وضع داكن
23-04-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 18 - بيروت - قراءة لأحداث الهجرة تصل الماضي بالحاضر خلال الظروف الحالية .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله الحمد لله الذي حبب الهجرة في سبيله إلى صالح عباده وصل الله وسلم على إمام المهاجرين سيدنا محمد خير خلقه وأفضل أنبيائه ورضي الله عن آله وسائر أصحابه، ومن أحبهم وترضى عنهم، وسار على نهجهم بإخلاص وصدق وإحسان إلى يوم لقاءه، أما بعد ففي هذه الأمسية المباركة إن شاء الله سبحانه وتعالى نفتتحها بالترحيب بكم وشكركم على حضوركم واهتمامكم وتحيتكم بتحية الإسلام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 أيها الأخوة الكرام والأخوات العزيزات:
 في حس كثير من الناس أن الهجرة أحداث مضت، نعم صنعها الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقدامهم وعرقهم وتعبهم وأموالهم وبذلهم، ولكنها أحداث نتغنى بها ونتذكرها في المناسبة السنوية لنذكر فضل الصحابة رضي الله عنهم، ولنتبين ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أجل هذا الدين ليس إلا، ويمكن هذا الوهم في أذهان كثير من الناس الفهم الخاطئ من حديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه:

(( لا هجرة بعد الفتح ))

 وينسون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيضاً كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند بسند حسن:

 

(( ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ))

 وكذلك ما ورد في سنن أبي داوود بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

 

 

(( لا تنقطع الهجرة حتَّى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتَّى تطلع الشمس من مغربها ))

 إذاً نحن بحاجة إلى قراءة واعية جادة لأحداث الهجرة نصل بها الماضي مع الحاضر خاصة في ظروف أليمة عصيبة تعصف بالعالم الإسلامي نحتاج معها إلى تجديد الدين، وإلى هجرة صادقة إلى مواقع محاب الله ورسوله، وإلى رفع راية الإسلام والاعتزاز بالجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، هذه القراءة نحيلها إلى محاضرنا الكريم الأستاذ المربي الدكتور محمد راتب النابلسي من دمشق الشام وكنت أود أن أعرف به ثم تذكرت أنه علم وأسماء الأعلام لا تحتاج إلى أل التعريف فليتفضل مشكور.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الأخوة الكرام:
 أشكر للقائمين على هذه الندوة دعوتهم الكريمة، وأشكر لكم حضوركم واهتمامكم وأسال الله جل جلاله أن أكون عند حسن ظنكم.
 أيها الأخوة الأحباب:
 لا يخفى عليكم أن سنة النبي عليه الصلاة والسلام بالتعريف الدقيق هي:
 أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته...
 وأن الهجرة موضوع هذه المحاضرة جزء من سيرته صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن كتاب ولا سنة لكانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحدها منهجاً كاملاً، من فضل الله علينا هناك كتاب فيه الكليات وهناك سنة فيها البيان والتفصيل، وهناك سيرة فيها حقيقة مع البرهان عليها.
 فالكون أيها الأخوة قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، السيدة عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن.
 والشيء الثابت أن الله سبحانه وتعالى عصم النبي صلى الله عليه وسلم من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره، وانطلاقاً من هذا أمرنا الله جل جلاله أن نأخذ عنه كل شيء فقال تعالى:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

( سورة الحشر الآية: 7 )

 وعند علماء الأصول قاعدة دقيقة هي أنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المستحسن إلا به فهو مستحسن، هذه قاعدة أصولية أرأيت إلى الوضوء إنه فرض لأن الصلاة وهي فرض لا تتم إلا به، وبما أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك فإذا قال الله عز وجل:

 

﴿ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

 كيف نأخذ ما آتانا وننتهي عما عنه نهانا، إن لم نعرف ماذا آتانا وماذا نهانا، إذاً تطبيقاً لهذه القاعدة معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم لا بد في كل بيت مسلم من كتاب السنة، كتاب حديثٍ صحيح، يكون مرجعاً لأهل البيت، ثم إن الله سبحانه وتعالى حينما قال:

 

 

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾

 

( سورة الأحزاب الآية: 21 )

 جعله الله عز وجل أسوة حسنة كيف يكون أسوة حسنة إن لم نعرف سيرته، إن لم نعرف سلوكه في بيته، مع زوجته، مع أولاده، مع جيرانه مع أصحابه، مع إخوانه، في سلمه، في حربه، ذلك أن الله عز وجل حينما جعله أسوة لنا في الأعم الأغلب ذاقه كل شيء أذاقه طعم الفقر، كان إذا دخل إلى بيته يقول: أعندكم شيء ؟ تقول له زوجته لا فيقول إني صائم، فإذا نصح الفقراء أن يصبروا ذلك أن طريق المال إذا كان محفوفاً بالمعاصي فالتقوى وسام الشرف، أما إذا كان سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً ذلك أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، لأن خيارات المؤمن القوي، وأروع ما في الحديث أن القوة ينبغي أن يكون معها إيمان، لأن قوة بلا إيمان، أنظروا بأعينكم ماذا يفعل الكفار، يعني خرجوا عن إنسانيتهم، هم وحوش كاسرة يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف))

 

[ أخرجه مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه ]

 فإذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً أما إذا كان طريق القوة على حساب دينك، وعلى حساب قيمك، حتى تكون قوياً ينبغي أن تبيع دينك بعرض من الدنيا قليل، لا الضعف وسام شرف، لذلك أيها الأخوة أذاق الله النبي القهر في الطائف، فدعا دعاء يحتاجه كل مسلم:
 اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا رب المستضعفين إلى من تكلني ـ ثم يقول عليه الصلاة والسلام ـ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبة حتى ترضى.
 نستنبط من هذا الدعاء أن النصر الحقيقي ليس أن تكتسح أرضاً ولا أن تقهر عدواً ولا أن تذهب مالاً، ولا أن تذل شعباً، النصر الحقيقي أن تكون ثابتاً على المبدأ خاضعاً لمنهج الله عز وجل، أقر سورة البروج هذا الملك الذي انتصر بمقاييس النصر الظاهرة، انتصر على المؤمنين وحفر لهم الخندق وأحرقهم، الله جل جلاله على من أثنى، أثنى على هؤلاء الذين احترقوا هؤلاء في الحقيقة هم المنتصرون، وهذا المعنى نحن في أمس الحاجة إليه اليوم إن لم يتح لك أن تحوز النصر التقليدي ينبغي أن تكون ثابتاً على المبدأ مؤمناً بالله ورسوله، خاضعاً لمنهج الله عز وجل أذاقه طعم القهر فكان هذا دعاءه، وأذاقه طعم النصر في فتح مكة، ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فأذهبوا فأنتم الطلقاء.
 أيها الأخوة:
 أذاق الله النبي موت الولد، أذاقه أن يقول الناس عن زوجته كلاماً لا يليق بها، في حديث الإفك، ودققوا في هذه الآية:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾

 

( سورة النور الآية: 11 )

 هل من شر أشد من أن يخوض الناس في أقدس شيءٍ يخص بيت النبي عليه الصلاة والسلام.

 

﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ﴾

 ذلك وهذا درس نحتاجه اليوم أن كل شيئاً وقع أراده الله، لا يليق أن يقع في ملك الله ما لا يريد لا يليق بألوهية الإله العظيم أن يقع في ملك ما لا يريد، لأن هذا الشيء وقع فقد أراده الله وكل شيءٍ أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، قد يكون الموقع مجرماً لكن لكل واقع حكمة، هذا إيماننا، ما دام الشيء قد وقع، فلكل واقع حكمة وهذا الذي وقع أراده الله وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق:

 

 

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 26 )

 أصحاب النبي عليهم رضوان الله هم صفوة البشر، فقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

((إن الله اختارني واختار لي أصحابي.))

 ومع ذلك لم ينتصروا في أحد، لأنهم وقعوا في مخالفة سلوكية ولو أن الله نصرهم على معصيتهم لرسولهم عليه الصلاة والسلام لسقطت طاعة النبي، لم ينتصروا، وفي حنين لم ينتصروا، بسبب اعتقادي حينما قالوا: لن نغلب من قلة، ولو أن الله نصرهم على شركهم الخفي لسقط التوحيد، فإذا كان سيد الخلق وحبيب الحق ومعه نخبة البشر لم ينتصروا في موضعين في أحد وفي حنين، فإذا كان هناك ألف سببٍ وسبب، وألف مخالفةٍ ومخالفة، وألف تقصيرٍ وتقصير، فمن باب أولى ألا ننتصر، ذلك أن هناك نصراً استحقاقياً:

 

 

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 123 )

 وأن هناك نصراً تفضلياً:

 

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)﴾

 

( سورة الروم الآيات: 2 ـ 4 )

 ليس الروم على حق، لكن انتصارهم انتصار تفضل لأنهم أقرب إلى الإيمان من الفرس عبدت الأوثان، وهناك نصرٌ كوني، الأقوى ينتصر، الذي يملك الطائرة الأقوى والتي تأتي أهدافها مصبية ينتصر.
 هناك نصرٌ استحقاقي ينصر به المؤمنين الصادقين... وهناك نصرٌ تفضلي ينصر به الأقرب إلى الإيمان... وهناك نصراٌ كوني لا علاقة للإيمان به إطلاقاً إنما هو صراعاً بين قوتين...
 والحرب بين حقين لا تكون لأن الحق لا يتعدد، وبين حقٍ وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي.
أيها الأخوة:
 أذاقه الله طعم النصر فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، إذاً لأن الله أذاقه طعم النصر وطعم القهر وطعم الفقر وطعم الغنى وطعم موت الولد وطعم تطليق البنت وطعم الهجرة كان قدوة لنا صلى الله عليه وسلم فقال:

 

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)﴾

 

( سورة الأحزاب الآية: 21 )

 أيها الأخوة:
 يقول علماء الأصول: إن سيرة النبي أبلغ في التعبير عن فهمه لكتاب الله من أقواله لأن أقواله خاضعة للتأويل، بينما سيرته قطعية لا تأول، فسيرته أبلغ في التعبير عن فهمه لكلام الله عز وجل من أقواله.
 شيء آخر: يتوهم بعض الناس أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم الأولى هي التبليغ، لكن الحقيقة أن المهمة الأولى هي القدوة، ذلك أن التبليغ سهل بالقياس إلى القدوة، فكان عليه الصلاة والسلام من وجوه عظمته صلى الله عليه وسلم أنه فعل ما قال، ولا تجد مسافة أبداً بين أقواله وأفعاله، وهذا يحتاجه الدعاة إلى الله أيما حاجة.
 شيء آخر: الأحداث الذي وقعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودة لذاتها، مقصودة لذاتها، ليقف منها النبي صلى الله عليه وسلم الموقف الكامل، والموقف المشرع فكل شيءٍ وقع، من أبسط ما قرأت في تفسير حديث الإفك، لو أن هذه السيدة عائشة رضي الله عنها حينما حمل أصحاب النبي هودجها شعروا أنه خفيف وأنها ليست فيه، لم يكن هناك حديث الإفك، لو أن عقدها لم ينفرط لم يكن هناك حديث الإفك لو أنها لم تغفل عشر حالات ذكرها علماء التفسير في حديث الإفك كلها تؤكد أن الله أراد هذا الحدث لذاته، ليقف النبي موقفاً كاملاً وموقفاً مشرعاً لذلك:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾

 وقد يتوهم متوهم أن التوحيد يعفي من المسؤولية، لا والله، التوحيد لا يعفي من المسؤولية، بدليل قوله تعالى:

 

 

﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾

 

( سورة النور الآية: 11 )

 ما دام الشيء قد وقع أراده الله، ولكل واقع حكمة لكن الموقع لن يعفى من العقاب هذا هو التوحيد.
 أيها الأخوة الكرام:
 يعني مثل بسيط جداً أختم به هذه الفقرة الأولى من موضوع المحاضرة.
 اختار النبي موقعاً في معركة بدر، ولحكمة بالغة بالغة حجب الله عنه الموقع المناسب، حجبه عنه وحياً، وحجبه عنه إلهاماً، وحجبه عنه اجتهاداً، النبي معصوم، هناك فضيلة عظيمة جداً يحتاجها كل القادة في العالم، وكل العلماء، ما هذه الفضيلة ؟ الرجوع إلى الحق، تعلموا قبل أن ترأسوا إن ترأستم فلن تتعلموا، الرجوع إلى الحق. فجاء صحابي جليل اسمه الحباب بن المنذر يقطر أدباً ومحبة قال يا رسول الله هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة قال: لا هو الرأي والمشورة قال: والله يا رسول الله ليس بموقع فالنبي عليه الصلاة والسلام، ببساطة رائعة وبتواضع رائع سأله عن الموقع المناسب فشكره وأمر أصحابه أن يتحولوا إلى الموقع المناسب.
 هذا الشيء قد لا يفعله أصغر داعية الآن، قد لا يرضى أن أحداً ينتقده أو يعترض عليه، هذه الفضيلة فضيلة الرجوع إلى الحق، لولا أن الله سبحانه وتعالى حجب عنه الموقع المناسب وحياً واجتهاداً وإلهاماً ولولا أن هذا الصحابي الفقيه سأله بادئة ذي بدء هذا الموقع وحي أم اجتهاد، قال له لا اجتهاد، نصحه، قال ليس بموقع، أؤكد لكم أن كل الأحداث التي وقعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي أحداث مقصودة لذاتها ليقف النبي منها موقف المشرع والموقف الكامل فهو قدوة لنا بأفعاله وقدوة لنا بأقواله، هذا هي الفقرة الأولى من المحاضرة، وننتقل إلى الدرس الأول الذي نحن في أشد الحاجة إليه اليوم.
 أيها الأخوة الكرام:
 كتمهيد لموضوع متعلق بهذا الموضوع الذي نحن في صدده، أنا لا أصدق أن يكون في القرآن الكريم قصة مقصودة لذاتها ربنا عز وجل حدثنا عن عاد، قال:

 

﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)﴾

 

( سورة النجم الآيتان: 50 ـ 51 )

 يعني من بعض التفاسير والقرآن ليس ملك أحد، لماذا وصفها بأنها أولى ؟ قد تجد تفسيراً في بعض الكتب لكن إذا قال الله عز وجل:

 

﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾

 

( سورة الأحزاب الآية: 33 )

 يعني كأن الله عز وجل بالمعنى المخالف، بالمفهوم المخالف يقول هناك جاهلية ثانية قد تكون أشر من الأولى.

 

﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ﴾

 لعلنا نفهم أنه هناك عاد ثانية، ما صفات عاد الأولى قال:

 

 

﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)﴾

 

( سورة الفجر الآية: 8 )

 تفوق في شتى الميادين ثم قال:

 

﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)﴾

 

( سورة الشعراء الآيتان: 128 ـ 129 )

 تفوق في العمران وفي التصنيع.

 

﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)﴾

 

( سورة الشعراء الآية: 130 )

 تفوق في القوة العسكرية، وعندكم أدمغة أهل الأرض.

 

﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)﴾

 

( سورة العنكبوت الآية: 38 )

 وكانوا متعجرفين مستكبرين، قالوا:

 

﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾

 

( سورة فصلت الآية: 15 )

 دققوا في صفاتهم صفةً صفة، تفوق في شتى الميادين.

 

﴿ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) ﴾

 تفوق حضاري أو عمراني إن صح التعبير.

 

 

﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) ﴾

 تفوق عسكري.

 

 

﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)﴾

 ثم تفوق علمي.

 

 

﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)﴾

 ثم استكبار وغطرسة لا تحتمل.

 

 

﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾

 والذي يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى ما أهلك قوماً من الأقوام السابقة إلا وذكرهم أنه أهلك من أشد منهم قوة إلا عاد حينما أهلكها قال:

 

 

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾

 

( سورة فصلت الآية: 15 )

 يعني لم يكن فوق عاد إلا الله.

 

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾

 ماذا فعل هؤلاء قال:

 

 

﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)﴾

 

( سورة الفجر الآيتان: 11 ـ 12 )

 البنتاغون للقصف وهوليود للإفساد.

 

﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)﴾

 

( سورة الفجر الآيات: 11 ـ 14 )

 إنك إذا قرأت القرآن الكريم ترى:

 

﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)﴾

 

( سورة الحج الآية: 48 )

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾

( سورة إبراهيم الآية: 42 )

﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)﴾

( سورة آل عمران الآيتان: 196 ـ 197 )

 أيها الأخوة الكرام:
 الدرس الأول من دروس الهجرة والذي نحن في أمس الحاجة إليه قد يقول أحدكم ما علاقة قوم عاد بالهجرة، يعني هذه ليست قصة إنما هي نموذج بشري، وهجرة النبي عليه الصلاة والسلام ليست هجرة تخص النبي وأصحابه إنها نموذج سلوكي يحتاجه كل مسلم إلى يوم القيامة، كما تفضل الأستاذ الجليل الهجرة بين مكة والمدينة مغلقة أبوابها، لا هجرة بعد الفتح، ولكن الهجرة بين أي بلدين يشبهان مكة والمدينة قائمة إلى يوم القيامة، إذا الهجرة ليست حدثاً يخص النبي وحده وأصحابه الكرام أو يخص مرحلة معينة بل هي سلوك نموذجي يحتاجه كل مؤمنٍ لأن المؤمن علة وجوده أن يعبد الله عز وجل:

 

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

 

( سورة الذاريات الآية: 56 )

 فحينما تحول جهة في الأرض بينك وبين عبادة الله ينبغي أن تهاجر، إما أن تغير في المكان وإما أن تغير المكان، لأن علة وجودك أن تعبد الله، العبادة:
 طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.
 أي جهة حالة بيني وبين علة وجودي وهي عبادة الله عز وجل إما أن أسعى إلى تغيرها وإقناعها وإما أن أغادر المكان نجاة بديني، والآيات والأحاديث في هذا الموضوع كثيرة.
 أيها الأخوة الكرام:
 الدرس الأول من دروس الهجرة وكسلوك نموذجي هو أن الله سبحانه وتعالى جلت حكمته جعل نظام السببية نظاماً في خلقه، لكل سبب نتيجة، ولكل نتيجة سبب، والنتائج لها أسباب، والأسباب لها نتائج، لكن الغرب أخذ بالأسباب وأعتمد عليها وألهها، فوقع في الشرك والشرق لم يأخذ بها جهلاً وتهاوناً وقع في المعصية، فالعالم بين فريقين فريق يأخذ بالأسباب ويؤلهها ويعتمد عليها فهو عين الشرك، وفريق كالفريق الشرقي لا يأخذ بها ويتوكل على الله جهلاً فقد وقع في المعصية، ما هو الصواب ؟ أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
 الهجرة ماذا فعل النبي ؟ سيدنا عمر هاجر، هاجر علنية تحدى المشركين، عمر ليس مشرعاً، عمر عملاق الإسلام رضي الله عنه وأرضاه لكن ليس مشرعاً، لو أن النبي هاجر كعمر لعد الأخذ بالأسباب حراماً، وترك الحيطة واجباً، لهلكت أمته من بعده، النبي مشرع هو أشجع الخلق، لكن هو مشرع إذا ينبغي أن يأخذ بالأسباب، فتوجه نحو الساحل تضليلاً للمطاردين هيأ من يمحو الآثار، آثار الأقدام، آثار السير هيأ من يأتيه بالأخبار، اختبأ في غار ثور، أوقات الشدة أوقات البحث عنه هيأ دليلاً للطريق، رجح فيه الخبرة لا الولاء، ما من ثغرة إلا وغطاها بسلوك، أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، لكن حكمة الله شاءت أن يصلوا إلى الغار، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام أخذ بالأسباب واعتمد عليها يجب أن ينهار، أخذ بالأسباب تعبداً لله عز وجل فقط، اعتماده على الله فلما قال الصديق رضي الله عنه يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطن قدمه لا راءنا، قال:

(( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما))

 وفي رواية قرأتها قال: لقد رأونا، قال يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى:

﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)﴾

( سورة الأعراف الآية: 198 )

 أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم توكل على الله، أخذ بها تعبداً لا اعتماداً، هذا درس كبير، الله عز وجل متى ينصرنا ؟ بشرطين كل واحد منهما شرط لازم غير كافي الشرط الأول أن نعد لهم ما استطعنا من قوة الطائرة "بي 52 "صنعت في عام 1961 صالحة لعام 2040 ثماني محركات، لا يحتملها مطار في العالم تطير 35 ساعة بلا توقف، تنطلق من أمريكة تقصف أفغانستان تعود إلى أمريكة أعدوا لهم ؟ أم أعدوا لنا ؟ أعدوا لهم، ومن رحمة الله بنا أنه ما كلفنا أن نعد القوة المكافئة، هذا مستحيل، لكن كلفنا فقط أن نعد القوة المتاحة.

 

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 60 )

 والباقي على الله، الشرط الأول للنصر أن نعد لها، لا أن نتكاسل لا أن نتوانا، لا أن نتواكل.
 ماذا أعددتم لهذا المرض في الإبل، سيدنا عمر قال الدعاء، قال لو جعلتم مع الدعاء قطراناً.
 من أنتم ؟ فقراء، قال نحن المتوكلون، قال كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله.
 مرة بقرية رأى أيها الأخوة الكرام أن كل الفعاليات ليست مسلمة وبخهم، اعتذروا أن الله أنه سخرهم لنا، كما يعتذر أغنياء المسلمين اليوم فقال عمر رضي الله عنه كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم، أدرك قبل 1400 عام أن المنتج قوي، والمستهلك ضعيف، وأن المنتج متحكم بالمستهلك، الآن في حرب اسمها حرب قطع الغيار، ميئات الطائرات في بعض البلاد الإسلامية معطلة، ما في قطع غيار لأنه، طعامنا وشرابنا وأدواتنا وأجهزتنا بيدهم، هم متحكمون بنا، بل إن كل شيء تأكلونه بذوره مستوردة من عندهم.
 أيها الأخوة:
 القضية أكبر بكثير من معركة قد لا نربحها، قضية بناء أمة الحقيقة في جهاد النفس والهوى، وأنا مؤمن والله مع ابن القيم رحمه الله تعالى أنه هو الأصل، فالذي ينهار أمام شهواته الذي ينهزم أمام حظوظه الذي ينهزم أمام دنياه، لا يستطيع أن يقابل نملة، لا بد من جهاد النفس والهوى، أنا في دعائي أقول يا رب ارزقنا أن ننتصر على أنفسنا أولاً حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، فلا بد من أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، لكن رحمة الله بنا كبيرة أمرنا أن نأخذ بالأسباب المتاحة لنا فقط، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا هو الدرس الأول.
 فلما وصلوا إلى الغار، قال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
 اثنان احتكما إليه، حكم على أحدهما لأنه ليس محقاً، فقال هذا الذي حكم عليه حسبي الله ونعم الوكيل، فقال عليه الصلاة والسلام: يعلمه.

((إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل ))

 طبعاً أترجم هذا الحديث إلى واقعة لطيفة أن الطالب إذا لم يدرس أبداً فرسب فقال حسبي الله ونعم الوكيل، هذا كلام دجل، أما حينما يدرس ويبذل قصار جهده ثم لا ينجح يقول حسبي الله ونعم الوكيل، عليكم بالكيس، أن نأخذ بالأسباب، أن نتعاون.

 

﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾

 

( سورة النساء الآية: 104 )

 الإنسان قد يخجل أن الكافر على كفره وعلى بطله يأخذ بالأسباب والمؤمن يتكاسل ويتوانى، المسلمون كل حياتهم ردود أفعال، الطرف القوي يصنع الفعل ويفاجئ المسلمين والطرف الأضعف ردود أفعال المسلمون عاطفيون، يثرون ويهمدون، بينما الطرف الآخر عقلاني يخطط، من قال لك أن هذا السلوك مقبول، إذا أردت إنفاذ أمر تتدبر عاقبته.
 أيها الأخوة الكرام:
 النصر يحتاج إلى إعداد وإلى توكل، فالإعداد وحده شرك إذا اعتمدت عليه والتوكل وحده معصية إذا افتقر إلى الإعداد، والمسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى أن يأخذون بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكلون على الله وكأنها ليست بشيء.
 أيها الأخوة:
 كما قلت لكم هناك جهاد النفس والهوى، ونحن في أمس الحاجة إليه، في جهاد آخر المؤمن إذا ساهم في تصحيح عقائد المسلمين، وفي حملهم على طاعة رب العالمين، إذا ساهم في بناء الأمة الاقتصادي، إذا ساهم في بناء قوة المسلمين العسكرية، هذا نوع من الجهاد، ما كل جهاد قتالي، في جهاد دعوي ونحن في أمس الحاجة إليه والدليل الله عز وجل يقول.

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾

 

( سورة الفرقان الآية: 52 )

 والهاء تعود على القرآن.

 

﴿جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

( سورة الفرقان )

 سماه كبير الله عز وجل.

 

((خيركم من تعلم القرآن وعلمه.))

 

[ أخرجه البخاري والترمذي عن علي أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن عثمان ]

 أساساً الجهاد القتالي موضوع كتمهيد للجهاد الدعوي، يعني سامحوني بمثل لعله غير مناسب لكن مضطر إلى أن أسوقه، يعني إنسان جنب من زنى يريد أن يصلي قيام الليل مسافة كبيرة جداً، عليك أن تتوب أولاً من هذه المعصية الكبيرة، عليك أن تصلي، عليك أن تصوم ثم تقوم الليل، فلا بد من أن نجاهد أنفسنا وأهوائنا قبل كل شيء، لا بد من أن نبني أمتنا لا بد من أن نتقن أعمالنا، اتقان العمل جهاد، لا بد من أن نحمل هم المسلمين وأن نخفف عنهم ثم نفكر بالجهاد الذي يدعو الناس إليه، الآن نحن في أمس الحاجة إليه، لا شك ولا مفر من هذا لكن ينبغي أن نضم إلى هذا الجهاد، الجهاد القتالي الذي يفعله أبطالنا في فلسطين، أن نضم إلى هذا الجهاد جهاد النفس والهوى، الانضباط، أن نقيم الإسلام في بيوتنا، وفي أعمالنا، وأن نحمل هم المسلمين، وأن نخفف العبء عن المسلمين، وأن نكون في خدمة هؤلاء المساكين الضعفاء.
 أيها الأخوة الكرام:
 نحن أمام درسين، درس بدر ودرس حنين، في بدر قال أصحاب النبي الله فتولاهم الله.

 

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 

( سورة آل عمران: 123 )

 وفي حنين قالوا نحن فتخلى الله عنهم، وهذا الدرس يحتاجه المسلمون كل يوم، بل كل ساعة، إن قلت الله تولاك الله، من الرعاية والعناية، والحفظ والتوفيق، وإن قلت أنا متفوق في علمي، في خبراتي المتراكمة، ثروتي الطائلة، أتباعي اللذين هم حولي تخلى الله عنك، إن قلت الله تولاك الله إن قلت أنا تخلى الله عنك، درس بدر، ودرس حنين درسان بليغان، نحن في أمس الحاجة إليهما.

 

﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾

 لذلك من الأخبار الطيبة التي أسمعها أن بعض فصائل المقاومة العلمانية، أسلمت، وذهبت إلى الحج وقالت لا سبيل إلى النصر إلا بالإسلام، يعني أنا أقول هناك رجلان في العالم مسخران عند الله لخدمة المسلمين، واحد مقيم بواشنطن وواحد مقيم بتل أبيب، مهمتهما توحيد المسلمين دون أن يشعرا، ودون أن يريدا، والله الذي لا إله إلا هو والإيجابيات والله الذي لا إله إلا هو هناك إيجابيات مما حدث لا تصدق ولم نكن نحلم بها، مع أن الهجمة شرسة جداً، أول إيجابية أن هذه القوة الطاغية الغاشمة كانت محط أبصار الخلق كلهم، هذه القوة الطاغية هي الجنة، هي النعيم، هي القيم، الحرية، الديمقراطية، تكافئ الفرص من جاء لبلدنا له ما لنا وعليه ما علينا، الرخاء، الغنى، حرية المقاضاة هذا كله كذب بكذب، الآن أعانونا على أنفسنا كي نكشفهم، كشفوا، لا أمام مثقفين، ولا أمام مفكرين، بل أمام أطفالنا، أقول لكم هذه الحقيقة ما دام هناك جهة قوية كافرة نعظمها ونحترمها ونطمح إليها ونرنو بها بأبصارنا فالطريق إلى الله ليس سالكاً والدليل:

 

 

﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾

 

( سورة البقرة )

 الكفر يجب أن نكفر به ليكون الطريق سالكاً إلى الله، أعانونا أن نكفر به، أعانونا على أنفسنا كي نكفر بهم، رأينا وحشيتهم، رأينا ظلمهم رأينا انحرافهم عن المنطق السليم يعني تضربه حتى تكسر كل عظامه ثم تأخذ كل ماله أجرة لك، وقتك ثمين، الضارب وقته ثمين جداً ومصروفه كبير، فأخذ كل مال المضروب لأنه تعب بضربه، وبذل جهد وهو مصروفه كبير، بعد أن ضربه وكسر كل عظامه، وأخذ كل أمواله ينبغي أن تشكرني، ولعل الثالث أصعب من الاثنتين، ينبغي أن تشكره وأن تقول له وجودك ضروري عندنا، هذا الذي نسمعه ونراه كل يوم الدواء مر، المهندسون أيها الأخوة إذا أنشئوا بناء والشرفة فيها تشققات ماذا يفعلون ؟ إن هدموا هذه الشرفة لعلها جيدة وإن أبقوها لعلها سيئة يحملونها، يأتون ببراميل ماء، يملؤها ماء فإن صمدت فهيا جيدة، وإن انهارت لا ردها الله وكأن الله سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين يعني يحمل هؤلاء المسلمين الذين ينتمون إليه يحملهم فإن صمدوا وثبتوا لعلهم ينصرهم إن شاء الله.

 

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾

 

( سورة القصص )

 مليون لون رمادي كان في، الحمد لله الآن في أبيض وأسود ولي أو إباحي متمسك متفلت، محسن مسيء، منصف جاحد، مخلص خائن، كان في مليون لون رمادي نحن نضيع بهذه الألوان، الآن الأمور واضحة كالشمس، مؤمن كافر، أبداً، الأمور واضحة جداً، ما علينا إلا أن نتحرك إلى الله.

 

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾

 

( سورة آل عمران )

 قال علماء التفسير: يخوف المؤمنين من أولياءه، بالضبط معنى الآية، يخوف المؤمنين من أولياءه.

 

﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 157 )

 الآن إن خفت من الله فأنت مؤمن، وإن خفت من بوش فلست مؤمن، بدك تختار يجب أن تخاف من الله وحده فقط.
 أيها الأخوة الكرام:
 هذا هو الدرس الأول من دروس الهجرة، أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، ونحن في أمس الحاجة إلى هذا الدرس في هذه المحنة القاسية.
 الدرس الثاني: ليس في الإسلام حالة سكون، إعجاب في الإسلام يقول لك أنا عندي خلفية إسلامية، أرضية إسلامية، نزعة إسلامية اهتمامات إسلامية، ثقافة إسلامية، فكر إسلامي، لكن ما فيه إسلام سكون، إعجاب صامت، عدم حركة، ليس هذا من الإسلام، ما إن تستقر حقيقة الإسلام في قلب المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بذاتها بحركة نحو الخلق، من لم يجاهد بكل أنواع الجهاد، جهاد النفس والهوى، جهاد الدعوي، الجهاد القتالي، من لم يجاهد، ومن لم يحدث نفسه بالجهاد ما على ثلمة من النفاق.

 

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 72 )

 لا شيء، إن لم تتحرك لست بشيء، ينبغي أن تعطي لله، وأن تمنع لله، وأن ترضى لله، وأن تغضب لله، وأن تصل لله، امضِ بنا يا رسول الله لما أردت، سالم من شئت وعادي من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، فهو الذي بعثك بالحق لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك الإسلام حركة، إسلام سكوني، سلبي، متقوقع، ينظر، يقيم، يوزع ألقاب ليس هو هذا الإسلام، أنا أموت في حب رجل معصوم عن يخطئ هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنا أكره إنسان آخر لا يخطئ هو الذي لا يعمل، من لا يعمل لا يخطئ، لا يقدم شيء، ولا يقدم شيء إطلاقاً.
 فيا أيها الأخوة الله عز وجل قال:

 

﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31)﴾

 

( سورة مريم الآية: 31 )

﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ ﴾

 حركة نحو الخالق.

 

﴿ وَالزَّكَاةِ ﴾

 حركة نحو الخلق.

 

 

﴿ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾

 لابد من حركتين، حركة نحو الخالق اتصالاً ومناجاتاً ودعاءً وابتهالاً وإخلاصاً ومحبةً وشوقاً وحركة نحو الخلق عطاءً ونصيحةً إرشاداً وخدمةً، والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا، سيدنا ابن عباس كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً كئيباً قال له ما لي أراك كئيباً ؟ قال ديون ركبتني ما أطيق سدادها قال لمن ؟ قال لفلان، قال أتحب أن أكلمه لك ؟ قال إذا شئت فخرج من معتكفه قال له أحدهم يا بن عباس أنسيت أنك معتكف ؟ قال لا والله، ولكنني سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا.
 أيها الأخوة الكرام:
 نحن معنا مفهوم للعبادة المطلق، الأقوياء عبادتهم الأولى إنصاف الضعفاء، الأغنياء عبادتهم الأولى إنفاق أموالهم، والعلماء عبادتهم الأولى تعليم العلم، وإذا أقام الله مخلوقاً امرأةً فعبادتها الأولى رعاية الزوج والأولاد، اعلمي أيتها المرأة وأعلمِ من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله، ينبغي أن تعبده فيما أقامك أقامك غنياً أول عبادة لك إنفاق المال، أقامك عالماً أول عبادة لك تعليم العلم، أقامك قوياً أول عبادة إنصاف الضعفاء أقامك امرأة أول عبادة لك رعاية الزوج والأولاد، ينبغي أن تعبده فيما أقامك، وينبغي أن تعبده في الظرف الذي وضعك فيه، لك أب مريض عبادتك الأولى أن تعتني به قبل الجهاد في سبيل الله، عندك ضيف العبادة الأولى إكرام الضيف، لك ابن بحاجة إليك العبادة الأولى رعاية هذا الابن وفي الظرف الذي وضعك فيه وفي الزمان الذي أظلك، وقت الفجر وقت الصلاة.
 إن لله عمل في الليل لا يقبله في النهار، ولله عمل في النهار لا يقبله في الليل.
 ينبغي أن تعبده فيما أقامك، وأن تعبده في الظرف الذي وضعك فيه، وأن تعبده في الوقت الذي هو يغطي كل عبادة، الطرف الآخر يريدون إفقارنا، أكبر كتلة نقدية انتقلت من الشرق إلى الغرب في حرب الخليج، العبادة الأولى كسب المال الحلال وحل مشكلات المسلمين يردون أن يذلونا، العبادة الأولى أن نعتز بهذا الدين.

 

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

( سورة فصلت )

 أرادوا أن يضلونا، العبادة الأولى تعليم العلم، ترسيخ القيم توضيح الحقائق، بيان الحكم الشرعي، أرادوا أن يفسدونا، العبادة الأولى أن نصون أولادنا بمناشط إسلامية، هكذا فالإسلام حركة نحو الخير ليس في الإسلام حالة سكون، حالة انسحاب، حالة تقوقع، حالة تفرج على الآخرين، ماذا يفعلون ؟
 أيها الأخوة الكرام:
 من عظمة هذا الدين أنه قال عليه الصلاة والسلام:

 

((من جهز غازياً في سبيل اللَّه فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا.))

 

[متفق عليه عن أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني رَضِيِ اللَّهُ عَنْه ]

 من جهز غازياً فقد غزا، إن لم يتاح لك أن تنال شرف هؤلاء الذين يضحون بحياتهم في سبيل أمتهم، إن لم يتاح لك هذا يتاح لك أن تجهز غازياً، أن تنفق على هؤلاء، أن توصل إليهم المال بطريقة أو بأخرى ابحث لا بد من أن تجد طريقاً آمناً يصل إليهم، ومن خلف غازياً بأهله بخير فقد غزا، كنت في تركيا فوجئت أن عدداً كبيراً من أبناء الأخوة في فلسطين يدرسون هناك، ولفقر أوليائهم الشديد انقطعت المعونة لأولادهم بقي هؤلاء الأولاد في الجامعات بلا مصروف، طيب هذا غازي، الذي قطع المعونة عن ابنه غازي فإذا خلفت غازياً في أهله فقد غزوت، من جهز غازياً في سبيل اللَّه فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله، يعني إذا كان طالب يدرس في جامعة، وأهله في فلسطين وكانوا يعطونه إمدادات شهرية ولأسباب طارئة انقطعت هذه الإمدادات، فأنت إن أنفقت عليه كأنك خلفت غازياً في أهله، فقد غزا، ومن سأل الله الشهادة صادقاً كتب له أجر الشهيد ولو مات على فراشه، العبرة أن تحمل هم المسلمين، العبرة أن تنتمي إلى المسلمين لا أن تنتمي إلى الكافرين، العبرة أن تنتمي إلى المسلمين ولو كانوا ضعافاً وفقراء، وأن تتبرأ من الكافرين ولو كانوا أقوياء وأغنياء.
 أيها الأخوة:
 هذا معنى الهجرة معنى حركي لكن هناك معنى واسع للهجرة المهاجر من هجر ما نهى الله عنه، وأنت في بيروت، وأنت في بلدك إذا تركت حفلة لا ترضي الله فأنت مهاجر وإذا تركت تجارة لا ترضي الله فأنت مهاجر، وإذا تركت لقاء لا يرضي الله فأنت مهاجر، أي شيء فيه معصية فتركه هجرة، بالمعنى الواسع، بالمعنى الضيق أن تنتقل من مدينة إلى أخرى تشبه الأولى مكة والثانية المدينة، هذا المعنى الضيق المعنى الواسع أن تهجر ما نهى الله عنه بل في الزمن الصعب حيث يؤتمن الخائن ويخون الأمين، ويكذب الصادق، ويصدق الكاذب حيث يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه وإن سكت استباحوه، حينما يرى موتاً كعقاص الغنم في تاريخ البشرية القاتل يقتل، الذي يسلب الأموال يقتل، الذي ينتهك الأعراض يقتل، أما أن يقتل الإنسان ولا ذنب له إلا لأنه مؤمن إلا لأنه مسلم.

 

﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)﴾

 

( سورة البروج )

 إذاً موت كعقاص الغنم لا يدري القاتل لما يقتل، ولا المقتول فيما قتل من علامات آخر الزمان، فهذا الهرج والمرج والفتن والفساد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي الصحيح:

 

((عبادة الله في الهرج كهجرة إلي.))

 

 أن تعبد الله في الزمن الصعب، حيث النساء كاسيات عاريات مائلات مميلات حيث المال الحرام هو كل شيء، حيث الفتن يقظة حيث المظالم لا تنتهي، تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً فيأتي أخي عيسى فيملئها قسطاً وعدلاً، أن تعبد الله في الهرج كهجرة خالصة إلى الله عز وجل.
 أيها الأخوة:
 بقيت فقرة أخيرة إن كانت هذه الهجرة في سبيل الرحمن فهناك هجرة في سبيل الشيطان، ما هي ؟ حينما يرفض المرء الحق وأهله وينضم إلى الباطل وأهله، فهذه هجرة في سبيل الشيطان، حينما يؤثر المرء الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، يعني يقيم في بلد لا يستطيع أن يعبد الله فيه، لا هو ولا أولاده، كنت مرة في أمريكة في مؤتمر علمي قال أحد كبار العلماء والله كلمة لا أنساها له وأقدرها له، قال إن لم تضمن دققوا، أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً في هذه البلاد حرام أن تبقى بها، ابنه ليس مسلماً، حينما يؤثر المرء الدنيا الفانية على الآخرة الباقية فهذه هجرة في سبيل الشيطان، وحينما يفضل الرجل مصالحه على مبادئه فهذه هجرة في سبيل الشيطان، وحينما يؤثر المرء حاجاته على قيمه هي هجرة في سبيل الشيطان، وحينما تكون الهجرة ابتغاء دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها على حساب المصير الأبدي فهذه هجرة في سبيل الشيطان.

 رجل من مكة أحب امرأة فاشترطت عليه أن يهاجر حتى يتزوجها فهاجر، فسماه الصحابة مهاجر أم قيس، هاجر من أجل امرأة يتزوجها وحينما تكون الهجرة بذلاً للخيرات والخبرات والطاقات لغير المسلمين فهي هجرة في سبيل الشيطان، وحينما تكون الهجرة إضعافاً للمسلمين وتقويةً لأعدائهم فهي في سبيل الشيطان، وحينما تكون الهجرة هروباً من تحمل المسئولية وفراراً من البذل والتضحية فهي في سبيل الشيطان، وحينما تكون الهجرة تمكيناً للعدو من احتلال الأرض واستثمار خيراتها فهي في سبيل الشيطان، وحينما تكون الهجرة من بلد تقام فيه شعائر الدين إلى بلد فرغت منه كل القيم فهي في سبيل الشيطان، وحينما تكون الهجرة تضيعاً للعرض والدين وكسباً للدرهم والدينار فهي في سبيل الشيطان.

 الدرس الأول: أن نأخذ بالأسباب وأنها كل شيء وأن توكل على الله وكأنها ليست بشيء.

 الدرس الثاني: أن نتحرك وأن نجاهد أنفسنا وأهوائنا ثم نجاهد جهاداً دعوياً، ثم نجاهد العدو حينما يحتل أرضنا.

 الدرس الثالث: أن نبتعد عن هجرة معاكسة إلى الشيطان وإلى جهنم.

 الحمد لله رب العالمين

 نشكر من أعماق قلوبنا أستاذنا المربي الدكتور محمد راتب النابلسي فوالله لقد طابت القلوب، وارتاحت النفوس، وامتلأت العقول ولكأنا كنا في هذا المجلس فيما ينطبق علينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله

 والرواية الأخرى:

 ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا محفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة ولذكرهم الله فيما عنده.

 فأكرر خالص الشكر من قلوبنا لأستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي نسأل الله تعالى أن يجعل هذه المحاضرة في صحيفة حسناته وأن ينفعنا منها.

تحميل النص

إخفاء الصور