- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهمَّ صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيءٍ قدير .
الحكمة من خلق الإنسان ضعيفاً :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ عودةً إلى الموضوع المُتَسَلْسِل وهو : طبيعة الإنسان من خلال القرآن .
تحدَّثنا في خطبٍ سابقة عن أن الإنسان حادث ، وعن أنه مُبْتَلى ، وعن أنه كادِح ، وعن أنه ناطِق ، وعن أنه متعلِّم ، وتحدثنا عن أنه أكثر شيءٍ جدلاً ، واليوم نتحدَّث عن صفةٍ أصيلةٍ فيه ألا وهي : الضَعْف ، قال تعالى :
﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
هكذا خُلِق ، الضعف في أصل بُنْيَتِهِ ، والسؤال الآن : لماذا خلقه الله ضعيفاً ولم يخلُقه قوياً غنياً ؟
﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
هذا ضعفٌ خَلْقِيّ ، هذا ضعفٌ أراده الله له، هذا ضعفٌ من خَلْقِ الله عزَّ وجل .
أيها الأخوة الأكارم ؛ الله جل جلاله خَلَقَ الإنسان ضعيفاً لأن سعادة الإنسان لا تكون إلا بالله عزَّ وجل ، وما خلَقه ضعيفاً إلا ليكون ضعفُه دافعاً له إلى باب الله ، ليتَّصل به ، ليلوذَ بحماه ، ليقْبِل عليه ، ليلجأ إليه ، ليحتمي به ، الضعف في الإنسان وسيلةٌ وليس هدفاً ، وسيلةٌ لدفعه إلى باب الله ، وسيلةٌ لإقباله على الله ، لو أن الإنسان خُلِقَ قوياً لاستغنى بقوته عن الله ، فشقي باستغنائه عن الله ، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه ، وليُقْبِل على الله عزَّ وجل ، فيسعد بافتقاره إليه . هذا محور الموضوع . .
توافق أصل التكليف مع طاقة الإنسان الضعيفة :
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ قال الله تعالى في آيةٍ ثانية ، الآية الأولى :
﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾
فأيُّ إنسانٍ يدَّعي أن الله خلق الإنسان للشقاء ، فهو كذبٌ وافتراءٌ على الله . .
﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ ﴾
إرادته ، ومشيئته . .
﴿أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً﴾
الفُجَّار ، والفُسَّاق ، والكُفَّار ، والمنحرفون يريدون أن تشيع الفاحشة ، يريدون أن يلبي الإنسان شهواته الدنيئة ، يريدون أن يخضع الإنسان كل شيء لشهوته ، كما يدَّعي بعض من يُدْعَوْن بأنهم عُلماء ، بعض علماء الغرب توهَّم أن شهوة الجنس هي كل شيءٍ في الإنسان، بعضهم توهَّم أن النواحي المادية هي كل شيءٍ في الإنسان .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ لأن الإنسان خُلق ضعيفاً كلَّفه ضمن طاقته ، قال الله تعالى :
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
أصل التكليف متوافقٌ مع طاقة الإنسان الضعيفة ، قوله تعالى :
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
هذا ردٌ على أيِّ ادعاءٍ يدَّعيه الإنسان أن أوامر الله عزَّ وجل صعبة التطبيق ، فوق طاقَته ، كأن الأمر والنَهْيَ ليس لهذا الزمان ، فالله جل جلاله لأنه خالقنا ، لأنه ربنا ، هو أدرى بما نتحمَّل وبما لا نتحمَّل ، لذلك ما كلَّفنا إلا ما في إمكاننا أن نطبقه .
أولاً : لأن الإنسان خُلق ضعيفاً كلَّفه وفق هذا الضعف ، وخفف عنه في حالات ضعفٍ استثنائية ، وفوق هذا وذاك فإذا زلَّت قدمه ، وغلبته شهوته ، وضعفت مقاومته فتح له أبواب المغفرة والتوبة ، والرحمة والتوفيق . إذاً أصل التكليف راعى ضعفه ، في الضعف الاستثنائي هناك أحكامٌ استثنائية ، إذا غلبته نفسه ، وضعفت مقاومته ، فتح له أبواب المغفرة والتوبة ، أصل التكليف ، واستثناء التكليف ، والدعوة إلى التوبة هذه كلها تُراعي أن الإنسان خُلِقَ ضعيفاً .
اتساع الشرع لكل الناس قويهم و ضعيفهم :
آيةٌ ثانية يا أيها الأخوة الأكارم ، قال الله تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾
واحد لعشرة . .
﴿وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾
أيْ أنَّ كبار الصحابة الذين امتلأت قلوبهم إيماناً ، هؤلاء لثقتهم بالله عزَّ وجل ، واعتمادِهم عليه ، وإدراكهم إدراكاً يقينياً أن الأمر كله بيده ، هؤلاء الصحابة الكِبار الواحد منهم بإمكانه أن يواجه عشرة ، لكن حينما دخل الناس في دين الله أفواجاً ، اتَّسعت دائرة المؤمنين ، فدخل في هذه الدائرة قوي الإيمان وضعيف الإيمان . .
﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
إذاً الشرع أيضاً راعى شيئاً آخر ، لم يراعِ فقط ضعف الإنسان ، ولم يراعِ فقط أنه قد تغلبه نفسه ففتح له باب التوبة ، لم يراعِ فقط أنه قد يمرض فأجاز له أن يفطر ، أنه قد يسافر فأعفاه من الصيام ، أيضاً راعى ضعفه في الإيمان ، فجعل الشرع يتَّسع لكل الناس ؛ قويِّهِم وضَعيفهم . .
﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾
قوة الإنسان بعد ضعفه لامتحانه و اختباره :
شيءٌ آخر ؛ آيةٌ ثالثة تتحدث عن ضعف الإنسان :
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾
الطفل الصغير أيُّ شيءٍ يؤذيه ، أيُّ لفحة بردٍ تُرْدِيه ، أي جرثومةٍ تشقيه ، بُنْيَةٌ ضعيفة ، رقيقة ، حسَّاسة ، سريعة التأثُّر ، لا يقوى على شيء ؛ لا يقوى على تأمين طعامه ، لا يقوى على تأمين شرابه ، لا يقوى على قضاء حاجاته ، هو عالةٌ على أمِّه وأبيه ، هو ضعيف ، لولا أمٌ رؤوم وأبٌ رحيم لهلك الناس جميعاً ، خلقه ضعيفاً وأودع في قلب الأب والأم ما يُغنيه عن ضعفه ، رأفةً ، وحناناً ، وشفقةً ، وعنايةً ، وبذلاً . .
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾
سِنُّ الشباب ؛ عضلاتٌ مفتولة ، قوةٌ عضلية ، مضاءٌ ليس له حد ، عزيمةٌ قاهِرة، هذه القوة التي يتمتَّع بها الشاب جاءت بعد الضعف الشديد حينما كان طفلاً يحبو ، وبعد هذه القوة يأتي ضعف الشيخوخة ؛ ينحني ظهره ، ويشيب شعره ، ويضعُف بصره ، وتوهن قِواه عندئذٍ يعود إلى ضعفه الأصيل ، بدأ من ضعفٍ ، وانتهى إلى ضعفٍ ، وكانت قوته في الشباب لامتحانه ، ولاختباره ، ولابتلائه ، شبابك فيم أفنيته ؟
((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيمَ أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه ؟ وعن علمه ماذا عمل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ؟))
من أقبل على الله أصبح أقوى الأقوياء :
آياتٌ ثلاث في القرآن الكريم تتحدث عن ضعف الإنسان ، الإنسان أيها الأخوة إذا عرف أنه ضعيف أقبل على الله فأصبح أقوى الأقوياء . .
وما لي سِوى فقري إليكَ وسيـلة فبالافتقار إليـكَ فـقـري أدفعُ
وما لي سوى قرعي لبابكَ حـيلةٌ فلئن رددت فأيَّ بابٍ أقـرعُ ؟
* * *
إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله ، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله . .
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾
خُلِقت ضعيفاً أيها الإنسان لتكون قوياً بالله ، خُلقت فقيراً لتكون غنياً بالله ، خُلقت ضائعاً لتكون معروفاً بالله عزَّ وجل .
ضَعْف الإنسان سبب سعادته وإقباله على الله وتوبته :
أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا الضعف الذي تحدَّث عنه القرآن الكريم يتناول نواحي شتَّى ؛ أولاً : هو ضعيفٌ في جسده ، جرثومةٌ صغيرةٌ تشقيه ، تجعله طَريحَ الفراش ، الجرثومة لا تُرى بالعين ، الجرثومة تفتك بالملايين أحياناً ، الأمراض الوبيلة ؛ الطاعون ، الكوليرا ، هذه الأمراض أمراضٌ جرثومية ، مخلوقٌ ضعيفٌ ضعيف لا يُرى بالعَين ، يذهب بمئات الألوف ، جرثومةٌ تُرْدِيه ، والفيروس أقل من الجرثومة يشقيه ، وهذا المرض الذي أعيا الأطباء في العالم ، العالم كله مجندٌ للبحث عن علَّته ، وعن أدويته ، وهو في حَيْرَة .
أيها الأخوة الأكارم ؛ إذا انسُدَّ مسلكٌ من مسالك الإنسان ، إذا سُدَّ له مسلك البول تصبح حياته جحيماً لا يُطاق ، اسأل الذين سُدَّت مسالكهم ، كم من ليلةٍ سهروا متألِّمين ! كم من مرةٍ صاحوا مُزمجرين ! إذا انسُدَّ مسلكٌ من مسالكه ، إذا انعقد مصرانه ، إذا انسدَّ حالبه، إذا تخثَّرت نقطة دم في دماغه ، تصيبه تارةً بشلل ، وتارةً بالوهَن ، وتارةً بالعمى ، وتارةً بالعُته ، وتارةً . . أمرضٌ خطيرة تتأتى من نقطة دمٍ تخثرت في أحد شرايين الدماغ .
علامَ يتكبر الإنسان ؟ علامَ يتجبر؟ علامَ يُعاند خالق الكون ؟ علامَ يعصي وهو خُلق من ضعفٍ وسينتهي إلى ضعفٍ ؟ إذا انفجر شريانٌ صغير في الدماغ يصاب بسكتةٍ دماغيَّة ، لأن شرياناً بسيطاً انفجر ، إذا ارتفع ضغطه قليلاً فهناك اختلاطاتٌ خطيرة ، تارةً يُصاب بالعَمى ، تارةً يصاب بالشلل ، إذا ارتفع ضغطه قليلاً ، إذا ارتفعت نسبة السُكَّر قليلاً هناك اختلاطاتٌ خطيرة ، إذا ارتفعت بعض الحموض قليلاً أصيب بآلامٍ لا تُحْتَمَل في مفاصله .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ لو عصبٌ لا يُرى بالعين ، وإذا رأيته فبصعوبة ، عصبٌ رفيعٌ رفيع في أصل السِن ، حينما يستأصله الطبيب ويريك إيَّاه ، تقول : يا الله ! كل هذا الألم من هذا الخيط الدقيق ؟! عصبٌ لا يُنِيِمُهُ الليل ، قطرة دمٍ إذا تخثَّرت في إحدى شرايينه تصيبه بأمراض وبيلة ، الإنسان- كما يقول العامة وهي كلمةٌ دقيقةٌ دقيقة - تحت ألطاف الله عزَّ وجل لو أن العصب المحرِّك أصيب بالشلل لانشلَّ نصف الإنسان ، أصبح طَريح الفراش ، يُصْبِح ثقيلاً في حركته ، يتأفَّفَ منه أقرب الناس إليه ، يتمنون نهاية حياته .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ تضعف ذاكرته فينسى أنَّ هذا ابنه ، يسأله : من أنت ؟
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
تضعف ذاكرته ، أو يفقد ذاكرته فلا يعرف أين بيته ، بقي رجلٌ يجول في شوارع دمشق ساعتين يبحث عن بيته ، أين بيتي ؟
﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ﴾
تضعف ذاكرته فينسى ، يفقدها فيختل توازنه ، أحياناً تنمو الخلايا في جسمه نماءً غير مُنْضَبِط ، فإذا هو مرضٌ خبيث ينهي حياته مهما كان غنياً ، مهما كان قوياً ، ماذا يفعل لو أن الدنيا كلها بيده ونمت هذه الخلايا ؟ من يضبطها ؟ يد من تضبطها ؟ يد من تنظِّم نموَّها ؟ إنها يد الله عزَّ وجل ، فإذا انطلقت هذه الخلايا لتنمو نمواً عشوائياً تارةً في الأمعاء ، وتارةً في الكبد ، وتارةً في العضلات ، وتارةً في الدم ، فإذا هو مرضٌ خبيث أعيا الأطباء مهما ارتقت مراتبهم .
أيها الأخوة الأكارم ؛ قد يتشمَّع الكبد ، لا يعيش من دونه أكثر من ثلاث ساعات، قد تضعف الكليتان فلا يستطيع أن يقوم على رجليه إلا بوهنٍ شديد ، علامَ التكَبُّر؟ علامً العُنْجُهِيَّة ؟ علامَ الغَطْرَسَة ؟ علامَ العِناد ؟ علامَ ركوب الرأس ؟ علامَ المُجاهرة بالمعاصي؟ نقطة دمٍ ، أو جرثومةٍ ، أو فيروسٍ ، أو عصبٌ لا يُرى بالعين ، أو ضعفٌ في وظائف الكليتين ، أو تشمعٌ في الكبد ، هذا معنى أن الإنسان خُلِق ضعيفاً .
الله جلَّ جلاله يا أخوة الإيمان كان من الممكن أن يخلُق الإنسان قوياً ؛ لا يمرض أبداً إلى أن ينتهي أجله ، فالإنسان أحياناً يصنع جهازاً متيناً إلى درجة أنه لا يُصاب بالعَطَب ، لماذا شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن يجعل الإنسان ضعيفاً ؟ أن يجعله عُرضةً لآلاف آلاف الأمراض ؟ لماذا جعله بهذه الطريقة سريع التأثُّر ، سريع الخلل ، سريع الوقوع ؟ ليبقى مع الله ، ليبقى على أبواب الله ، ليبقى مطيعاً لله ، إن هذا الضعف من أصل خَلْقِهِ ، إن هذا الضعف وسيلةٌ وليس هدفاً ، إن هذا الضعف سبب توبته ، إن هذا الضعف سبب إقباله ، إن هذا الخوف سبب اتصاله بالله عزَّ وجل ، لأن سعادة الإنسان في اتصاله بربه ، وما هذا الضعف الذي يعانيه إلا دافعٌ حثيثُ ووازعٌ ومحرِّضٌ إلى اللجوء لباب الله عزَّ وجل ، وإذا رأيت مئةً من المؤمنين فتيقَّن أن مُعظمهم أصبح مؤمناً لعلَّةً ألمَّت به بسبب ضعفه ، فجعلته يقبل على الله ، ويتوب إليه ، ويصطَلِح معه . قال : " يا بنيتي ما بكِ ؟ قالت : حمَّى لعنها الله . قال : " يا بنيتي لا تلعنيها ، فو الذي نفس محمدٍ بيده لا تدع المؤمن وعليه من ذنب " . يجب أن نؤمن أن هذا الضَعْف الذي نحن فيه هو سبب سعادتنا ، سبب إقبالنا على الله عزَّ وجل ، سبب توبتنا .
التواضع والإقبال والالتجاء والاعتصام سبب معرفة الإنسان أنه ضعيف :
مرَّةً ثانية : محور الخطبة لو أن الإنسان خُلقَ قوياً لاستغنى بقوته عن الله . .
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾
لو أنه خُلِق قوياً لاستغنى بقوته عن الله فشقي باستغنائه ، خلقه ضعيفاً ، ليفتقر في ضعفه ، فيسعد بافتقاره .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ درجة واحد بالألف لو أن نسبة الملح ارتفعت في دمه لانفجرت كرياته الحمراء ، لو أنها انخفضت لانكمشت ، ارتفاع هذه النِسَب ، وهذه الخصائص في الدم يصيب الإنسان بالخلل ، لذلك الإنسان حينما يُصبح آمناً في سربه ، معافى في جسمه، عنده قوت يومه فكأنما مَلَكَ الدنيا بحذافيرها . كما قال عليه الصلاة والسلام :
((الناس يتفاضلون بالعافية ، ويدركون ما عند الله بالطاعة))
فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ حينما تتناول الطعام ، حينما يخرج هذا الطعام ، حينما يخرج هذا الماء الذي شربته ، يجب أن تشكر الله عزَّ وجل ؛ أن جعل المسالك سالكة ، أن جعل المنافذ نافذة ، أن جعل هذه الأجهزة تعمل بانتظام ، أن جعل هذه الأعضاء تسير بإحكام، أن جعل هذا الجسم مرتاحاً ، وما راحته إلا محصِّلة عشرات ، بل مئات ، بل آلاف الأسباب كلها تعمل معاً في تنسيقٍ شديد كي تشعر بالراحة .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ وضعفه في نفسه ، ربما أخذته نظرة ، وربما أزلَّته شهوة، وربما اضطربت نفسه ، عندئذٍ لا يفرِّق بين السين والصاد ، ولا بين الحاسر والمُسْبِل ، ولا بين المُدْبر والمُقْبل ، ولا بين القائم والقاعد ، ولا بين الصاحي والنائم ، عندئذٍ يختل توازنه ، وتضطرب رؤيته لعَرَضٍ أصابه . .
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
إذا أقبلت الدنيا عليه ينسى نعمة الله عليه ، فإذا انحسرت عنه النعمة فذو دعاءٍ عريض . .
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ قمَّة العِلْمِ أن تعرف أنك ضعيف ، ومعرفة ضعفك سبب إيمانك ، معرفة ضعفك سبب توكُّلك على الله ، معرفة ضعفك سبب عبوديتك لله عزَّ وجل ، معرفة ضعفك سبب تواضعك لله عزَّ وجل ، التواضع ، والإقبال ، والالتجاء ، والاعتصام هذه كلها سبب معرفة أنك ضعيف ، ثلاث آياتٍ في كتاب الله تؤكِّد أنك ضعيف ، وهذا ضعفٌ ليس ذنباً لك ، إنه في أصل بُنْيَتِك ، إنه في أصل خلقك .
الغرور علامة الجهل و البُعْد عن الله و الضعف في الإيمان :
أيها الأخوة الأكارم ؛ قد ينسى الإنسان بعد العلم ، هناك ضعفٌ في عقله ، هناك ضعفٌ يصيب جسده ، وهناك ضعفٌ يصيب نفسه ، إن للنفوس إقبالاً وإدباراً ، أحياناً النفس تُدْبِر ، وتضعف ، وتقعد عن النوافل ، وعن الطاعات ، وأحياناً تنشَط ، فالنفس تضعف ، والله سبحانه وتعالى عالجها في أيام قوَّتها وفي أيام ضعفها .
وقد يصيب الضعف العقل فينسى بعد العِلم ، قد يصاب الإنسان بالخَلَل بعد العقل الشديد ، ما قيمة الإنسان من دون عقله ؟ ما قيمة الإنسان من دون هذا التوازن ؟ هذا الإدراك ؟ هذا الإحساس ؟ يكفي أن يختلَّ عقل الإنسان حتى يتمنى أقرب الناس إليه أن يُودع في مستشفى المجانين ، قيمة الإنسان في بيته من وجود هذا العقل الذي أودعه الله فيه ، هذا الإدراك الصحيح ، هذه النظرة الصائبة ، هذا الحكم الصحيح .
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ لكن ما الذي يحصل ؟ الإنسان فعلاً خُلِقَ ضعيفاً ؛ ضعفٌ في جسمه ، وضعفٌ في نفسه ، وضعفٌ في عقله ، هذا الضعف سبب إيمانه ، سبب إقباله ، سبب اعتصامه ، سبب افتقاره إلى الله ، سبب سعادته بالله ، سبب عبوديته ، ولكنَّ الإنسان حينما يغْفَل عن ضعفه ، ويرى حيلته في عقله . الإنسان ضعيف في جسمه لكن بعقله كشف خصائص الأشياء ، سيطر عليها كما يقولون ، حرَّكها لمصلحته ، فإذا هو المخلوق الأوّل ، والمخلوق المكرَّم ، سخَّر أشياء كثيرة لخدمته ، صعد إلى الفضاء ، غاص في أعماق البحار ، بنى أجمل المساكن ، ركب أجمل المركبات ، طار في الأماكن ، هذا العقل الذي أودعه الله فيه ، وجعله أداةً لمعرفته استخدمه استخداماً آخر ، فسيطر به على ما سَخَّرَ الله له من ألوان الخَلْق ، عندئذٍ أصيب بالغرور ، الإنسان حينما يسخِّر قِوى الطبيعة لصالحه وينسى ربه ، وينسى ضعفه ، يصاب بالغرور :
﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾
الغرور أيها الأخوة علامة الجهل ، الغرور علامة العَمَى ، الغرور علامة البُعْد عن الله عزَّ وجل ، الغرور علامة الضعف في إيمانه ، فالمُغْتَرّ إنسانٌ ضعيف الإيمان ، ضعيف الإدراك ، ضعيف التبصُّر ، يعيش أوهاماً بعضها فوق بعض . لكن ربنا جلَّ جلاله كلَّما اغترَّ الإنسان عالجه ، ولا ينجو من هذه المُعالجة أيُّ مخلوق مهما علا شأنه ، أصحاب النبي عليهم رضوان الله الذين قدَّموا النَفْس والنَفيس ، والغالي والرخيص ، أصحاب النبي عليهم رضوان الله الذي باعوا أنفسهم ، يوم حنينٍ أعجبتهم كثرتهم ، وقالوا : لن نُغْلَب من قلَّة . .
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
التّولي و التّخلي :
يا أيها الأخوة الأكارم ؛ دعونا نقف قليلاً عند المَغْزَى من هذه الخطبة ، إن أدركت ضعفك وتوكلت على ربك تولاك الله ؛ بالتوفيق ، بالتأييد ، بالنصر ، أعطاك معنويّاتٍ عالية ، أعطاك قوةً فتصبر بهذه القوة ، أعطاك توازناً ، أعطاك جَلَداً ، أعطاك صبراً . .
﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾
أعطاك رؤية صحيحة ، فإذا اغتررت بقوتك ، إذا اغتررت بما عندك من مالٍ ، أو قوةٍ ، أو عِلْمٍ ، إذا قلت : أنا . تخلَّى الله عنك . .
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾
هاتان الواقعتان يعانيهما كل إنسان في اليوم الواحد عشرات المرَّات ، فأنت إن قلت : أنا ، اغتررت ، ونسيت ضعفك ، فتخلى الله عنك وأدَّبك ، وإن قلت : الله ، وأنا لا شيء، أنا ضعيف ، يا رب إني ضعيف - هكذا دعا النبي - فقوِّ في رضاك ضعفي . . " اللهمَّ إني ضعيفٌ فقوِّ في رضاك ضعفي " في الطائف بلغ ضعف النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :
((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري ؟ إن لم تكن ساخطاً علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض ، وأشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تحل عليّ غضبك ، أو تنزل عليّ سخطك ، ولك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله))
لكن النبي عليه الصلاة والسلام حينما فتح مكة التي أخرجته ، وائتمرت على قتله ، ونكَّلت بأصحابه ، وناصبته العداء عشرين عاماً ، وكان عشرة آلاف سيفٍ متوهجٍ تحت إمرته ، ينتظرون كلمةً من بين شفتيه حتى يقضي عليهم جميعاً ، قال :
((ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء))
دخلها مطأطئ الرأس تواضعاً لله عزَّ وجل ، حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عُنق بعيره ، ما نسي النبي وهو في أعلى درجات القوة ضعفه وافتقاره لله عزَّ وجل .
أيها الأخوة . . . كلامٌ واضحٌ كالشمس ؛ في عملك ، في تجارتك ، في زراعتك، في صناعتك ، في وظيفتك ، في عيادتك ، في مكتبك ، في أيّ مكان ، في بيتك مع أولادك ، في الطريق ، في قيادة سيارتك ، في أيّ مجال إذا قلت : أنا ، تخلَى الله عنك ، هذه حنين ، وإن قلت : الله ، تولاَّك الله ، فأنت بين أن يتولاَّك الله فيمدُّك بالتأييد والنصر والتوفيق والسداد والحفظ ، وبين أن يدعك الله إلى نفسك حينما تقول : أنا . وما هذا بغضٌ بك ولكن تأديباً للإنسان .
من شعر بضعفه و افتقاره تولاه الله و أيده بالتوفيق و النصر :
أيها الأخوة الأكارم ؛ مؤدَّى هذه الخطبة أنه يجب أن تشعر دائماً بضعفك ، وافتقارك ، وعبوديَّتك ، حتى يتولَّى الله أمرك ، ويؤيِّدك بالنصر والحفظ والتوفيق ، ويأخذ بيدك إلى سُبُل السعادة . أما إذا قلت : أنا ، فهذا جهلٌ ، وهذا شرك ، وهذا ضعف إيمانٍ ، وهذا حمقٌ بالإنسان أن يغترَّ بنفسه .
أحياناً أيها الأخوة هواءٌ شديد يحطِّم كلها شيء ، إنها الأعاصير ، أمطارٌ شديدة تغرق كل شيء ، إنها الفيضانات ، بردٌ شديد يصيب كل شيءٍ بالموت ، محاصيل بمئات الملايين تَسْوَدُّ في دقائق إذا هَبَطَت الحرارة عن درجةٍ معينة ، فالصقيع مدمِّر ، والحر الشديد مدمر ، والرياح العاتية مدمِّرة ، والأمطار الغزيرة مدمرة ، فالإنسان ضعيفٌ حتى أمام هذه الأعراض البيئية ، أو الجويَّة ، أعظم ناقلة نفطٍ قذفتها الأمواج إلى الصخور فتحطَمت ، أعظم قاعدةٍ نفطيةٍ في بحر الشمال رياحٌ عاتية أثارت أمواجاً عالية فحطَّمتها ، الإنسان ضعيف مهما بدا قوياً . مركبةٌ فضائية سموها " المتحدي " ، انطلقت ، بعد سبعين ثانيةً أصبحت كتلةً من اللهب ، اسمها " المتحدي " تتحدون مَن؟
الإنسان ضعيف أيها الأخوة ، يكاد هذا الموضوع ينتظم حياتنا كلها ، قلت لكم مرةً ثانية : في أي مجال من مجالات الحياة ، إذا قلت : أنا ، اعتززت بقوتك ، بعلمك ، بمالك، بذكائك ، بخبرتك تخلى الله عنك ، فإذا أنت كالطِفل الصغير ، يرتكب الإنسان المُعْرِض عن الله كل حماقةٍ أكبر من أختها ، يتورَّط كل ورطةٍ أكبر من أختها ، يتحامَق كل حماقةٍ لا تُعْقَل ، وهذا من بعده عن الله ، واعتزازه برأيه ، فإذا التجأ إلى الله ، وأقبل عليه ، واستعان به ، واسترشده ، واستهداه كان الله معه .
أيها الأخوة الأكارم ؛ مرةً أخيرة هذا الإنسان تقتُله الحشرة ، وتقعده الجرثومة ، وتبكيه الحاجة ، وتذلّه المصيبة ، ويخضعه الألم ، ويوهِنه الخوف ، ويستخِفّه الطَمَع ، ويهوي به الهوى ، ويقضُّ مُضْجَعَهُ التعلُّق ، إذاً :
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
اعرف أنك ضعيف كي تقوى بالله ، اعرف أنك فقير كي تغتني بالله ، هذا محور الخطبة أيها الأخوة .
لذلك نجد أحياناً أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
((اللهمَّ هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك))
الإنسان أضعف من أن يعدل في الحُب ، لأنه أضعف من ذلك إذاً عافاه الله من العدل في الحُب . .
((اللهمَّ هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك))
الخطأ . .
((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))
طبيعة الشرع القصر في الصلاة ، الإفطار في السفر والمرض ، هذا كله مداراةٌ للإنسان على ضعفه . .
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
فإذا بلَغ ضعفه أنه وقع في معصية فتح الله له باب التوبة ، فتح الله له باب المغفرة . .
﴿قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، و الحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الغدة النخامية :
أيها الأخوة ؛ في دماغ الإنسان غدةٌ وزنها نِصْف غرام ، من أجل أن تعرف وزنها اسأل عند باعة الموازين الحسَّاسة عن الغرام ، احمله ، زِنْه ، هذه الغدَّة النخامية التي في الدماغ وزنها نِصف غرام ، تقوم بوظائف خطيرة جداً ، مربوطة بالجسم تحت البصري بمئة وخمسين ألف عصب ، هذه الغدة تفرز هرمون النمو ، هذا الهرمون مؤلَّف من مئة وثمانية وثمانين حمضًا أمينيًا ، يجب أن يكون في كل لتر دم عشرة ميكروغرام من هذا الهرمون ، فإذا قلَّت هذه النسبة أصبح الإنسان قَزَماً ، وإذا زادت هذه النسبة أصبح الإنسان عِمْلاقاً ، من يضبط هذه النسبة ؟ عشرة ميكرو غرام في كل لتر من الدم من هذا الهرمون المتألِّف من مئة وثمانية وثمانين حمضاً أمينياً ، تفرزه الغدة النخامية التي وزنها نصف غرام ، والمرتبطة بالجسم عن طريق مئة وخمسين ألف عصب . هرمون إفراز الحليب تفرزه الغدة النخامية ، بعد الحَمْل بقليل يبدأ هذا الهرمون يجول في الدم ، حتى يبلغ أوجَه بعد الوَضْع ، فإذا بثديي المرأة يفرزان الحليب من هذه الغدة النخامية التي لا تزيد عن نصف غرام . هرمونٌ يحث الغدة الدرقية على إفراز هرمونٍ يؤمن الاستقلاب في الجسم ، والاستقلاب من أعقد العمليات ، تحوّل الغذاء إلى طاقة ، فالاستقلاب الغدة الدرقية مسؤولةٌ عنه ، والغدة النخامية مسؤولةٌ عن توجيه الغدة الدرقية لإفراز هذا الهرمون ، والغدة النخامية لا يزيد وزنها عن نصف غرام .
هرمونٌ يحثُّ الغدة الكظرية حينما يواجه الإنسان خطراً ، الغدة النخامية تأمر الكَظَر أن يفرز هرموناً يحثُّ القلب على مضاعفة ضرباته ، ويحث الرئتين على زيادة وجيبهما، ويحثُّ الأوعية على تضييق لمعتها كي يتوفّر الدم للعضلات ، ويحث الكبد على إفراز السكر ، أربعة أوامر تفرزها الكَظَر بأمرٍ من الغدة النخامية التي لا يزيد وزنها عن نصف غرام . هرمون النمو الجنسي مسؤولةٌ عنه الغدة النخامية في الدماغ ، صفات كل من الذكر والأنثى هذا بفعل هرمون تفرزه الغدة النخامية . هرمون يحثُّ الخلايا التي تحت الجلد على إفراز المادة الملوَّنة ، لون الإنسان من أبيض ، إلى أسمر ، إلى حِنْطِيّ ، إلى ملوَّن هذا من مسؤوليات الغدة النخامية التي لا يزيد وزنها عن نصف غرام . هرمون يحقق توازن السوائل ، لو اختل هذا الهرمون لكانت حياة الإنسان شقيةً جداً ، يجب أن يبقى إلى جانب الصنبور والمِرحاض ، ليُمضي كل وقته في الشُرب وإفراز الماء ، هذا الهرمون الذي يحقق توازن السوائل في الجسم .
هرمون لقبض الأوعية وتوسيعها ، وتنشيط الذاكرة . هرمون المخاض . وهناك هرموناتٍ كثيرة تفرزها هذه الغدة النخامية التي لا يزيد وزنها عن نصف غرام . .
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
لو اختلت هذه الغُدَّة لأصبحت حياة الناس في شقاءٍ شديد .
أيها الأخوة الأكارم ؛ لا يزال موضوع الهرمونات موضوع معقَّد ، ولا يزال موضوعاً بالغ الأهمية ، والإنسان حينما يستيقظ ، ويتحرَّك ، ويمارس نشاطه لا يعرف مدى التَعْقيد ، ومدى الدِقَّة في تصميمه وخلقه ، وحركة أعضائه وأجهزته .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .