وضع داكن
24-04-2024
Logo
الخطبة : 0087 - الهدى - من هو المهْتدي ؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
 اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير .

الهدى .

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ آية العيد في آيات الصّيام قال تعالى :

﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية:185]

 فالصِّيام من أجل الهدى ، فما هو الهدى ؟
 الخطبة اليوم عن الهدى ، أربع مئة آية أو يزيد وردت في القرآن الكريم عن الهدى .
 فما تعريف الهدى ؟
 قبل كلّ شيء ؛ الهدى أن تعرف الحقيقة في الكون ، حقيقة إذا عرفْتها فأنت مهتد ، والضَّلال أن تجهلها ، وقد يسأل سائلٌ وإذا لم أعرفها ماذا يحصل ؟؟؟!!!
 لو أنَّك تعرف الحقيقة أو لا تعرفها ولا يحصل شيء لا جدْوى من معرفتها .
 ولكنَّ معرفة الحقيقة مرتبطة بِسَعادتك في الدنيا والآخرة ، وجهل الحقيقة يؤدِّي إلى الشقاء ، كيف هذا ؟ أضربُ لكم مثلاً :
 لو أنَّ طيَّارًا يقود طائرةً ، إذا عرف قوانين الهواء ، قوانين السقوط ، قوانين التسارع ، التيارات الهوائيّة العليا ، تَخَلْخُل الهواء ، بخار الماء في الهواء ، السُّحب في الهواء ، الصواعق والعواصف ، إذا عرف هذه الظاهرات ، وعرف قوانينها ، وعرف علاقاتها بعضها ببعض ، وواجهها مواجهةً عِلْمِيَّة فإنَّه يطير في الهواء بِسَلامة ، فإذا تجاهلها ، أو جهلها ، ولم يُواجِهها مواجهةً عِلْميَّة يسقط ويهْلك .
 فهناك علاقة أساسيَّة ترابطيَّة بين معرفة الحقيقة وبين ما ينتج عنها من سلامة وسعادة ، ومن شقاءٍ وهلاك .
 لو تجاهل مُصَمِّمو الطائرة بخار الماء في الهواء ، وتجاهلوا أنَّ بخار الماء في الهواء ، وفي الطَّبقات العليا إذا لامسَ أجنحتها سوف يتجمَّدُ على أجنحتها ، وسوف يغيِّر ارتياب أجنحتها ، وسوف تسقط الطائرة ، إن تجاهلوا هذه الظاهرة أوْدَتْ بهم إلى كارثة .
 فلو أنَّ الأمر بِمَعنى أنَّك إذا عرفت الحقيقة أو لم تعرفها ؛ ماذا يحصل ؟
 إن لم يحصل شيء فلا جدوى من معرفتها ، ولكن إن ترتَّب على معرفة الحقيقة سلامتك وسعادتك في الدنيا والآخرة ، فمعرفة الحقيقة فرْضٌ عليك ، وإن ترتّب على جهل الحقيقة أو تجاهلها شقاءٌ وهلاك في الدنيا والآخرة فأصبح الجهْل مُهلكًا ، وقديمًا قالوا : أعْدى أعداء الإنسان الجهل .

 

تعريف الهدى .

 فيا أيها الإخوة المؤمنين ؛ الهدى أن تعرف الحقيقة التي لا غيرها ، ولا سِواها في الكون ، لذلك أربع مئة آية في كتاب الله وردَت في موضوع الهدى ، فما تعريف الهدى ؟
 هناك تعريفات جامعة مانعة ، وهناك تعريفات اسـتنباطيَّة ، فالله سـبحانه وتعالى يقول :

﴿فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾

[ سورة الحديد الآية:26]

 فالهدى هو الاستقامة ، ومن كان فاسقًا ليس مهْتَدِيًا ، هذا أحد تعريفات الهدى ، قال تعالى :

﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية:157]

 من كان قلبه مهْبطًا لِتَجَلِّيات الله عز وجل ، ولِصَلوات الله عز وجل فهو مهْتَدٍ ، وهذا تعريف آخر للهُدى ، قال تعالى :

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[ سورة الأنعام الآية:82]

 من كان قلبه مُطمئنًّا بِذِكْر الله ، لا تأخذه في الله لومةُ لائم ، لا يخشى إلا الله ، لا يرجو إلا الله فهو مهْتدٍ ، قال تعالى :

﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾

[ سورة البقرة الآية:16]

 الهـدى تجارة رأس مالها يسـير ، وربحها كثـير ، وهذا من تعـريفـات الهــدى قال تعالى :

﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾

[ سورة الأنعام الآية:56]

 الهدى يتناقض مع الهوى ، الهدى لا يقبل الهوى ، قال تعالى :

﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾

[ سورة الأنعام الآية:56]

 من تعريفات الهدى أيضًا :

﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾

[ سورة يونس الآية:45]

 هذا الذي يحسب للآخرة حسابها ، ولا يدخلها في حساباته اليوميّة ، ولا يرجِّحها على ما سواها ، ولا يهتمّ لها ، هذا من الضالين .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ يجب أن تعلموا علم يقين من الله وحده ، ولا هدًى من سواه ، ليس في الأرض هدى إلا هدى الله ، وإليكم الأدلّة ، قال تعالى

﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾

[ سورة يونس الآية:35]

 الله وحده ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾

[ سورة الإسراء الآية:9]

 وقال تعالى :

﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾

[ سورة الأحزاب الآية:4]

 قال تعالى

﴿ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾

[ سورة يونس الآية:35]

 الإنسان ضالّ إلا أن يهدِيَهُ الله عز وجل هذا الضالّ هل هو مُؤهَّلٌ أن تهتديَ به ، قال تعالى :

﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾

[ سورة الزخرف الآية:27]

 قال تعالى :

﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾

[ سورة الصافات الآية:99]

 قال تعالى :

﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾

[ سورة الفرقان الآية:31]

 قال تعالى :

﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾

[ سورة الأنعام الآية:120]

 الهدى في الحق واحد ، فإذا كان هناك شخصان متخاصمان ، أحدهما على الحق والثاني على الباطل قطعًا ، قال تعالى :

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾

[ سورة سبأ الآية:24]

 قال تعالى :

﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾

[ سورة الإسراء الآية:97]

 إذًا لا هدى إلا من الله ، الله من أسمائه الحقّ ، هو الحق المبين ، من الْتمسَ الهدى من غير طريق الدِّين فهو ضالّ ضال ضالّ .

 

من أراد الهدى فقد أهداه الله

 شيءٌ آخر ، الهدى يا إخوة الإيمان ، لا كما يتوهَّم بعض الجَهَلَة أنَّه يأتي من الله من دون سبب من العباد ، هكذا لا ندري لماذا ‍‍؟‍! الله سبحانه وتعالى قدَّر على فلانٍ أن يهتدي ، وقدَّر على فلان لا يهتدي ! هذا عَين الضلالة ، قال تعالى :

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾

[ سورة الإنسان الآية:3]

 هو ، هو مخيَّر ؛ إما أن يأخذ بالهُدى ، أو أن يتعامى عنه ، إن أخذ بالهدى فلِنَفسِهِ ، وإن تعامى عنه فعليها ، قال تعالى :

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

[ سورة البقرة الآية:148]

 قال تعالى :

﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[ سورة البقرة الآية:213]

 من عباده ، من شاء الهداية هداه الله إلى صراط مستقيم ، أيّ مخلوق ، وأيّ إنسان شاء الهداية فالله سبحانه وتعالى يهديه ، قال تعالى

﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾

[ سورة الأنعام الآية:88]

 من شاء منكم يا عبادي الهدى أهديه ، كلّكم ضالّ إلا من هديته فاسْتهدوني أهْدِكم ، اُطلبوا الهداية منِّي أهْدِكُم ، لكنّ الإنسان يا إخوة المؤمنين إذا اختار الهدى زاده الله هُدًى ، إذا اختار الهدى أخذ الله بيده إلى الهدى ، وأوْصلَه إلى هدفه ، قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[ سورة العنكبوت الآية:69]

 قال تعالى :

﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً﴾

[ سورة مريم الآية:76]

 قال تعالى :

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾

[ سورة الكهف الآية:13]

 قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾

[ سورة محمد الآية:17]

 فإذا أبى الإنسان أن يهتدي قال تعالى :

﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾

[ سورة الرعد الآية:7]

 قد تهتدي عن طريق كلمة حقّ تسمعها ، وهذا أرقى أنواع الهدى ، وقد يهتدي الإنسان إثْر مرضٍ عُضال يسْحقهُ ، وهذا هُدًى أيضًا ، وقد يهتدي الإنسان في أجواء الخوف ، وقد يهتدي الإنسان في أجواء الفقر ، ولكلّ قوم هاد ، ولكنَّ أرقى أنواع الهدى أنْ تهْتَدِيَ بأُذنك ، أن تستمع إلى الحق فتسْتجيب له .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ إيَّاكم أن تتوهَّموا أنَّ الهدى بيد أحد ، وهل من أحدٍ أعظم من النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال تعالى :

﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾

[ سورة القصص الآية:56]

 من يشاء الهداية .
 الهُدى اختيار بيَد الإنسان ، من اختار الهدى يهده الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾

[ سورة البقرة الآية:272]

 ليس عليك يا محمّد ، الأولى إنَّك لا تهدي ينفي عنه أن يملك هدى الإنسان وفي الآية الثانية ينفي عنه المسؤوليّة ، ليس عليك هداهم ، ولكنّ الله يهدي من يشاء .
 هذا الذي يقول : حتَّى يهْدِيني الله ، هذا كلامٌ فيه ضلال ، لقد هداك الله وانتهى الأمر ، وبقي عليك أن تستجيب .

 

أثمان الهدى

 يا أيها الإخوة المؤمنون ؛ هل للهدى ثمن ؟ لكل شيءٍ في الأرض ثمن ، فهل إذا دفعْت الثَّمن نِلْت الهدى ؟ نعم ، قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾

[ سورة العنكبوت الآية :69]

 إن جاهدْت نفسك وهواك ، وإن خالفْت مُيولك الدنيئة فهذا أحد أنواع الهدى ، قال تعالى :

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾

[ سورة النازعات الآيات:40-41]

 قال تعالى :

﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾

[ سورة المائدة الآية:16]

 من اتَّبع رضوان الله ، يرضي الله أن تكون محْسِنًا ، ويرضى الله عنك إذا كنت صادقًا ، يرضى الله عنك إذا كنتَ متصدِّقًا ، يرضى الله عنك إذا كنت عفيفًا ، يرضى الله عنك إذا كنت محسنًا ، يرضى الله عنك إذا كنت متواضعًا ، يرضى الله عنك إذا كنت سخيًّا قال تعالى :

﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾

[ سورة المائدة الآية:16]

 قال تعالى :

﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً﴾

[ سورة الجنّ الآية:13]

 أحد أثمان الهدى أن تجلس مجالس العلم لتَتَعلَّم الحق من الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ ﴾

[ سورة الجنّ الآية:13]

 قال تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾

[ سورة يونس الآية:9]

 فإيمانك بآيات الله الكونيّة ثمَنٌ آخر من أثمان الهدى ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[ سورة آل عمران الآية:101]

 ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيّته ، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلتُ له من بين ذلك مخرجًا ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[ سورة آل عمران الآية:101]

 قال تعالى :

﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾

[ سورة النور الآية:54]

 طاعة النبي عليه الصلاة والسلام ثمنٌ من أثمان الهدى ، واتِّباع سنَّته المطهّرة في كلّ صغيرة وكبيرة ، قال تعالى :

﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية:150]

 من ثمن الهدى أيضًا أن لا تخشى إلا الله ، أن لا تخشى الناس ، ولْتخشَ الله وحده الذي بيده الناس جميعًا ، قال تعالى :

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾

[ سورة الناس الآيات :1-6]

 قال تعالى :

﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾

[ سورة المائدة الآية:89]

 الإيمان بالآيات الكونيّة ثمن للهدى ، قال تعالى :

﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾

[ سورة النحل الآية:15]

 إذًا ما بثَّه الله من آيات عظمى في الأرض ثمن من أثمان الهدى ، قال تعالى :

﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة النمل الآيات:1-2]

 آيات الكون ، وآيات القرآن وطاعة النبي ، وخشية الله ، والاعتصام بالله والإيمان بالله ، وسماع الحق ، واتِّباع رضوان الله ، ومجاهدة النفس والهوى ؛ هذه كلّها أثمان للهدى الذي وعدنا الله به .

 

موانع الهدى

 يا أيها الإخوة الأكارم ؛ ما الذي يمنع من الهدى ؟ ما هي العقبات الكؤود التي تحول بيننا وبين الهدى ؟ استمعوا ، وعُوا ، ودقِّقوا ، وقال تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾

[ سورة القصص الآية:50]

 إن ظلمْت نفسك لا يهديك الله عز وجل ، وإن ظلمْت زوجتك لا يهديك الله عز وجل ، إن ظلمت موظَّفًا في دكّانك لا يهديك الله عز وجل ، والله لا يهدي القوم الظالمين ، والله لا يهدي القوم الكافرين ، والله لا يهدي القوم الفاسقين ، إن خرجْت عن أوامر الله لا يهديك الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾

[ سورة يوسف الآية:52]

 إن دبَّرْت تدبيرًا مبنيًّا على خيانة لإنسان ما ، الله لا يهديك ، قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾

[ سور غافر الآية:28]

 المسرفون المبذخون ، المستعلون المترفون الكذَّابون في طلب الآخرة لا يهديهم الله عز وجل ، إنّ الذين لا يؤمنون بآيات الله عز وجل لا يهديهم الله عز وجل ، الذي ينْكِرُ عظمة الشمس والقمر ، وعظمة الخلق ، وعظمة النبات ، وعظمة كأس الماء الذي تشربهُ ، وعظمة كأس الحليب الذي تشربه سائغًا طيّبًا ، إنّ الذي ينكِرُ عظمة البيضة التي تنْتجُها الدجاجة ، قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

[ سورة النحل الآية:104]

 قال تعالى :

﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً﴾

[ سورة الإسراء الآية:94]

 إن استصْغرْتَ شأن الذي يهديك لن تهتدي ، من فلان ؟ متى أصبح عالمًا ؟ ما حجمهُ في البلد حتى يهدي الناس ؟ إن اسْتصْغرتَ شأنه لن تهتدي إلى الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[ سورة القصص الآية:57]

 إذا توهَّمْت أنَّك إذا اهْتَدَيْت خطفوك ، وقيَّدوا حريَّتك ، إن توهَّمت ذلك فلن تهتدي لأنَّك أشْركت مع الله عز وجل ، أشركتَ معه إلهًا آخر ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾

[ سورة محمد الآية:25]

 إذا شاققْت أهل الحق ، وناصبْتهم العِداء لن تهتدي .
 وأكبر مانِعٍ أن ترى معظم الناس ضالِّين ، وهل أهْتدي وحدي ؟‍‍! قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾

[ سورة المائدة الآية:105]

 قال تعالى :

﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة يوسف الآية:103]

 قال تعالى

﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾

[ سورة يوسف الآية:106]

 ما يمنعك أن تهتدي وحدك رغم أنَّ عامَّة الناس ضالّين ؟ هذه موانع الهدى شيءٌ آخر .

 

ثمرات الهدى

 يا إخوة الإيمان ؛ ما هي آثار الهدى ؟ هذا الهدى النفيس ، وهذا الهدى الذي قال الله عز وجل :

﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾

[ سورة الصافات الآية:61]

 قال تعالى :

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾

[ سورة المطففين الآية:26]

 قال تعالى :

﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾

[ سورة النمل الآية:108]

 كلّ البنود التي تبذلها من أجل الهدى تعود عليك أضعافًا مضاعفة ، قال تعالى :

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[ سورة البقرة الآية:38]

 ألا تكفيك هذه الآية ؟ لا خوف عليك في الدنيا من أيّ مكروه ، من أيّ قلق ، ولا هم يحزنون على فراقها ، من نتائج الهدى ، قال تعالى :

﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾

[ سورة طه الآية:47]

 حياتك سلامٌ بِسَلام ، لا نكْبة فيها ، لا مصيبة كبيرة فيها ، لا مشكلة تذهل العقول فيها ، لا ذلّ فيها ، لا نصَب ، لا فقْر ، ولا ضيق ، قال تعالى :

﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾

[ سورة طه الآية:47]

 ومن ثمار الهدى كما قال تعالى

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[ سورة طه الآية:123]

 لا يضلّ في الأرض ولا بعد الأرض ، لا في الدنيا والآخرة ، والمطلق على إطلاقه ، ما قال تعالى :

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[ سورة طه الآية:123]

 قال تعالى :

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾

[ سورة العلق الآيات:9-12]

 اُنظر إلى عمله ، انظر إلى سلوكه ودناءته ، وشهوانيَّته ، وعلاقاته الاجتماعيَّة ، أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ؛ انظر إلى تواضعه ، وكرمه ، وعِفَّته ، ووعْده ، وإحسانه ، قال تعالى :

﴿ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾

[ سورة العلق الآيات:11-12]

 هذه من آثار الهدى ، قال تعالى :

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[ سورة الملك الآية:22]

 هذا الذي يخبط في الحياة خبْط عَشواء لا يعرف لما خُلق ، ولا لأجل ماذا خُلق ؟! ولا لماذا يعمل ؟! ولا ما هو المفيد ؟ ولا ما هو الضارّ ؟ ، قال تعالى :

﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾

[ سورة الملك الآية:22]

 يا أيها الإخوة المؤمنون ؛ يجب أن تعلموا علم اليقين أنَّ الهدى فضْلٌ من الله تعالى ، قال تعالى :

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾

[ سورة الأعراف الآية:43]

 عن أبو إدريس الخولاني رحمه الله ، عن أبي ذَرّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : - فيما روى عن الله تبارك وتعالى - أنه قال :

((كلّكم ضال إلا من هديته فاسْتهدوني أهْدِكم ))

[أخرجه مسلم والترمذي]

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .

 

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أنَّ سيّدنا محمّد صاحب الخلق العظيم .

تقويم الهدى عند الله

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ من هو المهْتدي ؟ لا أحد في الأرض مُؤهَّل أن يقيِّم أحدًا ، لماذا ؟ لأنّ الله تعالى يقول :

﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾

[ سورة الأنعام الآية:117]

 ليسَت هذه وظيفتك ، فلان ضالّ وفلان مهتد ، هذا فضول منك :

﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾

[ سورة الأنعام الآية:117]

 فربّكم هو أعلم بمن هو أهدى سبيلاً ، قال تعالى :

﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾

[ سورة الإسراء الآية:17]

 فهذه العادة الذميمة ؛ أنا أُقيِّم فلان !! من أنت ؟! هل شققْت على قلبه ، لكنّك إن رأيْتهُ مُتَلَبِّسًا بمعْصِيَة حرَّمَها الله عز وجل ، قلْ هذا عاصي ، ورأيتهُ قال خلاف القرآن فقلْ : هذا ضلال ، إن لم يخرج عن كتاب الله ، ولم تبْد منه معصيَة ، من أنت كي تقيِّمهُ ؟ قال تعالى:

﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾

[ سورة الأنعام الآية:117]

 وقال تعالى :

﴿فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً﴾

[ سورة الإسراء الآية:84]

 يا إخوة الإيمان ؛ موضوع دقيق لا تتَّسع هذه الدقائق القليلة لِمُعالجته ، علاقة الهدى بالشهوات ، في آية واحدة :

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة القصص الآية:50]

 إنْ أوْدَعَ الله فينا حبّ النساء ، هذا مَيْل أوْدعهُ الله فينا ، إن اتَّبَعنا هذا الميل وفق الهدى نسعد في الدنيا والآخرة ، وذلك بنظام الزواج ، وإن اتَّبعنا هذا الميل بغير هدى فهناك الدمار النفسي ، ودمار الحياة الإنسانيّة ، كما يحصل في الغرب ، أمراض لا يعلمها إلا الله ، لم تكن في أسلافهم ، إنَّما جاءتهم لأنَّهم اتَّبعوا أهواءهم بغير هدى من الله ، هذه الشهوات التي أودعها الله فينا كالنّفط الذي في السيارة إن وُضِع في مكانه الصحيح ، وسار في المسار الصحيح إلى غرف الاحتراق في المحرّك ، ولَّدَ حركةً نفعتْك نفعًا كبيرًا ، وإن صببْتهُ على السيارة ، وأعْطيتهُ عود ثقاب أحرق السيارة ، الشهوات قوَّة محرّكة أو مدمِّرة ، قال تعالى :

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة القصص الآية:50]

 الله تعالى حبّب إلينا المال ، فإن اتَّبعنا هذا الميل وفق الهدى الذي جاء في كتاب الله بيعًا وشراءً ، وهبةً ، أما إذا أخذنا المال اغتصابًا وسرقةً ، ورشوةً ، قال تعالى :

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة القصص الآية:50]

 معنى ذلك القيم الأخلاقيّة سياج الأهواء ، الأهواء قيَم محرّكة إن كان لها سياج من الأخلاق والهدى ، فإن لم يكن هذا الهدى أصبحت الأهواء قوَّةً مدمِّرة .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى مقام الهداية ؟ هل أيّ إنسان قرأ كتابًا مؤهَّلٌ أن يهدي الناس ؟ لا ، قد ينال منصبًا عند أهل الأرض ، ولكنَّه غير مؤهَّل أن يهدي أحدًا عند الله ، ما هي الآيات في هذا الموضوع ، قال تعالى :

﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾

[ سورة السجدة الآية:24]

 قال تعالى :

﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة البقرة الآية:124]

 امتحنه ونجح في الامتحان ، قال تعالى :

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾

[ سورة فصلت الآية:33]

 من أطاع الله ، وصبر على بلوى الله عز وجل ومن جاهد نفسه ، وكان عمله صالحًا ، عندئذٍ يسمح الله له أن يهدي الناس ، قال تعالى :

﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾

[ سورة الكهف الآية:51]

 اتَّبعوا من لا يسألكم أجرًا وهم مهتدون ، يبتغي الهدى عند الله عز وجل ، لا يرجو على هداه حمْدًا ولا شكورًا ، لا جزاءً ولا شكورًا ، لا مقابلة ، ولا تلميحًا ، ولا تصريحًا ، وأمرًا ماديًّا ولا معنويًّا ، قال تعالى :

﴿ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

[ سورة يس الآية:21]

 قال تعالى :

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾

[سورة يوسف الآية:108]

 يدعو على بصيرة ، ولا يرجو لقاء دعوته أجرًا من أيّ أنواع الأجر ، لا عاجلا ولا آجلاً ، ودعا إلى الله عمل صالحًا ، الذي يقوله بلسانه يطبّقه في سلوكه ولْتطمئنُّوا أيها الإخوة المؤمنون .

 

تحميل النص

إخفاء الصور