وضع داكن
28-03-2024
Logo
منهج التائبين - الحلقة : 18 - العلاقة بين التوبة والدعوة 2 - علة خيرية الأمة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ زياد :
  بسم الله ، والحمد لله ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ربنا عليك توكلنا ، وإليك أنبنا ، وإليك المصير .
 أخوة الإيمان والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدكتور راتب :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الأستاذ زياد :
 هذه تحية من فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي معنا في برنامج : "منهج التائبين" ، أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ ، أحييكم ، وأحيي الأخوة المستمعين في مستهل هذه الحلقة .
 فضيلة الشيخ وعدنا بالأمس أن نتابع الحديث اليوم عن العلاقة بين ثبات التوبة النصوح الصادقة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ، كي يتحقق التوازن الداخلي للمرء الذي يدعو إلى سبيل الله ، ويعمل بما يدعو في حدود ما يعلم ، وبحق من يعرف .

المسافة الكبيرة بين الأقوال و الأفعال شيء كبير عند الله :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 مشكلة معظم الشباب أنهم إذا استمعوا إلى داعية ناجح موفق ، أو إذا استمعوا إلى نصوص دينية صحيحة تحث على الدعوة إلى الله ينشأ في أنفسهم رغبة صادقة أن يكونوا من الدعاة إلى الله ، ثم يكتشفون في أنفسهم أخطاء كثيرة ، وتقصيرات بالغة ، فيتهمون أنفسهم أنهم ليسوا أهلاً للدعوة إلى الله ، ينشأ صراع عميق ومستمر في نفوس هؤلاء الشباب الذين هم على شيء من الإيمان يحثهم على أن يكونوا أعلاماً في هذه الأمة ، أو على كشف لأخطائهم التي يخجلون بها أمام الله عز وجل ، من هذا الصراع تنشأ مشكلة ، هذا الشاب قد يتوهم ، أو قد يجتهد أنه ليس أهلاً للدعوة ، فيعرض عنها كلياً ، أو يرجئها إلى وقت لاحق ، والذي يحصل أنه ينسحب من حقل الدعوة ، وهذا الإرجاء يستمر إلى ما لا نهاية ، فإذا هو مقيم على بعض أخطائه ، وعلى انحرافاته ، صغرت أو كبرت ، العبرة أنه انسحب من حقل الدعوة بدعوة ، على أنه ليس أهلاً لهذه الدعوة .
الأستاذ زياد :
 بدعوة أنه إذا رأى منكراً لا ينكره ، ولا يدعو إلى إنكاره ، ولا يأمر بمعروف ، ولا ينهى عن منكر ، تكون النتيجة هكذا .
الدكتور راتب :
 الحقيقة أنه من زاوية معينة معه الحق ، لأن الله عز وجل يقول :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾

[ سورة الصف: 2-3]

 ماذا يعاني العالم ؟ ولو خرجنا قليلاً أشد معاناة للبشر من دول قوية تكيل بمكيالين ، تعامل جهة ترتكب الجرائم تلو الجرائم ، وتغطيها بصمت غير معقول ، بينما جهة أخرى ترتكب خطأ أقل مما ارتكبت الجهة الأولى ، فتقيم عليها النكير ، لا شيء يسحق النفس ويؤلمها كأن يكال لها بمكيالين ، فهذا الشاب ، وهذا منطلقه ، وأنا معه إلى حد ما ، لأن الله عز وجل يقول :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾

[ سورة الصف: 2-3]

 والآية الثانية :

﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾

[ سورة البقرة : 44]

 آيتان في الكتاب ، وحديث في السنة يقصم الظهر ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : قِيلَ لِأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ ، قَالَ : إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ ، وَلَا أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا : إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ ، بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ ؟ قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :

(( يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ ، فَيَقُولُونَ : أَيْ فُلَانُ ، مَا شَأْنُكَ ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ : كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَا آتِيهِ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ))

[ البخاري عن أبي وائل ]

 وفي حديث آخر أيضاً :

(( لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ))

[ورد في الأثر]

 إن رأى الناس منحرفين غارقين في المعاصي ، يأكلون أموال بعضهم بعضاً ، يعتدون على أعراض بعضهم بعضاً ، إن لم يمقت الناس في ذات الله فليس مؤمناً ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً .
 هناك آيتان وحديثان يؤكدان أن المسافة الكبيرة بين ما تقول و بين ما تفعل ، هذا عند الله شيء كبير ، ولكن لهذا الموضوع تفصيلات مهمة جداً ، لكن ماذا نعمل ؟

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة :

 الآن شاب غلب على أمره معصية ، وهو مكلف أن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الفريضة السادسة ، وهي علة خيرية هذه الأمة ، فحينما قال الله عز وجل :

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران: 110 ]

 ما علة هذه الخيرية ؟

﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

[ سورة آل عمران: 110 ]

 هناك مشكلة ، إنسان غلبته نفسه ، وارتكب معصية ، ثم رأى صديقه واقعاً في هذه المعصية ، يسأله : ما حكم الشرع في هذا ؟ هل ينبغي أن يبقى ساكتاً ؟ هو مرتكب هذه المعصية مثله .
 الآن ننظر إلى الحكم الشرعي ، ماذا ينبغي أن يفعل المسلم ؟ إذا سئل عن منكر واقع فيه يصمت ، أو يقر هذا المنكر ، أو ينهى عن هذا المنكر .
 أخ زياد ، هناك حقيقة دقيقة جداً ، موقف المؤمن من المعروف أن يفعله ، وأن يدعو إليه ، وموقف المؤمن من المنكر أن يبتعد عنه ، وأن ينكره ، نحن نسأل ، هناك شرطان في المعروف ، أن أفعله ، وأن آمر به ، والمنكر أن أدعه ، وأن أنهى الناس عنه ، لو أنني قصرت في الجانب الأول هل يلغى الجانب الثاني ؟ لا ، لو أنني اقترفت الجانب الأول المنكر هل يلغى الجانب الثاني في إنكار المنكر ؟ الجواب لا ، فالحكم الشرعي شئنا أم أبينا ، أحببنا أم كرهنا ، أعجبنا أم لم يعجبنا لابد من إنكار المنكر ، والأمر بالمعروف ، بصرف النظر مبدئياً عما إذا كنت تقيم هذا المعروف ، أو تقع في هذا المنكر ، لكن أنا أقول : والله شعور صعب جداً ، ومؤلم حينما تقول شيئاً ولا تفعله ، وتنهى عن شيء وتفعله ، الشرع يأمرك أن تقول : هذا منكر ، أو هذا فرض ، بصرف النظر عن كونك فعلته أم لم تفعله ، وبصرف النظر عن قوة التأثير ، أو عدم التأثير ، الله جلّ جلاله أهلك بني إسرائيل لماذا ؟ قال :

﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾

[ سورة المائدة: 79 ]

 كان عدم التناهي عن منكر فعلوه سبب هلاكهم ، فلذلك لا يحق لأحد أن يدع الأمر بالمعروف إن لم يكن يفعله ، ولا يحق لأحد أن يترك النهي عن المنكر إن وقع فيه .
الأستاذ زياد :
 لا قدر الله ، لو أن أحدهم ممن يدعون إلى الله وإلى سبيله سئل في أمر ، وهو قد يكون لا قدر الله يقترفه ، فبماذا يجيب ؟

إنكار المنكر باعث إلى التوبة :

الدكتور راتب :
 لابد من إنكاره ، ويرجو الله عز وجل أن يعينه على تركه ، لكن أيضاً حينما يسأل عن منكر اقترفه يجيب بأنه منكر ، لعل هذا باعث إلى التوبة ، وكأنه يقترب من باب التوبة ، لكن أعجبني قول أحد الشعراء :

ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب  فمن يعظ العاصين بعد محمد ؟
***

 إذا لم يتكلم إنسان بكلمة الحق إلا إذا كان مستقيماً استقامة تامة معنى ذلك أنْ تلغى الدعوة إلى الله كلياً ، لأن مقام النبوة هو العصمة ، بينما مقام المؤمنين هو الذنب ، المؤمن مذنب توّاب ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))

[ الترمذي عن أنس بن مالك]

 المؤمن لا شك أنه يقع في الصغائر ، ومن دون أن يصر عليها ، وسريعاً ما يتوب منها ، لذلك قالوا : النبي معصوم ، والولي محفوظ ، معنى محفوظ أنه لا تضره معصية ، بمعنى أنه يكشفها في وقت مبكر ، ويتوب منها لتوه ، ويستغفر الله عليها كثيراً ، وقد يدفع صدقة ، أو يصوم يوماً ، أو يتقرب إلى الله بعمل صالح حتى يغفر الله له هذا الذنب ، فالمؤمن محفوظ ، لكن النبي معصوم .

خاتمة وتوديع :

الأستاذ زياد :
 هنا فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي عرفنا مما سبق أن هناك علاقة وثيقة بين ثبات الدعوة النصوح الصادقة وبين الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من خلال تطابق القول مع العمل ، وأن هذا التطابق يكسب النفس توازناً داخلياً يقربها من مقام ربها .
 أشكركم ، وأشكر الأخوة المستمعين لحسن إصغائهم ومتابعتهم ، نلتقي في الغد مع حلقة جديدة من برنامج منهج التائبين ، وسيكون حديثنا عن موقف المؤمن من معصية ارتكبها غيره ، بماذا ينصحه ؟ وكيف ينصحه ؟
 أشكركم وأشكر الأخوة المستمعين ، حتى الملتقى لكم التحية .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور