وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة - سوريا - الدرس : 01 - مجمع أبو النور - محاضرة في فقه الاختلاف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
 فكلكم يعلم أن موضوع هذه المحاضرة، هي أدب الاختلاف أو فقه الاختلاف.
 الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً أمامكم، بادئ ذي بدء أن الاختلافات بين المسلمين تعود إلى أسباب كثيرة.
 من هذه الأسباب: أسباب خلقية، وأسباب فكرية.
 أما الأسباب الخلقية، ترجع في الدرجة الأولى، إلى الغرور الذي ينتاب بعض المشتغلين بالعلم.
 وقد عقد الإمام الغزالي في باب العلم، فصلاً من أدق الفصول تحدث فيه عن الغرور الذي يصيب المشتغلين بالعلم، وهذا الغرور يعد أحد أسباب الاختلاف المدمرة بين الجامعات الإسلامية.
 وهناك مرض خلقي آخر، أو انحراف خلقي آخر، ألا وهو سوء الظن بالآخرين، سوء الظن بالآخرين مرض من أمراض المسلمين، المسلمون يظنون أن الله سبحانه وتعالى لهم وحدهم، وأن الجنة لهم وحدهم، وأنهم على الحق وحدهم، وما سواهم على الباطل هذه الظنون، والأوهام تعود إلى رذيلة خلقية ألا وهي سوء الظن بالآخرين، ومن أساء الظن بأخيه المؤمن، فكأنما أساء الظن بربه.
 وهناك مرض نفسي آخر، أو رذيلة خلقية أخرى، ترجع إليها الاختلافات بين المسلمين، ألا وهي حب الذات، وحب الزعامة وحب التصدر، وحب الانفراد، هذه كلها أمراض يمكن أن يفسر بها ما يجري بين المسلمين من خلافات مدمرة.
 وهناك رذيلة من رذائل الخلق، أو سبب خلقي تعزى إليه الاختلافات بين المسلمين، ألا وهو التعصب، التعصب لشخص ما أو لعالم ما، أو لمذهب ما أو لطائفة ما، أو لبلد ما، أو لعصر ما.
 والتعصب كما تعلمون: انحياز أعمى، لا يستند إلى أسس صحيحة، ولا إلى أسباب موضوعية.
 أيها الأخوة الأكارم:
 بدئنا بالأسباب الخلقية، لأنها رذائل، وهي من أمراض القلوب التي نهى عنها الشرع الحنيف، وكلما تمثلت إلى أحد الدعاة إلى الله مثل هذه الأمراض، فهي علامة خطيرة على أنه منقطع عن الله عز وجل لو كان متصلاً به، لو كان مقبلاً عليه، لو كان مخلصاً لدينه لكان بريئاً من كل هذه الأمراض، من مرض الغرور، ومرض سوء الظن بالآخرين، ومرض حب الذات، ومرض التعصب الأعمى لشخص، أو لمذهب، أو لفئة، أو لبلد أو إلى ما هنالك.
 هذه في نظر علماء القلوب، في نظر المربين الصادقين أمراض، بل هي أعراض الإعراض، إنها أمراض، بل هي أعراض الإعراض.
 لكن هناك أسباباً ليست خلقية، هناك أسباب لاختلاف المسلمين هي أسباب فكرية، وهي أسباب من حيث الحدة، من حيث الإنكار أقل من الأسباب الخلقية.
 فهناك أسباب بين المسلمين في القضايا العلمية، وهناك اختلاف في القضايا العملية.
 مثلاً: ما الحكمة أن نبدأ من القاعدة ؟ أم أن نبدأ من القمة الذين يرون أنه لابد من أن نبدأ من القمة معهم أدلتهم، ومعهم مبرراتهم، والذين يرون أنه لابد من أن نبدأ من القاعدة معهم أدلتهم ومعهم وجهة نظرهم، إذاً هذا الخلاف لا يعود إلى أسباب خلقية، لا يعود إلى رذائل خلقية، لا يعود إلى حب للذات أو أنانية، أو تأكيد لها ولا يفسر بالانقطاع عن الله عز وجل، ولا يفسر بضعف الإخلاص إنما يفسر باختلاف وجهات النظر.
 فالذين بدؤوا من القاعدة معهم أدلتهم، ونحن نحترم رأيهم والذين أرادوا أن يبدؤوا من القمم، ونحن نحترم رأيهم ومعهم أدلتهم على كلٍ حينما يكون الخلاف فكرياً هذا الخلاف مصدر غناً للإسلام وليس مصدر ضعف لهم، نحن نركز على الخلافات التي تعزى للأسباب خلقية، التي هي أعراض للإعراض التي هي ضعف في الإخلاص، التي هي حب للذات، التي هي تركيز على الأنا التي هي رغبة في الزعامة، والتصدر، والوجاهة، والانفراد، هذه أمراض وإذا قلنا أمراض، يعني هذه النفس ضعف اتصالها بالله عز وجل فتشبثت في الدنيا وتعلقت بها، وتمسكت بحطامها.
 لا تنسوا أن أحد الرجال في عهد سيدنا الصديق عرض عليه قضية فأحاله إلى سيدنا عمر، سيدنا عمر رفض قضيته أشد الرفض وكان يطمع هذا الإنسان أن ينال الموافقة من أبي بكر رضي الله عنه جاء أبا بكر الصديق وأراد أن يوقع بينهما، قال له: الخليفة أنت أم هو ؟ فما كان من هذا الخليفة العظيم والصديق الجليل، إلا أن قال له هو إذا شاء، يعني أيها الإنسان لا تدخل بيننا.
 ولو أن الدعاة إلى الله الذين يتجهون إلى هدف واحد ويسلكون منهجاً واحداً، التقوا، وتواصلوا، وتعرف بعضهم إلى بعض، لكنا بخير شديد، ولكنا بحال غير هذه الحال.
 أيها الأخوة الأكارم:
 سألقي عليكم كلمتين، الثانية بمثابة القنبلة، الاتحاد فيما بين الدعاة إلى الله، وفيما بين الجامعات الإسلامية، وفيما بين المشتغلين في أمور الدين فريضة، والفرقة والله الذي لا إله إلا هو، جريمة الاتحاد فريضة والفرقة جريمة، وإليكم الدليل.
 الله جل جلاله يقول في الكتاب الكريم:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) ﴾

( سورة آل عمران: 100 )

 وهذه الآية نزلت في خلاف بين الأوس والخزرج، بعد هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن هذه الآية لها أسباب نزول، وأسباب نزولها هو أن الفرقة بين المسلمين سماها الله في كتابه الكريم كفراً:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) ﴾

 وكيف تكفرون ؛ أي كيف تختصمون ؟ كيف تقع بينكم العدواة والبغضاء ؟

 

 

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)﴾

 

( سورة آل عمران: 101 )

 لا تنسوا هاتين الكلمتين، الاتحاد فريضة، والفرقة جريمة وهل من عبادة أرقى من تلاوة القرآن الكريم، إن اختلفتم فيه قوموا عنه، لأن اختلافكم أشد عند الله من تلاوة القرآن، اقرؤوا القرآن ما أئتلفت عليه قلوبكم، فإن اختلفتم فيه فقوموا عنه، ما معنى ذلك معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يحبنا أن نكون متعاونين، أن نكون متكاتفين، أن نكون متناصرين.
 إذاً كلمتان دقيقتان في هذه المحاضرة، الاتحاد بين المؤمنين وبين المسلمين، وبين الجامعات الإسلامية وبين الدعاة إلى الله، وبين العلماء الأجلاء، الاتحاد فريضة، والفرقة جريمة، بنص القرآن الكريم وارجعوا إن شئتم إلى تفسير هذه الآية في كتب التفسير وارجعوا إلى أسباب نزولها، واقرؤوا معي جيداً كيف أن الله سبحانه وتعالى سما الفرقة بين المؤمنين كفراً.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) ﴾

 يعني مختلفين، متناحرين، متباغضين، متحاسدين، يطعن بعضكم ببعض، يقذف بعضكم التهمة للآخرين، وهذا واقع المسلمين اليوم.
 وإذا كنا نحن المسلمين في أمس الحاجة إلى أن نتعاون، وإلى أن نتكاتف، وإلى أن يعذر بعضنا بعضاً، فنحن في هذه الأيام في أمس الحاجة إلى هذا التعاون والآية التي تعرفونها جميعاً، والتي هي لا تغيب عنكم أبداً، قال تعالى:

 

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾

 

( سورة المائدة: 2 )

 فالتعاون فريضة في نص القرآن الكريم، والآية الثانية:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

 

( سورة الحجرات: 10 )

 وأدق ما في الآية أن كلمة إنما تفيد القصر، والحصر.
 حينما لا تشعر بانتمائك إلى مجموع المؤمنين، وحينما لا تشعر بانتمائك إلى مجموع المسلمين، وحينما لا تعمق انتمائك إلى كل الأمة الإسلامية، فهذا يبعدك عن الإيمان، ما لم تشعروا بانتمائكم لهذه الأمة، ولهذه الأخوة، فلستم مؤمنين، وحينما ينفى عن الإنسان الإيمان فالذي سبب نفي الإيمان هو عند العلماء كبيرة، ما تعريف الكبيرة ؟ هي كل معصية عليها حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة أو وصف ربنا صاحبها باللعن، والبعد، والغضب، أو أن النبي عليه الصلاة والسلام تبرأ منه، أو قال ليس منا، هذه بعض المقاييس.
 إذاً:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

 ما لم تشعر بانتمائك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً

 

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾

 ما لم نتعاون جميعاً على صلاح الدنيا وصلاح الآخرة فنحن قد خالفنا نصاً قرآنياً، واقعيا قطعي الدلالة والثبوت.
والآية الثالثة: الفرقة، والتحاسد، والتشاتم، والطعن العدواة، والبغضاء سماها الله بنص القرآن الكريم، كفراً، قال:

 

 

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾

 يعني يا أيها المؤمنون، يا أيها الدعاة، يا أيها العلماء، يا أيها المصلحون، يا أيها المسلمون كيف تختلفون ؟ وكتابكم واحد ونبيكم واحد، ومنهجكم واحد، وهدفكم واحد.
 من السنة المطهرة، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( يد الله مع الجماعة ))

((ومن شذا، شذا في النار ))

((عليكم بالجماعة، التجمع والتعاون، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد ))

((وإنما يأكل الذئب من الغنم القاسية ))

 وفي الصحيحين:

 

(( من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية ))

 

((والمسلم أخ المسلم ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ))

((ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ))

((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم، فش السلام بينكم ))

((المسلمون تتكافأ دمائهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم.))

 وهناك أحاديث كثيرة، كثيرةٌ، كثيرة، تدعو إلى الوحدة والتعاون وإلى تمكين الصلاة، بل ما من شيء يزيد المؤمنين تماسكاً وتحابباً ومودةً إلا وأمر النبي به، عليه الصلاة والسلام، وما من شيء يفرق المسلمين، ويفتت جمعهم ويبعثرهم، ويجعلهم أعداء متباغضين إلا ونهى النبي عليه الصلاة والسلام عنه.
 أيها الأخوة الكرام:
 هناك موضوعات دقيقة، في موضوع الاختلاف بين المؤمنين الحقيقة الذي قلته حتى الآن ما هو إلا مقدمة، ولكن ما الدعائم الفكرية ينبغي أن يقوم عليها أدب الاختلاف، فقه الاختلاف، يعني شيء طبيعي جداً أن أختلف معك في الرأي، هي حالة صحية، شيء طبيعي لكن هذا الاختلاف في الرأي، فيما بين المسلمين، لا ينبغي أن ينقلنا إلى العداوة، والبغضاء، وعدم التعاون، والمشاحنة، والتصدي والفزع، والاتهام، والطعن، هذا حال مرض نعوذ بالله منه.
 أولاً:
 بادئ ذي بدء، الله سبحانه وتعالى، دققوا، كان من الممكن أن يأتي بنصوص القرآن الكريم، أن يأتي بها قطعية الدلالة، إن جاء بها قطعية الدلالة ليس هناك اختلاف إطلاقاً:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾

 

( سورة المائدة: 5 )

﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾

 هي تفصيل، النص قطعي الدلالة وليس ظني الدلالة، مادام النص قطعي الدلالة، انتهى اجتهاد المجتهدين، وانتهى اختلاف الفقهاء وانتهى كل شيء، كان من الممكن جميع نصوص القرآن الكريم قطعية الدلالة، فإذا كانت قطعية الدلالة، التغى الاجتهاد، واتفق العلماء على فهم واحد في النص، ولكن شاءت حكمة الله، حكمته البالغة أن تكون بعض النصوص القرآنية قطعية الدلالة، وهي النصوص المتعلقة بالفرائض، والمحرمات.

 

﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾

 

( سورة المائدة:38 )

 نص واضح.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾

 

( سورة آل عمران: 102 )

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾

( سورة البقرة: 183 )

 النصوص المتعلقة بالأوامر والمنهيات قطعية الدلالة، لكن شاءت حكمة الله جل جلاله أن يكون هناك نصوص كثيرةٌ كثيرة، في القرآن الكريم ظنية الدلالة، أو احتمالية الدلالة، وحينما يأتي الله بحكم ظني الدلالة، فالله جل جلاله يريد كل المعاني التي يحتملها النص، لماذا ؟ لماذا يريد كل المعاني التي يحتملها النص ؟ رحمة بخلقه، وتغطية لكل حالاتهم، في سفرهم، وفي إقامتهم، في صحرائهم، وفي ساحلهم، وفي جبلهم، في رقيهم، وفي تخلفهم، هذه النصوص ظنية الدلالة، حينما يفهمها العلماء فهماً مختلفاً الله جل جلاله أراد منها أن تكون كذلك.
 يعني: النفرة من مزدلفة، موضوع خلافي، لو فهم الفقهاء الأمر فهماً واحداً فحددوا وقتاً واحداً للانطلاق من مزدلفة، لتحرك أربع ملايين حاج في وقت واحد، لكن الإمام الحنفي، الإمام أبا حنيفة رأى أن الانطلاق من مزدلفة بعد شروق الشمس، والإمام الشافعي رأى الانطلاق في منتصف الليل، والإمام المالكي رأى الانطلاق بعد هزيع من الليل، بهذه الطريقة توزع الحجاج الكثر على وجبات ثلاثة فكانت رحمة للمسلمين.
 إذاً:
 حينما يكون النص احتمالي المعنى، ظني الدلالة، معنى ذلك أن الله عز وجل أراد كل المعاني، أراد كل الاحتمالات، وألهم الفقهاء أن يجتهدوا، وأن يختلفوا.
 لذلك قيل اتفاق العلماء حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة وهناك أدلة كثيرة، كثيرة، تبين أنه من رحمة الله بنا أن المجتهدين اختلفوا في فهم نصوص الظن، فكل مجتهد أخذ منحاً واجتهد فيه فالاختلاف بين المذاهب ليس اختلاف تضاد، ولكنه اختلاف رحمة اختلاف غناً، اختلاف تنوع، اختلاف يغني هذه الشريعة ولا يضعفها.
 هذه أول دعامة فكرية يقوم عليها فقه الاختلاف، الحقيقة أحد أسباب الاختلاف المدمر هو التطرف، أن تأخذ الأمر من طرفه، يعني بشكل أو بآخر، لو أن هناك باب، هذا الباب المروحة تعرفونه ؟ الذي يتحرك في كل الاتجاهات لو أن هذا الباب دفعته أنت بهذه الجهة وتركته، سيأتي إلى الجهة المعاكسة.
 فكل فعل له ردت فعل، فكل تطرف في الدين يقابله تطرف آخر، فالعلماء حينما تمسكوا بالظاهر تطرفوا، فجاء الصوفيون وبالغوا بالتمسك بالقلب والأحوال، فلما بالغوا فجاء السلفيون فنقلونا إلى الطرف الآخر.
 فتاريخ المسلمين سلسلة من المواقف المتطرفة، التي يتبعها مواقف متطرفة في الجهة الثانية، لكن الحق وسط بين طرفين التصوف جزء من الدين، وهو على العين والرأس، وإنسان لا قلب له لا إيمان له، إنسان لا ينبض قلب بالحب ليس مؤمناً، إنسان لا يتكل على الله، لا يرجو ما عند الله، لا يتواضع لله، لا يشعر بمشاعر العبودية، هذا ليس مؤمناً، لكن بالمقابل، ينبغي أن يكون واعياً يتحرى الحق، معه الدليل، معه التعليل، يقف على مبادئ صحيحه فحينما نغفل العقل، نقع في التطرف، فحينما نغفل القلب نقع في التطرف، وحينما نغفل الدنيا نقع في التطرف، وحينما نغفل الآخرة نقع في التطرف، إذاً:
 الحق وسط بين طرفين، وربنا عز وجل يقول:

 

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾

 

( سورة البقرة: 143 )

 والوسط هو الاعتدال.
 فالإسلام يجمع بين الدنيا والآخرة، بين العقل والقلب، بين المادة والروح، بين الأخذ بالأسباب والتوكل على رب الأرباب.
 إذاً:
 دائما إذا توسطنا، لو اعتدلنا، لو أخذ الحل الوسط، لما اختلفنا، ولكن اختلافاتنا تعود في أسبابها إلى المواقف المتطرفة ؛ التي يتبعها مواقف متطرفة أخرى، هذا هو السبب الثاني الذي ترجع إليه الاختلافات بين المسلمين.
 شيء آخر:
 إذا أردنا الوحدة بين المؤمنين، المسلمين، إذا أردنا جمع القلوب، ينبغي أن نبقى في المتفق عليه، وينبغي أن نبتعد عن المختلف فيه، لأن المتفق عليه يجمعنا، والمختلف عليه يفرقنا، هذه الشجرة، فيها عشرات الفروع، ومئات الأغصان، فإذا أخذنا فرع ثم غصن، وجدنا أنفسنا كثراً، أما إذا عدنا إلى الجزع، واحد الجزع فبطولتكم في دعوتكم إلى الله ؛ أن تبقوا في جزع الشجرة ؛ لأن جزع الشجرة هو الأصل الواحد الموحد.
 لذلك أتمنى على الله و أتمنى عليكم، إذا عدتم إلى بلدكم سالمين غانمين، أن تبقوا في دعوتكم إلى الله، بالمتفق عليه، بالنقاط التي لا خلاف فيها، بين المسلمين، أنتم كدعاة، عليكم أن تجمعوا لا أن تفرقوا، عليكم أن توحدوا، لا أن تشتووا، عليكم أن تقربوا لا أن تبعدوا، عليكم أن تألفوا وأن تؤلفوا.
 لذلك أحد أسباب الفرقة، التمسك بالمختلف عليه، وترك المتفق عليه، أنا أدعوكم إلى عكس ذلك، تمسكوا بالمتفق عليه وابتعدوا عن المختلف في، وبإمكانك أيها الداعية الكريم، أن تدعوا إلى الله عز وجل، مائة عام إذا أطال الله عمرك، دون أن تتعرض إلى قضية خلافية، لو حدثت الناس عن الكون، وعن الآيات المذهلة التي بثها الله في السماوات والأرض، هذا موضوع متفق عليه أو مختلف عليه ؟ متفق عليه ؟ لو جمعت كل المذاهب، والطوائف والاتجاهات والمشارب وتلاميذ من عند كل الشيوخ، جمعتهم في محاضرة وحدثتهم عن الشمس والقمر، وعن خلق الإنسان، وعن آيات الله في الآفاق وفي النفس، هذا الموضوع مختلف عليه ؟ لا ‍! هذا موضوع متفق عليه.
 إذا:
 التركيز على المحكمات والأمور المتفق عليها، والبعد عن المتشابهات والأمور المختلف فيها، شيء واضح ؟.
 هذا البند الثالث:
 أدب الاختلاف، أو فقه الاختلاف، يقوم على دعائم فكرية وعلى دعائم خلقية، من الدعائم الفكرية التي يقوم عليها اختلافنا، أن الاختلاف في الفروع، ضرورة، ورحمة واسعة ضرورة.
 اختلاف العلماء رحمة واسعة، اتفاقهم حجة قاطعة، ومن الدعائم الفكرية التي ينبغي أن يقوم عليها الاختلاف، أن إتباع المنهج الوسط، يوحد، وأتباع المنهاج المتطرفة، يفرق، ومن الدعائم الفكرية التي يقوم عليها أدب الاختلاف، أن التركيز على المحكمات يوحد، والتركيز على المختلف عليها يفرق، تجنب القطعي في المسائل الاجتهادية.
 يعني لو فرضنا، موضوع اجتهادي، نحنا عنا قاعدة بالفقه أي موضوع فقهي، يوصف بأحد وصفين، إما أنه موضوع متفق عليه، أو مختلف في، أنا حينما أسأل، عن موضوع ما.
 بادئ ذي بدء، أجيب بكلمة واحدة أقول له أيها الأخ الكريم هذا موضوع خلافي ؛ معنى خلافي، يعني هناك علماء كبار، هناك أئمة مجتهدون اختلفوا في هذا الموضوع، وكل إمام، وكل مجتهد معه حججه، ومعه أدلته، ومعه وجهة نظره، فإذا قلت موضوع خلافي، يعني مقبول هذا، وهذا، وهذا، فمن الحمق والتعصب وضيق الأفق، وعدم الإخلاص، أن تركز، أو أن تقطع بصحة موضوع اجتهادي، حتى إن الإمام الشافعي كان يقول: أنا على حق يعني في اجتهادي، وقد أكون مخطئ، وخصمي على باطل، وقد يكون مصيباً.
 لا تقطع في الأمور الاجتهادية، أخي يجب أن تصلي الصلاة في السفر تامة، مسافر أنت، فندق فخم، الماء موفور، الراحة موفورة، الغرفة مكيفة، لماذا قصر في السفر ؟ قصر الصلاة عند الأحناف واجب، واجب، موضوع خلافي هذا، فمن قصر الصلاة في السفر، لا شيء عليه، لعله حنفي المذهب، أما أن تعتقد في الموضوعات الاجتهادية، حلاً واحد، واتجاهاً واحد، وتنكر على الآخرين تمسكهم بمذهب اجتهادي آخر، هذا من ضيق الأفق، ومن ضعف الفقه، وهو أحد أسباب الفرقة والاختلاف، واضح، أنا لا أتشبث، ولا أقطع بخطئي، هذه الفكرة إذا كانت اجتهادية.
 أما إذا الله عز وجل، حرم السرقة، وإنسان حلل السرقة نقول له لا ! أنا أقطع برأي الصحيح، وأقطع بخطأ رأيك، أما حينما الأمر بالأساس خلافي بالأساس اجتهادي، احتمالي، لا ينبغي أن أقطع به إطلاقا، أحيانا الإنسان، الناس أعداء لما يجهلون، أنت حنفي أو شافعي أو مالكي، أنتم شافعيون، أحناف، إنسان شافعي تزوج حنفية فجاء طفلهما حنفشعي، أنت حينما تنكر على بعض المذاهب اجتهادهم، حبذا لو اطلعت على هذا المذهب، وقرأت أفكار صاحب المذهب، وأطلعت على الأدلة الشرعية التي أوردها، وعلى وجهة نظره، لو أنك تطلع على وجهات نظر الآخرين، لقل هذا التباعد ولتقاربت وجهات النظر، ولعذر بعضنا بعضاً، لذلك نحن شعارنا في هذا الموضوع، نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعض فيما اختلفنا.
 إذاً:
 لابد من أن تطلع على الطرف الآخر، أنت دائماً ضد السلفيين طيب ماشي الحال، من قال لك الإمام ابن تيمه من كبار العلماء، وله وجهات نظر رائعة جداً، وهو ليس معصوم، لو اتطلعت على آرائه معه وجهة نظر، أما أن أتهم هذا الإمام بأنه خرج عن دين الله، هذا تعصب، تعصب كبير، ما رأيت عالم متعصباً، لكن الجهلاء كثيراً ما يتعصبون، الداعية الحقيقي، يجب أن يملك روح مرنة، روح رياضية، يجب أن يملك قدرة على فهم آراء الآخرين، على أن تفهم وجهات نظرهم.
 إذاً:
 حينما نطلع على المذاهب الأخرى، والاتجاهات الأخرى والتيارات الأخرى، والجماعات الأخرى، نتصل بهم، نستمع منهم نقرأ أفكارهم، نبحث عن أدلتهم، لعلنا، لعلى الحدة تخف، لعلى حدة العداوة تخف، لعلى المسافة الشاسعة تقل، هكذا.
 في شيء آخر:
 أحياناً تقع بعض الجماعات الدينية بعدوات خطيرة، لكن تعود إلى أسباب لفظية، يعني هؤلاء عرفوا الإيمان بطريقة، وهؤلاء عرفوه بطريقة، هؤلاء سموا الانصياع، انصياع الجوارح إلى أوامر الله إسلاماً، وهؤلاء سموه إيماناً، فإذا تناقشوا مصطلاحاتهم ليست واحدة فأي مناقشة لا تبدأ بتحديد المصطلاحات، والمفاهيم، فهي مناقشة عقيمة، يجب أن نتفق بادئة ذي بدء على تعريف الإيمان، تعريف الإسلام، تعريف الكفر، تعريف الشرك، في شرك أكبر، في شرك أصغر، في شرك جلي، في شرك خفي، في كفر يخرج من الملَة النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((..... الغني ظلم.....ظلم))

 تعريف الظلم، تعريف الكفر، تعريف الشرك، تعريف الإلحاد.
 لابد قبل المناقشة والحوار أن نوحد المصطلحات، وإلا وقعنا في خلاف لفظي، أيام إنسان يسمي العقل الدماغ، وفي حلقات إسلامية تسمي العقل القلب، والدليل:

 

﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾

 

( سورة الأعراف: 179 )

 فالإنسان أحياناً يتحدث عن الدماغ فيقول العقل، يعارضه الإنسان الآخر يقول له العقل هنا، ما اسم هذا ؟ الفكر فهناك اختلاف في المصطلحات، إذا اختلف العلماء في المصطلحات يصعب أن يتحاوروا، إذاً:
 لابد من توحيد المصطلحات حتى نتوصل إلى توحيد الأفكار أنت ممكن أن تجمع الليرة مع الجنيه، ما بينجمعوا سوى، لو أنه صرفت الجنيه ليرات بينجمعوا، صرفت اليرات جنيهات بينجمعوا أما تجمع شيئين متناقضين ما بيجتمعوا.
 أحد أسباب الخلاف تنوع المصطلحات، واختلاف المصطلحات، وتناقض المصطلحات.
 الآن:
 أحد أسباب الخلافات الكبرى، بين الجامعات الإسلامية أنهم منشغلون ببعضهم بعضاً، غافلون عن هموم أمتهم الكبرى، هناك هموم كبرى في العالم الإسلامي، هناك عدو يتربص بين الدوائر جميعاً نحن غافلون عن المهمات الكبرى، وعن أعدائنا الحقيقيين، وعن الخطط الجهنمية التي تخطط ضدنا ونحن منصرفون إلى الطعن ببعضنا بعضاً، ونهش لحوم بعضنا بعضاً، وتقاذف التهم فيما بيننا، فإذا أنعدم انشغال المسلمين بهموم أمتهم الكبرى، هو سبب ألتفاتهم إلى خصوماتهم الداخلية، ولا بد من أن نتعاون فيما اتفقنا عليه، يعني أنت مع أخوك المؤمن، من جماعة أخرى، ما في قواسم مشتركة، معقول ما يكون في قواسم مشتركة، مع إخوة لك مؤمنين من جماعة أخرى في مليون قاسم مشترك، أليس هذا القرآن واحد بيننا، واحد بيننا أليست أحاديث البخاري ومسلم قاسماً مشتركاً بيننا، أليس التاريخ الإسلامي بأصوله قاسماً مشتركاً بيننا.
 إذاً:
 المؤمن الصادق يبق في القواسم المشتركة، يبق فيما هو مشترك بين المسلمين، فالتعاون في المتفق عليه، والتسامح في المختلف فيه، نتعاون فيما اتفقنا، نتسامح فيما اختلفنا.
 وشيء آخر وأخير:
 هو أن المؤمن الصادق يكف لسانه عن أهل القبلة، يعني كل إنسان، توجه إلى القبلة في صلاته، فهو مسلم، أنا ينبغي أن أكف لساني عنه، احتياطا، وحسن ظن به، أو أعطيه الفرصة كي يعود إلى رشده، الكف عن أهل القبلة، أو الكف عمن الذي قال لا اله إلا الله.
 هذه أيها الأخوة بعض الدعائم الفكرية بفقه الاختلاف، أو لما ينبغي أن يكون عليه اختلاف المؤمنين.
 أولا:
 الاختلاف في الفروع ضرورة، ورحمة، وسعة في التشريع الإسلامي.
 وثانياً:
 إتباع منهج الوسط، وترك التطرف، يوحد المؤمنين والجماعات الإسلامية، والتركيز على المحكمات، والمتفق عليه والبعد عن المتشابهات، والمختلف فيه، أيضاً يقرب ويؤلف، وتجنب القطعي والإنكاري في المسائل الاجتهادية، أحد أسباب اجتماع كلمة المؤمنين، والإطلاع على مذاهب العلماء الأخر، وعلى أدلتهم ووجهات نظرهم، أحد أسباب اللقاء والتعاون، وانشغال المسلم الصادق، المخلص، في القضايا الكبرى التي تهتم بها أمته الإسلامية أولى من أن ينشغل في القضايا الفرعية التي تكون بين الجماعات الإسلامية، وأن تعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعض فيما اختلفنا وينبغي أن نكف عن أهل لا اله إلا الله، وعن كل من توجه في صلاته إلى الكعبة المشرفة، هذه بعض الدعائم الفكرية التي يقوم عليها أدب الاختلاف أو فقه الاختلاف في الفقه الإسلامي.
 أما الدعائم الأخلاقية التي ينبغي أن تقوم عليها دعوتنا إلى الله عز وجل فهي كثيرة جداً يقع في مقدمتها، الإخلاص.
كلما رأيت داعية، يطعن بداعية آخر، وكلما رأيت داعية يشكك بدعوة أخرى، وكلما رأيت داعية يعظم نفسه وينتقص غيره وكلما رأيت طالب علم يبني مجد شيخه على أنقاض الآخرين، أقول وأنا واثق من كلامي، أن هذا السلوك دليل ضعف في إخلاصه لله عز وجل، لو أخلص لله أشد الإخلاص، لتعاون مع إخوانه، ولم يتنافس معهم، الإخلاص، الإخلاص، أيها الدعاة، كلما أزداد إخلاصكم قلت خلافاتكم، ولكما ازداد إخلاصكم عذرتم بعضكم بعض، وكلما زاد إخلاصكم تعاونتم، وكلما زاد إخلاصكم ارتقيتم عند الله عز وجل وكلما زاد إخلاصكم غلبتم مصلحة الأمة الإسلامية على مصالحكم الشخصية، وكلما زاد إخلاصكم انتميتم لا إلى حلقتكم، ولا إلى جماعتكم، بل إلى مجموع المؤمنين، فالإخلاص أحد أكبر الدعامات التي ينبغي أن تقوم عليها وحدة المسلمين، إذا عزا أخوك فهون أنت هذا أول شيء.
 والشيء الثاني:
 الإخلاص، والتجرد من الأهواء، في أهواء ضمن الجماعات الإسلامية، حب الزعامة، حب التفرد، حب تصدر المجالس، حب التعظيم، هذه كلها أهواء، مدمره، في الجماعات الإسلامية فالإخلاص وترك الأهواء المنحرفة، أحد أكبر أسباب الاتفاق، وجمع الكلمة، الإمام الشافعي يقول: أتمنى أن يتعلم الناس علمي من دون أن ينسب إلي.
 الوجه الثاني من الشريط
 وأنا مرتاح، هكذا المخلص، المخلص يقيم القيامة، إذا أنتحل أحد كلامه ولم يعزه إلى صاحبه، الشيء الآخر، لن تجتمع كلمتنا ولن تتوحد أمتنا، ولن نقوى أمام أعدائنا، إلا إذا تحررنا من التعصب للأشخاص، والمذاهب، والطوائف، والاتجاهات، وكنا موضوعين وكنا معتدلين، وكنا منصفين، أحببنا من أحببناه هوناً ما، وبغضنا من بغضناه هوناً ما، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك يوماً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.))

 والدعامة الفكرية السادسة، الدعامة الخلقية الثالثة التي ينبغي أن تقوم عليها وحدتنا، هي حسن الظن بالآخرين، ألم يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((التمس لأخيك عذراً ))

 أخوك الذي لا يدعو إلى الله أخوك المؤمن العادي، التمس له العذر سبعين مرة، فلماذا لا تلتمس لبعض الدعاة الأعذار ؟ لماذا تشرحهم على الطاولة ؟ لماذا تنهش لحومهم ؟ لماذا تطعن في إخلاصهم ؟ وفي علمهم ؟ وفي حكمتهم ؟ إذا كنت مكلفاً أن تلتمس لأخيك العذر سبعين مرة، من باب أولى أن تلتمس للدعاة إلى الله الأعذار، كن حسن الظن بهم، التمس لهم العذر.
 شيء آخر:
 في خلق، يعني فعله بين الناس، كفعل المتفجرات، الطعن والتجريح، الطعن والتجريح، يسبب العداوة والبغضاء، فلان ما بيفهم فلان جاهل، فلان فاسق، هذا طعن وتجريح، حينما يعتاد لسانك الطعن والتجريح فهذه الكلمات التي تصدر عنك، إنما هي قنابل موقوتة تفجر شبكة العلاقات بين المؤمنين.
 لذلك أمسك عليك لسانك، اخذل لسانك، إياك أن تتسرع، لا تطعن، لا تجرح، ابتعد عن السباب، ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء، فالبعد عن الطعن والتجريح سبب رئيسٌ لوحدة المسلمين، والبعد عن المراء، والخصومة، يعني هناك أشخاص يحبون المجادلة، يحبون أفحام خصومهم، يحبون أن يستعلوا عليهم، يحبون أن يضعضعوهم أمام الناس، يحبون أن يجرحوهم هذا المنطلق في الدعوة إلى الله هو بناء شخص على أنقاد الآخرين تبنى هذه الحلقة على أنقاض بقية الحلقات، أتباع هذه الحلقة متكبرون لأنهم يرون أنفسهم فوق الجميع، والطرف الآخر يكيل لهم الصاع صاعين، فإذا الأمة متفتت، يطعن بعضها ببعض، وينهش بعضها لحم بعض، المسلمون في حال لا يحسدون عليه.
 وحينما تحاور خصمك، قال تعالى:

 

﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

 

( سورة النحل: 125 )

 أحسن اسم تفضيل، يعني إذا في مائة أسلوب للمجادلة المؤمن الصادق المخلص، يختار أعلى هذه الأساليب، أحسنها أكثرها رقة، أكثرها لطفاً، أفضلها وقعاً، هكذا المؤمن، وتعلموا من كتاب الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

 

( سورة سبأ: 24 )

 تواضع:

 

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

 وفي آية أخرى:

 

 

﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) ﴾

 

( سورة سبأ: 25 )

 طيب النبي مجرم ؟ يعني إذا ظننتم أننا نفعل هكذا، لن تحاسبوا عنا.

 

﴿وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) ﴾

 

( سورة النحل: 93 )

 القرآن الكريم علم نبيه الكريم كيف يجادل، نحن أجرمنا وأنتم تعملون، فكلما ارتفع مستوى أسلوبك، فأنت أشد إخلاصاً لله عز وجل، وإن الصدق أيها الأخوة يهدي، إذا كنت صادقاً في الدعوة إلى الله، صادقاً في تعريف الناس به، الله جل جلاله يهديك إلى الأسلوب الصحيح.
 ما من وقت يحتاج فيه المسلمون إلى التعاون، وإلى التناصح وإلى التكاتف، وإلى التسامح، كهذا الوقت، والآن هناك حرب عالمية دققوا، أنا أعني ما أقول: هناك حرب عالمية على المسلمين، في شتى بقاع الأرض، في القارات الخمس، ولا ينجي المسلمون من أعدائهم الكثر، والأقوياء، ومن مأمراتهم الضخمة.

 

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾

 

( سورة إبراهيم: 46 )

 لا ينجي المسلمين من مكر أعدائهم، إلا تعاونهم، إلا إخلاصهم لله عز وجل، واستقامته على أمره، وتعاونهم فيما بينهم إخلاص، واستقامة، وتعاون، وأنت محاسب عما تستطيعه.
 أنا ضمن جامعي، أدع أخواني إلى حب الآخرين، أدعوهم إلى احترامهم جميعاً، أنا......... على كل الحلقات، أنا محاسب على ما أستطيع، ولست محاسباً على شيء لا أستطيعه، أنا في بيتي محاسب على ما في بيتي، في عملي محاسب على ما في عملي.
 فلا ينجينا من مكر أعدائنا، إلا إخلاصنا لله، وطاعنتا له وتعاوننا فيما بيننا، هذه بعض الدعائم الفكرية، والأخلاقية، التي ينبغي أن يقوم عليها فقه الاختلاف بين المسلمين، الاختلاف حالة صحية، شيء طبيعي جداً، أن أختلف معك في الرأي، شيء طبيعي وهذا ما يؤكد حرية الإنسان، وفردية الإنسان، وشخصية الإنسان شيء طبيعي، جداً، جداً، جداً، أن أختلف معك، ولكن الشيء المرضي أن أعاديك، الشيء الطبيعي أن تكون لي في الفروع وجهة نظر خاصة، ولكن الشيء غير الطبيعي أن اختلف معك في الأصول الأصول واحدة، هل هناك من سؤال حول مضمون هذه المحاضرة ؟.
 أنا لا أدري إذا كانت أمراضنا في سورية هي أمراضكم في بلادكم أنا لا أدري، الأمراض نفسها، نفسها، هذا إذاً من علامات تخلف المسلمين، خلافاتهم وعصبياتهم، وتنابزهم، وطعنهم، هل هناك من سؤال ؟.
 سؤال:
 من أين يبدء من إصلاح المجتمع أو من إصلاح القادة ؟
 جواب:
 هؤلاء الذين أرادوا أن يصلح المجتمع من قاعدته، توجه إلى عامة الناس، ودعوا إلى الله عز وجل، هؤلاء يفهمون الدين، أو يفهمون الدعوة إلى الله، بناء قاعدة صلبة، هذه القاعدة تفرز قاعدة أصغر منها، إلى أن تنتهي إلى القمة، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، دعا إلى الإيمان أولاً، ثم رسخ هذا الإيمان فلما أصبح أصحابه بإيمان قوي، هاجر بهم إلى المدينة المنورة، أنا الذي أراه أن نقلد النبي عليه الصلاة والسلام تقليداً دقيقاً في طريقته في الدعوة إلى الله عز وجل، هناك مرحلة مكية، وهناك مرحلة مدنية، في المرحلة المكية، اتجه النبي عليه الصلاة والسلام، إلى الفرد، إلى الإنسان، فنمى فيه الإيمان، وعرفه بالواحد الديان، بعد أن قوي الإيمان، هاجر بهم إلى المدينة، وهناك تشكلت دولة إسلامية، أما الذين يبدؤون بالإصلاح إلى القمة، هؤلاء ربما أرادو أن يبنوا هرماً من حجره الأعلى، تحته فراغ.
 سؤال: ؟
 الجواب:
 نبدأ بالمكية نبدأ، نبدأ كل واحد يدع إلى الله عز وجل الأقرب إليه.

 

﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) ﴾

 

( سورة الشعراء: 214 )

 قلت هذا الكلام قبل قليل، أليس لك بيت، زوجتك، وأولادك هؤلاء مملكتك، أقم دين الله في هذه المملكة الصغيرة، أقم دين الله في عقلك تعلم الإسلام، أقم دين الله في قلبك، إملئ قلبك بالمشاعر الإيمانية، أقم دين الله في بيتك، أقم دين الله في عملك، هذا ما أنت مكلف به، إذا فعل كل منا هذا تشكلت قاعدة صحيحة، هذه القاعدة الصحيحة، فرزت قاعدة أصغر، والأصغر أصغر إلى أن ينشئ هرم من قاعدته إلى قمته من جنس واحد، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما هل بإمكانك أن تبني هرماً من حجره الأعلى، تحته فارغ أنا من أنصار أن نتجه إلى القاعدة، أن يلتزم كل مسلم بأن يتعلم الإسلام أولاً، وأن ينمي مشاعره الإيمانية ثانياً، ويطبقه في بيته ثالثاً وفي عمله رابعاً، إذا فعل كل منا هذا، نشأ مجتمع إسلامي، وهذا المجتمع، فرز قيادة إسلامية، من دون أعمال عنف، ومن دون فتن ومن دون سفك دماء.

 

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾

 

( سورة النحل: 125 )

 سؤال آخر، كنت تريد أن تسأل سؤال.
سؤال ؟.
 الذي قلناه قبل قليل، ممنوع الطعن والتجريح، من أعتقد هذه العقيدة فهو كافر، هذا طعن وتجريح، وهذا أحد اختلافات المسلمين نحن نفهم الأعشاعر هم اجتهدوا، أن الفعل فعل الله عز وجل، وأن الإنسان مجبور، والماتوردية اعتقدوا اعتقاداً آخر، لكن نحن كما قلت البارحة، أنا أتمنى أن يؤلف كتاب في العقيدة مأخوذ من آيات الله والأحاديث الصحيحة، لا أن نعود إلى علم الكلام، وإلى تلك المناقشات، في مرحلة من مراحل المسلمين، أخذوا كتب الإغريق في علم الكلام وطبقوها على دينهم، فإذا رأيت كتاباً في العقيدة، يعني نحت الجبل بإبرة أهون من أن تقرأ هذا الكتاب، أنا من أنصار التبسيط

 

﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) ﴾

 

( سورة الطور: 35 )

 هذه الآية أشرحها، تنتهي من خلالها إلى نفي الدور، ونفي التسلسل، ونفي أنه الإنسان يخلق ذاته، ممكن أن تأخذ أدق التفاصيل وأدق الأفكار، من كتاب الله، أنا مع التبسيط أيها الأخوة، مع التبسيط ومع العقلنة ومع التطبيق، لن يقوم للإسلام نهضة إلا على هذه الأسس أن تبسطه، دين الله وأن تعقلنه، وأن تطبقه، هكذا، أما من أعتقد بمذهب الأشاعرة فهو كاذب، هذه مشكلتنا، هذا جرحنا، التكفير والاتهام بالشرك.
 إنسان سلفي، رأى مسلم يصلي، قال له: في صلاتك سبعة عشرة بدعة، قال له ما هذه البدع ؟ قال له: أنت حينما رفعت من الركوع قلت سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد والشكر، النبي ما قال والشكر ! أنت قلت والشكر ! هذا الذي يحطمنا، هذا الذي يسحقنا، أن نأتي بالصغائر، فنجعلها كبائر، أن نأتي بالفروع فنجعلها أصول، أن نأتي بالكليات، فنجعلها الدين كله، ونحكم على غيرنا.
 أحد كبار الدعاة في مصر قال: نحن دعاة ولسنا قضاة، نحن دعاة ولسنا قضاة، الداعية الصحيح، يقدم أحسن ما عنده، من دون أن يحكم على الآخرين، أو أن يتهمهم، أو أن يفرق بينهم، هكذا.
 سؤال: ؟.
 والله صعب، أنا أعرف ذلك، يعني كل هذه الفتن التي يرونها كل هذه الانحرافات، كل هذه التجاوزات، لا يرونها، يرون منبراً تزيد درجاته على ثلاث درجات، فقيموا عليه النكير، يرون مسجداً فيه قبر، فيحرمون الصلاة في هذا المسجد، مثلاً، يحرمون أن تذكر الناس بأن اليوم يوم الجمعة، بالصلوات على النبي بالمئذنة، يحرمون أن تتلو القرآن في المئذنة، يحرمون الصلاة على النبي، يعني الإنسان حينما يتعامى عن موبيقات لا حصر لها، وعن فتن لا حصر لها وعن انحرافات، ويأتي إلى أشياء من الشكليات، لا تقدم ولا تأخر فيكبرها، ويقيم النكير، ويتهم بالشرك، والله هذا منهج غير صحيح قال له في صلاتك سبعة عشرة بدعة، منها، أنك حينما رفعت رأسك قلت سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد والشكر، أنا علمت أن في بعض البلاد في الباكستان، أن خلافات طاحنة، بين الفرق الإسلامية فقط لرفع الإصبع، هكذا، أم هكذا، أم هكذا، أيعقل أن ينقسم الناس أحزاباً، وفرقاً، وأن يتشاحنوا، ويتباغضوا، وأن يتفتتوا، من أجل هذه، هكذا عند الشافعية، وهكذا عند الأحناف، وهكذا و المالكية هكذا.
 سؤال: ؟.
 ليس هناك من طريقة إلا أن نعتمد الأمور المتفق عليها، وأن نبتعد عن معالجة الأمور المختلف عليها، ما في غير هذا الطريق يعني هذا الذي يبتدع أليس بينك وبينه نقاط إتفاق، بيننا، أبحث فيها.
 سؤال: ؟.
 إذا كانت هذه البدع المتعلقة في العقيدة فيجب أن تنكرها، وان كانت متعلقة بالعبادة فيجب أن تنكرها، أما إذا كانت متعلقة في الهوامش، في الفروع الدقيقة، هذه إذا تغاضيت عنها لا مانع، لا ضير عليك.
 سؤال: ؟.
 طيب نحنا إذا تناقشنا، نحتاج إلى الدليل، نسأله أين الشرك فيها.
 سؤال: ؟.
 أنا قلت لكم في المحاضرة السابقة، أن تعتقد أن الكون كله خلق من أجل محمد، هذه شطحة غير صحيحة، أن تعتقد أن الكون كله خلق من نور محمد هذه شطحة ليست صحيحة، أما أن تعتقد أن النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق، هذا صحيح، حبيب الحق المخلوق الأول، لأنه قال سلوا لي الوسيلة، فإنها مقام لا ينبغي إلا لواحد من خلقه، و أرجو أنا أكون أنا، فنحن.

 

﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾

 

( سورة النساء: 171 )

 فهذا فيه مبالغة، بس نحن إذا حذفنا هذا البيت، وقرأنا هذه القصيدة ننعموا بها، دائماً في عنا قاعدة، يعني لو فرضنا، لو أن قدمت لك سيارة ثمنها عشرة ملايين، لكن ليست لها مرآة، أو فيها خلل بسيط، أنا أخذها وأصلح الخلل، هذه القصيدة أحذف بيتين منها وأنشرها، حذف البيتين هذا موقفي منها، لكن هذان البيتان، لا يلغيان ما في القصيدة، من حب، ومن صدق، ومن إقبال، ومن حرارة إيمان، طبعاً، بعدي إنسان أيها الأخ الكريم، عقل يدرك وقلب يحب كما أنت بحاجة إلى علم، قلبك بحاجة إلى حب، أنت بحاجة إلى قصيدة، تحرك مشاعرك، بحاجة إلى قصيدة تبكي بعد أن تقرأها أنت بحاجة ماسة، إلى غذاء للقلب، وهذا الغذاء تجده في مدح النبي في لقاء العلماء الأفاضل الإجلاء، في الاندماج مع أهل الحق هذا كله غذاء للقلب، أيضاً.
 سؤال: ؟.
 قلنا في الفروع، في الفروع، لا في الأصول، اتفقنا على أن المؤمنين يجب أن يتفقوا في الأصول، القرآن والسنة، هي أصولنا والاجتهاد والقياس، أما إذا اختلفنا في توزيع الزكاة، أينبغي أن توزع نقداً أم عيناً، الإمام الشافعي أجاز أن توزع عيناً، والإمام أبو حنيفة أجاز أن توزع نقداً، فهذه فروع، إن اختلفنا فيها، هذا خلاف تنوع خلاف غنى، خلاف رحمة، خلاف سعة، ما في مانع يعذروا بعضنا بعض، في اختلافاتنا في الفروع لا في الأصول.
 سؤال: ؟.
 لا ينكر أحد دور الجهاد، ولا يستطيع أحد إنكار الجهاد في الإسلام، ولكن الجهاد مرتبة، تسبقها مراتب، فإذا أتقنا هذه المراتب وصلنا إلى الجهاد، عندئذ لا بد من الجهاد، أما أن نجاهد أعدائنا قبل أن نجاهد أنفسنا، إذا كان هناك معاصي في بيوتنا، منكرات في بيوتنا، نسائنا كاسيات عاريات، دخلنا غير صحيح، إذا أردنا أن نجهاد أعدائنا يفرمنا عدونا فرماً، أنا دعوة مرة في خطبة إذاعية، ق

تحميل النص

إخفاء الصور