعب في سبيل رضوان الله عز وجل وجنته التي عرضها السماوات والأرض، أما حينما أبحث عن مصالحي، يكون هذا من ضعف الإيمان.
 المذيع:
 هنا البعض يفهمها فهماً سطحياً هذه المعادلة ـ فضيلة الدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي ـ يفهمها دعوة إلى الركود، وعدم السعي، وعدم عمارة الأرض، والسعي إلى تحسين وضعه الأفضل والأفضل، كيف توضحون الفكرة ؟
 الأستاذ:
 نحن معنا دين توقيفي، فيه قرآن وسنة، فكليات الدين عقائده، وعباداته، ومواقفه لا تطور فيها، ولا تبديل، ولا حذف، لكن الدنيا ينبغي أن نطور حياتنا، أن نستخرج ثروات بلادنا، أن نصنع خاماتنا، أن نحسن مستوى معيشتنا، أن نبني المساكن، أن نقيم المصانع، هذا كله نحن أُمِرنا به، لكن المسلمون طوروا في دينهم، وقلدوا في دنياهم، الأمر ينبغي أن يكون معكوساً، الأمر يجب أن يتبعوا في دينهم، وأن يطوروا في دنياهم، هم قلدوا في دنياهم، وطوروا في دينهم، تفلتوا من منهج الله عز وجل، فنحن مع عمارة الأرض، ومع تأمين حاجت الناس، والدليل قال تعالى:

 

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾

 

(سورة المائدة)

 علماء التفسير قالوا: البر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة، لا يتناقض ما في الدين مع السعي لتحسين مستوى المعيشة لتأمين الطعام والشراب، لتوفير الأعمال.
 سيدنا عمر سأل أحد الولاة: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال: أقطع يده، قال: إذا جاء من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكره، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
 سيدنا عمر كان في بلدة وجد معظم من بيده أنشطته الاقتصادية بيد غير المسلمين، وبخهم توبيخاً شديداً، وقال: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ أدرك هذا الخليفة الراشد أن المنتج قوي، وأن المستهلك ضعيف، ديننا دين قوة، دين صناعة دين زراعة، دين تجارة، دين تحسين مستوى المعيشة، لكن يفهمونه فهماً مغلوطاً
 المذيع:
 وعندما تقول لهم: إن هذه الدنيا هي ابتلاء والتواء، وهي ليست استواء.
 الأستاذ:
 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ))

(مسند الإمام أحمد)

 ما قولك بهذا التوجيه ؟

(( النبي رأى رجلاً لا يعمل، سأله: من يطعمك ؟ قال: أخي قال: أخوك أعبد منك ))

(ورد في الأثر)

(( كان صلى الله عليه وسلم واقفاً بين أصحابه فأمسك بيد سيدنا بن مسعود، وكانت خشنة من شدة العمل رفعها وقال: إن هذه اليد يحبها الله ورسوله ))

(ورد في الأثر)

 ديننا عملي، ديننا بذل جهد، لكن بذل جهد مدروس ومنظم، أنا في أمور الدين لا أطور، إنما أنا متبع، لأنه وحي من الله، وحي مطلق في كماله، أما في شأن الدنيا أطور، وأجدد، وأنوع، وأزيد من دخلي، لعل هناك توجيهًا رائعً جداً: إن الله يلوم على العجز، أن تستسلم لواقع، أن تقول: ماذا أفعل ؟ هذا قدري، هذا مصابي، وهذا ابتلاء، نحن انتهينا، من قال لك ذلك ؟ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ

(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

[أبو داود]

 اسعَ، تدبر الأمر،

(( فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

 مثلاً: طالب ما درس فرسب، هل يقول: هذا ما كتبه الله علي ؟ هذا كلام فيه خفة واستهتار بالآخرين، أما حينما يمرض مرضاً شديداً قبل الفحص، ويحول هذا المرض بينه وبين الفحص، ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل، هذا كلام صحيح

(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

 أنا أعمل، وأحل مشكلتي، ومشكلة أولادي، وأرفع مستوى دخلي، وأطور في صناعتي، وأطور في زراعتي، وأستخدم ما استجد من بحوث علمية، أفعل كل شيء لتكون حياة المسلمين حياة راقية، أما الدين فهو توقيفي، العقائد منتهية، العبادات منتهية، لا أزيد، ولا أحذف، ولا أطور، ولا أجدد.
 مرة ذكرت لكم فيما أذكر أن التجديد في الدين له مفهوم دقيق جداً.
 المذيع:
 أود أن أذكر به، ولكن أدركنا الوقت، فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، نتابع في الحلقة المقبلة بإذن الله تعالى الحديث عن أمر التجديد في الدين، وكيف ذكرتم ميزان الدقة في هذا التجديد، ونتابع الحديث عن الحالة التي كنا في مستهل الحلقة نتحدث عن تفاصيلها، وهي مظهر من مظاهر ضعف الإيمان، ألا وهي البحث عن السبيل من التفلت، أو فن التفلت عن منهج الله، والعياذ بالله، أشكركم، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور