وضع داكن
24-04-2024
Logo
الخطبة : 0419 - حقيقة الإنسان في القرآن1 ، خصائص الإنسان - تلوث الهواء .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر . وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر . اللهمَّ صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيءٍ قدير . اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

آيات من القرآن الكريم تُعرّف الإنسان بنفسه :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ لا شكَّ أن الله جلَّ جلاله زوَّد الإنسان بقوةٍ إدراكيَّة ، فهذه القوة الإدراكية ؛ مِن سمعٍ ، مِن بصرٍ ، مِن عقلٍ ، مِن فكرٍ ، مِن إدراكٍ ، هذه القوة الإدركية أيُّ موضوعٍ من موضوعات الحياة الدنيا أهم بالنسبة إليها ؟ لا شكَّ أيها الأخوة أن الإنسان إذا عرف نفسه عرف كل شيء ، والله جلّ جلاله في القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة يُعَرِّفنا بذاتنا ، إذا عرف الإنسان نفسه عرف ربه ، عرف مهمته ، عرف لماذا هو في الدنيا ، آياتٌ كثيرة اخترت لكم منها آياتٍ ثلاث في هذه الخُطبة ، هذه الآيات تُعَرِّفُنُا بأنفسنا ، الآية الأولى :

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان :1 ]

 الإنسان ، إذا جاءت معرَّفةً بـ( أل) أيْ أيُّ إنسان ، جنسُ الإنسان ، نوع الإنسان. .

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان :1 ]

 كلٌ منا له تاريخ ميلاد ، قبل هذا التاريخ هل كان مذكوراً ؟ هل كان معروفاً ؟ هل كان موجوداً ؟ هل له وزنٌ ؟ هل له حَجْمٌ ؟ هل له اسمٌ ؟ هل له سُمْعَةٌ ؟ هل له أثرٌ ؟ هل له إشارة ؟ . .

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان :1 ]

 هذا هو النَص ، ماذا يعني هذا النَص ؟ يعني أن الإنسان حادث كان بعد أن لم يكن ، وجِد بعد أن لم يوجد ، هو حادث ، وكل حادثٍ لابدَّ له من مُحْدِث ، كل شيءٍ كان بعد أن لم يكن ، وجِدَ بعد أن لم يوجد ، لابدَّ له من مُحْدِث ، لابدَّ له من موجِد ، هذا المُحدث ، هذا الموجد ، أليس له منهج ؟ أليس له أمرٌ ونهي ؟ أليس له دستور ؟ أليس له توجيه ؟ أليس له تعريف ؟

﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾

[ سورة القيامة : 36]

 بلا حساب ، بلا مسؤولية ، بلا جزاء ، ظالمٌ ومظلوم ، قويٌ وضعيف ، غنيٌ وفقير ، وتنتهي الحياة هكذا من دون تسوية حسابات ، من دون أن يؤخذ حق الضعيف من القوي ، وحق المظلوم من الظالم ، وحق الفقير من الغَني ، وحق المريض من الصحيح . .

﴿أَيَحْسَب الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى*أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى*ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى*فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى*أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾

[ سورة القيامة : 36-40]

 ليجزي المُحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .

 

الدعاء خصائص الإنسان في القرآن الكريم :

1 ـ الإنسان حادث :

 هذه الآية أيها الأخوة :

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان :1 ]

 مفادها أن الإنسان حادث ، من أَحْدَثَهُ ؟ أن الإنسان موجود وجوداً طارئاً ، من أوجده ؟ أن الإنسان مخلوق خلقاً سبقه عَدَم ، من خلقه ؟ هذا الذي أحدثه ، أو الذي أوجده ، أو الذي خلقه أيعقل ألا يحاسبه ؟!

﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾

[ سورة القيامة : 36]

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ*فَتَعَالَى اللَّهُ﴾

[ سورة المؤمنون : 115-114]

 جلَّ شأنه ، وعظمت أسماؤه ، وتنزَّهت صفاته عن أن يخلقنا عبثاً بلا مسؤولية ، بلا حساب ، بلا دَيْمومة ، بلا جزاء .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ كلٌ منا يعرف تاريخ ميلاده ، قبل هذا التاريخ هل كان شيئاً مذكوراً ؟ هل كان موجوداً ؟ هل كان مخلوقاً ؟ هل كان معروفاً ؟ هل له أثر ؟ هل له سُمعة ؟ هل له مكانة ؟ لم يكن شيئاً مذكوراً ، إذاً أنت حادث ، من الذي أوجدك من العَدَم ؟ هذا الذي أوجدك من العدم سيسألك ، وسيحاسبك ، ولك منهجٌ ينبغي أن تسير عليه ، ولك قانونٌ ينبغي أن تضبط نفسك فيه ، ولك دستورٌ ينبغي أن تهتدي بهداه ، هذه الآية الأولى .

2 ـ الإنسان مبتلى :

 أما الآية الثانية يا أيها الأخوة الأكارم فهي قوله تعالى :

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[ سورة الإنسان :1-3]

 هذه الآية لها أبعادٌ عميقةٌ جداً . .

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾

 أيْ أنَّ هذه النُطفة فيها مورِّثات ، والمورِّثات تشترك بها البويضة والنطفة ، مورِّثاتٌ مختلطة ، كل مورثٍ مسؤولٍ عن صفةٍ من صفات الإنسان ، وقد قدَّر العلماء أن المعلومات المبرمجة التي على البويضة المُلَقَّحة تزيد عن خمسة آلاف مليون معلومة ، عرف العلماء منها حتى الآن ثمانمئة معلومة فقط من خمسة آلاف مليون . .

﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾

  هذا طويلٌ وهذا قصير ، هذا أبيضٌ وهذا ملوَّن ، هذا ذكيٌ وهذا أقل ذكاءً ، هذا قويٌ وهذا ضعيف ، هذا صحيحٌ وهذا مريض ، الحظوظ وزَّعها الله عزَّ وجل توزيعاً أساسه الابتلاء ، تبتلى بالغنى كما تبتلى بالفقر ، تبتلى بالوسامة كما تبتلى بالدَمامة ، تبتلى بالقوة كما تبتلى بالضَعف ، تبتلى بالصِحَّة كما تبتلى بالمرض . .

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾

  إذاً أنت في هذه الدنيا ، هذه الدُنيا صُمِّمت وأنت صُمِّمتَ ، وجُبلت نفسك ، وجرت الأحداث من حولك على محور الابتلاء ، أتيت إلى الدنيا وسوف تخرج منها ، ولكن ما الذي كان فيها ؟ أنه قد ابتُليت ، أي امتُحنت ، أيْ نجحت أو رسبت ، المال مادة الابتلاء ، الصحة مادة الابتلاء ، القوت مادة الابتلاء ، كل شيء آتاك الله إيّاه هو مادة ابتلاء ، وكل شيءٍ حرمك الله منك هو مادة ابتلاء ، وكل شيءٍ تواجهه حُرِمت منه أو أُعطيت منه هو مادة ابتلاء ، فسرُّ وجودك ، مهمتك الأولى ، الدنيا مُصَمَّمة على أنك مبتلى ، أي ممتحن ، تمتحن بالزواج ، تمتحن بالزوجة ، تمتحن بالوَلد ، تمتحن بكل حظٍ آتاك الله إياه . .

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾

لوازم و موجبات الابتلاء :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ مادام هناك ابتلاء لابدَّ من إدراك ، لابدَّ من وسائل إدراك، لابدَّ من وسائل العِلم ، لابدَّ من وسائل المَعرفة . .

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾

  ومن لوازم الابتلاء ، ومن خصائص الابتلاء ، ومن موجبات الابتلاء . .

﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾

 يرى ويسمع ، يرى ظواهر الأشياء ، يرى الآيات الدالة على وجود الله ، يرى الآيات الدالة على وحدانيته ، يرى الآيات الدالة على كماله ، يرى الآيات الدالة على أن هذا الإنسان هو نبيُّ الله ، يرى الآيات الدالة على أن هذا القرآن هو كلام الله ، تطابق ما فيه مع الواقع . .

﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾

 حينما جُعِلَ الإنسان سميعاً بصيراً أُعطي مُقَوِّمات الابتلاء ، مقومات الابتلاء أن يسمع ويبصر . .

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾

[ سورة الإنسان : 2]

 وقد يسأل سائل : لعلَّ الإنسان لم يسمع ، لعل الإنسان لم يعقل ، لعل الإنسان لم يُشاهد ، لعل الإنسان تاه في بيداءِ الحياة ؟ قال :

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾

  آتيناه الشَرْع ، أنزلنا على أنبيائنا الكتب ، هؤلاء الأنبياء بيَّنوا ، وضَّحوا ، فصَّلوا ، دَلّوا ، أشاروا ، حذَّروا ، أنذروا ، بشَّروا ، هناك مهمةٌ كبيرة قام بها الأنبياء . .

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾

 إذاً :

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾

  من لوازم الابتلاء :

﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾

 وفوق ذلك أعطيناه قوةً إدراكيَّة ، ومع القوة الإدراكية هديناه إلى طرق السعادة ، إلى طريق الهدى . .

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾

  سبيل الخلاص ، سبيل السلامة ، سبيل السعادة ، سبيل النجاة ، سبيل الفوز ، سبيل الفلاح ، سبيل النجاح ، هذا الإيجاز ، هناك بلاغةٌ في الإيجاز ، هذا يسميه علماء البلاغة " إيجاز غني " .

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾

 السبيل الموصل إلى الله ، السبيل المُنجي من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، السبيل المُسْعد . .

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾

الإنسان مخير و مسؤول عن عمله :

 أما آخر فقرةٍ في الآية . .

﴿إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

  أيْ أنَّ الإنسان مخيَّر ، من لوازم الابتلاء أن تكون له قوةٌ إدراكية ، من لوازم الابتلاء أن يكون بين يديه منهج ، وشرعٌ ، من لوازم الابتلاء أن يكون مخيراً . .

﴿إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

  ومما يُفهم من هذه الآية أن الإنسان تحت المراقبة الدقيقة ، ومما يفهم من هذه الآية أن هناك ثواباً وعقاباً ، ولولا الثواب والعقاب لما كان من معنىً للابتلاء ، الابتلاء لا معنى له ، ما معنى أن هناك امتحاناً ؟ معنى الامتحان أن بعده نجاحاً أو رسوباً ، معنى المسابقة أن هناك تعييناً أو سقوطاً ، أيُّ ابتلاءٍ من دون مؤيدٍ قانوني لا معنى له ، إذاً هذه الآية على ايجازها ، وعلى قصرها ، وعلى دقَّة كلماتها فيها معانٍ كثيرة ، وفيها تبيانٌ لحقيقة الإنسان ، الإنسان أولاً أعطاه الله حظوظاً متفاوتة ، وزَّع الله الحظوظ توزيع ابتلاء ، وسوف تُوزَّع يوم القيامة توزيع جزاء ، هذا معنى :

﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾

  نبتليه ، أيْ سرًّ وجودك على هذه الأرض الابتلاء . .

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾

[ سورة العنكبوت : 2]

 لابدَّ من أن يُفتنوا ، لابدَّ من أن يمتحنوا ، وفي آيةٍ ثانية :

﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

 وفي آيةٍ رابعة :

﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾

[ سورة الكهف : 7]

 إذاً أنت تعيش في الحياة ؛ تتحرَّك ، تكسب المال ، تنفق المال ، تتزوج ، تطلِّق ، تلهو ، تمرح ، تحزن ، تتحرَّك ، كل هذا النشاط تحت المُراقبة الدقيقة ، وكلُّه مسجَّل ، تحت المراقبة الدقيقة ، ومسجلٌ بدقائقه ، وتفاصيله ، وألوانه ، وأصواته ، وحركاته ، وسوف يُعْرَض عليك هذا الشريط يوم القيامة ، ويقول الله لك :

﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾

[ سورة الإسراء : 14]

 نحن في دار ابتلاء وانقطاع ؛ كما بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام ، الانقطاع ينقطع فيها كل شيء ، ينتهي المرض ، تنتهي الصحة ، ينتهي الجاه ، تنتهي المكانة ، تنتهي مُتعة الأولاد ، تنتهي متعة الزوجة ، كل شيءٍ في الدنيا ينتهي ، الموت ينهي كل شيء . . دار ابتلاءٍ وانقطاع ، الآخرة دار جزاءٍ وخلود ، استمرار ، جزاء مع استمرار ، ابتلاء مع انقطاع .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ هذه الآية وحدها تبيِّن حقيقة الإنسان :

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾

[ سورة الإنسان : 2]

 أيْ أعطيناه قوةً إدراكيَّة ، وأنزلنا عليه التشريع السماوي ، وراقبناه مراقبةً دقيقة ، وسجلنا عمله ، وأعطيناه الاختيار ، وسوف نعاقبه أو نكافئه . كل هذه المعاني مستنبطة من هذه الآيات القصيرة ، الموجزة ، البليغة ، الحاسمة .

3 ـ الإنسان في دار كدح و جدّ و عمل :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ آيةٌ ثالثة :

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾

[ سورة البلد : 4]

 طبيعة الحياة الدنيا طبيعة مشقةٍ وجهد ، الدنيا دار مشقة ، دار سعيٍ وكَد ، دار كَدْحٍ . يا أيها الإنسان ، دققوا ، حيثما وردت كلمة (الإنسان) معرَّفة بـ (أل) أيْ مطلق الإنسان ، جنس الإنسان ، نوع الإنسان ، أي إنسان كائناً من كان ، في أي زمانٍ ومكان . .

﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ﴾

[ سورة الانشقاق : 6 ]

 الكدح بذل أقصى الجهد بأي شيء ، الإنسان مخيَّر ، حتى لو أراد طريق الشقاء لابدَّ من كدحٍ شديد ، هؤلاء الذين يحلمون بثرواتٍ طائلة ليتمتعوا ، سبق هذا التمتُّع جهدٌ كبير في تحصيل هذه الأموال ، مخاطرة ، سهرٌ في الليل ، دأبٌ في النهار ، حتى يجمع هذه الثروة كي يعيش كما يشتهي ، إذاً طبيعة الحياة الدنيا أساسها الكَدْحُ ، طبيعة الحياة الدنيا أن الإنسان في كَبَد ، أي في شدةٍ ومشقةٍ وضيق ، هذا شأن الحياة ، أكبر خطأٍ يرتكبه الإنسان حينما يريد الحياة الدنيا أن تكون دار نعيم ، دار استمتاع ، دار استرخاء ، دار اقتناص للشهوات ، إذا أرادها كذلك هَلَكَ وأَهْلَك ، أما إذا أرادها كما أراد الله عزَّ وجل ، أرادها دار جهدٍ . فطبيعة المدرسة ، طبيعة الجامعة أساسها بذل الجهد ؛ الدوام ، الدراسة ، السَهَر ، المذاكرة ، تأدية الامتحانات ، النتائج المُفرحة أو المؤلمة ، أنت في دار مشقَة ، هذه طبيعة الحياة الدنيا . .

(( إن الله أوحى إلى الدنيا أن تكدَّري وتمرري وتضيقي وتشددي على أوليائي حتى يحبوا لقائي ))

[ورد في الأثر ]

 ما كان لمدرسةٍ أن يكون فيها كل شيءٍ ممتع ، فيها كل شيءٍ يدعو إلى الجِدْ والعمل ، الآخرة بالعكس هي دار سرور ، دار نعيم ، بمجرد أن يخطر في بالك شيء تحصل عليه ، على الخاطر ، أما في الدنيا فمن أجل أن تحصل على شيء لابدَّ من جهدٍ جهيد ، لابدَّ من تعب ، لابدَّ من سهر ، لا أعني أهل الآخرة ، بل أهل الدنيا والآخرة معاً ، طبيعة الحياة الدنيا هكذا ، هؤلاء الذين نجحوا ، ما وصلوا إلى النجاح إلا بعد شقّ الأنفس ، أحد العلماء الأجانب يقول : " العبقرية تسعٌ وتسعون بالمئة منها عرق- أي جهد - وواحد بالمئة إلهام " ، إشراق .
 فالله عزَّ وجل أراد لهذه الدنيا أن تكون دار تعبٍ ، دار جهدٍ ، دار كَد ، دار نَصَبٍ ، ليكون هذا الكد ، والتعب ، والجهد ، والنَصَبُ ثمن دار النعيم .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ دققوا . . الإنسان حينما تتجه النُطَفُ لتلقيح البويضة إنها في سباق ، ثلاثمئة مليون حوين تختار البويضة منهم واحداً ، هم في سباق ، وفي معركة إلى أن يصل المتفوق إلى هذه البويضة فيلقحها ، من أين بدأ الجِد والمسابقة والكسب والمشقَّة ؟ منذ تلقيح البويضة ، يخرج الطفل من أضيق الأمكنة ليعاني من آلامٍ مبرِّحة ، يخرج إلى الدنيا باكياً، كيف يرقى الطفل من طورٍ إلى طورٍ ، ومن حالٍ إلى حال ؟ كل هذا يحتاج إلى أن يطلب العلم، وأن يحاسب ، وأن يؤدَّب ، فإذا كبر كلما انتقل إلى مرحلة ظهرت له أهدافٌ جديدة ، ولهذه الأهداف وسائل ، ولهذه الوسائل عقبات ، وهكذا إلى أن تنتهي حياته كلُّها وهو في نصبٍ وتعبٍ وجِد ، هكذا شاء الله أن تكون الحياة ، فمن احترم مشيئة الله عزَّ وجل سعِد بها ، شاء الله أن تكون الدنيا دار ابتلاء ، وشاء الله أن تكون الدنيا دار جهدٍ ، وكد ، وتعبٍ ، ونصبٍ ، وشاء الله أن تكون الدنيا دار عمل لا دار نعيم .

4 ـ الإنسان علّمه الله البيان :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ الإنسان في آيةٍ رابعة قال تعالى :

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن : 1-4]

 من صفات الإنسان في القرآن أن الله امتنَّ عليه بالبيان ، البيان عند الإنسان من المواهب الجليلة العظيمة ، من أعظم المواهب أنه ينطق ، أنه يتكلَّم ، أنه يفهم ، أنه يكتُب ، أنه يقرأ . .

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن : 1-4]

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ البيان وسيلةٌ يعرف بها الإنسان ما عند غيره من علوم ، من حقائق ، من خبرات ، وسيلةٌ يُعَرِّف بها الإنسان غيره حصائل خبراته وتجاربه ، ويتَعَرَّف بها على حصائل خبرات الآخرين وتجاربهم ، هي الوسيلة التي يكشف بها الإنسان عن مطالبه ، وعن حاجته ، وعن مشاعره ، وعن آلامه ، وعن آماله ، وينقُل بها أفكاره وعلومه إلى الناس ، ويتلقَّى بها أفكار الناس وعلومهم .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ اللسان ، أو البيان يجعل الإنسان يلتقي مع أخيه الإنسان ، لقاءً فكرياً أو لقاءً عاطفياً ، وسيلةً رائعة من وسائل الالتقاء ، التقاء فكري تحدثه عن أفكارك ، عن معتقداتك ، عن آرائك ، عن تصوّراتك ، وهو يحدِّثك ، تنقل له مشاعرك وهو ينقل لك مشاعره .
 أما إذا أضيف إلى اللسان الكتابة - دققوا - إذا أضيف إلى مَلَكَةِ اللسان مَلَكَةِ البيان ، الكتابة نقِلت الأفكار من جيلٍ إلى جيل ، من أقصى الدنيا إلى أقصى الدنيا ، من ألف عام إلى بعد ألف عام ، إذا تدخَّل القلم والكتاب نقلت الإنسانية تراثها من جيلٍ إلى جيل ، من حقبٍ إلى حقب ، من قارةٍ إلى قارة ، من عَالَمٍ إلى عالَم ، هذه ميزة ، هذه الميزة من أجل أن تسعد في الدنيا والآخرة .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ اللسان كما تعلمون يُترجم حقيقة النَفْس ، اللسان يترجم عَزْم النَفْس ، فالبيع يتم بكلمة ، قد تبيع بيتاً بمئة مليون بكلمة : بعت . فانتهى الأمر . الشركة ، الرهن ، الهِبَة ، الزواج ، الطلاق ، العتاق ، إنهاء الشركة بكلمة ، فالله عزَّ وجل جعل الكلمة تعبيراً عما في نفس الإنسان ، لذلك روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال :

(( إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يُلْقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلّم بالكلمة من سَخَطِ الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها إلى جهنم))

[ البُخَارِي عن أبي هريرة]

 إذاً خصيصة رابعة : الإنسان حادث ، والإنسان مُبتلى ، والإنسان في دار كدح وجد وعمل ، والإنسان علَّمه الله البيان ، وبهذا البيان إما أن يرقى إلى أعلى عليين ، وإما أن يهوي إلى أسفل سافلين ، هذه خصائص الإنسان في القرآن . .

(( إن العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يُلْقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلّم بالكلمة من سَخَطِ الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها إلى جهنم))

[ البُخَارِي عن أبي هريرة]

 وروى الترمذي عن سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه قال :

 

(( يا رسول الله حدثني بأمرٍ أعتصم به ؟ قال : قل ربي الله ثم استقم - هذا أهم ما في الأمر - قلت : يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليه ؟ فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام بلسانه - هو - أمسكه بيده وقال : ثم هذا ))

[الترمذي عن سفيان]

 كيف أن الدين بسيط ؟ كلامٌ بليغٌ وجيز . قل : آمنت بالله رباً ثم استقم على أمره، طريق النجاة وطريق الهلاك هذا اللسان ، هذا البيان الذي علَّمك الله إياه . .

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن : 1-4]

 أيضاً ممتحنٌ باللسان ، إما أن ترقى به إلى أعلى عليين ، وإما أن يهوي الإنسان به إلى أسفل سافلين ، إما أن يتكلَّم بكلمةٍ لا يلقي لها بالاً من رضوان الله عزَّ وجل يرفعه الله بها درجات ، وإما أن يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يلقي لها بالاً ، يهوي بها في جهنم دركات .

 

معرفة النفس و حقيقة الوجود أخطر موضوع في حياة كل إنسان :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ إن شاء الله تعالى سأتابع هذا الموضوع في خطبٍ أخرى علَّنا نعرف حقيقة الإنسان من خلال القرآن ، إذا عرف الإنسان نفسه عرف ربه ، حقيقة الإنسان من خلال القرآن . الآية الأولى : الإنسان حادث ، موجود بعد عدم ، لابدَّ له من مُحْدِث ، هذا المُحدث ، هذا الموجد ، ألا يحاسبه ؟ ألا يعاقبه ؟ ألا يجازيه ؟ هذه أول نقطة في الموضوع . الثانية : الإنسان مبتلى . .

﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾

  من لوازم الابتلاء القوة الإدراكية . .

﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾

  من لوازم الابتلاء الهداية الربَّانيَّة . .

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾

  ومن لوازم الابتلاء أن الإنسان مُخيَّر ، ومع التخيير هو تحت المراقبة الدقيقة ، ومن لوازم الابتلاء أن الإنسان مجزيٌ ؛ إما بالخير إن كان عمله صالحاً ، وإما بالعقاب الأليم إن كان عمله سيئاً .
 ومن لوازم الابتلاء في الإنسان البيان ، وبالبيان يرقى إلى أعلى عليين أو يهوي إلى أسفل سافلين .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ ما من موضوعٍ أخطر من أن تعرف نفسك ، من أن تعرف نفسك التي بين جَنْبَيْك ، من أن تعرف حقيقة وجودك ، من أن تعرف سرَّ وجودك ، من أن تعرف مهمة وجودك ، من أن تعرف حقيقة الحياة الدنيا ، من أن تعرف طبيعتها ، خصائصها ، من أن تعرف ماذا بعد الحياة الدنيا .
أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزَن عليكم ، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

تلوث الهواء :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ أردت في هذه الخطبة الثانية أن أقرأ لكم صفحةً واحدة ، من مقالةٍ علميةٍ موثَّقةٍ منشورةٍ في كتابٍ مدرسي ، يُدرَّس حالياً ، المقالة حول تلوث الهواء ، لكم أن تستنبطوا منها أشياء كثيرة ؛ لكم أن تستنبطوا منها أن ما يفعله الإنسان في البيئة يؤثِّر تأثيراً سلبياً على صحة الإنسان ، هذه المقالة لكم أن تستنبطوا منها أن الإنسان وإن بدا لكم قد رفَّه حياته لكنه دمَّرها من ناحيةٍ أخرى .
 يقول المقال : إن تلوث الهواء بأكسيد الكربون قائمٌ ما بقيت السيارة والطيارة والآلة في أي مصنع ، أو مزرعة . هذا الغاز ماذا يفعل ؟ يخترق ويتحد بخضاب الدم ، غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تنفثه السيارات والطائرات وكل أجهزة الاحتراق ، احتراق الوقود السائل ، غاز ثاني أكسيد الكربون يتحد بخضاب الدم ، خضاب الدم هو المادة الحمراء في الدم ، المادة الحديدية في الدم ، هذا الحديد يتفاعل مع غاز ثاني أكسيد الكربون فيعمل على طرد الأكسجين الذي ينقله الدم ، لأن اتحاد هذا الغاز بالخُضاب أقوى من اتحاده بالأكسجين ، مما يسبب نقصاً في نصيب الخلايا من الأكسجين ، ما الذي يحدث ؟ يرتفع معدَّل خفقان القلب ، يزداد تعب الجهاز التنفسي ، وكل هذا يسبب توتراتٍ وإجهاداتٍ تؤدّي إلى كثيرٍ من أمراض القلب والصدر، وعندما يتنفَّس الإنسان هواءً يحتوي على ثمانين جزءاً من المليون من غاز أكسيد الكربون مدة ثماني ساعات ، أنت في شارع مزدحم ، والسيارات تنفث هذا الغاز السام ، ثماني ساعات إذا تنفست أو استنشقت هواءً ملوثاً فيه ثمانين جزءاً من المليون من هذا الغاز ، ما الذي يحدث ؟ إن سرعة نقل الأكسجين للدم تقل بنسبة خمسة عشر بالمئة ، ويسبب هذا يفقد الدم خواصه الأساسية . وعندما تشتد حركة المرور ، وتزدحم الشوارع بوسائط النقل المختلفة في أوقات الذروة، فإن محتوى الهواء من أكسيد الكربون يبلغ ثمانين جزءاً في المليون ، لذلك كثيراً ما يصاب سكان المناطق المزدحمة بالمرور بأعراض التسمم الحاد ، والصداع ، وضَعف الرؤية ، ونقصٌ في تناسق العضلات ، والغَثَيَان ، وكثيراً من الآلام الباطنية ، وفي الأحوال الأكثر حدَّةً تكون هذه الأعراض مصحوبةً بفقدان الوعي ، والموت المفاجئ أحياناً . هذا الهواء الملوث بثاني أكسيد الكربون ، هذا من محصلة الحضارة الحديثة ، رقي الإنسان أن يركب في سيارة ، ويمشي في طرقاتٍ فخمة مزدحمة بالسيارات . ويعدُّ أكسيد الكربون مسؤولاً عن زيادة معدلات الإصابة بأمراض الربو المُزْمِن ، والالتهاب الرئوي الحاد ، إلى ما هنالك من أعراض لأمراضٍ كثيرة .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ الحياة صمّمت تصميماً نظيفاً ، ونحن لوَّثناها ، لوثناها بآلاتنا ، ولوَّثناها بأخلاقنا ، والتلوث واسعٌ جداً ، هناك جو ملوث بالصوت ، هذا الضجيج الدائم هذا تلوث للبيئة ، هذا الغاز السام تلوّث للبيئة ، كل شيءٍ صنعه الإنسان يبتغي به الرفاهية ، إنما حقق هدفاً وخسر أهدافاً كثيرة ؛ خسر صحته ، خسر سلامته ، خسر صفاءه ، لا أدعوكم إلى ترك ركوب السيارة ، لا ، ولكن أقول لكم : أردت من هذا الكلام أن أبيّن لكم ما أثر الحضارة الغربية في البيئة الإنسانية .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور