وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0379 - الإسراء - مجتمع النمل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر . وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر . اللهمَّ صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين .

استنباط الحقائق و الأحداث من الإسراء و المعراج :

 النبي عليه الصلاة والسلام يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ سمع سيدنا علياً كرّم الله وجهه يدعو ويقول : " اللهمَّ أغنني عن الناس . فقال عليه الصلاة والسلام : يا علي هل تعلم ما قلت ؟ قال : نعم ، دعوت الله ألا يجعلني مُحْتاجاً لأحد . فقال عليه الصلاة والسلام : ذلك معناه أن تطلب الموت ، لأنك في الموت تستغني عن الناس ، وقد لا تستغني عن الناس إذا مت بل إنك محتاجٌ إليهم في دعائهم ، فقال سيدنا عليّ كرم الله وجهه : فماذا أقول إذاً يا رسول الله ؟ قال عليه الصلاة والسلام : قل اللهمَّ أغنني عن شِرار خلقك ، فقال سيدنا علي كرم الله وجهه : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : الذين إذا أعطوا منّوا ، وإذا منعوا عابوا" .

[ كشف الخفاء عن علي]

 هؤلاء شرار الخلق ادع الله أن يغنيك عنهم ، أما طبيعة الحياة البشرية ، وطبيعة الحياة الاجتماعية ، فجعلها متكاملةً فيما بين بني البشر .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ البارحة مرَّت ذكرى الإسراء والمعراج ، ولاشك أن موضوع الخطبة اليوم حول الإسراء والمعراج ، أو في الإسراء والمعراج ، وقد قال لي أحدهم : إنه في حيرةٍ كُبْرى - وهو يخطب في أحد المساجد - كلَّما جاءت المناسبات الدينية . قلت له : لماذا ؟ قال : لأن هذه الموضوعات نُعيدها كل عام منذ ثلاثين عاماً ، فأنا في حرجٍ وحيرةٍ حينما تأتي هذه المناسبات . قلت له : هناك فرقٌ بين الحدث وبين المعنى الذي يستنبط منه الحَدَث ، فإذا أردت أن تعيد أحداث الإسراء والمعراج ، وأحداث الهجرة ، أحداث السيرة النبوية إعادةً ليس غير فمعك الحق أن تكون في حيرة ، ولكن إذا أردنا أن نستنبط من هذه الأحداث الحقائق والعَبَر فهذا شيءٌ آخر . .
 هناك ما يُسَمَّى بالأحداث التاريخية التي وقعت مرةً واحدة ، ولن تقع بعدها مرةً ثانية . وهناك ما يسمَّى بالسُنَنِ التي سَنَّها الله لعباده ، فالحدث التاريخي شيء ، والحقيقة المتكررة شيءٌ آخر ، مثال ذلك : ربنا سبحانه وتعالى حينما حدثنا عن سيدنا يونس عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام قال :

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 87]

 دخل في بطن الحوت ، فنادى في الظلمات ؛ في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة البَحر ، وفي ظلمة الليل ، بربِّكم هل بعد هذه المُصيبة من مُصيبة ؟ في بطن الحوت ، وفي عُمق البحر ، وفي ظلمة الليل ، هذه مصيبة . .

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾

[ سورة الأنبياء : 87 -88]

 القصة انتهت ، الحدث التاريخي وقع مرةً واحدة ولن يقع مرةً ثانية انتهى ، لو أعدنا هذه القصة مئة مرّة نشعر أننا في حيرة ، ليس فيها من جديد ، ولكن العظمة أن الله سبحانه وتعالى عَقَّب على هذه القصة بسُنَّةٍ ثابتةٍ في خلقه . .

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء : 87 -88]

 القصة التي ذكرها الله عزَّ وجل أراد منها أن نستنبط القانون ، أن نستنبط العلاقة الثابتة ، أن نستنبط السُنَّة الكونية ، الموعظة والعبرة لا في القصة بل في السُنَّة الكونية ، لا في الحدث بل في القانون . فلذلك إذا مرَّت ذِكْرى الإسراء والمعراج لمئة عامٍ قادمة ، في كل عامٍ نستنبط منها معانيّ وحقائق وسنناً كُنا غافلين عنها في العام الماضي .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ مثالٌ بسيط : لو أن أستاذاً كلما رأى طالباً من طُلاَّبه يعتدي على صديقه ، ضربه ، وبقي الأستاذ ساكتاً ، أليس في هذا الضرب الذي يترافق مع عدوان الطالب على زميله قانون ؟ أليس في هذا الضرب الذي يترافق مع عدوان الطالب مع زميله سُنَّة ؟ حقيقة ؟ يجب أن نستنبط أن سلوك المُدَرِّس مع هذا الطالب له قانون ، له قاعدة ، فإما أن تستنبط القواعد والقوانين والسُنَن من كلام الله مباشرةً ، وإما أن تستنبطها من الأحداث ، والأكمل أن تجمع بينهما ، أن تقرأ القرآن ، وتستنبط القواعد الثابتة ، والعلل ، والأسباب والمسبَّبات ، والمُقَدِّمات والنتائج ، والقوانين والقواعد ، وإما أن تتأمل فيما يجري في الخَلْق ، أو أن تنظر كيف كان عاقبة المُكَذِّبين ، إذا تتبعت أفعال الله عزَّ وجل تستنبط الحقائق ، وإذا قرأت كلام الله تستنبط الحقائق .

 

عدم نجاح أية دعوة إلا بحماية داخلية و خارجية :

 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ بادئ ذي بدء إذا كان موضوع الخُطبة اليوم الإسراء والمعراج ، فليس معنى هذا أننا سنعيد على أسماعكم وقائع الإسراء والمعراج ، بل يهمُّنا السُنَن ، الحقائق ، المواعظ ، العِبَر ، القوانين ، هذه السنن تلقي ضوءاً على حياتنا ، نستفيد منها ؛ نستفيد منها في علاقتنا بربنا ، نستفيد منها في فهم حقيقة الأمور ، نستفيد منها في تفسير الوقائع ، نستفيد منها في آخرتنا .
 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ الإسراء من أضخم أحداث الدعوة الإسلامية ، سبقته البعثة ، وجاءت من بعده الهِجْرَة ، وهو بين البعثة والهجرة ، فهو بحقٍ من أضخم أحداث الدعوة.
 أيها الأخوة ؛ أيَّة دعوةٍ لا تنجح إلا إذا كانت لها حِماية ، والنبي عليه الصلاة والسلام لحكمةٍ أرادها الله عزَّ وجل هيَّأ له حمايتين : حمايةً داخلية عن طريق السيدة خديجة ، الزوجة المُخلصة ، التي كانت خير زوجةٍ ، وهيَّأ الله له الحماية الخارجية عن طريق عَمِّه أبي طالب ، الذي كانت له مكانةٌ عليةٌ في قومه ، فكان بدافع القرابة وبدافع الحُب يحمي ابن أخيه محمداً صلى الله عليه وسلَّم من خصومه وأعدائه .
 ما الذي حصل ؟ في العام العاشر للهجرة توفيت السيدة خديجة ، ففقد الحماية الداخلية ، ومات عمه أبو طالب ففقد الحماية الخارجية ، ويُعَدُّ العام العاشر بحقٍ عام الحزن .
 ويا أيها الأخوة الأكارم ؛ من سُنَن الله في خلقه أن الإنسان عليه أن يأخذ بالأسباب . .

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾

[ سورة الكهف : 83-58]

 النبي عليه الصلاة والسلام في العام العاشر للبعثة توفيت زوجته ، وتوفّي عمه ، واشتدَّ أذى قريشٍ له ، وعبَّرت قرشٌ عن أقصى ما عندها ، لذلك من باب الأخذ بالأسباب توجَّه عليه الصلاة والسلام إلى الطائف ، ومن عرف الطائف عرف المسافة بين الطائف ومكة ، ومن عرف الطائف عرف صعوبة الطُرِق إلى الطائف ، وكيف أن الطرق إلى الطائف من أعقد ومن أوعر الطرق . وسار إلى الطائف عليه الصلاة والسلام مشياً على قدميه ، يبتغي عند أهل الطائف النُصْرَةَ ، ويبتغي عندهم أن يستجيبوا لدعوته .
 لقد خيَّبوا ظنَّه ، لقد كذَّبوه ، لقد اتهموه ، لقد سخروا منه ، لقد آذوه ، وإذا صحَّ أن للدعوة الإسلامية خطاً بيانياً ، فقد وصل خط الدعوة الإسلامية في الطائف إلى النهاية الصُغْرى، إلى عُمْقِ المُنْحَدَر ، ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام ؟ في مثل هذه الحالة ليس له إلا أن يلجأ إلى الله عزَّ وجل .

 

على الإنسان أن يأخذ بالأسباب :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ هنا نقف وقفةً . الوقفة الأولى : أن على الإنسان أن يأخذ بالأسباب ، عليه أن يتحرَّك ، عليه أن يسعى ، وليس عليه إدارك النجاح ، عليه أن يتكلَّم ، عليه أن يتحرَّك ، عليه أن يقابل فلاناً ، عليه أن يكْتُب مَعْروضاً ، عليه أن يمشي في الأرض ، أيْ لابدَّ من الحركة ، أما الانهزام ، أما الجمود ، أما القعود ، أما الاستسلام فليس هذا من صفات المؤمنين . النبي عليه الصلاة والسلام حينما ضاقت به السُبُل ، وحينما تألَّب عليه كُفَّار قريش ، وحينما فقد الدَعْم الداخلي ، وحينما فقد الدعم الخارجي ، وحينما قست عليه قريش بأقصى ما يكون ، اتخذ الأسباب وتوجَّه إلى الطائف . النبي عليه الصلاة والسلام في هذه المناسبة ، أو كاستنباطٍ من هذه الواقعة يقول :

((إِنَّ اللَّهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ))

[أبو داود عن عوف بن مالك رضي اللّه عنه ]

 الإنسان المؤمن بين أن يسعى ، وبين أن ينسحب وينهزم ، وبين أن يستسلم ، فإذا استسلمت قبل السَعْي فأنت مؤاخذ ، وإذا غلبك أمرٌ بقضاء الله وقدره عندئذٍ استسلم .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ لا أُبالغ إذا قلت : إن أحد أسباب تخلُّف المسلمين هو عدم إدراكِهم لهذه الحقيقة ، القعود لا يأتي بشيء ، حتى المُسلم إذا قال : ليس هناك سُبُل للرِزْق ، وقعد ، فهو مؤاخذ ، لابدَّ من أن يتحرَّك ، لابدَّ من أن يسعى ، فلذلك :

(( إِن الله يَلُومُ على العَجْز ))

[أبو داود عن عوف بن مالك ]

 يلوم على أن تنسحب ، يلوم على أن تستكين ، يلوم على أن تشعر بأنك مقهور ، وأن ترضى بهذا الشعور ، يلوم على أن تقعُد في طلب الرزق ، يلوم عن أن تتحرَّك ، يلومك ، ليس هذا من شأن المؤمن ، شأن المؤمن أن يسعى وعلى الله البقية ، عليك أن تتحرَّك وعلى الله التوفيق ، عليك أن تسعى وعلى الله أن ينيلك سُؤلك . فالنبي عليه الصلاة والسلام سعى ، ولكن أهل الطائف لم يستجيبوا ، ولم يؤمنوا ، ولم يرحبوا ، ولم ينصروا ، ولم يفعلوا شيئاً ؛ بل سخروا، وكذبوا ، وآذوا ، وفعلوا كل شيْ يؤذي مشاعر النبي عليه الصلاة والسلام :

((إِنَّ اللَّهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ - بالتدبير ، بالحركة ، بالسعي - فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ ))

[أبو داود عن عوف بن مالك ]

الأخذ بالأسباب ثم الرضا بالقضاء و القدر :

 الآن . . بعد السعي إذا غُلِبت فهذا قضاء الله وقدره ، بعد الأخذ بالأسباب إن لم تفلح ، فهذا هو القضاء والقدر ، فهذه هي مشيئة الله ، فهذه هي إرادة الله ، إيَّاك أن تقُل : هذه مشيئة الله ، وأنت قاعد . .

((إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا))

[ الطبراني عن ابن عباس]

 إياك أن تقل : هذا تدبير الله ، وأنت مستسلم ، إياك أن تقل : هكذا يريد الله ، وأنت جالس ، قل : هذه مشيئة الله ، قل : هذه إرادة الله ، قل : هذا ترتيب الله . ولكن بعد أن تسعى ، بعد أن تستنفذ الجهد ، بعد أن تبذل قُصارى جهدك ، بعد أن تأخذ بالأسباب ، بعد أن تفعل كل ما في يديك ، بعد أن تستنفذ كل الحيَل ، إذا غلبك أمرٌ الآن قل :

((حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ ))

 فهذا الذي يقعُد عن الأخذ بالأسباب ، ثم تأتي الأمور على غير ما يريد ، ويقول: هذا قضاء الله وقدره ، وهذا ترتيب الله ، وهذه إرادته ، وهذه مشيئته . هذا الموقف ليس إسلامياً، وهذا الموقف ليس إيمانياً ، وهذا الموقف لا يرضي الله عزَّ وجل ، وهذا الموقف هو سبب تأخر المسلمين . .

﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾

[ سورة محمد : 4 ]

 أنت خليفة الله في الأرض ، حُمِّلْتَ الأمانة ، كُلِّفْتَ بافعل ولا تفعل ، أعطاك الله منهجاً ، أعطاك الله أسباباً ، خذ بالأسباب ، إذاً لا يُقبل من مؤمنٍ أن يقول : الله قدَّر عليَّ ذلك، وهذه مشيئة الله ، وهذه إرادته ، وهذا ترتيبه إلا إذا أخذ بكل الأسباب .

 

إظهار حقيقة النبي صلى الله عليه و سلم :

 النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن فقد المعين الداخلي بموت السيدة خديجة ، وبعد أن فَقَد المعين الخارجي بموت عمِّه أبي طالب ، وبعد أن تكالّبَت قريش على دعوته ، وبعد أن قست عليه أخذ بالأسباب ، وتوجَّه إلى الطائف ، وهناك عرض عليهم نفسه ، وعرض عليهم دين الإسلام ، فأبوا ، وسخروا، واستخفوا ، وكذَّبوا ، واتهموا ، وآذوا ، ماذا يفعل النبي الآن ؟ الآن الاستسلام ، الاستسلام مع الدعاء ، الآن التضرُّع ، وقف في الطائف موقفاً ، ودعا دعاءً ، هذا الدعاء فيه أعلى درجات العبودية لله عزَّ وجل ، دعاءٌ حبَّذا لو كان هذا الدعاء دعاءنا في كل أحوالنا ، الدعاء معروفٌ عندكم :

((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل علي غضبك ، أو أن ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك))

[ الطبراني عن عبد الله بن جعفر]

 أراد الله سبحانه وتعالى أن يظهر حقيقة النبي عليه الصلاة والسلام ، أن يظهر الحقيقة المُحَمَّدية ، أن يظهر مستوى هذا الإنسان الذي فاق البشر ، أراد الله عزَّ وجل أن يعرِّفنا من هو محمدٌ عليه الصلاة والسلام ، لماذا اختاره الله نبياً ؟ ولماذا اختاره الله رسولاً ؟ ولماذا اختاره الله ليكون سيِّد الأنبياء والمرسلين ؟ ولماذا اختاره الله ليكون المخلوق الأول في البشرية ؟ ولماذا قال عليه الصلاة والسلام :

(( سَلُوا الله ليَ الوَسِيلةَ ، قالوا : يا رسولَ الله ، وما الوسيلةُ ؟ قال : أعلى درجة في الجنة، لا ينالُها إِلا رجل واحد، أرجو أن أكونَ أنا ))

[الترمذي عن أبي هريرة ]

 لماذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الكمال ؟ لأن جبريل عليه السلام جاءه وهو في هذه المِحْنَة ، وهو في هذه الشدَّة ، وهو في هذا الضعف الشديد ، وهو في هذا الإيذاء الشديد ، وهو في النهاية الصُغرى للخط البياني للدعوة الإسلامية ، قال :

(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ))

[ متفق عليه عن عائشة]

 أي الجبلين . وأحدنا إذا غاظك إنسان بكلمة ، وتمكَّنت منه ، تتمنى أن تقطِّعه إرباً إرباً ، هؤلاء فعلوا كل شيء ، وبإمكان النبي عليه الصلاة والسلام لو قال : نعم أن يلغي وجودهم ، فما زاد عن أن لم يتخلَّ عنهم ، ودعا لهم ، واعتذر عنهم ، لم يتخل عنهم قال : " اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون - عدم التخلي ، والدعاء ، والاعتذار - لعلَّ الله يخرج من أصلابهم من يوحده" .

 

امتحان كل إنسان في المنع و العطاء :

 وأنت ممتحَن أيها الأخ الكريم ؛ ممتحن بالقوة ، ماذا تفعل بها ؟ تتشفَّى من خصومك ، ممتحنٌ بالضعف ، ماذا تفعل ؟ تنهار ؟ تيئس ؟ تقنط ؟ ممتحنٌ بالمال ، أتنفقه في طاعة الله أم على شهواتك المنحرفة ؟ ممتحنٌ بالفقر ، أتتجمل ؟ أتصبر ؟ ممتحنٌ بالذكاء ، أتستخدم هذا الذكاء لمعرفة الله ؟ لنشر الحق أم للإيقاع بين الناس ؟ ممتحنٌ بالصحة ، ممتحنٌ بالمرض ، كل شيءٍ آتاك الله إياه أنت ممتحنٌ به ، وكل شيءٍ زواه الله عنك أنت ممتحنٌ به . وقد امتُحِنَ النبي عليه الصلاة والسلام ونال الامتياز في الامتحان ، قال :

((اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ...))

[ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ]

(( بل أرجو أن يخرج اللَّه من أصلابهم من يعبد اللَّه وحده لا يشرك به شيئاً))

[ متفق عليه عن عائشة]

 هذا الدعاء الذي ترقُّ له النفوس ، هذا الابتهال ، هذا الإعلان عن عبودية الإنسان ، هذا الرجاء من الله عزَّ وجل :

(( لكنَّ عافيتك أوسع لي ))

 هذا إعلان الضعف من قِبَل النبي عليه الصلاة والسلام ، هو أعلى درجات العبودية ، ما الذي حصل بعد هذا ؟ الذي حصل بعد هذا هو الإسراء والمعراج .

 

الإسراء والمعراج هو التكريم الإلهيّ للنبي عليه الصلاة والسلام :

 كأن الله سبحانه وتعالى أراد بالإسراء والمعراج أن يمْسَح آلام الماضي ، كأن الله سبحانه وتعالى أراد بالإسراء والمعراج أن يعرِّف النبي بمكانته عند الله ، كأن الله بالإسراء والمعراج أراد أن يعرِّف النبي عليه الصلاة والسلام بأنه سيِّد الأنبياء والمرسلين ، كأن الله بالإسراء والمعراج يقول للنبي عليه الصلاة والسلام : أنت دعوتني في الطائف ، وكنت في أشدِّ حالات الضعف ، وأشدِّ حالات القهر ، وأشدِّ حالات الضيق ، وأنا سمعتك ، وهذه إجابتي لك .
 فيا أيها الأخ الكريم ؛ إذا كنت في ضيقٍ شديد ، الله يعلم هذا الضيق ؛ يعلم حجم هذا الضيق ، يعلم خطورة هذا الضيق ، يعلم مقدار التضحية التي ضحيت بها ، يعلم ورعك ، يعلم استقامتك ، يعلم حبَّك ، يعلم خوفك ، لا تظن الأمور تجري هكذا ، يقدِّر الليل والنهار ، يقدِّر كل شيء ، يقدِّر أنك تعفَّفت عن هذا المال الحرام وأنت في أمس الحاجة له ، يقدر أنك ضحَّيت بمستقبلك القريب من أجل مستقبلك البعيد ، يقدِّر أنك كففت نفسك على محارم الله وأنت قادرٌ على أن تفعل كل شيء . .

﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

[ سورة الطور : 48]

 فكان الإسراء والمعراج هو التكريم الإلهيّ للنبي عليه الصلاة والسلام .
 مما يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى يقول في مطلع سورة الإسراء :

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

[ سورة الإسراء: 1]

 لمَ لمْ يقل ربنا عزَّ وجل : إنه هو العليم القدير ؟ إنه هو الغفور الرحيم ؟ ما علاقة . .

﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

[ سورة الإسراء: 1]

 بالطائف ؟ أيْ يا محمد حينما دعوت في الطائف ، سمعنا دعاءك ، وقدَّرنا الصعوبة التي مررت بها ، وقدَّرنا رحمتك بالخَلْق ، وقدَّرنا عفوك عنهم ، وقدَّرنا أنك في أعلى درجات الخُلُق ، وأنك في أعلى درجات الصبر ، وأنك في أعلى درجات التضحية ، وأنك في أعلى درجات القُرب ، وهذا الجواب ، هذا التكريم .

 

سنة الله في خلقه :

 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ والله الذي لا إله إلا هو زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً لله ، من أن تؤثر طاعته على معصيته ، من أن تؤثر رضاه على سَخَطِهِ ، من أن تؤثر القُرْبَ مِنه على الجفوة عنه ويدعك خلف الناس ، لابدَّ من أن يكرِّمك ، ولا بدَّ من أن يرحمك ، ولابدَّ من أن يوفِّقك ، لأن هذه سُنَّة الله في خلقه . .

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾

[ سورة فصلت : 30-31]

 لو لمْ يكنْ في القرآن الكريم إلا قوله تعالى :

﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[ سورة القصص : 83]

 لكفت المؤمنين . الأمور تدور ، وتدور ، وتدور ولا تستقر إلا على توفيق المؤمن، وعلى نصره ، وعلى إكرامه ، وعلى إعْزازه ، وعلى أي شيءٍ يتمنَّاه ، هذه القصة التي حدثت للنبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في خواطرنا ، وبين أيدينا ، مهما اشتدَّت الأمور الله سبحانه وتعالى يعلم ، ويقدِّر ، وسوف يكافئ ، وسوف يعطي عطاءً عظيماً لكل من آثر رضوانه ، ولكل من آثر طاعته .

 

إعجاز الله عز وجل :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ القضية الثانية هي قد يقول قائل : كيف أُسري بالنبي عليه الصلاة والسلام من مكَّة إلى بيت المقدس في لمح البصر ؟ وكيف عُرِجَ به إلى السماء ؟
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا موضوعٌ انتهى مِنه العُلماء ، هناك شيءٌ غير مألوفٍ في العادات ، أما الله سبحانه وتعالى الذي خلق الأسباب والمُسببات ، والذي خلق المُقَدِّمات والنتائج ، والذي خلق الزمان والمكان فقادرٌ بالدليل العقلي على أن يخلق النتيجة بلا مقدمة ، وعلى أن يخلق المُسَبَّب بلا مُسَبِّب ، وعلى أن يخلق الشيء من دون مكانٍ أو زمان ، وهذا من إعجاز الله عزَّ وجل .
 لأن من أنكر الإسراء كما يقول العلماء - لأن القرآن نصَّ عليه بالدليل العقلي، وبالدليل القطعي كما قلت قبل قليل - فقد كفر ، لقوله تعالى :

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

[ سورة الإسراء : 1]

 أيها الأخوة الأكارم ؛ يجب أن نأخذ بالأسباب ، ويجب أن نتوكَّل على الله ، وممنوعٌ أن نعتمد على الأسباب ، بل يجب أن نأخذ بها ونعتمد على الله ، وحينما نفقد الأسباب كلياً لا يبقى إلا الدعاء ، والدعاء مخُّ العبادة ، وأنت إذا دعوت ؛ قد يستهزئ بعض الناس فيقولون لك : ادع . أنت بالدعاء تنتصر بالله عزَّ وجل خالق الكون . ما الذي حصل ؟ أن الله سبحانه وتعالى رفع من شأن النبي ونصره ، وقال تعالى :

﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾

[ سورة النصر : 1-3]

الفوز برضا الله عز وجل :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ الاستنباط الأخير من أحداث الإسراء والمعراج هو أن الناس كلهم لو جافَوْك ، الناس كلّهم لو عارضوك ، الناس كلهم لو أعرضوا عنك ، الناس كلهم لو شتموك ، المهم أن يرضى الله عنك .
 فجفوة أهل الأرض ماذا أعقبها ؟ حفاوة السماء ، إعراض الناس عن النبي ماذا أعقبها ؟ تكريم الله للنبي ، فلذلك هذا الذي قال :

فـلـيـتك تحلو والحيـــــاة مريـــــــــرةً  ولـيـتك تـرضى و الأنام غِضابُ
ولـيت الـذي بين وبينك عامــــــــرٌ  وبيـني وبيـن العـالـمين خـــــــــرابُ
إذا صحَّ منك الوصل فالكل هينٌ  وكل الـذي فـوق التــــــــرابٍ تـرابُ
* * *

 أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز مـن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

مجتمع النمل آية من آيات الله الدالة على خلقه :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ تعقيبٌ قصيرٌ جداً على أحداث الإسراء والمعراج ، الإمام الغزالي رحمه الله تعالى له كلمة ، يقول : إن المحققين قالوا : لو رأيت إنساناً يطير في الهواء ، ويمشي على الماء ، وهو يتعاطى أمراً يخالف الشرع ، فاعلم أنه شيطان . أيْ إيَّاك أن تغتر بإنسان يفعل شيئاً غير مألوف ، يفعل شيئاً فيه خرقٌ للعادات ، حتى تبقى الأمور واضحة .
 الموضوع العلمي الذي تعودتم أن تسمعوه في الخطبة الثانية ، هو حديثٌ سريعٌ عن آيةٍ من آيات الله الدالة على خلقه ، قال تعالى :

﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ* فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾

[ سورة النمل : 17-19]

 هذه الآية في سورة النمل .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ تؤكِّد البحوث العلمية أن النملة من الحشرات الاجتماعية الذكية ، وقد أثبت الله لها الكلام والمَعرفة . .

﴿لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾

[ سورة النمل : 18]

 لا يعقل أن يحطمهم سليمان وهو يشعر ، فالله سبحانه وتعالى أثبت لها الكلام والمَعرفة ، فهي حشرةٌ اجتماعية ، تموت إذا عُزلت بمفردها عن جماعتها ، إذا وضعنا نملةً في معزلٍ عن جماعة النمل تموت على الفور ، وصُمِّمت لتكون حشرةً اجتماعية حتى لو هيَّأت لها أفضل الشروط . للنمل ملكةٌ تأمر وتنهى وتُطاع ، وفي بعض مجتمعات النمل هناك عدة ملكات ، ويتم الحكم عن طريق المشاركة والشورى . طبعاً بحوث كلَّفت مئات الملايين ، ومراقبة طويلة ، وتجارب ، هذا ملخَّص بحث علمي أُجري على مملكة النمل .
 أيها الأخوة ؛ النمل منها ذكورٌ للتلقيح ، وإناثٌ عقيمات تبيض بيوضاً غير مثمرة، هذه البيوض هي غذاءٌ لذيذ ، وعاملاتٌ للخدمة الداخلية ، ولتربية صغار النمل ، ولخدمة البِلاط المَلَكي ، ولترميم المستعمرة ، وعاملاتٌ خارجية لجني الغِذاء . وللنملة جهاز هضمٍ بسيط لكنه مثيرٌ للدهشة ؛ فيه فمٌ ، ومري ، ومعدة ، وثلاثة أنواعٍ من الأمعاء ، وفيها جهازٌ ماصٌ وضاخ، والنملة الشبعى تطعم الجائعة من رحيق غذائها ، من الغذاء المهضوم ، بإمكانها أن تعطيها غذاءً مهضوماً . وتملك النملة نوعاً من التصرُّف العقلاني سمَّاها العلماء (غريزة) وهي كما قال الله عزَّ وجل :

﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾

[ سورة طه : 50]

 وهناك وسائل اتصالٍ مُدهشةٌ جداً بين أفراد النمل ، هناك اتصال عن طريق الروائح ، وهناك اتصال عن طريق آخر ، والنملة ترى ما لا يراه الإنسان ، وعنده حساسيةٌ ضد أشَّعة ضوئية قصيرة . وتملك النملة قوة اهتداءٍ بالضوء .
 والعلماء يقولون : للنمل لغةٌ تخاطب بها بقية النمل ، هذه اللغة إما إيمائية- عن طريق الحركات - وإما كيميائية - عن طريق الروائح - وهذه اللغة تستخدمها في الإنذار المُبَكِّر. ولو سُحقت نملةٌ لخرجت منها رائحةٌ تصل إلى بقية النمل تُشْعِر بالخطر ، فإما أن يهربوا ، وإما أن يتجهوا إليها لمعاونتها .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ على كل حينما قال الله عزَّ وجل متحدِّثاً عن هذه الحشرات قال :

﴿إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾

[ سورة الأنعام : 38 ]

 أيْ مجتمع راق ، منظَّم ، فيه وظائف منوَّعة ، فيه حاجات ، فيه خدمات ، فيه مرافق . هذا كله متوافر في النمل بإلهامٍ من الله مباشر .
 أيها الأخوة الأكارم ؛

﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾

[ سورة النمل : 18]

 وقال تعالى :

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾

[ سورة الإسراء : 44 ]

 وقال تعالى :

﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 38]

 أيها الأخوة الأكارم ؛ أينما تحرَّكت ، وأينما توجَّهت فالآيات الدالة على عظمة الله عزَّ وجل تُحاصرك من كل جهة . .

وفي كل شيء له آيةٌ  تدل على أنه واحـدُ
* * *

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور