وضع داكن
26-04-2024
Logo
الخطبة : 0084 -الصيام - حكمته وعلته - أتاني جبريل فقال يا محمد رغم أنف امرئ.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير .

التقوى التي تأتي بعد صوم رمضان

أيها الإخوة الأكارم ، بعد أيام قليلة يُطِلّ شهر الصوم ، وشهر الصوم عبادة كبرى من العبادات التي جاء بها الإسلام ، وموقف الناس من الصَّوم أحد موقفين ، موقف من يصوم كعادته من دون أن يفقه للصيام حكمة ، ومن دون أن يزيده الصيام قربةً ، وهذا الصوم لا يريده الله عز وجل ، لأنَّ العبادات التي شرعها الله عز وجل إنَّما هي عبادات معلَّلَة لمصالح الخلق فإذا نسينا العِلَّة فقد ضيَّعنا العبادة .
ما حكمة الصيام ؟ وما علَّة الصيام ؟ الأمر الإلهي ، العبادة أعظم من أن تحدَّ بِحِكمة أو حكْمَتيْن ، ولكنَّ أخْذ القليل خير من ترك الكثير ، ربّنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه العظيم :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية:183]

آيةٌ واضحة كالشمس ، لعلَّكم تتَّقون أي من أجل التقوى ، أي من أجل أن تحصل لكم التقوى ، أي من أجل أن تكونوا من المتقين فمن المُتَّقون ؟ ما هي التقوى ؟
يا إخوة الإيمان ، ويا أحباب النبي العدنان عليه أتمّ الصلاة والسلام التَّقْوى وردت في أكثر من مئتي موضعٍ في كتاب الله ، وحيثما وردت التقوى تبيَّن أنَّها فوق الإيمان ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

[ سورة آل عمران الآية:102]

قال تعالى :

﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم﴾

[ سورة الحجرات الآية:14]

من هاتين الآيتين يتَّضح أنَّ الإسلام أوَّلاً ثمّ الإيمان ثمَّ التقوى .
التقوى نورٌ يقذفه الله في قلبك ، فترى به الخير خيرًا ، والشرّ شرًّا ، لو دقَّقْت في أهل الأرض جميعًا ، مسلمهم وكافرهم ، تقيِّهم وفاجرهم ، قريبهم وبعيدهم ، مؤمنهم وملْحِدِهم ، أيّ إنسانٍ على وجه الأرض يبتغي الخير لنفسه ، ويبتغي السلامة ، يبتغي السعادة ، ويبتغي الرقيّ ، ويبتغي الزيادة ، ويبتغي طول العمر ، ويبتغي الخلود ، أيّ إنسان على وجه الأرض ، هكذا فُطِرْنا ، وهكذا فطرنا الله عز وجل ، يبتغي الخير لنفسه ، يبتغي العادة ، يبتغي الرِّفعة ، الزيادة التفوّق ، يبتغي طول العمر ، يبتغي الخلود لو أمكنه الخلود ، فلماذا الشقاء ؟ ما دام الله سبحانه وتعالى قد فطرنا على هذه الفطرة ، أن نحبَّ الخير لأنفسنا ، لمَ نشْقى ؟ نشقى يا إخوة الإيمان لأنَّ بعض الناس ظنَّ السعادة في المال ، وتوهَّمَ سعادته في شيء ، وهي ليْسَت كذلك ، توهَّم أنَّ القوَّة وحدها تحقّق له السعادة ، وبعضهم توهَّم أن المال وحده يُحقّق له السعادة ، وبعضهم توهَّم أنَّ الرِّفْعة بين الناس تحقّق له السعادة ، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى قال غير ذلك ، قال تعالى :

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[ سورة النحل الآية:97]

ما هي التقوى إذًا ؟ التقوى أن تملك رؤيةً صحيحة ، لأنَّ فطرتك تكفي ، ما تنطوي عليه من فطرة سليمة تحبّ الخير لنفسك ، ترجو لها السلامة ، ترجو لها الزيادة ، ترجو لها السعادة ، ولكنّك قد تتوهَّم السعادة في شيءٍ غير صحيح ، لا يُحَقِّقُها لك ، لذلك جاءت التقوى لتكون مِنْظارًا صحيحًا يُريك الحقّ حقًّا والباطل باطلاً ، جاءت التقوى لتكون رؤيةً صحيحة ، لذلك الإنسان التقيّ لا يمكن أن يكفر بعد التقوى ، لأنَّ رأى الخير خيرًا فاتَّبَعَهُ ، ورأى الشرَّ شرًّا فاتَّقاه ، الآيات الكثيرة التي وردت في القرآن الكريم عن التقوى مُفادُها معنًى واحدًا ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾

[ سورة الأنفال الآية:29]

يعني تفرّقون به بين الحق والباطل ، وبين الخير والشرّ ، وبين ما يصلحكم وبين ما يُشقيكم ، وبين ما هو خير ، وبين ما هو شرّ ، إن تتَّقوا الله يجعل لكم فرقانًا ، وقال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾

[ سورة النساء الآية:59]

الإنسان حينما يعلم لا يتولّى ، في آياتٍ أخرى الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

[ سورة الحديد الآية:28]

فالتقوى مرتبة فوق الإيمان قد يحقّقها الصّيام ، إن صُمْتَ صومًا صحيحًا وبلغْت به التَّقْوى فقد حقَّقْت السعادة في الدنيا والآخرة ، أما أن يترك الإنسان طعامه وشرابه هكذا ، يجوع ويعطش ، وهو هو ، أخلاقه هي هيَ ، عاداته تقاليده ، بعْدُهُ غفْلته معاصيه مخالفاته ‍، ما هذا الصيام ؟‍! أهذه عبادة ؟ أيُعْقَل أن تكون لله عز وجل ؟ أيُعقل أن يكون أمر الله بهذه البساطة ؛ ترْك الطعام والشراب ، وأداء الصلوات الخمس أداءً شكليًّا ، أهذا هو الصِّيام ؟ أبهذا الصيام نرْقى ؟ أبِهذا الصيام نعرف الله عز وجل ؟ أبِهذا الصيام نسْعد ؟ لا والله ، هذا الذي لا يريده الله عز وجل ، أن نُصلّي وأن نصوم ، ولا نفقهَ لا حكمة الصوم ولا حكمة الصلاة .
الصيام عبادةٌ كبرى ، مدرسةٌ عظيمة ، هذه النفس حينما تدع الطعام والشراب ، ولا رقيب عليها إلا الله ، ولا أحد لا الله يعلم أنَّها تركت الطعام والشراب ، عن أبو هريرة رضي الله عنه ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :

((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))

[أخرجه البخاري ومسلم]

لأنّ كلّ أمْرٍ تطيع الله فيه إنَّما يعود خيره عليك وحدك إن كنت أمينًا فالخير لك ، وإن كنت صادقًا فالثمرة بيديك ، أما ترْك الطعام هذا من أجل الله وحده ، لذلك قال الإمام الغزالي : الصّيام عبادة السرّ ، عبادة الإخلاص ، لأنّ الصيام ليس له مظهر مادّي يمكن أن يؤدّى رياءً ليس له مظهر إيجابي يمكن أن يكون مفخرةً للإنسان ، إنَّه ترْك الطعام والشراب ، وسائر المفطرات ، وترْك المعاصي والآثام ؛ غضّ البصر وصَوْن الأذن ، وضبط اللّسان ، وضبط اليدّ ، إنّه صوم الجوارح ، كلّ عمل ابن آدم له إلا الصَّوم فإنَّه لي وأنا أجزي به .
يا أيها الإخوة الأكارم ، شهر رمضان الكريم على الأبواب ، إنَّه موعدكم مع الله عز وجل ، إنَّه دوْرةٌ تدريبيَّة ، إنَّه فرْصةً سنويّة ، إنَّه مدرسة قد تدخلها في حال ، وتخرج منها في حال آخر ، قد تدخلها وأنت بدافع التَّدَنِّي ، وقد تخرج منها وأنت تُتابع التَّرقّي ، قد تدخلها وأنت مُطيع لأمر الله لكنَّ نفسك تشتهي المعصيَة ، وقد تخرج منها ، وأنت مُطيعٌ لأمر الله ، ولكنّ النفس تشمئزّ من معصية الله ، فشتّان بين النَّفْسين ؛ نفسٌ تودّ المعصية وتقول إنِّي أخاف الله ، ونفسٌ لا تشتهيها ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام بحقّ سيّدنا صهيب :

(( نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه ))

[ مشهور على ألسنة أهل العربية ]

أنتم أيّها الإخوة الأكارم مُقدمون على شهر ربّما سعدتم فيه أيَّما سعادة لا تجعلوه عادةً من عوائدكم ، لا تجعلوا صيامكم كصَوم الناس ، كصَوْم الجهلَة ، كَهؤُلاء الذين يُعدُّ رمضان عندهم فرْصةً للاجتماع ، والسَّمر والسَّهر ، وفرصةً لِتَناوُل ما لذَّ وطاب ، وفرصةً للنوم ، ما هذا الصِّيام الذي يريدُه الله عز وجل .
أيها الإخوة الأكارم ؛ هذه عبادة علينا ربّما توقّفت عليها سعادتكم الكبرى في الدنيا والآخرة ، إنَّها ترْك الطعام والشراب ، وترك سائر المفطرات التي نصَّ عليها الشَّرع ، إنَّها ترْك المعاصي والآثام ، إنّها ترْك ما سِوَى الله ، إنَّها توجُّه إلى الله بكليّة الإنسان ، قال تعالى :

﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾

[ سورة الأعراف الآية:142]

والله سبحانه وتعالى له مَوعدٌ معكم كلّ عام في هذه الليالي الثلاثين ، يجب أن يكون النهار استقامة تامَّة ، وخشيةً تامَّة ، وعملاً للصالحات ، إذا جاء الليل ، فعبادة وإقبال ، وتذكّر ، وصلاة وتلاوة قرآن ، وإنفاق في سبيل ، وليلة بعد ليلة ، وليلة بعد ليلة ، لا بدّ من ليلة ينكشف لك فيها بعض الحقّ ، لا بدّ من ليلة يتجلّى الله فيك على قلبك ، لا بدَّ من ليلة تسْمو فيها إلى خالقك ، لا بدّ من ليلة ترى فيها ما لم تكن تراه من قبل ، لا بدَّ من ليلة تحِسّ أنَّك إنسانٌ آخر ، إذًا أدركْت شيئًا من الصّيام ، موعد لقاء الله عز وجل ، لقاء يومي يتصاعد إلى أن يبلغ العشر الأخير فربّما تُوِّجَ بليلة القدر ، لا تقل هذا نسْمعهُ كثيرًا ، ولكن لا نرى منه شيئًا ، العِلَّة ليس في الأمر ، ولكن في الذي يُطَبِّق الأمر ، إن لم تطبّق الأمر تمامًا لن تقطف ثماره .
أيّها الإخوة الأكارم ؛ قد يكون الصيام مدرسةً أيَّما مدرسة ، قد يكون الصيام شهرًا مُسْعِدًا تتمنَّى العمر كلّه رمضان ، ولكن هذا منوط بك ، وبِذِمَّتك ، بِضَبطك لأمورك ، وبِعَملِكَ الصالح ، بإنفاقك المال ، وبِتِلاوتك القرآن ، بِحُضورك مجالس العلم ، لا تجعل من هذا الشَّهر كأيّ شهر ، لا تجعل من رمضان هذا كأيّ رمضان ، لا تكن كالناقة عقلها أهلها فلا تدري لا لم عُقِلَتْ ، ولا لِمَ أُطْلِقَتْ ، ضَعْ برنامجًا مكثَّفًا ، صمِّم أن تقوم الليل في كلّ يوم ، صمِّم أن تؤدِّي التراويح كاملةً عشرين ركعة ، صمِّم أن تكون غير مُثْقلٍ بالطعام والشراب ، إذا قمْت إلى صلاة التراويح ، جرِّب أن تغضَّ بصرك غضًّا حازمًا ، جرِّبْ أن تنفقَ مالك في رمضان ، جرِّب أن تقرأ كتاب الله قراءةَ تَدَبُّر لا قراءة هذَّه ، اقرأْ واعْقِل ، اقْرأ وتدبَّرْ ، اِقْرأ وارْقَ ، جرِّب أن تضبط نفسك عن كلّ خلل أو زلل .

أيها الإخوة المؤمنون ؛ أنتم مقبلون على شهر كريم ، إن سُعِدْتم به سُعِدتم به إلى الأبد ، إن كنتم صُمتُم صيامًا صحيحًا ، وأثمر الصيام إقبالاً ، وأثمرت الصلاة نورًا ، كان هذا النور صونًا لكم من كلّ زلل إلى قيام الساعة .
أيّها الإخوة المؤمنون ؛ سيّدنا يوسف عليه السلام حينما دعتْهُ امرأة ذات منصِبٍ وجمال ، وغلَّقَت الأبواب ، وقالت : هيْت لك ، ماذا قال ؟ قال : معاذ الله ، لمَ قال : معاذ الله ، ولمْ ير هذه فرْصةً لا تُعَوَّض ! ما الفرق بينه وبين إنسان آخر ؟! أنَّ النور الذي قذفه الله من وراء قلبه جعله يرى ما وراء الزنا من شقاءٍ أبدي ، قال تعالى :

﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾

[ سورة يوسف الآية:23]

لو وقف هذا الموقف إنسانٌ آخر ، لأقْدم ، وظنَّ فيه مغْنمًا فكان شقاؤُهُ الأبدي.
أيها الإخوة الأكارم ؛ لا تظنُّوا التقوى شيئًا ثانوِيًا ، الإنسان بلا تقوى قد يغنى ، وقد يرى الخير شرًّا ، وقد يرى الشرّ خيرًا ، قد يأكل مالاً حرامًا ، وقد يقع في المعاصي ، قد يُجانب الحق ، قد يكون أداةً للشرّ ، لكنَّه إذا اتَّقى ورأى الهدف الذي خلقه الله عز وجل من أجله رأى عظمة الله عز وجل ، رأى وظيفته في الدنيا ، رأى مهمَّته الدقيقة سار باتِّجاهها فسَعِدَ وأسْعَدَ .
أيها الإخوة الأكارم ؛ لا أحبّ أن أفصّل في أحكام الصيام ، ندرسها في مجالس العلم ، ولكنِّي أحبُّ في الخطبة أن أحُثَّكم عن الصيام الصحيح ، الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية:183]

من أجل أن تكونوا أتقياء ، والتقوى بعد الإيمان ، والإيمان بعد الإسلام .
فالإسلام أوَّلاً ، والإيمان ثانيًا ، والتقوى ثالثًا .
إنَّه مدرسة ثانويَّة ، إن كان الإسلام ابتدائيَّة ، والإيمان إعداديَّة ، فالتقوى مدرسة ثانويّة ، وأما الإحسان فهو مدرسة عليا ، بعد التقوى هناك الإحسان .
أيها الإخوة الأكارم ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .

 

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أنّ سيّدنا محمدًّا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمَّد وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين .

رغم أنف امرئ أدرك رمضان...

أيها الإخوة الأكارم ، عن أنس رضي الله عنه قال :

(( ارتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال : آمين ثم ارتقى ثانية فقال : آمين ، ثم ارتقى ثالثة فقال : آمين ، ثم استوى فقال : آمين ، فقال أصحابه على ما أمنت يا رسول الله ؟ قال : أتاني جبريل فقال : يا محمد رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقلت آمين ، ثم قال : رغم أنف امرئ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، قلت آمين ، وقال : رغم أنف امرئ أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ، فقلت آمين ))

[ رواه الترمذي ]

أنتم مع شهر تصفية حساب ، إن تبْت توبةً نصوحة فالإسلام يجبّ ما قبله ، إن تبْت توبةً نصوحة فتح الله لك صفْحةً جديدة ، احصِ المخالفات التي ضعفَت نفسك عن أدائها ، وتُبْ منها قبل أوَّل يوم ، وصلّ الصبح في المسجد كلّ يوم ، واذكر الله ذكْرًا كثيرًا ، اُتْل كتاب الله ، غُضَّ بصرك عن محارم الله ، صُنْ أذنك عمَّا حرَّم الله ، اضْبط لسانك عن الغيبة ، وعن النميمة ، وعن الفُحْش ، عن الكذب ، عن النفاق ، عن الرياء ، اضْبِط يدك أن لا تقوم بِمُنكر ، ولا تُعين على منكر ، ولا تشير إلى منكر ، اضْبِط رجلك أن لا تسير بها إلى معصِيَة ، إن فعلْت هذا فُتِحَت لك صفحة جديدة ، وقدِمْت على شهر ربّما أعتقك من النار ، وربّما أدخلك الجنَّة ، وربّما جعلك إنسانًا آخر ، ربّما جعلك مؤمنًا حقًّا ، ربّما جعلك تقيًّا ، ربّما جعلك قريبًا من الله عز وجل .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حديث نبويّ شريف يغفل عنه معظم الناس ، حديث جابر عن انس :

(( خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة ))

[ أخرجه الأزدي وهو ضعيف ]

هذه الأشياء إن فعلها المرء فقد أفطر ، انتهى صيامه ، يصوم صوْم الكلاب ، جوع وعطش خمس يُفطِّرن الصائم وينقضن الوضوء:

(( خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة ))

لذلك من الأدعية الشريفة : اللهمّ طهِّر قلوبنا من النفاق ، وأعمالنا من الرياء ، وألسنتنا من الكذب ، وأعيننا من الخيانة ، فإنَّك تعلم خائنة الأعيُن وما تُخفي الصدور .
أيها الإخوة الأكارم ؛ العُمْر ثمين ، الإنسان لا يدري متى يموت ، كم ممَّن مات في رمضان وهو يظنّ أنَّه سيُصيبُ رمضان آخر ، لا ندري أيَكُون هذا الشهر آخر عهْدنا برمضان ، لا ندري ! ما دام الموت لا يعلمه إلا الله فيجب أن نُبادِر بالطاعة قبل أن يأتي الموت ونحن على غير اسْتِعداد لِمُواجهته .

الدعاء :

اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيْت ، وتولَّنا فيمن تولّيْت ، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك ، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنَّا ، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين ، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين ، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير . 

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور