- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور .
الحمد لله الذي أنزل على عبده الفرقان ولم يجعل له عوجا .
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر .
من أراد مؤنساً فالله يكفيه ، ومن أراد حجة فالقرآن يكفيه ، ومن أراد واعظاً فالموت يكفيه ، ومن أراد غنى فالقناعة تكفيه ، ومن لم تكفيه هذه الأشياء فجهنم تكفيه .
وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، بلغ الأمانة ، وأدى الرسالة ، ونصح الأمة ، وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق الجهاد .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ، ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم إنا ندعوك كما أمرتنا ، فاستجب لنا كما وعدتنا .
اللهم ألهمنا الصبر عند البلاء ، وألهمنا الرضا بالقضاء ، وارزقنا الشكر على النعماء ، وإذا أردت بعبادك فتنة ، فتوفنا إليك غير مفتونين ولا فاتنين .
مشهد عظيم من مشاهد النزع قبل الموت :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مشهد عظيم من مشاهد النزع قبل الموت ، ربنا سبحانه وتعالى أورده في أواخر سورة الواقعة ، فقال :
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾
من منا لم يمت ؟ لا بد من أن نرد هذا المورد ، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، كل نفس ذائقة الموت ، إنك ميت وإنهم ميتون ، إن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً ، وأحزمكم أشدكم استعداداً له ، ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتزود لسكن القبور ، والتأهب ليوم النشور .
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴾
انسحبت الروح من الجسد ، بدءاً من أصابع القدمين ، شيئاً فشيئاً ، إلى أن وصلت إلى الحلقوم ، بعيدَ عظام الترقوة .
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ﴾
تنظرون إلى الميت ، قلقون عليه ، تحذقون فيه ، تضعون أيديكم على جبنه ، وأيديكم على نبضه ، تقيسون ضغطه ، تسمعون ضربات قلبه ، تعطونه المنعشات
﴿ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ﴾
يدكم على جبينه ، وسماعة القلب على صدره ، وجهاز الضغط على يده ، والمنعشات في فمه
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾
تنظرون .
﴿ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾
قد تنظر إلى النائم ولا تبصر ماذا يرى في منامه ، قد يرى مناماً مسعداً ، وقد يرى مناماً مزعجاً ، وقد يبكي ابنك وهو في فراشه ، تنظر إليه ولا ترى ماذا يرى
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾
ما من بيت إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات ، فإذا رأى أن العبد قد انقضى أجله ، وانقطع رزقه ألقى عليه غم الموت ، فغشيته سكراته ، فمن أهل البيت الضاربة وجهها ، والصارخة بويلها ، والممزقة ثوبها ، فيقول ملك الموت : فيما الفزع ، ومما الجزع ، ما أذهبت لواحد منكم رزقاً ، ولا قربت له أجلاً ، وإني فيكم لعودة ثم عودة ، حتى لا أبق منكم أحدا ، فو الذي نفس محمد بيده لو يرون مكانه ، ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ، ولبكوا على أنفسهم ، فإذا حمل الميت على النعش ، رفرفت روحه فوق النعش تقول يا أهلي يا ولدي ، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حل وحرم فأنفقته في حله ، وفي غير حله فالهناء لكم والتبعة علي .
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾
لو أنكم أقوياء كما تزعمون ، لو أنكم جبابرة كما تدعون ، لو أن الأمر إليكم الأمر كما ترون .
﴿ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
لو اجتمع أهل الأرض على أن يمنعوا ملك الموت من قبض روح إنسان لا يستطيعون .
﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾
تفروا منه من هذه الجهة ، وتسعى بشدة قدميك فاراً منه ، فإذا هو أمامك .
﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾
أيها الإخوة المؤمنون :
﴿ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾
لو أن بكم حول أو قوة ، لو أنكم مستغنون عن الله عز وجل .
﴿ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾
ما المصير لا بد من ثلاثة اتجاهات ، لا بد من ثلاث حالات ، لا بد من أن يكون أحدنا في أحد هذه الحالات الثلاث ، لا بد البشر قاطبة ، أحمرهم وأسودهم ، و أبيضهم ، وأصفرهم ، غنيهم وفقيرهم ، قويهم وضعيفهم ، صحيحهم ومريضهم ، عالمهم وجاهلهم ، لا بد من أن يدخل من أحد هذه الأبواب الثلاث .
﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾
هؤلاء السابقون السابقون هؤلاء الذين باعوا أنفسهم ، وأموالهم في سبيل الله ، هؤلاء الذين سخروا كل طاقاتهم في ابتغاء مرضاة الله ، هؤلاء الذين جندوا كل قواهم في خدمة الحق ، هؤلاء الذي أحبوا الله ، وزهدوا في الدنيا ، هؤلاء الذين جعلوا الدنيا تحت أقدامهم ، وجعلوا مرضاة الله نصب أعينهم ، هؤلاء .
﴿ فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾
هذا هو عرس المؤمن .
﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾
هؤلاء الذين استقاموا على أمر الله وخافوا عذاب يوم عظيم ، قاموا بالمباحات وتركوا المنكرات ، وكانوا مقتصدين .
﴿ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾
مقبولون ، ناجون ، يدخلون الجنة .
قد تمنح الجامعة إجازة بدرجة مقبول ، وقد تمنحها بدرجة جيد ، وقد تمنحها بدرجة جيد جداً ، وقد تمنحها بدرجة امتياز ، وقد تمنحها بدرجة شرف .
﴿ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴾
مقبولون ، هؤلاء الذين استقاموا في الدنيا ، غضوا أبصارهم ، وحرروا دخولهم ، وخافوا عذاب يوم عظيم ، وفعلوا المباحات التي سمح الله لهم بها ، هؤلاء من أصحاب اليمين .
﴿ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ﴾
هذا الذي سوف يقع ، حق اليقين ، ومن أصدق من الله حديثاً ، ومن أوفى بعهده من الله .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ ليس من يقطع طرقاً بطلاً ، هذا الذي يعدو ويحقق الرقم القياسي في العد ، وهذا الذي يقفز ويحقق الرقم القياسي في القفز ، وهذا الذي يسبح ويحقق الرقم القياسي في السباحة ، هذه الميداليات تعدُ في مقياس البشر نوعاً من أنواع البطولة ، ولكن الشاعر يقول :
ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتق الله البطل
البطولة إذا جاء ملك الموت ، أن تكون من المقربين .
﴿ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾
السنة المطهرة : إذا أراد الله بعبد خيراً .....
أيها الإخوة المؤمنون ؛ إلى السنة المطهرة ، النبي عليه الصلاة والسلام أعطانا مقاييس نقيس بها أنفسنا ، ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين ، وزهده في الدنيا ، وبصره عيوبه ))
(( إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه ، يأمره وينهاه ))
يصبح كما يقول الناس في مقياس هذا العصر ، يقظ الضمير ، ضميره حي ، يأمره بالمعروف ، وينهاه عن المنكر .
(( إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه ، يأمره وينهاه ))
اسْتَفْتِ قَلْبَكَ :
(( البِرُّ ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ ))
(( إذا أراد الله بعبد خيرا صير حوائج الناس إليه ))
يطرق بابه يومياً ، ليلاً نهاراً ، إذا أراد الله بعبد خيرا صير حوائج الناس إليه .
(( إذا أراد الله بعبد خيرا عاتبه في منامه ))
يرى مناماً مزعجاً وهو على وشك أن يفعل فعلاً لا يرضي الله يفكر ، يقول هذا المنام عتاب من الله لي .
(( إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا ))
لا يتركه هملاً ، يعجل له العقوبة في الدنيا .
(( إذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه ))
(( إذا أراد الله بعبد خيرا جعل صنائعه ومعروفه في أهل الحفاظ ))
هذه المقاييس ، واعظاً من نفسك ، يأمرك وينهاك ، تصير حوائج الناس إليك ، المعاتبة في المنام ، التعجيل في العقوبة ، الفقه في الدين ، الزهد في الدنيا ، التبصر في عيوب النفس ، هذا كله مقياس تعرف به ما إذا كان الله يحبك أو لا يحبك .
لقطة من التاريخ الإسلامي :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ لقطة من التاريخ الإسلامي ، سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَن عمر ، أحد عماله على أذربيجان أوفد إليه رسولاً ، هذا الرسول وصل المدينة والليل أرخى سدوله ، فكره هذا الرسول أن يوقظ عمراً في الليل ، بل ذهب إلى المسجد ليصلي ، ويلتقي بعمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ في صلاة الفجر ، وبينما هو يدخل إلى المسجد ، والظلام خيم ، سمع في جوف الليل ، وفي عمق المسجد صوتاً في أنين وحنينٌ إلى الله يقول هذا الصوت :
يا ربي أنا وافقاً ببابك ، أقبلت توبتي فأهنئ نفسي ؟ أما رددتها فأعزيها ؟
قال
(( هذا الرسول ))
من أنت يرحمك الله ، طبعاً في ظلام .
قال : أنا عمر .
قال : أمير المؤمنين !!؟ ..
يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل ، قال : إني إن نمت ليلي أضعت نفس أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي .
أيها الإخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن مَلَكَ الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز مـَن أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
* * *
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد ،ن سيدنا محمد صاحب الخُلق العظيم ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمداً وعلى آله وصحبه أجمعين .
القلب :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ القلب الذي بين جوانحنا ، من عجائب خلق الله سبحانه وتعالى ، قال عنه العلماء :
إنه أقوى عضلةٍ ، وأمتن عضلةٍ في النوع البشري .
أقوى ، وأمتن ، فهذا القلب ، سمّاه العلماء مضخةٌ ، ماصّةٌ ، كابسة ، تؤمِّن دوران الدم ، في الأعضاء ، منذ أن ينبض وأنت في الرحم ، وحتى الموت ، لا يكلُّ ، ولا يملُّ ، ولا يستريح ، ولا يتوقَّف ، منذ أن ينبض أول نبضة وأنت في الرحم ، وحتى نهاية الحياة .
كيس التامور :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ من آيات الله الباهرة ، أن الله جعل لهذا القلب كيساً ، يسميه العلماء : التامور ، هذا الكيس ، يفرز مادةً تليِّن حركته ، لئلا يحتك بالقلب الكيس نفسه ، يفرز مادة شحميةً ، تليِّن حركته ، هي في الآلات كالزيت تماماً ، وفضلاً عن ذلك ، إن القلب مغلّفٌ بغلافٍ رقيقٍ رقيق ، أملسٍ أمسٍ ، يسمى: الشغاف ، هذا الغشاء الرقيقِ الرقيق ، الأملسِ الأملس ، مع التامور الذي يفرز المادة المليّنة ، من أجل أن ينعدم الاحتكاك ، في حركة القلب .
خاصة التجلط :
ومن الآيات العجيبة ، أن في الدم خاصةً ، لولا هذه الخاصة ، لما بقي أحدنا حياً ، هي خاصة التجلُّط ، وهي أن الدم إذا لامس الهواء الخارجي ، يتشكَّل منه ألياف ، تسدُّ منافذ الشرايين إلى الخارج ، لولا هذه الخاصة ، خاصة التجلُّط ، لسال دم الإنسان كلّه ، من جرحٍ طفيف ، ولكن الدم ، ما أن يلامس الهواء الخارجي ، حتى يتجلَّط ، ويصبح أليافاً ، تسدُّ المنفذ الذي فتح ، إن كان جرحاً ، أو شيئاً من هذا القبيل .. ذلك تقدير العزيز الحكيم .
﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾
قلبٌ يعمل ، ولا يرتاح ، يمتصُّ ، الدم ، الذي أدى دوره في الأعضاء ، ويدفعه إلى الرئة ، يتصفَّى ، يطرح غاز الفحم ، ويأخذ الأكسجين ، ثم يمصّه ، للأذين الأيمن ، إلى القلب ، ثم يدفعه ، إلى البطين الأيسر ، الذي يدفعه بدوره إلى أعضاء الجسم كله ، في القلب أذينان ، وبطينان ، يمصّان الدم ، ويدفعانه ، بلا كللٍ ، ولا مللٍ .
قدر بعض العلماء أنه في كلِّ نبضةٍ ، يندفع من القلب ، مجموعة سنتيمترات مكعّبة ، تزيد على العشرة ، في الدقيقة الواحدة ، ثمانين دفعة ، يعني في الدقيقة الواحدة ، اثنين جالون ونصف من الدم يضخه القلب ، قدر بعضهم ما يضخه القلب في عمر سبعين عاماً ، بأربع ملايين جالون، يعني شيء لا يصدَّق ، هذه العضلة .
لذلك من آيات الله سبحانه وتعالى ، في خلقه ، هذا القلب ، الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام :
(( ....أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ ))
الدعاء :
اللهمَّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَّنا فيمن توليت ، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك .
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تُهنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا .
واقسم لنا مِن خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومِن طاعتك ما تبلغنا بها جنَّتك ، ومِن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، ومتّعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا ، وانصرنا على مَن عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ، ولا مبْلغ علمنا ، ولا تسلِّط علينا مَن لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين .
اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيا ، وسائر بلاد المسلمين .
اللهم أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .