- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللهمّ علِّمنا ما ينفعنا ، وانْفعنا بما علَّمتنا ، وزِدنا علمًا ، وأرِنا الحقّ حقًا وارزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطلا وارزقنا اجْتِنابه ، واجْعلنا مِمَّن يستمعون القَوْل فيتَّبِعون أحْسَنَهُ ، وأدْخِلنا بِرَحمتِكَ في عبادك الصالحين .
أحاديث تبدأ بـ إياكم
أيها الإخوة المؤمنون ؛ طائفة من الأحاديث الشريفة تزيد عن أربعين حديثًا كلّها تبدأ بقوله صلى الله عليه وسلّم إيَّاكم ، وهذا أسلوب التحذير وفي اللغة العربية أسلوبان :
الأول : أسلوب الإغراء .
الثاني : أسلوب التحذير .
إذا قال عليه الصلاة والسلام : عليكم بالصّدقة فهذا أسلوب الإغراء
فإذا قال : إياكم فهذا أسلوب التحذير .
والنبي عليه الصلاة والسلام يحذّرنا من أشياء كثيرة كلّها مهْلكة .
1- إياكم ومحادثة النساء ...
النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( إياكم ومحادثة النساء، فإنه لا يخلو رجل بامرأة ليس لها محرم إلا هم بها ))
معظم المسلمين يتوهَّمون أنّهم بعيدون عن الكبائر ، لا يسرق ، لا يزني ، لا يشرب الخمر ، ويصلّي ، وهناك أشياء تبدو له صغائر ، ولكنَّها مهلكة ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إياكم ومحادثة النساء، فإنه لا يخلو رجل بامرأة ليس لها محرم إلا هم بها ))
فالبائع إذا أدار حديثًا مع امرأة وخرج عن مقتضيات البيع ، أو ألان لها الكلام ، فربّما وصل بهذا الكلام إلى الزنا وهو لا يشعر ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يحذّرنا ، طبعًا النّساء المَقصود بهنّ النساء الأجنبيات ، أما المحارم فهنّ أقارب ، لكنّ النبي يقول :
(( إياكم ومحادثة النساء، فإنه لا يخلو رجل بامرأة ليس لها محرم إلا هم بها ))
في البيع والشراء ، صديقة زوجتك ليس لك أن تحادثها ، امرأة لا تحلّ لك وامرأة أجنبيّة ليْسَت من ذوات المحارم ، ابنة خالتك لا يجوز أن تحدّثها ، أخت زوجتك ، زوجة أخيك إيّاكم ومحادثة النساء ، مُشْتريَةٌ دخلت إلى متجرك تحدِّثُها حديثًا مختصرًا لا مَطْمعَ فيه لأحد ، هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام .
2- إياكم والغيبة ...
ويقول عليه الصلاة والسلام :
((إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه ))
وما بال المسلمين في نزهاتهم ، وفي سهراتهم ، وفي بيوتاتهم ، وفي أسواقهم ، يتحدَّثون عن بعضهم بعضًا ، ينْهشون لحوم بعضهم ، قال تعالى :
﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾
يقول عليه الصلاة والسلام :
((إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه))
فهذا شيء وقع فيه المسلمون ، وبالغوا فيه ، لا تجد مجلسًا إلا والغيبة آخذة بأطراف الحديث .
3- إياكم والكبر ...
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((إياكم والكبر، فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة))
على أيّ شيء أتكبَّر أنا ؟ لا جاه عندي ، ولا مال أملك ، ولا شيئًا من هذا القبيل ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((إياكم والكبر، فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة))
يعني قد يلبس عباءةً فيتكبَّر بها ! وقد يركب درَّاجة فيتكبّر بها ، العِلَّة في القلب ، لا في هذا الذي يتكبّر به ، لذلك من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام عن الدنيا ؛ اللّهمّ اجعلها في أيدينا ، ولا تجعلها في قلوبنا ، لأنَّها إذا كانت في قلوبنا أوْرثتنا الكِبْر ، والمتكبِّر مَحجوب عن الله سبحانه وتعالى ، ولا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر ، قد يتيه الإنسان بنسبِهِ ، فإذا تاه بِنَسبِهِ فلْيذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام : أنا جدّ كلّ تقيّ ، ولو كان عبدًا حبشيًّا ، إذا تاه بِنَسبِهِ فلْيذكر قو أحدهم :
لا تقل أصلي وفصلي أبدًا إنما أصل الفتى ما قد حصد
***
ليس من يقطع طرقًا بطلاً إنما من يتقي الله البطل
إذا تاه بِنَسبه فلْيذكر قوله تعالى :
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾
عمّ النبي إذا تاه بِنسبه فلْيذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام لبنته فاطمة رضي الله عنها ، يا فاطمة بنت محمّد أنقذي نفسك من النار ، أنا لا أغني عنك من الله شيئًا ، من يبطئ به عمله لم يُسرع به نسبه ، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ، قال تعالى :
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
الخلق كلّهم عِيال الله ، وأحبّهم إلى الله أنفعهم إلى عياله ، الناس سواسية كأسنان المشط ، قال تعالى :
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾
لا تقل أنا ابن فلان ، إن كان والدك طيِّبًا فهو الطَّيّب ، وأنت بعملك ، وإن كان جدّك عظيمًا فهو العظيم ، أما أنت بِعَملك ، قال تعالى :
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
وإذا تاه بِعِلمه ، يحمِل بورد مثلاً ، يحملُ شهادةً عالِيَة ، دكتور ، فلْيذْكُر أنَّ كلّ هذه العلوم التي يخزنها في دماغه معرَّضة للضّياع والنسيان كلّها في ثانية واحدة ، لو جاءت نقطة دمٍ فتجمّدت في مكان الذاكرة لفقَد كلّ معلوماته ، فلِمَ الكِبر ؟ وإذا تكبّر الإنسان بقوّته فلْيذكر من كانوا أقوى منه كيف أهلكهم الله عز وجل ، وإذا تكبّر بماله فلْيذكر قصّة قارون ، قال تعالى :
﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾
إذا أردْت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله ، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك ، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتَّق الله ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((إياكم والكبر، فإن الكبر يكون في الرجل وإن عليه العباءة))
4- إياكم والطمع ...
ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه جابر رضي الله عنه :
((إياكم والطمع، فإنه هو الفقر الحاضر؛ وإياكم وما يعتذر منه))
أنت من خوف الفقر من فقر ، وأنت من خوف المرض في مرض ، وتوقّع المصيبة مصيبة أكبر منها ومن علامات الإيمان الأمْن ، قال تعالى :
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
الطمأنينة ، الثّقة بالله عز وجل ، قال تعالى :
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾
قال تعالى :
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
قال تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾
الطّمع هو عدم الثّقة بالله عز وجل ، تريد أن تأخذ ما لك وما ليس لك ، ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه جابر رضي الله عنه :
(( إياكم والطمع، فإنه هو الفقر الحاضر؛ وإياكم وما يعتذر منه))
5- إياكم والدين ...
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( إياكم والدين، فإنه هم بالليل، ومذلة بالنهار ))
من توجيه النبي عليه الصلاة والسلام ، قوله : لا أشتري شيئًا لا أملك ثمنه ، هذه أخلاقه ، وتبقى رافع الرأس ، لا أحد له عليك سبيل ، لا أحدَ يُطالبك ، لا أحد يقسو عليك بالكلام ، لا أحد يمسك من تلابيبك ويقول لك : أين ديني ؟ لا أشتري شيئًا لا أملك ثمنه ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إياكم والدين، فإنه هم بالليل، ومذلة بالنهار ))
6- إياكم والتمادح ...
عن معاوية بن أبي سفيان رحمه الله قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إياكم والتمادح، فإنه الذبح))
أن يمدح بعضكم بعضا في علم ، وبغير علم ، قد تمْدحُه وهو في غير هذا المستوى ، فيسْخر من كلامك وهو أعرف الناس بنفسه ، إذا مدَحْت امرؤا بما ليس فيه ، هل تظنّ أنّه يحبّك ؟ والله يسخر منك ، لأنَّه يعرف نفسه ، مرَّةً مدح أحدهم سيّدنا الصّديق رضي الله عنه ، فالْتفت إلى الله عز وجل وقال : اللهمّ أنت أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهمّ اجعلني خيرًا مما يقولون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون .
مرَّةً مدح رجلٌ سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ملإٍ من أصحابه فقال : والله يا أمير المؤمنين ما رأينا رجلاً أفضل منك بعد رسول الله فنظر إليهم وأحدَّ البصر فيهم ، وتأمّلهم واحدًا واحدًا ، وقد غلى قلبه غضبًا إلى أن قال أحدهم : لا والله ، يا أمير المؤمنين ، لقد رأينا من هو خير منك ، فقال : ومن هو ؟ قال : أبو بكر ، فقال : صدقت ، وكذبتم جميعًا ، عدَّ الذين سكتوا كذّابون ، قال : والله ، كنت أضلَّ من ناقتي ، وكان أبو بكر أطْيبَ من ريح المسك ، قطع عليهم طريق التمادح ، قال عليه الصلاة والسلام :
((إياكم والتمادح، فإنه الذبح))
يمدح بعضهم بعضًا على تقصيرهم ، وعلى تركهم لدِينهم ، لا يُصلّون ، ويأكلون الحرام ، ثمّ يقولون عنه : لبق ! أخلاقه عالية ! ابن عالم ! كلام فارغ ، فما دام لا يصلّي ، ويأكل مالاً حراما ، فهذا الكلام لا معنى له ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق ))
لأنَّ إذا مدحْت الفاسق علَّقْت الناس به ، ويروْنه المثَل الأعلى ، إذا كان لك صديق فاسق ومدحْتهُ علَّقْت الذين سمعوا كلامك به ، وظنُّوه كما تقول ، وهو على خلاف ما تقول ، قال عليه الصلاة والسلام :
((إياكم والتمادح، فإنه الذبح))
7- إياكم ومحقرات الذنوب ...
ويقول عليه الصلاة والسلام :
((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يجئ بالعود والرجل يجئ بالعود، حتى جمعوا من ذلك سوادا وأججوا نارا، فأنضجوا ما فيها))
صافح ، نظر ، خاض في موضوع غيبة ، يظنّ أنّه لم يفعل شيئًا ، لا شرب خمرًا ، ولا زنى ، ولا سرق ، وهو يصلّي ، واعتمر ، وصام رمضان ، ودفع صدقات التطوّع ، ولكنّه صافح ومازح ، وحادث النساء ، واختلط مع من لا يحلّ له ، وخاض في أحاديث الغيبة ،
قال عليه الصلاة والسلام :
((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يجئ بالعود والرجل يجئ بالعود، حتى جمعوا من ذلك سوادا وأججوا نارا، فأنضجوا ما فيها))
لذلك قال بعضهم : لا تنظر إلى صغر الذنب ، ولكن انْظر على من اجْترأْتَ ، ولا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ، معظم المسلمين يسمعون الغناء ، ولا يبالون بِنَوع دخْلهم ، ويتساهلون في النظر ، ويطربون ، وفي بيوتهم أجهزة اللّهو ، يسهرون عليها إلى أنصاف الليل ، وبعدها يُصلّون ويقولون نحن مسلمون ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه))
ينتهي ، تغدو صلاته جوفاء ، وصيامه أجوف وحجّه فارغ ، وعباداته طقوسًا ، وماله حرام ، ويدعو ربّه فلا يُستجاب له ، وهذا معظم حال المسلمين اليوم .
8- إياكم ودعوة المظلوم ...
ويقول عليه الصلاة والسلام :
((إياكم ودعوة المظلوم وإن كانت من كافر، فإنه ليس لها حجاب دون الله عز وجل))
إياك أن تقول فلانًا ليس مسلمًا ، : إياكم ودعوة المظلوم ولو كانت من كافر ..." لا تكون مسلمًا حتى تُحْسِنَ إلى الخلق كافّة ، ولو رأيت عابد وثن ، ولو مجوسيًّا ، يجب أن تُحسن إليه ، فلعلّه بإحسانك إليه يُسلم ، أما إذا أسأت إليه يزداد حقدًا ، وبغضًا .
((إياكم ودعوة المظلوم وإن كانت من كافر، فإنه ليس لها حجاب دون الله عز وجل))
9- إياكم والهوى ...
ويقول عليه الصلاة والسلام :
((إياكم والهوى، فإن الهوى يصم ويعمي))
إذا اتَّبَع الإنسان شهواته ، وميوله الرخيصة والمنْحطّة فإنَّ الهوى يُصِمّ ويُعْمي ويصبح الإنسان لا يعي على خير ، عن أبو الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :
((حبك الشيء يعمي ويصم))
وحبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة .
10- إياكم وسوء ذات البين ...
عن أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :
(( إياكم وسوء ذات البين، فإنها الحالقة ))
يعني العلاقة السيّئة بين الزوجين ، والعلاقة السيّئة بين الأخوين ، وبين أمّ و ابنها ، هذه العلاقات المقدّسة التي قدَّسها الله سبحانه وتعالى ، عن أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :
(( إياكم وسوء ذات البين، فإنها الحالقة ))
لذلك قال عليه الصلاة والسلام : من أحزن والديه فقد أعقّهما ، فإذا نشب خلاف بينك وبين أخيك ، وانْعكس هذا الخلاف حزنًا في قلب أبَوَيْك ، فقد عققْتَهُما ، من أحزن والديه فقد أعقّهما ، علاقة الأبوّة ، وعلاقة البنوّة ، وعلاقة الزَّوجيّة ، علاقة الأخوّة ، علاقة الجِوار ، علاقة الشراكة ، هذه علاقات مقدّسة فإيّاك وسوء ذات البين ، فإذا ساءَت العلاقة بين زوجين قد تتْرك الزوجة الصلاة ، إن كان زوْجها ديِّنًا وأساء معاملتها قد يوصِلُها إلى النار .
11- إياكم وقرين السوء ...
ويقول عليه الصلاة والسلام إيّاك وقرين السوء فإنّك به تُعْرف ، والفقهاء قالوا : من صحِبَ الأراذل جُرِحَت عدالته ، إن كان لك صاحبُ سوءٍ واحدٍ تُعْرف به ، هو لا يُعْرف به ، فهو معروف أنَّه سيّئ ، لكنَّه أنت تُعْرف به ، لذلك صُحْبة الأراذل ممَّا يجرح العدالة ، وتُصبحُ شهادة هذا الإنسان غير مقبولة لدى القاضي .
12- إياكم وما يسوء الأذن ...
وإياك وما يسوء الأذن ، كلّ شيءٍ إذا سمعتْهُ الأذن ساءها ذلك ، إيّاك أن تفعل ذلك ، إيّاك أن تذمّ إنسان ، فقد يصل هذا الكلام إلى هذا الإنسان ، إيّاك أن تقول كلامًا فاحشًا ، إيّاك أن تعوّد لسانك على سبّ الناس ، فإذا وصلهم ذلك ساءهم ، وأساؤوا إليك .
13- إياكم وما يعتذر منه ...
عن جابر قال قال سول الله صلى الله عليه وسلم :
((إياكم وما يعتذر منه))
أيُّ موقفٍ ، وأيُّ تصرّف ، وأيُّ ملاحظةٍ ، أيّة حركةٍ ، أيّ سُكونٍ تُضْطرّ بعده إلى أن تعتذر ، هذا العمل لا تفعلْهُ ، التَّأخّر مثلاً ، يضْطرّك أن تعتذر ، فلا تتأخَّر ، التَّقصير بالعمل يضطرّك أن تعتذر ، لا تفعل ذلك ، عدم إنجاز العمل في الوقت المطلوب يضطرّك إلى الاعتذار فلا تفعل ذلك ، إيّاك وما يعتذر منه.
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين ، اللَّهمّ صلّ وسلِّم وبارك على سيّدنا محمد صاحب الخُلق العظيم .
14- إياكم والتعري ...
أيها الإخوة المؤمنون ؛ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم))
التبذّل ؛ حتى في البيت ، من كمال إيمان المرء أن يكون لباسه كاملاً ، قد يكون أمام ابنه أو بنته ، إيّاكم والتعرّي فإنّ معكم من لا يفارقكم .
15- إياكم والحسد ...
عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب))
الحسد اعتراض على حكمة الله عز وجل ، الحسد أن تستكثر النِّعمة على أخيك ، وتتمنَّى زوالها عنه ، أما إذا أعجبك أن تكون على أخيك نعمة ، واشْتهيْتَ أن تكون لك أيضًا فهذه غِبْطة ، فهذا مقبول .
16- إياكم والشح ...
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
((إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح؛ أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا))
مرضٌ وبيل ، قال تعالى
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه جبير بن مطعم :
(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله ))
أنْدم الناس من عاش فقيرًا ليَموت غنيًّا ؛ هذا هو الشحيح ، ويكفي أنَّ الشحيح يتمنَّى أقرب الناس إليه موته ، إذا جاء الطبيب وقال لهم حالته سليمة يتألَّمون ! يتمنَّون أن يقول : حالته خطيرة جدًّا ، وموته قاب قوسين يفرحون ، هذا هو الشحيح يتمنَّون موته ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح؛ أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا))
17- إياكم وكثرة الحلف ...
تجد البائع كثرة بيعه بالحلف ، يحلف أنَّ رأس مالها أغلى منها ، ويحلف أنَّها أصليّة ، ويحلف أنّ لها ترتيبات خاصّة ، وهذا كلّه ينهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام ، روينا في صحيح مسلم ، عن أبي قتادة رضي اللّه عنه أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول:
((إيَّاكُمْ وكَثْرَةَ الحَلِفِ في البَيْعِ فإنَّهُ يُنْفِقُ ثُمَّ يَمْحَقُ))
18- إياكم والظن ...
عن أبو هريرة رضي الله عنه ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :
((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولا تنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا ))
قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
قال تعالى
﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾
قال :
(( ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولا تنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا ))
التجسّس تتبّع الأخبار السيّئة ، والتَّحَسّس تتبّع الأخبار الطَّيّبة فلان كم عنده من الإرث ؟ كم ولدًا عنده ؟ كيف زوَّجَهم ؟ من زوَّجهم ؟ هذا لا يعنيك ، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ، عن أبو هريرة رضي الله عنه ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :
((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولا تنافسوا ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا ))
19- إياكم والجلوس في الطريق ...
هذا الحديث اجتماعي ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إياكم والجلوس على الطرقات، فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ))
مقاهي الرصيف هذه ممنوعة في الشرع ، أن تجلس في مكان ، أو محلّ تجاري مزدحم ، أن تضع الكرسي أمام المحل ، وتنظر في المارَّة ، هذه الهواية ، أن تجلس في مكان ترى المارة ، إن كان لك بيت مُطِلّ على الطريق وتجلس في النافذة ، وإن كان لك محلّ تجاري ، أو تجلس في مقهى على الرصيف ، هذا منهيّ عنه في الشرع ،ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( إياكم والجلوس على الطرقات، فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ))
ما حقّ الطريق ؟ غضّ البصر ، وكفّ الأذى ، وردّ السَّلام .
20- إياكم والطعام الحار ...
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( إياكم والطعام الحار، فإنه يذهب بالبركة، وعليكم بالبارد: فإنه أهنأ وأعظم بركة ))
الإنسان قد لا يستطيب الطعام الحارّ ، يضيع عليه طعمه من شدّة طعمه ، والطعام الحارّ لا بركة فيه .
21- إياكم والتنعم ...
ما رواه أحمد وأبو نعيم عن معاذ رفعه:
(( إياكم والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ))
وهو أن يكون التَّنَعُّم شغْلك الشاغل ، الهدف الأساسي في الحياة التّنعّم والسرور ، والنزهات والأكل ، والبيت الفخم ، إذا كان الإنسان هذا هو همّه فهو جاهلٌ حقًّا ، لأنّك في حياة إعداد لِحَياةٍ أخرى ، فمن جعل التَّنَعُّم أكبر همّه فقد ضيَّع عليه الشيء الكثير ، فعن معاذ رفعه:
(( إياكم والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ))
الدعاء :
اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيْت ، وتولَّنا فيمن تولّيْت ، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك ، وصلّ اللهمّ وسلم على سيّدنا محمّد النبي الأمي وعلى صحبه وسلّم ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنَّا ، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين ، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، اللهمّ بارك لنا في شهر رمضان ، وأعنَّا فيه على الصيام والقيام ، وغضّ البصر ، وحفظ اللّسان ، اللهمّ اكتب الصحة والسلامة للحجاج والمسافرين ، والمقيمين والمرابطين في برّك وبحرك من أمّة محمد أجمعين ، اللهمّ ارزقنا حجًّا مبرورًا ، وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا يا أرحم الراحمين ، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين ، وخُذ بيَدِ وُلاتهِم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .