وضع داكن
23-04-2024
Logo
الدرس : 11 - سورة آل عمران - تفسير الآيات 28 - 32 الولاء والبراء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الحادي عشر من دروس سورة آل عمران ، ومع الآية الثامنة والعشرين ، وهي قوله تعالى :

﴿ لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾

لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ

1 ـ الولاء والبراء :

 يا أيها الإخوة الكرام ، هناك أصلٌ كبير من أصول الدين ، وهو الولاء والبراء ، فما لم توالِ المؤمنين ، وما لم تتبرَّأ من الكفار والمنحرفين ، فأنت لست من الله في شيء ، هذا الموضوع خطير جداً ، لأنه قد يقول لك المسلم : أنا لا أسرق ، ولا أزني ، ولا أشرب الخمر ، ولكن قلبه معلقٌ بالكفار ؛ يحبهم ، ويصِلهم ، ويعتز بهم وهو لا يدري ، وقد ضيَّع أصلاً كبيراً من أصول الدين .
 هذه الآية الكريمة أصلٌ ـ فيما يسميه العلماء ـ الولاء والبراء ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )) .

[ متفق عليه ٍ]

 أنت لك أصحاب ، لك أصدقاء ، لك جيران ، لك معارف ، لك أقران ، لك أخدان ، هؤلاء إن لم يكونوا مؤمنين فالمودة معهم ، والصلة بهم ، والمحبة لهم خطيرةٌ على دينك دون أن تشعر ، ما الذي ضيَّع المسلمين ؟ أنهم ذابوا في مجتمعات الكفر ، إلى أن أصبحت حياتهم مشابهةً للكفار ؛ أعيادهم ، وأفراحهم ، وطريقة تفكيرهم ، وأنماط سلوكهم ، هذه كلها مطابقةٌ لما هو عند الكفار ، لذلك ورد في الحديث الشريف عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا ، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )) .

[ متفق عليه ]

 قد تجد إنساناً يسافر إلى بلد غربي ، ويعود ، فيثني عليهم ثناءً لا حدود له ، يتعامى عن كل نقائصهم ، وعن كل انحلالهم ، وعن كل انغماسهم بالملذَّات القذرة ، ويشيد بأبنيتهم ، وشوارعهم ، ونظمهم ، وحقوق الإنسان عندهم ، هذا الذي لا يرى من الصورة إلا وجهاً واحداً ، أو يتعمَّد إغفال الوجه السلبي ، هذا معنى ذلك أنه موالٍ له ،

(( من هوي الكفرة حشر معهم ولا ينفعه عمله شيئاً )) .

[ من كنز العمال عن جابر ]

 على كلٍ ، نحن أمام قرآنٍ كريم ، نحن أمام كلام خالق البشر ، نحن أمام كلامٍ لا يعلو عليه كلام ، يقول الله عزوجل :

 

﴿ لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ﴾

2 ـ مَن هو الولي ؟

 مَن هو الولي ؟ إنسان تحبه ، إنسان تصله ، إنسان تستنصحه ، إنسان تهتدي برأيه ، تُصغي إلى كلامه ، هذا هو الولي ؛ محب ، مُناصر ، قريب ، موصول ، فما قولك بمؤمنٍ بالله ورسوله يدع المؤمنين ويبتعد عنهم ، ويلتصق بالكفار ، ويصلهم ، بل ويحبهم ؟! ما قولك أن هذا العمل يسلَخك من الإيمان ، وينزع عنك الإيمان ، ولو كنت صائماً مصلياً ؟ هكذا يقول الله عزَّ وجل :

﴿ لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

 قال بعض العلماء : من دون المؤمنين استقلالاً أو مشاركةً .
 لك أصحابٌ من المؤمنين ، ولك أصحابٌ من الكفار والمشركين ، ومع كِلا الفريقين تمضي سهرةً ممتعةً ، ويبتسم وجهك ، وينطلق لسانك ، وتَمْحَضهم النصيحة ، وتستهديهم ، وتسترشدهم ، وتأخذ رأيهم ، وتقيم علاقاتٍ متينةٍ معهم ، وتهاديهم في أفراحهم ، وتعزيهم في مصائبهم ، وكأنك واحدٌ منهم ، بل وتحتفل بأعيادهم ، بل وتفعل في بيتك ما يفعلونه هم في أعيادهم ، قال :

 

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾

 

 

وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ

 

1 ـ الولاء والبراء من علامات الإيمان :

 علامة إيمانك أنك توالي المؤمنين ، ولو كانوا فقراء وضعفاء ، وتتبرَّأ من الكفار والمشركين ، ولو كانوا أقوياء وأغنياء ، من علامة إيمانك أنك تودُّ المؤمن ، ولو أساء إليك ، وتبغض الكافر ، ولو منحك عطاءً كبيراً ، هذا هو الإيمان ، القضية قضية ولاء وبراء .
 أنت مع مَن ؟ أنت مع المؤمنين ، إذاً تتألَّم لآلامهم ، تشقى لشقائهم ، تفرح لسعادتهم ، تسرُّ بنصرهم ، تحزن بتأخرهم ، هذه علامة إيمانك ، فإذا كنت توالي أهل الكفر والشرك ، وتشيد بانتصاراتهم ، وأنت معجب بقوتهم ، وجبروتهم ، وأنت راضٍ عن انحرافهم وانحطاطهم ، ولا يضيرك أن تقلدهم فيما يفعلون ، فاعلم علم اليقين أنه لا ذرة إيمانٍ في قلبك ، والدليل قوله تعالى :

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾

 ورد في بعض الآثار أن الله عزَّ وجل يقول : " يا عبدي ، ماذا فعلت من أجلي ؟ يقول : يا رب ، فعلت كذا وكذا ، يقول الله له : تعجلت بهذا الراحة لقلبك ، ولكن ماذا فعلت من أجلي ؟ قال : يا رب ، وما أفعل من أجلك ؟ قال : هل واليت فيَّ ولياً ؟ هل عاديت في عدواً ؟ ".
 فإذَا دعاك غنيٌ أو قويٌ ولو كان متفلتاً من الدين لبيت دعوته ‍! أما إذا دعاك قريبٌ لك فقيرٌ من أطراف المدينة فإنك تعتذر ؛ الوقت ضيق ، ومشغول ، فتلبية دعوة المؤمنين الفقراء من عمل الآخرة ، وتلبية دعوة الأغنياء والأقوياء من عمل الدنيا ، من مُتَع الدنيا ، فانتبه لو أنك لم تشرب الخمر ، ولم تزنِ ، ولم تقتل ، ولم تسرق ، لمجرد أن توالي الكفار والمشركين ، وأن تحبهم ، وأن تعظّمهم ، وأن تشيد بتفوقهم ، وأن تتحدث عن حضارتهم .

 

1 ـ هذا شرك فاحذره :

 أيها الإخوة ، هذا الموضوع خطيرٌ جداً ، ذلك أن الله سبحانه وتعالى له امتحانات عديدة في أفعاله ، ففي حينٍ يقوِّي الكفار ، يقويهم إلى درجة مذهلة ، فيبدو للناظر أن كلمتهم هي العُليا ، يبدو للناظر أنهم يفعلون ما يريدون ، وأنهم أقوى قوةٍ في الأرض ، وأنه لابد من موالاتهم ، وإلا فلن ننال شيئاً ، هذا كلام يطرح ، لابد من موالاة هذه الدولة القوية ، وإلا لا نصل إلى شيء ، ومهما تنازلت ، ومهما خضعت ، ومهما صغرت لا تأخذ شيئاً إلا مزيداً من السلب والقهر.
 هذه مشكلة كبيرة ، حينما ترى أن جهةً غير الله بيدها كل شيء فهذا شرك كبير ، والله هذا يكاد يكون شركًا أكبر ، حينما ترى أن جهةً قويةً جداً بيدها كل شيء ، ولابد من موالاتها ، ولابد أن تقيم معها علاقةً طيبة وإلا سحقتك ، هذا هو الشرك بعينه ، أين الله ؟

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾

( سورة البقرة : من الآية 257 )

 هذه الآية أيها الإخوة من أخطر الآيات في حياة المؤمن ، أنا لا أقول لك : أن تناصبهم العِداء ، لا أقول لك : إن أية علاقة معهم محرَّمة ، علاقات العمل مشروعةٌ ولا شيء فيها ، أنا أبعدك عن علاقاتٍ حميمة ، عن شراكةٍ اندماجية ، عن صحبةٍ متينة ، عن نزهةٍ طويلة ، عن سهراتٍ مختلطة ، هؤلاء لهم قيَمهم ، ولهم طريقتهم في الحياة ، يعيشون للدنيا وحدها ، لا يعبأون بقيم الدين ، ولا قيم الآخرة ، كيف تنسجم معهم ؟! وكيف تصفو العلاقة بينك وبينهم ؟! هذا مستحيل إلا أن يكون هذا الذي يواليهم على شاكلتهم .

 

2 ـ شخصية المؤمن لها سمات غير سمات الكافر :

 أيها الإخوة الكرام ، شخصية المؤمن لها سمات ، وشخصية الكافر والمشرك لها سمات ، فحينما يندمجان فلابد أن تعتقد يقيناً أن سمات المؤمن كاذبة ، وليست صحيحة ، لو أنها حقيقية لما انسجمت مع سمات الكافر ، إنها مزوَّرة ، إنها مُدَّعاة ، يدعي أنه كذا ، وهو ليس كذلك ، فشيءٌ خطير أن تركن إلى كافر ، أن تستسلم له ، أن تصغي إليه ، أن تمحضه الود ، أن تحبه ، أن تتعلق به ، أن تعظِّمه ، أن تكبره ، أن تراه قوياً ، أن تراه يعيش حياةً راقية ، أين هذا هو الرقي ؟ .

 

لا توازن بين شيئين إلا بميزان الآخرة

 

 أيها الإخوة الكرام ، أتمنى عليكم شيئًا ، جرِّب ألا توازن بين جهتين ، ولا بين أمتين ، ولا بين شعبين ، ولا بين دولتين ، ولا بين رجلين ، ولا بين حرفتين ، جرب ألا توازن بين جهتين إلا إذا أضفت الآخرة إلى كلٍ منهما ، قد تجد مطعمًا دخله فلكي ، لكنه يبيع الخمر ، وقد تجد مطعمًا في قرية غلته لا تزيد على مئتي ليرة في اليوم ، لكنه يبيع بإخلاص ، ويقيم شرع الله ، ففي الموازنة الظاهرة شتان بين المطعمَين ، أما في الموازنة الحقيقية إذا أضفت الآخرة إلى كلٍ منهما وجدت أن هذا المطعم المتواضع ، الذي دخله لا يكفي مصروف صاحبه ، هو أرقى على المدى البعيد من صاحب هذا المطعم الأول ، وقس على هذا كل شيء .
 دخل سيدنا عمر على النبي صلى الله عليه وسلم ، فرآه مضطجعًا على حصير ، وقد أثر الحصير على خده الشريف ، فبكى عمر ، قال :
 ـ يا عمر ما يبكيك ؟
 ـ قال : رسول الله ينام على الحصير وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير ؟!
 ـ قال : يا عمر ، أما ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا ؟! هذه رواية .
 الرواية الثانية : يا عمر ، إنما هي نبوةٌ وليست ملكاً .
 الراوية الثالثة : أفي شكٍ أنت يا عمر ؟
 قال : لا .
 الدنيا لا قيمة لها ، وأساساً :

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾

( سورة الأنعام : من الآية 44 )

 فأضف إلى أركان دينك الولاء والبراء ، ينبغي أن توالي المؤمنين ، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ، أنا لا أقول لك : أن تناصبهم العداء ، قد لا تقوى عليهم ، لا أقول لك : أن تشتمهم في وجههم ، لا ، لا ، ولكن تبرأ منهم ، ابتعد عنهم ، علاقات العمل مقبولة ، علاقات العمل أنت مضطرٌ أن تعاملهم ولا شيء عليك ، أما العلاقات الحميمة ، السهرات الطويلة ، الصلات المتينة ، السفر ، النزهات ، الشراكة الاندماجية بينك وبين كافرٍ أو مشرك ، كيف تنسجم معه ؟ كيف تقبل قيمه ؟ كيف ترضى عن تفلته ؟ كيف تستسيغ نفاقه ؟!! لابد من أنك على شاكلته ، فكلما اقتربت من أهل الكفر ابتعدت عن أهل الإيمان ، وكلما واليتهم كان جفاءً لدينك ، ولقيمك ، ولمبادئك ..

﴿ لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

3 ـ الموالاة على الكفر كفرٌ ، وعلى الفسق فسقٌ :

 هناك بعض التفصيلات : لو أنك واليتهم على كفرٍ فموالاتك كفر ، لو أنك واليتهم على كفرٍ ، هم كفار ، وأنت مدحتهم ، أو أثنيت عليهم ، أو أقررتهم على ما هم فيه ، إذا واليتهم على كفرهم فموالاتهم كفرٌ ، وإن واليتهم على فسقٍ فموالاتهم فسقٌ ، وإن واليتهم على حرب المؤمنين فموالاتهم كفرٌ ، بل هو أشد أنواع الكفر أن تستعين بكافرٍ على مؤمن ، العبرة أن تكون مع المؤمنين ، وفي خندق المؤمنين ، ومع أهل الحق ، ولكن قد تجد في هذا صعوبة لأن الكفار أقوياء ، وعندهم أشياء مغرية جداً لكنهم في النهاية لن يعطوك شيئاً .
 أنا أقول كلمة واحفظوها : المسلم إذا والى كافراً ، وأعانه على كفره ، أو أعانه على ظلمه ، أو أعانه على فسقه ، بمثابة منديلٍ مُسِحَت به أقذر عمليةٍ ، ثم ألقي في سلة المهملات ، هذا هو المسلم إذا أعان كافراً على كفره ، أو على فسقه ، أو على انحرافه ، أو على فجوره ، وأشاد به ، وأثنى عليه ، وعظَّمه ، وقدَّره ، حاول أن تكون مع المؤمنين لأن الله معهم ، وإذا كان الله معك فمَن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمَن معك ؟ ..

﴿ لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

 من دونِهم ، لأن الكفار دونَهم ، الحقيقة حينما يكشف الغطاء تعرف الحقائق ، قد تجد مؤمناً بسيطاً ، مستقيماً ، فقيراً ، متواضعاً ، مهمَّشاً في الحياة ، لكنه يخاف الله ورسوله ، هذا المؤمن يوم القيامة تجده علماً من أعلام الآخرة ، وقد تجد كافراً متألِّقاً ، مشهوراً ، معروفاً ، معزَّزاً ، مكرَّماً، مبجلاً ، لو رأيت مقامه في الآخرة لرأيته في أسفل سافلين ، فالعبرة أن هذه المراتب في الدنيا لا قيمة لها ، قال تعالى :

﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا(21) ﴾

( سورة الإسراء )

 من يعرفني ؟ إذا كنت مع الله فالله معك ، وإذا كان الناس لا يعرفون فضلك ، فالله يعرف مكانتك ، والله يعاملك معاملةً يشعرك أنه يحبك ، وأنك عنده بمكان .
 فيا أيها الإخوة الكرام ، هذه آيةٌ من أخطر الآيات ، لأن عدم تطبيقها قد يكون سبباً لانسلاخك من دين الله ، والدليل :

 

 

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾

 

 

 

وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ

 ليس له موالاةٌ مع الله إطلاقاً ..

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾

 لأنه في المنطق لا يقبل أن توالي رجلاً ، وأن توالي عدوه ، مستحيل ، لا يجتمع موالاة جهةٍ وجهةٍ معاديةٍ لها ، من هم أصدقاؤك ؟ قال : صديقك ، وصديق صديقك ، وعدو عدوك ، من هم أعداؤك ؟ عدوك ، وصديق عدوك ، وعدو صديقك ، فلا يجتمع أن توالي كافراً ، وأن توالي مؤمناً ، إنهما متناقضان ، إلا أن يكون منافقاً ..

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14) ﴾

( سورة البقرة )

 هذا المتلون منافق ، ولا شأن عنده عند الله ، و..

 

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ﴾

( سورة النساء : من الآية 145 )

 

لا تستحِ بدينك ، فإنّ الله ناصرُه :

 شيء رائع جداً أن يكون لك هوية ، أنت مسلم ، فلا تستحِ بدينك ، قدمت لك ضيافةٌ في رمضان فلا تقل : معي قرحة ، لا بل قل : أنا مسلم ، وصائم ، لا تخف ، الذي أنزل هذا الدين هو الذي يحميك ، فإذا كنت لا ترى أن الله لا يحميك فلماذا تعبده ؟ إن كنت ترى أن جهةً يمكن أن توقع بك سوءًا ، واللهُ لا يتدخل ، فلماذا تعبد الله ؟ هذا كلام منطقي ؛ أنت مع أقوى الأقوياء ، أنت مع خالق الأرض والسماء ، أنت مع رب العالمين ، أنت مع من بيده ملكوت كل شيء ، أنت مع من أمره هو النافذ ..

﴿ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82) ﴾

( سورة يس )

 أنت مع مَن ؟ مع مَن يفعل ما يريد ، العالم كله ، المجرات كلها في قبضته ، الأقوياء جميعاً في قبضته ، فأنت مع الله ، فلا تخشَ مع الله أحداً .

﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾

( سورة الأحزاب : من الآية 37 )

 فيا أيها الإخوة ، حينما توالي أهل الكفر والطغيان ، معنى ذلك أنك لا تعرف الله ، وأنك ليس لك ولاءٌ مع الله إطلاقاً ، لا يعقل أن تواليَ عدواً لله ، لا يعقل أن توالي مَن يرفض دين الله ، لا يعقل أن توالي من يستهزئ في عباداتك ، لا يعقل أن توالي من يريد أن يطفئ نور الله .
 دقق في هذه الآية ، بربك لو رأيت إنساناً يتِّجه نحو الشمس ، وينفخ في قرصها ليطفئها ، بمَ تحكم عليه ؟ بالجنون ، ماذا يقول الله عزَّ وجل ؟

﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾

( سورة الصف : من الآية 8 )

 إذا كانت أشعة الشمس ، أو لهب الشمس لا يمكن أن يطفأ بنفخةٍ من فم إنسان ، فهل يعقل أن يستطيع الكفار ، ولو اجتمعوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ؟! كم من أمةٍ قام فيها من يريد إلغاء الدين ، بأماكن عديدة في العالم ، ما الذي حصل ؟ هؤلاء الذين أرادوا إطفاء نور الله هم انطفؤوا ، وبقي نور الله ساطعاً .
 لذلك لا تقلق على هذا الدين ، إنه دين الله ، وإذا شاء الله عزَّ وجل نصر دينه بالرجلٍ الفاجر ، وهذا من حكمة الله عزَّ وجل ، ولكن اقلق على شيءٍ واحد ، ما إذا سمح الله لك ، أو لم يسمح أن تنصر دينه ، وإنه لشرفٌ عظيم أن تكون جندياً من جنود الحق ، فلابد أن تكون مع المؤمنين ؛ بقلبك ، وقالبك ، بمشاعرك ، وعواطفك ، وقد يكون المؤمنون ضعافاً ، عندهم فوضى ، وعندهم تقصير ، لكنهم طيبون ، طيبون مقصرون ، هؤلاء الذين يعجبونك خبثاء ، خبثاء مجرمون .
 يا أيها الإخوة ، لكن القوي مسموع الكلمة ، والضعيف لو تكلم لا يسمع صوته ، أنت مؤمن ، لابد أن تكون هذه الآية أحد أركان عقيدتك :

 

﴿ لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

 لا يتخذهم استقلالاً ، أي أنه ترك جميع المؤمنين ووالاهم ، أو مشاركةً ؛ والى بعض المؤمنين ، ووالى بعض المشركين ، والولاء لا يقال له ولاء ، لكن الحب ، والود ، والنصيحة ، والتقليد ، تقلدهم في حياتهم ، في أعيادهم ، في أفراحهم ، في أتراحهم .

 

استثناء مهمّ : فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ

 لكن العلماء استثنوا ، قال تعالى :

﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾

( سورة التوبة : من الآية 7 )

 عاملك إنسان غير مسلم معاملة طيبة ، أنت من واجبك أن تعامله معاملةً طيبة ..

﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾

( سورة التوبة : من الآية 7 )

 ولم يقاتلك ، ولم يتآمر عليك ، ولم يطعن بك ، ولم يسئ إليك ، قال تعالى :

﴿ لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾

( سورة الممتحنة : من الآية 8 )

 فلا شيء ، إنسان ليس مسلماً ، أراد أن يزورك ، ويسمع منك ..

﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ﴾

( سورة التوبة : من الآية 6 )

 استقبله ، ورحِّب به ، وضيفه ، وتكلم الحق أمامه ، فأي لقاء يتم بين مسلم وغير مسلم أنا أرحب به ، وأرحب به كثيراً ، بشرط أن يتاح للمسلم أن يعرض أفكاره ، ودينه أمامه فقط ، فإذا كان بإمكانك أن تعرض ما عندك فاجتمع مع أي إنسان ، وكُن بشوشاً ، لطيفاً ، الإسلام واقعي ، لكن شخصًا لا يعبأ بدينك ، ولا يقيم له وزناً ، ويحتقر منهجك ، وهو قوي ، أو غني ، فأنت تزوره ، وتتذلل إليه ، وتتضعضع أمامه ، فهذا لا ينبغي ، والنبي الكريم يقول :

 

(( من جلس إلى غني فتضعضع ذهب ثلثا دينه )) .

 

 

[ من زيادة الجامع الصغير عن ابن مسعود وأنس ]

 فكيف إذا كان غنياً غير مسلمٍ ، ولكنه مشرك ؟! لا ..

 

﴿ لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾

تهديد إلهيٌّ :

 هل بعد هذا التهديد من تهديد ؟

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾

 أحياناً يقول الأب لابنه : إن صاحبت فلاناً فلست ابني ، فهل بعد هذا التهديد من تهديد ؟ إن صاحبت هذا الشاب الفاسق فلست ابني ، ولن أعترف بك ، هذا أعلى أنواع التهديد ..

 

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾

 لكن :

 

﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾

 

إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاة

 

هذه رخصة من الله :

 فإذا كان هذا الكافر قوياً جداً ، لدرجة أنك إن لم تشعره أنك قريبٌ منه سحقك ، أو أنهى حياتك ، في مثل هذه الحالات هناك رخصةٌ اسمها التَقِيَّة ، لكن هذه تقدَّر بقدرها ، ولا يتوسع فيها كثيراً ، فإذا هددت حياتك ، يمكن أن تظهر له بعض المودة اتقاءً لشره ، وشر الناس من اتقاه الناس مخافة شره ، كإنسان له لقب معين ، فإن لم تناديه بهذا اللقب نشأت مشكلةٌ لا قِبَل لك بها ، تناديه بهذا اللقب ، النبي الكريم كتب : " من محمدٍ رسول الله إلى عظيم الروم " ، هل كان قيصر عنده عظيماً ؟ لا ، ولكن هذا لقبه ، ففي حالات يكون المؤمن حكيمًا ، والشرع دقيق جداً ، فلان له لقب معين أناديه بلقبه ، هذا لا يزيد ، ولا ينقص ، فحينما تخاف شر إنسانٍ ظلومٍ ، جبارٍ ، لا يخاف الله ، تناديه بلقبه ، أو حينما تظهر بعض المودة في حالاتٍ نادرةٍ جداً ، في حالاتٍ تهدد فيها كل مصالحك ، فهذا سمح الله به ، لأن الشرع يسع كل الأحوال ، وكل الظروف ، ففي ظروف نادرة جداً إن لم تظهر له مودةً فعل بك ما فعل ، وهذا الشيء واقع ، إذاً أنا أتقي شره بهذه الكلمة ، أو بهذه الابتسامة .
 لكن لو وافقت غير مسلمٍ ، أي لو وافقت كافراً أو مشركاً على عملٍ مباح ، فلا مانع ، كأن نريد أن نلغي الظلم في هذه الجهة ، فتعاونا ، النبي استعان بمشركين لإزالة ظلم ، هذه المعاهدات التي جرت بينه وبين القبائل ، فقال العلماء : يجوز أن تستعين بكافر لرد ظلامةٍ ، أو لتحقيق مصلحةٍ للمسلمين ، طبعاً من دون أن نخسر شيئاً ، دقق ، من دون أن يكون هذا على حساب ديننا ، ولا على حساب شرعنا ، ولا على حساب مصالحنا ، مجرد جهة بعيدة تريد أن ترفع عنها الظلم ، فتعاونا كدولتين فلا في مانع ، هذا الشيء مشروع ، هذا من الاستثناءات المتعلقة ..

﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾

 ويقول الله عزَّ وجل :

 

﴿ وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾

وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ

 ويحذركم الله ذاته العليَّة ، أي إياك أن تظهر شيئاً ، وأن تخفي شيئاً ..

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ ﴾

( سورة آل عمران : من الآية 179)

 ويحذركم الله ذاته العليا أن تجترئوا عليه ، وتوالوا أعداءه ، حينما قال الله عزَّ وجل :

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ ﴾

 دققوا الآن ..

﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

( سورة الأنفال : من الآية 60 )

 فيجب أن يكون عدوكم هو نفسه عدو الله ، هذه الآية دقيقة جداً ، لا يمكن أن تحارب إلا من كان عدواً لله ، يجب أن يكون عدوكم ، وعدواً لله في وقتٍ واحد ، أما إذا كان عدوكم ، ولم يكن عدواً لله ، فيا لطيف !! هذا الذي يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم إلى أبد الآبدين ، يجب أن يكون هذا الذي تقاتله عدواً لك ، وعدواً لله في وقتٍ واحد ، وإلا فأنت مجرم في حق المؤمنين ..

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

﴿ وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾

 

هذا واقع المسلمين للأسف الشديد :

 سوف تعودُ إلى الله ، وترجعُ إليه ، وسوف يحاسبك عن هذه الموالاة ، وهذا الانحياز .
 صدقوني أيها الإخوة ، إنك لو دققت في حياة المسلمين بعمق ، وجدت ولاءهم لغير المسلمين ، فيتفنن المسلم أحياناً كيف يوقع بك الأذى ، ويعلم أنك مسلمٌ مثله ، فإذا جاء مع غير مسلم كان لطيفاً إلى درجةٍ لا تصدَّق ، أليس هذا ولاءً لهم ؟
 هذا الأخ المؤمن ، وتعلم أنه مظلوم ، تتفنن في إيقاع الأذى به ؟ وهذا القوي غير المسلم تتفنن في ملاطفته ، وفي البحث عن حلٍ لمشكلته ، وفي بيان سبيلٍ لنجاته ؟! كيف تواجه الله يوم القيامة ؟ هذا الذي جاءك ضعيفاً ، توقع به أشد أنواع الأذى ، وأنت مرتاح ، وهذا الذي جاءك قوياً ، تفكر له عن حلٍ لمشكلته دون أن تشعر ، هذا والله ولاءٌ ، وأيّ ولاء ، وبراءٌ من المؤمنين ، وأيّ براء ، لو دققت في حال المؤمنين ، فيكفي أن توالي هؤلاء ، وأن تحبهم ، وأن تدافع عنهم ، وأن تشيد بهم ، وأن تتحدث عن براعتهم ، وعن كفاءتهم ، وعن تفوّقهم وأنت لا تدري ، أنت واليتهم ، وأنت لا تدري .
 هذا درسٌ مهم جداً ، أيها الإخوة ، حتى يرضى الله عنا ، وحتى ينصرنا ، وحتى ينظر إلينا بالعطف فلابد أن نكون مع المؤمنين ، وأن يكون ولاؤنا للمؤمنين ، ومحبتنا للمؤمنين ، وقد لا يعجبك المؤمن ، فيه تقصير ، فيه تخلف ، فيه جهل أحياناً ، فيه تجاوز ، واحد عنده أولاد ، فأولاده قدره ، شاء أم أبى ، أولادنا قدرنا ، والمؤمنون قدرنا ، لكن محبتنا لهم ، وعطفنا عليهم ، وقوتنا لهم ، وحرصنا عليهم ، وخبرتنا في خدمتهم .

نماذج حية من الولاء والبراء :

 أيها الإخوة ، أضع بين أيديكم نموذجًا للولاء والبراء : طبيب مقيم بأمريكا ، وله دخلٌ فلكي ، ويعيش حياةً ماديةً تفوق التصوُّر ، لكنْ في أعماقه شعور بالذنب ؛ أن كل علمي ، وكل خبرتي ، وكل تفوقي لغير المسلمين ، فعاد إلى بلده ، وافتتح عيادةً ، لا شك أن الموازنة بين بلده ، وبين بلد غربي متقدم فيها بونٌ شاسع ، لكنه أسرّ لي ، وقال : شعرت براحةٍ لا توصف ، لأنني أعالج المسلمين ، وأضع علمي في خدمتهم ، هذا شاهد .
 قبل أيام زارني أخ ولد في أمريكا ، طبيب ، ولكنه متخصص في الأطراف الصناعية ، وأراني بعض إنجازاته ، شيءٌ مذهل ، طفل صغير قطعت رجله من أعلى الفخذ في حادث ، بعد تركيب طرف صناعي صار يمشي ، قدَّم خدمات ، قال لي : أنا والله أتمنى أن آتي إلى الشام في العام ثلاث مرات كي أعالج هؤلاء المصابين بتكلفةٍ فقط من دون أي ربح ، والرقم رمزي جداً ، شعر أن كل خبرته لغير المسلمين ، شعر بضيق .
 أنت مسلم ، إن تعلمت في هذا البلد الطيب فلحمك من خير هذا البلد ، فصرت لغير المسلمين بكل خبراتك ، وكل قدراتك ، كل إنسان يخدم غير المسلمين على المدى الطويل يشعر باختلال بتوازنه ، هؤلاء المسلمون هم الذين رفعوك وجعلوك طبيباً ، أيعقل أن يكون علمك لغيرهم ؟ فمن الوفاء لدينك ولأمتك أن تكون خبراتك العالية في خدمة أهل بلدك وأهل دينك ، هذا من الولاء والبراء ، أما قد يصفو العيش لبعض المسلمين في بلادٍ بعيدة ، فيستقرون إلى نهاية الحياة ، ويدفعون ثمناً لا يتحمَّله أحدٌ من المسلمين ، أولاده ، أولادهم هم الثمن ، يشعر أنه دفع ثمناً لا يستطيع تحمله ، وهذا الواقع ، وهذا من الولاء والبراء ..

﴿ وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ(28)قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾

 

قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّه

 

1 ـ هذه الآية تهديد لهؤلاء المتلوِّنين في الولاء والبراء :

 أحياناً بذكاءٍ من المنافق يبدي ولاءً للمؤمنين ، ويخفي ولاءه للكفار إذا كان مع المؤمنين ، أما إذا كان مع الكفار ..

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(14) ﴾

( سورة البقرة )

 هؤلاء المنافقون المتلوّنون ..

 

﴿ قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

 هذه الآية تهديد لهؤلاء المتلوِّنين ، الذين يظهرون ولاءً للمؤمنين في حضرتهم ، وولاءً للكفار في حضرتهم ، هؤلاء عند الله منافقين ، والعبرة لذلك اليوم الذي لا تخفى على الله خافية ..

 

﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ ﴾

 بينها وبين عمل السوء ..

﴿ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾

 وأعاد الله التحذير مرةً ثانية ..

﴿ وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾

 

2 ـ تحذير ممزوج برحمة :

 هذا التحذير رأفةً بكم ، محبةً لكم لأن المصير مخزٍ ، حينما يكون ولاؤك لغير المؤمنين فالمصير مخزٍ تماماً ، والله لا يرضى لك أن تكون مخزياً يوم القيامة ..

﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾

 ما جاء التحذير مرةًَ ثانية إلا بسبب رأفة الله بالعباد ..

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

 

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

دعوى المحبة لابد لها من دليل الاتباع :

 إنّ الله جلَّ جلاله ما قبل دعوى محبَّته إلا بالدليل ، والدليل القاطع على محبَّة الله اتباع رسول الله ، وإلا فهي دعوى فارغة لا قيمة لها ، كلٌ يدَّعي أنه يحب الله ، الفيصل في هذه الدعوى أن تكون متبعاً لرسول الله .

أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِين

 ماذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ ، فَاعْتَصَمَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِالسُّجُودِ ، فَأَسْرَعَ فِيهِمْ الْقَتْلَ ، قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ ، وَقَالَ :

 

(( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : لِمَ ؟ قَالَ : لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا )) .

 

 

[ الترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ]

 من أقام معهم إقامةً دائمة ، هناك غير حياة ، وإذا جاء إلى بلده زائراً يتصيَّد العيوب ، أحياناً تضجر منه ، الطرقات سيئة ، والنظام سيئ ، فماذا تريد غير ذلك ؟ ارجع مكان ما كنت ، يشمئز ويُشمأَز منه ، لذلك قال تعالى :

 

 

﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ(30)قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

 آخر آية ..

 

﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾

 

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ

 أنت لك منهج ، في حالات نادرة جداً يمكن أن تبدي المودة للكفار ، حينما تشعر يقيناً أنك مهددٌ في حياتك ، يمكن أن تتقي منه تقاة ، أن تتقي من هذا الكافر الشرير ما تقيم به أمر الله عزَّ وجل ، أن تبقى في بيتك مع أولادك ، حالات نادرة جداً حينما تهدد في حياتك ، أو في كل مصالحك دفعةً واحدة ، أما إذا أخذ فكرة ، فليأخذ خمسين فكرة ، هذه قضية سهلة ، ليس فيها شيء ، أنت معك استثناء لكن ـ كما قيل ـ الضرورة تقدر بقدرها ، كيف ؟
كاد شخص يموت جوعاً ، فله أن يأكل لحم الخنزير ، حالات نادرة ، لكنه يأكل لقمتين فقط ، لئلا يموت ، فالضرورة تقدر بقدرها ، هذه قاعدة ، هذا الاستثناء نحن لا نوسعه لكل شيء ، كأن نقول : من لا تقيَّة له لا دين له ، وسع في درجة أنك لا تستطيع أن تحاورهم إطلاقاً ، كل شيء يقال خلاف ما يعتقدون ، انتهى الأمر ، وهذه حالات نادرة جداً ..

﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾

 أنت مؤمن معك منهج ، ينبغي أن تطيع الله ورسوله فقط ، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ، والأمور بخواتيمها ، والعبرة للآخرة ، والغنى والفقر بعد العرض على الله ، إذا والى المسلم الكفار ، وأقام معهم ، تفلت أولاده ، ولن يكونوا مسلمين إطلاقاً ، بل كانوا في أشد أنواع الانحراف ، فهذا حينما يرجع إلى الله يوم القيامة ماذا يجيب الله عزَّ وجل ؟ الرفاه الذي كان يعيشه انتهى ، وبقيت المسؤولية ، والذي والى المؤمنين ، وبقي في بلادهم ، المتاعب انتهت ، وبقي الثواب ، هذه قاعدة عامة ، المتاعب تنتهي ، ويبقى الثواب ، والميِّزات تنتهي ، ويبقى العقاب ، العقاب أبدي ، والثواب أبدي ، أما المتاعب والميزات فهي مؤقتة ، المتاعب من موالاة المؤمنين مؤقتة ، والميزات من موالاة الكفار كذلك مؤقتة ، ماذا يبقى بعد ذلك ؟ إما في جنةٍ يدوم نعيمها ، أو في نارٍ لا ينفد عذابها .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور