وضع داكن
16-04-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 25 - أسباب ضعف الإيمان3 - معالم الثقافة الصحيحة والصالحة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 والحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسرني أن أرحب بكم، وباسمكم ونيابةً عنكم أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي معنا في هذا البرنامج، أهلاً ومرحباً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ، توقفنا بالأمس عند الحديث عن سبب من أسباب ضعف الإيمان، ألا وهو الابتعاد عن معالم الثقافة الصحيحة والصالحة، لنحدد معالم الثقافة الصحيحة كي نتجنب سببًا من أسباب ضعف الإيمان.
 الأستاذ:
 هذا الموضوع دقيق جداً، العلماء قالوا: هناك علم ينبغي أن يعلم بالضرورة، وهناك علم فرض كفاية.
 أوضح ذلك: أنا حينما أنزل بمظلة قد أجهل شكل المظلة، بيضوي، أم دائري، أم مستطيل، أم مربع، وقد أجهل عدد الحبال، ونوع القماش، ونوع الخيوط، قد أجهل مئات المعلومات عن هذه المظلة، ولكن معلومةً واحدةً إذا جهلتها نزلت ميتاً، وهي طريقة فتحها، طريقة فتح المظلة علم ينبغي أن يعلم بالضرورة.
 فالعلماء اتفقوا على أن في الشريعة علوماً ينبغي أن تعلم بالضرورة، وأن هذه العلوم لا يعفى منها أحد، ولو كان يحمل أعلى شهادة في العالم، إنها علوم تتوقف عليها سلامته وسعادته.
 لنقرب هذا بمثل، أنت اشتريت آلة بالغة التعقيد، غالية الثمن، عظيمة، وليكن مَخبرًا عن طريق الكومبيوتر، هذا المخبر معه تعليمات الصانع، لو أن هذه التعليمات لم تقرأها لأتلفت هذه الأجهزة، وهي غالية الثمن، أما إذا استخدمت هذه الأجهزة وفق تعليمات الصانع تؤتي أكلها كل حين، وتربح أرباحاً طائلة منها.
 من هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها ؟ الجهة الصانعة، بداهةً وواقعاً الجهة الصانعة، قال تعالى:

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر: الآية 14 ]

 من هو الخبير في خلق الإنسان ؟ هو الله عز وجل، فالقرآن كلامه، وكأن القرآن تعليمات الصانع، وكأن القرآن تعليمات التشغيل والصيانة، فالإنسان بدافع من حبه لذاته اسمح لي أن أقول: بدافع من أنانيته عليه أن يطبق تعليمات الصانع، طلباً لسلامته وسعادته، والدليل أن أهل النار في النار يقولون:

 

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾

 

[ سورة الملك: الآية 10]

 أنا لا أتصور إنساناً يستطيع أن ينجو من شقاء الحياة إن لم يكن معتصماً بالكتاب والسنة، السبب أن الخبرات تتراكم، لكن هناك حول الإنسان مشكلات، تعرف الحقيقة بعد أن تكون أنت الضحية.
 أوضح هذا مثل أضربه، ثمة شيء كأنه قنبلة، جاء إنسان، وقال: يا ترى هو قنبلة أم ليس قنبلة، أراد أن يجرب، فلما فتحها انفجرت، وقتلته، لم تبقِ له القنبلة ثانيةً واحدةً لينتفع بهذه الخبرة.
 كم من معصية دمرت الشاب، وأنهته، وصار نزيل السجن، أو صار نزيل المخدرات، أو صار نزيل آفة منحرفة، أنا حينما أدعي أنني أتعرف على الحياة، وأكتشف الحقائق بنفسي هذا كلام غير صحيح، هناك خبرات تدمر صاحبها، وصاحبها هو الضحية، أنت لابد من أن تعرف الجهة الصانعة، وأن تنفذ تعليمات الجهة الصانعة.
 لذلك أية ثقافة تخلو من الكتاب السنة ثقافة قد لا تعصمني من الشقاء والهلاك، لأن الذي خلقني هو أخبر بي من نفسي، وأعلم ما يصلح ذاتي.
 هذا الأمر يصلحك، وهذا يضرك، هذا الأمر يسعدك، وهذا يشقيك، مبدأ اللذة الذي هو دندن الناس اليوم قال بعض العلماء: حينما يتخذ هدفاً ينقلب إلى مبدأ الأم، كل إنسان سعيد إذا طبق تعليمات الصانع، فإذا انجرف إلى تلبية نداء غرائزه من دون ضابط يصبح أشقى الناس، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها، وأشقى الناس أرغبهم فيها.
 فكيف تنتظر من إنسان لا يعلم عن كتاب الله شيئاً، ولا عن أمره، ولا عن نهيه، ولا عن الحلال والحرام، ولا عن مصير الإنسان، ولا عن حكمة وجوده وخلقه، ولا عن رسالته في الحياة، هذه كلها أساسيات الحياة، فإذا ابتعدنا عن ثقافة القرآن، وثقافة السنة فنكون ضحية مقولات غير صحيحة، كم من إنسان انتهى لمقولة توهمها، وهي ليست صحيحة، رأى المال كل شيء، فانكب على جمعه من حرام أو حلال، ثم اكتشف أن المال شيء، وليس كل شيء، أما عند الموت فوجده ليس بشيء، و وجد الله عنده، فوفاه حسابه، لابد من ثقافة قرآنية.
 وترى المبتعد عن منهج الله سبحانه وتعالى ومن جهله بهذه الثقافة الصحيحة تراه مندهشاً عندما تجيب آية قرآنية عن تساؤل يبحث عن جواب له، ولا يجده في العلوم الدنيوية، مع الثقافة الضحلة التي يعرفها.
 نعم، الحقيقة هذا كتاب الله، وهو من عند خالق الأكوان، من عند الخير، أضرب على ما تقدمت به مثلاً، قد يذهب إنسان إلى مجتمع بالمقياس المادي متقدم جداً، يجد الحياة فيها شيء مدهش، ويقابل هذا انحراف وسقوط عجيب أخلاقي، فيختل توازنه، فإذا قرأ القرآن يستعيد توازنه، قال تعالى:

 

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

 

[ سورة الأنعام: الآية 44 ]

 قد يجد إنساناً ينمو ماله نماءً عجيباً، وهو ينميه عن طريق الربا، فإذا قرأ القرآن يجد أن الله سبحانه وتعالى أمهله، ولم يهمله، يقول الله عز وجل:

 

﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 276]

 فقد يبلغه بعد حين أن المال قد تلف، أو دمر، فحينما يقرأ القرآن يرى كل شيء حوله يؤكد معاني هذا الكتاب، بل إن الله عز وجل حينما قال:

 

﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾

 

[ سورة يونس: الآية 39 ]

 العلماء قالوا: التأويل وقوع الوعد والوعيد، فالقرآن يحل كل المشكلات التي تنشأ من بعض التناقضات يجد جوابها في القرآن الكريم.
 المذيع:
 وهكذا الثقافة الإسلامية، أو الثقافة الشرعية، إذاً هل لها حد دقيق، وأدنى إذا صح التعبير، وأهمها القرآن والسنة النبوية الشريفة ؟
 الأستاذ:
 لابد من أن تقرأ القرآن، معظم آياته واضحةٌ جداً، لا تحتاج لا إلى مفسر، ولا إلى إنسان، لكن بعض آياته المتشابهة تحتاج إلى تفسير، أنت حينما تقرأ القرآن تأخذ فكرةً واضحةً نيرةً جداً عن سر وجودك وعن غاية وجودك، هذه واحدة.
 لكن طبيعة القرآن طبيعة كلية، فالنبي عليه الصلاة والسلام بيّن وفصّل، فحينما تقرأ السنة تجد فيها تفصيلات لطيفة جداً، و واضحة جداً لما في مجمل آيات القرآن الكريم من أحكام، لكن كما تفضلت أنا لا أستطيع أن أطالب الناس أن يتعمقوا في الكتاب والسنة، لكن هناك حد أدنى مقبول ومنجي، هو أن تقوم بالفرائض، وأن تنتهي عن المحرمات، ما بينهما يرمم، أما السنة فحينما تقتني كتاباً في السنة الصحيحة، كتاب كله أحاديث صحيحة معظم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم واضحة وضوح الشمس، بعضها يحتاج إلى من يبين لك معانيها الدقيقة فتزكي بها نفسك من وقت لآخر.
 المؤمن يريد النجاة في هذه الدنيا، لا يقرأ القرآن إطلاقاً، يهجره، الإنسان يريد النجاة في هذه الدنيا، لا يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولا عن سنته القولية والعملية، أنا أقترح أنه لابد من حد أدنى من ثقافة قرآنية، ولابد من حد أدنى من ثقافة نبوية، ولا بد من حد أدنى من ثقافة فقهية، ولابد من حد أدنى في ثقافة في السيرة، لأن السيرة مهمة جداً، أفعال النبي صلى الله عليه وسلم أقوى في الدلالة على حقيقة القرآن من بيانه، لأن البيان يحتمل التأويل، أما الفعل فلا يحتمل التأويل، هو واضح جداً.
 المذيع:
 نحن إذا اتفقنا أن هذا الشاب المؤمن لابد له من حد أدنى من ثقافة قرآنية ونبوية وفقهية وفي السيرة، هذه كلها تمده بتصور صحيح عن الدين، وعن مهمته في الحياة، إذا أضفنا إليها العقيدة، وهي على رأس هذه الثقافة، لأنه لو صحت العقيدة صح كل شيء، وإن فسدت فسد كل شيء.
 أنا أقول: فرضاً لو أن العقيدة لا علاقة لها بالسلوك، اعتقد ما شئت، لكن لأن أي عقيدة مهما دقّ فله منعكس في السلوك، إذًا لابد أن أعتقد صواباً، والعقيدة الصحية هي ميزان صحيح، بينما الخطأ في السلوك خطأ في الوزن، وفرق شاسع بين الخطأ في الميزان والخطأ في الوزن، الخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، أنا حينما أعتقد صواباً أسلك صواباً، وينبغي أن تستقى العقيدة من الكتاب والسنة، من آية واضحة الدلالة، ومن حديث واضح الدلالة، فأنا حينما يرسب في أعماقي تصورات صحيحة عن الكون والحياة والإنسان وعن حقيقة الحياة الدنيا أتحرك وفق الشيء الصحيح.
 ذكرت سابقاً عن إنسان نزل في بلد أجنبي، إلى أين يذهب ؟ نسأله: لماذا أتيت إلى هذه البلاد ؟ إن كنت جئت سائحاً فاذهب إلى المقاصف، إن كنت جئت طالب علم فاذهب إلى الجامعات، إن كنت جئت تاجراً فاذهب إلى المتاجر، فالحركة لا تصح إلا إذا عرف الهدف، فلذلك أنا ألح على حد أدنى من ثقافة إسلامية، أساسها عقيدة صحيحة، وكتاب وسنة، وبعض أحكام الفقه.
 مثلاً: أنا أعمل في التجارة، لابد من أن أتعرف إلى أحكام البيوع، وإلا أكلت الربا، شئت أم أبيت.
 أنا مقدِم على زواج، ينبغي أن أعلم حقوق الزوج، وواجباته، وحقوق الزوجة وواجباتها، وكل تفاصيل الحياة الزوجية.
 أنا مقدم على سفر، ينبغي أن أعلم أحكام السفر في الإسلام، أو مقدم على حج بيت الله الحرام، مثلاً، لابد من تلاوة لكتاب الله، ولابد من فهم... فتصبح هذه الأمور ضرورة.
 لابد من تلاوة لكتاب الله، ولابد من فهم لبعض آياته، ولابد من اقتناء لكتب الحديث، ولا بد من فهم لبعضها، ولابد من معرفة الأحكام الفقهية التي تمسه كزوج، أو كبائع، أو كمسافر، أو كتاجر، أو كطبيب، أو كمهندس، ولابد من مثل عليا من خلال السيرة، إما أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هو على رأس هؤلاء، أو أصحابه الكرام الذين اختارهم الله له، فحينما أجمع بين العقيدة الصحيحة والكتاب والسنة والفقه والسيرة بحدود دنيا أنجح في طريقي إلى الله.
 أنا أضرب مثلاً: في بريطانيا مثل رائع، تعلم كل شيء عن شيء، وشيئاً عن كل شيء، لابد من ثقافة موسوعية تتميز بها، ولابد من ثقافة عامة تحميك من الجهل.
 أنا أقول: الأخ الكريم طبيب، هذا مهندس، يوجد معلومات في الدين حد أدنى لابد منها، ينبغي أن تعلم بالضرورة، أنا حينما أقول: سيارة، أنا لست مطالباً أن أعرف ممّ صنعت المكابح ؟ هذا فوق طاقتي، أما حينما أنشئ معمل السيارات فينبغي أن أعلم هذه الحقيقة، أما حينما أقود سيارة فيكفي أن أعرف كيف أنطلق بها، وكيف أوقفها، وكيف أعتني بمحركها وأجهزتها، وكيف أنعطف يميناً ويساراً، وكيف أتلافى الأخطار فقط، هذا الذي بدأت به هذه الحلقة، العلم الذي ينبغي أن يعلم بالضرورة، هذا العلم نجده في أمهات الكتب، في كتب مبسطة ميسرة، نجده عند بعض العلماء، نجده في بعض الندوات، نجده في المحاضرات، في خطب الجمعة، فلا بد من أن ترتاد بيوت الله، وأن تقتني كتباً إسلامية، وأن تلتقي بعلماء، وأن تسمع محاضرات حتى تنشئ من خلال هذه النشاطات حدًّ أدنى من الثقافة الإسلامية، يعصمك من الزلل، ويدلك على طريق السعادة.
 المذيع:
 إذاً هذا السبب من أسباب ضعف الإيمان، ألا وهو الابتعاد عن طلب العلم الشرعي بحده الأدنى، كما ذكرتم للعامة.
 الأستاذ:
 لكن هناك نقطة سبحان الله ! عظمة هذا الدين مدهشة، كل مسلم ينبغي أن يكون داعية، لكن لا على أنه داعية متحقق، متوسع، متبصر، جامع لكل التفاصيل، لا، تلك فرض كفاية، قال تعالى:

 

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 104 ]

 منكم.
 ويقول الله عز وجل:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 

[ سورة العصر: الآية 1-3]

 التواصي بالحق ربع أركان النجاة، لا يمكن أن أنجو إلا إذا تواصيت بالحق، هذه الدعوة التي هي فرض عين على كل مسلم، في حدود ما يعلم، ومع من يعرف، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ))

[ البخاري، الترمذي، أحمد الدارمي ]

 فأنت حينما تحضر خطبة جمعة، وتتأثر بالموضوع، وتأخذ النقاط الرئيسة منها، وتلتقي مع أخيك، مع جارك، مع زميلك في العمل، مع زوجتك، مع أولادك، وتجعل منطوق الحديث موضوع هذه الخطبة، أنت ماذا فعلت ؟ تعلمت، وعلمت، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ...:

(( فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ))

[ متفق عليه ]

 أنا مكلف كفرض عين أن أنقل ما سمعت، وأن أنقل ما قرأت، وأن أنقل ما فهمت، فإذا فعل كل منا هذا انتشر الوعي، واتسعت دوائر الحق، و ضاقت دوائر الباطل، أما حينما لا يعنيني أمر الناس إطلاقاً، أنا مأخوذ علي مأخذاً كبيراً، حينما لا أهتم بأمر المسلمين ولا أهتم بهدايتهم، أنا عند الله مؤاخذ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِغَزْوٍ مَاتَ عَلَى شُعْبَةِ نِفَاقٍ ))

 وكأن الجهاد أنواع، أبرزها الجهاد الدعوي، والدليل قوله تعالى:

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

[ سورة الفرقان: الآية 52]

 جاهدهم بالقرآن يا محمد جهاداً كبيراً، فتعلم القرآن، وتعليمه أكبر أنواع الجهاد الدعوي، تعلم السنة وتعليمها أرقى أنواع الجهاد الدعوي، تعلم أحكام الفقه وتعليمها أبلغ أنواع الجهاد الدعوي، تعلم ما في السيرة من نماذج بشرية وضاءة أبلغ ما في الجهاد الدعوي.
 أنا كإتمام لهذا الموضوع أقول: لا ينبغي أن أتعلم، ينبغي أن أعلم، لا ينبغي أن أتلقى، ينبغي أن ألقي، لا ينبغي أن أستمع فقط، ينبغي أن أنطق، فهذا هو النشاط والفاعلية، المؤمن ليس سلبياً، ولا منعزلاً، ولا متقوقعاً، ولا منسحباً من الحياة، المؤمن إيجابي، فلو أن كل منا استمع إلى خطبة، أو قرأ كتاباً، أو استمع إلى شريط، أو اطلع على بحث لطيف، ونقله إلى من حوله تتسع دوائر الحق تتسع، وتطغى على دوائر الباطل، أما إذا التزمنا الصمت، وانغمسنا بأعمالنا إلى قمة رأسنا فاجأنا الموت في وقت غير مناسب، وندمنا ندماً لا حدود له، قال تعالى:

 

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾

 

[ سورة المؤمنون: الآية 99-100]

 المذيع:
 نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أشكركم فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي، كما أشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، نتابع غدا بإذن الله تعالى حديثنا عن سبب آخر من أسباب ضعف الإيمان، حتى الملتقى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور