وضع داكن
28-03-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 29 - علاج ضعف الإيمان2- معرفة الخالق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 هذه تحية من فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، ومنا له، أرحب بك فضيلة الشيخ بهذا اللقاء المتجدد دائماً تحت عنوان طريق الهدى، فضيلة الشيخ، نتابع الحديث عن علاج ضعف الإيمان، تحدثنا بالأمس كيف أن الإيمان يزيد وينقص، الآن ماذا عن معرفة الخالق ؟
 الأستاذ:
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الإمام علي كرم الله وجهه يقول: " أصل الدين معرفته "، الدين فيه أصول وفروع، فروعه لا تعد ولا تحصى، لكن أصل الدين أن نعرف الله، لأن الإنسان مفطور على حب وجوده، وحب سلامة وجوده، وحب كمال وجوده، وحب استمرار وجوده، حينما يعتقد أن سلامة وكمال واستمرار وجوده أساسه أن يعرف خالقه، ويطيع أمر خالقه، اتجه إلى هذا الاتجاه الصحيح، فأصل الدين أن نعرف الله، بل إن مشكلة الكفار وهم في النار، مشكلة الجهل:

﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾

(سورة الملك)

 أنا أقول: ليس العار أن يكون الإنسان جاهلاً، ولكن العار أن يبقى جاهلاً، وليس العار أن يكون الإنسان مخطئاً، ولكن العار أن يبقى مخطئاً، الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، قوة إدراكية يتميز بها عن بقية المخلوقات، فإن عطلها، أو استخدمها لغير ما خلقت له فقد ألغى إنسانيته، لأنك إنسان ينبغي أن تدرك، ما الحقائق الذي ينبغي أن تدركها ؟ بالمناسبة النبي الكريم دعا الله عز وجل، واستعاذ به من علم لا ينفع، نحن أمام ركام من المؤلفات والقصص والمسرحيات، والكتب الأدبية والعلمية، والثقافية والتاريخية، وأن ما يطبع في اليوم الواحد باللغة الإنكليزية فقط لا يمكن أن يقرأ في مائتي عام، لابد من الاصطفاء، أنت في مكتبة ممتلئة كتباً في كل رفوفها، وعندك امتحان مصيري بعد أيام، ومادة أساسية جداً، ولها كتاب مقرر، هل من العقل أن تقرأ قصة في هذه الأيام الثلاثة ؟ أم أن تقرأ كتابًا مقررًا ؟ أنا أقول: لابد من الاصطفاء مادام العلم أساسي، وأنا أودع الله في قوة إدراكية، أدرك ماذا ؟ يوجد مليار موضوع يمكن أن أدركه، أنا مكلف أن أدرك الموضوع المصيري، الذي يحدد مصيري، الموضوع الذي يحقق سعادتي، الموضوع الذي يحقق سلامتي، أبدأ بالاصطفاء، لابد من أن تصطفي، هذا الذي يعيش هكذا استرخاء من دون اهتمام، من دون تخطيط، دون اصطفاء، دون تميز، هذا إنسان خارج الحياة، هذا مهمّش، أما المؤمن فيصطفي الكتاب الذي ينبغي أن يقرأه، يصطفي الموضوعات التي ينبغي أن يهتم بها، يصطفي الأصدقاء الذين ينبغي أن يعاشرهم، لابد من أن يصطفي، أودع الله في قوة إدراكية، وأنني بهذه القوة الإدراكية أتميز عن بقية المخلوقات، أنا إنسان لأنني أدرك، فحينما أدرك مالا ينفعني، أو مالا يسعدني، أو يسلمني فأنا لست من بني البشر، وقد قال الله عز وجل:

 

﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)﴾

 

(سورة الفرقان)

﴿كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾

(سورة الأعراف)

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾

(سورة الجمعة)

﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾

(سورة المنافقون)

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ﴾

(سورة المدثر)

 هذه كلها في القرآن الكريم، مرة:

﴿ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾

 مرة:

﴿ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

 مرة:

﴿ كَالأَنْعَامِ ﴾

 مرة:

﴿ كَالْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ ﴾

 لأنه عطّل قوة إدراكية، عطّل ما ميزه عن بقية المخلوقات، إلا أنه عطلها، أو أنه استخدمها في غير ما خلقت له، اشتغل بعقله للإيقاع بين الناس، أو لجمع أموال طائلة، أو لارتكاب حماقات مسلية له أحياناً، فأنا أؤكد على استخدام القوة الإدراكية، أن تستخدم العقل فيما خلق له، أن تستخدمه لمعرفة الله، وأقول لكم دائماً: الإنسان حينما يحب ذاته يسعى لسلامتها وسعادتها، ولو شققت على صدر ستة آلاف مليون من بني البشر الآن فلا يمكن إلا أن يكون كل واحد من هؤلاء من دون أن يشعر يسعى لسلامته وسعادته، فالفرق فرق علم، هذا ظن أن النار هي إله، فعبدها من دون الله، وهذا ظن أن هذا الصنم إله، فعبدها من دون الله، وهذا ظن أن البقر إله، فعبدها من دون الله، ونحن المسلمين ـ والحمد لله ـ عرفنا أن خالق الكون هو الإله، فاتجهنا إليه، فإذاً لابد من قوة إدراكية مسخرة للإيمان، لأن الإنسان حركته في الحياة أساسها تصور، لماذا يسرق السارق ؟ لأنه تصور أنه رابح بالسرقة، لماذا يزني الزاني ؟ لأنه يمتع حواسه بهذا الزنى، ما الذي حمل السارق على أن يسرق ؟ جهله بالله، ما الذي حمل الزاني على أن يزني ؟ جهله بالله، أكاد أقول: إن الجهل بالله وراء كل انحراف.
 عندنا في الشام الأمن الجنائي له قاعدة عالمية: ابحث عن المرأة وراء كل جريمة، في الأعم الأغلب هناك امرأة وراء كل جريمة، أنا أضع قاعدة قياساً عليها: ابحث عن المعصية في كل مشكلة، لأن العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة عليمة، علاقة سبب بنتيجة، الفرق بين الطقوس وبين العبادات، الفرق بين أوامر دين وضعي وبين أوامر خالق الأكوان، أمره مرتبط بالنتيجة ارتباطًا علميًّا، كيف أني إذا وضعت يدي على مدفأة مشتعلة تحترق يدي، هناك علاقة علمية بين وضع اليد واحتراقها، أما حينما أقول لإنسان: اخرج من هذا الباب، فإذا خرج من هذا الباب عاقبته، لا يوجد علاقة علمية بين خروج إنسان من باب ممنوع منه، وبين باب سمح له، العلاقة وضعية، أما هنا فالعلاقة علمية، أنا مؤمن أن العلاقة بين كل أمر إلهي ونتائجه علاقة علمية، وأن العلاقة بين كل نهي ونتائجه علاقة علمية.
 فحينما أبحث عن معرفة الله، وأبحث عن منهجه أنا أقوم بعمل علمي في أعلى مستوى، لأن هذا الدين دين الله، دين أساسه التعلم والقوانين، فلابد من معرفة الله أولاً، وهي أساس كل شيء، وكنت أقول دائماً: إذا عرفت الآمر تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت الأوامر، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من هذا الأمر.
 المذيع:
 هذه دعوة لإعمال العقل في كل أمر، وعلى رأس هذه الأمور إعمال العقل في معرفة الخالق سبحانه وتعالى.
 الأستاذ:
 أخ زياد، هل تصدق أن الآيات المتعلقة بالعلم ومشتقات العلم تقترب من ألف آية !

 

﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)﴾

 

(سورة يس)

﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)﴾

(سورة النحل)

﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾

(سورة الغاشية)

﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾

(سورة الصافات)

﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)﴾

(سورة الزمر)

 آيات كثيرة جداً تؤكد أن الإنسان ينبغي أن يعقل الحقيقة الكبرى، وهي أن الله خلقه ليسعده، توجد أفكار تعطي ظلال قاتمة، يقول: سبحان الله ! يسبح الله على عيبه، أن الله خلقنا للعذاب، قد تكون أسرة معذبة، دخلها قليل، أمراض، فتظن أن هذا شيء مقصود من الله، مصمم، هذا ضعف إيمان، أنا كمدير مدرسة يمكن أن أعاقب طالبًا، لكن هذه المدرسة لم تنشأ لمعاقبة الطلاب، ولا لضربهم، بل لتعليمهم.
 المذيع:
 هذا مثل يقرب الصورة.
 الأستاذ:
 هذه المركبة لماذا صنعت ؟ من أجل أن تسير، لكن فيها مكبح، المكبح أخطر ما فيها، وهو ضمان لسلامة ركابها، هي مصممة كي تسير، والمكبح مهمته إيقاف السير، فأنا أقول: المصائب كالمكابح، ضمان لسلامة الإنسان، الفهم للدين فهم مهم جداً.
 كنت أقول مرة: أحدهم كان يمشي في فلاة، رأى لوحة مكتوب عليها: انتبه، حقل ألغام، هل يشعر بحقد على واضع هذه اللوحة ؟ أبداً، بالعكس يمتنّ له، هو لا يراها حداً لحريته، بل ضمان لسلامته، عندما يضع وزير الكهرباء لوحة أمام تيار عالي التوتر، ممنوع الاقتراب من التيار، هل هذا حد لحريته، أم ضمان لسلامته ؟ هكذا الفهم، فأنا حينما أفكر، وأتعرف إلى الله أصل إلى كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني، وإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء.
 وفي بعض الأحاديث القدسية الصحيحة عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:

(( يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا، لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[أخرجه مسلم في صحيحه ]

 أنا بحاجة إلى معرفة الله كي أعرف لماذا خلقني ؟ ما مهمتي في الحياة ؟ ماذا جاء بي إلى الدنيا، لماذا جعل العمر محدوداً ؟ لماذا الإنسان يعيش أربعين سنة يهيئ حياته، و يبقى له في حياته عشرون سنة ؟ يوجد سر ‍‍! الذي يعيش هكذا بعيداً عن الحقائق إنسان تائه شارد ضال.
أول حركة في تقوية إيماني أن أعرف الله عز وجل، هناك في الدعوات إلى الله خطأ استراتيجي، يعلّمون الطالب فقط الأوامر والنواهي، ما عرف من هو الآمر، ولا من هو الناهي، لابد من أن تعرف الله حتى تأخذ الأمر مأخذ اهتمام، ومأخذ جد.
 ذكرت في حلقات سابقة عن معرفة الله التي تتم عن طريق الكون، لأن هذا الكون يجسد أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، قال تعالى

 

﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

 

(سورة يونس)

﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)﴾

(سورة الذاريات)

﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)﴾

(سورة الغاشية)

﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)﴾

(سورة يوسف)

 في القرآن ألف وثلاثمئة آية كونية تحضنا على التفكر في خلق السماوات والأرض، هذه العبادة شبه معطلة، ما معنى أن يكون ثلث القرآن آيات كونية ؟ من أجل أن نتفكر فيها، وأن نعرف الله عز وجل، لأن أكثر الناس يعبدون الله على حرف، أقل ضغط أو إغراء يخرج من الدين، أما المؤمن الذي يعرف الله في الأعماق فيقول:

(( والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أدع هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه ))

(السيرة النبوية لابن هشام)

 هذه المواقف الصلبة تحتاج إلى معرفة بالله عز وجل، أما المواقف الهشة والمقاومة الهشة والعبادة على حرف فهذه من محصلات ضعف الإيمان.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، بعض ضعفاء الإيمان يتساءلون تساؤلات كثيرة، تدل على عدم معرفتهم بالله سبحانه وتعالى، كيف يمكن أن يقوى إيمان هؤلاء بما أننا في معرض الحديث عن علاج ضعف الإيمان من خلال معرفة الله سبحانه وتعالى ؟
 الأستاذ:
 الله جل جلاله لا يتعامل مع التمنيات، كل الناس يتمنون قوة الإيمان، ويتمنون طاعة الرحمن، ويتمنون الفوز بالجنة، والنجاة من النار، هذا التمني لا قيمة له إطلاقاً، لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

 

(سورة النساء)

 الله عز وجل لا يتعامل مع التمنيات إطلاقاً، والتمنيات بضائع الحمقى، فماذا يقول ؟ يقول:

 

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾

 

(سورة الإسراء)

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾

(سورة العنكبوت)

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾

(سورة الأنفال)

 المؤمن إذا ما أخذ موقفًا عمليًّ في حياته، في بيته مئات المعاصي، وفي عمله مئات المعاصي، إذا ما أخذ موقفًا حازمًا، ولم يقم بمراجعات لحياته عن مخالفاته في بيعه وشرائه، المخالفات في بضاعته، وفي كسب المال، أو في تربية أولاده، فهذا المؤمن مهمّش، كما قلت قبل قليل، أما حينما أعرف الله فلابد من أن تنعكس معرفتي بالله حركة داخلية، جرد، متابعة، تمحيص، تدقيق، تأمل، هذه حرام، هذه حلال، هذه تجوز، هذه لا تجوز... أما الإنسان حينما يضعف اتصال الإنسان بالله عز وجل يعيش مع التيار العام:

 

وما أنا إلا من غَزَيّةَ إنْ غَوَتْ  غويتُ وإنْ ترشد غَزَيّةُ أرشدِ

 هل يمكن لمصمّم أزياء بفرنسا أن يحدد للمسلمين ثيابًا نسائية ؟ يجعلها تارة فاضحة، وتارة ضيقة ؟!

 

 

وما أنا إلا من غَزَيّةَ إنْ غَوَتْ  غويتُ وإنْ ترشد غَزَيّةُ أرشدِ

 أنا مع العصر، مع أحدث صرعات الأزياء، ومع ما يجري في العالم، مع كل القنوات وكل البرامج، وكل المسلسلات، هذا المسلم المعاصر، مسلم لا شخصية له، هو عبد لبيئته، وعبد لمعطيات الحياة، وعبد لظروفه، لكن ليس كل حركاته ردود فعل، لكن ما عنده فعل، المؤمن يفعل، قد يضع تحت قدمه شيء ثمين جداً إذا كان يغضب الله عز وجل.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، خلاصة القول: الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل، وفي بعض الروايات للحديث النبوي الشريف: وأقره اللسان، هذا هو فحوى حديثنا عن معرفة الله سبحانه وتعالى، إيمان في القلب، وتصديق في العمل، يعكس قوة هذا الإيمان.
 نتابع غداً علاجات ضعف الإيمان بإذن الله تعالى، أشكركم، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور