وضع داكن
25-04-2024
Logo
منهج التائبين - الحلقة : 28 - الوقاية من الذنب 1 - معرفة الله تقي من الذنوب.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 بسم الله ، والحمد لله ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
 أيها الأخوة المستمعون ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نحييكم ونستهل وإياكم لقاء جديداً في برنامج : "منهج التائبين" ، أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً ومرحباً ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدكتور راتب :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المذيع :
 فضيلة الشيخ ، سلسلة الحوارات هذه حول التوبة شارفت على نهايتها ، جزاكم الله عنا خير الجزاء ، ليتنا في ختام هذه الحوارات والحلقات التي بقي لدينا منها عدد بسيط لو نتحدث عن أسباب الوقاية من الذنب ، وهناك العديد من أسباب الوقاية ، وكما هو معلوم ، فإن الوقاية خير من ألف علاج ، فليس من الضروري أن نذنب ، ومن ثَمّ نتوب ، الأصح والأولى ألا نعصي الله سبحانه وتعالى .

التفكر في خلق السماوات والأرض أحد أكبر الأبواب لمعرفة الله :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 الحقيقة أن في حياة المؤمن أشياء يقينية ، وأشياء ظنية ، فإذا اقترف ذنباً فقد يتوب ، وقد لا يتوب ، وقد يجره الذنب إلى ذنب أكبر ، فالتوبة ظنية ، أما إن لم يقترف ذنباً فالنجاة يقينية، لذلك قالوا : درهم وقاية خير من قنطار علاج .
 إلا أن القضية الوقائية في التوبة تنطلق من معرفة الله ، إن عرفت الآمر ، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر ، أنا حينما أعرف جهة قوية ينتظرني عطاء كبير منها لو أطعتها ، وينتظرني عذاب وبيل لو عصيتها ، فمعرفتي لهذه الجهة القوية الحكيمة العادلة الرحيمة يقيني من أن أعصيه ، مما يلفت النظر أن في القرآن الكريم ما يزيد على ألف وثلاثمائة آية تتحدث عن الكون ، وعن خلق الإنسان والحيوان والنبات ، وعن الأرض ، وعن المجرات .
 ألا يسأل عاقل : لمَ هذه الآيات ؟ وما سر وجودها ؟ وما الحكمة منها ؟ أيعقل أن يقول الله كلاماً لا يعنيه ، أو لا معنى له ، أو ليس له تطبيقات عملية ؟ مستحيل ، فأصل الدين معرفة الله ، ولسيدنا بلال رضي الله عنه كلمة رائعة يقول : " لا تنظر إلى صغر الذنب ، ولكن انظر على من اجترأت " ، أنا حينما أعرف من هو الله ؟ ما عظمة الله ؟ ما حكمته ؟ ما عدالته؟ ما رحمته ؟ ما وعده ؟ ما وعيده ؟ أعد للمليار قبل أن أعصيه ، الوقاية الوحيدة من أن أذنب أن أعرف الله ، وقد تجد في القرآن الكريم أوامر ، ونحن في علم الأصول كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، فحينما قال الله عز وجل :

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾

[ سورة الطارق : 5]

 هذا أمر ، في اللقاء الزوجي الرجل يفرز خمسمئة مليون حوين ، وتحتاج البويضة إلى حوين واحد ، وتختار أقوى هذه الحوينات ، هذه آية يقول الله عز وجل :

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾

[ سورة الطارق : 5]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً ﴾

[ سورة عبس : 24-30]

 أمر إلهي .

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة يونس : 101]

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 190-191 ]

 جاء الفعل بصيغة المضارع .

﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

 التفكر في خلق السماوات والأرض أحد أكبر الأبواب المفتحة لمعرفة الله ، وهو أوسع باب إلى الله ، وأقصر طريق إليه ، لأنك تواجه عظمة الله مواجهة رائعة ، فيخشع قلبك ، وتستعظم أن تعصيه ، إن سر الوقاية من التوبة أن تعرف الله، وفرق كبير بين أن تعرف أمره وبين أن تعرفه ، أن تعرف أمره يحتاج إلى أن تقرأ ، وتكتب ، وتحضر مجلسًا ، وتطالع كتابًا ، وتؤدي امتحانًا ، لكن من أجل أن تعرفه لابد من أن تجاهد نفسك وهواك ، وقد قيل : جاهد تشاهد .

آيات الله الدالة على عظمته :

 جعل الله لنا طرائق عدة لمعرفته ، فخلقه أحد أسباب معرفته ، وأفعاله أحد أسباب معرفته .

﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾

[ سورة النحل : 36 ]

 في الكون نتفكر ، وفي أفعال الله ننظر ، وفي القرآن الذي هو كلامه نتدبر ، نعرفه من خلقه بالتفكر ، ومن أفعاله بالنظر ، ومن كلامه بالتدبر ، وأضرب على هذا مثلاً :
 في الإنسان غدة صغيرة لا يزيد وزنها على نصف غرام ، هي ملكة الغدد في جسم الإنسان ، اسمها الغدة النخامية ، مربوطة بجسم تحت السرير البصري في الدماغ بمئة وخمسين ألف عصب ! إنها ملكة ، كما أن الدماغ ملك الجهاز العصبي ، وأوامره نبضات كهربائية ، فالغدة النخامية ملكة الجهاز الهرموني ، وأوامرها هرمونية ، هل نصدق أن هذه الغدة تفرز تسعة أوامر هرمونية ؟ لو تعطل أي أمر لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، أول هرمون تفرزه هذه الغدة هو هرمون النمو ، هذا الهرمون مؤلف من مئة وثمانية وثمانين حمضاً أمينياً ، وذرات الكون لا تكفي لصنع ذرة حمض أميني صدفة ، هرمون النمو فيه مئة وثمانية وثمانون حمضاً أمينياً ، هذا الهرمون ينبغي أن يكون في كل لتر من الدم نسبة لا تقل ولا تزيد على عشرة ميكروغرامات من هذا الهرمون ، لو أن هذه النسبة نقصت لتقزم الإنسان ، ولو زادت لتعملق الإنسان ، وكلاهما مرضان خطيران ، فمن خلال هذا الهرمون هرمون النمو يكون جسم الإنسان معتدلاً ، وطوله معتدلاً ، وأعضاؤه معتدلة ، فلو أن هذا الهرمون قلّ عن هذه النسبة عشرة ميكروغرامات في اللتر الواحد لتقزم الإنسان ، ولو زادت هذه النسبة لتعملق الإنسان ، هذه الغدة النخامية التي هي ملكة الغدد تفرز هرمونًا آخر هو هرمون يحث الكظر ، الكظر ماذا يفعل ؟ أنا حينما أرى شيئاً مخيفاً ، عدواً ، أرى سلاحاً مشهراً عليّ ، أرى نفسي سأذهب ضحية حادث سير، ما الذي يحصل ؟ صورة هذا الشيء الخطير تنطبع على شبكية هذا الإنسان ، تنطبع إحساساً ، لكن بحسب مفهومي عن هذا الشيء لو أني رأيت ثعباناً كبيراً ، وعندي معلومات عن هذا الثعبان اقتبستها من دراستي ، ومن خبراتي ، ومشاهداتي ، مجموع الدراسات والخبرات والمشاهدات تكوَّن مفهوم الثعبان ، فالثعبان لدغته قاتلة ، أنا حينما أرى ثعباناً تنطبع صورته على الشبكية إحساساً ، وتنتقل هذه الصورة إلى المخ إدراكاً ، فبحسب المفهومات التي في المخ أخاف ، ما الذي يحصل الآن ؟ ملك الجهاز العصبي وهو الدماغ يدرك أن هناك خطراً مميتاً ، يعطي التماساً إلى ملكة الغدد الغدة النخامية أن تتصرف ، الغدة النخامية ملكة ، وعندها أتباع وموظفون ، من أتباعها غدة الكظر التي فوق الكلية ، هذه الغدة ما إن يأتيها أمر من الغدة النخامية أن تتصرف إلا وترسل أمراً هرمونياً إلى القلب يرفع وجيب القلب من ثمانين ضربة في الدقيقة إلى مئة وخمسين ضربة ، فالخائف يخفق قلبه ، ومن أجل أن يتم تنقية الدم من غاز الفحم يأتي أمر آخر إلى الرئتين فيرفع وجيبهما كي تتناسب حركة الرئتين مع دقات القلب السريعة ، الخائف يلهث ، ويحتاج إلى طاقة ودم ، فيأتي أمر ثالث من الكظر إلى الأوعية المحيطية في الجسم فتضيق لمعتها من أجل أن نوفر الدم إلى العضلات ، فالخائف يصفر لونه ، ويأتي أمر رابع إلى الكبد بإطلاق كمية سكر زائدة كي تكون طاقة لعمل استثنائي ، ويأتي هرمون خامس إلى الكبد ليأمره بإفراز كمية استثنائية من هرمون التجلط ، لئلا يسيل دمه بضربة واحدة ، الإحساس والإدراك واتخاذ القرار وتوجيه الملكة ، وهي توجه من دونها وهو الكظر ، وإفراز خمسة أو ستة أوامر هرمونية إلى الأوعية والقلب والرئتين والكبد هذا يتم في أقل من ثانيتين ، هذا من أثر هرمون الكظر الذي يحثه على أن يأخذ دوره في الدفاع .
 هناك هرمون آخر تفرزه هذه الغدة هو الهرمون الجنسي ، وهو المسؤول عن تمايز الذكر عن الأنثى ، هناك صفات أساسية وصفات ثانوية في الذكر ، وهناك صفات أساسية وثانوية في الأنثى ، الذي يدرج هذه الصفات في سن البلوغ هو الهرمون الجنسي الذي تفرزه هذه الغدة التي وزنها نصف غرام ، والتي ارتبطت بالجسم بمئة وخمسين ألف عصب .
 هناك هرمون آخر تفرزه هذه الغدة ، هو هرمون لون الجلد ، فالإنسان بين أن يكون أبيض ناصع ، وبين أن يكون حنطياً ، وبين أن يكون أسمر ، وبين أن يكون ملوناً أو أسود اللون، فهرمون اللون تفرزه الغدة النخامية لتأمر خلايا تحت الجلد أن تصطبغ باللون المناسب .
 وهناك هرمون تفرزه هذه الغدة وهو هرمون توازن السوائل ، لو قصر هذا الأمر لاحتاج الإنسان إلى أن يمضي وقته كله إلى جانب الصنبور يشرب كميات خيالية من الماء ، ثم يطرحها ، فمن خلال هذا الهرمون يتم ما يسمى في علم الطب توازن السوائل ، ثم إن هذه الغدة مسؤولة عن الولادة عند المرأة ، فالولادة آلية معقدة جداً يتسع الحوض ميكانيكياً ، ويتغير اتجاه الجنين ميكانيكياً ، وتفرز هرمونات الحليب في جسم المرأة ، العملية معقدة ، ثم يتقلص الرحم تقلصاً متزامناً مبرمجاً لطيفاً ، لأن فيه الجنين ، فإذا خرج الجنين تقلص تقلصاً فجائياً شديداً جداً كي يمنع النزيف ، قال بعض العلماء : لو انعكست الآية لماتت الأم ووليدها ، قبل الولادة تقلص لطيف متزامن كي يُدفع الطفل إلى خارج رحم أمه ، أما التقلص الثاني فأكثر من مئة ألف شريان انقطع ، فلئلا ينزف دم الأم ينقبض الرحم انقباضاً شديداً حتى يغدو كالصخر ليمنع النزيف ، هذا كله من آثار الغدة النخامية .
 الحقيقة أن الله عز وجل له آيات دالة على عظمته ، قال تعالى :

﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات: 21 ]

المذيع :
 ومعرفة هذه الآيات ، وتفكرها ، وتدبرها ، وإبصارها يكون مدعاة لعدم معصية الله ، والوقوف عند حدوده .

أصل الدين معرفة الله :

الدكتور راتب :
 أصل الدين معرفة الله ، إن عرفت الله مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه ، فالحديث في هذه الموضوعات حديث في الوقاية من الذنب ، والوقاية من الذنب يقينية ، بينما التوبة ظنية ، الإنسان قد يتوب وقد لا يتوب .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 عندكم أكثر من مثال على هذه الموضوعات ، والآيات ، وهي كثيرة كما ذكرتم في مقدمة هذه الحلقة منها ما هو في الإنسان ، ومنها ما هو في الكون ، ومنها ما هو في الأرض التي نعيش عليها .
 فضيلة الشيخ نتابع غداً بإذن الله تعالى ، أشكركم ، وأشكر لكم هذه المساهمة القيّمة في هذا البرنامج ، وأشكر الأخوة المستمعين لحسن متابعتهم ، حتى الملتقى في الغد بإذن الله ، لكم التحية ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور