وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0352 - آيات من سورة البقرة4 ، اتِّجاه المشركين - البذور.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ، ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

اتجاه المشركين :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ في سورة البقرة التي نحن في صدد بيان بعض آياتها الكريمة لأنّ أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام رضوان الله عليهم كانوا يقولون :" إذا قرأ أحدنا البقرة وآل عمران جدَّ في أعيُننا " ومعنى قراءةُ البقرة ، كما أراد الله عز وجل ، تِلاوَةُ القرآن حقّ تلاوته أن تقرأَهُ مُجوَّدًا ، وأن تفْهم آياته ، وأن تتدبَّرها ، وأن تعمل بها .
 الوصْفَة الطبيَّة لا قيمة لها إذا قرأتها ، ولا قيمة لها إذا فهمتها ، لا بدّ من أن تقرأها وتفهمها ، وأن تستعمل الدواء الذي تعنيه ، وكذلك هذا القرآن شِفاءٌ للناس .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ اخْترْتُ لكم هذه الآية لِسَبب وَجيه ، هو لأنّ الإنسان أوَّلاً إذا فعَلَ خيرًا عزاهُ إلى ذاتهِ ، أما إذا فعلَ سوءاً فينسبهُ إلى الأقدار ، إذا فعل المعاصي ، وارْتَكبَ الموبقات ، وإذا وقع في الانحرافات ، إذا انْغمَسَ في الملذّات لا قوْل له إلا أن يقول : هكذا قدّر الله عليّ ، وهذه مشيئة الله فيّ ، هذا ترتيب الله لي ، لا حيلة لي في ذلك ، هذا كلام الشيطان ، وهذا كلامُ الضَّلال ، هذا كلامُ العمى ، وهذا كلامُ البُعْد ، أوَّلاً : إذا فعل الإنسان الخير ، نسبهُ إلى ذاته ، يقول : فعلْتُ ، وأعْطيْتُ ، وعلَّمْتُ ، وخدمْتُ ، ووفَّقْتُ ، كلَّما فعل خيرًا عزاهُ إلى ذاته ، فإذا وقع في معصيَة أو انحرافٍ ، أو انغمسَ في ملذَّةٍ تراه يعزوها إلى الله عز وجل . قال تعالى :

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا﴾

[ سورة الأنعام : 148]

 أنْ تعْزُوَ الشِّرْك ، أو المعْصِيَة ، أو الفسق ، أو الفجور إلى الله تعالى ، هذا اتّجاه مَن ؟ هذا اتِّجاه المشركين ، قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 135]

مخالفة الواقع يصيب الإنسان بالجهل :

 فيا أيها الأخ الكريم ؛ إذا خالفْت الواقع وقعْت في الجهل ، إذا تصوَّرْت أنّ أفعالك السيّئة لا سمح الله ولا قدّر هي مِن إجبار الله لك ، أجْبركَ عليها وسوفَ يُحاسبُك عليها ، فهذا جهلٌ لأنّه مخالفٌ للواقع ، ما تعريف الجهل ؟ بل إنّ تعريف الجهل يتَّضحُ من تعريف العلم ، الحقيقة العلميّة علاقة بين شيئين ؛ مَقْطوعٌ بِصِحَّتها ، يؤكّدها الواقع ، وعليها دليل ، فإذا افْتقرتْ المقولة إلى الدليل أصْبحَتْ تقليدًا ، والإيمان لا يُقبلُ تقليدًا ، وإذا افْتقرَت الحقيقة أو إذا افتقرت المقولة إلى أن يؤكّدها الواقع أصبحَت جهلاً ، تعريف الجهل هو ما ابْتَعَدَ عن الواقِع ، وإذا لم يكن مقطوعٌ بِصِحَّتها كانت وهْمًا ، أو شكًّا ، أو ظنّا ، فالحقيقة بعيدة عن الشك والظن والوهم ، وعن التقليد ، وعن الجهل ، أي عن مخالفة الواقع ، فإذا اعتقد الإنسان أنّ المعاصي والمخالفات والتقصيرات ، والانغِماس في الملذّات غير المباحة من تقدير الله عز وجل ، ومن إجباره ، وقد أمر الله عز وجل عبادهُ بها ، ولا حيلة لهم في عدم فعْلها ، فهذا جهلٌ مطبق ، قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 135]

 قال تعالى :

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

 والخرْص أشدّ أنواع الكذب . إذًا اخْترتُ لكم هذه الآية لأنَّ الناس على عادتهم إذا فعلوا الحسنات نسبُوها إلى ذواتهم ، وإذا فعلوا السيّئات قالوا : إنّ الله أمرنا بها ، هكذا قدَّر الله علي ، هذا قضاءٌ وقدر ، ولا حيلة لي في عدم فعْله .
 والشيءُ الثاني الذي يجبُ أن يعلمهُ كلّ مؤمن أنّ الإنسان في الدنيا ضُمِنَ له شيء، وكُلّف بشيء ، فعليه أن يُبادر إلى السّعي إلى ما كلّف به ، وأن يتوكَّل على الله فيما ضُمِنَ له ، أما أن يفعل العكس ، الشيء الذي ضُمِنَ له يسعى إليه جاهدًا ، يُضَيِّعُ من أجله دينهُ ، والشيءُ الذي أُمرَ به يقْعد عنه ، يتكاسلُ عن العمل به ، هذا جهلٌ كبير بِحَقيقة التكليف، وحقيقة الدنيا ، فانْطِلاقًا من هذين المرَضَيْن الخطيرين اللّذَيْن يشيعان في المسلمين ، المرض الأوّل أنَّهم إذا فعلوا الحسنات نسبوها إلى ذواتهم ، وإذا فعلوا السيّئات نسبوها إلى الأقدار ، وكأنَّهم غير مذنبين ، وكأنَّهم لا حيلة لهم فيما اقترفوا ، هذا مرضٌ خطير ، والمرض الخطير الثاني أن تقْعُدَ عمَّا كُلِّفْت به ، وتسعى لِما ضُمِنَ لك .

 

لكلّ إنسان سعي نابع من اختياره :

 انْطِلاقًا من هذين المَرَضَين الخطيرين اللّذَيْن يشيعان بين صُفوف المسلمين اخْترْتُ لكم هذه الآية الكريمة في سورة البقرة ذات الرقم مئة وثمانية وأربعين ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 يا تُرَى هو على مَن تعود ؟ هناك قرينةٌ تقطعُ بِعلى مَن تعود ، هذه القرينة فاسْتبقوا الخيرات ، أي كلّ إنسانٍ له اختيار ، وانْطِلاقًا من اختياره اِتَّجَهَ إلى وِجهةٍ ما ، هذا اِتَّجهَ إلى جَمع المال ، هذا اِتَّجَهَ إلى تسلّم المناصب الرفيعة ، وسعى إليها ، ليلاً نهارًا ، وهذا اِتَّجَهَ إلى اقْتِناص الملذّات ، وهذا اِتَّجَهَ إلى ربّ الأرض والسموات ، وهذا اِتَّجَهَ إلى طاعة الله ، وهذا اِتَّجَهَ إلى معصِيَتِهِ ، وهذا اتَّجَه إلى الملذّات التي حرَّمها الله ، وهذا اِتَّجَهَ إلى المباحات وتوسَّع بها ، قال تعالى :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾

[ سورة الليل : 1-5]

 كلٌّ له سعيٌ نابعٌ من اختياره ، نابعٌ من اختياره هو ، لأنّ الله عز وجل يقول :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾

[ سورة البقرة : 148]

 لكلّ منكم ، ولكلّ واحدٍ منكم أيّها العباد ، كلّ امرئ منكم ، وكلّ رجلٍ منكم ، وكلّ امرأةٍ منكم ، وكلّ جماعةٍ منكم ، وكلّ قومٍ منكم ، وكلّ أُمّة منكم ، هذا التَّنكير يفيد الشّمول ، ولكلٍّ وجهة ، وهذه الوجهة هي من اختيارك ، هي من كسْبك ، هو تعود على الإنسان ، هو مُوَلِّيها ، هو الذي اختارها ، هو الذي انْدفعَ إليها ، هو الذي حدَّدها ، هو الذي تعلّق بها ، هو الذي أحبَّها ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾

[ سورة البقرة : 148]

 أي أيها العباد أنتم مخيَّرون ، أيّها العباد أعمالكم من كسْبكم ، أيّها العباد لقد منحْتُكم حريّة الاختيار ، فبهذه الحريّة تُحاسبون ، على ضوء هذه الحريّة تدفعون الثَّمن باهظاً لاختياركم ، أيّها العباد إنّ ما تفعلونهُ من آثام ومن معاصٍ ليس إجبارًا مِنِّي ، بل هو من تقديركم، ومن اختياركم ، ومن كسْبكم ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 أنتم أيها العباد ما دُمتم في الدنيا ، وما دام لكم قلبٌ ينبض ، وما دام لكم بقيّة من عمر ، فأنتم مخيَّرون ، وهل تصدِّقون أنّ هذا الاختيار الذي منحكم الله إيّاه يمكن أن يجعلكم أعلى المخلوقات على الإطلاق ، قال تعالى :

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾

[ سورة البيّنة : 7]

 لقد منَحَكَ الله حريّة الاختيار لِتَختارَ الله ورسولهُ ، والدار الآخرة ، لِتَختارَ طاعة الله تعالى ، وتختار العمل الصالح ، فأنت في الدنيا تنْعمُ بِميزةٍ خصَّها الله الإنسان ، والجِنّ فقط ، من دون سائر المخلوقات ، وبهذه الميزة ، وبهذه الخصيصة ، ترقى بها إلى أعلى عِلِيِّين ، أما إذا لم تحسن استخدامها ، ولم تحسِن التعامل معها ، ولم تعرف قيمتها ، ولم تعرف قيمة نفسك ، ولم تعرف لماذا أنت في الدنيا ، ولم تعرف ما سرُّ وُجودِكَ فيها ، ولمْ تعرف أيْن المصير ، ولم تعرف ماذا بعد الموت ، فإنَّك بهذا الاختيار الذي أسأْت استخدامه ، والذي أسأْت استعماله ، والذي أُنيط بك ، فلم تعرف قيمته ، فإنّك بهذا الاختيار السيئ تهْوي به إلى أسفل سافلين ، قال تعالى :

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ﴾

[ سورة التين : 4-5]

المبادرة إلى اختيار طاعة الله قبل أن يختم العمل :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ ولكلٍّ وجهة هو مولّيها ، فلانٌ أخذ هذا الاتِّجاه ، وسار فيه، وتوغَّل في هذا الطريق ، ولكن ماذا بعد ذلك ؟ هذا الاختيار الذي تنْعُم به ، هذا الاختيار الذي ميَّزَكَ الله به عن سائر المخلوقات ، هذا الاختيار الذي كرَّمك الله به ، هذا الاختيار الذي جعلهُ تأهيلاً لك لِدُخول الجنّة ، هذا الاختيَار لن تنعُمَ به إلى ما شاء الله ، لا بُدّ مِن أن يُسْتردَّ منك ، لا بدّ من أن يُسْلبَ منك ، لا بدّ من أن تفقدهُ ، متى ؟ قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 اِخْتَرْ طاعة الله ، ولا تخْتر معصِيَتهُ ، اختر الآخرة الأبديّة ، ولا تختَر الدنيا الفانِيَة، اخْتر أن تكون عاقلاً ، ولا تخْتَر أن تكون شهوانيًّا ، اخْتر أن تكون محسِنًا ، ولا تخْتَر أن تكون مسيئًا ، اخْتَر أن تكون مُصْلحًا ، ولا تختر أن تكون مفسدًا ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 بادِروا إليها ومعنى فاستبقوا أنّ هناك سابقاً ومسبوقاً ، وينْتُج من الاستِباق أنّ هناك زمناً محدوداً ، وأنّ الإنسان بِضعة أيّام ، وكلّما انقضى يومٌ انقضى بضْعٌ منه ، ومعنى اسْتَبِقْ أيْ بادِرْ قبل فوات الأوان ، وبادِر قبل أن يأتِيَ الموت ، بادِر قبل أن يُخْتمَ عملك ، بادِر قبل ألا تملِكَ خيارًا ، بادِر قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ، بادِر قبل أن يأتي يوم لا خُلّة فيه ولا شفاعة ، بادِر قبل ألا تجِدَ نقدًا تحلّ به مظالمك السابقة ، الآن هناك نقد ، إذا أكلْت مالاً حرامًا لا سمَحَ الله ولا قدَّر فهناك مال بين يديك يمكن أن تفلِحَ به ، وإذا انطلق اللِّسان بغِيبَةٍ أو نميمة فهناك سبيل إلى المسامحة ، بادِر وأنت في الحياة الدنيا إلى إصْلاح الأغلاط ، قال عليه الصلاة والسلام قبل أن يموت ، وقبل أن ينتقل إلى الله عز وجل في خطبةٍ بكى لها أصحابهُ ، قال هذا الكلام تعليمًا لنا : " من كنتُ جلدْت له ظهرًا فهذا ظهري فليستقد مني ، ومن كنتُ أخذتُ له مالاً فهذا مالي فلْيأخذ منه ، ومن كنتُ شتمْتُ له عِرضًا فهذا عِرضي فلْيستفد منه ولا يخشى الشَّحناء ، فإنَّها ليسَت من شأني ولا طبيعتي " هو فوق ذلك ، هو معصوم عن أن يأكل مالاً ليس له ، هو معصوم عن أن يشْتُمَ إنسانًا بريئاً ، هو معصوم عن أن يجلد إنساناً ظلمًا ، ومع ذلك قال هذا الكلام تعليمًا لنا ، فما دام القلب ينبِض ، وما دام في العمر بقيَّة ، فبادِر إلى إصلاح الأخطاء ، وأداء الحقوق ، بادِرْ إلى حلّ المشكلات ، بادِر إلى ترميم المنزلقات ، بادِر إلى رأْبِ الصَّدع ، قبل ألا ينفع النَّدَم .

 

الإنسان في قبضة الله أينما كان :

 ولكلّ وجهة هو ؛ الإنسان ، هذا العمل من اختياره ، من كسْبه ، هو اتَّجَهَ إليه ، فاستبقوا الخيرات ، الزَّمَن محدود ، والزمن يمشي ، ويدور ، ما هي إلا ساعات حتى هو يُواجه الحقيقة الكبرى ، يواجِهُ الموت ، يواجه الدار الآخرة ، أما الشيء الذي يقطعُ الظَّهْر ، قال تعالى: " أينما تكونوا يأت بكم الله جميعًا .." اخْترتَ هذا الطريق ، وتوغَّلْت فيه ، وقطعتَ فيه مسافات بعيدة ، مهما قطعْت في هذا الطريق أنت في قبضة الله ، ما هي إلا ثانيَة فإذا أنت في قبضته يُحاسبُك ، إذًا هذا الاختيار الذي ننْعُم به ليس مستمرًّا إلى الأبد بل هو ينتهي بالموت ، والموت يُنهي هذا الاختيار ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 ولو وصلْت إلى السموات السبع ، ولو غصْتَ في أعماق البحار ، ولو داسَت قدمك القمر ، ولو كنت أغنى الكائنات ، ولو كنت أقوى الكائنات ، إنّ هذا العمل الذي أنت فيه ، وهذا الاتِّجاه الذي هو من كسْبك ، مهما ارْتَقَيْت فيه أنت في قبضة الله عز وجل ، هذا معنى قول الله تعالى :

﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا ﴾

  وأنتم في اختلاف وجهاتكم ، وأنتم في الطرُق التي رسمتموها لأنفسكم ، وأنتم في الطرُق التي اخترتموها ، مهما توغَّلتم فيها ، مهما ابْتَعَدْتم ، مهما ارتقى اسمكم ، مهما قويتُم ، مهما اغْتَنَيْتُم ، أينما تكونوا ؛ في الدّرجات العلا ، في الدرجات الدنيا ، في أعماق البِحار ، في أطباق السماء ، أينما تكونوا يأتِ بكم الله جميعًا ، كلّ شيءٍ بيَدِهِ، وأقربُ شيءٍ إليه جسمك ، قلبكَ بيَدِهِ ، دماغُك بيدِه ، أعصابُك بيَدِه ، غُددُكَ بيَدِهِ ، أجهزتُك بيَدِهِ ، أعضاؤُك بيَدِهِ ، توازنك بيَدِهِ ، عقلكَ بيدِهِ ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[ سورة البقرة : 148]

ليس للإنسان إلا ما سعى :

 هذه الآية أيها الأخوة ، ردٌّ على كلّ من عزا تقصيرَهُ إلى الله تعالى ، ردٌّ على كلّ من نسبَ عملهُ السيئ إلى الله ، ردٌّ على كلّ من قال : إنّ الله قدَّر عليّ ذلك ، ولا حول ولا طوْلَ لي ، هذه الآية ردّ على كلّ من آمن أنَّ الله أجبرهُ على أعماله السيّئة . هذه الآية أيها الأخوة ردٌّ على كلّ من انطلقَ ساعِيًا لِمَا ضُمِنَ له ، وقعَدَ متكاسلاً عمَّا كلّف به ، وهذا الموقف المتناقض الذي يناقض توجيه الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾

[ سورة النجم : 39]

 ليس لك إلا ما سعيْتَ ، ليس لك من مالك إلا ما أكلْت فأفْنَيت ، أو لبِسْت فأبْليت ، أو تصدَّقْت فأبْقَيت ، آيةٌ واضحة جامعة مانعة ، قطعيَّة الدلالة ، قال تعالى :

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾

[ سورة النجم : 39]

 لو أنّ الله عز وجل قال : للإنسان ما سعى لاختلف المعنى ، ولكان له ما سعى ، وله ما لم يسعَ ، أما حينما يقول الله عز وجل :

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾

[ سورة النجم : 39]

 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى أيْ حصْرًا ، وقصْرًا ليس لك إلا ما سعَيْت له .
 وأما الذي يسعى الناس إليه ، ويقتتِلُون من أجله ، وينْتَهِكون الحُرمات من أجله ، ويبيعون دينهم بِثَمنٍ بخسٍ من أجله فهو الرّزْق ، فقد ضَمِنَهُ الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾

[ سورة الذاريات : 23]

محاسبة الله الإنسان على كل حركة و سكنة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا كلامٌ دقيق ، وهذا كلامٌ خطير ، وهذا كلامٌ مصيريّ ، الإنسان بضْعةُ أيّام ، ما هي إلا سُوَيْعات ، وما هي إلا أزمنة حتى يواجِهَ الحساب الدقيق ، لا ينْفعُكَ أن تقول : إنّ الله قدَّر عليّ ذلك ، لا ينفعُكَ أن تقول : هذا من فعْل الله بي ، هذا كلُّه كلامٌ مناقضٌ لما في القرآن الكريم ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

 أنتم أيّها البشر ما دُمتُم أحياء ترزقون تنعمون بِميزةٍ خصَّكم الله بها ، تنْعمون بهذا الاختيار ، ولن يدون هذا الاختيار طويلاً ، لابدّ من أن يُستردّ ، مهما توغَّلْتَ في الطريق الذي اخْترتَهُ ، مهما توغَّلْتَ وبعُدْت ، ومهما ارْتَقَيْتَ في هذا الطريق فلا بدّ من أن ترجع إلى الله كي يُحاسبَك عن كلّ حركةٍ وسكنةٍ ، قال تعالى :

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[ سورة الحجر :92-93]

 دقِّقُوا في هذه الآية ، واحفظوها ، واكتبوها ، وضعوها أمام عُيونكم ، وراقبوا الله عز وجل ، قال تعالى في سورة البقرة في الآية الثامنة والأربعين بعد المئة :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 اختاروا الله ورسوله ، آثِروا ما يبقى على ما يفنى ، آثروا الآخرة على الدنيا ، وحكِّمُوا العقل ، وعارِضُوا الشَّهْوَة ، كونوا محْسنين ، ولا تكونوا مسيئين ، كونوا مصلحين ، ولا تكونوا مفسدين ، كونوا خيِّرين ولا تكونوا بخلاء أينما تكونوا ؛ في موقع متقدّم ، في أيّ موقع مرتق ، في أيّ موقع متألّق ، في أيّ موقع لامع ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[ سورة البقرة : 148]

 قال تعالى :

﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

[ سورة الغاشية : 25-26]

 آيةٌ قصيرة لا تزيدُ عن سطرٍ ونصف ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

[ سورة البقرة : 148]

الله خالق الأفعال وللإنسان الكسبُ :

 ولكن تعليقٌ صغير : الفعل فِعْلُ الله ، الله خالق الأفعال وللإنسان الكسبُ ، الكسبُ يعني انبعاثُه إلى هذا العمل هو الذي يُحاسبُ عليه الإنسان ، اختيارهُ وكسبُه ، قال تعالى :

﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾

[ سورة البقرة : 286]

 فَكَسْبُ الإنسان هو أن يختار هذا الشيء من دون هذا الشيء ، وأن ينْبعثَ إليه ، وعلى هذا يُحاسَب ؛ على اختياره ، وعلى انبِعاثِهِ إلى فعله ، أما الفعْلُ نفسهُ فهو من خلْق الله عز وجل .
 حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

البذور :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ من آيات الله الدالة على عظمته أنَّك ترى الأرض قاحلة وجرْداء ، أنَّك ترى الأرض ترابًا ليس غير ، ويمضي على ما هي عليه سنوات تلْو سنوات ، سنواتٌ سبعٌ ، أو سنواتٌ عشر ، ولا ترى في هذه الأرض إلا الرّمال ، ولا ترى في هذه الأرض إلا التراب ، فإذا جاءتها الأمطار الغزيرة أنْبتَتْ النباتات والأزهار والأعشاب ، ما تحارُ به العُقول ألَمْ يخْطُر بِبَالِكَ هذا السّؤال ؟ هذه السنوات العشر التي كانت فيها الأرض جرداء من أين جاءتها البذور فأنبتَتْ هذه النباتات ؟ سؤال وجيه ، لا أحَدَ ألقى فيها البذور ، من أرض قاحلة إلى جنة خضراء ، مَنْ ألقى فيها البذور ؟ وإذا كانت قد ألقيَتْ فيها البذور من قبل لماذا لم تمُت البذور ؟ هنا السؤال وهنا الآية .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ على حين أنّ الصّخور الصلبة ، القاسيَة تتأثّر بِعَوامل التعريَة، عوامل التعريَة الرّياح والأمطار والحرّ والقرّ ، هذه تجعل الصّخور ترابًا ، عوامِلُ التعريَة تفعلُ فعْلها في الصّخور ، تفعلُ فعْلها في الجبال ، تفعلُ فعلها في مجاري الأنهار ، وهذه البذور التي أودعها الله في الأرض ألا تؤثّر فيها عوامل التعريَة ؟ قال العلماء : إنّ البذور قد صُمِّمَت تصميمًا يجعلها في مَنجاةٍ من عوامل التعْرِيَة ، فإذا كانت مع التراب ، ولا تراها عيْنُك ، سنواتٌ تلْوَ سنوات ، حرّ وقرّ ، رياحٌ شديدة ، طقسٌ قاس ، صقيع شديد ، وهذه البذور تبقى محافظةً على حياة رُشيْمها ، وعلى الغلاف الرقيق الذي يُحيط بالرُّشَيم ، وعلى الجُذَير ، وعلى السُّوَيق ، وعلى مِحفظة الغذاء سنواتٍ طويلة ، وبعد هذه السنوات تأتي الأمطار فإذا الأرض خضراء ، وإذا الأزهار فوّاحَةُ الرائحة ، وإذا الألوان مشرقة ومتناسبة ، أين كان كلّ هذا ؟ كان كلّ هذا في البذور التي جعلها الله في مَنجاةٍ من عوامل التَّعريَة التي تؤثِّر في الصّخور .
 مثَلٌ قريب ، وقريبٌ جدًّا ؛ الله سبحانه وتعالى جهَّزَ المَعِدة بِحمْضٍ من أشدّ الحموض تأثيرًا ، إنَّه حمض كلور الماء ، إذا تناولْت لحمًا قاسيًا ، هذا اللّحم القاسي من أقسى اللّحوم ، هذا الحمض الذي في المعِدَة كفيلٌ بأَنْ يجعل اللحم سائلٌ كالحليب ، وهناك تجاربُ أُجْرِيَتْ ووُضِعَتْ قطعةٌ من اللّحم القاسي في كرة مثقّبة وأُطْعِمَت لبعض الحيوانات ، وبعد أن ذُبِحَ الحيوان والْتُقِطَت الكرة لم يَجِدُ العلماء اللّحم الذي كان فيها ، العُصارات الهاضمة نفذتْ إلى الكرة الحديديّة وأذابَتْ اللّحم ، يا تُرَى عمليّة الهضْم أساسها حركة ميكانيكيّة أم أساسها عصارات كيماويّة ؟ كلاهما ، ولكن إذا اسْتعْصى طعامٌ على الهضم الميكانيكي تأتي العصارات الكيمياويّة فتجعلهُ كَيلوسًا ، والكَيْلوسُ هو السائل ، فكلّ الأطعمة التي تأكلها مهما تكن صلبةً بِفِعل هذه الخمائر ، وهذه الأحماض ، تغْدو سائلاً سهلاً صالحًا للامتِصاص ، ومع ذلك أنواعٌ كثيرة من البذور تأكلها مع الفواكه تخرجُ كما دخَلَت ، ولا تستطيعُ لا العوامل الميكانيكيّة في المعدة ، ولا العوامل الكيماويّة أن تؤثّر فيها ، وهذه آية من آيات الله عز وجل ؛ أنّ الله عز وجل زوَّدَ البُذور بِحَصانةٍ تجعلها في منجاةٍ من أيّ تأثير ميكانكيّ ، وأيْ تأثير كيماويّ ، هذه آية من آيات الله عز وجل ، ولا تنْسَوا أنَّه قد اسْتَخرج العلماء من الأهرامات المصريّة قمحًا خُزِّنَ فيها قبل سِتَّة آلاف عام ، وزُرِعَ القمحُ ونبتَ ، فهذا الرُّشَيْم الصغير الحساس ، الذي أوْدَعَ فيه الله الحياة ، وزوَّدَهُ بِقِشْرة رقيقة ، في هذه القشْرة غذاؤُه ، وزوَّدَهُ بِسُوَيقٍ وجُذَيْر ، هذه الحياة الدقيقة اللطيفة التي أودعها الله في الرُّشَيم بقِيَتْ سِتَّة آلاف عام دون أن تُمسَّ بأذى ، قال تعالى :

﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[ سور لقمان : 11]

 قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 21]

الدعاء :

 اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيْت ، وتولَّنا فيمن تولّيْت ، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت ، فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت ، نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك ، اللهمّ أعنا على الصيام والقيام وغضّ البصر وحفظ اللّسان ، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنّا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنَّا ، أصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين ، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ، ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين ، وانصر الإسلام ، وأعزّ المسلمين ، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى ، إنَّك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور