وضع داكن
16-04-2024
Logo
الخطبة : 0048 - المنهج الإلهي لتطبيق الإيمان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد لله نحمده ، و نستعين به و نسترشده و نعوذ به من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لك ، إقراراً بربوبيته و إرغاماً لمن جحد به و كفر ، و أشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلي وسلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و أصحابه و ذريته و من تبعه ذي إحسان إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

واقع المسلمين .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ يتفق المسلمون اليوم في شتى بقاع الأرض على أنهم مستضعفون ، على الرغم من كثرة عددهم ، لأن القوة بيد عدوهم ، ويعزون هذا إلى تقصيرهم في تطبيق تعاليم دينهم ، وهم يعجبون من ألوان الفسق والفجور التي يمارسها من ينتمون إلى الإسلام بحكم هويتهم ، فأنت لا تجد واحداً من المسلمين إلا ويحدثك عن وضع المسلمين المؤلم وواقعهم المتخلف ، وعقليتهم المتأخرة ، وعن فساد ذات بينهم ، وإلى ما هنالك من صور قاتمة لأحوالهم ، لا يزداد المؤمن عند ذكرها إلا هماً وغماً....
 أيها الاخوة ؛ لقد أشبع هذا الموضوع بحثاً ودراسة ، وأصبح ذكره من باب الحديث المعاد ، لذلك :
 يجب أن نترك الحديث عن السلبيات ونفصل في الإيجابيات .
 يجب أن نترك معاينة الواقع المر إلى البحث عن أبواب النجاة .
 يجب أن ندع ما هو كائن ونتجه إلى ما يجب أن يكون .
 يجب أن نقلع عن التأمل في الخطيئة بل نعكف على سبيل الخلاص منها .
 يجب أن لا نكتفي بتصور أحوال الإقبال والقرب بل يجب أن نسعى لبلوغها حقاً .
 يجب أن نرتفع في نفوسنا لنبلغ مستوى الشرع الحنيف ذلك السلوك القويم والصراط المستقيم الذي يؤكد إنسانية الإنسان ويبعده عن نزوات الحيوان ، فأداء الحقوق والقيام بالواجبات والالتزام بما أمر الله والانتهاء عما عنه نهى والبذل والتضحية والإيثار تترك في نفس المؤمن مشاعر أخلاقية وتهبه نفحات ربانية لا يعرفها إلا من ذاقها ولا يستخف بها إلا من حرم منها ...
 ولكن المرء يشعر واهماً أنه بينه وبين بلوغ مستوى الشريعة الغراء بوناً شاسعاً ودون الالتزام بها عقبات كأداء بحسب أنه لا يستطيع تجاوزها لا هو ولا غيره ... لذلك ترى اليأس مخيماً على النفوس والشعور بالعجز مستحكماً فيها نفوس من نرجو عندهم الخير ونتم فيهم الصلاح ...

المنهج الإلهي لتطبيق الإيمان :

 إذاً ما العمل ؟
 هل من طريقة سالكة تفضي إلى تهذيب النفس وترقيتها ، وبكلمة أخرى هل هناك منهج واضح يضمن لمن يسير عليه أن يطبق الشريعة دون مشقة ومجاهدة وشعور باستنفاد القوى وأن يذوق طعم الإيمان وأحوال أهل الإحسان قال تعالى :

﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾

[ سورة المائدة الآية:48]

 إذن .... هناك شرعة سامية وهناك منهج واضح يوصل إلى تطبيقها عقبتان :
 الجهل وحب الدنيا .
 أيها الاخوة ؛ سأجعل من الخطب القادمة حلقات متتابعة وموضوعات متسلسلة توضح المنهج الإلهي التفصيلي الذي يضمن لمن يتبعه خطوة خطوة أن يرتفع إلى مستوى الشريعة وأن يذوق مشاعر أهل الإيمان وأن يتقلب في مقامات أهل الإحسان .
 أيها الاخوة ؛ لا تجعلوا استماعكم إلى الخطب عادة من عوائدكم تستمعون إليها من دون أن تؤثر على سلوككم ومشاعركم ، ليكن لكم موقف واضح من الخطبة ، فإما أن تقبلوها عن بينة وإما أن ترفضوها ، وإذا قبلتموها فلتكن البينة أدلة عقلية وأدلة واقعية وأدلة نقلية من القرآن والحديث وأدلة تطبيقية من سيرة وتاريخ ، وإذا كانت الأدلة هكذا تتبنوها وتطبقوا مضمونها ، وحينما تجنون ثمارها تدركون قيمة كلمة الحق في إخراج الإنسان من الظلمات إلى النور ، ومن الضياع إلى العثور ، ومن الشتات إلى اللقيا ، ومن الشقاء إلى السعادة لذلك ، قال تعالى :

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي

﴿أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾

[ سورة إبراهيم الآية:24-25]

 وإذا رفضتم مضمون الخطبة فليكن رفضكم لها عن بينة ودليل وعندئذ عليكم أن تبحثوا عن البديل .

﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾

[ سورة المؤمنون الآية:117]

 فإذا دعوت مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ بدليل وبُرْهَانَ فلا تحاسب عند الله ، ولكن ليس على الباطل دليل أو بُرْهَانَ .
 هكذا يجب أن يكون الإنسان المفكر له موقف واضح إيجابي أو سلبي معتمداً على المنطق والواقع والتجربة .
 أما أن يهتم الإنسان بجسده ومأكله ومشربه وملبسه ونزهته ولهوه ، ويدع نفسه التي هي أمانة في عنقه حسيبة بين الإيمان والكفر ، وبين التصديق والتكذيب ، لا هو من المؤمنين يلتزم بالشرع الحنيف حتى يسعد مثلهم ولا هو من الكفار المجرمين الميؤوس من صلاحهم حتى يمد لهم الله في طغيانهم يعمهون .
 أيها المؤمنون ؛ إذا كنا معجبين بالغرب ونظامه وحضارته وثقافته ، متهالكين على الدنيا متنافسين على حطامها متسابقين إلى شهواتها ، إذا كنا كذلك فلأننا لا نفقه حقيقة هذا الدين الذي منّ الله به علينا ، لا نفقه أنه نظام دقيق من صنع حكيم خبير يشمل جوانب حياتنا كلها ، لا نفقه أنه يعود علينا بالسعادة التي يفتقدها إنسان القرن العشرين ، نحسب أن التمسك بالدين معناه حرمان من الحياة ولكنه حقيقة الحياة وتنظيم لها ، نحسب أن أوامر الدين حجز لحريتنا ولكنها في الحقيقة ضمان لسلامتنا ، لا نفقه أن الدين يوفر للمؤمن الحق سعادة حقه لا توفرها له الدنيا وما فيها ، لا نفقه أن الدين يصعد ميول الإنسان واهتماماته حتى يغمره بجو من السمو القدسي ، في حين أن الدنيا تسفل شهوات الإنسان ورغباته حتى تجعله في مرتبة أدنى من الحيوان ، لا نفقه أن الدين يجعل الزمن في صالح إذ كلما تقدمت به السن ازداد عقلاً وحكمة ونضجاً وقرباً وكان الموت تحفته لأن الموت موعده مع الراحة التي لا ينغضها منغض وموعده مع اللقاء الذي لا يقطعه ذنب الراحة وموعده مع الرقي المطرد الذي لا يؤخره فتور حين ، أن الزمن ليس في صالح الفاسق فكلما تقدمت به السن قل شأنه في الحياة الاجتماعية وخرج من دائرة اهتمام الناس لأن اهتماماته لا تزيد من حاجاته المادية وكلما تقدمت به السن أصبحت قدرته على الاستمتاع بالحياة محدودة فلا يستطيع أن يأكل ما يشاء ولا بالقدر الذي يشاء وها هو ذا شبابه قد ولى وذاكرته قد ضعفت وقوته قد وهنت و ها هو الزخرف ينتظره والعجز يهدره وملك الموت يتوعده والموت بالنسبة لغير المؤمن نهاية لكل شيء وحرمان من كل متعة وبداية لحساب عسير وفاتحة لشقاء لا ينتهي سيحاسب المرء عن كل درهم مم اكتسبه و فيم أنفقه وعن كل جارحة هل اتقى الله فيها وعن كل لحظة كيف أنفقها أفي طاعة الله أم في معصيته .
 أيها الإخوة ؛ هنيئا من صحا من غفلته قبل فوات الأوان وتاب من ذنوبه قبل إغلاق باب التوبة وهنيئا من انتقل إيمانه من فكره إلى مشاعره وسلوكه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 

 الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .

تحميل النص

إخفاء الصور