وضع داكن
20-04-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 08 - جمعية رعاية المرأة والطفل - موقع التربية في مشروع النهوض الإسلامي .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الأكارم: أشكر لكم حضوركم، وأشكر القائمين على هذه الندوات دعوتهم الكريمة لي، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون عند حسن ظنكم، والله الموفق لما فيه الخير.
 سيدنا عمر عملاق الإسلام رضي الله عن عمر كان يمشي في طرق المدينة فرأى أطفالاً يلعبون، وكان شديد الهيبة، فلما رأوه تفرقوا إلا واحداً منهم، لفت نظره قال: يا غلام لما لم تهرب مع من هرب ؟ قال: أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك، هذا عبد الله بن الزبير.
 دخل على سيدنا عمر بن عبد العزيز وفد الحجاز وتقدمهم غلام صغير لا تزيد سنه عن عشر سنوات، تضايق الخليفة قال: أيها الغلام اجلس وليقم من هو أكبر منك سناً، فقال هذا الغلام: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بالكلام في هذا المجلس.
 ودخل وفد على عبد الملك بن مروان يتقدمهم غلام فقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان ؟ فقال هذا الغلام: أصلح الله الأمير إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك لكنه شرفني، أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم ومعكم فضول أموال فإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، وإن كانت لله فتصدقوا بها على عباده وإن كانت لنا فعلاما تحجزوها عنا ؟ فقال: والله ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة عذراً.
 أيها الأخوة الأحباب: الأطفال غراس الحياة، وقطوف الأمل، وقرة عين الإنسان وزهور الأمة المتفتحة، والبراعم الإنسانية المتألقة عليهم المعول في الحفاظ على مكاسب الأمة لا الأطفال اليوم هي الورقة الوحيدة الرابحة بأيدي المسلمين، المعول عليهم في الحفاظ على مكاسب الأمة واستعادة ماضيها المجيد، وخوضه معاركها الضارية والمصيرية مع أعدائها.
 أيها الأخوة: للطفولة في الإسلام عالمها الخاص المفعم بالعناية والاهتمام وحديث القرآن الكريم وهو كلام رب العالمين يؤكد ذلك، فالله جل جلاله يقسم بالطفولة:

﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)﴾

(سورة البلد)

 والأطفال هم البشرة.

 

﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾

 

(سورة مريم)

 والأطفال هم قرة العين.

 

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ﴾

 

(سورة الفرقان)

 والأطفال زينة الحياة الدنيا.

 

﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46)﴾

 

(سورة الكهف)

 هم المودة والرحمة في رأي بعض المفسرين من قوله تعالى:

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾

 

(سورة الروم)

 في رأي بعض المفسرين جعل بينكم مودة ورحمة القصد بالأطفال الذين يقيمون هذه المودة والرحمة بين الزوجين، وفي السنة الصحيحة يقول عليه الصلاة والسلام:

((الأطفال دعاميص الجنة.))

(ورد في الأثر)

 والدعاميص أي الفراشات، وكان حب النبي صلى الله عليه وسلم للطفولة يملأ قلبه الشريف.

 

((سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ ))

 

(سنن الترمذي)

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ ))

(صحيح البخاري)

 أول حقوق الطفل على أبيه أيها الأخوة: حينما كان فكرة على الأب أن يحسن اختيار أمه لأن هذه الأم أم أولاده هي التي تربيهم.

 

((يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال وجمال فلما كبرت سني ونثر بطني وتفرق أهلي وذهب مالي قال: أنت علي كظهر أمي، ولي منه أولاد إن تركتهم إلي ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا هو ينفق عليهم.))

 

(ورد في الأثر)

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))

(صحيح البخاري)

 بل إن المرأة الصالحة هي حسنة الدنيا كما قال بعض المفسرين:

 

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)﴾

 

(سورة البقرة)

 بل إن المرأة المؤمنة تسرك إن نظرت إليها وتحفظك إن غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها، وبالمقابل نبه النبي أولياء الفتيات.

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ))

 

(سنن ابن ماجة)

 زوج ابنتك للمؤمن إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها، سيدنا عمر رضي الله عنه سئل ما حق الولد على أبيه قال: أن يحسن انتقاء أمه، وأن يحسن اسمه وأن يعلمه القرآن.
 أيها الأخوة الكرام: لأن الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع فقد عني بها الإسلام أشد العناية، لكن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً في أذهان الأخوة الكرام هو أن الوالدين يعوّل عليهما في تربية الأولاد، وليس أحد في الأرض يمكن أن ينوب عنك في تربية أولادك وليس مقبولاً من إنسان أن يعتذر أن المجتمع فاسد، لأنك لو بلغت أعلى منصب في الحياة، لو جمعت أضخم ثروة في الأرض، لو حملت أعلى شهادة في الدنيا، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، بل إن الله عز وجل حينما قال:

 

﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)﴾

 

(سورة طه)

 لم يقل فتشقيا، مع أن سياق اللغة تقتدي أن تكون عبارة فتشقيا، ذلك أن بعض المفسرين فهم أن شقاء الرجل شقاء حكمي لزوجته.

 

﴿فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)﴾

 

 وأنا أقيس على ذلك شقاء الأولاد شقاء حكمي للآباء والأمهات، يدخل على قلب الأب من الألم مالا يوصف حينما يرى ابنه تائهاً وشارداً، إن أردت أن تسعد، إن أردت أن تقر عينك، إن أردت أن تطمئن فاعتني بابنك، لأنه أكبر ثروة في حياتك.

((يقول عليه الصلاة والسلام: أحبوا الصبيان وارحموهم فإذا وعدتموهم فوفوا لهم فإنهم لا يرون إلا أنكم ترزقونهم. ))

(ورد في الأثر)

 منهج النبي القولي والعملي فيه تأكيد لا حدود له بالعناية بالصغار، وأعود وأقول: إن الصغار الآن هم الورقة الرابحة الوحيدة في أيدي المسلمين إما أن نعلمهم إما أن نلزمهم قواعد الإيمان ومنهج النبي العدنان فيكونوا قرة عين لنا، وإما أن يكون الابن عبئاً على والديه.
 إخواننا الكرام: مثل أضربه وأضعه على أيديكم: وضع المسلمين قبل خمسين عاماً كحديقة الحيوان التقليدية، الوحوش في الأقفاص، أي بئر الفساد محدودة، والزوار طلقاء ولكن وضع المسلمين اليوم مع هذه المحطات الفضائية، أو مع المحطات المحلية أو مع أقراص الليزر، أو مع المجلات الإباحية، أو مع المواقع الإباحية في الانترنت عددها بمئات الملايين وضع المسلمين اليوم يشبه حديقة حيوان في أفريقيا، الوحوش طلقاء، والزوار إن لم يدخلوا في حصون يؤكلون !
 إذا كان الأب أو المربي قبل خمسين عام إن صح التعبير يحتاج إلى مائة وحدة تربية إذا قسمنا وحدات العناية بالأبناء إلى وحدات، أو إذا قسنا العناية بالأولاد بوحدات، إذا كان الأب أو المعلم يحتاج إلى مائة وحدة اهتمام، الآن يحتاج الأب إلى مليون وحدة اهتمام، لأن الحياة كلها قنص، فيلم قد يقنص ابنك منك، شغلة مخدرات قد تقنص ابنك منك، رفيق سوء قد يأخذ ابنك منك، القضية قضية مصيرية، القضية قضية سعادة أو شقاء.
 أيها الأخوة الكرام:
 يقول عليه الصلاة والسلام:

((الزموا أولادكم....))

(ورد في الأثر)

 يجب أن يكونوا معك، العبد الفقير في جامعي في الشام والله نعتني بالصغار عناية تفوق حد الخيال، لابد من مرتجعات تشذبهم إليها، لابد من إكرام بالغ في المسجد، لابد من رعاية كاملة، (من كان له صبي فليتصابى له.)
 عتبة بن أبي سفيان ينصر مؤدب ولده، ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما ساتقبحت.
 أنا أقول لكم: أخطر إنسان في حياة المسلمين معلم الأولاد، هذا إذا كان واعياً ومؤمناً ويؤدي الرسالة لا يرتزق بالتعليم، هذا يربي الأجيال، ونحن بدورنا ينبغي أن نعتني عناية لا حدود لها بمعلم أبنائنا، لأن بين أيديهم فلذات أكبادنا، لأن بين أيديهم أثمن شيء عندنا.
 روى ابن خلدون أن هارون الرشيد قال لمعلم ابنه الأمين: إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أقرئه القرآن، عرّفه الأخبار، روّه الأشعار، علمه السنن، بصره بمواقع الكلام، أمتعه بالضحك من حين إلى آخر، امنعه من الضحك إلا في أوقاته، لا تمرنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه، فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالحكمة والملاينة.
 أيها الأخوة: هذا المستودع للماء الذي نقتنيه في مركباتنا له فتحة في أعلاه وله صنبور في أسفله، الذي تضعه في أعلاه تأخذه من أسفله، أخطر سؤال ابنك بما يتغذى ؟ لو أنه تغذى بهذه الأفلام الأفلام تنطلق من فكر إلحادي وسلوك إباحي، فحينما تعتمد على أجهزة الإعلام في تربية ابنك فكأنك تسلمه إلى معلم ملحد عقيدة إباحي لسلوكك، هذا الذي يحصل، كل المنكرات والموبقات والخيانات والأعمال التي لا ترضي الله يراها الطفل، هذه أكبر قضية في حياة المسلمين أن تغذية أولادهم تتم عن طريق جهات لا تؤمن بالله عز وجل، ولا تنضبط بمنهج إن أردت أن يكون ابنك قرة عين لك ينبغي أن تعتني بتربيته الثقافية، يجب أن تؤدبه بآداب الإسلام، يجب أن تعلمه سنّة النبي العدنان، يجب أن تعلمه بطولات المسلمين، لا أن يكون الممثلون والممثلات الأحياء منهم والأموات هم قدوته في الحياة، ولا لعب الكرة، الطفل يحب المثل الأعلى، فإذا كان أمامه وتحت سمعه وبصره مثل عليا منتزعة من أعمال الفن فهذه مشكلة كبيرة جداً، أما إذا كانت المثل العليا في حياته أبطالاً مسلمين أناساً صالحين، أبطالاً ميامين نشأ على حب هذه البطولة.
 أيها الأخوة الكرام: الشيء المريح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

((.... إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ....))

 

(صحيح البخاري)

 فأقم وجهك للدين حنيفاً أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هو ذاته فطرة الله التي فطر الناس عليها، هذه النفس مبرمجة بالتعبير الحديث ومولفة ومجبولة بالتعبير القديم على الإيمان بالله وعلى طاعة الله فحينما يعص الإنسان ربه دون أن يشعر، دون أن يدرك، دون أن يعي يختل توازنه، فإذا اختل توازنه ماذا يفعل ؟ أن يطعن في كل إنسان منضبط حتى يستعيد توازنه، أو أن يعتقد عقيدة زائغة وفاسدة أو ن يصطلح مع الله، فتجد كل من يعصي الله حينما يعصي الله تضطرب نفسه ويختل توازنه، فلا يستعيد هذا التوازن إلا بالتيئيس ليس هناك إنسان صالح يطعن بكل ملتزم، أو يعتقد عقيدة زائغة تغطي زيغه وانحرافه، والأصوب أن يصطلح مع الله.
 أيها الأخوة: آية كريمة في القرآن الكريم تأمرنا جميعاً أن نعتني بأولادنا وإلا فنار جهنم هي العقاب.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾

 

(سورة التحريم)

 ورد في بعض الآثار:

((أن الفتاة الطائشة حينما تقف بين يدي ربها يوم القيامة تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي ))

 لأنه كان السبب
 كنت البارحة في محاضرة في البقاع جاءني سؤال عن الحجاب، فذكرت أن المرأة تقول أحياناً: أنتم الرجال لكم الجمعة والجماعات ولكم الجهاد في سبيل الله، نحن مالنا ؟ أجبتها أن للمرأة في الإسلام عبادة مستقلة بها، خاصة بها، إنها عبادة الحجاب، إن هذا الحجاب يسهم في إعفاف الشباب، فالرجل قد يرتدي ثوباً خفيفاً وكماً قصيراً في الصيف يتخفف من ثيابه المرأة المسلمة ممنوعة أن تتخفف من ثيابها في الصيف ولا في الشتاء أساساً، ممنوعة أن ترتدي ثياباً رقيقة، أو ثياباً ضيقة، كأنه تحدد من حريتها، لكنه غاب عنها أنه بالثياب الفضفاضة أنها بحجابها تعبد الله في كل سنتيمتر من ثيابها، لأن هذه الثياب تسهم في إعفاف الشباب، المرأة المسلمة لزوجها ولمحارمها لا لعامة الناس.
 أيها الإخوة الكرام: والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام يقول:

 

((عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ أَوْ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ كُلَّ يَوْمٍ بِنِصْفِ صَاعٍ ))

 

(مسند الإمام أحمد)

 ورد في الأدب المفرد للإمام البخاري حديث رائع، طبعاً أنا أستنبط منه زاوية واحدة: يقول عليه الصلاة والسلام:

((أول من يمسك بحلق الجنة أنا فإذا إمرأة تنازعني، تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت من هذه يا جبريل ؟ قال: هي إمرأة مات زوجها وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهم.))

 أنا أستنبط من زاوية واحدة فقط ليس ممنوعاً في الفقه أن تتزوج إمرأة مات زوجها، هذا ليس حكماً شرعياً إطلاقاً ولكن موقف شخي، لكن هذه المرأة التي آثرت تربية أولادها على حظها من الرجال، تنازع رسول الله دخول الجنة، وأنا مؤمن والله أن المرأة في الإسلام مساوية للرجل تماماً في التكليف وفي التشريف وفي المسؤولية، لكن الله عز وجل يقول:

 

﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾

 

(سورة آل عمران)

 هذا موضوع آخر، خصائصها الفكرية والجسمية والنفسية والاجتماعية كاملة لمهمتها، وخصائص الرجل الفكرية والاجتماعية والنفسية كاملة لمهمته.
 الآية الكريمة:

 

﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)﴾

 

(سورة الفرقان)

 أحياناً يأتيني بعض الإخوة في المسجد، ويشكون إلي أن أولادهم يكثرون الذهاب إلى المسجد، أقول لهم من أعماقي والله هذا الابن الطائع الصالح لا يقدر بألف مليون دولار، لأنه سبب سعادتك إلى أبد الآبدين.

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))

 

(صحيح مسلم)

 والله عز وجل يقول:

 

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)﴾

 

(سورة الطور)

 كل أعمال ابنك الصالحة من صحيفتك، من ربى ابناً فكأنه لم يمت !
 إن ربيت ولداً صالحاً ينفع الناس من بعدك فكأنك لم تموت، إنك تستمر من خلال هذه الذرية الصالحة.
 يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ))

 

(سنن ابن ماجة)

 ورحم الله من قال: لاعب ولدك سبعأً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً ثم اترك حبله على غالبه، أول مرحلة لا يضرب يلاعب من أجل أن يحبك.
 مرة جاءني أخ حضر خطبة الجمعة ورأيته يبكي، ومعه ابن صغير وفي جيبي قطعة حلوى، قدمتها لهذا الصغير، قلت له: أرأيت لهذه الخطبة التي تأثرت لها بالغ التأثر إنها عند ابنك لا طعم لها، أما الآن بهذه القطعة أصبح لها طعم، الطفل يجب أن نتحبب إليه بهدية بقطعة حلوى، بملعب بمسبح إسلامي، أنا ألح أن يكون في كل مسجد إسلامي منتجع تابع له كي يجلب الصغار، لأن أعدائنا أذكياء وأغنياء وأقوياء، ونحن ما لم نكن على مستوى مقبول من حسن التخطيط وحسن التربية، وشدّ الأطفال لابد من مناشط إسلامية تشد الأطفال إليها أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ
 إليكم هذه القصة:

 

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُاللَّهِ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُاللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ))

 

(صحيح البخاري)

 هذه طريقة في الحوار، هؤلاء الذين يتكلمون يلقون على الناس كلامهم الفصيح ولا يسمحون لأحد أن يسألهم، ولا أنه يحاورهم، هؤلاء خالفوا منهج النبي، قال:

((حَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ النَّخْلَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ))

 دققوا في اهتمام هذا الخليفة الراشد بابنه.
 أيها الأخوة الكرام: أول حق لأولادنا علينا بعد حسن اختيار الزوجة التعيم.
 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً، لابد من أن تعلمه العلم الديني، هذا الوهم عند المسلمين، ابن صيدلي ابني معه شهادة في الفيزياء هذا علم نرتزق به حيث ما ورد العلم في الكتاب والسنّة يعني العلم بالله والعلم بمنهج الله.
 دققوا أيها الأخوة: العلم الديني فرض عين على كل مسلم، الدليل: لو أن مظلياً ينزل بمظلته من الطائرة هذا المظلي قد يجهل شكل مظلته بيوي دائري مربع، قد يجهل نوع قماش المظلة لاشيء عليه، قد يجهل عدد حبالها، قد يجهل مما صنعت هذه الحبال، ولكن شيئاً واحداً إذا جهله نزل ميتاً طريقة فتح المظلة، هذا العلم سماه العلماء ينبغي أن يعلم بالضرورة
يجب أن تعتقد أن أركان الإيمان وأركان الإسلام وأن أحكام الفقه المتعلقة بحياتي هذه علوم يجب أن أعلمها بالضرورة، ويجب أن أعلم ابني بالضرورة، إمرأة جاهلة جاء ابنها ببيضة سرقها، فأثنت عليه، في النهاية استحق الإعدام وقبل أن يشنق طلب أمه قال: أنا مشتاق لأمي أريد أن أرها قبل أن أموت، جاؤوا بأمه فقال: يا أمي مدّي لسانك كي أقبله فلما مدت لسانها قطعه بأسنانه وقال: لو لم يكن هذا اللسان مشجعاً لي في الجرائم ما فقدت حياتي.
 الأم لها دور خطير جداً، الأب له دور خطير، أما المسلمون انغمسوا في أعمالهم إلى قمة رؤوسهم، وتركوا أولادهم في الشارع وإلى برامج الفضائيات وإلى المجلات الإباحية وإلى رفقاء السوء، فكانت حياتهم جحيماً لا يطاق.
 يقول عليه الصلاة والسلام:

((علموا أولادك فإنهم مخلوقون لزمان غير زمنكم.))

(ورد في الأثر)

 أيها الأخوة: دققوا في هذه الآية قال تعالى:

 

﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾

 

(سورة الرحمن)

 أيعقل أن يعلم الإنسان قبل أن يخلق ؟ ما وجه هذا الترتيب في الآية ؟ قال علماء التفسير: هذا ليس ترتيباً زمنياً، بل هو ترتيب رتبي، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه، لعل هذه الفكرة معقدة.
 وعشرون تحليل فوري، وكل تحليل فرضاً مائة دولار، وعندك ألف زبون، وهذا الجهاز غالي جداً استقدمته من بلاد الغرب، ليس معه كتيب التشغيل والصيانة، إن استعملته بلا كتيب تتلفه، وإن خفت عليه جمّدت ثمنه، أليس هذا الكتيب أهم منه ؟ قطعاً لا معنى لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه.

 

﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)﴾

 منهجه مقدم على وجوده، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: علموا أولادك السباحة والرماية وأمروهم فليثبوا على الخيل وثباً.
 لأبين لكم أيها الأخوة رقة النبي، وعنايته بالصغير:

 

 

((كان عليه الصلاة والسلام يصلي ذات يوم بأصحابه، فأقبل الحسن والحسين فركبا ظهره وهو ساجد فأطال السجود ثم أطال السجود ولم يرضى أن عجل بنزولهما حتى نزلا وحين سلم سأله أصحابه لقد أطلت السجود يا رسول الله، قال: لقد ارتحلني ابناي، فكرهت أن أعجلهما.))

 

(ورد في الأثر)

 هكذا كان في بيته، هذا الطفل ثروة عظيمة لكم، هذا إن نشأ على حب الله ورسوله وحب أبويه وحب المؤمنين وعلى ارتياد المساجد أنا لا أسمح إذا وقف طفل في الصف الأول أن أعيده إلى الصف الثاني، أينما وقف يجب أن يبقى هكذا.
 عقب خطبة الجمعة كل ابن يأتي مع أبيه عندي له أكلة طيبة وغالية، ندفع والله مبلغ كبير جداً، أحياناً مئات، فهؤلاء الأبناء يلحون على آبائهم أن يأتون إلى هذا المسجد من أجل هذه القطعة.
 نحن في العيد مثلاً عندنا قاعة شرقية راقية جداً نستقبل بها الإخوة الكرام في العيد فكل طفل يأتي مع أبيه له عيدية عملة جديدة من المطبعة إلينا، وأكلة ثمينة، فإذا جاء الأطفال مع أساتذتهم كل طالب له عيدية وهدية، وإذا جاؤوا مع أوليائهم أيضاً له أكلة وله عيدية، جاءني مرة طفل بالعيد قلت له من أستاذك ؟ احتار، هو قادم من الطريق سمع هنا يوجد عيدية فدخل قلت له: من أستاذك من أبوك ؟ فخجل، قال: أنا أستاذي الشيخ راتب، فأراد أن يأخذ هذه العيدية.
 أيها الأخوة: دققوا الفقهاء رضوان الله عليهم أجازوا شراء اللعب للصغار.
 ورد عن النبي أنه من دخل السوق واشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، وكان يقول عليه الصلاة والسلام:

((الولد ريحانة من رياحين الجنة.))

(( عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ))

(صحيح مسلم)

 بالمناسبة أيها الإخوة: الشيء الغريب أن في الإنسان طبعاً ومعه تكليف، الطبع يقتضي أن تأخذ المال كشأن الناس جميعاً.
 قرأت مقالة عن النملة أن الله سبحانه وتعالى أودع فيها جهازين جهاز مص وجهاز ضخ، فإن كانت جائعة استخدمت جهاز المص، وإن كانت شبعة، والتقت بأخت كانت لها شبعة تستخدم جهاز الضخ، أما هؤلاء الشاردون عن الله لا يوجد عندهم إلا المص فقط، ضخ لا يوجد أبداً، فالإنسان معه تكليف وفيه طبع، والطبع يقتضي أن تأخذ المال، والتكليف يقتضي أن تنفق المال، بالعكس الطبع يقتضي أن تملأ عينيك من محاسن النساء، والتكليف يقتضي أن تغض البصر، الطبع يقتضي أن تبقى نائماً في صلاة الفجر، والتكليف يقتضي أن تستيقظ، الطبع يقتضي أن تحدث الناس بفضائح الناس قصص ممتعة: لماذا طلقها ؟ خانته مثلاً !، والتكليف يقتضي أن تصمت (قذف محصنة يهدم عمل مائة سنة ).
 الآن دققوا: الطبع يقتضي محبة الأولاد، والتكليف يقتضي بر الوالدين، ليس في القرآن ولا في السنّة أمر يأمرنا بالعناية بالأولاد لأن هذا طبع من أجل أن يعيش الناس، لذلك هذا الإنسان الذي يعنى فقط بطعام أولاده وصحتهم وثيابهم ودراستهم هذا شيء فطري أكاد أقول لا أجر عليه، أما حينما تعتني بدينه و بآخرته وبإيمانه هنا تؤجر، أما أي إنسان أي رجل وأية إمرأة ولو أنها متفلتة تعتني بأولادها بالطبع لا أجر لها، مثلاً: لا يعقل أن يصدر قانون أو مرسوم تشريعي يحض الناس على تناول طعام الفطور، لا داعي له، لأن تناول الطعام شيء أساسي بحياة الإنسان، لذلك بالقرآن لا توجد توصية بالعناية بالأبناء كأبناء فقط، فكل أب يحرص على ابنه، أما العناية بتربيتهم بدينهم بإيمانهم باستقامتهم بمعرفتهم بالله ورسوله.
 أيها الأخوة: شيء دقيق جداً بالعدل بين الأخوات:

 

((عَنِ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ ابْنُ بَشِيرٍ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَتْ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا قَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ))

 

(صحيح مسلم)

((نظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى رجل له ابنان قبّل أحدهما وترك الآخر، فقال النبي الكريم: مهلاً هلا ساويت بينهما))

(ورد في الأثر)

 أيها الأخوة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم نهياً مشدداً عن تمييز الذكور عن الإناث حينما جاءته فاطمة ضمها وشمها، وقال:

((ريحانة أشمها وعلى الله رزقها ))

 فقال عليه الصلاة والسلام فيما ورد في بعض الأحاديث:

(( نعم الولد البنات، وخير أولادكم البنات، ومن كان له ثلاث بنات فاعتنى بهن وكفلهن دخل الجنة قلنا واثنتين ؟ قال ك واثنتين، قلنا: وواحدة ؟ قال: وواحدة.))

(ورد في الأثر)

 من عنده بنت أو بنتان أو ثلاثة اعتنى بعدما واعتنى بدينهما وبصلاتهم وبالأدب الذي نحله إياهن دخل الجنة.
 أيها ألأخوة: أريد أن أدخل في موضوعات معاصرة: كلكم يعلم أن المسلمين فيهم تفوق فردي، وليس عندهم تفوق جماعي، يجب أن نربي أولادنا على التعاون، أعدائنا يتعاونون تعاون لا حدود له، الطرف الآخر يتعاونون على قواسم مشتركة لا تزيد عن خمسة بالمائة، والمسلمون يتقاتلون على قواسم مشتركة تزيد عن خمس وتسعين بالمائة، يفتقد المجتمع الإسلامي روح التعاون، والله عز وجل يأمرنا بالتعاون يقول:

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾

 

(سورة المائدة)

 ظاهرة عجيبة أهل الغرب الشاردون عن الله الكفار يتعاونون تعاوناً لا حدود له حتى أن بعضهم قال: هؤلاء الشعوب النامية العشرة منهم بواحد، والواحد بعشرة، يوجد تفوق فردي وكن لا يوجد نفوق جماعي، إذا كانوا عشرة يتناطحون حتى يصبحوا واحدة، أما الواحد منهم كعشرة.
 الذي أتمناه أن يربى الابن على التعاون، وهذا الكلام موجه للآباء وللمعلمين، يجب أن تكون روح التعاون في دمهم، أن تكون كرية ثالثة.
 لي صديق ذهب إلى هولندا رأى إعلان في جريدة لفت نظره: طلبوا وظيفة طبعاً من الشروط السن والشهادة و... أما يوجد شرط عجيب أن يصلح للعمل ضمن فريق ‍! نحن لا نربي أولادنا أن يكونوا أفراداً ضمن فريق، قضية التعاون فيها آية صريحة:

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾

 قالوا: البر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة.

 

 

﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾

 سيدنا الصديق رضي الله عنه قال لسيدنا عمر: مد يدك لأبايعك بعد وفاة رسول الله تروي بعض السير أن سيدنا عمر قال: أي أرض تقلّني ؟ وأي سماء تظلني ؟ إذا كنت أمير على قوم فيهم أبو بكر ؟ هذا شيء فوق طاقتي، قال: يا عمر أنت أقوى مني، قال: أنت أفضل مني فقال عمر قوتي إلى فضلك، تعاونوا، فقال: كنت مع رسول الله خادمه وجلواده وسيفه المسلول وكان يغمدني إذا شاء، وتوفي عني وهو عني راض، وأنا بذلك أسعد، وكنت مع أبي بكر خادمه وجلواده وسيفه المسلول فكان يغمدني إذا شاء، ثم آلت الأمور إلي، فاعلموا أن تلك الشدة قد أضعفت، وإنما تكون على أهل البغي والعدوان، أما أهل التقوى والصلاح فسأضع خدي ليطأووه بأقدامهم.
 سيدنا عمر عندما وقف على المنبر نزل درجة، استغربوا ما فعل هذا النبي! فلما سؤل قال: ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر.
 كان مرة مع أصحابه فقال: بعضهم كما هي العادة ما رأينا أفضل منك، فحدق إليهم النظر حتى كاد يأكلهم بنظراته إلى أن قال أحدهم: لا والله لقد رأينا من هو خير منك، قال: من هو ؟ قال: أبو بكر، قال: لقد كذبتم جميعاً وصدق، والله كنت أضل من بعيري، وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك، أتلاحظون إلى هذا التعاون ؟
 أراد الصديق رضي الله عنه أن يأخذ رأي عمر في قضية، فأحال السائل إليه سيدنا عمر رفض طلب هذا السائل فاغتاظ، جاء للصديق ليوقع بين عمر وبين الصديق، سأله قال: يا خليفة رسول الله الخليفة أنت أم هو ؟ قال: هو إذا شاء ! لا مشكلة، روح التعاون.
 أيها الأخوة: نحن بأسنا بيننا.
 إخواننا الكرام: الدعوة إلى الله دعوتان، دعوة غلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله هذه الدعوة من خصائصها الابتداع والتنافس، والنزعة العدوانية ومن خصائصها احتقار الآخرين بل إنني أرى أنه ما من فرقة ضالة في حياة المسلمين من بعثة النبي إلى يوم القيامة إلا وتؤنب الأشخاص، وتعتمد النصوص الضعيفة والموضوعة، وتخفف التكاليف وهي ذات نزعة عدوانية علامة إخلاصك التعاون وأن تحمل هم المسلمين، يجب أن نربي أولادنا على التعاون، وعلى العمل ضمن فريق، يجب أن يكون عملنا كما هو في التعريف الحديث مؤسساتي، لا برسلي شخصي، أنا أفرح أشد الفرح إذا انتقل عالم يبقى مسجده ومنهجه ومعاهده كما هي، معنى ذلك كان مخلصاً لله فترك عملاً مؤسساتياً، أما حينما يعبد ذاته من دون الله، فإذا اختفى انتهى معه كل شيء، إذا كنت مخلصاً حقاً ينبغي أن تترك عملاً مؤسساتياً لا أن تدع عملاً شخصياً، هذا يحتاج غلى جهد كبير، يحتاج إلى إنكار الذات، نحن لسنا مع العناوين، نحن مع المضامين لسنا مع الأشخاص، نحن مع المبادئ، يجب أن نحمل هم المسلمين، عندي دليل من كتاب الله لما قال الله عز وجل:

 

 

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ﴾

 

(سورة الروم)

 ماذا أثبت الله للمؤمنين ؟ فرحهم بمن ؟ بالروم، هم أهل كتاب مشركون، لكنهم أقرب إليهم من عباد النار، معنى ذلك المؤمنون حملوا هم المؤمنين بالله، بشكل أو بآخر، فأنت حينما لا تحمل إلا هم نفسك تسقط من عين الله، أما إذا حملت هم المؤمنين في بقاع الأرض أنت عند الله مكرم، يجب أن نعلم أولادنا أن يحملوا هم المجتمع المسلمين في ظاهرة خطيرة جداً الانتماء الفردي أهجى بيت قالته العرب ودخل الذي قاله السجن في عهد عمر:

 

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  واقعد فإنك أنت الطاعن الكاسر
***

 هذا البيت يعد أهجى بيت الآن شعار كل إنسان أليس كذلك ؟ شعار كل مواطن مادام دخله كبير بيته جيد مركبته فارهة، عنده مزرعة عنده بيت بالمصيف زوجته تروق له أولاده متفوقون في دراستهم فقط، سيدنا عمر حينما طعن ماذا سأل ؟ قال: هل صلى المسلمون الفجر ماذا يسأل الأب مساء زوجته ؟ هل كتبوا وظائفهم ؟ هل تناولوا طعام العشاء ؟ فقط، هل يسأل هل صلوا العشاء ؟ لا، نحن نحصد الآن أخطاءنا.
 أيها الأخوة: آخر شيء مهم جداً إن لم يكن لك وقت فراغ فأنت لست إنساناً هذا الذي يقول: أنا ذهبت قبل أن يستيقظ أولادي وعدت بعد أن ناموا يظن أنه يكدح في الحياة حينما فقدت وقت الفراغ فقد إنسانيتك.
 رئيس فرنسا فيما سبق دعا ثلاثين عالم من علماء الاجتماع ليجيبوه عن سؤال واحد لماذا العنف في العالم الآن ؟ نحن بالخمسينات كل خمس ست سنوات يشنقوا واحد بالمرجة دمشق تزحف لرؤيته، اليوم بالعالم كل يوم يوجد مذبحتين ثلاثة ! لماذا العنف ؟ الجواب رائع جداً: قالوا: مجتمع الاستهلاك، أنت في الطريق وفي المجلة وعلى الشاشة هذه أحدث غسالة أجمل سيارة، فل أوبشن، هذه الإعلانات تزرع في نفسك الحاجة إليها باستمرار.
 الآن موقف كل إنسان إما أن يمد يده للحرام كي يقتني هذه الأجهزة الرائعة الجميلة فيسقط من عين الله انتهى، وإما أن يلغي وقت فراغه انتهى كأب وانتهى كزوج، أعمال إضافية حتى منتصف الليل، هو جاء بدخل جديد لكن فقد أولاده وفقد أسرته، إذا لم يكن لديك وقت فراغ تجلس فيه مع أولادك أنت لست أباً، وسوف تفقد أثمن شيء....
 والله قال لي واحد في الشام: إذا مات ابني سأقيم مولد لرسول الله، من شدة عقوق هذا الابن ! إذا أهملته كان عبئاً عليك، وفي آخر الزمان يكون الولد غيظاً لوالديه، واحد بأمريكا أحب فتاة سأل والدها أن يأذن له بالزواج منها، قال: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري ! ثم أحب ثانية قال: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، فأحب ثالثة وأعاد له القول فضجر، حدث أمه قالت له: خذ أياً شئت أنت لست ابنه وهو لن يدري !
 حدثني أخ بأمريكا قال: والله غابت ابنتي ليلة بأكملها سألتها بأدب أين كنت البارحة ؟ قالت: لا أسمح لك أن تسألني ! بقي ليصبح عمري ثمانية عشر عاماً خمسة أيام، فأسامحك هذه المرة، لكن بعد خمسة أيام لا أسمح لك أن تسألني أين كنت !
الولد غيظ، يكون المطر قيظاً بالصيف والولد غيظاً، ويفيضان فيضاً، ويغيض الكرام غيضاً.
 ( والله والله مرتين لحفر بئرين بإبرتين، وكنس أرض الحجاز بريشتين، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين أهون علي من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين ).
 يفيض اللئام فيضاً، يغيض الكرام غيضاً،
 آخر شيء أتمناه أن تكون المساجد مراكز إسلامية، أن تلحق بها منتجعات ترفيهية أن تسد الصغار إلى المساجد إلى تعلم القرآن، أدعو إلى الدعوة الحضارية، أن تكون هناك مناشط إسلامية يستغنى بها عن مناشط الكفار هذا شيء يحتاج إلى جهد كبير، دعيت في دمشق لمشاهدة فيلم كرتون يجسد أحاديث رسول الله متقن جداً، نحن عالة على ديزني وعلى بوكمن هذه الأفلام للصغار توسخ الإلحاد والانحلال، كلما خلعت باربي قطعة من ثيابها صفقوا لها توسخ الإباحية والإلحاد، نحتاج إلى ملء هذا الفراغ، نحتاج إلى وعود، هذا عنوان المحاضرة لابد من أن أسلم منجزات الحضارة إسلاماً صحيحاً، أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد قدمت شيئاً في هذه المحاضرة.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

إخفاء الصور