وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0075 - الوحدانية - الساعة - الموت.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

الحمد لله نحمده و نستعين به و نسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدا، و اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا بربوبيته و إرغاما لمن جحد به و كفر، وأشهد أن سيدنا محمدا صلى الله عليه و سلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتَّصلت عينٌ بنظر أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صلِّ و سلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه و علة ذرِّيته و من والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم ارحمنا فإنك بما راحم، و لا تعذِّبنا فإنك علينا قادر، و الطُف بنا فيما جرت به المقادير إنك على كل شيء قدير، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا و زدنا علما، وأرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

المناجاة التي تمَّت بين الله و كليمه موسى :

أيها الأخوة الأكارم؛ في مطلع سورة طه آيات كانت موضوعا للمناجاة التي تمَّت بين الله سبحانه و تعالى و بين كليم الله موسى، لن أشرح الآياتِ كلَّها و لكن بعضَ الآيات التي جعلتها موضوع لهذه الخطبة، في معرض المناجاة التي تمَّت بين الله عز وجل و كليمه موسى عليه و على نبيِّنا أفضلُ الصلاة و السلام قال تعالى:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي *إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾

[سورة طه: 14-16]

قال تعالى:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾

[سورة طه: 14]

لا إله إلا الله كلمة التوحيد :

لا إله إلا أنا كلمة التوحيد، يقول عليه الصلاة والسلام عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:

((الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا [في رواية: "النملة"]ـ [("الصفا": الصخرة والحجر الأملس.)]ـ))

[رواه السيوطي في الجامع الصغير عن ابن عباس رضي الله عنهما ] 

(( وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ بَكَى فَقِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فَذَكَرْتُهُ فَأَبْكَانِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الْخَفِيَّةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُشْرِكُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ قَالَ نَعَمْ أَمَا إِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا حَجَرًا وَلَا وَثَنًا وَلَكِنْ يُرَاءُونَ بِأَعْمَالِهِمْ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ أَنْ يُصْبِحَ أَحَدُهُمْ صَائِمًا فَتَعْرِضُ لَهُ شَهْوَةٌ مِنْ شَهَوَاتِهِ فَيَتْرُكُ صَوْمَهُ )) 

[أحمد وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ]

قال تعالى:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾

[سورة طه: 14]

أمورُك كلُّها بيده الله :

لا رافع إلا أنا، و لا خافض إلا أنا، و لا معطي إلا أنا و لا معزَّ إلا أنا، لا مانع و لا باسط و لا قابض، أمورُك كلُّها صغيرها و كبيرُها جليلُها و حقيرها، قريبها و بعيدُها بيده تعالى، هذا هو الدين، هذا هو التوحيد، هذه هي كلمة الإسلام، قال تعالى:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

لماذا اعبدني؟ لأنه لا إله إلا أنا، لو أن في الأرض إلها آخر لوجب أن تعبده أيضا، اتِّقاء منه أو طمعا فيما عنده، و لكن، قال تعالى:

 

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

 

[ سورة طه: 14 ]

قد نقرأ الآيات قراءةً سريعة و لا نقف عند كلماتها كلمةً كلمة، مبرِّر العبادة لله وحده أنه لا إله إلا الله، و الإلهُ هو المسيِّر، أي أمورُ الكون كلُّها بيد الله عز وجل، متى يجد الإنسانُ نفسَه موسوما لعبادة الله الواحد القهَّار؟ إذا رأى بعين بصيرته أنه لا إله إلا هو، ومادام يرى أن في الأرض آلهةً أخرى بيده الخيرُ و الشرُّ، بيدها العطاءُ و المنع، بيدها العزَّة و الذَّل لن تعبد اللهَ وحده، لن تستطيع أن تعبد الله وحدَه إلا إذا رأى قلبُك، إلا إذا رأت بصيرتُك أنه لا إله إلا الله، لا إله إلا أنا ، قال تعالى:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾

[ سورة طه: 14 ]

الفرق بين الطاعة و العبادة :

متى جاءت كلمةُ فاعبدني؟ لِم لم يقل اللهُ عز وجل: يا موسى اعبدني، إنه لا إله إلا أنا، التقديم و التأخير يضيف معانٍ جديدة لآيات الله، قال تعالى:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

و العبادة أن تطيع الله وحدَه، ما الفرق بين الطاعة و العبادة؟ قد يطيع إنسانٌ إنسانا رغبة بما عنده أو خوفا مما عنده، هل تُسمَّى هذه الطاعةُ عبادة؟ الجواب: لا، العبادة هي التي تسبقها معرفةٌ و يعقبُها سعادةٌ كي نميِّز طاعة المخلوقات بعضهم بعضا، و بين طاعة العباد وحده،هو أن العبادة يجب أن تسبقها معرفةٌ بالله، و لن تصحَّ العبادة إلا إذا صحَّت المعرفةُ ، فالمعرفة أساس الدين، قال الإمام عليٌّ كرَّم الله وجهه: أصل الدين معرفتُه "

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

أمورُ صحَّتك و مرضك بيد الله عز وجل، أمر زواجك بيد الله، أمور الدَّخل الذي تسعى له بيد الله عز وجل، أولادُك بيد الله عز وجل، من تخاف منهم بيد الله عز وجل، من ترجوهم بيد الله عز وجل، الظواهر الكونية بيد الله عز وجل، الأمطارُ بيد الله عز وجل، إنباتُ النبات، إن كنتَ تاجرا أو صانعا أو مزارعا أو موظَّفا، الأمور التي تخشاها أو التي ترجوها بيد الله عز وجل، ما قرُب منك و ما بعُد، ما كان في نظرك صغيرا و ما كان في نظرك خطيرا بيد الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

لماذا قال الله عز وجل:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

لأن الصلاة لا تصحُّ ولا تثمر ولا تجدي ولا تسمو بصاحبها و لا تهذِّبه ولا تصعِّد من ميوله ولا تجعل يسعد بالله عز وجل إلا إذا سبقتها استقامة والاستقامة هذه العبادة، قال تعالى:

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

إشارات دقيقة في كتاب الله لو يعلمها الإنسان حقَّ العلم لانصاع لها،قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾

[سورة النور: 55]

هذه وعودُ الله عز وجل، قال تعالى

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾

[ سورة النساء : 87]

﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة التوبة: 111 ]

وعود الله تطبق إن عبدناه :


لِم لمْ تُطبَّق؟ لِم لا نراها، لأن الشرط الذي على البشر أن ينفِّذوه أخلُّوا به، تتمَّة الآية، قال تعالى:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي ﴾

[سورة النور: 55]

فإن لم نعبده فاللهُ سبحانه و تعالى هذه الوعود ليست لنا، وقال تعالى:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ﴾

[ سورة المائدة: 12 ]

معية الله مشروطة :

لكن معية الله مشروطة، قال تعالى:

﴿ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ﴾

[ سورة المائدة: 12 ]

إلى آخر الآية، فالمعيةُ مشروطة لذلك ربُّنا سبحانه وتعالى في هذه الآية الوحيدة الآية القصيرة في موضوع المناجاة يقول:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

اعبد الله كي تستطيع أن تقيم الصلاة :

إذا عبدتني تستطيع أن تقيم الصلاةَ لذكري، معرفةٌ بأنه لا إله إلا الله عبادة خالصةٌ له، صلاةٌ صحيحة، ذكرٌ له

قال تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[سورة العنكبوت: 45 ]

أي إذا أحكمتَ الصلاةَ، إذا أحكمت الصلة بينك و بين الله عز وجل عندئذٍ تستطيع أن تذكِّر الناس بالله عز وجل، أن تذكر للناس كمالات الله أسماءه الحسنى، ما عنده من نعيم، ما عنده من عذاب أليم وأقم الصلاة كي تذكرني لعبادي، هذه لامُ التعليل، قال تعالى:

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

إذا علمنا أنه لا إله إلا الله حُلَّت كلُّ مشكلاتنا :

فكِّر بأنه لا إله إلا الله، ابحثْ عنها بحثا جليًّا، اللهُ سبحانه و تعالى لم يقل في كتابه الكريم قل لا إله إلا الله، قال:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

هل حصل لك العلمُ بهذا؟ لا له إلا الله لا يسبقها عمل و لا تترك ذنبا، لا إله إلا الله حصنٌ من دخلها أمِن من عذابه، قال تعالى:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

هذا الأمر الإلهي الذي بين أيدينا في كتابه الكريم، ماذا فعلنا به؟ أين نحن منه؟ متى جلسنا لنعلم أنه لا إله إلا الله؟ متى حضرنا مجلسَ علم لنعلم أنه لا إله الله، إذا علمنا انه لا إله إلا الله حُلَّت كلُّ مشكلاتنا، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة قيل: وما إخلاصها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله))

[رواه الطبراني عن زيد بن أرقم]

إذا خفت من غير الله فقد أشركت :

فلذلك هذه الآية في مطلع سورة طه، قال تعالى:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

لمجرد أن تخاف من غير الله فقد أشركت، لمجرد أن ترجوَ غير الله فقد أشركت، كما قلت في مطلع الخطبة الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصمَّاء في الليلة الظلماء ، أن تخشى إنسانا ولا تخشى الله، لمجرد أن تطيع إنسانا في معصية الله، وقعت في الشرك و أنت لا تدري، قال تعالى:

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

قال تعالى:

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾

[ سورة طه: 14 ]

هذا الترتيب ترتيب حكيم، قال تعالى:

﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾

[سورة هود: 1]

عمل الجنة سهلٌ بسهوةٍ وعمل النار حزَنٌ بربوة :

العبادة أولاً، إقامة الصلاة ثانياً، ذكر الله ثالثاً، إذا أحكمتَ الصلة تستطيع أن تذكره لنفسك و لغيرك، قال تعالى:

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾

[سورة طه: 15]

لماذا أكاد أخفيها، هل هي ظاهرة كالشمس؟ لا، هل هي خافية تماما؟ لا، أكاد أخفيها، علة ذلك قال تعالى:

﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

[سورة طه: 15]

إن عمل الجنة سهلٌ بسهوةٍ و إن عمل النار حزَنٌ بربوة، عمل الجنة يحتاج إلى تفكُّر، قد تركب سيارة و تنطلق بها في طريق، هذه اللوحات التي على جانب الطريق إذا تأمَّلت فيها و عرفت أنه بعد قليل هناك منعطف خطِر، و بعد قليل هناك ممرٌّ زلِق، و هنا خطر، و هناك طريق صاعدة، و هناك طريق ذاتُ اتِّجاهين، إذا قرأت ما في هذه اللوحات و صدَّت ما فيها و أخذت الاحتياطات الكافية تنجو من أخطار الطريق، فإذا ضربتَ بها عرض الطريق و تعاميت عنها فاجأتك الأخطار، فكذلك الله عز وجل، و لله المثل الأعلى، خلق الدنيا، جهنم لا نراها بالعيون، و لكن نراها بالعقول، قال تعالى:

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾

[سورة التكاثر: 4-8]

تمام الكمال لا يكون إلا في الآخرة :

لو تأمل الإنسان في الدنيا و أن لله عز وجل حكمة بالغة من خلقها، هل تعتقدون أن جامعة تُنشأ ذات مباني شاهقة و مخابر رائعة و مدرجات فسيحة، وحدائق غنَّاء، و مكتبة غنية،و ليس فيها امتحان؟! لا يُقيَّم فيها اجتهادُ الطالب، المقصِّر كالمتفوِّق، إن تمام الكمال لا يكون إلا في الآخرة، قال تعالى:

﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

[سورة طه: 15]

لو تخيَّلنا أنه لا آخرة لكان في الكون نقصٌ كبير، الآخرة تتمِّم الحياة الدنيا، إنها يوم الفصل، قال تعالى:

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾

[سورة طه: 15]

لماذا أكاد أخفيها؟ قال تعالى:

﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

[سورة طه: 15]

الإنسان لما زوَّده اللهُ من فكر يدرك الخطر قبل وقوعه، و أما الحيوان فلا يتَّقي الخطر إلا إذا رآه بعينه، الحيوان يعيش مع المحسوسات، و مع الحدس، و لكن الإنسان يعيش مع المدرَكات، لقد كرمه الله عز وجل، و جعل له فكرا يرى به الأشياء قبل وقوعها، يرى في فكره و يستدلُّ على طريق الأخطار قبل وقوعها.
رجلٌ مرَّ بغدير فيه سمكات ثلاث،الكيِّسةُ وأكيسُ منها وعاجزة فالكيِّسة هي التي أدركت أم هذا الرجل سوف يعود و يصطادها، لم تعرج على شيء حتى من المكان، من الغدير إلى النهر فنجت، و قالت: العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها، و أما الأقلُّ ذكاءً فحينما داهمها الخطر حاولت الخلاص، و أما العاجزة فلم تزل في إقبال و إدبار حتى صيدت.
أيها الأخوة المؤمنون؛ لقد كرَّمنا الله عز وجل، و أعطانا فكرا نرى به الشيءَ قبل أن يقع، من باب التأمُّل و التفكُّر و التدبُّر، لذلك قال تعالى:

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

[سورة طه: 15]

العاقل يعيش المستقبل :

الذي يعيش مع لحظته، ومع يومه ليس عناك أخطار قريبة، صحَّته جيِّدة، ماله وفير، هو قائم على شهواته، يعطي نفسه ما تشتهي، أين فكره؟ أما الذي وهو في صحَّته و أوج شبابه يخشى الله و يتجافى جنبُه عن المضاجع يدعو ربَّه خوفا و طمعا، هذا الذي يفكِّر في الآخرة، في ساعة نزول القبر، في ساعة نهاية الحياة، هذا الذي يستحقُّ السعادة الأبدية، قال تعالى:

﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

[سورة طه: 15]

قال تعالى:

﴿ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾

[سورة طه: 16]

العلاقة الترابطية بين عدم الإيمان وبين اتباع الهوى :

يا إخوة الإيمان؛ دقِّقوا في هذا التلازم، قال تعالى:

﴿ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾

[سورة طه: 16]

لماذا لم يؤمن بها؟ لأنه اتَّبع هواه، ماذا نتج عنه أنه لم يؤمن بها؟ انه اتبع هواه، هناك علاقة ترابطية بين عدم إيمانه بها و بين اتباع الهوى تؤكِّده آيات كثيرة، قال تعالى:

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾

[ سورة الماعون: 1-2]

وقال تعالى:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

[ سورة القصص: 50]

أيها الأخوة الأكارم؛ إنني، كما قال الله عز وجل:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾

[سورة طه: 14-15]

ليس لك إلا ما سعيت :

ربُّنا عز وجل في كتابه الكريم يقول:

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾

[سورة النجم: 39]

أي هذا التركيب فيه قصر، ليس لك إلا ما سعيت، و لا شيء آخر هل جلست و فكَّرت في آيات الله؟ هذا لك، هل صلَّيت صلاة خاشعة؟ هذا لك، هل تصدَّقت بمالك الحلال؟ هذا لك، هل جلست في مجلس علم تبتغي منه رضاء الله عز وجل وأن تعرف اللهَ عز وجل، أن تعرف كتابه أن تعرف سنة نبيِّه، أن تعرف شرعه، هل فعلت هذا؟ قال تعالى:

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾

[سورة النجم: 39-40]

قال تعالى:

﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾

[سورة طه: 15]

لا تطع من لا يؤمن بالله فتسقط معه :

الآن جاء النهيُ، قال تعالى

﴿ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾

[سورة طه: 16]

هذا الذي لم يؤمن بها لا تسمح له أن يدلك برأيه، لا تستشره، لا تنتظر رضاه، و لا تبحث عن موافقته عن عملك، هذا ليس أهلا، هو ضالٌّ قال تعالى:

﴿ فَلَا يَصُدَّنَّكَ ﴾

[سورة طه: 16]

إذا فعلت هذا:

﴿ فَتَرْدَى ﴾

[سورة طه: 16]

معه، تسقط معه في الهاوية، ألت تكفي هذه الآيةُ؟ ألا تكفي هذه الآية التي جمعت قواعد الطريق إلى الله عز وجل؟ تفكيرٌ بلا إله إلا الله، و استقامة على أمره، و إقامة للصلاة و دعوة إلى الله، و ابتعاد عن أهل الضلال، قال تعالى:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي *إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾

[سورة طه: 14-16]

اقرؤوها هذه الآية؟ واحفظوها و اقرؤوها في صلاتكم، و اجعلوها بين أعينكم، كلام الله عز وجل، هل في الأرض كلامٌ يستحقُّ أن تفهمه حرفا حرفا، و كلمةً كلمة غيرُ كتاب الله عز وجل؟ كتابنا المقرَّر الامتحان الذي لابدَّ أن نواجهه سوف نُسأل في الامتحان عن مضمون هذا الكتاب، هل تظنُّون أن سؤال القبر يُكتفى منه: مَن ربُّك؟ الله، من نبيُّك؟ محمد، ما كتابك؟ القرآن، لا، هذه عنوانات الأسئلة و ليست تفصيلاته.

لا بد من معرفة بأنه لا إله إلا الله :

أيها الأخوة المؤمنون، لا بد من معرفة بأنه لا إله إلا الله، قال تعالى:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾

[ سورة محمد: 19 ]

والمعرفة لا تأتي بالوراثة، لا تأتي بجهد يسير، لا بد من جهد مركَّز لمعرفة أنه لا إله إلا الله، و قد يطنُّ الإنسانُ أن هذه المعرفة ما قيمتها في حياته، إن لها أكبر القيمة، إذا عرفت أنه لا إله إلا الله لا تخشى إلا الله و لا ترجو إلا الله، لا تطيع مخلوقا و تعصي الله عز وجل، لا تهمل واجباتك الدينية، لا تقعد عن حضور مجلس علم لا تفعل هذا، إذا فعلت هذا؛ إذا عرفت أنه لا إله إلا الله ة لأن لأمورك كلَّها صغيرها و كبيرها، جليلها وحقيرها، قريبها و بعيدها، بيد الله عز وجل، تطيعه و تبتغي رضاه.

عندما تحكم الصلة بالله ترضى عنه :

اعمل لوجه واحد يكفِك الوجوهَ كلَّها، من جعل الهمومَ همًّا واحدا كفاه اللهُ الهموم كلَّها، إذا عبدته أقللت عليه في الصلاة، و شعرت بلذَّة الصلاة، شعرت أنك تصلي، و شعرت أنك تقف بين يدي الله عز وجل، شعرت بتجلِّيات إلهية تهبط على قلبك، شعرت أنك إنسان آخر، أنك إنسان سعيد في خِضمِّ أناس أشقياء في البعد عن الله عز وجل ترضى ساعتئذ، قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾

[سورة الكهف: 28]

آيات كثيرة؛ يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ﴾

[سورة طه: 129]

قال تعالى:

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾

[سورة طه: 130]

ما علاقة هذه الآية بالتي قبلها؟ لعلك ترضى؟ أي إذا أحكمتَ الصلة بالله عز وجل و شعرت بهذه السعادة، و شعرت بهذا النور يُقذف في قلبك، وشعرت بهذا الغنى يملأ فؤادك، عندئذ ترضى عن الله عز وجل لا ترضى عنه إلا إذا اتَّصلت به، قال تعالى:

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى* وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾

[سورة طه: 130-132]

أيها الأخوة المؤمنون؛ أتمنى عليكم أن تكون هذه الآيات الكريمة في قلوبكم كلَّ يوم، لأنها تهديكم إلى سواء السبيل، لأنها تقيكم الزللَ و الشَّطط و الانحراف، هذه الآيات توضِّح لكم الطريقَ إلى الله عز وجل
أيها الأخوة المؤمنون، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، و سيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكِّيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، و العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني والحمد لله رب العالمين.

***

الخطبة الثانية :

 

الحمد لله رب العالمين، و أشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، و أشهد أن سيدنا محمدا عبده و رسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلَِّ و سلِّم و بارك على سيدنا محمد و على آله و أصحابه الطيِّبين الطاهرين.

كفى بالموت واعظاً :

أيها الأخوة المؤمنون؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ناقته الجدعاء فقال: - هذه إحدى خطب رسول الله - يا أيها الناس كأن الموت على غيرنا كتب في الحياة الدنيا، أي الناس يحسبون لكل شيء حسابا إلا الموت، و كأنهم لن يموتوا، فإذا بلغهم نبأُ موت أحدهم قالوا: مسكين مات، و كأن الذي قال: مسكين مات لا يموت - وكأن الحق على غيرنا وجب - إذا عاملتَ إنسانا و لم يطبِّق في معاملته لك شرع الله تقيم عليه النكير، و أنت أيها الأخ الكريم كيف تعصي الله في معاملتك له؟ الحق عليه فقط و ليس عليك؟ - وكأن ما نشيع من الموتى عن قليل إلينا راجعون نبوئهم أجداثهم - أي قبورهم -ونأكل تراثهم كأنا مخلدون من بعدهم فطوبى لمن شغله عيبه عن عيب الناس قد نسينا كلَّ واعظة و أَمِنا كل جائحة - أي مصيبة - طوبى لمن شغله عيبُه عن عيوب الناس - أيها الناس طوبى لمن أنفق فضل مما اكتسب من غير معصية، و جالس أهل الفقه و الحكمة - من تجالس؟

من جالس جانس، قل لي من تجالس أقل لك من أنت، هل تجالس أهل الفقه و الحكمة أم تجالس أهل المعصية و الفجور، ما الذي يطربك؟ جلسة مع أهل الفجور أم جلسة في مجلس علم في مسجد؟ أين ترتاح نفسُك؟ في المساجد، مع أهل الحق، في مجلس علم؟ أم ترتاح في المجالس المختلطة حيث الهمز و اللمز و الفجور - و جالس أهل الفقه و الحكمة، و خالف أهل الذل و المسكنة - هل تستعلي على الفقراء و المساكين؟ هل ترى أنك فوقهم؟ سيدنا جبريل عليه السلام جاء النبي عليه الصلاة و السلام و قال: يا محمد أتحب أن تكون نبيًّا ملكا أم نبيا عبدا. فقال: بل نبيا عبدا، أجوع يوما فأذكره، وأشبع يوما فأشكر" هذا الذي اختاره النبيُّ عليه الصلاة و السلام - و جالس أهل الذل و المسكنة، أيها الناس طوبى لمن ذلت نفسه و حسنت خليقته، و طابت سريرته - المؤمن يرى نفسه في عينه صغيرا، ويراه الناسُ في أعينهم كبيرًا، غير المؤمن يرى نفسه في عينه كبيرا، و يراه الناس في أعينهم صغيرا - أيها الناس طوبى لمن ذلت نفسه و حسنت خليقته و طابت سريرته و عزل عن الناس شرَّه، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من كلامه، ووسعته السنة، و لم تستهوه البدعة - أي هذه الأجهزة التي اختُرعت و التي تسلِّي لا يخلو بيتٌ منها هذا الذي يقتنيها لم تسعه السنة، بل استهوته البدعةُ، أما المؤمن الكامل وسعته السنة ولم تستهوه البدعة "

أفضل الناس عبد تواضع عن رفعة :

أيها الأخوة المؤمنون؛ يتابع النبيُّ عليه الصلاة و السلام هذه الخطبة يقول: أيها الناس إن أفضل الناس عبد تواضع عن رفعة، و زهِد عن غنية - زهد وهو غنيٌّ، و تواضع وهو رفيع الشأن - عبدٌ عرف ربَّه فأطاعه، و عرف عدوَّه فعصاه، و عرف دار إقامته المديدة فأصلحها و علم سرعة رحلته فتزوَّد منها و لها، و إن خير الزاد ما صحبته التقوى

و خير العمل ما تقدَّمته النيةُ، و أعلى الناس منزلةً عند الله أخوفهم لله - لذلك النبي الكريم في معركة بدر حينما قتل المشركون دعاه بعضُ الصحابة كي يمثِّل بهم تشفِّيا لما سبَّبوه من أذًى للمسلمين، فقال عليه الصلاة و السلام: لا أمثِّل بهم فيمثِّل اللهُ بي و لو كنت نبيا.

بعث غلاما له في حاجة فتأخَّر طويلا، فلما عاد غضب عليه النبي الكريم، فقال في شدَّة غضبه،عن أم سلمة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي فكان بيده سواك فدعى وصيفة له أو لها فأبطأت حتى استبان الغضب في وجهه فخرجت أم سلمة إليها وهي تلعب ببهيمة فقالت: ألا أراك تلعبين ورسول الله يدعوك فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما سمعتك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:

(( لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك ))

[السيوطي في زيادة الجامع الصغير ]

إذًا أعظم الناس منزلة عند الله أخوفهم لله عز وجل.

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولنا فيمن توليت، و بارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي و لا يُقضى عليك، و إنه لا يذل من واليت، و لا يعز من عاديت، تباركت ربنا و تعاليت، و لك الحمد على ما قضيت، اللهم أعطنا و لا تحرمنا، و أكرمنا و لا تهنا، و آثرنا و لا تؤثر علينا، و أرضنا و ارض عنا، مولانا رب العالمين، اللهم أغننا بالعلم، و زينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، و جملنا بالعافية، و طهِّر قلوبنا من النفاق، و أعمالنا من الرياء، و ألسنتنا من الكذب، و أعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، و اجعل الحياة زادا لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، و اقبل توبتنا، و تولَّ أمرنا، فكَّ أسرنا، و أحسن خلاصنا، و بلِّغنا مما يرضيك آمالنا، و اختم بالصالحات أعمالنا، اللهم استر عوراتنا، و آمن روعاتنا، و اهد أولادنا، و آمنا في أوطاننا، و اجعل هذا البلد آمنا سخيًّا رخيا و سائر بلاد المسلمين، اللهم اسقنا الغيث و لا تجعلننا من القانطين،اللهم اسقنا الغيث و لا تجعلننا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث و لا تجعلننا من القانطين، اللهم بفضلك و رحمتك أعلِ كلمة الحق و الدين، و انصر الإسلام وأعزَّ المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب و ترضى، إنك على ما تشاء قدير، و بالإجابة جدير.

تحميل النص

إخفاء الصور