وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0270 - أحاديث تبدأ بـ ليس منا - الكون.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر . وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم ، رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر . اللهمَّ صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

كلام النبي عليه الصلاة والسلام حق وهو لا ينطق عن الهوى :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفةٌ من الأحاديث الشريفة ؛ تبدأ جميعها بقوله صلى الله عليه وسلم : "ليس منا " .
 قبل الحديث عن موضوعات هذه الأحاديث لا بد من أن نعرف أن كلام النبي عليه الصلاة والسلام حق ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى ، وأن الله سبحانه وتعالى أمرنا فقال :

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[ سورة الحشر : 7]

 والعقيدة الصحيحة تُنْبِئنا أن الأنبياء وعلى رأسهم النبي عليه الصلاة والسلام معصومون عن الخطأ في التبليغ والدعوة ، وسيدنا سعد بن أبي وقاص حينما قال : " ثلاثةٌ أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس ؛ ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حقٌ من الله تعالى" . كيف إذا كنت تملك آلةً غالية الثمن ، كثيرة النفع ، أنت حريصٌ على سلامتها حرصاً لا حدود له ، وحريصٌ على صيانتها ، وحريصٌ على مردودها ، كيف إذا قرأت توجيهاً في كُتَيِّبٍ أرسله إليك صانع الشركة ، كيف تأخذ هذه التوجيهات أخذاً بالغ الأهمية ؟ كيف تشعر بمصداقية هذا الكلام ؟ قبل أن نتلو أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن تعلم ما النبوة ؟ وما الرسالة ؟ إنك مخلوقٌ أرسل الله إليك هذا النبي الكريم بهذا القرآن الكريم ليكون تعليمات دقيقةً في حياتك كلها . في كتاب الجامع الصغير، من أحاديث البشير النذير ، الذي رُتِّبت أحاديث هذا الكتاب على الحروف الأبجدية ، في هذا الكتاب وفي جزئه الثاني طائفةٌ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تبدأ كلها بقوله صلى الله عليه وسلم :"ليس منا " . معنى " ليس منا " أيها الأخوة أن هذا الإنسان إذا فعل شيئاً من هذه الأفعال فقد فُصِلَ من أمَّة سيدنا محمد .
 الطالب قد يتأخَّر وقد يعاقب على تأخره ، وقد يهمل واجباته المدرسية ، وقد يعاقب على إهماله ، وقد يأخذ علامةً دُنيا ، ويعطى فرصةً ليأخذ علامةً عليا ، وقد يقترف آلاف الأخطاء ، ولكل خطأ حسابه ، ولكل خطأ عقوبته ، ولكن أحياناً يصدر قرارٌ بفصل هذا الطالب من المدرسة ، بل هناك قرارٌ يفصله من جميع المدارس ، لابد من أن هذا الطالب اقترف خطأً كبيراً جداً ، كأن تطاول على المدرِّس ، أو فعل فعلاً ينافي ما هي عليه المدرسة مِن قواعد ومِن قيَم . وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام إذا قال : " ليس منا " فهذا قرار فصلٍ للمسلم عن انتمائه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، إن لكل سيئةٍ عقاباً ، ولكن من يفعل هذا الفعل فهو ليس من أمة سيدنا محمد ، النبي عليه الصلاة والسلام أعلن انفصاله عن هذه الأمة، أعلن النبي عليه الصلاة والسلام تبرُّؤه من هذا الإنسان ، ليس مني ولست منه .

 

الحثّ على طلب العلم الكوني و الديني :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ يقول عليه الصلاة والسلام :

((ليس مني إلا عالمٌ أو متعلم ))

[ من الجامع الصغير عن ابن عمر ]

 أيْ إذا ابتعدت عن مجالس العلم ، ولم تعبأ بتعلّم العلم ، ولم يعنك أن تكون على علم ، ولم تكن لا عالماً ولا متعلماً ؛ ابتعدت عن العلم كليةً ، وآثرت الدنيا ، وآثرت الدرهم والدينار ، وآثرت المكاسب الدنيوية ، ولم تحدِّث نفسك بطلب العلم ، ولم تنتمِ إلى أهل الحق ، ولم يكن لك مجلسٌ تتعلم فيه ، ولم يكن لك كتابٌ تقرأ فيه ، ولم يكن لك مشربٌ دينيّ تشرب منه، ولا مصدرٌ علميٌ تأخذ عنه ، إذا قطعت صلتك بالعلم والعلماء ، وعشت وحيداً في أهوائك ونزواتك ، فأنت كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :

((ليس مني إلا عالمٌ أو متعلم ))

[ من الجامع الصغير عن ابن عمر ]

 لأن طلب العلم فريضة ، وأيُّ علمٍ هذا ؟ أن تعرف الله عز وجل كي تعبده ، وأيُّ علمٍ هذا ؟ أن تعرف أمره ونهيه كي تحسن عبادته ، وأيُّ علمٍ هذا ؟ أن تعرف ما أنت مقدمٌ عليه من الدار الآخرة ، معرفة الله ، معرفة أسمائه ، معرفة صفاته الفُضْلى ، معرفة توحيده ؛ توحيد ألوهيته ، توحيد ربوبيته ، وحدانيته في الخَلْق والأمر ، معرفة كتابه ، معرفة أمره ، معرفة نهيه ، معرفة وعده ، معرفة وعيده ، هذا العلم الذي أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام :

((ليس مني إلا عالمٌ أو متعلم ))

[ من الجامع الصغير عن ابن عمر ]

 وعلماء العقيدة يقولون : هناك علومٌ ينبغي أن تُعْلَمَ بالضرورة ، ولا عذر لأحدٍ بجهلها ، صغيراً كان أو كبيراً ، قوياً كان أو ضعيفاً ، مُثَقَّفَاً كان أو غير مثقف . إنها مجموعة من الحقائق يجب أن تعلم بالضرورة ، كما أن الذي يقود السيارة لابد من مجموعة من المعارف، أو يرتكب حادثاً مدمِّراً . هذه المعلومات التي ينبغي أن تعلم بالضرورة هي فرض عينٍ أيها الأخوة ، لو أنك مهندس ، لو أنك طبيب ، لو أنك تاجر ، لو أنك متفوِّق في اختصاصك ، هذا لا يعفيك من أن تتعلَّم هذه الحقائق ؛ أركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، وأحكام الفِقه ، وأحكام العلاقات الشخصية ، لئلا تقع في الحرام ، ولئلا تخرج عن سُنَّة سيد الأنام .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ إذا لم يحدِّث الإنسان نفسه بطلب العلم ، لا أن يكون عالماً ولا متعلماً ، ولا يعنى بالحقائق ، ولا بهذا الكتاب الكريم الذي جاء به سيد المرسلين ، ولم يعلم لماذا هو في الدنيا ؟ أين كان ؟ وإلى أين المصير ؟ ومع مَنْ ؟ ولماذا خُلِق ؟ إذا ضَرَبَ عن هذه المعلومات صفحاً ، واتجه إلى الدنيا منكباً عليها وقال : هذا لا يعنيني ولا يهمني . فليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا رسول الله منه .

 

الابتعاد عن لطم الخدود و شقّ الجيوب :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ يقول عليه الصلاة والسلام :

((لَيْسَ مِنّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ ، وَشَقَّ الجُيُوبَ ، وَدَعا بِدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ ))

[ من الأذكار النووية عن عبد الله بن مسعود ]

 هذه المصائب التي يسوقها الله للناس ، إنها محض حكمةٍ ، إنها محض رحمةٍ، إنها تقدير قدير ، ناتجةٌ عن خبرة خبير ، وعن حكمة حكيم ، ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولكل شيءٍ حقيقة ، وما بلغ عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، و . .

﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة فاطر : 2]

﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود : 55-56]

 ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن . .

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[ سورة الفتح : 10 ]

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾

[ سورة الأنفال : 17 ]

﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

[ سورة الأعراف : 54 ]

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾

[ سورة هود : 123 ]

 كل هذه الآيات تُنْبئ أن أفعال الله عز وجل أفعالٌ حكيمة ، أفعالٌ مبنيةٌ على علم، وعلى قدرةٍ ، وعلى إرادةٍ ، وبعدئذٍ تستقبل قضاء الله عز وجل بلَطْم الخدود ، وشق الجيوب، ودعوى الجاهلية ، إذاً أنت لا تعرف عن الله شيئاً ، إذاً إيمانك ليس بالحجم المقبول، إيمانك لا يكفي لتتقبَّل القضاء والقدر ، لذلك :

(( لَيْسَ مِنّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ ، وَشَقَّ الجُيُوبَ ، وَدَعا بِدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ ))

[ من الأذكار النووية عن عبد الله بن مسعود ]

الابتعاد عن الغش :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تنفي عن الإنسان انتماءه لهذا الدين ، تنفي عنه انتماءه للنبي عليه الصلاة والتسليم قول النبي عليه الصلاة والسلام :

((من غش فليس منا ))

[ من الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

 مطلقاً ، ولو مجوسياً ، ولو عابد صنم ، ولو ملحداً :

((من غش فليس منا ))

[ من الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

 لأنك إذا كنت صادقاً في معاملتك ، ربما كانت هذه المعاملة الطيبة ، وهذا الصدق ، وهذا الإخلاص ، وهذا العدل ، ربما كان سبباً في هداية الضالِّين ، وسبباً في عودة الجانحين ، وسبباً في توبة التائبين ، لذلك :

((ليس منا من غش . . . ))

[ من الجامع الصغير عن علي]


 حينما تغش الناس مطلقاً ، أو تحدث نفسك بالغش ، أو أن تفعل فعلاً تستحي أن يظهر عنك ، تستحي أن يُعْرَف منك ، فأنت لست من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .

 

تجنب الإشراك بالله والإضرار بالناس :

 وفي حديثٍ آخر :

((ليس منا من غش مسلماً أو ضره أو ما كره ))

[ من الجامع الصغير عن علي]

 لقول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( لا ضرر ولا ضرار ))

[ مسلم عن أبي سعيد الخدري]

((اثنان لا تقربهما ؛ الإشراك بالله والإضرار بالناس ))

[ من كشف الخفاء ]

 ليس الإسلام أيها الأخوة بأن تصلي هاتين الركعتين ، وأن تصوم رمضان ، وأن تحج البيت ، وأن تدفع زكاة مالك وانتهى ، الإسلام مجموعةٌ كبيرةٌ جداً من الأوامر والنواهي ، تُغَطِّي كل حياتك ، كل نشاطاتك ، حتى في علاقتك مع نفسك ، حتى في علاقتك مع أهلك ، حتى في أدقِّ شؤون حياتك الشخصية ، وحتى في أكبر هذه العلاقات ؛ العلاقات الدولية ، الإسلام منهج الله عز وجل ، منهجٌ كامل . .

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

[ سورة المائدة : 3 ]

 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا الذي تأبى نفسه أن يخضع لأمر الله عز وجل ، هذا الذي يغشُّ الناس ، أو يُماكرهم ، أو يضرهم ليس من النبي عليه الصلاة والسلام لأنه ضيَّق فهم الدين ، الدين قد يضيق مفهومه حتى يصبح عبادات ، أقرب منها إلى الطقوس منها إلى العبادات ، هذا الذي يصلي ولا يدري لِمَ يصلي ؟ ولا لمن يصلي ؟ ولا كيف يصلي ؟ وما حكمة الصلاة ؟ وما جوهر الصلاة ؟ وهذا الذي يصوم ، كمثل الناقة ربطها أهلها ، لا تدري لا لِمَ عقلت ولا لِمَ أطلقت ؟ وهذا الذي يحج ، ويظن أن هذا الحج أمرٌ تعبديٌ ليس غير .
 وهذا الذي يؤدي زكاة ماله ويظنها كالضريبة لابد من أن تؤدى ، هذا ما فقه شيئاً من الدين ، ضيق عليه مفهوم الدين ، مع أن مفهوم الدين منهجٌ كامل ، يتدخل في طريقة تناولك للطعام ، في طريقة اختيارك للطعام ، في طريقة علاقتك بالناس ، في طريقة ارتدائك للثياب ، هذا هو الدين ، منهجٌ تفصيلي .

الإسلام كلّ واحد لا يتجزأ :

 والإسلام أيها الأخوة يجب أن يؤخذ كُلاً لا جزءاً ، إما أن تأخذه كلَّه ، وإما إن تتركه كله ، إن أخذت ببعضه الصلة بالله مقطوعة ، لأن الذنوب قواطع ، و المعاصي حُجُب، فإذا فعلت معصيةً ، أو ارتكبت ذنباً ، أو وقعت في مخالفةٍ ، أو خرجت عن منهج الله شعرت بأن بينك وبين الله حجاباً ، هذه المعصية ، وتلك المخالفة ، وهذا الذنب ، وهذا الخروج ، وهذا العدوان ، حجبك عن الله عز وجل ، حجبك عن أنواره ، حجبك عن تجليَّاته ، حجبك عن طعم قربه ، حجبك عن ثمار الإيمان كله .
 فلذلك كما قال سيدنا عمر : " من شاء صام ، ومن شاء صلى ولكنها الاستقامة"، لا تحدث نفسك أنك مسلمٌ وأنك مؤمنٌ إن لم تتحر أمر الله عز وجل في كل صغيرةٍ وكبير ، في كل شيءٍ جليل وكل شيءٍ حقير أين أمر الله ؟ أين منهج الله ؟ ماذا يريد الله مني في هذا الموقف ؟ أما أن تضيِّق مفهوم الدين حتى يصبح صلاةً وصياماً وحجاً وزكاةً ليس غير، وأنت تفعل ما تشتهي ، وتطلق لنفسك العنان كما تريد ، وتعيش بقيَم الناس وأهواء الناس ونزوات الناس ، وتعيش مع الناس كما يعيشون ؛ تفرح كما يفرحون ، وتحزن كما يحزنون ، أين إيمانك بالله عز وجل ؟ أين إيمانك بالتوحيد ؟
 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛

((ليس منا من غش مسلماً أو ضره أو ما كره ))

[ من الجامع الصغير عن علي]

(( لَيْسَ مِنّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ ، وَشَقَّ الجُيُوبَ ، وَدَعا بِدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ ))

[ من الأذكار النووية عن عبد الله بن مسعود]

النهي عن الانحياز الأعمى و التعصب الأعمى :

(( ليس منا من دعا إلى عصبية ))

[ من الجامع الصغير عن جبير بن طعم ]

 ما العصبية ؟ أن تنحاز انحيازاً أعمى إلى جهةٍ ما ، فتقبل منها كل شيء ؛ حقاً كان أو باطلاً ، وترفض من غيرها كل شيء ؛ حقاً كان أو باطلاً ، هذه هي العصبية بعينها ؛ أن تنحاز إلى أهلك ، أن تنحاز إلى ولدك ، أن تنحاز إلى أبيك ، أن تنحاز إلى أسرتك ، أن تنحاز إلى أبناء حيِّك ، أن تنحاز انحيازاً أعمى لا تبصُّرَ فيه ، أن تنحاز إلى الظالم على المظلوم ، أن تنحاز إلى المُنحرف ، أن تنحاز إلى العاصي انحيازاً أعمى لعلةٍ ما ، لسببٍ ما، لانتماءٍ ما . .

ومـا أنا من غزيَّـة إن غـوت  غويت وإن ترشد غزية ترشدِ
* * *

 هذا قول الشاعر الجاهلي ، هذه هي الجاهلية بعينها ، المؤمن مع الحق ، المؤمن لا تأخذه في الله لومة لائم ، الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾

[ سورة الأحزاب : 39]

 لا ينبغي لهذا الذي تصدَّى لتبليغ رسالات الله أن يخشى أحداً إلا الله ، لو أنه خشي أحداً إلا الله ، لأرضى هذا الذي خشيه مِن دون الله بالنطق بالباطل ، ولأرضاه ثانيةً بالسكوت عن الحق ، فإذا نطق الإنسان بالباطل وسكت عن الحق ، فماذا بقي من تبليغ رسالات الله ؟ أوصاف القرآن الكريم بليغةٌ بليغة ، لأن الله عز وجل لو شاء أن يصرف هؤلاء الذين يبلِّغون رسالات الله لأطنب في وصفهم ؛ لهم آلاف الصفات ، كل هذه الصفات لا معنى لها إذا خشي هذا الإنسان غير الله ، لذلك اكتفى ربنا سبحانه وتعالى بصفةٍ واحدة . .

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾

[ سورة الأحزاب : 39]

 هذه الصفة إذا توافرت في الداعية ، بَلَّغَ رسالات الله كما أراد الله ، كان أميناً على أمانة التبليغ ، أما إذا خشي غير الله ، وخاف من غير الله ، وأرضى غير الله فَقدْ فَقَدَ هويَّته ، وفقد وظيفته ، وفقد صفته ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية ))

[ من الجامع الصغير عن جبير بن طعم ]

 أن تنحاز انحيازاً أعمى من دون تبصُّر ، من دون أن تُحَكِّم الشرع ، من دون أن تحكم أمر الله عز وجل ، وهذا أيضاً ليس منا .

 

النهي عن الإيقاع بين المرأة و زوجها :

(( ليس منا من خبب امرأةً على زوجها أو عبداً على سيده ))

[ من الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

 أيْ لمجرد أن توقع بين امرأة وزوجها ، إن بكلمةٍ أو بإشارةٍ أو بحركةٍ أو بتعليقٍ أو بمحاولةٍ لتكريه هذه المرأة بزوجها ، أو تكريه الزوج بزوجته ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( ليس منا من خبب امرأةً على زوجها أو عبداً على سيده ))

[ من الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

الابتعاد عن التشاؤم :

((ليس منا من تطير ))

[ من الجامع الصغير عن عمران بن حصين]

 التشاؤم . . دخل عليك شخصٌ إلى دكانك ، كنت على وشك أن تبيع هذه البضاعة ، فالشاري قال : انتظرني ليومٍ أو لبعض يوم . تقول : لولا دخول هذا الرجل لما ضاعت مني هذه الصفقة . هذا ليس من أخلاق الإيمان ، هذا من دعوى الجاهلية ، هذا من وسوسة الشيطان ، ليس من أخلاق المؤمن أن يتشاءم من إنسان ، ولا من رقم ، ولا من طريق ، ولا من يوم ، هذه دعوى الجاهلية .

((ليس منا من تطير ))

[ من الجامع الصغير عن عمران بن حصين]

 وأصل التطير أن العرب في الجاهلية كان الواحد منهم إذا طار طيرٌ عن يمينه تفاءل ، وإذا طار طيرٌ عن شماله تشاءم ، فالتطيُّر بمعناه الاصطلاحي هو التشاؤم ، فالتشاؤم.. لا تتشاءم لا من رجلٍ ، ولا من وقتٍ ، ولا من مكانٍ ، ولا من زمانٍ ، ولا من رقمٍ ، ولا من ولد أحياناً ، بعد أن جاءني هذا الولد ضاق رزقي . كلام الشيطان ، وسوسة الشيطان.

((ليس منا من تطير ولا من تُطير له ، أو تكهن أو تٌكهن له ، أو تسحر أو تٌسحر له ))

[ من الجامع الصغير عن عمران بن حصين]

 إذا قرأت أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام هذا لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى .

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[ سورة الحشر : 7 ]

 إن هذا الكلام من عند الله عز وجل عن طريق النبي عليه الصلاة والسلام ، القرآن كلام الله المُنَزَّل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، أما الحديث النبوي الشريف فتبيينٌ وتوضيحٌ وتفسيرٌ وتفصيلٌ لكلام الله عز وجل . إذا صدر قانونٌ ما ، بآخر مادة من مواد هذا القانون تنص المادة الأخيرة على أنه سيصدر مرسومٌ تنظيميٌ من الوزير الفلاني يوضح فيه أحكام مواد هذا القانون . فهذا المرسوم التنظيمي ليس أقل شأناً من أصل القانون لأنه به تعرفه، وكذلك الحديث النبوي الشريف ، إنه تبيينٌ ، وتوضيحٌ ، وتفسيرٌ ، وجلاءٌ للغوامض ، وتوجيهٌ للمقاصد .
 يا أيها الأخوة المؤمنون :

((ليس منا من تطير ولا من تُطير له ، أو تكهن أو تٌكهن له ، أو تسحر أو تٌسحر له ))

[ من الجامع الصغير عن عمران بن حصين]

النهي عن الحسد و النميمة :

(( ليس مني ذو حسد . . . ))

[ من الجامع الصغير عن عبد الله بن بسر ]

 الحاسد لا يعرف الله عز وجل ، الحاسد لا يرى أن الأمر كله بيد الله ، الحاسد لا يرى أن الله عادلٌ فيما يعطي وفيما يمنع ، الحاسد يتمنَّى أن تزول النعمة عن إنسانٍ كي تتحوَّل إليه ، وكأن الله عز وجل ليس بالمرصاد ، وكأن عطاء الله عز وجل ليس عطاءً مبنياً على حكمة وعلمٍ وخبرةٍ وعدالة . .

قل لمن بات لي حاســــداً أتدري  على من أسأت الأدب ؟
أســأت على الله في فعله إذ  لـم تـرض لـي ما وهـــــــــــــب
* * *

(( ليس منا ذو حسدٍ ولا نميمةٍ ولا كهانةٍ ولا أنا منه ))

[ من الجامع الصغير عن عبد الله بن بسر ]

 النميمة . . هذا الذي ينقل الكلام من زيدٍ إلى عُبيد ليوقع بينهما هذا نمَّام ، والنمام لا يروح رائحة الجنة ، لا يدخل الجنة نمَّام ، الجنة محرَّمة عليه ، لأنه يوقع بين الناس ، يُشَتِّتُ الأخوة ، يفرِّق الأحبة ، يجعل المجتمع ضعيفاً ، كلٌ يعادي الآخر ، زيد مع عُبيد وفلان مع عِلان ، وهذه الأسرة مع هذه ، وهذا الحيّ مع هذا الحيّ ، وهذه البلدة مع هذه البلدة ، النمَّام شأنه شأن المادة الحامضيَّة التي تفسد الحليب ، كان الحليب متماسكاً ففسد .

 

النهي عن التشبه بالغير :

 أيها الأخوة المؤمنون :

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ))

[ من الأذكار النووية عن عمرو بن شعيب]

 هذا الذي يحب قوماً كفاراً ، يرى أنهم على علمٍ عظيم ، وعلى فهمٍ دقيق ، وعلى أخلاقٍ رضيَّة ، وعلى قيَمٍ سامية ، ونحن متأخرون ، ينظر إلى ما عندهم ولا ينظر إلى مساوئهم، ولا إلى خَطَلِهِم ، ولا إلى عيوبهم ، ولا إلى بُعْدِهِم عن الله عز وجل ، ولا إلى قسوة قلوبهم ، ولا إلى أنايَّنتهم ، ولا إلى تفسّخ العلاقات فيما بينهم ، ولا إلى إخفاقهم في البحث عن السعادة الروحية ، لا يرى إلا ما عندهم من تفوقٍ في جانبٍ واحد مادي ، دون أن ينظر إلى الصورة بأكملها ، أو دون أن ينظر إلى خلفية الصورة ، أو إلى الوجه الآخر من الصورة ، هذا يقول عليه الصلاة والسلام :

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ))

[ من الأذكار النووية عن عمرو بن شعيب]

النهي عن الشّح و البخل :

 ويقول عليه الصلاة والسلام :

(( ليس منا من وسَّع الله عليه ثم قتَّر على عياله ))

[ من الجامع الصغير عن جبير بن طعم ]

 أيْ هؤلاء العيال من لهم إلا الأب ؟ من لهم إلا هذا الرجل الذي جعله الله أباً لهم؟ يأخذ بيدهم إلى الله ورسوله ، يلقِّنهم مبادئ القرآن ، مبادئ السُنَّة المُطَهَّرة ، إذا كان بخيلاً عليهم ، إذا كان قد حرمهم من حقوقهم وحاجاتهم الأساسية ، إذا كان مقتِّراً عليهم ، بغضوه ، ولم يسمعوا منه ، الله عز وجل يقول في الحديث القدسي :

(( إن هذا الدين قد ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه ))

[ من الدر المنثور في التفسير بالمأثور عن جابر بن عبد الله ]

 إذا كنت ذا مظهرٍ ، أو إذا كنت ذا اتجاهٍ ديني ، أو إذا كنت ترفع لافتاتٍ دينية ، أو إذا كنت مُنتمياً إلى جماعةٍ مؤمنة ، أو إذا كنت منتمياً إلى مسجدٍ معيَّن ، أو إذا جعلت الإسلام شعاراً لك ، أو إذا عُرِفْتَ بين الناس بأنك متديِّن ؛ أنت الآن تحت الأضواء ، تسلَّط عليك الأضواء الكاشفة ، الناس يحاسبونك على كل حركةٍ وسَكَنَة ، على كل نفسٍ تتنفَّسه ، فإذا كنت سيِّئ الخُلُق كنت سفيراً سيئاً لهذا الدين ، إذا كنت شحيحاً كنت سفيراً سيئاً لهذا الدين ، أنت على ثغرةٍ من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك . لذلك :

(( إن هذا الدين قد ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه ))

[ من الدر المنثور في التفسير بالمأثور عن جابر بن عبد الله ]

إعادة للأحاديث الشريفة التي تبدأ بقوله صلى الله عليه وسلم ليس منا :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ الأحاديث الشريفة التي تبدأ بقوله صلى الله عليه وسلم :

(( ليس منا ))

[ من الجامع لأحكام القرآن ]

(( ليس منا من تشبه بالنساء من الرجال . . .))

[ من الجامع الصغير عن ابن عمر]

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ))

[ من الأذكار النووية عن عمرو بن شعيب ]

(( ليس منا من عمل بسنة غيرنا ))

[ من الجامع الصغير عن ابن عباس ]

(( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ))

[ سنن أبي داود عن أبي سعيد ]

 من لم يكن القرآن شاغله ، شغله الشاغل ، يعيش من أجله ، يتلوه آناء الليل وأطراف النهار ، يأخذ بتعاليمه ، يفهم أحكامه ، ليس منا .

(( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ومن لم يوقر كبيرنا ، ومن لم يعرف لعالمنا حقه))

[ من شرح الجامع الصغير ]

 أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز مـن أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الكون من آيات الله الدالة على عظمته :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ كلكم يعلم أن هذا الكون العظيم لا نهاية له ، وكلما كشف العلم مجرةً بعيدةً بعيدة ، تبعد عنا عشرات بل أضعاف العشرات بل آلاف ملايين من السنين الضوئية ، اكتشف أن هذا الكون لا نهاية له ، ومع ذلك يَحْكُمُه قانونٌ واحد : إنه قانون الجاذبية .
 فكل كتلةٍ في هذا الكون تجذب الكتلة الأخرى ، بقدر حجمها وبقدر المسافة فيما بينهما ، لو أن هذا القانون وحده كان هو المسيطر ، لابد مِن أن يجتمع الكون كله في كتلةٍ واحدة ، ما دامت كل كتلةٍ تجذب أختها ، إذاً لابد مِن أن يصبح الكون كله كتلة واحدة ، ما الذي يحول بين تكتُّل الكون وبين تبعثره ؟
 أيها الأخوة الأكارم ؛ إنها آية الجمعة السابقة :

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾

[ سورة الطارق : 11]

 كل شيءٍ في السماء يدور ويدور بمسارٍ إهليلجي ، يدور ويرجع ، هذه الحركة الدورانية المستمرة ، ينشأ عنها قوى نابذة ، هذه القوى النابذة تكافئ القوى الجاذبة ، من هذه الحركة المستمرَّة ينشأ ما يسمى بالتوازن الحَرَكي ، وهذا من آيات الله الدالة على عظمته .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ الله عز وجل يقول :

﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

[ سورة الرعد : 2 ]

 هناك عَمَد ، جمع عمود ، ولكنَّكم لا ترون هذه العمد . .

﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾

 قال بعض العلماء : هذه إشارةٌ إلى قوى الجذب فيما بين المجرات ، وما بين الكواكب ، وما بين الكُتَل . والجاذبية في الأرض أشار الله إليها في قوله تعالى :

﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾

[ سورة النمل : 61 ]

 من جعل هذه الأشياء التي على سطح الأرض تستقر عليها وتنجذب إليها ؟ ما هو الوزن في حقيقته ؟ جذب الأرض لما عليها . فالهواء منجذب إلى الأرض ، والبحر منجذبٌ إلى الأرض ، وكل ما على الأرض منجذبٌ إليها ، ولو أن الإنسان طار في الفضاء ، فوصل إلى نقطة انعدام الجاذبية ، لانعدم وزنه .

﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً﴾

[ سورة النمل : 61 ]

 شيءٌ آخر : آيةٌ أخرى تشير إلى هذه الجاذبية قال تعالى :

﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ﴾

[ سورة الانشقاق : 3-4]

 إذا تعطَّلت الجاذبية التي في الأرض ، ألقت الأرض ما فيها وتخلَّت ، ما فيها تبعثر عنها ، خرج منها ، خرج ولم يعد .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ آية اليوم التي هي محور هذه الكلمة القصيرة قول الله عز وجل :

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾

[ سورة فاطر : 41 ]

 زوال الشمس عن كبد السماء انحرافها ، ما دام الله عز وجل يقول :

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾

[ سورة الطارق : 11]

 كل كوكبٍ في الكون يدور حول كوكبٍ آخر ، وله مسارٌ كروي أو إهليلجي ، ويرجع إلى مكان انطلاقه ، أن يكون هذا الكوكب على هذا المسار بشكلٍ بدقيق ، هذا فعل مَنْ؟ لو أن الأرض خرجت عن مسارها ، لانجذبت إلى كوكبٍ آخر ، فانتهت الأرض ، لو أن الشمس خرجت عن مسارها ، مَنْ الذي يجعل حركة هذه الكواكب على خط سيرها تماماً ؟ كما لو أن القطار خرج عن سكَّته تدهور ، أن يبقى القطار على سكَّته ، وأن تبقى المركبة على الطريق ، وأن تبقى الأرض في مسارها حول الشمس ، هذا تقدير عزيز حكيم ، ربنا عز وجل يقول :

﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾

[ سورة فاطر : 41 ]

 أيْ أن تخرج عن مسارها .
 قلت لكم في الخطبة السابقة : مذنَّب هالي زار الأرض في عام 1912 ، وزارها ثانيةً في عام 1986 ، هذا المذنَّب منذ آلاف آلاف السنين له مسارٌ لا يحيد عنه ، ولا يتخلَّف عن وقته ، لا يحيد عن مساره ولا يتأخَّر عن وصوله ، مِنْ جعله في هذا المسار وفي هذه السرعة الدقيقة ؟ هذا المذنب وبقية المذنَّبات ، الأرض والمجموعة الشمسية . .

﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾

[ سورة يس : 38 ]

 كل الكون يسير في مساراتٍ لا يحيد عنها أبداً بقدرة قادر ، إن الله خالق الكون هو وحده :

﴿يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾

[ سورة فاطر : 41 ]

 هل تستطيع قوى الأرض كلها أن تعيد انحراف الأرض إذا خرجت عن مسارها ؟ أو أن تعيد انحراف الشمس إذا خرجت عن مسارها ؟
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه آيةٌ كُبرى تدل على عظمة الله عز وجل .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور