وضع داكن
19-05-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 44 - مفهوم الزمن وانقضائه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

حقيقة لا بد منها :

 أيها الأخوة الكرام, في نهاية رمضان, وفي نهاية العام قبل رمضان, في نهاية الخريف, في نهاية الصيف, في نهاية الربيع, في نهاية العام الدراسي, في نهاية الموسم, يشعر الإنسان بمضي الزمن, والزمن يمضي سريعاً, والذي مضى من الزمن لا يعود, وهذه حقيقة مهمة جداً, والإنسان في الحقيقة بضعة أيام, وكلما انقضى يوم, مضى بضع منه.
 نحن مقبلون على رمضان, ما هو إلا زمن يسير, حتى نحتفل بالعيد, ونبدأ صلاة الفجر بالبقرة, وما هو إلا زمن يسير, حتى ينتهي العام الذي قبل رمضان, وكل إنسان يدرك بضعة رمضانات, وفي النهاية: لا بد من الختام.
 مضي الزمن وحده: معنى كبير, مضي الزمن وحده: يستهلك الإنسان, هو بضعة أيام, كلما انقضى يوم, انقضى بضع منه.
 لذلك: أعقل إنسان, أذكى إنسان, أكثر الناس نجاحاً, تفوقاً, فلاحاً, هو الذي يدرك, أنه في زمن, وأنه محدود, وأنه يمضي, لا يوجد طريقة لتلافي الخسارة, إلا أن تعمل في الزمن عملاً, ينفعك بعد انقضاء الزمن .

ماذا تفهم من هذه الأمثلة ؟

 أيها الأخوة, عندنا شيء اسمه: إنفاق استهلاكي, وإنفاق استثماري, كل هؤلاء الناس يأكلون, ويشربون, وينامون, ويتمتعون, ويكسبون الأموال, لكن: كل هذه الأعمال لا تنفعهم في المستقبل, مع أنه لا بد منها .
 أوضح مثل: إذا الإنسان ملأ حوض السباحة, أو حوض الحمام بماء فاتر, وجلس فيه, شيء مريح جداً, أعصابه تتخدر, مهما جلس في هذا الحوض؛ هل يصبح تاجراً؟ هل يصبح عالماً؟ هل يصبح قائداً؟ الاستمتاع ليس له مردود في المستقبل, الاستمتاع لا ينعكس على المستقبل, ينعكس على الحاضر, والذي يجعل الاستمتاع هدفه, وديدنه, هذا يستهلك الوقت استهلاكاً, ينفق الوقت استهلاكاً, أما الذي.......
 وأوضح مثل: لو إنسان ذهب لفندق جميل, وأقام فيه شهراً, طلب الحساب, قال: مئة ألف, أثناء دفع المبلغ, هذا المبلغ حينما يدفع, هل يعود؟ هذا استهلك.
 لو تخيلنا شركة استثمارية, تعطي على مئة مليون, أثناء دفع مئة ألف للشركة, دفع, هذا استهلاك؟ لا, هذا استثمار, مالك محفوظ, وستربح أرباحاً طائلة, فهذه البطولة: أن تنفق وقتك استهلاكاً أو استثماراً.
 فيقول سيدنا عمر:

((الليل والنهار يعملان فيك, فاعمل فيهما))

 يعني: رُدَّ على تقلب الليل والنهار, بأن تعمل فيهما عملاً صالحاً, يسعدك بعد انقضاء الوقت .
 أيها الأخوة الكرام, من يضحك أخيراً, يضحك كثيراً, ومن يضحك أولاً, يبكي كثيراً.
 الناس تقريباً: تبحث عن ضحك سريع؛ يؤمن بيتاً, يؤمن دخلاً كبيراً, يغير, يرتب, يزين, ضحك, يأتي ملك الموت, فيخل هذا التوازن.
 يعني: وإن كان كلاماً, هكذا سمعت, الذين يأخذون المخدرات, يعيش بأحلام, بإشراقات عجيبة, هذا يذهبه صوت قوي, الحالة هذه من الوهم تزول عنه, فالناس نيام, إذا ماتوا: انتبهوا .
 فالبطولة: أن تستيقظ قبل أن يأتي الاستيقاظ القصري.

بماذا أقسم الله في هذه الآية, وما هو المراد من هذا القسم ؟

 أيها الأخوة, الله عز وجل قال:

﴿وَالْعَصْرِ﴾

[سورة العصر الآية:1]

ٍ

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

[سورة العصر الآية:2]

 الخسارة محققة, الخسارة أكيدة, لأن مضي الزمن, يستهلك الإنسان, إنسان مات, يحسب أنه عاش ثمان وستين سنة, وسبعة أشهر, وثلاثة أسابيع, وخمسة أيام, وثماني ساعات, وأربع دقائق, وثلاث ثوان, ممكن لو كان كله مسجل, يحسب؛ كم وجبة تناول؟ كم سفرة سافرها؟ كم لقاء؟ كم سهرة؟ يحسبون كلهم, محدود الإنسان, فالإنسان محدود, بضعة أيام.
 أيها الأخوة, أكبر خط يصيب الإنسان, أن تغفل عن مضي الزمن:

﴿وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾

[سورة الأعراف الآية:205]

 مرة تحدثت لبعض أخواننا, كان عندي آلة تسجيل, تجيب عن المكالمات, الشريط المتعلق بها أهملته, وجدته من حوالي سنة سمعته, اثنا عشر شخصاً بالشريط توفوا, سافرت, رجعت, أربعة توفوا في غيابي؛ فلان, وفلان, وفلان, وفلان.
 الإنسان كل يوم يخرج من بيته قائماً, يرجع قائماً, في يوم سيخرج هكذا, من دون عودة, كل يوم يدخل للجامع يصلي, في يوم واحد سيصلى عليه.
 أنا أرى عقلك, وذكاءك, وبطولتك, وحصافتك, وفلاحك, ونجاحك, حينما تعد لهذه الساعة عدتها, هذه الساعة لا بد منها.
 إذا قلت لي: شيء واقعي, ليس كل شيء يصيبك تمرض, ممكن ألا تمرض, تفتقر, ممكن ألا تفتقر, أما تموت حتماً, أي شيء: ممكن يقع, وألا يقع, أما الموت: لا بد من أن يقع.
فإذا أدركنا موضوع الموت, وعملنا لما بعد الموت, تجد الناس كلاً يعمل لمصلحته, يريد, قال: يريد أن يركز وضعه, لكن: قلما تجد إنساناً يعمل لآخرته, يعمل عملاً بلا مقابل, لوجه الله, كي يرضي الله عز وجل, والله الذي لا إله إلا هو: هذا أعقل إنسان.
 دائماً: فرقوا بين العقل, والذكاء, قد تكون مختصاً اختصاصاً نادراً, قد تكون تحمل أعلى شهادة, قد تبلغ درجة من الفهم عجيبة, هذا ذكاء, أما العقل: حينما تعرف الله, حينما تعرف سر وجودك, وغاية وجودك, حينما تأتمر بما أمر, وتنتهي عما نهى عنه وزجر, أنت ابن آدم! أطع ربك, تسمى: عاقلاً .

((من هذا؟ -سأل النبي أصحابه عن مجنون-, قالوا: هذا مجنون, قال: لا, هذا مبتلى, المجنون من عصى الله))

 اليوم واحد شوال, نمشي بالتسلسل؛ اليوم ختم القرآن -جزاه الله خير-, رمضان نبدأ به, انتهى, تدخل جامعة أول صف, أخذت الإجازة, انتهى.
 الزمن يجري سريعاً, والزمن له حالة خاصة, هناك يوم مفقود, هناك يوم مشهود, هناك يوم مورود, هناك يوم موعود, هناك يوم ممدود, أخطر هذه الأيام: يوم المشهود, هذا يحدد المورود, والموعود, والممدود, والمفقود, لا تغلب نفسك فيه, انتهى, في كلام أبلغ, وأسرع: ما مضى فات, والمؤمل غيب, ولك الساعة التي أنت فيها, لا تملك إلا هذه الساعة, لذلك: لا تسوف, لا تقل غداً, أو ليس الدهر كله غداً, الناس في غفلة.

انتبه إلى هذه النقطة :

 أيها الأخوة, خيارك مع الإيمان: خيار وقت فقط, من تريد؟ ائت لي بالتاريخ, أكفر كافر الذي قال:

﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾

[سورة النازعات الآية:24]

 إنسان ناجى ربه, قال له: يا رب, هذه رحمتك: لمن؟ قال:

﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾

[سورة النازعات الآية:24]

﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾

[سورة طه الآية:43]

﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾

[سورة طه الآية:44]

 قال: يا رب, هذه رحمتك: لمن؟ قال:

﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾

[سورة النازعات الآية:24]

 فكيف رحمتك بمن قال: سبحان ربي الأعلى؟ والذي قال:

﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

[سورة القصص الآية:38]

 هذه رحمتك به, فكيف بمن قال: لا ﺇله إلا الله؟ .
 أيها الأخوة الكرام, خيارك مع الإيمان: خيار وقت, ففرعون الذي قال:

﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾

[سورة النازعات الآية:24]

 عند الموت قال:

﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾

[سورة يونس الآية :90]

 انظر إلى شارع مزدحم, انظر إلى أناس مجتمعين في ساحة عامة, مئة ألف, مليون, مليونين, كل هؤلاء على اختلاف مشاربهم, واعتقاداتهم, وأنماط حياتهم, وأخلاقهم, عند الموت: يقرون بما جاء به الأنبياء, مئة بالمئة, فقضية وقت؛ إما أن تؤمن بالوقت المناسب, أو بعد فوات الأوان.
 في طالب درس, جاء على البيت, فتح الكتاب, قرأ الموضوع, فهمه, متى فهمه؟ بعد أن قدم الورقة بيضاء, عرف السؤال, لو قدم ورقة للوزير, يرجى إدراج اسمي مع الناجحين, لأنني عدت إلى البيت, وقرأت السؤال, وهذا كلام مرفوض.
 لذلك: خيارك مع الإيمان: خيار وقت فقط, وليس خيار قبول أو رفض.
 فالبطولة: أن نصحو من الغفلة, والآن: غفلة عامة, الناس يعيشون اللحظة فقط, وهم غافلون عما ينتظرهم, ولو كشف الغطاء: لاخترتم الواقع, ويا رب, لو علمت أن غداً أجلي, ما قدرت أن أزيد في عملي, هذه بطولة.
 مرة قلت لكم: قدمت من حلب بباص, وصلنا إلى الشام الساعة التاسعة ليلاً, في أيام الشتاء الباردة, أمطار كأفواه القرب, رأيت إنساناً يركض بالعدوي, كم في ذهنه قناعات للرياضة وقيمتها, والجري وقيمته, وصون قلبه, فلو الناس خالفوه, هذا عنده قناعة ثابتة, يجب أن تملك قناعة ثابتة؛ لا بد من طاعة الله, ولا بد من معرفته, ولا بد من أن تعرفه في الوقت المناسب, وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون رمضان عتقاً لنا جميعاً من النار.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور