- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
الحمد لله الولي القويم الغني العلي .
الحمد لله الكبير النصير السميع المجيد الحكيم العليم الرحمن الرحيم .
الحمد لله القهار الغفار الرزاق الفتاح التواب الوهاب السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
لن نفتقر في غناه ، ولم نضل في هداه ، ولن نذل في عزه ، ولن نضام في سلطانه ، ولن نضطهد ، والأمر كله إليه .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، وحبيبه وصفيه ، أقسم بعمره الثمين ، فقال :
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
وأثنى على خلقه العظيم فقال :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ، ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ، ولا كرباً إلا فرجته ، ولا عيباً إلا سترته ، ولا ديناً إلا أديته ، ولا مريضاً إلا شفيته ، ولا متعباً إلا رحمته ، ولا حاجة من حاجات الدنيا والآخرة لك فيها رضى ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين .
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ كلمة يرددها عامة المسلمين ، كلما قلت لمسلم مقصر ، لمسلم يرتكب بعض الذنوب ، يعصي علام الغيوب ، لمَ تفعل هذا يا أخي له جواب ثابت إن الله غفور رحيم ، ولو أن هذا المسلم المقصر ، وهذا المسلم العاصي يعرف فحوى كلمة إن الله غفور رحيم لما قالها في هذا الموطن .
آيات المغفرة :
في القرآن الكريم أيها الإخوة الأكارم ثلاث آيات على سبيل الحصر متعلقة بهذا الموضوع .
الآية الأولى :
﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
والآية الثانية :
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
والآية الثالثة :
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
المعنى الدقيق للمغفرة :
فما هذا القول الذي تقوله يا أخي المسلم ، مقصر ، ترتكب بعض الذنوب ، تخالف أمر الله ، وكلما وجهت بهذا قلت إن الله غفور رحيم !!
ما المغفرة يا أخي المسلم ؟
وما الرحمة ؟
المغفرة ؛ هي شفاء النفس من عيوبها .
يتوهم معظم الناس أن المغفرة تقابل العفو ، يعني إنسان مذنب سيواجه عقاب الذنب ، فعفونا عنه ، يعني ألغينا العقوبة ، كلمة المغفرة لا تعني ذلك ، كلمة المغفرة تعني شفاء النفس من أمراضها .
الحقد مرض ، الكبر مرض ، الأثرة يعني ؛ الأنانية ، الاستعلاء في الأرض مرض التمركز حول الذات مرض ، عدم المبالاة بالآخرين مرض ، النيل والمال على فقر الآخرين مرض ، أن ينمو العز على ذلهم مرض ، أن تنمو الحياة على موتهم مرض ، إن هذه الأمراض الوبيلة التي تفتك بالنفس ، التي تهلكها .
ألا يا ربى نفس طائعة ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة .
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
الخطورة في أمراض النفس أنها تستمر مع صاحبها إلى الأبد فتشقيه ، وأما أمراض الجسد فتنتهي عند الموت .
مهما يكن المرض عضالاً ، ومهما يكن المرض مستعصي الشفاء ، إنه ينتهي مع نهاية الحياة .
ولكن أمراض النفس التي تسببت فيها الغفلة ، والبعد عن الله عز وجل إنها يبدأ فعلها ، ويبدأ عملها ، وإهلاكها بعد الموت .
والناس في الدنيا نيام إذا ماتوا انتبهوا ، مخدرون بالشهوات ، غارقون في الملذات ، عامون عن النهايات ، لكنهم إذا عرفوا الحق ، حينما يكشف الغطاء .
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
فالمغفرة هي الشفاء ، والنفس الإنسانية لا تشفى من أمراضها إلا إذا أقبلت على خالقها ، فبالنور الإلهي الذي يأتيها في أثناء الصلاة يشفيها من كل مرض ، وينظفها من كل درن ، ويبرئها من كل عيب ، لذلك المغفرة هي الشفاء ، والرحمة هي العطاء ، والإنسان المؤمن يخلا ويحلا تخلى نفسه من الأمراض ، ومن السوء ، وتحلى بصبغة الله عز وجل التي إن دخلت إلى النفس كانت كالكوكب الدري .
أما كلمة غفور رحيم يظنها الناس أن الإنسان إذا أذنب وقصر وفعل ما فعل ، وبعدت نفسه ، وملئت بالشهوات ، والانحرافات ، والأمراض والله غفور رحيم بمعنى أنه يعفو عنه ، ويدخله الجنة ، هذا معنى ساذج ، معنى قاصر ، معنى ضيق ، ولكن المغفرة في المعنى الدقيق شفاء النفس من أمراضها ، والرحمة صبغتها بصبغة بارئها ، الرحمة عطاء ، والمغفرة دواء ، والدواء والعطاء لا يأتيان إلا بإقبال النفس على ربها .
أيها الإخوة الأكارم ؛ الآية الأولى :
﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا ﴾
التوبة النصوح :
﴿ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا ﴾
إن تابوا ولم يؤمنوا ، لن تصح توبتهم ، أو لن تستمر توبتهم ، أو سوف تنقض توبتهم ، أما إذا تابوا وأمنوا ، يعني أمنوا ؛ جاء البديل ، هذه النفس تعودت على بعض الشهوات ، إذا حرمت نفسك من هذه الشهوات ، ولم يكن البديل لابد من أن تعود إليه ، من عرف الله زهد فيما سواه ، لو حملتها على التوبة ، ولم تؤمن ، ولم تقبل ، ولم تسعد بالله عز وجل أوقعتها في الحرمان ، والنفس تواقة إلى ما تصبو إليه ، لذلك سر نقض التوبة ، والعدول عنها ، وتركها عدم الإيمان ، يجب أن تتوب ، ويجب أن تملئ فراغ النفس بعطاء الله عز وجل ، حتى ينسيك هذا العطاء العظيم ما تركته التوبة من فراغ .
لذلك من أدعية المصطفى عليه الصلاة والسلام :
(( اللَّهمَّ ما رَزَقْتَني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ ))
﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا ﴾
تابوا وآمنوا .
﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
ترك المعاصي ، وعرف الله ، وأقبل عليه ، فغفر ذنبه ، شفاه من كل عيب ، وتجلى على قلبه بالرحمات هذه الأولى .
أما الآية الثانية :
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾
والهجرة بمعناها الضيق ترك مدينة إلى أخرى ، بمعناها الواسع ترك ما نهى الله عنه ، الأماكن الموبوءة ، الأماكن التي لا ترضي الله ، الأصحاب الفاسقون ، المجتمعات المنحلة الأدوات المسلية ، التي تبعد النفس عن الله عز وجل ، هجرها معناً واسع من معاني الهجرة .
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ﴾
الفتنة إظهار ما في النفس ، كادت الدنيا تفتنهم فهاجروا ، زاغت نفسه فترك المنكر ، تاهت نفسه فترك هذا الصاحب ، حجبت نفسه فترك هذا العمل .
﴿ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا ﴾
أنفسهم الجهاد الأكبر ، حملوها على الطاعة ، حملوها على العمل الصالح ، سموا بنفوسهم ، زكوا نفوسهم .
﴿ ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا ﴾
والصبر من دلائل الإيمان ، الإيمان نصف صبر ونصف شكر .
(( الصَّبْرُ مِنَ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ ، فَإِذَا ذَهَبَ الصَّبْرُ ذَهَبَ الإِيمَانُ ))
﴿ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
عندئذٍ يحصل الشفاء ، ويحصل التجلي ، إن لم تقل أنا أسعد أهل الأرض فلم تذق بعد طعم الإيمان ، إن كنت مؤمناً وتشكو إنك لا تعرف الله عز وجل .
يا رب هل أنت راضٍ عني ، فقال الإمام الشافعي ، وقد سمع هذا الأعرابي يقول هذا الدعاء ، يا رجل لو رضيت عن الله لرضي عنك فالتفت نحوه ، وقال : من أنت يرحمك الله ، وكيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ، قال الإمام الشافعي : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله .
هل ترى يد الله عز وجل الرحيمة ، هل ترى يده الحكيمة ، هل ترى يده الشافية ، هل تراه غفوراً رحيماً .
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الآية الثالثة :
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ﴾
لا يعقل أن تفعل المعصية ، وأنت تعلمها معصية ثم تستطيع التوبة من بعدها ، إن حجباً كثيفة تحول بينك وبين التوبة .
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا ﴾
تابوا من الذنوب جميعاً ، وأما العلاقات المادية التي كانت بينهم وبين الناس إنها لا تغفر ، إلا بالإصلاح ، لو عليك ذمة للإنسان قبل أربعين عاماً هذا الذنب لن يغفره الله عز وجل ، إلا إذا أديت ما عليك .
أخ كريم يحضر معنا في هذا المسجد ، كان في دكانه وقد رأى شاباً يدخل إلى هذه الدكان ، ويلقي له مظروفاً ثم ينصرف ، فتح المظروف فإذا فيه رسالة رقيقة ، يقول : يا عمي أنا حينما كنت صغيراً أكلت من هذه الدكان قطعة حلوى ، ولم أدفع ثمنها ، حينما تاب إلى الله عرف أن هذا الحق لن يغفر إلا إذا أدى ما عليه .
أيها الإخوة المؤمنون :
ذنب لا يغفر : وهو الشرك بالله عز وجل .
وذنب لا يترك : فهو ما كان بين الناس من حقوق .
وذنب يغفر : وهو ما كان بينك وبين الله .
﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
فيا أخي المسلم ؛ قبل أن تقول إن الله غفور رحيم ...
هل تبت من السيئات ؟
وهل أمنت بالله الواحد القهار ؟
وهل هجرت ما نهى الله عنه ؟
وهل جاهدت نفسك وهواك ؟
وهل صبرت على معالجة الله ؟
وهل أصلحت ما كان بينك وبين الناس ؟
إن فعلت كل أولئك ، نرجو الله أن يكون لك غفوراً رحيما هذه الحقائق ، وأما ما سواها فهو من باب الوهم ، ومن باب الخطأ والغلط الذي يدفع صاحبه الثمن الباهظ .
مجالس المؤمن :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ إلى حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام ، المؤمن يتواجد في بيته ، وفي المسجد ، وفي السوق ، وفي الطريق ، وفي أمكنة عديدة .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( ستة مجالس ، المؤمن ضامن على الله تعالى ما كان في شيء منها : في مسجد جماعة ، وعند مريض ، أو في جنازة ، أو في بيته ، أو عند إمام مقسط يعزره ويوقره ))
(( ستة مجالس ، المؤمن ضامن على الله تعالى ما كان في شيء منها ))
يعني إذا كنت في أحد هذه المجالس الستة وحدث أمر خطير ، حدث مرض عضال ، حدثت وفاة ، فالمؤمن ضامن على الله عز وجل أن يدخله الجنة .
ما هذه المجالس الست ؟
1- في سبيل الله ، إذا كنت في مكان تعمل فيه عملاً في سبيل الله ، هذه مطلقة .
2- أو
(( مسجد جماعة ))
إذا كنت في مسجد فأنت ضامن على الله عز وجل إن طرأ في المسجد طارئ أن يدخلك الجنة ، إذا كنت في
(( مسجد جماعة ))
3- أو
(( عند مريض ))
تعوده .
4- أو
(( في جنازة ))
تشهدها .
5- أو
(( في بيته ))
6- أو
(( أو عند إمام مقسط يعزره ويوقره ))
في هذه المجالس الست أنت ضامن على الله عز وجل ما كان في شيء منها .
يعني هناك إنسان يموت وراء أجهزة اللهو ، وهو يتابع بعض المسلسلات ، هذا المجلس ليس الله ضامن لك إذا أصابك فيه مكروه أن يرحمك ، إذا كنت في السوق وتحلف يميناً كاذبة ، أو تشتري بضاعة محرمة ، إذا كنت في السوق ونظرك إلى النساء ، هذه الأماكن ليس الله ضامناً ، إن كنت فيها أن يرحمك ، لكنك إذا كنت في سبيل الله ، أو في مسجد جماعة ، أو عند مريض تعوده ، أو في جنازة تشهدها ، أو في بيتك ترحم عيالك ، أو عند إمام مقسط تعزره وتوقره .
سيدنا عمر بن عند العزيز رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ ، عين مستشاراً من كبار العلماء والأتقياء ، اسمه عمر بن مهاجر ، وظيفته غريبة ، وعجيبة ، وظيفته : قال له : يا عمر إذا رأيتني ضللت فأمسكني من تلابيبي ، وهزني هزاً شديداً ، وقل لي اتق الله يا عمر ، فإنك ستموت ، هذه وظيفته ، لذلك كان عمر بن عبد العزيز رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ إذا دخل مجلسه كان يتلو هذه الآية :
﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾
قصة طفيلي بن عمر الدوسي :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ ننتقل إلى موقف ذي مغزى ، هذا الموقف للطفيلي بن عمر الدوسي الطفيلُ بن عمر الدوسي سيد قبيلة دوس ، وشريف من أشراف العرب المرموقين ، وواحد من أصحاب المرواءت المعدودين ، لا تنزل له قدر عن نار ، ولا يوصد له باب أمام طارق ، يطعم الجائع ، ويُأمن الخائف ، ويجير المستجير ، أديب ، وأريب ، ولبيب ، وشاعر ، هكذا كانت جاهليته ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ))
.
قدم مكة ، وكان الصراع بين النبي عليه الصلاة والسلام ، وبين كفار قريش في أوجه ، فقال يحدثنا عن نفسه :
ما إن رأتني قريش ، وما إن رآني سادة قريش حتى أقبلوا عليّ ، فرحبوا بي أكرم ترحيب ، وأنزلوني أعز منزل ، وقالوا لي :
هذا الرجل يعنون ؛ محمداً الذي يزعم أنه نبي أفسد أمرنا ، ومزق شملنا ، وشتت جماعتنا ، ونحن إنما نخشى أن يحل بك ما حل بنا ، فلا تكلم الرجل ، ولا تسمع منه شيئاً ، فإن له قولاً كالسحر ، يفرق بين الولد وأبيه ، وبين الأخ وأخيه ، وبين الزوجة وزوجها .
فقال الطفيل : ولما غدوت إلى الكعبة حشوت في أذني قطناً ، خوف أن أستمع إلى كلامه فتفسد علاقتي بقومي ، فلما غدوت الكعبة رأيته قائماً يصلي
(( النبي عليه الصلاة والسلام ))
فهزني منظره ، وسرتني عبادته ، ووجدت نفسي أدنو منه شيئاً فشيئاً ، فقلت في نفسي ثكلتك أمك يا طفيل إنك رجل لبيب شاعر ، ما يخفى عليك الحسن من القبيح ، وما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول ، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته ، وإن كان قبيحاً تركته لماذا عطلت عقلك يا طفيل ؟! فلما انصرف النبي عليه الصلاة والسلام إلى داره ، تبعته ، وقلت له يا محمد إن قومك قالوا عنك كذا وكذا ، وقد سمعت أذني منك كلاماً طيباً فاعرض ما عندك عليّ ، فعرض النبي عليه الشهادتين ، وتلا عليه شيئاً من كتاب الله ، فقال : يا محمد ما سمعت قولاً أحسن من قولك ، ولا رأيت أمراً أعدل من أمرك ، ابسط إلي يدك لأبايعك فأسلم ، وللقصة تتمة مع قومه أرجو أن يتاح لي أن أتمها في خطبة قادمة .
على كلٍ إذا سمعت عن إنسانٍ شيئاً عليك أن تتحقق بنفسك ، أما أن تبقى عند حدود السماع فهذا عين الجهل والضلال .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
﴿ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
قد يكون الخير كل الخير عند هذا الرجل الذي ذُم أمامك ، قد يكون الخير كل الخير عند هؤلاء المؤمنين الذين ذُموا أمامك ، لا تسمع قول الناس ، تحقق بنفسك ، إن كنت موفقاً وعليماً ، وإلا تأخذ بقول الجهلة ، فتحرم نفسك الخير .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين .
التمر مهدئ للأعصاب :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مقالة قرأتها فتركت في نفسي انطباعاً ، أن التمر فيه مادة مهدئة للأعصاب ، ونسيت موضع هذه المقالة ، اليوم فوجئت أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث شريف ، حديثاً يتطابق مع هذه المقولة العلمية أتم التطابق ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( أَطْعِمُوا نِسَاءَكُمْ فِي نِفَاسِهِنَّ التَّمْرَ فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ طَعَامُهَا فِي نِفَاسِهَا التَّمْرَ خَرَجَ وَلَدُهَا ذَلِكَ حَلِيمًا فَإِنَّهُ طَعَامُ مَرْيَمَ حِينَ وَلَدَتْ عِيسَى ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ طَعَامًا كَانَ خَيْرًا لَهَا مِنَ التَّمْرِ لأَطْعَمَهَا إِيَّاهُ ))
قلت سبحان الله ما هذا العلم الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام قبل آلاف السنين ، ما هذا العلم ؟
عالم في بلاد الغرب لا يعرفون الإسلام ، ولا القرآن ، ولا حديث النبي العدنان ، يحلل التمر في مخبره فإذا به مادة مهدئة ، كيف عرف هذه الحقيقة النبي عليه الصلاة والسلام .
شيء آخر :
العلماء يؤكدون أن في التمر مادة قابضة للرحم ، تعين على الطلق وفيه مادة تمنع النزيف ، تعين على التئام الشرايين المقطوعة في الرحم إثر نزول المشيمة ، وفيه مادة ملينة تعين على إفراغ المستقيم ، وإفراغ المستقيم ؛ شرط أساسي لسهولة الولادة ، وفيه غذاء ينتقل من الفم إلى الدم في عشرين دقيقة ، وفيه معادن كثيرة ، وفيتامينات كثيرة تعين على النمو وجلاء البصر ، ورهافة السمع ، وقوة القلب ، وليونة الشرايين وفوق هذا وذاك تركيز السكريات في التمر لا يسمح أن يعيش .
حديث آخر اطلعت عليه يقول عليه الصلاة والسلام :
>(( أَكْرِمُوا عَمّتَكُمُ النَّخْلَةَ ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الطَّينِ الَّذِي خُلِقَ مِنْهُ آدَمُ ))
مؤتمر عقد في بعض البلاد التي تصدر التمور ، وقد ألقي في هذا المؤتمر خطاب تعلق في مشابهة التمر للإنسان ، النخلة بالإنسان ، فقال هذا العالم :
جزعها منتصب كالإنسان ، ومنها الذكر والأنثى ، ولا تثمر إلا إذا لقحت ، وإذا قطع رأسها ماتت ، وإذا تعرض قلبها لصدمة هلكت ، وإذا قطع سعفها لا تستطيع تعويضه ، كالإنسان تماماً ، ومغشاة بالليف الشبيه بالشعر في الإنسان ، ومن منا يصدق أن في العالم ما يزيد عن تسعين مليون نخلة ، تقدم الغذاء لمثل بني البشر .
﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت وبارك اللهم لنا فيمن أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا ، اللهم كما هديتنا للإسلام فثبتنا عليه ، اللهم ألزمنا سبيل الاستقامة لا نحيد عنها أبداً ، واهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا واقبل توبتنا ، وفك أسرنا ، واحسن خلاصنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا واختم بالصالحات أعمالنا ، اللهم بفضلك ورحمتك ، اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة ، ساعة الإجابة أن تمطرنا يا رب العالمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أعلِ كلمة الحق والدين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير .