وضع داكن
28-03-2024
Logo
محفوظات - مقدمات الكتب : 08 - مقدمة كتاب الهجرة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الهجرة من أهـم أحداث الدعـوة الإسـلامية ، سـبقتها البعثة ، وأعقبها فتح مكة.
 وللهجرة مفهوم تاريخي ، يتلخص بهجرة النبي  ، وأصــحابه الكرام من مكة التـي كذبتـه ، وآذته ، واضطهدت أصحابه.

﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾

[ الأنفال: 30 ]

 إلـى المـدينة التي صـدقته وآوتـه ونصــرته.

 

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُـحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

 

[ الحشر: 9 ]

 وقد شـاءت حكمة الله أن تكون الهجرة محكاً لصدق المـؤمنين في إيمانـهم ، وحرصـهم على النجاة بـدينـهم ، ولو كان الثمن اقتلاعهم من جذورهم:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

 

[ الأنفال: 72 ]

 إنـها الموقف العملـي الحركي ، الذي يـؤكد صـدق الإيمان ، فضـلاً عـن وجوده ، فما إن يسـتقر الإيمان في القلب ، حتى يعبر عن ذاته بحركة إيجابية تؤكده.
 وما لم يبتعد المـؤمن عـن كل ما يبعده عـن الله ، ويتحرك نحو كل ما يقربه منـه ، ففي إيمانه شـك ، وفي عزيمته خور.
 والهجرة لا تقبل إلا خالصــة لله عز وجل ، وابتغاء وجـهه الكريـم ، وهي عمل ، وشـأنها شـأن أي عمل ، لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً ؛ خالصـاً ما ابتغي به وجـه الله ، وصواباً ما وافق السنة.
قال عليه الصـلاة والسـلام في الحديـث الصـحيح المتواتر:

(( إنـما الأعمـال بالنيات ، وإنما لـكل امـرئ ما نوى ، فمـن كانت هجرته إلى الله ورسـوله ، فهجـرته إلـى الله ورسـوله ، ومن كانت هجـرته إلى دنيا يصـيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ))

 وللهجـرة مفهوم واسع متجدد ، إنها هجران الباطل ، وانتمـاء إلى الحق ، إنـها ابتعاد عن المنـكرات ، وفعل للخيرات ، إنها تـرك المعاصـي ، وانـهماك في الطـاعات ، ثم إنها انتقال من دار الكفر إلى دار السلام.
 إنـها انتقال بين كل مكانين ، يشـبهان مـكة والمـدينة زمن الهجرة ، ولـعل المفهوم الأوسـع للهـجرة ، أن تـهجر ما نهى الله عنه ، قال عليه الصـلاة والسـلام فيما رواه البخاري ، عن ابن عمر:

((... والمـهاجر من هـجر ما نهى الله عنه ))

 بل إن

(( العبـادة في الـهرج ( الفتن ) كـهجرة إلي ))

، كما ورد في الحديث القدسي.
 وللهجرة جانب إيجابي ، فالإنسـان شـديد التأثـر بالبيئة التي يعيشـها ، لذلك لا يسـتطيع أن يعبد ربـه كما أمـره ، وأن يـحقق الـهدف الـذي رسـم لـه ، إلا إذا كـان في مجتمع ، يؤمن بما يؤمن ويسـعى إلى ما يسـعى إليـه ، ولا ينكر أحد أثـر البيئة في إصـلاح الفرد أو إفســاده ، لـذلك قال تعالى:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ التوبة: 119 ]

 وفي سـورة الأنفال آية تبين أن الـهجرة من لـوازم الإيمان
 قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

 

[ الأنفال: 72 ]

 ثم يبين في الآيـة التالية: أن الذين كفروا بعضـهم أوليــاء بعض أي أنهم يتعاونون على إطفاء نور الحق ، وإحباط مسـعى المؤمنين في هـداية الشـاردين ، ويتعاونون على نشـر الباطل ، وإشـاعة الفاحشـة ، فيقول الله تعالـى

 

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

 

[ الأنفال: 73 ]

 وأمـا ضـمير المفرد المذكر في قوله تعالـى:

 

﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَـكُنْ فِتْنَةٌ فِـي الْأَرْضِ وَفَسَـادٌ كَبِيرٌ ﴾

 

[ الأنفال: 73 ]

 فعلى أي شيء يعود ؟ أشـار المفسـرون إلـى أنـه يعود على مضمون الآية التي قبلها كلها.
 فما لم يتعاون المؤمنـون على إحقاق الحـق ، وإزهاق الباطل ، وما لم يكن بعضـهم أولياء بعض ، فإن فتنة كبيرة وفساداً عريضاً سوف يعم المجتمعات الإسلامية.
 أرجـو مـن الله جل وعلا أن يتقبـل عمـلي هذا ، وأن ينفع به المسلمين.

إخفاء الصور