وضع داكن
25-04-2024
Logo
فاسألوا أهل الذكر - الندوة : 28 - أهمية الإنفاق.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الأخوة الكرام؛ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: " اسألوا أهل الذكر ".
 أيها الأخوة الكرام؛ لقد جعل الله سبحانه وتعالى الإنفاق من صفات الأبرار، والذين قال فيهم في محكم تنزيله:

﴿ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾

[سورة آل عمران: 16-17]

(( عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية، ترزقوا وتنصروا وتجبروا))

[أبو يعلى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه]

 الرسول عليه الصلاة والسلام يبين لنا أن الإنفاق لله يجلب سعة الرزق، ويقضي الحاجات، ويكون سبباً في الفوز، والنجاح، و نيل المأمول، وعن أهمية الإنفاق يحدثنا اليوم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، في كليات الشريعة وأصول الدين، المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق، إمام وخطيب جامع النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المذيع:
 أستاذي الكريم نسمع من حضرتكم عن أهمية الإنفاق في سبيل الله، وأثر ذلك في الفرد والمجتمع؟

أهمية الإنفاق في سبيل الله وأثره في الفرد والمجتمع :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أستاذ زهير جزاك الله خيراً المؤمن من أبرز صفاته أنه ينفق، ذلك بأنه بعد أن آمن بالله عز وجل، آمن به واحداً وكاملاً، بعد أن آمن بأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، بعد أن عرف أن الله عز وجل ذات كاملة، واجب الوجود، لم يبق بعد هذا الإيمان إلا أن يستقيم على أمره أولاً، ويتقرب إليه ثانياً، بمطلق الإنفاق، قال تعالى:

﴿ الم*ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 1-3]

 الحقيقة أن الرزق كلمة واسعة المعنى، لكننا ألفنا أنه كلما ذكرت كلمة الرزق نتوهم أنه مال، لكن العلم رزق، فالذي آتاه الله علماً ينفق من علمه آناء الليل وأطراف النهار، والذي آتاه الله جاهاً ينفق من جاهه آناء الليل وأطراف النهار، والذي آتاه الله خبرة ينفق من هذه الخبرة، والذي آتاه الله وقتاً ينفق من هذا الوقت، والذي آتاه الله مالاً ينفق من هذا المال، إلا أن الذي يقفز إلى الذهن حينما نذكر كلمة إنفاق هو إنفاق المال، لأنه أوضح صوره، الإنسان يحرص على شيئين أستاذ زهير، على حياته وعلى رزقه، وحينما يوقن أن الله سبحانه وتعالى أبعد البشر عن التحكم في حياته ورزقه يكون إنساناً آخر، فكلمة الحق لا تقرب أجلاً ولا تقطع رزقاً، الإنسان حينما يؤمن أن الله وحده بيده كل شيء، وأن أمر العبد كله راجعٌ إليه، وأنه في السماء إله، وفي الأرض إله، وأنه ما يفتح الله من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، حينما يوحد الإنسان تنحل معظم مشكلاته، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء: 213]

 هذا هو الإيمان الحقيقي، أن تؤمن أن الله خالق السموات والأرض، ولكن ليس على وجه الأرض إلا قلة قليلة مكابرة تعتقد أن لا إله، لكن أهل الأرض جميعاً يؤمنون بالله، ولكن هذا الإيمان لا يجدي، إبليس آمن بالله عز وجل، آمن به رباً وعزيزاً، وآمن به خالقاً، قال: ربي فبعزتك خلقتني. وآمن باليوم الآخر، ولأنه لم يكن في سلوكه في مستوى إيمانه فهذا الإيمان لا يقدم ولا يؤخر، الإيمان الذي أراده الله عز وجل قال:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

 لا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، إذاً أنا حينما أؤمن أن الله بيده كل شيء، وأنه أخبرني أنك إذا أنفق مالاً فالله يعلمه، وأنك إذا أنفقت مالاً فالله يخلف عليك هذا الذي أنفقته، أنفق بلالاً ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً، عبدي أنفق أُنفق عليك، ففي الإنفاق نقطتان، أنا حينما أشعر أن هذا الإنفاق وقع في يد الله قبل أن يقع في يد الفقير، نحن أستاذ زهير بشكل أو بآخر إذا قدمنا هدية نحرص على أن يعرف من أهديت إليه أنها من زيد أو عبيد، طبع بطاقة، و قد نأخذ احتياطاً أكبر بأن نضع البطاقة في داخل الهدية، هذه من فلان، فالله عز وجل طمأننا أن أي شيء تنفقه فهو في علم الله عز وجل:

﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ﴾

[سورة البقرة: 270]

 طمأننا أن شيء ينفقه يأتيك مقابله أضعافاً مضاعفة:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ ﴾

[ سورة البقرة: 261 ]

 بعد أن نؤمن بالله الإيمان الذي يحملنا على طاعته، وبعد أن نطيع الله عز وجل، لم يبق في الحياة شيء أثمن ولا أفضل من التقرب إليه بالأعمال الصالحة، وإنفاق المال من أكبر الأعمال الصالحة.
المذيع:
 بارك الله بكم أستاذ، اسمح لي أن أتلقى أول اتصال.
السائل:
 إن أجلت صلاة التراويح لما بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً فهل تحسب تراويح أم قيام ليل؟
 سؤال آخر: إذا اعتدى شخص على امرأة ثم بعد ذلك من أجل أن تستر نفسها كتبت عقد زواج، فهل يعتبر هذا الزواج باطلاً من الأساس؟
 سؤال ثالث: أنا أعمل في مشغل وفي رمضان لا يسمح لنا رب العمل إلا أن نستريح بأوقات الصلاة، لكن نحن دون أن يعلم هو نستريح لمدة عشر دقائق أو ربع ساعة فهل هذه مخالفة للأمانة أمانة العمل؟
 سؤال رابع: أختي مخطوبة منذ عام كامل وخطيبها لم يرها منذ سبعة أشهر رغم كونه مقيماً في نفس البلد، وهي قد عقد قرانها، وهو يقول إنه يريدها، فما حكم هذا الأمر شرعاً أي زوج تجاه زوجته؟
المذيع:
 هل هناك إضافات أخرى أستاذ بموضوع الإنفاق لكن عندي سؤال: هل بالإنفاق وحده يتحقق التكافل الاجتماعي بين المسلمين؟

كيفية تحقيق التكافل الاجتماعي :

الدكتور راتب:
 الحقيقة أن التكافل الاجتماعي يتحقق بأداء الزكاة، ودفع الصدقات، الصدقات تطوعية، أما الزكاة فهي فرض، لذلك حينما قال الله عز وجل:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 الزكاة تؤخذ ولا تعطى، لأن مصالح الأمة متعلقة بها، الله عز وجل لا يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام على أنه نبي الأمة، يخاطب النبي على أنه ولي أمر المسلمين:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 ومن تفيد التبعيض، أي خذ بعض أموالهم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام يخاطب أحد أصحابه ويقول:

((... فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ....))

[صحيح البخاري عن ابن عباس]

 بعض أموالهم، من، أموالهم جاءت جمعاً، كي يفهم منها أن كل الأموال تجب فيها الزكاة، فكل ما أنتجته الأرض حتى العسل، حتى الركاز، حتى المعادن، حتى الثروات الباطنية، وكل أنواع البضائع، عروض التجارة، وكل أنواع النقد، نقد ورقي أو ذهب أو فضة، وكل الأنعام، أيضاً تجب فيها الزكاة، والنبي عليه الصلاة والسلام فصَّل في هذا كثيراً، فبين كل أنواع الزكاة، وأنصبة الزكاة، ولكن الشيء الدقيق جداً أن هذه الأموال التي تجب فيها الزكاة إذا أديت زكاتها لا تعد كنزاً، أكبر مال إذا أديت زكاته لا يعد كنزاً، وأقل مال ضمن النصاب إن لم تؤد زكاته عدّ كنزاً:

﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾

[سورة التوبة: 34-35]

المذيع:
 بارك الله فيكم أستاذنا، معنا اتصال آخر.
السائل:
 السلام عليكم، نريد أن نعرف ما حكم إدانة العمليات الاستشهادية في فلسطين؟ ما حكمها شرعاً؟
 سؤال آخر: سيدنا لوط نبي من أنبياء الله الصالحين، ارتبط اسمه أحياناً بكلمة اللواط حتى الأحكام الشرعية والفقهية، حتى أنني أعرف رجلاً اسمه لوط كره اسمه كثيراً، فما السبب أن اسمه قد ارتبط بهذه العملية المشينة؟ وشكراً.

الصدقة تؤكد صدق الإنسان :

الدكتور راتب:
 نتابع موضوع الزكاة، إذاً خذ من جميع أموالهم، وجاء الضمير جمعاً هم، أي أن الزكاة مفروضة على كل المسلمين الذين يملكون النصاب، ولا يعفى منها أحد، الآن جاءت كلمة صدقة بدل الزكاة في الآية لحكمة رآها علماء التفسير أن الصدقة تؤكد صدق الإنسان، هناك عبادات يؤديها الإنسان لا تكلفه شيئاً، يحرص الناس عليها، لكن الزكاة إنفاق من شيء محبب إلى النفس.

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة آل عمران: 14 ]

 فالمال محبب إلى الإنسان، لذلك حينما ينفقه يرقى، لأن طبع الإنسان بني على حب المال، وأخذ المال، والتكليف يأمره أن ينفقه، من هذا التناقض بين الطبع والتكليف يرقى الإنسان.

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

[ سورة النازعات :40-41]

 إذاً خذ من أموالهم صدقة تؤكد صدقهم، أنت حينما تنفق من شيء محبب إليك.

﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾

[ سورة البقرة: 177 ]

 فهو يحبه، لولا أننا نحب المال لما ارتقينا بالإنفاق، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول

(( لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ؛ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ))

[البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا]

 كأن النبي عليه الصلاة والسلام رفع هذا المنفق إلى مستوى العلم، إما أن تنفق من علمك، وإما أن تنفق من مالك، وفي بداية هذا اللقاء الطيب بينت أن الإنفاق واسع جداً، قد يشمل الجهد، وقد يشمل العلم، والخبرة، والوقت، وكل شيء خصك الله به يعد حظاً من حظوظ الإنسان، عليك أن تنفق منه، لكن أوجه أنواع الإنفاق هو إنفاق المال.

الزكاة تطهر النفس و تزكيها :

 الآن:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 من أروع ما في هذه الآية أن هذه الزكاة التي تؤكد صدق الإنسان تطهر الإنسان، تطهر من؟ تطهر الغني من الشح:

﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[سورة الحشر: 9]

 تطهر الفقير من الحقد، تطهر المال من تعلق حق الغير به، فالحجر المغصوب في بناء رهن بخرابه، المال الذي ينبغي أن ينفق للفقراء والمساكين إذا لم ينفق فهو علامة إتلاف المال كله، لذلك قال عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه: " ما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة ". وحصنوا أموالكم بالزكاة.
 والزكاة أحياناً تتوسع بمعنى آخر، هذا الذي خصك الله به إذا أنفقت منه هذا ضمان استمراره، ونمائه، وزيادته، لذلك كما أنك تنفق من مالك جزءاً كي تحفظ مالك من التلف يمكن أن تنفق من وقتك جزءاً كي تحفظ وقتك من الضياع، مفهوم الزكاة واسع جداً، فهذا معنى كلمة تطهرهم.
 أما وتزكيهم فالغني حينما يؤدي زكاة ماله يشعر أنه عمل عملاً عظيماً، يرى وجوه من حوله ممن أعطاهم زكاة ماله تألقت، ودعت له بالخير، ومحضته الود والشكران، لذلك تنمو نفسه، أحياناً الإنسان يعمل عملاً طيباً يلهج الناس بشكره فيشعر بقيمته، يشعر أنه فعل شيئاً ثميناً، أنت حينما تنفق من مالك للفقراء والمحرومين تعيش في قلوبهم جميعاً، لست واحداً أصبحت جمعاً، هذا طبعاً من باب التقريب، لكن:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾

[ سورة النحل: 120 ]

 الغني حينما ينفق يدخل محبته لهؤلاء الذين حوله.
المذيع:
 غنى الأغنياء بدعاء الفقراء، وسوء أحوال الفقراء من سوء تصرف الأغنياء.
الدكتور راتب:
 ورد بالأثر الفقهي أن: الأغنياء أوصيائي، والفقراء عيالي، فمن حرم مالي عيالي أذقته عذابي ولا أبالي.
 ويقول الإمام علي رضي الله عنه: " قوام الدين والدنيا أربعة رجال؛ عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره ".
 إذاً يطهرهم واضحة، الغني من الشح، والفقير من الحقد، والمال من تعلق حق الغير به، وتزكيهم، تنمو نفس الغني حينما يرى كل من حوله يلهجون بالشكر، ويحبونه، ويصبحون حراساً لماله، دون أن يشعر، بينما لو بخل.. من حوله حاقدون عليه، يخشى منهم خشية شديدة.
 الآن الفقير حينما تعطيه زكاة مالك يأكل ويشرب ويكسو أولاده من الحلل، يشعر أنه مهم في الحياة، أن مجتمعه لم يغفل حاجاته، لم ينسه، لم يهمله، المجتمع يحرص على سلامته، وعلى سعادته، يشعر بقيمته، أيضاً الفقير تنمو نفسه أيضاً، أنا حينما أرى أن المجتمع يحرص على سلامتي وسعادتي يقدم لي المال الوفير كي آكل، وأشرب، وأطعم أولادي، وأدخل على قلبهم الفرحة تنمو نفسي، والشيء الدقيق جداً أن المال الذي أديت زكاته ينمو، لكن ينمو بالقوانين الاقتصادية، هذا الفقير حينما تعطيه زكاة مالك تضع في يده قوة شرائية.

أسئلة عدة من المستمعين :

المذيع:
 نتابع الحديث أستاذي لكن اسمح لي أن أتلقى اتصالاً.
السائل:
 السلام عليكم، أعرف فقيرة محتاجة، جمع لها مجموعة من الناس بعض المال، وهو مبلغ جيد حوالي أربعمئة ألف، هي الآن تملك هذا المبلغ وتريد أن تشتري بيتاً، في هذه الحالة هل تجوز عليها الصدقة أم لا؟
 السؤال الثاني: عندما أقف في الصلاة يوجد عندي طفلان، في كثير من الأحيان يقفون أمامي أو يقعدون في حضني، وأنا أعرف أنه يجوز لي أن أحملهم، فما حكم الصلاة في حال هم يحملون النجاسة؟
 السؤال الثالث: في العمل كثير من الأحيان نتعرض لدعوة لأناس هم على غير الملة، فكيف نستطيع أن نقنع هؤلاء بالصيام؟ كأن تعرضت مرة لسؤال طرح عليّ عن تعذيب النساء الذي حدث في سجن أبو غريب في العراق أنه ليس غريباً على أن حتى المسلمين كانوا يعتدون على النساء عندما كانوا يفتحون البلدان، فكنت أقول لهم إن هؤلاء هم السبايا، فبغض النظر عن التسمية هذا يعتبر برأيهم أنه اعتداء، أريد أن أعرف طريقة تقنعهم بأن هذا غير الحرام الذي يعنوه هم، وشكراً.
السائل:
 السلام عليكم، نحن الشعب الفلسطيني ليس لنا إلا الله والإسلام، نحن لا نفرق بين المسلم والمسيحي واليهودي، أريد أن أسألك سؤالاً في سورة البقرة: يقول الحق:

﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾

[ سورة البقرة: 285 ]

 الآن عندما نفرق بين التوراة وبين الإنجيل كأن الذي يسب على صاحب التوراة أو صاحب الإنجيل أو صاحب التوراة والإنجيل يسب المسلم أليست هذه تفرقة عنصرية؟
 مداخلة ثانية: عندنا سورة ثانية من سورة آل عمران:

﴿الم*اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ*نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ*مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

[ سورة آل عمران1-4]

 هذا يعني أن التوراة والإنجيل كتب حق، أنزلت قبل سيدنا محمد رسول الله، وأطلع الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد عليها، نأتي لسورة الفتح:

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا* مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾

[ سورة الفتح : 28-29]

 الفكرة هي أن هناك أناساً من أهل التوراة والإنجيل مؤمنين مع سيدنا محمد، وأن سيدنا محمداً دينه دين الحق، والتوراة دين حق، والإنجيل دين حق، فلماذا لا يعقد مؤتمر إسلامي مسيحي يهودي لننتهي من قضية الدين؟ لأن قضية الدين تستعمل في السياسة وفي التجارة والحروب.. أتمنى أن تجيبني على التفرقة بين الأبرياء، وهل يحق لنا كإسلام أن نقول إن محمداً أشرف الأنبياء أم لا؟ وشكراً.

المال يزكو بأداء الزكاة :

الدكتور راتب:
 بقي فكرة واحدة حول الزكاة:

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 الآن المال يزكو بأداء الزكاة، كيف؟ إما بالقواعد الاقتصادية أن هذا الفقير حينما تضع في يده قوة شرائية سيشتري من الغني، ويزداد ربح الغني، إذاً المال نما بالقوانين الطبيعية، ولكن المال ينمو أيضاً بعناية الله، فالإنسان حينما يؤدي زكاة ماله يلهمه الله أسباب الربح ونماء المال، هذا الذي أريد أن أقوله في أداء الزكاة في رمضان.
المذيع:
 بارك الله فيك أستاذ، معنا اتصال.
السائل:
 السلام عليكم، بارك الله بكم، وجزاكم عنا كل خير، إذا طلب إنسان ماء ليشرب في رمضان وهو عابر سبيل فهل على الإنسان إثم أن أشربه أم لا وهذا أثناء الصيام؟

النهي عن تأخير صلاة العشاء إلى ما بعد منتصف الليل :

الدكتور راتب:
 الحقيقة أن صلاة العشاء من الممكن أن تؤخر، لكن لا يجوز أن تؤخر إلى ما بعد منتصف الليل، والتراويح تأتي بعد العشاء، وهي سنة مؤكدة، فإذا صليت العشاء في وقته وأخَّرت التراويح بعد منتصف الليل انقلبت إلى تهجد.
المذيع:
 إذا اعتدى شخص على امرأة ثم بعد ذلك من أجل أن تستر نفسها كتبت عقد زواج، فهل يعتبر هذا الزواج باطلاً من الأساس؟

عقد الزواج جده جد وهزله جد :

الدكتور راتب:
 العقد صحيح، بالزواج لا يوجد شيء صوري، عقد الزواج جده جد، وهزله جد، وصوريته جد، والحقيقة حينما يعتدي إنسان على فتاة الحل الأمثل الذي لعل الله يكفر عن هذا الشاب ذنبه الكبير أن يتزوجها، فالعقد صحيح.
السائل:
 السلام عليكم، أنا مقترض لمبلغ من المال حوالي ستين ألف ليرة، فهل يجب عليهم زكاة؟ ولو استغرق عليهم وقت طويل؟
 سؤال آخر: استخراج زكاة الفطر هو من قوت البلد، فهل يصح استخراجه رزاً أو سمناً للفقير ومعلوم أنه صاع من تمر أو شعير أو قمح؟ وشكراً.
المذيع:
 أنا أعمل في مشغل وفي رمضان لا يسمح لنا رب العمل إلا أن نستريح بأوقات الصلاة، لكن نحن دون أن يعلم هو نستريح لمدة عشر دقائق أو ربع ساعة فهل هذه مخالفة للأمانة أمانة العمل؟

الصلاة هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال :

الدكتور راتب:
 الحقيقة أن الصلاة فرض، لا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن يمنع إنساناً أن يصلي، لأن الصلاة هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، فأي إنسان تعمل عنده ينبغي أن تصلي، أعجبه ذلك أم لم يعجبه، إلا أن الذي يغيظ أصحاب الأعمال أن يذهب هذا العامل ليصلي فيغيب ساعة ونصف، هذا التصرف السيئ هو الذي يكره أصحاب الأعمال بالصلاة، لو أن المصلي لطيف عنده ذوق عالٍ جداً صلى الحد الأدنى، أما أنه بحجة الصلاة نغيب ساعة ونصف أو ساعتين فهذا الشيء مرفوض، ورحم الهب عبداً جبّ المغيبة عن نفسه.
المذيع:
 أختي مخطوبة منذ عام كامل وخطيبها لم يرها منذ سبعة أشهر رغم كونه مقيماً في نفس البلد، وهي قد عقد قرانها، وهو يقول أنه يريدها، فما حكم هذا الأمر شرعاً أي الزوج تجاه زوجته؟

انقطاع الخطيب عن مخطوبته مدة طويلة مشكلة يجب معالجتها :

الدكتور راتب:
 العلاقة بين الخطيب والمخطوبة تبلغ الأوج لو قيست بعد الدخول، فحينما ينقطع عنها سبعة أشهر معنى ذلك أن هناك مشكلة، مشكلة كبيرة، وينبغي أن تعالج، خطيب في طور الخطبة وفي أعلى درجة من الشوق والمحبة والود، أحياناً الإنسان يتكلم مع خطيبته ساعات طويلة في الهاتف، ولا اتصال لابد من وجود مشكلة، يجب أن تعالج المشكلة، أما إن كان هناك عقد شرعي فغيابه سبعة أشهر لا يخل بالعقد، إلا أنه إذا غاب إلى أمد غير محدود ولم تعرف له موطناً ينتظره القاضي سنة ثم يطلقها، أي غياب لا نعلم عنه شيئاً، وخارج نطاق البلد. أما ضمن المنطقة فلابد من وجود مشكلة.
المذيع:
 السؤال: نريد أن نعرف ما حكم إدانة العمليات الاستشهادية في فلسطين؟ ما حكمها شرعاً؟

تعظيم شعائر الله و تنزيه الأنبياء :

المذيع:
 سيدنا لوط نبي من أنبياء الله الصالحين، ارتبط اسمه أحياناً بكلمة اللواط حتى الأحكام الشرعية والفقهية، حتى أنني أعرف رجلاً اسمه لوط كره اسمه كثيراً !! فما السبب أن اسمه قد ارتبط بهذه العملية المشينة؟

الدكتور راتب:
 هذا لا يقدم ولا يؤخر، سيدنا لوط ورد اسمه في القرآن، ونحن نسميه شذوذاً؟! أنا أبتعد كثيراً جداً في كل دروسي عن أن أسمي الشاذ لوطياً، أسميه شاذاً، هذه الكلمة ألطف، هذه القضية من سوء أدبنا مع هذا النبي الكريم، لم نعظم شعائر الله، أنبياء الله قمم البشر، ينبغي أن ننزههم، وإن كان فقيهاً قال اللواط فأيضاً هذا خطأ، ممكن أن نستخدم مصطلحاً آخر نبعد فيه اسم هذا النبي الكريم عن هذا العمل القبيح.
المذيع:
 أعرف فقيرة محتاجة، جمع لها مجموعة من الناس بعض المال، وهو مبلغ جيد حوالي أربعمئة ألف، هي الآن تملك هذا المبلغ وتريد أن تشتري بيتاً، في هذه الحالة هل تجوز عليها الصدقة أم لا؟

الزكاة على المال بعد حلول الحول :

الدكتور راتب:
 الذي أعطي هذا المبلغ وتملكه ومضى عليه حول ولم يشتر البيت، تجب فيه الزكاة، أما إذا أعطي هذا المبلغ وجد بيتاً، واشتراه، وعقد عقداً فصار مديناً، فالمبلغ قد يكون مليوناً، دفع الأربعمئة، فمادام المبلغ قد دفع خلال سنة من تملكه لا تجب عليه الزكاة، ومادام دفع وعليه عقد بيت محدد، سعر محدد، مبلغ محدد، فأي دين كبير يستهلك المبالغ الصغيرة في حساب الزكاة، إذاً لا تجب عليه الزكاة فيما لو دفع هذا المبلغ قبل حلول الحول.
المذيع:
 عندما أقف في الصلاة يوجد عندي طفلان، في كثير من الأحيان يقفون أمامي أو يقعدون في حضني، وأنا أعرف أنه يجوز لي أن أحملهم، فما حكم الصلاة في حال هم يحملون النجاسة؟

حكم الصلاة في حال من يحمل طفلاً وهو نجس من الداخل :

الدكتور راتب:
 والله إن كان الطفل ليس طاهراً من الداخل، لكن من الخارج طاهر جاف، فهذا في حكم الطاهر، القضية داخلية، والفقهاء أجازوا أن يحمل الإنسان بوله أحياناً، أحياناً إنسان طرق الجهاز الهضمي غير سالكة عنده، فيوضع كيس إلى جانبه، وقد أجاز العلماء قديماً أن يحمل الإنسان بوله ما لم يكن به إيذاء لأحد، فإذا كان الطفل جافاً من الخارج فلا مشكلة أبداً، في حكم أنه طاهر.
المذيع:
 كيف يمكن أن نقنع الآخرين من طائفة أخرى بالصيام؟

مخاطبة عامة الناس بأصول الدين و المؤمنين بفروع الدين :

الدكتور راتب:
 يوجد خطأ كبير جداً في هذا الموضوع، هذه عبادات، تبنى على إيمان بالله عز وجل، فإذا كان أصل الدين مهزوزاً عند إنسان لا جدوى إطلاقاً أن نخاطبه بالعبادات الشعائرية، لأن الله عز وجل خاطب عامة الناس بأصول الدين، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ﴾

[ سورة البقرة : 21]

 ويخاطب المؤمنين بفروع الدين، فأنا حينما أرى إنساناً آمن بالله، وعقد مع الله عقداً إيمانياً، آمن به موجوداً، وواحداً، وكاملاً، وخالقاً، ومسيِّراً، آمن بأسمائه الحسنى، آمن بعلمه وقدرته، أقول له:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾

[ سورة البقرة : 183]

 أما من المستحيل أن يكون أصل الدين عند إنسان مهزوزاً و أنا أقنعه بوجود الله أولاً، أقنعه أن هذه الدنيا دار ابتلاء، أقنعه بأن هذا الإنسان هو المخلوق الأول، خطأ كبير أن أناقش أناساً أصل الدين مهزوز عندهم، أن أخاطبهم بفروع الدين، أقول له: هناك جن. فيقول لي: أين الدليل؟ لا يوجد دليل. إلا أن الله أخبرنا بذلك، لذلك يوجد في الدين أشياء محسوسة، أداة اليقين بها الحواس الخمس، ويوجد أشياء معقولة، أداة اليقين بها العقل، ويوجد أشياء إخبارية، أنا أنبه الأخوة الكرام إلى أن كل قضية إخبارية في الدين تسمى عند العلماء السمعي الإخباري النقلي، هذا ممنوع أن تخاطب به إنساناً لم ينضج إيمانه لأنه سيكذب، وأنت سوف تستفزه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((.. وَقَالَ عَلِيٌّ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...))

[صحيح البخاري]

 فليس هناك من جدوى أن نقنع إنساناً أن يدع الطعام والشراب لجهة لا يعرفها هو، أما أنا حين أعرف الله فأقدم روحي من أجله، هذا هو الخطأ.
المذيع:
 المستمع الذي طرح الآيات يقول: هناك من آمن من أهل التوراة والإنجيل بالقرآن وبسيدنا محمد لماذا لا يعقد مؤتمر يقرب بين أهل الرسالات؟

التعايش بين الأديان أقره القرآن ودعا إليه :

الدكتور راتب:
 أولاً التعايش بين الأديان أقره القرآن ودعا إليه:

﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 7 ]

 فرق كبير بين التعايش بين الأديان وبين الوفاق بين الأديان.
المذيع:
 كلمة أديان هي جمع لكلمة دين.
الدكتور راتب:
 هو الدين واحد، لكن الله عز وجل ماذا قال؟ قال تعالى:

﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾

[سورة الكافرون: 6]

 القرآن ورد فيه هذا، فمعناها الشيء الذي يدين به الإنسان هو الدين، فالكافر له دين، يدين للمال، يدين للأقوياء، يدين للشهوات:

﴿ ِ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾

[سورة الفرقان: 43]

 فلذلك نحن حينما نفهم حقيقة الدين:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ ﴾

[سورة البقرة: 62]

 ماذا بقي؟ مسلم، مسيحي، يهودي، لا ديني، سوف تفاجأ أستاذ زهير أنهم عند الله سواء، كيف؟ الانتماء التاريخي لا قيمة له عند الله إطلاقاً، فهذا الدين الذي يأتيك من والديك فقط لا قيمة له عند الله، لأن الله قال:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

 لا يمكن أن تكون العقيدة تقليداً، ولو قبل الله من الناس عقيدةً تقليداً لكانت كل الفرق الضالة ناجية عند الله، لأنهم سمعوا من قال لهم كذا فقالوا مثلهم، لكن الله يقول:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

 فلذلك الدين في حقيقته:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ ﴾

[سورة البقرة: 62]

 هؤلاء سيان وسواء عند الله، لأن انتماءهم تاريخي، بحكم أنهم ولدوا من أبوين مسلمين فهم مسلمون، لكن من آمن بالله من هؤلاء الإيمان الذي يحمله على طاعته، واليوم الآخر الإيمان الذي يمنعه من أن يؤذي مخلوقاً، وعمل صالحاً، بنى حياته على العطاء:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة البقرة: 62]

 هذه هي حقيقة الدين، أنبياء الله جميعاً دعوا إلى الله، دعوا إلى توحيد الله، وإلى عبادته:

﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾

[سورة الأعراف: 59]

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25 ]

 أية رسالة من السماء إلى الأرض فحواها بكلمتين:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25 ]

 فلذلك الأديان كما قلت قبل قليل أن الدين واحد، والقرآن أثبت أنه لكم دينكم ولي دين، لكن الأديان التي نحن تصورناها أدياناً هي عند الله دين واحد:

﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾

[سورة آل عمران:19 ]

 بمعنى أن تستسلم لله عز وجل، ولكن الله تولى حفظ القرآن الكريم بأمر تكويني، ولم يحفظ الكتب السابقة بأمر تكويني، حفظها بأمر تكليفي، بما استحفظوا من كتاب الله.
المذيع:
 وأشار أيضاً في سياقات كثيرة إلى ذلك وأشار إلى تحريفه؟

توافق القرآن مع التوراة و الإنجيل :

الدكتور راتب:
 القرآن يتوافق تماماً مع التوراة التي أنزلت على سيدنا موسى، والقرآن يتوافق تماماً مع الإنجيل الذي أنزل على سيدنا عيسى، إلا أن الكتب بوضعها الراهن طرأ عليها تبديل وتعديل، هنا المشكلة، لكن الشيء الدقيق أن أنبياء الله عز وجل في دعوتهم إلى التوحيد والعبادة هم عند الله سواء، لا نفرق بين أحد من رسله، ولكن آية ثانية تقول:

﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

[ سورة البقرة: 253]

 هذه القضية متعلقة بالله عز وجل، ما شأن ممرض في مستشفى أن يوازن بين جراحي القلب؟ هذا ليس من شأننا، لكن الله أخبرنا أن الأنبياء متفاوتون في مكانهم عند الله عز وجل، ليس من شأني أن أوازن أو أن أميز.
المذيع:
 القرآن الكريم دعا إلى الحوار والتفاهم بين الآخرين. قال تعالى:

﴿ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾

[سورة آل عمران: 64]

 ما هي هذه الكلمة؟
الدكتور راتب:
 لذلك التعايش مفروض علينا، ولابد منه، بدليل قوله تعالى:

﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 7 ]

﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾

[ سورة الممتحنة: 8]

 الأخ الكريم معه الحق، هنا الدين يُستغل للحروب، ونهب الثروات، والإيقاع بالخصوم، ويورث الأحقاد حينما يكون شكلياً وخارجياً وتعصبياً، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يلهم البشرية إلى سواء السبيل.
المذيع:
 إذا طلب إنسان مــاء ليشرب في رمضان وهو عابر سبيل فهل على الإنسان إثم إن أعطاه ليشرب أم لا وهذا أثناء الصيام؟

حكم إفطار عابر السبيل :

الدكتور راتب:
 إذا تأكد أنه عابر سبيل فهو مسافر، والمسافر يجوز له أن يفطر، فقضية تأكد.
المذيع:
 كلمة عابر سبيل تطلق على أي إنسان مار بالطريق.
الدكتور راتب:
 ليس من الحكمة أن أعطيه بتسرع من دون أن أتأكد من أنه يحق له أن يفطر، هذا أفضل.
المذيع:
 مقترض لمبلغ من المال حوالي ستين ألف ليرة، فهل يجب عليهم زكاة ولو استغرق عليهم وقت طويل؟

وجوب الزكاة على صاحب المال :

الدكتور راتب:
 الحقيقة أن الرأي الأشهر أن الزكاة على صاحب المال الذي أقرضه، يوجد رأي هناك من لا يقبله أن الزكاة تجب على الشخصين، على صاحب المال وعلى من اقترض المال، وأنا أرى أن الزكاة تجب على صاحب المال فقط.
المذيع:
 استخراج زكاة الفطر هو من قوت البلد، فهل يصح استخراجه بأن يكون رزاً أو سمناً للفقير؟ ومعلوم أنه صاع من تمر أو شعير أو قمح؟

الزكاة في العلة لا في العين :

الدكتور راتب:
 العلماء قالوا في علتها لا في عينها، المحصول الأساسي كان في وقتها الشعير والتمر، الآن لدينا محاصيل أساسية كثيرة جداً، فحينما أضيق معنى النص.. العلماء قالوا: تجب الزكاة في محاصيل زراعية تشبه المحاصيل التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، وعبروا عن هذه الفكرة أنها تجب في علتها لا في عينها، فإن كان في بلاد الرز محصول أول نقول ليس هناك زكاة على الرز، تجب في علتها لا في عينها.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 نشكر فضيلة الدكتور الشيخ الأستاذ محمد راتب النابلسي.

إخفاء الصور