وضع داكن
28-03-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 54 - بيروت، معرفة السيرة فرض عين على كل مسلم.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أيها الأخوة الكرام، أشكر للقائمين على هذه الجمعية الطيبة هذه الدعوة الكريمة، فإنها إن دلت على شيء فعلى حسن الظني بي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم، وعلى تعلقكم بالعلم والعلماء وهذا وسام شرف لكم.

معرفة سنة النبي القولية وسيرته العملية فرض عين على كل مسلم :

 أيها الأخوة الأحباب، نحن في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 بادئ ذي بدء هل تصدقون أن معرفة سنة النبي القولية، والسيرة العملية، فرض عين على كل مسلم، أنأ أسأل أحدكم لماذا تصلي؟ فيقول لي: لأن الصلاة فرض، فكيف أثبت لكم أن معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القولية، ومعرفة سيرته العملية، فرض عين على كل مسلم، القاعدة الأصولية أنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، أرأيت إلى الوضوء إنه فرض لأن الصلاة فرض، لا تتم إلا به، فإذا قال الله عز وجل:

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر الآية : 7 ]

 كيف نأخذ ما آتانا، وننتهي عما عنه نهانا، إن لم نعرف ما الذي آتانا وما الذي عنه نهانا ؟ كالصلاة والوضوء تماماً، ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

 

من لم يتبع منهج رسول الله فلن ينتفع بذكراه :

 لذلك المسلمون ألفوا في ذكرى المولد أن يحتفلوا، جميل جداً، ألفوا أن يرفعوا الزينات، ألفوا أن يوزعوا الحلويات، ألفوا أن ينشد المنشدون، ألفوا أن تلقى كلمات في مديح النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن بربكم لو مدحناه طوال حياتنا ولم نطبق سنته لن ننتفع بهذا المديح، لذلك ونحن في ذكرى المولد أتمنى أن يعقد كل منكم العزم على أن يقتني كتاباً في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتاباً في سيرة النبي، وأن يقرأ مع أولاده أقواله، وأن يرى أفعاله، إذا فعلنا ذلك نكون قد احتفلنا فعلاً بذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام، جاءني سؤال قبل أن أبدأ يقول هذا السؤال: يشاع في هذه المدينة أن جمعية عندها صندوق فيه شعرة النبي عليه الصلاة والسلام، قال: هل يصح التبرك في هذه الشعرة؟ أنا لا أؤمن بالتبرك، ولكن رجلاً طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه وليس شعرة، قميص بكامله وألبسه النبي القميص بيده، فلما مات قال: الآن استقر في جهنم حجراً كان يهوي به سبعين خريفاً، هل نفعه القميص؟ هل نفع أبو لهب أنه عم النبي الكريم؟ ما لم نتبع منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ننتفع بذكراه، ألفنا أن نذكره بخير وهو غني عن ذكرنا، لكنه يتمنى لنا أن نطبق منهجه.

من طبق منهج النبي الكريم فلن يعذبه الله عز وجل :

 أيها الأخوة الكرام، لنوطن أنفسنا أن نعود إلى منهجه، أن نطبق سنته، ما قولكم أن مشكلة العالم الإسلامي بآية واحدة:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 33 ]

 الآية واضحة تماماً في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن ما معناها بعد انتقال النبي؟ قال علماء التفسير: وما كان الله ليعذب أمة محمد ما دامت سنته قائمة في حياتهم، إذا كان كسب أموالهم وفق السنة، إذا كان إنفاق أموالهم وفق السنة، إذا كان زواجهم، اختيار زوجاتهم، تربية أولادهم، علاقاتهم، إذا كانت سنة النبي مطبقة في حياتنا:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 33 ]

 بحبوحة ثانية ما دمنا نطبق منهج النبي عليه الصلاة والسلام ما كان الله ليعذبنا، دققوا آية دقيقة جداً:

﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[سورة المائدة الآية : 18 ]

تقسيم العلماء أمة الإسلام إلى صنفين؛ أمة الاستجابة و أمة التبليغ :

 إذا قال المسلمون نحن أمة سيد الأنبياء والمرسلين، نحن أمة الوحيين، نحن أمة خاتم النبيين، نحن أمة القرآن الكريم، الجواب جاهز من الله:

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[سورة المائدة الآية : 18 ]

 لذلك اضطر علماء العقيدة أن يصنفوا أمة النبي عليه الصلاة والسلام إلى قسمين؛ أمة التبليغ، وأمة الاستجابة، نحن الآن أمة التبليغ لأننا اكتفينا في ذكرى المولد بمديح رسولنا، أما أن نطبق منهجه، أما أن نربي أولادنا تربية إسلامية، أما أن نحجب بناتنا، أما أن نتحرى الحلال في كسبنا، أما أن نتحرى الحلال في إنفاقنا، أما أن نفعل شيئاً لرفعة هذه الأمة، هذا الذي بعدنا عنه، لذلك والله أيها الأخوة قد لا تصدقون هذا الحديث الشريف الذي يقوله النبي عليه الصلاة والسلام:

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

 فإذا كانت أمة النبي اليوم تزيد عن المليار والخمسمئة مليون وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، كيف نفسر ذلك؟ لذلك نحن بحاجة إلى الحقيقة المرة وسامحوني، وأي داعية بإمكانه أن يدغدغ مشاعركم، وأن يثني على المسلمين، ولكنني أنطلق من أن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.

 

زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :

 أيها الأخوة الكرام، إذا قال خالق السماوات والأرض:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور الآية : 55 ]

 هل نحن مستخلفون في الأرض؟ لا والله، هل نحن ممكنون في الأرض؟ لا والله، هل نحن آمنون؟ لا والله، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، كيف نتوازن مع أنفسنا؟ كيف نعتقد أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين وكل وعود الله للمؤمنين غير مطبقة؟

 

وعود الله للمؤمنين غير محققة الآن لإضاعة الصلاة واتباع الشهوات :

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

[ سورة الصافات الآية : 173]

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الروم الآية : 47]

﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة غافر الآية : 51 ]

﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾

[ سورة النساء الآية : 141 ]

 كل هذه الوعود غير محققة كيف نتوازن مع أنفسنا؟ قال تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾

[ سورة مريم الآية : 59]

 وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها بل يعني تفريغها من مضمونها، لأن ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكفّ شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم عليّ فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها.

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾

 إضاعة الصلاة لا يعني تركها بل يعني تفريغها من مضمونها.

من ذكر الله أدى واجب العبودية ومن ذكره الله منحه الأمن و الطمأنينة :

 لكن الصلاة التي أرادها الله:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

[ سورة العنكبوت الآية : 45 ]

 قال العلماء: ذكر الله أكبر ما فيها، وقال بعضهم وعلى رأسهم ابن عباس: ذكر الله لك أيها المصلي وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إن ذكرك منحك الأمن:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام الآيات : 81-82 ]

 الله عز وجل يقول :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

[ سورة العنكبوت الآية : 45 ]

 ذكر الله لك أيها المصلي وأنت تصلي أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إن ذكرك، منحك الأمن، والأمن أعظم نعمة يهبها الله للإنسان.

 

السكينة يسعد الإنسان بها ولو فقد كل شيء ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء :

 الله عز وجل ضغط نعمه الكثيرة باثنتين، قال تعالى:

﴿ أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾

[ سورة قريش الآية :4]

 فإذا غضب على أمة قال:

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾

[ سورة النحل الآية : 112]

 لذلك أيها الأخوة، وأنت في الصلاة إذا ذكرك الله عز وجل منحك الأمن، وأنت في الصلاة إذا ذكرك الله عز وجل منحك الرضا، راض عن الله، راض عن عملك، راض عن دخلك، راض عن زوجتك، راض عن أولادك، إذا ذكرك الله منحك السكينة، والسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، ولا يعرف السكينة إلا من ذاقها، لذلك قالوا: في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، إنها جنة القرب قال الله عنها:

﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾

[ سورة محمد الآية : 6]

 ذاقوا طعمها، يقول بعض العلماء الكبار: ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن حبسوني فحبسي خلوة، وإن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟

 

الحكمة أعظم عطاء إلهي للإنسان :

 أيها الأخوة، إذا ذكرك الله منحك الأمن، منحك الرضا، منحك السكينة، منحك الحكمة:

﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة الآية : 269 ]

 أنت بالحكمة تسعد بزوجة ولو أنها من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة ولو أنها من الدرجة الأولى، بالحكمة تتدبر أمرك بالمال القليل، ومن دون حكمة تبدد المال الكثير، بالحكمة تجعل العدو صديقاً، ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً، يمكن أعظم عطاء إلهي أن يؤتيك الحكمة، الحكمة لا تؤخذ ولكنها تؤتى من الله، الصلاة الفرض الأول، العبادة الأولى، الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، لذلك: ليس كل مصلٍّ يصلي، أنت إذا ذكرك الله عز وجل منحك التيسير، إنك إذا ذكرك الله عز وجل منحك الرضا، هذه ثمار الصلاة.

 

أعظم مرتبة أن يحبك الله عز وجل :

 لذلك أيها الأخوة، قضية الاتصال بالله أي الصلاة من أجل الاتصال بالله، والحج من أجل الاتصال بالله، والزكاة من أجل الاتصال بالله، والصيام من أجل الاتصال بالله، والذكر، والدعاء، والاستغفار، العبرة أن يتصل هذا المخلوق الحادث الضعيف بخالق السموات والأرض:

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــا  فإنا منحنا بالرضا مـــن أحبنــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنـــابنـا  لنحميك مما فيه أشرار خلقنــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغــل  وأخلص لنا تلقى المسرة و الهنــا
* * *
وسلِّم إلينا الأمر في كلِّ ما يكن  فما القرب والإبعاد إلا بأمرنــــا
* * *
فيا خجلي منه إذا هـو قال لي  أيا عبدنــا ما قرأت كتابنــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى  أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً  وتنظر ما به جـاء وعدنـــــا
وجدناك مضطراً يا فتى فقلنا لك  ادعُنا نجـبكا فهل أنت حقاً دعوتنا؟
دعوناك للإحسان أعرضت نائياً  فهل تلقى من يحسن لمثلك مثلنـا ؟
***
فيا خجلي منه إذا هـو قال لي  أيا عبدنــا ما قرأت كتابنــــا
فـلو شاهدت عيناك من حسننا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب و جئتنــا
ولو ذقت مـن طعم المحبة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمــــت غريباً واشتياقاً لقربنـا
ولو لاح من أنوارنـا لـك لائحٌ  تركــــت جميع الكائنات لأجلنا
فما حبنا سهل وكل من ادعـى  سهولته قلنا له قـــــد جهلتنا
***

 أي أن تحب الله، أعظم مرتبة أن يحبك الله، أن تستقيم على أمر الله، أن تذكر الله والدار الآخرة، أن تكون قريباً من الله:

((مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ))

[الترمذي عن أنس]

 ما من مخلوقٍ يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيَّته، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوقٍ يعتصم بمخلوقٍ دوني أعرف ذلك من نيَّته، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطَّعت أسباب السماء بين يديه، لذلك ورد في الأثر القدسي: "أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد، إن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي". ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب.
"أحب الطائعين، وحبي للشاب الطائع أشد، أحب المتواضعين، وحبي للغني المتواضع أشد، أحب الكرماء، وحبي للفقير الكريم أشد، وأبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد، وأبغض المتكبرين، وبغضي للفقير المتكبر أشد، أبغض البخلاء، وبغضي للغني البخيل أشد".

 

منهج الله عز وجل منهج شمولي :

 أيها الأخوة، إن الله إذا ذكرك منحك الأمن، والرضا، والسكينة، والتوفيق، وكل هذه الصفات الرائعة للمؤمن، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام جاء ليعلمنا، جاء ليأخذ بيدنا إلى الله عز وجل، فلابدّ من أن نقرأ أحاديثه، ولابدّ من أن نقرأ سيرته، لذلك الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات الآية : 56]

 علة وجودنا في الدنيا أن نعبد الله لا بالمفهوم التقليدي بل بالمفهوم الشمولي، منهج الله عز وجل يبدأ من فراش الزوجية وهو من أخص خصوصيات الإنسان، وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل يقترب من خمسمئة ألف بند، والصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، هذه الفروض، كيف ضغط الإسلام بهذه العبادات الشعائرية ولم يلتفت المسلمون إلى ما كلفهم ربهم به؟ لذلك ونحن في ذكرى المولد:

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر الآية : 7 ]

النبي الكريم نسعد باتباع سنته وبأن نقدم بين يديه طاعتنا وحبنا :

 لذلك أقول: يا سيدي يا رسول الله، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ، لأنه يقع على رأس الهرم البشري زمرتان كبيرتان هم الأقوياء والأنبياء، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، الأقوياء لا يقبلون النصيحة، الأنبياء يقبلونها، لذلك أحبّ الناس الأنبياء، وخافوا من الأقوياء، وبطولة الأقوياء أن يتخلقوا بأخلاق الأنبياء حتى يحبهم الناس.
 لذلك يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
 يا سيدي يا رسول الله يوم كنت طفلاً دعاك أترابك إلى اللعب معهم فقلت لهم: أنا لم أخلق لهذا، وحينما جاءتك رسالة الهدى، وحملت أمانة التبليغ، دعتك السيدة خديجة لأخذ قسط من الراحة فقلت: انقضى عهد النوم يا خديجة، ولما فتحت مكة المكرمة التي أخرجتك، وائتمرت على قتلك وآذتك، وحاربتك، ونكلت بأصحابك، لما فتحتها وقفت في الناس خطيباً وقلت لهؤلاء الذين حياتهم بكلمة من شفتيك: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء.
 دانت لك الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، وقفت في الناس خطيباً وقلت: من كنت أخذت له مالاً هذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليقتد منه، ولا يخشى الشحناء فإنها ليست من شأني، ولا من طبيعتي، هذا النبي عليه الصلاة والسلام نحن في ذكرى مولده، نسعد باتباع سنته، نسعد بأن نقدم بين يديه طاعتنا، وحبنا، وإكبارنا، نسعد إذا ربينا أولادنا على حبّ نبينا.

العبادة علة وجودنا في الأرض :

 لذلك، أيها الأخوة، إذا قرأت القرآن الكريم، تقول: ما علة وجودنا في الأرض؟ قال تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات الآية : 56]

 و العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، هذه علة وجودنا وليس هناك علة أخرى، لذلك إن لم تعبد الله غفلت عن سر وجودك، وعن غاية وجودك، لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، قد يحمل الإنسان أعلى شهادة ـ فيزياء نووية ـ فإن لم يعرف ربه فإنه لم يعرف سرّ وجوده، وغاية وجوده، إن لم يعرف من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ إن لم يعرف ماذا بعد الموت؟ فهو ليس بعاقل، لذلك مرّ النبي عليه الصلاة والسلام بمجنون في الطريق، فسأل أصحابه سؤال العارف: من هذا؟ قالوا: هذا مجنون، قال : لا، إنه مبتلى، المجنون من عصى الله . الذي يعصي الله يعد مجنوناً.

 

أخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا :

 أيها الأخوة الكرام، العالم كله، الحضارة كلها، الغرب كله، يسعى لرفاه هذا الإنسان، والإنسان حينما يدنو أجله يخسر كل شيء، أي حجمه المالي، منصبه الرفيع، ثروته الطائلة، بيته الرائع، مركبته الفارهة، مكتبه التجاري، دخله الفلكي، هذا كله يخسره بثانية واحدة حينما يتوقف قلبه، إذا توقف القلب انتهى كل شيء، عظم الله أجركم، لذلك قالوا:

كل مخلوق يموت ولا يبقى  إلا ذو العزة والـــجبروت
والليل مهما طــــال  فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال  فلابد من نزل الـــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته  يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة  فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *

 أيها الأخوة الكرام، كنت مدرساً بمدرسة ثانوية، نشأ ساعة فراغ، اخترت أن أمضيها عند مدير المدرسة، وهو صديقي، وقد طلب إعارة للجزائر، ويعطى راتباً مضاعفاً، قال لي: أذهب إلى هناك، أريد أن أبقى خمس سنوات، لا أريد الرجوع في الصيف، أريد أن أمضي صيفاً في باريس، وصيفاً في إسبانيا، وصيفاً في إيطاليا، وصيفاً في بريطانيا، قال لي: أريد أن أرى البلاد، وأرى متاحفها، وأرى ريفها، وبعد خمس سنوات أرجع فأقدم استقالتي وآخذ التقاعد، وعندما أعود يكون معي مبلغاً من المال، افتح محل تحف، قال لي: هذا لا علاقة له بالتموين، وأقيم فيه منتدى أدبياً ـ هو مدرس فلسفة ـ قال لي: وأصدقائي يجلسون، يكبر أولادي ـ وأنا أسمع له ـ هو متحدث لبق، وكلامه لطيف، رسم لي والله فيما أذكر عمل عشرين سنة قادمة، والله انتهى اللقاء، وذهبت للبيت، وكان عندي عمل بمركز المدينة مساء، قلت: أذهب مشياً إلى البيت، والله الذي لا إله إلا هو قرأت نعيه في اليوم نفسه، لذلك أيها الأخوة، بطولتك لا أن تعرف الماضي، الأغبياء يتغنون بالماضي، بطولتك لا أن تعرف الحاضر، الأقل غباء يعيشون الحاضر، لكن الأذكياء، والعقلاء، والموفقون، يعيشون المستقبل، أخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا.

 

أغبى الأغبياء من لا يدخل الله في حساباته :

 إنسان من أغنياء مصر، من كبار أغنياء مصر، وافته المنية، وأولاده سمعوا من بعض العلماء أن أصعب ليلة في القبر هي أول ليلة، لأنه ورد في بعض الآثار: "أن عبدي، رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت".
 إنسان فقير جداً يكاد يموت من الجوع، أعطوه عشر جنيهات لينام في هذه الليلة مع أبيهم في القبر، جاء الملكان فرأيا شخصين قال أحدهما للآخر: عجيب، هناك اثنان في القبر، يبدو أن الحي خاف فتحرك، فقال له: هذا حي وليس بميت، بدؤوا به فأجلسوه، من شدة فقره أحضر كيساً، يسمونه عندنا قلماً أحمر، فتحه من مكان من أجل رأسه، ومن طرفيه من أجل يديه، وربطه بحبل، لا يملك من الدنيا إلا هذا الكيس وهذا الحبل، أيقظوه، بدؤوا بالحبل من أين جئت بها؟ قال: من بستان فلان، كيف دخلت إلى البستان؟ تلعثم، انهالوا عليه ضرباً حتى كادوا يقتلونه، الآن كيف دخلت إلى البستان ؟ بعد هذا كيف أخذ الحبل، بعد هذا من أين جاء بالكيس؟ ففي صبيحة اليوم خرج من القبر وقال: أعان الله أباكم.
 هناك محاسبة دقيقة، قال تعالى:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر الآيات :92-93 ]

 تأكل من الحرام، تغش المسلمين، تعتدي على فتاة، تكسب مالاً ليس لك:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

 كل ذكائك، وعقلك، وبطولتك، أن تحسب حساباً ليوم القيامة، لو أن الله سألك لماذا طلقتها؟ لماذا فعلت كذا؟ لماذا آذيت المسلمين؟ والله أيها الأخوة لو نعلم علم اليقين ماذا ينتظرنا من حساب، يقول أحد العلماء عن قاض: لو يعلم القاضي كيف سيحاسب لخاف أن يحكم بين اثنين في تمرة، إله عظيم:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

 أنا لم أروِ بحياتي مناماً، لكن اسمحوا لي بمنام واحد، قال لي أخ له خالة يراها في المنام تشتعل ثماني سنوات، قلق عليها كثيراً، بعد ثماني سنوات رآها في حالة جيدة، قال لها ما قصتك؟ كان عندها أولاد زوج، تعطي أولاد زوجها كأس حليب نصفه ماء، و تعطي أولادها كأس حليب كاملة، هذه قليلة؟
 تأكل مالاً حراماً؟ تعتدي على أعراض الناس؟ توهم إنساناً بشيء وأنت لست بصادق؟ كل ذكائك أن تخاف من الله، كل إنسان لا يدخل الله في حساباته يعد أغبى الأغبياء.

 

الله عز وجل أراد أن تكون علاقته بعباده علاقة حب لا علاقة إكراه :

 لذلك أيها الأخوة، علة وجودنا أن نعبد الله، والعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، هي طاعة طوعية، هذا الخالق العظيم ما أراد أن تكون علاقتك به علاقة إكراه، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة الآية : 256 ]

 أرادها أن تكون علاقة حب، قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة الآية : 54 ]

 الله عز وجل عبادته طاعة طوعية، أي طاعة أرادك أن تأتيه طائعاً بمبادرة منك، برغبة منك، لا إكراه، ولا جبر، ولا قهر، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.

 

من لم يستقم على أمر الله فلن يقطف من ثمار الدين شيئاً :

 هناك جانب سلوكي أيها الأخوة الكرام إن سألت بعض التجار هذه التجارة كم نشاط فيها؟ والله ألف نشاط؛ شراء مستودعات، ومحلات، مكاتب تعيين، اختيار موظفين، و مندوبي مبيعات، تذهب إلى الصين، إلى المعرض، تأخذ وكالات، تستورد بضاعة، تخلصها، تعلن عنها، تبيعها، تحسب ثمنها، توزع أرباحها، أي هناك ألف نشاط، و يمكن أن تضغط كل هذه النشاطات بكلمة واحدة؟ يمكن التجارة هي الربح، فإن لم تربح فأنت لست تاجراً.
 سؤال كم بحث في الدين؟ كم كتاب بالعقيدة؟ بالعبادات؟ بالمعاملات؟ بأصول الفقه؟ بالفقه المقارن؟ يمكن أن يضغط هذا الدين كله بكلمة واحدة هي الاستقامة، فإن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، من دون استقامة الدين ثقافة، فلكلور، عادات، تقاليد، مشاعر إسلامية، خلفية إسلامية، اهتمامات إسلامية، قيم روحية، كما تريد سمِّها:

كل يدعي وصلاً بليلى  وليلى لا تقر لهم بذاكا
* * *

 فالإسلام دقيق جداً، الإسلام منهج.

 

الشخصية التي ينبغي أن يسير المؤمن على منهجها هي شخصية النبي :

 

 أنا أدعوكم بذكرى المولد إلى أن نعرف هذا النبي عليه الصلاة والسلام، إلى أن نعرف سنته القولية، وسيرته العملية، إلى أن نقتدي به، لأن كل إنسان له شخصية يكونها، وشخصية يتمنى أن يكونها، وشخصية يكره أن يكونها، أنت كمؤمن الشخصية التي ينبغي أن تتمنى أن تسير على منهجها هي شخصية النبي عليه الصلاة والسلام، هو قدوتنا، والدليل :

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب الآية : 21]

 الغرب متقدم جداً، متطور جداً لكنه غير متحضر، ونحن كمسلمين لسنا متطورين لكننا متحضرون بهذا الدين.

 

ثلاث قصص تبين عظمة الدين الإسلامي :

 أنا كنت في فرنسا رويت ثلاث قصص، كل قصة تمثل جالية، القصة الأولى تمثل الغرب، والثانية تمثل الجالية الإسلامية في الغرب، والثالثة المسلمون في الشرق، أما الأولى رجل من أبناء هذه المدينة أرسل ابنه إلى أمريكا ليدرس، يبدو أن هذا الابن أحبّ فتاة من هذه البلاد رائعة الجمال، أحبها حباً جماً وهي ليست مسلمة، فلما عرض على والده الزواج منها أقام عليه الدنيا، وهدده أن يتبرأ منه، وأن يحرمه من كل شيء، بعد شهر أرسل الابن رسالة إلى والده، يا أبتِ لو أنها أسلمت هل توافق؟ قال له : أوافق، فاختل توازن الشاب من الفرح، ما الذي فعله؟ اشترى عشرة كتب باللغة الإنكليزية عن الإسلام، هي ذكية جداً، طلبت إجازة أربعة أشهر حتى تقرأ الكتب قراءة دقيقة، بعيدة عن ضغوط هذا الشاب، ومضت عليه هذه الأشهر الأربع كأربع سنوات، فلما انقضت اتصل بها، فسمع الخبر الذي اختل له توازنه، قالت له: لقد أسلمت ولكن لن أتزوجك لأنك بحسب ما قرأت لست مسلماً. عندنا إطار إسلامي، عندنا احتفالات، عندنا مؤلفات، عندنا إلقاء كلمات، والإسلام ليس كذلك، هذا المسلم في الغرب.
 أما الغرب؛ شاب أحب فتاة هناك فاستأذن والده من الزواج منها، قال له: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، كان أبوه زير نساء، فلما أحبّ ثانية قال: يا أبي هذه فتاة أحببتها، قال له: أيضاً هذه أختك وأمك لا تدري، الثالثة كذلك، فضجر من أبيه، وشكا إلى أمه، قالت له: خذ أياً شئت أنت لست ابنه وهو لا يدري.
 الآن الشرق، جاءتني رسالة بالبريد الإلكتروني ـ الإيميل ـ يقول: إمام سكن في لندن، ثم نُقل إلى ظاهر لندن، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، فمرة صعد المركبة، وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، ردّ له السائق التتمة، عَدّها، فإذا هي تزيد عشرين بنساً على ما يستحق، طبعاً لأنه مسلم وإمام جامع، فقال هذا الإمام في نفسه: سأردّ هذه الزيادة للسائق، لكن بعد أن جلس جاءه خاطر شيطاني، قال: إنها شركة عملاقة، ودخلها فلكي، والمبلغ يسير جداً، وأنا في أمسّ الحاجة إليه، فلا يوجد عليّ شيء إن أخذتها، لكن الذي حصل أنه قبل أن ينزل دون أن يشعر مدّ يده إلى جيبه، وأعطى السائق العشرين بنساً، فابتسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد؟ قال: بلى، قال: والله حدثت نفسي قبل يومين أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، وقع هذا الإمام مغشياً عليه، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو لم يدفع للسائق هذا المبلغ، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً.

عظمة هذا الدين أنه دين جماعي إن طبقته الأمة انتصرت :

 أيها الأخوة الكرام، كم مسلم يبيع دينه، يغش المسلمين، الإسلام عظيم، الإسلام كالشمس، لكن المسلمين نائمون في ضوء الشمس، والكفر كالظلام، لكن أهل الغرب يعملون ليلاً نهاراً، لذلك الذي يعمل في الليل يغلب الذي ينام في ضوء الشمس، هناك دراسات دقيقة جداً أن المواطن في الدول العربية يعمل من سبع عشرة دقيقة إلى سبع وعشرين دقيقة في اليوم فقط، في الغرب يعمل ثماني ساعات، لا تصدق أمة يعمل أفرادها سبعاً وعشرين دقيقة في اليوم تغلب أمة يعمل أفرادها ثماني ساعات، الطريق مضيء أمامنا، لكن أقول لكم هذه الكلمة، عظمة هذا الدين أنه دين جماعي، إن طبقته الأمة انتصرت.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور