- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهدث أن سيدنا محمداً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الصلاة هي الركن الوحيد الذي لا يسقط بحال :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ انقضى شهر الصيام ، ولكن العبادة التي لا تنقضي ، ولا تسقط بحال ، إنما هي الصلاة ، بل إن الصيام من أجل الصلاة ، وإن الزكاة من أجل الصلاة ، وإن الحج من أجل الصلاة ، وإن الصلاة من أجل الصلاة ، الفرض الوحيد ، الركن الأوحد ، الذي لا يسقط بحال وهو المتكرر على الدوام إنما هو الصلاة .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ قد يكون الإنسان مريضاً فتسقط عنه عبادة الصيام ، ولا تسقط عنه عبادة الصلاة ، وقد يكون الإنسان فقيراً ، فتسقط عنه عبادة الحج ولا تسقط عنه عبادة الصلاة ، وقد يكون الإنسان فقيراً أيضاً فيعفى من الزكاة ولا يعفى من الصلاة ، الصلاة في بعض أقوال العلماء تجمع أكثر معاني العبادات الأخرى ، فإذا كان الصيام ترك الطعام والشراب ، فأنت في الصلاة تترك الطعام والشراب والحركة ، غير التي نصت عليها أحكام الصلاة ، وأنت في الصلاة تتجه إلى بيت الله الحرام ، وهذا من معاني الصلاة التي تشترك بها مع الحج ، وأنت في الصلاة إنما تزكي عن وقتك والوقت أصل في كسب الرزق ، ففي الصلاة معنى الزكاة ، وفي الصلاة معنى الحج ، وفي الصلاة معنى الصيام ، إنها الركن الوحيد الذي لا يسقط بحال .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ ربنا سبحانه وتعالى قال على لسان سيدنا إبراهيم في دعائه :
﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾
وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على سيدنا إسماعيل فقال عنه جل جلاله :
﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ﴾
وسيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام أمره الله سبحانه وتعالى بإقامة الصلاة قال تعالى :
﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
وسيدنا لقمان في القرآن الكريم يوصي ابنه فيقول :
﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾
وسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، يقول متحدثاً عن وصية الله له :
﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾
وسيدنا محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم ، تأمره بالصلاة :
﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
والله سبحانه وتعالى جعل الصلاة من ألزم صفات المؤمنين المتقين قال تعالى :
﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
والله سبحانه وتعالى جعل الصلاة عنواناً للفلاح ، بل جعلها هي الفلاح ، قال تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
الصلاة عماد الدين وعصام اليقين :
والعلماء يقولون : إن الخشوع ليس من فضائل الصلاة بل من فرائضها ، بعد أن انقضى شهر الصيام لا تزال فريضة الصلاة هي الفريضة الأساسية ، الصلاة عماد الدين وعصام اليقين كما قال عليه أفضل الصلاة والتسليم ، بعد انقضاء رمضان فرض الصلاة هو الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال ، ربنا سبحانه وتعالى في سورة المؤمنون بدأها بقوله تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
وأنهى هذه الآية بقوله تعالى :
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾
إنه يحافظ على أدائها في وقتها ، إنه يحافظ على أدائها بحركاتها وسكناتها كما نص عليه الفقهاء ، إنه يحافظ على الخشوع فيها ، إنه يحافظ على الإقبال على الله فيها .
﴿يُحَافِظُونَ ﴾
تعني أشياء كثيرة ، بل إن مما تعني كلمة يحافظون إنهم يحافظون على طاعتهم لربهم ، وعلى استقامتهم على أمره فيما بين الصلوات حتى تستطيع النفس أن تقف بين يدي الله عز وجل في أثناء الصلاة خاشعة مقبلة منيبة .
أيها الأخوة الأكارم : كما قلت لكم قبل قليل إن الصلاة لا تسقط بحال ، لا تسقط لا في الحضر ولا في السفر ، لا في الخوف ولا في الأمن ، لا في المرض ولا في الصحة ، يقول الله عز وجل :
﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً﴾
صلوا وأنتم مترجلون أو
﴿رُكْبَاناً﴾
صلوا وأنتم راكبون .
﴿فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً﴾
أي صلوا راكبين أو صلوا ماشين من دون ركوع ولا سجود ، بل بالإشارة والإماء ، إذاً الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ، بل إن الصلاة تصح من دون استقبال القبلة إذا تاه الإنسان في أرض ولم يعرف بالضبط أين القبلة ، لقوله تعالى :
﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾
الويل و الثبور لتاركي الصلاة :
والله سبحانه وتعالى أوعد تاركي الصلاة بالويل والثبور ، فقال تعالى :
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
وبعض العلماء فسر كلمة ساهون بأن الذي يصلي الصلاة في أول وقتها فلا يفرح أو يصليها في آخر وقتها فلا يحزن ، فهذا من الذين عناهم الله سبحانه وتعالى في هذه الآية .
شيء آخر ، هؤلاء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها أيضاً ممن تعنيهم هذه الآية:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
المعنى الثالث : هؤلاء الذين يصلون ، ولكنهم حاضرون غائبون مقبلون معرضون، هؤلاء الذين تنتابهم الوساوس وما أكثرها في الصلاة إلى درجة أنه ينصرف عن الصلاة ، ولا يدري أأربعاً صلى أم ثلاثاً قال تعالى :
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
العلاقة المتينة بين ترك الصلاة واتباع الشهوات :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ والله سبحانه وتعالى حدثنا في القرآن الكريم عن هؤلاء الذين يأتون في آخر الزمان ، وكيف أنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ، بل كيف أن إضاعة الصلاة سبب في اتباع الشهوات ، أو إن اتباع الشهوات سبب في إضاعة الصلاة ، على كل هناك علاقة وشيجة بين ترك الصلاة وبين اتباع الشهوات ، وهؤلاء الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات توعدهم الله عز وجل بأنهم سيلقون غياً .
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
الصلاة هي الشعار الذي يفصل الرجل عن أهل الكفر والعصيان :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ الحقيقة التي لا شك فيها ، أن جوهر الدين اتصال بالخالق ، وإحسان إلى المخلوق ، فالدليل الأول على التزام الرجل بعقد الإيمان والشيء الذي يفصل الرجل عن الكفر هو الصلاة ، يروي الإمام أحمد ومسلم عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :
(( إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ ))
فالصلاة دليل أول على التزام الرجل بعقد الإيمان ، بل إنها الشعار الذي يفصله عن أهل الكفر والعصيان ، وفي حديث صحيح رواه الخمسة يقول عليه الصلاة والسلام :
(( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ))
لهذا قيل لا خير في دين لا صلاة فيه ، والنبي عليه الصلاة والسلام يبشر المصلين ، يطمئنهم إلى أنهم إذا حافظوا على الصلاة ، حافظوا على أدائها في وقتها ، حافظوا على إتمام ركوعها وسجودها ، حافظوا على خشوع قلبهم بها ، حافظوا على حضور عقلهم ، حافظوا على استقامتهم توخياً لإحكامها ، هؤلاء الذين يحافظون على الصلاة ينجون غداً من عذاب الله ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال :
((من حافظ عليها ـ أي على الصلاة ـ كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها ، لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف ))
علماء الحديث فسروا هذا الحديث أنه من شغله ماله عن الصلاة حشر مع قارون، ومن شغله ملكه عن الصلاة حشر مع فرعون ، ومن شغلته أعماله عن الصلاة حشر مع هامان ، ومن شغلته تجارته عن الصلاة حشر مع أبي بن خلف ، من حافظ عليها كانت له نوراً ، رأى بها الحق حقاً والباطل باطلاً ، رأى رؤية صحيحة ، فسلك السلوك الصحيح ، رأى رؤية صحيحة فوقف الموقف الصحيح ، رأى رؤية صحيحة فكسب المال الحلال ، رأى رؤية صحيحة فأنفق المال في الوجه الصحيح ، أساس الأعمال صحة الرؤية .
الحكمة من فرض الصلاة في الإسراء والمعراج :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ من منكم يصدق أن النبي عليه الصلاة والسلام يحدد أنه من تهاون في أداء الصلاة كان كمن فقد أهله وماله ، هل من مصيبة في الحياة الدنيا أكبر من أن يفقد المرء أهله ؟ أو من أن يفقد المرء أهله وماله معاً ؟ يقول عليه الصلاة والسلام :
((من فاته صلاة فكأنما وتر أهله وماله ))
أي فقد أهله وماله ، ولعظم هذه العبادة ، ولأنها أساس الدين ، ولأنها عصام اليقين ، ولأنها نور المؤمن ، ولأنها برهان المؤمن ، ولأنها حجة المؤمن ، ولأنها اتصال بين السماء والأرض ، ولأنها اتصال بين المخلوق والخالق ، ولأنها نور ، ولأنها حبور ، ولأنها طهور، لهذا كله الصلاة لعظم شأنها فرضت في الإسراء والمعراج على النبي عليه الصلاة والسلام في سدرة المنتهى ، لعظم شأن الصلاة ، ولم تفرض عن طريق سيدنا جبريل عليه السلام ، النبي عليه الصلاة والسلام وهو في السموات العلا ، وهو في سدرة المنتهى فرضت عليه الصلاة .
حضور القلب و العقل معاً في الصلاة :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذا الذي يصلي بلا تدبر ، وبلا تعقل ، وبلا خشوع من القلب تشبه صلاته نقر الديك ، أو خطف الغراب ، أو التفات الثعلب ، هذا قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام من خلال قوله لأحدهم :
((ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ))
يقول عليه الصلاة والسلام مشيراً إلى أن الصلاة يجب أن تكون حضوراً لقلب المصلي ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي :
((إنما الصلاة تمسكن ، ودعاء ، وتضرع ، وتضع يديك فتقول : اللهم ، اللهم ، فمن لم يفعل ، فهي خداج ))
الصلاة دعاء ، الصلاة قرب ، الصلاة إقبال ، الصلاة صلة ، الصلاة خشوع ، الصلاة اتصال .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ لا يكفي أن يكون القلب حاضراً في الصلاة ، لابد من أن يكون العقل حاضراً ، يجب أن يحضر القلب والعقل معاً ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾
قال العلماء : من صلى وكان غائب العقل ولم يعِ ما قال ، ولا ما قرأ ، فهو في حكم السكران ، سكران بشهوات الدنيا ، لا بالخمرة ، وحكمة بقاء هذه الآية المنسوخة :
﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾
توجيه لطيف من رب العالمين إلى أنك إذا وقفت في الصلاة فيجب أن تعلم ما تقول ، يجب أن تعي ما تقول ، يجب أن تتدبر ما قلت ، يجب أن تفهم كتاب الله وأنت في الصلاة ، لذلك الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى يقول :" إن أعلى درجة من درجات القرب أن تقرأ القرآن في الصلاة واقفاً وفي المسجد " أن تصلي في المسجد واقفاً وأن تقرأ القرآن فربما كان العقل صاحياً والقلب خاشعاً .
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ يقول ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنهما :" ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه " ركعتان ، وركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ، خشوع القلب وحضور العقل ، ركعتان من ورع ، لأنه كان ورعاً ، أغلب الظن أن قلبه حاضر في الصلاة ، وإذا كان متدبراً ، أغلب الظن أن عقله حاضر في الصلاة ، ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه .
الصلاة نهر جار يغتسل منه المؤمن في اليوم خمس مرات :
يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ الإنسان في يومه من خلال التعامل مع الناس قد تتلوث نفسه ببعض اللمم ، قد يشعر بالبعد قليلاً ، فالله سبحانه وتعالى جعل الصلاة كما قال عليه الصلاة والسلام نهراً جارياً يغتسل منه المؤمن في اليوم خمس مرات يقول عليه الصلاة والسلام :
((أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا يبقى من درنه شيء ؛ قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ))
حمام روحي ، اغتسال روحي ، إذا صليت الصلاة كما أراد الله عز وجل تشعر بعد الصلاة وكأنك ولدت من جديد ، وكأن الله محا عنك كل شيء ، وكأن الذنوب قد سقطت عنك.
الخشوع في الصلاة ليس من فضائلها بل من فرائضها :
يا أيها الأخوة الأكارم : إن العبد كما قال عليه الصلاة والسلام :
((إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له منها إلا نصفها ، أو ثلثها ، أو ربعها ، أو خمسها ، أو سدسها ، أو عشرها))
فقط ، بل في رواية أخرى :
(( إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها ولا عشرها ))
وكان يقول :
(( إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها ))
حديث صحيح رواه الإمام أحمد .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ كما حدثتكم قبل قليل إن الخشوع في الصلاة ليس من فضائلها بل من فرائضها ، وبعض العلماء يقول : إن الخشوع ثمرة من ثمرات الإيمان بالله ، واستحضار جلال الله ، فالمؤمن خاشع في الصلاة وفي غير الصلاة ، في خلوته خاشع ، مع أهله خاشع ، في نزهته خاشع ، في عمله خاشع لأن المؤمن يستحضر عظمة الله عز وجل ، لذلك فهو من باب أولى خاشع في الصلاة ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
يقول أحد العارفين بالله : ما دخلت في صلاة قط فأهمني فيها إلا ما أقول وما يقال لي ، تقول أنت في الصلاة : الحمد لله رب العالمين هل أنت كذلك ؟ تقول : الرحمن الرحيم هل أنت تؤمن بهذا إيماناً قطعياً ؟ مالك يوم الدين ، تقول : إياك نعبد وإياك نستعين ، هل تعبده حقاً ؟ هل تستعين به حقاً ؟ تقول بالصلاة : إياك نعبد ، وأنت لا تعبده في أغلب الأحيان ، هل أنت تستعين به أم تستعين بجهة أخرى ؟ إياك نعبد وإياك نستعين ، اهدنا الصراط المستقيم ، هل تطلب من الله عز وجل أن يهديك الصراط المستقيم إذا جاءت الآيات وقالت لك:
﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾
ماذا تقول لهم أنت ؟ هل تقول لهم شيئاً آخر ؟ إذاً أنت لم تستهدِ الله عز وجل ، ولم تركع ، ولم تسجد ، لأن لكل سورة حظها من الركوع والسجود .
ويقول بعض العارفين : الصلاة من الآخرة ، فمن دخل فيها خرج من الدنيا ، من دخل في الصلاة خرج من الدنيا لأنها من الآخرة ، وقد تعلمون أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام فيما روته عنه السيدة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها قالت : " كان إذا حضرت الصلاة ، فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه " .
الصلاة هي كلّ شيء في الدين :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه نبذة عن الصلاة ، الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال ، وإذا كان الصيام من أجل الصلاة ، والحج الذي نحن على أبوابه من أجل الصلاة ، والزكاة من أجل الصلاة ، والصلاة من أجل الصلاة ، فالصلاة هي كل شيء في الدين ، لقوله تعالى :
﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾
أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا لنا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
فوائد الصلاة في الأجهزة العضليّة والوعائيّة والقلبيّة :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ أمر الله عز وجل فيه خيرات أكثر من أن تحصى ، فالحديث عن الصلاة ، وعن الخشوع ، وعن القرب ، وعن أنها نور ، وعن أنها طهور ، وعن أنها حبور ، هذا لا يعني أنه ليس للصلاة فوائد مادية ، فالصلاة بحركاتها ، من قيام ، وركوع ، وسجود ، واعتدال ، نوع من الطب الوقائي ، فقد أكّد علماء التربية الرياضية أن أحسن أنواع الرياضة ما كان يومياً ، وما كان موزعاً على أوقات اليوم كله ، وما كان متكرراً ، وما كان غير مجهد ، ويستطيع أن يؤديه كل إنسان من كل جنس ، ومن كل عمر ، في كل ظرف ، وفي كل بيئة ، وهذا كله متوافر في الصلاة ، علماء التربية الرياضية يؤكدون أن أحسن أنواع الرياضة ما كان يومياً متكرراً ، وموزعاً على أوقات اليوم ، وغير مجهد ، ويستطيع أن يؤديها كل إنسان من كل جنس ، أي من ذكر أو أنثى ، ومن كل عمر صغير أو كبير ، وفي كل ظرف في السفر وفي الحضر ، وفي كل بيئة ، وهذا كله متوافر في الصلاة .
شيء آخر : لقد ثبت لعلماء الطب أن الصلاة فيها تحريك لجميع العضلات القابضة والباسطة ، وتحريك لجميع المفاصل حتى الفقرية منها ، وأن الصلاة تنشط القلب والدورة الدموية ، وأن أخطر جهاز في الإنسان هو الدماغ ، وأن حسن أداء وظيفته منوط بحسن ترويته بالدم ، وأن السجود والركوع كفيلان لإعطاء الدماغ أعلى درجة من أنواع التروية .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ شيء آخر في الصلاة : أن الرأس في الصلاة ينخفض في الركوع وفي السجود ، وهذا الانخفاض يعدل ست مرات في الركعة الواحدة أو مئتين مرة في اليوم ، أو ستة آلاف مرة في الشهر ، إن المصلي حينما يخفض رأسه تحتقن شرايين الدماغ بالدم ، فإذا رفع رأسه فجأة يهبط الضغط في الأوردة .
مرونة الأوعية الدماغية ، من ارتفاع الضغط وانخفاضه ، الركوع والسجود كفيلان أن يرفعا الضغط فجأة ، وأن يهبطانه فجأة ، من ارتفاع الضغط وانخفاضه ينشأ لدى الأوعية الدماغية ما يسمى بالمرونة ، والمرونة هذه تقي تصلب الشرايين في الدماغ ، وتقي انفجارها ، وانفجار هذه الشرايين يسمى السكتة الدماغية ، لذلك لو ارتفع ضغط الشرايين في الإنسان وهو يصلي أغلب الظن أن هذا الارتفاع يبقى سليماً ، لكن ارتفاع الضغط عند إنسان لا يصلي لأن شرايين الدماغ متصلبة ، هذا مما يسبب له انفجاراً في هذه الشرايين ، أو ضيقاً في تروية الأعضاء .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ امرأة سحقتها آلام الشقيقة ذهبت إلى بلد غربي بغية العلاج ، الطبيب هناك سألها هذا السؤال : هل أنت مسلمة ؟ قالت : نعم ، قال أتصلين ؟ قال لها : صلي يذهب ما بك ، هذه المرأة تعجبت أشدّ العجب ، بل غضبت أشدّ الغضب ، جاءت من بلاد بعيدة ، ودفعت الآلاف المؤلفة من أجل أن يقول لها الطبيب : صلي ، فلما استوضحت منه ، قال : إن الصلاة تسبب تروية عالية المستوى للدماغ ، وأحد أسباب الشقيقة الضعف في تروية الدماغ .
فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ الحديث عن الخشوع في الصلاة ، وعن النور في الصلاة ، وعن الطهور في الصلاة ، وعن الحبور في الصلاة ، هذا لا يعني أن الصلاة مقتصرة على هذه الفوائد ، إن لها فوائد جمة في الأجهزة العضلية والوعائية والقلبية .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .