وضع داكن
20-04-2024
Logo
مختلفة - سوريا - الدرس : 13 - دير عطية - التحديات التي تواجه المسلمين وسبل الخلاص منها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها السادة في هذه الأمسية نختتم لقاءنا السنوي الذي تقيمه المدرسة في كل عام خلال شهري تموز وآب، محاضرنا اليوم عرفتموه أكثر من مرة هو الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي وهو غني عن التعريف يُدَرّس في الجامعة وخطيب ومدرس ومحاضر ومحاضرته اليوم عن التحديات التي تواجه المسلمين وسبل الخلاص من هذه التحديات.
 بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا في رحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الأكارم:
 أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة وذلك الاهتمام بحضور هذه المحاضرة مع أن فيكم علماء أعلام ولكن الامتثال كما يقولون خير من الأدب.
 أيها الإخوة الأكارم:
 من الثابت أن الحق هو دائرة تمر فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، كتاب الله وما صح من سنة رسوله، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي، وخط العقل الصريح، العقل الصريح مقياس أودعه الله سبحانه وتعالى فينا وقد بدت الآيات التي تقترب من ألف آية تتحدث عن العلم وعن العقل وعن التفكر.
 والفطرة السليمة مقياس نفسي أودعه الله فينا يكشف خطأنا، قال تعالى:

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

[ سورة الشمس ]

 أي أنها مجبولة جبلةً إذا انحرفت تكشف أنها انحرفت وإذا ارتقت تعلم أنها ارتقت، الفطرة السليمة وألح على كلمة السليمة لأن الفطر أحياناً تنطمس وذكرت أن النقل الصحيح وألح على كلمة صحيح لأن هناك نقل غير صحيح أو أن هناك نقلاً صحيحاً أُوِل تأويلاً غير صحيح، وألححت على الواقع الموضوعي لأن هناك واقعاً مزوراً، وألححت على العقل الصريح لأن هناك عقلاً تبريرياً، إن قادك عقلك إلى الحق فهو العقل الصريح وإن بررت به الباطل فهو العقل التبريري غير الصحيح.
 أيها الإخوة الكرام:
 مادام العقل والنقل والواقع والفطرة من خلق الله تعالى فالأصل واحد إذاً لابد من أن تتحد هذه الفروع، فالاتحاد الأصل يعني الفروع لو قرأنا القرآن الكريم:

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 وعد الله ليستخلفنهم بربكم أين الاستخلاف ؟ هل هناك استخلاف للمسلمين ؟ لا والله، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى، أين التمكين؟ وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً أين التطمين ؟ والله فيما يبدو في الواقع لا استخلاف ولا تطمين ولا تمكين، وزوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين:

 

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87)﴾

 

[ سورة النساء: الآية 87]

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) ﴾

[ سورة الصافات: الآية 173 ]

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾

[ سورة النساء: الآية 141 ]

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾

[ سورة غافر: الآية 51 ]

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم: الآية 47 ]

 بربكم أيها الإخوة الكرام ماذا نفعل بهذه الآيات والواقع ليس كذلك؟ ماذا نفعل بهذه الآيات والواقع بعيد عن مضمون هذه الآيات ؟ هنا المشكلة، هنا بيت القصيد، هنا محور هذه المحاضرة، هذه المفارقة الحادة بين واقع المسلمين وبين الوعود الذي وعدوا بها، فالله جل جلاله وعدنا بالاستخلاف وبالتمكين وبالتطمين وبالنصر وأن يدافع علينا وأن لا يجعل للكافرين علينا سبيلا، كيف نوفق بين الواقع المر المؤلم وبين هذه الوعود التي نذوب شكراً لله على هذه الوعود ولكنها غير محققة؟
 لو قرأنا القرآن الكريم بتأنٍ لوجدنا أن في القرآن الكريم إجاباتٍ عن هذه الأسئلة، الجواب الأول قال تعالى:

 

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً(59)﴾

 

[ سورة مريم: الآية 59 ]

 وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا تعني تركها ولكن تعني تفريغها من مضمونها فليس كل مصل يصلي إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على معصيتي وأطعم الجائع و كسا العريان ورحم المصاب وأوى الغريب كل ذلك لي وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل له الجهالة حلماً والظلمة نوراً يدعوني فألبيه يسألني فأعطيه يقسم علي فأبره أكلأه بقربي و أستحفظه ملائكتي مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها.

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاة﴾

 ضيعوا قيمتها، ضيعوا جوهرها، ضيعوا حكمتها، ضيعوا سرها.
 أيها الإخوة الكرام:
  الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، يسقط الصيام على المريض والمسافر ويسقط الحج عن الفقير والمريض ويسقط الجهاد عن الضعيف إلا أن الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال إنها عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين إنها غرة الطاعات ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، إنها ذكر، قال تعالى:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

[ سورة طه: الآية 14 ]

 إنها قرب، قال تعالى:

 

﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾

 

[ سورة العلق: الآية 19 ]

 إنها عقل:
 " ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها "
 بل إنها كما قال الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية 19-22 ]

 الآن دققوا إذا قلت مسلماً أو إذا قلت إنساناً هذه الكلمة تنطبق على ستة مليارات إنسان أضف إلى كلمة إنسان مسلم تنطبق على مليار ومئتي مليون، أضف كلمة إنسان مسلم عربي تنطبق على مئتي وخمسين مليون فقط، أضف إلى كلمة إنسان مسلم عربي مثقف تنطبق على مليون أو مليونين، أضف إلى كلمة مسلم عربي مثقف طبيب، كلما أضفت صفةً ضاقت الدائرة، هذا مثل أمثل به لحقيقة خطيرة، إن:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية 19-23 ]

 ضاقت الدائرة.

 

﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية 24-31 ]

 إذاً أمام التحديات التي تواجهنا كأن هناك حرباً عالميةً ثالثاً معلنةً على المسلمين في شتى بقاع الأرض، في الشيشان، في أوربا، في أسيا، في إفريقيا، ما من بلد في العالم إلا وفيه حرب ضد المسلمين.
 أنا كمسلم معي هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ماذا أفعل ؟ أول بند في هذه المحاضرة قوله تعالى:

 

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾

 

[ سورة مريم: الآية 59 ]

 بالمفهوم المخالف لو أننا أحكمنا اتصالنا بالله وتركنا كل شهوة لا ترضي الله هذا أحد بنود الخلاص، حينما قال الله عز وجل:

 

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 قالوا: القلب السليم هو القلب الذي برأ من شهوة لا ترضي الله وبرأ من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله، وبرأ من تحكيم غير الله، وبرأ من عبادة غير الله.
 نحن كمسلمين في وضع صعب جداً الأعداء من كل جانب، العالم كله يتآمر علينا ما لنا إلا أن نتمسك بمنهج الله، أن ندع كل شهوة لا ترضي الله وأن نحكم اتصالنا بالله.
 إخواننا الكرام:
 يمكن أن تقف وأن تقرأ الفاتحة وأن تركع وتسجد ولكن الاتصال بالله شيء آخر، هذا يحتاج إلى استقامة، يحتاج إلى أن تقيم الإسلام في بيتك، يحتاج إلى أن تكون تجارتك إسلامية، وبيعك إسلامي، وسفرك إسلامي، وإقامتك إسلامية، وأفراحك إسلامية، وأتراحك إسلامية لا سمح الله ولا قدر، يجب أن يكون الإسلام مطبقاً نحن في بحبوحتين ونحن في آمنين مادمنا نطبق سنة رسول الله وما دمنا نستغفر الله والدليل:

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) ﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 33]

 نحن في بحبوحتين، بحبوحة تطبيق السنة وبحبوحة الاستغفار، هذا هو البند الأول في المحاضرة أن نبتعد عن كل شهوة لا ترضي الله وأن نحكم اتصالنا بالله.
 في الآية التي ذكرتها في مطلع المحاضرة:

 

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 أي دين يمكنه الله عز وجل ما دمنا نشكو عدم التمكين ؟ أي دين يمكنه الله عز وجل ؟ هذا الدين مقيد بصفة قال تعالى:

 

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 فإن لم يمكنوا معنى ذلك أن دينهم لم يرتضيه الله لهم، فليكن ديننا دين تطبيق لا دين مظاهر، دين التزام لا دين افتخار، دين منهج مطبق لا دين استعراض ، قد يغدو الدين فلكلوراً عادات وتقاليد، قد يقول أحدهم أنا عندي خلفية إسلامية، أو عندي أرضية إسلامية، أو نزعة إسلامية، أو عندي اهتمامات إسلامية، أو عندي عاطفة إسلامية وهو ليس يطبق من الدين شيئاً، نريد ديناً يرتضيه الله لنا حتى نمكن وإن لم نمكن الدليل القطعي أن ديننا لم يرتضيه الله لنا، قد يكون دين أناشيد أو دين ولائم، أو دين مظاهر، أو دين مؤتمرات، ألقاب علمية هذه لا تقدم ولا تؤخر، ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله، إليكم هذا الحديث الشريف والله يقصم الظهر:

 

((عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ؟ جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا))

 

[ ابن ماجه ]

 كلما قل ماء الحياء قل ماء السماء وكلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة وكلما رخص لحم النساء غلا لحم الضأن، قال تعالى:

 

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

 

[ سورة الجن ]

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾

[ سورة الأعراف: الآية 96]

 أيها الإخوة الكرام:
 فيما بينك وبين نفسك تأمل دقق هل ما أنا عليه يرضي الله ؟ لو أنك أرضيت الخلق جميعاً والله جل جلاله لم يرضَ عنك ما قيمة إرضاء الخلق ؟ النبي الكريم سأل من المفلس بالحديث:

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ قَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ))

 

[ مسلم، أحمد، الترمذي ]

 البند الأول أن نحكم اتصالنا بالله وأن ندع كل شهوة لا ترضي الله، البند الثاني أن نقبل على الله عز وجل وأن نتأمل بهذا الدين الذي نعتز به هل ديننا كما يرضى الله أو كما يرضى الناس ؟ هذا البند الثاني.
 البند الثالث قال تعالى:

 

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾

 

[ سورة إبراهيم: الآية 46]

 إله يقول وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.
 أيها الإخوة الكرام:
 والله هناك مؤامرات تحاك ضد المسلمين تزول لهولها الجبال ولولا أن هذا الدين دين الله، ولولا أن الله يحفظه لكنا في حال غير هذا الحال.
 من هذا المكر أيها الإخوة مكر الإفقار، هناك خطط محكمة عميقة تريد إفقار المسلمين، نقل في حرب الخليج إلى أمريكا سبعمئة وخمسين مليار دولار هي في أوج رواجها الآن ونحن في حضيض كسادنا، الإفقار يسعون لنهب ثرواتنا وأخذ أموالنا وتجهيل أبناءنا.
 ما العبادة الأولى في تحدي الإفقار ؟ أن نكسب المال الحلال وأن نهيء فرص عمل للناس، سيدنا عمر سأل أحد ولاته ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال: أقطع يده، قال: إذاً إذا جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، قال: يا هذا إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
 العبادة الأولى الآن أن نستخرج ثرواتنا وأن نصنع موادنا الأولية وأن نلبس ما ننسج وأن نأكل ما نزرع وأن نستخدم آلةً نصنعها، لذلك مر سيدنا عمر على بلدةٍ وجد فيها كل الفاعليات بأيد غير المسلمين وبخهم وعنفهم فقالوا كما يقول أهل البترول: الله سخرهم لنا. قال لهم: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عنده ! هذا الخليفة الراشد عملاق الإسلام رأى أن المنتج قوي وأن المستهلك ضعيف.
 فما لم نصنع ثرواتنا، ما لم نحقق الكفاية الذاتية في زراعتنا وصناعتنا وتجارتنا، ما لم نعتمد على أنفسنا، ما لم نهيء فرص عمل لشبابنا، ما لم نهيء بيوتاً للزواج، ما لم نهيء أعمالاً لهؤلاء العاطلين فنحن لا نعبد الله، في تحدي الإفقار كسب المال الحلال وتوفير فرص العمل يعد أول عبادةٍ مع هذا التحدي.
 هناك تحدٍ آخر تحدي الإضلال، طرح نظريات علمانية، طرح أفكار شيطانية، طرح مذاهب وضعية، تأصيل الدين وترسيخ تعاليمه وتأكيد قيمه هو العبادة الأولى، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت: الآية 33]

 أيها الإخوة الكرام:
 هناك ما يسمى بالعولمة وهو والله كالحيونة تماماً، عودة بالناس إلى مرتبة الحيوان، شيوع الزنا، شيوع الشذوذ، زواج الأقارب، أن يمارس الشباب الجنس في بيوت آبائهم، الإجهاض المشروع الآمن، عقد الزواج عقد بين شخصين لا بين امرأة ورجل بل بين رجل ورجل وبين امرأة وامرأة، هذه العولمة، نحن بحاجة إلى ترسيخ تعاليم ديننا، أن نأتي بالدليل التفصيلي أن نرد على كل شبهة بالدين.
 عقد مؤتمر السكان بالقاهرة ومؤتمر سكان في بكين والنتائج لا ترضي، النتائج هذا الذي قلته قبل قليل ولابد إلى هذا العالم الثالث من أن يصدر قوانين تكرس هذه التوصيات وإلا يعاقبون، ففي تحدي الإضلال لابد من عبادة الدعوة إلى الله وهي أول عبادة، الدعاة أيها الإخوة كثرتهم قلة فكيف إذا كانوا قلة ؟ لابد من التعاون، لابد من أن ينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا وأن نتعاون فيما اتفقنا، لابد من أن نحمل هموم المسلمين جميعاً، لابد من أن نضع حظوظنا تحت أقدامنا من أجل خدمة المسلمين، لابد من أن ندعو إلى الله مخلصين، لابد من التعاون، لابد من التفاهم، ما من وقت مر على المسلمين وهم في أمس الحاجة إلى التعاون من هذا الوقت، مشكلتنا نكون أو لا نكون، حياة أو فناء.
 في تحدي الإضلال ترسيخ مبادئ الدين وتعزيز قيم الدين والإتيان بالأدلة التفصيلية ورد الشبهات الغربية أول عبادة.
 لذلك أيها الإخوة نحن في أمس الحاجة إلى الدعاة فإن لم تكن داعيةً فادعم داعية إلى الله، هؤلاء طلاب العلم، والله كنت في مؤتمر إسلامي في القاهرة وألقى كلمة مندوب نيجيريا والله ما سمعت كلمةً في صدقها وفي فصاحتها وفي عمقها كهذه الكلمة ثم قال: أنا درست في الشام. والله شعرت بنشوة ما بعدها نشوة، هؤلاء طلاب العلم الذين أمامكم لعلهم في بلادهم دعاة إلى الله لعلهم علماء كبار، ففي تحدي الإضلال لابد من توفير الدعاة إلى الله، نحن الآن بحاجة إلى دعاة يذهبون إلى بلاد الغرب لأن هذه البلاد بلاد قوية جداً وفيما يبدو مصير العالم بيدها فيما يبدو، قال تعالى:

 

﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾

 

[ سورة يونس: الآية 24]

 لو وفرنا دعاة إلى هؤلاء الأقوياء لعلهم تأثروا بقراراتهم بنا، ستة ملايين يهودي في أمريكا يسيرون سياستها الخارجية، المسلمون عشر ملايين لكن بتفرقتهم ضعفاء لو اجتمعوا ولو كانوا دعاةً إلى الله صادقين لغيروا القرار الأمريكي.
 قال بعض المسلمين من أمريكا وقد حج بيت الله الحرام قال: نحن أقوى قوة في الأرض هكذا يقول، لكن لو أقنعتمونا بإسلامكم كانت قوتنا لكم.
 في تحدي الإضلال لابد من أن ننهض جميعاً لنشر الحق في الآفاق والله الذي لا إله إلا هو لو أن الجاليات الإسلامية في العالم الغربي كانت ملتزمةً بالدين أو لكان حالنا غير هذا الحال.
 أيها الإخوة:
 التحدي الثالث تحدي الإفساد، الغرب حاربنا بالمرأة يعني الاحتلال العسكري أهون من الغزو الثقافي، الاحتلال تقاومه وأنت مناضل أما هذا الغزو الثقافي أحال كل بيت إلى ملهى، هذا الذي تبع شهوته شلت قدراته أصبح كالخرقة، هكذا الذي حصل ففي تحدي الإفساد لابد من إنشاء تيار روحي قوي، لابد من تلاوة القرآن وذكر الله وقيام الله، لابد من أن نجتمع وأن نتعاون وأن نحيي الليالي الفضيلة، وأن نكون مع بعضنا بعضاً قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلاةُ إِلا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ ))

 

[ النسائي، أبو داود، أحمد ]

 الرد على تحدي الإفساد أن نتمسك بأهداب الفضيلة وأن نبتعد عن هذه الملهيات وعن هذه البرامج وعن هذه المسلسلات إنها تحيل أبناءنا إلى شاردين عن الله عز وجل، الإنسان وعاء كيف تغذي هذا الوعاء؟ يعطيك من صنبوره الأسفل فإذا كانت التغذية قصصاً وأعمالاً فنيةً ساقطةً عند الله ماذا تنتظر من شبابنا و شاباتنا لابد من أن نغذي أولادنا أن نغذيهم بالحق بالقرآن بالسنة بسير الأبطال من المسلمين.
 ففي تحدي الإفساد لابد من أن نعتني بالجانب الروحي ليكون هذا الجانب الروحي قوةً تقف في وجه هذا الانحلال.
 أيها الإخوة الكرام:
 لعل قبل خمسين عاماً تجد إنساناً متوسطاً في علاقته مع الله الآن ولي أو إباحي، ولي يصلي ويصوم ويتصل بالله عز وجل أو مدمن على هذه الصحون حتى الفجر في قنوات المجاري إلى أن يطلع الفجر، ليس في حياتنا حل وسط صار لابد من التمسك تمسكاً تاماً.
 تحدي الإذلال، تحدي الإذلال لابد من أن نعتز بهذا الدين، لابد من أن نضع تحت أقدامنا كل شيء يبدو لنا ثميناً في سبيل عزتنا وكرامتنا.
 سيدنا عمر جاءه ملك، ملك جبلة بن الأيهم جاءه مسلماً رحب به ولكن أثناء طوافه حول الكعبة داس بدوي من فزارة طرف ردائه فانخلع رداءه من عن كتفه فالتفت إلى هذا البدوي وضربه على أنفه ضربةً هشمت أنفه، ذهب هذا البدوي إلى سيدنا عمر شاكياً، استدعاه عمر، قال له: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ قال: لست ممن يكتم شيئاً أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي، قال: أرضي الفتى لابد من إرضائه مازال ظفرك عالقاً بدمائه أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك، قال: كيف ذاك يا أمير ؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟ قال: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديدا وتساوى الناس أحراراً وعبيدا، قال: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز أنا مرتد إذا أكرهتني، قال: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه كل صدع فيه بشبا السيف يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
 من أجل مبدأ ضحى بملك، نحن أحياناً من أجل درهم ودينار نشيع الدعارة في بلادنا، لابد من أن نضع تحت أقدامنا كل مصلحة لا ترضي الله لو أرضتنا في دنيانا لكن تغضب الله عز وجل. في تحدي الإذلال لابد من أن نعتز بهذا الدين.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت.
 وأما في تحدي الاجتياح فلابد من الجهاد في سبيل الله، الجهاد على أنواع ثلاثة، جهاد النفس والهوى وهذا هو الجهاد الأول والمهزوم أمام نفسه ليمكن أن يقاتل نملة، والجهاد الثاني هو الجهاد الدعوي وهو الأصل:

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

[ سورة الفرقان: الآية 52]

 أما إذا اجتاح العدو أرضنا لابد من الجهاد القتالي.
 أيها الأخوة الكرام:
 شيء آخر حينما قال الله عز وجل:

 

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾

 

[ سورة إبراهيم: الآية 46]

 الآن دقق والله آية كريمة فيها كلمات معدودة لو عقلناها لحلت بها كل مشكلاتنا هذا كلام خالق الكون وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، دققوا في الآية:

 

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 120]

 كيدهم ينتهي، مؤامراتهم تنتهي، سيطرتهم تنتهي، تفوقهم العسكري ينتهي، خبثهم ينتهي، المال الذي بين أيديهم ينتهي، وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً هذا كلام خالق الكون، معنى ذلك أن أدع كل شهوة لا ترضي الله، وأن أحكم اتصالي بالله، وأن يكون ديني ديناً يرتضيه الله، هذه سبل الخلاص وأن أقبل التحدي فأجعل من عبادتي عبادةً بحسب الوقت، ذكرت قبل ذلك العبادة بمفهومها العميق أن تعبد الله فيما أقامك، أقامك غنياً عبادتك الأولى إنفاق المال، أقامك عالماً عبادتك الأولى تعليم العلم، أقامك قوياً عبادتك الأولى إحقاق الحق، أقامكِ امرأةً عبادتك الأولى رعاية الزوج والأولاد.
العدو يتحدانا إفقاراً العبادة الأولى كسب المال الحلال وحل مشكلات المسلمين، العدو يضلنا عبادتنا الأولى ترسيخ مبادئ الإسلام وتعزيز قيم الإسلام، العدو يريد أن يذلنا العبادة الأولى أن نعتز بهذا الدين لا تقل معي قرحة لا أشرب الخمر قل أنا مسلم لا أشرب، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت: الآية 33]

 سمعت أن وزيرةً جاءت إلى بلد إسلامي استقبلها الوزير المماثل لها، وزيرة نفط بريطانية، فاستقبلها في المطار وزير النفط معه كبار موظفيه أحد كبار موظفيه ملتزم لا يصافح النساء فامتنع عن مصافحتها فغضبت غضباً لا حدود له عدت هذا إهانةً لها فالوزير في هذا البلد الإسلامي تضايق منه جداً قال له: لو أنك صافحتها ماذا حدث ؟ طرده من وليمة في الظهيرة، هذه الوزيرة التي لم تصافح من قبل أحد الملتزمين سألت الوزير هذا الذي لم يصافحني لما لم يصافحني ؟ قال: والله لا أدري، قالت: أين هو ؟ قال: لعله اعتذر، قالت: أريده. فاضطر أن يأتي به، سألته: لما لم تصافحني ؟ قال: والله أنا مسلم وديني يمنعني أن أصافحكِ أنت امرأة أجنبية، ماذا قالت هذه الوزيرة للوزير الذي غضب أشد الغضب من عدم مصافحتها ؟ قالت له: لو أن المسلمين أمثال هذا لكنا تحت حكمكم.
 اعتزوا بهذا الدين.
 أيها الإخوة:
 حينما نتقي ونصبر، نصبر على ماذا ؟ نصبر على قضاء الله وقدره، ونصبر على طاعته وعن معصيته، وحينما نتقي أن نعصي الله، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾

 

[ سورة الأحزاب: الآية 71]

 من أصبح أكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه وشتت عليه شمله ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح أكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة.
 وقد ورد في الأثر القدسي:

 

((ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلته له من بين ذلك مخرجا وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه وقطعت أسباب السماء بين يديه.))

 أيها الإخوة:
 كيد الكفار من بعثة رسول الله وإلى يوم القيامة تتلخص بهذا الآية:

 

 

﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 73]

 هم الطرف الآخر الأول أن ننهج نهجاً غير نهج الله، أن ندع نهج الله وراء ظهورنا وأن نبقى في العبادات الشعائرية، العبادات الشعائرية مقبولة صلي وصم وحج، أما نظامنا الاقتصادي، نظامنا الاجتماعي، نظامنا الحياتي هذا علماني غربي، هذا حال المسلمين فهموا الإسلام صوماً و صلاةً وحجاً وزكاةً ليس غير، لم يفهموه تعاوناً، لم يفهموه تجارةً إسلاميةً صناعةً إسلاميةً، تجد بعض أرباب المعامل يضع إعلاناً والذين يقومون بالإعلان نساء شبه عرايا وهو من رواد المساجد وهو يصلي يجب أن ترى الإسلام ظاهراً في تجارته وفي صناعته، وفي زراعته، وفي سفره وفي إقامته.
 فيا أيها الإخوة الكرام:

 

﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ﴾

 

[ سورة الإسراء ]

 قال بعض العلماء: الله جل جلاله ربى الأمة بعظيمها. النبي عليه الصلاة والسلام وهو ما هو لو أنه حاد عن منهج الله قليلاً جاء العقاب الإلهي.
 أيها الإخوة الكرام:
 يمكن أن ألخص هذا من خلال القرآن الكريم أن نقيم الصلاة وأن نتقي الله وأن نعتصم بالله وأن نعبد الله العبادة التي تنبغي في كل وقت، الدين دين الحياة وليس دين فكر فقط، دين حياة كأن منهج الله عز وجل مئة ألف بند أما أن نكتفي بعبادات شعائرية نؤديها شكلاً ونتوهم أننا مسلمون هذا خطأ كبير.
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الصواب والخير وأنا أنتظر بعض المداخلات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كل الشكر للأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على المحاضرة القيمة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يديم نفعه وأن ينفعنا بعلمه.
 الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي:
 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وأصلي وأسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. قد سمعتم أيها الإخوة الكرام هذا الحديث الشيق من الأخ المحاضر محمد راتب النابلسي الذي ليس هو جديد على الساحة وإنما هو أصيل في هذا الميدان وهو مربي.
 كل فئة يكون فيها عناصر من المسلمين فقد سمعتم وعرفتم أن التحديات الخارجية متعددة أو المعاداة للوجود الإسلامي في النواحي المادية، ثم التحدي الثاني هو تحدي الإضلال، ثم الاجتياح كل ذلك من الدول الأجنبية بمخططات مرسومة وتنفذ في الأوقات، فهذه التحديات المتنوعة قوية بسبب استطاع فضيلة الأخ أن يدلكم على طريقة الصحيحة التي تجعلنا نقف بسمو وبعز وبقوة أمام هذه التحديات، التمسك بدين الحق والالتزام بما طلب الله به في كتابه وسنته وعمل به الصحب الكرام أساساً في نفوس المؤمنين على مدى هذه القرون الأربعة عشر ونيف، بغير هذا الطريق لا يمكن أن تعلو كلمة المسلمين، وإن كانت كلمة الإسلام هي العليا دائماً فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه، والإسلام هو الدين الحق الذي لا يمكن أن يكون له نظير ولا يمكن أن يكون له مقارن فالله سبحانه وتعالى أنزل هذا الدين و هو دين الحق القويم، قال تعالى:

 

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 33]

 لابد من أجل استعادة هذه العزة ومن أجل استرداد هذه الأمجاد المسلوبة ومن أجل العودة إلى الطريق الصحيح ينبغي أن نبدأ بما بدأ به المسلمون الذين تربوا في مدرسة الرسول في ذلك المنهج الإلهي الصحيح، لا تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، لذلك الطريق الحق، والمنهج واضح ولكن العيب في أنفسنا نحن أصبحنا عبيداً لمصالح شخصية وأهواء إن الانتصار لنفوسنا.
 فعلينا أن نتمسك بشيئين هما الأساس الذي قام بهما وعليهما هذا الدين هو الالتزام بالحق الذي جاء به القرآن والسنة الصحيحة والأساس الثاني هو الأمانة فالأمانة بكل شيء الأمانة في الحرب، الأمانة في القيادة، الأمانة في السياسة، الأمانة في الاقتصاد، الأمانة في العبادة، الأمانة في الأخلاق، الأمانة في السلوك، الأمانة واضحة المعالم وهي ما ضيعناه الآن وبتضيع الأمانة افتقد المسلمون هذا الأساس الذي يحمون به دين الحق عندئذٍ تزول شخصيتهم ولا تعتز بكرامتهم، وينهار وجودهم ولا يعد لهذا الوجود بسبب افتقارهم.
 تعلمون كلمة سيدنا عمر المشهورة كنا قوم فأعزنا الله بالإسلام ومن ابتغى العزة بغير ما أعزه الله به أذله الله. وتحدي الإذلال الذي أشار إليه الأخ هو المقصود من كلام سيدنا عمر ويجب أن نعد العدة وننتصر على نفوسنا وأهوائنا ونأخذ من معين هذا الدين لنكون عناوين طيبة ومشرفة لهذه الأمانة التي افتقدناها في عصرنا الحاضر أشكر لكم التقدير وإلى فضيلة الأستاذ وجزاكم الله خير الجزاء عما قدم.....والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 شكراً لأستاذنا الكريم وهبة الزحيلي ونشكر ثانيةً أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي على محاضرته وإلى اللقاء إن شاء الله أستودعكم الله الذي لا تخيب عنده الودائع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

تحميل النص

إخفاء الصور