وضع داكن
25-04-2024
Logo
منهج التائبين - الحلقة : 23 - صور من الواقع.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
 أيها الأخوة المستمعون ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نحييكم في مستهل هذه الحلقة من برنامج : "منهج التائبين" ، أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أحد أبرز علماء دمشق ودعاتها ، أهلاً ومرحباً بكم ، وجزاكم الله عنا خير الجزاء في هذه السلسلة من الحوارات ، وما فيها من توجيهات قيّمة لأخلاق التائبين ومنهجهم .
 فضيلة الشيخ ، بعد أن تناولنا صوراً عدة من الواقع المعاش هذه صورة أخرى؛ خاطب ملتزم بمنهج الله ، تائب سائر على طاعته ، ويتجنب نواهيه ، يريد أن يرتبط بمخطوبته ، وهي على شيء من المعصية والتفلت ، يقبل بها مخطوبة ، وعندما يتم عقد القران يفرض عليها منهجه على أنه المنهج الصحيح ، وهو كذلك ، ولكن يفرضه فرضاً من منطلق أنها أصبحت في ذمته ، ومسؤول عنها يوم القيامة ، فكيف يمكن أن نعالج هذه المعضلة التي قد تنفر هذه المخطوبة من خطيبها ؟

الأحكام التكوينية أفعال الله و الأحكام التكليفية أوامره ونواهيه :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 قضية الخطبة بين الخاطب ومخطوبته تنتظمها علاقة ذكرها الله عز وجل ، وذكرها النبي عليه الصلاة والسلام ، ذكرها الله عز وجل في قوله تعالى :

﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾

[ سورة النور:26 ]

 وقد نتوهم أن هذا حكم تكويني ، ليس كذلك ، هو حكم تكليفي ، لو أن هذه الآية حكم تكويني ماذا نفعل بزوج صالح مع زوجة سيئة ؟ أو زوجة صالحة ولية مع زوج سيئ ؟ العلماء أجمعوا على أن هذه الآية لا تعني أنها حكم تكويني ، بل تعني أنها حكم تكليفي ، أي احرصوا يا عبادي .
المذيع :
 لنشرح هذا المصطلح حكم تكويني وحكم تكليفي ؟.
الدكتور راتب :
 الأحكام التكوينية أفعال الله ، بينما الأحكام التكليفية أوامره ونواهيه ، أنا في طريق وضعت لوحة في أوله مكتوب عليها : " ممنوع المرور " ، هذا أمر تكليفي ، الطريق مفتوح ، وبإمكاني أن أسير فيه ، لكن أتحمل جزاء مِن قِبل واضعي قوانين السير ، فاللوحة ممنوع المرور هذا حكم تكليفي ، أما إن وجدت أربعة مكعبات إسمنتية قد أغلقت الطريق نقول : هذا حكم تكويني ، أنا لا أستطيع أن أتجاوزه ، لوجود كتل إسمنتية تحول بيني وبين السير في هذا الطريق، فالحكم التكويني أفعال الله ، بينما الحكم التكليفي أوامره ونواهيه ، ولله المثل الأعلى ، فحينما يقول الله عز وجل :

﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾

[ سورة النور:26 ]

 هذا حكم تكليفي ، أي ينبغي أن يكون الطيبون للطيبات ، احرصوا يا عبادي على أن يكون الطيبون للطيبات ، هذا أصل في هذا الموضوع ، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ ، لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 يوجد حديث فيه تفصيلات أكثر :

(( من تزوج المرأة لجمالها أذله الله - لجمالها فقط لم يعبأ بدينها ، ولا بأخلاقها ، ولا بتربيتها - ومن تزوجها لمالها أفقره الله ، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءة ، فعليك بذات الدين تربت يداك ))

[ ورد في الأثر]

 هذه آية وهذا حديث .
 الطرف الآخر ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

 عندنا فتاة ينبغي أن نبحث عن شاب ذي دين وخلق ، وعندنا شاب ينبغي أن نبحث له عن فتاة مقبولة أن تكون جميلة ، وأن تكون ذات حسن ونسب ، ولكن ينبغي أن تكون دينة ، وهذا هو الأصل في القبول ، لكن الذي يحصل أن شاباً أعجب بفتاة ، تعامى عن تفلتها من منهج الله ، فلما أصبحت عنده أعطاها أوامر مشددة دون أن يمهد لها ، عندئذ يواجه مشكلة عويصة لا حل لها ، هي متشبثة بما هي عليه قبل الزواج ، وهو يريد أن يحملها بالعنف ، والقوة، والقهر ، وتهديدها بالطلاق على الالتزام بمنهج الله عز وجل ، هذا موقف غير حكيم إطلاقاً .
المذيع :
 كيف نعالج هذه المشكلة ؟

الإنسان العاقل يتزوج امرأة لا يحتاج أن يطلقها :

الدكتور راتب :
 نحن في الأصل نعالجها وقاية لا نقع فيها .
 مرة سأل معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : ما بلغ من دهائك ؟ قال : والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه ، فقال له معاوية : لست بداهية ، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه .
 الإنسان العاقل يتزوج امرأة لا يحتاج أن يطلقها ، الأقل عقلاً إن تزوج امرأة ، ولم تكن كما تتمنى بحكمته يصلحها ، فأنت بين أن تتزوج امرأة وفق أهدافك تماماً ، هذا يحتاج إلى بحث طويل ، وإلى صبر مديد ، لكن إن أخذت امرأة ولم تكن كما تتمنى ينبغي أن تعاملها بالرفق.

﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾

[ سورة النساء : 94]

 آية دقيقة جداً ، فأنت حينما تهتدي إلى الله ، والذين حولك لم يكونوا كذلك ، كيف أن الله صبر عليك ينبغي أن تصبر عليها ، لذلك الزوجة يمكن أن تقمعها ، ولكن ماذا تدري ماذا تفعل في غيبتك ؟ ولكنك إذا علمتها وربيتها كانت في غيبتك كحضرتك ، هذه قضية مهمة جداً ، الزوج القاسي جداً والقامع تفعل زوجته أمامه ما يريد ، فإذا ولّى ظهره فعلت ما تريد .
 نحن فيما يتعلق بشأن الخطوبة ينبغي أن أبين لمخطوبتي بادئ ذي بدء أنني مسلم ملتزم ، وأن هناك أشياء لا يمكن أن أقبل بها ، أنا أتسامح مع الخطيب ألا يوهم مخطوبته بطاعته ، وهي في بيت أهلها ، أن يعد وجودها في بيت أهلها استمراراً للماضي ، في أثناء الخطبة ينبغي أن يبين لها أنني مسلم ملتزم ، لا أسمح بالاختلاط ، ولا بكذا ولا بكذا ، يوجد أشياء ممنوعة في حياتنا ، وأشياء مباحة ، نأخذ منها بقدر ، وأشياء واجبة علينا أن ننفذها ، لماذا كانت الخطوبة تمهيداً للزواج ؟ ليست الخطوبة من أجل أن يستمتع بها فقط ، من أجل أن يبين لها مبادئه وقيمه ، وعاداته وتقاليده ، وما ينبغي وما لا ينبغي .
 أنا لا أنسى هذه المرأة التي خطبها زوجها فقامت وخطبت قالت : " أما بعد ، فيا أبا أمية ، إنني امرأة غريبة ، لا أعرف ما تحب ، ولا ما تكره ، فقل لي ما تحب حتى آتيه ، وقل لي ما تكره حتى أجتنبه ، ويا أبا أمية ، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك ، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي ، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فاتّق الله فيّ ، وامتثل قوله تعالى :

﴿ فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾

[ سورة البقرة : 229]

 كلام طيب ‍! فأنت في فترة الخطوبة ينبغي أن تبين لهذه الفتاة التي تعلقت بك ما ينبغي وما لا ينبغي ، ما يجوز وما لا يجوز ، أنا أعد من حكمتك أيها الخاطب أن تتساهل معها وهي في بيت أهلها ، لكن حينما تبين لها كل ما تريد منها إذا جاءت إلى البيت ينبغي أن تلتزم ، وإلا تنشأ مصائب تنتهي بالطلاق ، ومن بعض الأحاديث :

(( تزوجوا ولا تطلقوا ))

 أنا أفهم هذا الحديث فهماً دقيقاً : تزوج امرأة إذا اختارها من أسرة متفلتة تُرتكب المعاصي في هذه الأسرة كما يشرب الماء .
المذيع :
 على رجاء أن يقومها ، وأن يصلح حالها ، وهي كذلك على رجاء أن تصلح حاله ، في حال كانت الصورة معكوسة ، فما رأيكم ؟

عدم انتظار المعجزات :

الدكتور راتب :
 لا ننتظر المعجزات ، فتاة نشأت عشرين عاماً في بيت متفلت أشد التفلت ، وليس في البيت قيمة دينية واحدة ، وليس فيه صلاة ولا صيام ، وفيه اختلاط يفوق حدّ الخيال ، وفيه انسلاخ من الدين شديد ، أنا لا أعتقد أن هذه الفتاة يمكن أن أغامر ، وأخطبها ، وأصلحها ، أما إذا عندها بذرة ، عندها رغبة أن تكون ملتزمة ، أنا أتقدم لخطبتها ، حينما أشعر أن هذه الفتاة تريد أن تكون صالحة ، لكن بيئتها سيئة ، هذه ممكن أن آخذها لأصلحها ، أما حينما يعجبني في فتاة جمالها فقط ، ولا أعبأ ببيئتها ، ولا بتربيتها ، ولا بأهلها ، ولا بتفلتهم ، عندئذ سوف أدفع الثمن باهظاً ، حينما تأتي إلى بيتي .
المذيع :
 عليه أن يهيئ الأسباب لزواج ليس بعده طلاق .

تهيئة الأسباب لزواج ليس بعده طلاق :

الدكتور راتب :
 الأكمل أن يتزوج امرأة لا يحتاج إلى تطليقها ، والأقل كمالاً أن يتزوج فتاة ليست على ما يريد ، لكنه يحملها على ما يريد بالحكمة والموعظة الحسنى ، وهذه امرأة لها شعور ، ولها فكر ، ولها عقل ، ولها قلب ، فأنا حينما أطرق بابَ عقلها تارة ، وباب قلبها تارة ، وحينما أكون محسناً لها ، وقدوة لها لا شك أنها سوف تنصاع إلى أمري ، أما حينما أكون أنا أتبع شهوتي ، ثم ألزمها أن تكون عفيفة طيبة فهذا شيء مرفوض ، وهو واسع الانتشار ، هو يطلق لبصره العنان ، ويتكلم ما يريد ، ويلتقي مع من يريد ، ويطيل الحديث مع من يريد ، فإذا نظرت إلى رجل عنفها ، ووبخها ، وأدبها ، كن لها أنت قدوة ، كما أنك تتمناها عفيفة طاهرة ينبغي أن تراك أنت عفيفاً طاهراً . لذلك من أروع الآيات في هذا الموضوع :

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾

[ سورة البقرة : 228]

 حتى إن ابن عباس رضي الله عنه يقول :

(( والله إني أتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي ))

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾

[ سورة البقرة : 228]

 درجة القيادة ، لا كما بين جندي وقائد جيش ‍بل بين رتبتين فقط ، لا بين أقل رتبة وأعلى رتبة ، هذه الدرجة الواحدة درجة القيادة ، بل إن الله عز وجل يقول :

﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾

[ سورة الطلاق : 6]

 تأمرها وتأمرك ، تنصحها وتنصحك ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام كان قدوة لنا حينما استشار زوجته أم سلمة حينما أراد أن يعتمر ، ومنع أن يعتمر ، وأصبح هناك اتفاقية بينه وبين قريش ، فلما أمر أصحابه أن يحلقوا رؤوسهم ، وأن يتحللوا تألموا ألماً شديداً فتلكؤوا ، فذهب دخل إلى خيمته غاضباً قالت له يا رسول الله احلق وتحلل أنت وهم يتبعونك ، فأخذ بنصيحة أم سلمة ، هكذا !
المذيع :
 هنا تصح المقولة : إن الوقاية خير من العلاج ، هذا الخاطب عليه أن يتخير بحسن اختيار الزوجة أو المخطوبة ، وإلا لا عليه أن يفاجئها بأوامره ونواهيه ، ويريدها على منهج الله كما هو عليه بعد أن تصبح في ذمته وفي منزله ، هنا يأتي الاتفاق على هذه الأمور في أثناء فترة الخطوبة التي جعلت لذلك .

اختيار الزوجة أخطر شيء في حياة الإنسان :

الدكتور راتب :
 أخطر شيء في حياة الإنسان اختيار زوجته لأنها ستغدو أم أولاده ، فإذا أنجب منها ولداً كان الفراق صعباً جداً ، الطفل يتمزق ، أما أنا فيمكن أن أغير مركبتي من حين إلى آخر ، وأغير بيتي .
 أقول مرة ثانية : حرفة الإنسان وزوجته ألصق شيئين به ، فكلما كان اختياره متأنياً وموفقاً سعد بزوجته إلى أمد طويل ، وكلما كان متسرعاً في اختيار زوجته شقي بها ، وشقيت به.

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 اللهم اجعلنا هادين مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين .
 أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أشكر الأخوة المستمعين لحسن إصغائهم ، ومتابعتهم لبرنامج منهج التائبين ، ملتقانا في الغد بإذن الله تعالى ، حتى ذلك الحين لكم التحية ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور