وضع داكن
19-05-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 38 - علاقة المؤمن بعباد الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

إليك حديث هذا اليوم, وما يتضمنه من معنى :

 أيها الأخوة, هناك حديث قدسي في الصحاح, في صحيح مسلم, لو أن المؤمن استوعبه, لكانت علاقاته بالناس متميزة.
 تصور أن إنساناً؛ تحبه كثيراً, وتقدره كثيراً, وتبجله كثيراً, وله عليك أياد بيضاء كثيرة, وقدم لك خدمات كثيرة, رأيت ابنه في الطريق, تبذل قصارى جهدك لإكرامه؛ لأن إكرام هذا الصغير, إكرام لأبيه.
 هذا الحديث القدسي, الذي رواه النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه, هذا الحديث لو استوعبناه, كلما التقيت بإنسان, كائناً من كان؛ من أي جنس, من أي دين, من أي انتماء, ومن أي ملة, من أي هوية, من أي منطقة, تكرمه؛ لأنه عبد لله .
 الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((إن الله عزَّ وجلَّ يقول يومَ القيامة: يا بنَ آدمَ! مَرِضْتُ فلم تَعُدْن، قال: يا رب, كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده؟ يا بنَ آدمَ! اسْتَطْعَمْتُكَ فلم تُطعمني، قال: يا رب، كيف أطعِمُكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: أمَا علمتَ أنه استطعمكَ عبدي فلان فلم تُطْعِمْهُ، أمَا علمتَ أنَّكَ لو أطعمته لوجدتَ ذلك عندي؟ يا بنَ آدم! استَسقيْتُكَ فلم تَسْقن، قال: يا رب، وكيف أسقِيكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: اسْتَسقَاك عبدي فلان، فلم تَسْقِه، أما إنَّك لو سَقَيْتَهُ, وجدتَ ذلك عندي))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]

 تصور طبيباً, عنده مريض, المريض عبد لله, تصور محامياً, عنده موكل, تصور بائعاً, جاءه إنسان موظفاً, وقف أمامه مواطن, إذا كان رؤية الإنسان: أن هذا عبد لله, وإكرامي له: إكرام لله, وحرصي على مصلحته: تقربٌ إلى الله, وحل مشكلته: رضاً من الله, اختلفت علاقات الناس كلها, تجد قلباً قاسياً مثل الصخر, ممكن أن ترحمه بكلمة, ممكن أن ترحمه بموافقة.
 أعرف شخصاً, كلفه مراقب بثمانمئة ألف, صار في توسط, بعشرين ألفاً أصبحت, أنت أنهيته, هذا يمكن أن يموت بجلطة على التكليف, ما كان فيك أن ترحمه من قبل؟ لما صار في واسطة, نزل المبلغ!.
 لما نعامل بعضنا بقسوة, وكأن الله ليس له علاقة, كأن هذا الإنسان ليس بشراً, قد أتى من حائط, أما لو عرفته عبداً لله عز وجل, وإكرامه إكرام لله, لا تسأل من هو؟ ولا من أين؟ أنا أقول: من أي ملة, من أي محنة, من أي اتجاه, من أي مكان, من أي لغة, من أي لون, من أي عرق, من أي جنس, المؤمن ماذا يرى؟ يرى أن هؤلاء الناس عباد الله, كل هؤلاء الناس عبيد له, والإنسان بنيان الله, وملعون من هدم بنيان الله, هذه رؤية رآها المؤمن, الكافر لا يراها, هذا ليس منا, هذا من جماعتنا, هذا ضدنا هذا....., تجده يعيش بحالات التبذل, والتعصب, والحقد, والكراهية, والإيذاء, والقلق, أما المؤمن ....
 أنا أقول: الطبيب لا يوصى المؤمن, ماذا تريد أن توصي فيه؟ طبيب مؤمن لا يوصى, محام لا يوصى, مؤمن مصلح, وكيل للطرفين, القضية: قضية رؤية, هذا الذي أمامك من هو؟ هو عبد لله .
 أنت قد تكون موظفاً, ومعك سلطة, أنت تستطيع أن تضعه في السجن شهرين, وأنت موظف تموين, فلما ترى إنساناً؛ له أهل, له أولاد, ورأس ماله غال, أو أخطأ .....
 أخواننا الكرام: الرحمة التي في قلبك دليل إيمانك, ما في رحمة مهما بذلت من عبادات, صدق أنها تأتي أدراج الرياح, لأن العباد عباد الله, الذي يقربك من الله عز وجل: خدمة العباد, الذي يقربك من الله عز وجل: أن ترحم العباد. فالمؤمن يرى أن الإنسان عبد لله, أنا مهمتي أكرمك.
 أنتم لاحظتم أنفسكم أحياناً: يكون ابناً غالياً عليك جداً, تجد تعمل جهدك؛ أن تعطيه سكرة, تحمله, تقبله, أنت ماذا ترى؟ أن هذا الابن أكرمته إكراماً للأهل, هكذا الحياة.
 لما يكون موظفاً, يكون طبيباً, يكون مهندساً, يكون محامياً, يكون معلماً, هذا الابن غير معقول, أضربه ضرباً مبرحاً؛ له أب, له أم, الله يراني.

((اعلم أبا ذر! أن الله أقدر منك عليه))

 لو صحت الرؤية للناس, الإنسان أمامك عبد لله, وهذا الإنسان بنيان الله, وملعون من هدم بنيان الله.
 ليس معقولاً الذات الإلهية, العالية, يقول:

((يا بنَ آدمًَ! مَرِضْتُ فلم تَعُدْني، قال: يا رب, كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟))

 إذا كان عبدي مرض, وذهبت؛ زرته, وواسيته, وصبرته, كأنك زرتني لي, وواسيتني, وصبرتني, هكذا الحديث.
 وفي نقطة بالحديث أيضاً: الحديث معروف جداً, مألوف, آلاف العلماء يتحدثون عنه, لكن في نقطة, كانت غائبة عن ذهني:

((أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده؟))

 معناها: لما ربنا عز وجل, يأخذ منا جزء من الصحة, سلبك بعض الصحة, عوض لك مكان الصحة التي سلبت منك, وجود الله معك, يعني: عوضك قرب, أنت لا ترى, أنا مثلاً: لا يوجد معي أموال, لكن: أصبحت ....
 أحياناً: لا يوجد معك أموال, قريب من الله, هكذا نفسك أصبحت شفافة, لطيفة, أحياناً: مرض بسيط, مقلق, تجد كسرت أنت, هدأت؛ الله معك, قربك منه, أحياناً: الرخاء يقسي القلب:

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾

[سورة البقرة الآية :74]

 الغنى يقسي القلب, القوة, الصحة, ما فيه شيء كالحصان, تجد عنده تجبر, عنده قوة, عنده استعلاء, متى تصبح ناعماً؟ .
 أخ عمل بحكم الإلزامية عند شخص, قال لي: تجبر غير معقول, كلامه لا يحتمل, استعلاؤه لا يحتمل, سيطرته لا تحتمل, قال له مرة كلمة, قال: كيف حالك يا فلان؟ إن شاء الله مرتاح؟ عقب المرض: أصبح شفافاً, الله عز وجل بالمرض يهذب الإنسان, يقربه, يصفيه.
 فالحديث له نقطتين, إذا أخذ منك شيء, يعوضه أشياء.

ماذا تفهم من هذه الخطبة للنبي ؟

 أيها الأخوة, في خطبة للنبي -والله لا أشبع منها- جامعة مانعة, يقول عليه الصلاة والسلام في بعض الخطب:

((إن هذه الدنيا دار التواء, لا دار استواء –لا تصح مع شخص بالمئة المئة مستحيل, وترون بأعينكم؛ عنده أولاد, دخله قليل, معمي قلبه بالأولاد, عنده ملايين, ما عنده ولد, يتمنى ولداً, يدفع مئة مليون, ما عنده ولد, عنده أولاد, دخله جيد, زوجته لا تعجبه, زوجته جيدة, معه مرض, سليم, دخله قليل, تجد كل شخص, ينقصه شيء, (الدنيا: تمر, وتغر, وتضر)- ومنزل ترح –يعني: إذا اغتنيت خمسين علة بالجسم؛ وهذه مشكلة, وهذه تتفاقم, وهذه جلطة, وهذه ركبة.....وإذا كان لا يوجد فيك شيء: عندك مليون حاجة, ما معك سعرها, وإن وفرت هذه, تجد عندك مشكلة في عملك؛ وهنا في قلق, وهنا في خوف, وهنا في تهديد, وهنا في.....- ومنزل ترح, لا منزل فرح –وابنته لم يأت أحد ليخطبها, وقد كبرت, وسيفوتها قطار الزواج, والأخرى زوجها لا يحتمل؛ تجد يذل عمه, ويذل بيت حماه, وإذا كان لم يزوجها, جالسة في وجهه, وإذا كان زوجها في مشكلة مع صهره, وإذا لم يأته بنات محروق قلبه, وإذا جاءه صبيان.....وإذا كان كبر, خمسين علة بجسمه, وأدوية– قال: فمن عرفها, لم يفرح لرخاء -موقت- ولم يحزن لشقاء, قد جعلها الله دار بلوى, وجعل الآخرة دار عقبى, فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً, وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا, فيأخذ ليعطي, ويبتلي ليجزي))

 هذه الخطبة تجبر الخاطر, إذا أخذ منك شيء:

((فيأخذ ليعطي, ويبتلي ليجزي))

 هذا يذكرنا علماء التوحيد, منعوا أن تقول: الله جبار, لا يجوز, منعوا أن تقول: الله قابض, منعوا أن تقول: الله خافض, منعوا أن تقول: الله مذل, أوجبوا أن تقول: مذل معز, خافض رافع, قابض باسط, ضار نافع, أي يضر لينفع, يخفض ليرفع, يذل ليعز, يقبض ليبسط, يسوق معصية, يتوب صاحبها, لما يتوب يعطيه, سلب ليعطي, أذل ليرفع.

إليكم المغزى من هذه القصة :

 أنا أعرف شخصاً, الله عز وجل قد آتاه من الصحة, والرشاقة, والجسم الرياضي, ودخل غير محدود, وبيت بالمالكي, وسيارة, لا يوجد عنده مشكلة, أنا كنت أقول: إذا كان يبكي مليون إنسان, هذا لا يبكي, مرة زرته, بكي بكاء كثيراً, خير إن شاء الله! عمل عملية في زمانه, والعملية نجحت, لما صار في جرح, والجرح التحم, أعطى ندبة, أثناء التصوير: ظنوا أن الندبات سرطان, خطأ في التشخيص, وبني على الخطأ أخطاء, حتى توهم معه سرطان بالعقد اللمفاوية, قال لي: يريدون أن يضعونني على المشرحة بباريس, ويطالعون كل أحشائي للخارج, ويزيلون العقد واحدة واحدة, واحتمال نجاح العملية: بالمئة ثلاثون, أقسم بالله, قال: مرة كنت ذاهباً للميدان, ذهبت للمزة, لم أر في عيوني, بعد ذلك: أصبح الأمر سليماً, ولا يوجد شيء, والآن: ما في مشكلة, لكن لما بكى, قرب من الله عز وجل, معتد بنفسه؛ إعجابه بصحته, بوضعه, بدخله, ببيته, إعجاب حجبه عن الله عز وجل, الله خلق له مشكلة, لا تقل: كل مشكلة مشكلة, كل مشكلة نعمة تكون.
 الله عز وجل قال:

﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾

[سورة لقمان الآية:20]

إليكم المزيد في التوسعة من معنى هذا الحديث: (يا بن آدم! مرضت فلم تعدن .....) :

 أيها الأخوة, الحديث هذا إذا استوعبناه, والله في أي حرفة؛ أنت طبيب, ومهندس, محام, موظف, أي إنسان تعامل, أي إنسان كائناً من كان, على أنه عبد لله, تتوسع أكثر؛ تعامل القطة, تعامل الحيوان, مخلوقاً, لو قتلت مخلوقاً, تقتله وفق السنة.
 قال:

((إِذا قَتلتُم فأحسِنُوا القِتلة, وليُحدَّ أحدُكم شَفرَته، ولْيُرِحْ ذبيحَته))

 تنشأ عندك عواطف اتجاه المخلوقات كلها, لقد رأيت كيف تذبح الدجاجة؟ ذبحها, ينزلها بماء يغلي, حتى ينتفها, ريحها, الله قال:

﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾

[سورة الحج الآية:36]

 لتستقر, هي طيبة؛ مع ألم الذبح, ألم الاحتراق, ما في رحمة, وإذا الإنسان لا يَرحم, لا يُرحم
 قانون الرحمة:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية:159]

 توصل: ترحم, تلين: يلتفون الناس حولك, تنقطع: تقسو على الناس, ينفضون من حولك, فإذا كان قلب ما في رحمة, هذا أبعد قلب عن الله عز وجل, في إنسان لا يهمه, شخص يتعذب أمامك؛ تحل مشكلته بكلمة منك, تحل بمخابرة تلفونية, تحل بمبلغ مالك مئة ضعف عنه, أنت لا تؤديه.
 فهذه قاعدة, الحديث هذا منهج:

((مَرِضْتُ فلم تَعُدْن، قال: يا رب, كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده؟ يا بنَ آدمَ! اسْتَطْعَمْتُكَ فلم تُطعمن، قال: يا رب، كيف أطعِمُكَ وأنتَ ربُّ العالمين؟ قال: أمَا علمتَ أنه استطعمكَ عبدي فلان فلم تُطْعِمْهُ، أمَا علمتَ أنَّكَ لو أطعمته لوجدتَ ذلك عندي؟))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]

 انظر: المرض غير الطعام؛ الأولى: (لوجَدتني عنده), الثانية: (لوجدتَ ذلك عندي), معي لا تضيع يا عبدي.
 يقولون: هكذا قرأت, مرة أبو جهل قبل البعثة, طرق باب النبي, ابنته فاطمة صغيرة قال لها:

((أين أبوك؟ قالت: لا أعرف, فضربها, علم أبو سفيان, فحمل الطفلة, وذهب إليه, قال لها: اضربيه, علم النبي مساء, رفع يديه هكذا, قال: يا رب لا تنساها لأبي سفيان))

 من وفائه -اللهم صل عليه-, الطفلة الصغيرة التي ضربت بلا سبب, أخذ لها حقها, حملها, وأخذها, قال لها:

((اضربيه, قال: يا رب لا تنساها لأبي سفيان))

 لا يمكن أن تعمل عملاً طيباً, تخدم إنساناً لوجه الله....
 في قصة تبدو غريبة جداً, معقول إنسانة تسقي كلباً, هي في الظاهر مستحيل, لكن قال: هذه بصحراء؛ لأنها لقيت كلباً عطشاناً, هذا العمل لا يمكن أن يكون في إشراك, ولا في رياء, لا يراها أحد, لكن شعرت برحمة لهذا الكلب, فكان العمل البسيط, سبب مغفرة الله لها.
 فأنت أحياناً: تخدم إنساناً, تعاونه لوجه الله, في مئة موظف, إنسان يقوم معك, يدور بالمعاملة من مكان لمكان, هو له مكانته, يحل كل مشكلة, تفضل لوجه الله.
 تجد إنساناً ليس طبيعياً؛ هذا الإنسان الطبيعي, هذا الإنسان المؤمن, الذي يعامل الناس كلهم على أنهم عباد الله.
 انظر إلى الناس العاديين, يضع عراقيلاً, يقول لك: تعال غداً, يأتي قريبه, يخدمه فوراً, أين التي تحتاج إلى عشرة أيام؟ عملها, أين التي تريد أن تأتي لي بورقة مصدقة من الخارج؟ أصبح ليس لها حاجة, كيف دبرتها؟ هذه كلها حجة على الإنسان, لأنك تعرفه, لم يعد يوجد ولا عقبة, لم يعد في ولا مشكلة, لأنك لا تعرفه, خلقت له مليون عقبة, هذا كله الإنسان يتحاسب عليه.

((إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي))

 هذا الحديث منهج كبير جداً, أي إنسان أمامك؛ تصوره عبداً لله, والله يراقبك, والله يريد أن يعطيك, كيف ستعامله؟ دليل محبتك لله عز وجل.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور