وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0235 - العبادة - أجراس الإنذار المبكّر.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ، ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

تعريف العبادة :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ﴾

[ سورة النساء : 36]

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه الآية من الآيات الجامعة ، فالله سبحانه وتعالى يأمرُنا أن نعبدهُ ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى قال في مَوْضعٍ آخر :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[ سورة الذاريات : 56]

 فلا يبلغُ الإنسان الغاية التي خُلق من أجلها إلا إذا عبَدَ الله سبحانه وتعالى ، إذا عبدَهُ سَعِدَ بهذه العبادة ، بل إنّ الله سبحانه وتعالى ما خلقَ الإنسان إلا ليُسْعدَهُ ، ولا تكون هذه السعادة إلا بعِبادته ، وفي بعض تعريفات العبادة هي طاعةٌ طَوْعِيّة ، تسبقها معرقة يقينيّة ، تنتهي بِسَعادةٍ أبديّة ، فمِنْ لوازم العبادة أن تعرف المعبود ، أن تعرف أنّه لا معبودَ بِحَقّ إلا الله تعالى ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾

[ سورة البقرة : 21]

 لا يستحقّ العبادة إلا الخالق ، ولا يستحقّ العبادة إلا الربّ المُمِدّ ، ولا يستحقّ العبادة إلا المسيِّر ، ولا يستحقّ العبادة إلا من يسمعُ نَجْواك ، ويعلمُ ما في نفسك وإليه المصير.

 

توقف سعادة الإنسان على تطبيق أوامر القرآن الكريم :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ أوامر القرآن الكريم تقتضي الوُجوب ، بل إنّ سعادة الإنسان متوقّفةٌ عليه ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾

[ سورة البقرة : 21]

 وفي هذه الآية : واعبُدُوا الله ؛ الله سبحانه وتعالى علَمٌ على الذات الواجب الوُجود، أسماء الله الحسنى كلّها مجموعة في قول الله : واعبُدُوا الله .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ ما الذي يتناقض مع العبادة ؟ ما الذي يُلغي العبادة ؟ ما الذي يعطّل العبادة ؟ أن تشرك بالله تعالى ، قال العلماء : الشِّرْكُ نوعان ؛ شِرْكٌ جليّ ؛ أن تقول إنّ مع الله إلهًا آخر ، هؤلاء الذين عبدوا غير الله تعالى ، في شتّى بِقاع الأرض ، هؤلاء الذين ادَّعوا أنّ مع الله إلهًا آخر ، هذا شرْكٌ جليّ ، نعوذ بالله من الشّرْك الجليّ ، ولكنَّ الشيء الذي يقع بين المسلمين هو الشّرك الخفيّ ، قال تعالى :

﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾

[ سورة الجاثية : 23]

 هذا الذي يُطيعُ هواه ، ويعصي ربّه فقد أشْرك ، وهذا الذي يخشى ما سوى الله تعالى ، يرجو ما دون الله تعالى ، يطمعُ فيما دون الله تعالى ، هذا مشركٌ شركًا خفيًّا ، لهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( أخْوَفُ ما أخاف على أُمّتي الشِّرْك الخفيّ ))

 الشِّرْك الخفيّ أن تحبّ غير الله تعالى ، أن ترجوَ غير الله تعالى ، أن تخاف من غير الله تعالى ، أن تؤمِّلَ في غير الله ، أن تنصاع لأمر غير الله تعالى .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ بعضهم قال : لك ألفُ معبودٍ مُطاعٍ أمرهُ دون الإله وتدَّعي التوحيد ؟‍! لِمُجَرّد أن ترضي إنسانًا بسخط الله تعالى فهذا شرْك ، وهذا الشِّرْك يتناقض مع العبادة ، إما أن تكون عبدًا لله تعالى ، وإما أن تكون عبدًا لعبدٍ لله تعالى ، إما أن ترضي الله في سخط الناس ، وهذا هو التوحيد ، وإما أن تسخط الله برضا الناس وهذا هو الشّرْك ، إما أن تيْئس ممّا عند الله تعالى ، وهذا هو الشِّرْك ، وإما أن تطمعَ بما عندهُ وحدهُ ، وهذا هو التوحيد ، لهذا قيل : إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله ، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس ، فكنْ بما في يدي الله تعالى أوْثقُ منك بما في يديك ، وإذا أردت أن تكون أكرمَ الناس فاتَّق الله تعالى .
 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ لا يرقى الإنسان إلى مستوى العبوديّة الحقّة ، والعبودية الحقّة أن تنصاعَ بكليّتك إلى أوامر الله عز وجل ، صغيرها وكبيرها ، في كلّ شؤون حياتك ، لا تكون عبدًا لله ، ولا تحقّق الهدف من وُجودك ، ولا ترقى إلى الله إلا إذا عبدْته ، وعبادته تعني أن تُطيعهُ فيما جاء به القرآن الكريم ، وسنّة النبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم .

 

من عبد الله ينبغي ألا يطيع معه أحداً سواه :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ ما سرُّ أن يكون النّهي ، ولا تشركوا به شيئًا بعد واعبدوا الله ؟ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا ، السرّ في أنّك إذا عبدْت الله تعالى ينبغي ألا تُطيع معه أحدًا سواه ، فإذا أطعْتَ أحدًا سواه فإنّك لم تعبدْهُ ، وما وفَّيْتَ حقّ العبادة ، ويؤخذُ من كلمة شيئًا بأنّه ما في اللّغة العربيّة شيءٌ أوْسعَ شُمولاً من كلمة شيئًا ، فمهما دقّ الشيء فهو شيء ، ورد في بعض الأحاديث :

((الشرْك أخفى من دبيب النملة السوداء ، على الصّخرة الصمّاء ، في الليلة الظلماء ))

[ أخرجه الحاكم عن عائشة أم المؤمنين ]

 وأدناهُ أن تحبّ على شيءٍ من الجَوْر ، أو أن تبغض على شيءٍ من العدل ، فإذا أشْركت بالله شيئًا ، ويؤخذُ من كلمة شيئًا الشِّرْك الخفيّ ، يؤكّد هذا قول الله عز وجل :

﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾

[ سورة يوسف : 106]

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ قال تعالى :

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ﴾

[ سورة النساء :36]

 إذا اعتمدْت على الأسباب فهذا هو الشِّرْك .
 الآن شيءٌ آخر غير طاعة غير الله تعالى ، إذا اعْتمَدْت على الأسباب ، وإذا اعتمدْت على مالك فهذا شِرْك ، إذا اعتمدْت على أهلك فهذا شرك ، إذا اعتمدْت على صحّتك فهذا شرك ، إذا اعتمدت على مكانتك فهذا شرك ، أن تطيع غير الله شرْك ، وأن تعتمد على ما سوى الله تعالى شرك ، أن تطمئنّ إليه ، أن ترى ذلك شيئًا قويًّا ، وهو ما سوى الله عز وجل ، لذلك جاء في القرآن الكريم أنّه ما من إنسانٍ يدعو مع الله إلهًا آخر إلا عُذِّب في الدنيا ، قال تعالى :

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾

[ سورة الشعراء : 213]

رفع الإحسان بالوالدين إلى مستوى العبادة :

 أما الشيء الذي يلفتُ النظر فهو أنّ الله سبحانه وتعالى قال :

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾

[ سورة النساء :36]

 رفع الإحسان بالوالدين إلى مستوى العبادة ، حينما تعطفُ شيئًا على شيء فلابدّ من أن ترفع أحدهما إلى الآخر ، لابدّ من انْسِجامٍ ، ولا بدّ من موازاةٍ ، ولابدّ من مُساواةٍ ، وأنّ الإحسان إلى الوالدين شيءٌ عظيم يرقى إلى مستوى عبادة الله سبحانه وتعالى ، ولكن هناك فرقاً بين عبادة الله ، وبين الإحسان إلى الوالدين ، هذا الفرق هو أنّه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ، قال تعالى :

﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾

[ سورة لقمان : 15]

 أما قوله تعالى :

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾

[ سورة النساء :36]

 فاستنبط علماء اللّغة من الباء في قوله وبالوالدين أنّ هذه الباء للإلصاق ، تقول : أمسكتُ بيده ؛ أيْ ألصقْتُ يدي بيدِهِ ، ومن معاني الباء الاستعانة تقول : أكلتُ بالملعقة ، ومن معاني الباء الظرفيّة ، تقول : مررتُ بِدِمشق ، أما الباء هنا فللإلصاق بِمَعنى أنّ الإحسان إلى الوالدين لا يُقبلُ منك إلا أن يكون منك بالذات مباشرةً ، لا يقبلُ منك أن ترسلَ إنسانًا نيابةً عنك لِيُحسنَ إلى والديك ، لأنّ كلمة أحسن باللّغة تتعدّى بإلى ، لكنّها في الآية تعدَّتْ بالباء ، ومعنى ذلك أنّ الإحسان إلى الوالدين يجبُ ان يكون منك بالذات مباشرةً ؛ يدًا بيد ، ووجهًا لوجه ، لأنّ الذي يُدخل السّرور على قلب الأم والأب ، أنْ يرَوْكَ بينهم ، أن يراك الأب في بيتك ، أن تراك الأمّ في بيتها ، أما أن ترسلَ لها ما تحتاج ، وتظنّ أنّ هذا هو الإحسان ، فليس من الإحسان في شيء ، لقول الله عز وجل :

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾

[ سورة النساء :36]

الإحسان إلى الوالدين يكون أعظم أجرًا عندما يبلغُ أحدهما أو كلاهما الكِبَر :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ الله سبحانه وتعالى قال :

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾

[ سورة الإسراء : 23]

 استنبط من هذه الآية أنّ الإحسان إلى الوالدين يكون أعظمَ أجرًا عندما يبلغُ أحدهما أو كلاهما الكِبَر ، فالأب الشابّ يعرفُ ما له وما عليه ، ربّما كان الأب الشابّ ميّزةً للابن ، ربّما كان رفْعًا لِقَدره ، ربّما كان دفعًا له ، ربّما كان عطاءً ، ولكن إذا بلغ الكبر أحدهما أو كلاهما صار الأب عِبئًا على ابنه ، عندها يعظمُ الأجْر ، عندها تعظمُ قيمة هذا الإحسان ، قال تعالى :

﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ﴾

[ سورة الإسراء : 23]

 واستنبط علماء التفسير من هذه الآية ، ومن كلمة عندك ، أي إذا كان الأب يسكن عندك في البيت ، فيحتاجُ إلى عطاءٍ كثير ، وصبرٍ كبير ، ويحتاجُ إلى تجلّد ، ويحتاج إلى تضحيَة ، إما يبلغنّ عندك الكبر ، إذا كان الأب أو الأم أو كلاهما عندك في البيت ، وقد بلغَا من الكبر عِتِيًا ، عندئذٍ يعْظُم الأجْر ، عندئذٍ رفع الله سبحانه وتعالى مستوى الإحسان إليهما إلى مستوى العبادة فقال تعالى :

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾

[ سورة الإسراء : 23]

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه الآية كما قلتُ قبل قليل من الآيات الجامعة يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾

[ سورة النساء :36]

 وردَ في بعض الأحاديث الشريفة :

((لِيَعْمل العاقّ ما شاء أن يعمل فلنْ يُغفرَ له ))

[ الحاكم في تاريخه عن معاذ ]

 وقد وردَ في بعض الأحاديث :

((أنْ لو في اللّغة كلمةٌ أقلّ من أفّ لقالها الله عز وجل))

 قال تعالى :

﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾

[ سورة الإسراء : 23]

 ليس في لغة العرب كلمةٌ أقلّ من كلمة أفّ ، قاس بعض العلماء على كلمة أُفّ أن تشدّ النّظر إليهما ، كأنّك قلتَ لهما أفّ ، قاس بعض العلماء على كلمة أُفّ أن تُدير ظهرك لهما ، أن تدفع الباب بعُنْفٍ في وجههما ، هذا كلّه عند الله سبحانه وتعالى معصيَةٌ ثابتة .
 فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ من كان له أبٌ على قيْد الحياة ، من كانتْ له أُمّ على قيْد الحياة فلْيَكسب حياتهما ، وليتقرّب إلى الله بخدمتهما ، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال مخاطبًا أحد الذين كانوا معه في الجهاد ، قال :

((ارْجِع إلى أُمّك وأبيك فأضْحِكهما كما أبكيتهما في الفراق ))

[ البخاري عن عبد الله بن عمرو]

 وفي بعض الأحاديث الشريفة ، قال :

((فهيما فجاهِد ))

[ الطبراني عن ابن عمر]

 أي إذا خدمْتهما حقّ الخدمة تكون قد جاهدْت في سبيل الله .

 

الإسلام تضامن اجتماعي :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا هو الإسلام ، هذا هو الإسلام ، تضامنٌ اجتماعيّ في بعض البلاد الغربيّة تتمنّى الأمّ أن تتلقّى من ابنها رسالة في عيد الميلاد ، يضنّ عليها برِسالة ، يضِنّ عليها ببطاقة ، وقد سمعتُ أنّ رجلاً في بعض البلاد الغربيّة توفِّيَ في بيته ، وبقيَ ستّة أشهرٍ ، وكان الوقت شتاءً ، والجوّ باردًا ، وفي طابقٍ مرتفع ، وفي المدينة ستّة من أولاده ‍! ما خطرَ على بال واحدٍ منهم أن يزورهُ مرّة في هذه الأشهر الستّة ، لكنّ الإسلام يأمرنا بِبرّ الوالدين والإحسان إليهما ، يأمرنا بالعطْف عليهما ، ويكفي النبي عليه الصلاة والسلام توجيهًا سديدًا أنّه قال لأحد السائلين :

((أنت ومالك لأبيك))

 وأنت ومكانتك ، وأنت وشأنُك .

 

الإحسان إلى ذي القربى :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ قال تعالى :

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى﴾

[ سورة النساء :36]

 هؤلاء الأقارب ، الأعمام والعمّات ، الأخوال والخالات ، أبناء العم ، أبناء العمّة ، أبناء الخال ، وأبناء الخالة ، الأخوات ، الأخوة ، أبناء الأبناء ، هؤلاء هم الأقارب ، هل سألتَ عنهم ؟ هل تفقّدْت أحوالهم ؟ هل عُدت مرضاهم ؟ هل أعنْتَ فقيرهم ؟ هل زرْتهم ؟ هل قدَّمت لهم مساعدة ؟ هل زوَّجْت بعض أبنائهم ؟ لماذا خُلقت على وجه الأرض أنت ؟ من أجل أن تأكل وتشرب ، أهكذا خُلق الإنسان ؟ قال تعالى :

﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾

[ سورة القيامة : 36]

 قال تعالى :

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾

[ سورة المؤمنون : 115]

 أمْرٌ إلهي ، والأمْرُ الإلهي يقتضي الوُجوب ، وبذي القربى ، هؤلاء الأقارب تفقّد أحوالهم ، فقد ورد : " يُحشرُ الأغنياء يوم القيامة أربع فِرَقٍ ، فريقٌ جمع المال من حرام ، وأنفقهُ في حرام ، فيُقال : خُذوه إلى النار- حسابُه سريع ، ولم أقل يسيراً - وفريق جمع المال من حلال ، وأنفقه في حرام ، فيُقال : خُذوه إلى النار ، وفريقٌ جمع المال من حرام ، وأنفقه في حلال ، فيُقال : خُذوه إلى النار ، وفريقٌ جمع المال من حلال ، وأنفقه في حلال - قد يتبادرُ إلى الذّهْن أنّ هذا الفريق سيُقال له : خُذوه إلى الجنّة ، هذا الذي يُحاسب - هذا يُقال له : قِفُوه فاسألوه " هل تاه بِمَالهِ على عباد الله تعالى ؟ هل قال من حوله : يا ربّ لقد أغْنَيتهُ بين أظهرنا فقصَّر في حقّنا ؟ هذا هو التكافل الاجتماعي ، حينما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالإحسان إلى ذي القربى أقام مبدأ التكافل الاجتماعي ، أنت مسؤول عن أهلك ، وعن أولادك ، وعن إخوتك ، وعن أبناء إخوتك ، وعن إخوانك ، وعن أبناء أخواتك ، وعن عمّاتك وخالاتك ، وعن أعمامك وعمّاتك ، وعن أولادهم ، هذه المسؤوليّة ، يجبُ أن تتّصل بهم ، يجبُ أن تمدّهم ، يجب أن تمدّ لهم يد المساعدة ، يجبُ أن تتفقّد أحوالهم ، وتعطيّهم ممّا أعطاك الله ، يجبُ أن تعود مريضهم ، يجبُ أن تُعطيَ بائسهم ، يجبُ أن تزورهم ، وهذه صلة الرّحم .

 

طُول العمر لا يُقاسُ بالزَّمَن بل بالإنجاز الذي يحققه الإنسان :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾

[ سورة الإسراء : 26]

 ويقول عليه الصلاة والسلام :

((من أحبّ أن يُبسط له في رزقه ))

 أن يكون رزقك واسعًا ، وأن تكون في بحبوحة :

((… وأن يُنسأ له في أثره - أي أن يطول عمره - فلْيَصِل رحمهُ ))

[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]

 فَصِلَةُ الرّحِم من علامات رضا الله عز وجل ، بل من مُسبِّبات الرّزق ، بل من مُسبّبات طول العمر ، وإذا كان العمر محدوداً ، فطول العمْر يعني كثْرة الأعمال الصالحة، الإمام الشافعي عاشَ نيِّفًا وخمسين عاما ، ولم يكن معمِّرًا ، ولكنّه تركَ أثرًا لا يُمحى ، فهل يُقال: إنّ هذا الإمام العظيم عاشَ عمرًا قصيرًا ؟ لا والله ، فَطُول العمر لا يُقاسُ بالزَّمَن ، إنّ عمر الإنسان الزمني هو أتفه أعماره ، بل إنّ الإنجاز الذي حقّقهُ في عمره هو العمُر الحقيقي ، قال :

دقّات قلب المرء قائلةٌ لـــــــــــــــه  إنّ الحياة دقائق و ثــوان
فاجْعل لنفسك قبل موتك ذكرها  فالذِّكْرُ للإنسان عمْـرٌ ثان
***

 الإنجاز هو ما يُقاسُ به العمر ، ماذا فعلْت ؟ اسْأل نفسك هذا السّؤال ؛ المستهلكات لا قيمة لها ، ماذا أكلْت ؟ أين نِمْتَ ؟ بماذا تنعَّمْت ؟ هذه أشياء تنتهي عند الموت، ولا أثرَ لها بعد الموت ، ولكنّ الأعمال الصالحة هي التي تبقى معك .
 فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ دقّقوا في هذا الحديث :

((من أحبّ أن يُبسط له في رزقه ، وأن يُنسأ له في أثره - أي أن يطول عمره - فلْيَصِل رحمهُ ))

[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]

 و :

(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفهُ ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصِلْ رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت))

[ البخاري عن أبي هريرة ]

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه الآية نتابعُ الحديث عنها في الخطبة بعد القادمة إن شاء الله تعالى ، قال تعالى :

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ﴾

[ سورة النساء :36]

* * *

نموذجٌ حيّ من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ نموذجٌ حيّ من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ؛ كان من بين الأسْرى الذين جيءَ بهم إلى المدينة المنوّرة سفّانةُ بنت حاتم طيّ ، فلمّا مرّ النبي صلى الله عليه وسلّم لِيَستعرض الأسرى وقفَتْ ، وكانتْ ذكيّةً وأديبة ، فقالَتْ : يا رسول الله ، هلَكَ الوالِدُ ، وغابَ الوافِد ، فإن رأيْتَ أن تُخَلِّي عنّي ، ولا تُشْمِت بيَ الأعداء ، ولا تُشمتْ بيَ أحياء العرَب ، فإنّ أبي كان سيّد قومه ، يفكّ العاني ، ويقتل الجاني ، ويحفظُ الجار ، ويحمي الذّمار، ويفرّجُ عن المكروب ، ويُطعمُ الطّعام ، ويُفشي السّلام ، ويحملُ الكلّ ، ويُعينُ على نوائب الدّهْر، وما أتاهُ أحدٌ في حاجةٍ فردّهُ خائبًا ، أنا بنتُ حاتم طيّ ، فقال عليه الصلاة والسلام : من الوافد ؟ فقالَت : عديّ بن حاتم ، فقال : الفارّ من الله ورسوله ؟ أعادَتْ الكرّة عليه مرَّتين أو ثلاث ثمّ قالَت له مثلما قالتْ في المرّة الأولى ، فقال : يا جارية هذه صفات المؤمن حقًّا ، لو كان أبوك إسلاميًّا ، لترحَّمْنا عليه ، خلُّوا عنها ، فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق ، ثمّ قال عليه الصلاة والسلام :

((ارحموا عزيز قومٍ ذلّ ، وغنيّ افتقر ، وعالم ضاع بين الجهّال ))

 وامتنّ عليها بقومها ، فأطلقهم جميعًا تكريمًا لها ، فاستأذنتهُ بالدّعاء فأذِنَ لها ، وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه : اسمعوا وعُوا ، فقالتْ : " أصاب الله بِبِرِّك مواقعه ، ولا جعلَ لك إلى لئيمٍ حاجة ، ولا سلبَ نعمةً عن كريم قومٍ إلا جعلك سببًا في ردّها عليهم " فلمّا أطلقها رجعَتْ إلى أخيها عديّ بن حاتم بِدَوْمة الجندل فقالَتْ له : يا أخي ، ائتِ هذا الرّجل قبل أن تعلقك حبائلُه ، فإنّي رأيتُ هديًا ، ورأياً سيغلبُ أهل الغلبة ، ورأيتُ فيه خصالاً تعجبني ، رأيتهُ يحبّ الفقير ، ويفكّ الأسير ، ويرْحمُ الصّغير ، ويعرفُ قدْر الكبير ، وما رأيتُ أجْوَدَ ، ولا أكرمَ منه ، فإن يكن نبيًّا فللسابق فضله ، وإن يكن ملكًا فلن تزال في عزّ ملْكه ، قال : فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخلت عليه وهو في مسجده ، فسلمت، فقال : من الرجل ؟ فقلت : عدي بن حاتم . قال : فانطلق بي إلى بيته ، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته ، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها ، فقلت في نفسي : والله ما هذا بأمْرِ ملكٍ ، فلمَّا دخل البيت معه دفعَ إليّ وِسادةً من أدمٍ مَحْشُوَّةً ليفًا ، فقال : اجْلسْ عليها، قلتُ: بل أنت ، قال : بل أنت ، لأنّه الضّيف ، قال : فجلسْتُ عليها ، وجلسَ هو على الأرض، نبيُّ هذه الأمّة ، وسيّد الخلْق ، وحبيب الحقّ ، ليس في بيته إلا وسادة واحدة ، فجلسْتُ عليها، وجلسَ هو على الأرض ، فقال : إيه يا عديّ بن حاتم ، ألَمْ تكن ركوسيًّا ، وهو دينٌ من فروع النصرانيّة ؟ قلتُ : بلى ، قال : أو لَمْ تكن تسير في قومك بالمِرباع ؟ أي تأخذ ربْع أموالهم، قلت: بلى ، قال : فإنّ ذلك لم يكن يحلُّ لك في دينك ! فعلمْتُ أنّه نبيّ مرسَل ، يعلم ما يجهل ، قال : لعلّك يا عديّ ، إنما يمنعك من دُخولٍ في هذا الدّين ما ترى من حاجتهم - أي من فقرهم - وأيْمُ الله ليُوشِكَنَّ المال أن يفيضَ فيهم ، حتى لا يوجدُ من يأخذه ، ولعلّ ما يمنعك من دخولٍ في هذا الدِّين ما ترى من كثْرة عدوّهم ، فوالله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة البابليّة تحجّ البيت على بعيرها لا تخاف ، ولعلّ ما يمنعك من دخولٍ في هذا الدِّين أنّك ترى أنّ المُلْك والسلطان في غيرهم ، وأيْمُ الله ليوشِكنّ أن تسمعُ بالقصور البابليّة مفتَّحةٌ للعرب .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه قصّة سفّانة بنتُ حاتم طيّ ، وعدي بن حاتم طيّ ، كان يحمي الجار ، ويعينُ الكلّ ، ويعطي المسكين ، هكذا كان عليه الصلاة والسلام .
 حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أجراس الإنذار المبكّر في الجسم البشري :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ في الجسم البشريّ آيةٌ عظيمة دالّة على عظمة الله سبحانه وتعالى ، سمّاها بعض العلماء أجراس الإنذار المبكّر في الجسم البشري ، بعض الدُّوَل المتقدّمة في مقياس العصْر ، لا في مقياس الإسلام تبتدعُ ما يُسمّى بأجهزة الإنذار المبكّر ، وهذا الجسم الذي خلقهُ الله في أحسن تقويم ، زوَّدهُ بهذه الأجهزة ، أجهزة الإنذار المبكّر ، فهذه الأجهزة متواجدةٌ - إن صحّ التعبير - في الجلد ، فالجلد هو سطحٌ يغطّي شبكةً هائلةً من الأعصاب ، وانتشار الأعصاب تحت سطح الجلد شيءٌ لا يُصدّق ، هذه الأعصاب تنتهي بِجُسيماتٍ خاصّة يختصّ كلٌّ منها بِنَقل حِسٍّ معيّن ، هناك جُسيمات تنقل الحرّ والبرْد ، فأن تغسل يديك ، وأن تضع الماء على وجهك شيءٌ مقبول في الشّتاء ، أما أن تضع على ظهرك فهذا لا يحتملهُ معظمُ الناس لأنّ عدد الأعصاب التي وُزّعَت على ظهر الإنسان يفوق عددها في اليد والوجه ، وهناك حكمةٌ بالغة ، الأعضاء التي يجبُ أن تغسلها كلّ يومٍ خمس مرّات ، أعصاب الإحساس بالبرودة فيها ضعيفة ، ولكنّ الأماكن التي إذا صببْتَ عليها الماء تضرَّرَتْ؛ أعصاب الإحساس بالبرودة فيها كثيرة ، وهناك جُسيمات تتحسّس بالضّغط واللَّمْس، وحول الضّغط موضوع طويلٌ ، كيف أنّ الإنسان يتقلّب في الليلة الواحدة ما يزيدُ عن أربعين مرّة ، لأنّ الجسم إذا ضغط على جهةٍ معيّنة ضاقَتْ الشرايين ، فتعطَّلَتْ الترويَة ، لذلك هذه الجُسيمات تنقل الإحساس بالضّغط إلى المخّ وأنت نائم ، والمخّ يصدرُ أمرًا بالحركة وأنت نائم ، وهذا ورد في القرآن الكريم ، وهو من إعجازه العلمي ، قال تعالى :

﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ﴾

[ سورة الكهف : 18]

 ولو أنّ التقليب ذات اليمين فقط لوقعَ الإنسان من على السرير ، حكمةُ الله عز وجل أنّ هذا التقليب ذات اليمين ، وذات الشّمال ، هذا هو الإحساس بالضّغط ، وهناك الإحساس بالألم ، يقول العلماء : إنّه من ثلاثة إلى خمسة ملايين نهاية عصبيّة تختصّ بالألم ! وأما للحرّ والبرْد فالنهايات العصبيّة تزيدُ عن مئتي ألف ، وأما للإحساس بالضّغط فهناك ما يزيدُ عن خمسمئة ألف ؛ نصف مليون !!
 أيها الأخوة الأكارم ؛ هذه المعلومات الهائلة من حرّ وبرْد ، من ألَمٍ ، ومن ضغط ولمْس ، ينقلها ستة وسبعون عصبًا مركزيًّا إلى المخّ وأنت نائم لا تدري ! إذا لامسَتْ يدك شيئًا حارًّا ، فإنّ استجابة اليد عن طريق سحب اليد تقلّ عن واحد في المئة من الثانية ، الشيء الخطِر لا يستدعي أن يصل الإحساس إلى المخّ ، ولكن يكفي أن يصل إلى النخاع الشوكي ، والنخاع الشوكي يصدرُ أمرًا بِسَحب اليد في أقلّ من واحد في المئة من الثانية وأنت غير منتبه ، لو أنّ يدك لامسَتْ شيئًا حارًا وأنت غير منتبه تسحبها في استجابةٍ مِثاليّة .
 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ إنّ الإحساس بالتوازن - وهذا من وظائف بعض الأعصاب - يحقّقُه خمسون مفصلاً ، ومئتا عظم ، ومئتا عضلة كلّها تُسهمُ في أن تبقى واقفًا على قدميك من دون خلل أو طَيْش .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ لا زلتُ أذكر هذه الآية :

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾

[ سورة فصلت : 53]

 وفي نفْس كلٍّ منكم آياتٌ لا تنتهي ، لو أنّ الإنسان صرفَ عمرهُ كلّه في التدقيق بأجهزته ، وأعضائه ، وعضلاته ، وأعصابه لانقضى العمر ولم تنقض هذه الآيات الدالة على عظمته ، وفي كلّ شيءٍ له آيةٌ تدلّ على أنّه واحدُ .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور