وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0456 - مولد الرسول صلى الله عليه وسلم 7 - بلاغته - الكلمة الطيبة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكُّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلَّم رسول الله سيِّد الخلق والبشر ، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهمَّ صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريَّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيءٍ قدير ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

قوة الكلمة في حياته صلى الله عليه وسلم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ مع الخطبة الأخيرة من خُطَب الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تحدثنا في خطبٍ عديدة عن جوانب من شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ، وذَكَّرْتُكُم بأن معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة سُنَّته القولية ، ومعرفة سيرته العملية ، فرض عينٍ على كل مسلم ، كي يطبق قوله تعالى :

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[ سورة الحشر : 7]

 وليطبق قوله تعالى :

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾

[ سورة الأحزاب : 21 ]

 والجانب اليوم هو : قوة الكلمة في حياته صلى الله عليه وسلم .
 الكلمات أيها الأخوة أوعية للحق ، فكلما كانت الكلمة قويةً ، كلما كان تأثيرها أشدّ وأبقى ، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام ، قال عن نفسه :

((أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ، واختصر لي اختصاراً))

[ من الدر المنثور في التفسير بالمأثور ]

 وقال عليه الصلاة والسلام :

((أنا أفصح العرب بيد أني من قريش))

[ كشف الخفاء عن أبي سعيد الخدري ]

 وقد استخدم في الحديث عن فصاحته أسلوباً بليغاً سماه علماء البلاغة : تأكيد المديح بما يشبه الذم ..

((أنا أفصح العرب بيد أني من قريش))

[ كشف الخفاء عن أبي سعيد الخدري ]

 وقريش أفصح قبيلةٍ في قبائل العرب .
 أيها الأخوة الكرام ؛ تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : " إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدث أصحابه كان لا يسرد كسردكم ، ولكن كان يتكلم بكلامٍ بينٍ - واضحٍ - فصلٍ - لا يحتمل معانٍ متعددة - يحفظه من يجلس إليه ، ولو عده العاد لأحصاه" ، هذا وصف السيدة عائشة لكلام النبي عليه الصلاة والسلام ، فإذا أردت أن تحدِّث الناس ، إذا أردت أن تنقل للناس حقيقة ، إذا أردت أن تؤثر في الناس فاقتدِ بأسلوب النبي عليه الصلاة والسلام في إبلاغ الحق ، كان عليه الصلاة والسلام لا يسرد كسردكم هذا ، ولكن كان يتكلم بكلامٍ بينٍ فصلٍ يحفظه من يجلس إليه ، ولو عده العاد لأحصاه .
 ويقول عليه الصلاة والسلام : " نضر الله وجه رجل أوجز في كلامه واقتصر على حاجته" .

 

البلاغة تسحر القلوب :

 البلاغة في الإيجاز ، والكلام بين إيجازٍ مخل ، وبين إطنابٍ ممل ، والنبي عليه الصلاة والسلام أوتي جوامع الكلم ، واختصر له الكلام اختصاراً ، وكان يقول :

((إن من الشعر لحكمة ، وإن من البيان لسحرا))

[ كنز العمال عن ابن عباس ]

 فالبلاغة تسحر القلوب ، ومن أراد أن ينقل للناس الحقيقة ، ومن أراد أن يُبلغ حقائق الدين إلى المؤمنين فعليه أن يتعلم العربية ، فيقول عمر رضي الله عنه :" تعلموا العربية فإنها من الدين".
 أيها الأخوة الكرام ؛ أصحاب النبي رضوان الله تعالى عليهم فاتتهم مرة صلاة ، فحزنوا أشدَّ الحزن ، وتألموا أشدّ الألم ، واضطربوا أشدّ الاضطراب ، هذا المقام ينبغي تطمينهم ، هذا المقام ينبغي حملَهم على أن يرأفوا بنفوسهم ، فقال عليه الصلاة والسلام :

((إن الله قبض أرواحكم حين شاء - أي أنامكم- وردها عليكم حين شاء))

[ الدر المنثور عن أبي قتادة ]

 أحياناً لكل مقامٍ مقال ، هذا الذي يحاسب نفسه أشدّ الحساب ، والذي يتهمها أشدّ الاتهام ، والذي يحملها ما لا تستطيع ، هذا عليك أن تطمئنه ، عليك أن تسرِّي عنه ، عليك أن تبث فيه الثقة ، فقد قال عليه الصلاة والسلام :

((إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء))

تطميناً لأصحابه .

 

اللغة أداة لجمع القلوب ولمّ الشمل وتطييب الخواطر :

 أيها الأخوة الكرام ؛ أساس البلاغة أن تختار المعنى المناسب ، في الوقت المناسب ، بالقدر المناسب ، للشخص المناسب ، في الصيغة المناسبة .
 يا أيها الأخوة الكرام ؛ حينما دعا النبي قومه كيف استهل دعوته ؟ بدأ بمقدِّمات عندهم مسلمٌ بها ، قال :

((أيها الناس . . أرأيتكم لو حدَّثتكم بأن خيلاً بسفح هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ ؟ ))

[ مختصر تفسير ابن كثير]

 طرح سؤالاً ، وهم يعلمون حق العلم الإجابة عنه .

((أيها الناس . . أرأيتكم لو حدَّثتكم بأن خيلاً بسفح هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ ؟ ))

[ مختصر تفسير ابن كثير]

 فقال أهل مكة : نعم أنت عندنا غير مُتَّهم . انتزع منهم اعترافهم بصدقه ، انتزع منهم إقرارهم بأنه ما كذب قط ، وما جرَّبوا عليه كذباً ، بعد أن توصل إلى هذه النتيجة التي نطقوا بها ، بعد أن انتزع منهم هذا الاعتراف قال :

((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))

 هذا أسلوب ، أسلوب النقلة بالتدريج ، بدأ بمقدمة ، تأكَّد بأنهم يؤمنون بها ، انتزع إقرارهم بها ، وبعدئذٍ بنى على هذه المقدمة حقيقةً وهي :

((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))

[ مختصر تفسير ابن كثير]

 حينما جاءه نُعَيْم بن مسعود ، جاءه في وقتٍ كان المسلمون على وشك أن ينتهي إسلامهم ، وأن يبادوا عن آخرهم ، في معركة الخندق ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً ، في معركة الخندق قال بعضهم : أيعدنا محمدٌ أن نَمْلِك بلاد قَيْصَرَ وكِسْرَى وأحدنا لا يملك أن يقضي حاجته ؟

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾

[ سورة الأحزاب : 32 ]

 بعضهم قال : ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً . العرب لم تجتمع في تاريخها قط ، كما اجتمعت في معركة الخندق ، عشرة آلاف مقاتل جاؤوا ليبيدوا المسلمين ، واليهود نقضوا عهدهم ، وأصبح النبي وأصحابه مكشوفين من ظهورهم ، وفي هذا الوقت العصيب العصيب ، جاء رجلٌ اسمه نُعَيْم بن مسعود ، ودخل على النبي وأعلن إسلامه ، والوقت عصيبٌ . قال : يا رسول الله مرني ماذا أفعل ؟ فقال له كلمتين : " يا نعيم خذل عنا ما استطعت " .
 ولو اطلعتم على قصة نعيم بن مسعود ، ولا مجال في هذه الخطبة إلى ذكر تفصيلاتها ، لرأيتم كيف أن معركةً كادت تقضي على المسلمين ، الله سبحانه وتعالى عن طريق هذا التوجيه الحكيم ، وعن طريق هذا الفهم الدقيق ، وعن طريق صدق هذا الصحابي الجليل ، بلقائه مع اليهود تارةً ، ومع المشركين تارةً أخرى ، خَذَّلَ عن النبي ، ووقعت بينهم العداوة والبَغْضَاء ، وانقلبت قدورهم ، واقتلعت خيامهم ، وأطفئت نارهم ، وكفى الله المؤمنين القتال . قال له : يا نعيم خذل عنا ما استطعت .
 مرة ناقة لأعرابي سبقت ناقة رسول الله ، شَقَّ ذلك على المسلمين ، وقالوا : كيف يسبق هذا الأعرابي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ بماذا تصرف عليه الصلاة والسلام ؟ ماذا قال لهم ؟ قال لهم وهذا قانون قال :

((حُقَّ على الله ألا يرتفع في الدنيا شيءٌ إلا وضعه الله))

[ الجامع لأحكام القرآن ]

 أيْ أنَّ الشيء إذا علا وعلا في نظر الناس ، إلى درجة أنه طغى على كل شيء فالله سبحانه وتعالى إنقاذاً للتوحيد ربما وضعه ، وما رفع الناس شيئاً إلا وضعه الله عز وجل ، وكل شيءٍ يرتفع إلى درجة أنه يطغى على الناس ، ويأخذ مشاعرهم وألبابَهم ، حُقَّ على الله عز وجل أن يضعه إنقاذاً للتوحيد . ألم يفعل هذا سيدنا عمر رضي الله عنه حينما تسلَّم خلافة المسلمين أصدر أمراً بعزل سيدنا خالد ، سيدنا خالد عَلَمٌ عظيم من أعلام قادة المسلمين ، جاء خليفة المسلمين . . وقال له : يا أمير المؤمنين لِمَ عزلتني ؟ فقال أمير المؤمنين : والله يا أبا سليمان إني أحبك . قال : يا أمير المؤمنين لِمَ عزلتني ؟ قال : والله يا أبا سليمان إني أحبك . سأله ثلاث مرات ، وفي المرَّة الرابعة . . ـ قال عمر رضي الله عنه : والله يا أبا سليمان ما عزلتك إلا مخافة أن يفتتن الناس بك لكثرة ما أبليت في سبيل الله .
 أيْ أنَّه عزله إنقاذاً للتوحيد ، لئلا يظن الناس أن النصر مرتبطٌ مع هذا الرجل، النصر من عند الله ، هذا فهم دقيق . ما كان للمسلمين في عصورهم المتأخرة أن يفسروا عزل هذا القائد العظيم إلا بهذا التفسير الذي يليق بصحابة رسول الله رضوان الله تعالى عليهم.
 أيها الأخوة الكرام ؛ أبو سفيان وقف على باب النبي ساعاتٍ طويلة ، فلم يؤذن له، فلما أُذن له ودخل عليه قال : يا رسول الله قد أذنت للناس قبلي ، حتى ظننت أن الحجارة يؤذن لها قبلي . تألم أشدّ الألم ، فالنبي عليه الصلاة والسلام بحكمته وبلاغته وفصاحته قال لأبي سفيان :

((كل الصيد في جوف الفَرَا))

[كشف الخفاء ]

 أي أنت قد تصطاد عشرات الحيوانات ، ولكن الحيوان الذي له فراءٌ ثمين كل الخير به ، وكل الثروة به ، وهذا الذي سبق من الصيد لا يوازيه ، طيَّب خاطره ، وخرج من عنده مطمئناً .
 اللغة أداة أيها الأخوة ، أداة لجمع القلوب ، أداة للمّ الشمل ، أداة لتطييب الخواطر ، أداة لسكينة النَفْس ، فكان عليه الصلاة والسلام يستخدم الكلمة المناسبة ، في الوقت المناسب ، بالقدر المناسب ، مع الشخص المناسب .

 

التّحقق قبل اتخاذ أي قرار :

 زيد بن الأرقم جاء النبي عليه الصلاة والسلام وكان صغير السن ، يروي ما قاله عبد الله بن أبي سلول زعيم المنافقين ، فهذا المنافق الكبير قال وهو يعني المسلمين : " سمِّن كلبك يأكلك ، أما والله لو عدنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منا الأذل " .
 فلما سمع النبي مقالة هذا المنافق الكبير . . قال : يا غلام لعلك غضبت عليه فقلت ما قلت ؟ فقال : كلا والله . قال : يا غلام لعله أخطأ سمعك ؟ .ـ قال : لا يا نبي الله .
 قال : يا غلام لعله شُبِّه عليك ؟ قال : لا والله .
 دققوا في أسلوب النبي ، في التأكُّد من صِحَّة الكلام ، في التأكد من دقَّة الكلام ، في التأكد من مصداقية الكلام ، كلامٌ خطير ، قبل أن يبنى عليه ينبغي التأكد ، لعله اشتبه عليك ، لعلك غضبت عليه ، فحملت عليه ما لم يقل ، لعلك ، ولعلك ، إلى أن تأكد النبي عليه الصلاة والسلام من أن هذه الكلمة قيلت .
 لذلك يا أيها الأخوة الكرام القرآن الكريم علَّمنا ، علمنا إذا كنت في موضع القيادة وجاءتك وشاية ، قل ما قاله سليمان الحكيم ، قال :

﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾

[ سورة النمل : 27]

 تأكَّد ، تحقق قبل أن تتخذ قراراً وإلا فالندم شديد . كان عليه الصلاة والسلام إذا عاد من غزوةٍ قال :

((آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون))

[ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ]

((اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل والمال ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب))

[سنن الترمذي عن أبي هريرة ]

 دعاءٌ بليغ ، لو أن الإنسان سافر وعاد إلى البيت ماذا يتمنى ؟ يتمنى أن يرى أهله في أحسن حال ، وأولاده في أحسن حال ، يتمنى ألا يسمع خبراً سيئاً يقلقه ، قال عليه الصلاة والسلام :

((آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون))

[ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ]

((اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب))

[الترمذي عن أبي هريرة ]

 أما إذا خرج إلى السفر بماذا كان يدعو ؟ ليس في الكون جهةٌ يمكن أن تكون معك في السفر وخليفة لك في الأهل والمال والولد إلا الله ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا سافر يقول :

((اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال))

[الترمذي عن أبي هريرة ]

 ادعوا بهذا الدعاء إذا سافرتم فإنه أطيب لقلوبكم .

 

سيرته البيانية صلى الله عليه و سلم :

 وكان عليه الصلاة والسلام - نتناول من سيرة النبي زاويته البيانية - إذا رأى المطر قال :

((اللَّهُمَّ صَيِّباً نافِعاً ))

[الأذكار النووية عن عائشة ]

 وإذا خاف ضره قال :

((اللَّهُمَّ حَوَالَيْنا ولاَ عَلَيْنا ، اللَّهُمَّ على الآكام وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَجَرِ))

[الأذكار النووية]

 هناك أمطارٌ مخيفة تودي بالمحاصيل ، تُتْلِف الحرث والنسل ، تتلف البيوت :

((اللَّهُمَّ حَوَالَيْنا ولاَ عَلَيْنا ...))

[الأذكار النووية]

 وكان إذا سمع الرعد والصواعق قال :

((اللهم لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك ))

[الجامع لأحكام القرآن]

 وإذا رأى الهلال قال :

((اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنا باليُمْنِ وَالإِيمانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّه))

[ الأذكار النووية عن طلحة بن عبيد الله ]

 هذه بلاغة النبي ، هذه فصاحة النبي ، هذه لغة النبي :

((إن من البيان لسحرا))

[ من كنز العمال عن ابن عباس]

 كان عليه الصلاة والسلام إذا رأى ما يحب قال :

((الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات))

[الدر المنثور في التفسير بالمأثور عن عائشة ]

 وإذا وقع له ما لا يختاره قال :

(( قدر الله وما شاء فعل ))

[ مختصر تفسير ابن كثير ]

 تعلموا هذا الكلام ، جاءك شيءٌ لا ترضاه ، لا تحبه ، تتمنى ألا يأتي ، استسلم لله ، لمشيئته ، لقضائه وقدره قل :

((قدر اللّه وما شاء فعل ، ولا تقل لو أني فعلت لكان كذا ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ))

[ مختصر تفسير ابن كثير ]

 أما إذا جاء الشيء كما تريد وكما ينبغي فقل :

((الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات))

[الدر المنثور في التفسير بالمأثور عن عائشة ]

 وكان في العمل يرتجز عليه الصلاة والسلام ، فحينما بنى مسجد المدينة ارتجز هذه الأرجوزة ، كان يقول عليه الصلاة والسلام :

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة  فـارحم الأنـصـار والـمهـاجرة
* * *

 وكان إذا حفر الخندق قال :

اللهم لولا أنت ما اهتدينا  ولا تصدقنا ولا صلينـــا
فأنزلــــــــــن سكينةً عـليـنا  وثبت الأقدام إن لاقينا
* * *

 من كلامه البليغ صلى الله عليه وسلم :

((لا يكوننّ أحد إمّعة ، قيل : وما الإِمّعة ؟ قال : الذي يقول : أنا مع الناس))

[ النهاية في غريب الحديث والأثر عن ابن مسعود ]

 أليس معظم الناس يقولون هذا الكلام ؟ : يا أخي الجو صعب ، البيئة سيئة ، الزمان فسد ، نحن مع الناس ماذا نفعل ؟ قال عليه الصلاة والسلام :

((لا يكوننّ أحد إمّعة ...))

[ النهاية في غريب الحديث والأثر عن ابن مسعود ]

 الحقيقة أن علماء النفس يؤكدون أن البيئة لها تأثير ، والمحيط له تأثير ، وجو الأسرة له تأثير ، ولكن الحقيقة العظمى أن الإنسان إذا أراد شيئاً ترك أثراً إيجابياً في البيئة ، الإنسان إذا أيقن بشيء ، إذا آمن بحقيقة غير معالم البيئة ، ترك أثراً إيجابياً في البيئة ، الإنسان ليس منفعلاً إلى أقصى الدرجات ، لكنه يفعل ، بإمكانه إذا آمن بشيء أن يبدِّل من حَوْلَهُ .

 

امتحان كل إنسان بزخرف الدنيا و مباهجها :

 أيها الأخوة الكرام ؛ وصف عليه الصلاة والسلام مرة الدنيا ، قال :

((إن الدنيا خضرةٌ حلوة ...))

[الجامع لأحكام القرآن ]

 الإنسان في مقتبل الحياة ماله كثير ، يبحث عن المُتَع ، يبحث عن ما لذّ وطاب، يبحث عن شيءٍ يؤنسه ، يدغدغ حواسه ، قال :

((إن الدنيا خضرةٌ نضره وإن الله مستخلفكم فيها فناظرٌ كيف تعملون))

[الجامع لأحكام القرآن ]

 أنت ممتحن أيها الأخ ؛ ممتحن بزخرف الدنيا ، ممتحن بمباهج الدنيا ، ممتحنٌ بالمال ، ممتحنٌ بالوسامة التي منحك الله إيَّاها ، ممتحنٌ بهذه الزوجة التي أكرمك الله بها ، ممتحنٌ بهؤلاء الأولاد الذين أكرمك الله بهم ، هل تنشئهم تنشئةً طيبةً إسلامية أم تنشئهم تنشئةً لا ترضي الله عز وجل ؟

((إن الدنيا خضرةٌ نضره وإن الله مستخلفكم فيها فناظرٌ كيف تعملون))

[الجامع لأحكام القرآن ]

 كيف تعملون ؟ هل أنت مع الأمر والنهي ؟ هل يجدك حيث أمرك ؟ هل يفتقدك حيث نهاك ؟ ألا فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والنساء حبائل الشيطان ، هذه نصيحة النبي العدنان ، وإن إبليس كما قال عليه الصلاة والسلام :

((طلاع رصاد ، وما هو بشيء من فخوخه - الفخ أي الشبكة - بأوثق لصيده في الأتقياء من النساء))

[الجامع الصغير عن معاذ ]

أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان :

 من أقوال النبي عليه الصلاة والسلام :

((إن الله لا يمل حتى تملوا ، ولا يسأم حتى تسأموا))

[الجامع لأحكام القرآن ]

((أحب الأعمال إلى الله أدومها ، وإن قل ))

[مختصر تفسير ابن كثير ]

((إن الله لا يمل حتى تملوا))

[الجامع لأحكام القرآن ]

 أي افعلوا ما تطيقون ، لأنك إذا مللت انتكست ، إذا عملت عملاً داوم عليه ، اختر عملاً تستطيع أن تداوم عليه ، لأن الله :

((إن الله لا يمل حتى تملوا))

[الجامع لأحكام القرآن ]

 من تعريف النبي عليه الصلاة والسلام للإحسان :

((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))

[الجامع لأحكام القرآن ]

 لذلك قال عليه الصلاة والسلام في بعض أدعيته :

((اللّهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك))

[ شرح الجامع الصغير ]

 اللهم رضني بقضائك وبارك لي بقدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت :

((اللّهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك))

[ شرح الجامع الصغير ]

 أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان ، أعلى درجة بالإيمان أن تشعر دائماً أن الله معك ، فإذا شعرت أن الله معك ، لابد من أن تستحيي منه ، لابد من أن تستقيم على أمره ، لابد من أن تتقي أن تؤذي عباده ، لأنهم عباده ، وهو وَليهم ، وهو وكيلهم .

توجيهاته الاجتماعية صلى الله عليه وسلم :

 من أقوال النبي البليغة ، يقول عليه الصلاة والسلام :

((لا يحكم أحدكم بين اثنين وهو غضبان))

[ زيادة الجامع الصغير عن أبي بكرة ]

 وضع النبي عليه الصلاة والسلام يده على حقيقة الإنسان ، فإذا كان المرء غضبان لا ينبغي أن يتخذ قراراً في هذه الساعة ، وهذه نصيحة النبي ، ولو كنت أباً ، ولو كنت زوجاً ، ولو كنت موظفاً ، وأنت في حالة الغضب ، وأنت تغلي كالمِرْجَل ، إيَّاك أن تتخذ قراراً ، إياك أن تقطع صلةً ، إياك أن تعطي وعداً ، فالغاضب كالأعمى لا يرى ، لا يقضين أحدكم بين اثنين وهو غضبان . ومن بلاغة النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن توجيهاته الاجتماعية :

((أنه نهى عن أن يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ويجلس فيه آخر ، ولكن تفسحوا وتوسعوا ))

 هذا يجرح الإنسان ، أن يقال للإنسان : قم من هذا المكان واجلس أنت مكانه . هذا يجرح الإنسان ، هذا يخدش مكانته وكرامته :

((لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه فيجلس فيه ، ولكن تفسحوا وتوسعوا))

[الدر المنثور عن عمر ]

 هذه من آداب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، و . .

((إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد))

[ الجامع لأحكام القرآن عن ابن عمر ]

 وقد حمل العلماء على هذا الحديث : إذا طرحت موضوعاً لا يعني كل الناس ، فهذا مخالفٌ للسنة ، يجب أن تطرح موضوعاً يستقطب كل الحاضرين ، والحديث عن الله عز وجل يستقطب كل الحاضرين ، والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يستقطب كل الحاضرين ، والحديث عن الآخرة يستقطب كل الحاضرين ، والحديث عن الكون وما فيه من إعجاز ، يستقطب كل الحاضرين ، والحديث عن التجارة في حضرة إنسانٍ غير تاجر ، هذا يبعده عن هذا المجلس :

((لا يتناجى اثنان دون ثالث ، فإن ذلك يحزنه ))

 هذا من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام .

(( ليسلم الصغير على الكبير ، والمار على القاعد ، والقليل على الكثير ))

[ أحمد عن أبي هريرة ]

 أيها الأخوة الكرام ؛ النبي عليه الصلاة والسلام له كلامٌ بليغٌ بليغ ، قال عليه الصلاة والسلام :

((ليس الشديد بالصُرعة))

[الجامع لأحكام القرآن عن أبي هريرة ]

 هذا الذي يفور ويهمد ، هذا الذي يخبط الأرض برجليه ، والطاولة بيده ، هذا الذي يخبط الباب خبطاً فينكسر زجاجه ، ليس هذا هو الشديد ، ليست هذه هي البطولة ، ليست هذه هي الرجولة ، ليس العنف من مظاهر الرجولة ، ولكن الشديد من يملِك نفسه عند الغضب، الشديد الرجل البطل هو المسيطر على حركاته وسكناته ، أما هذا الذي يفقد السيطرة على أعضائه فهذا ليس بطلاً ، ولقد قال بعض الشعراء :

ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتـقي الله البطل
* * *

 أرأيتم أيها الأخوة إلى حديثٍ يطمئن الأزواج ، ويطيِّب خواطرهم ، قال عليه الصلاة والسلام :

((إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيِ – فم - امرأتك ))

[البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص]

 فهذا الطعام الذي تشتريه وتقدمه لأولادك وزوجتك ، هذا تؤجر عليه عند الله عز وجل .
 بل إن أيها الأخوة ليس في حياة المؤمن اثنينية ، وليس في حياة المؤمن ازدواجية ، دنياه هي آخرته ، وآخرته هي دنياه ، وكل أحواله تعد عملاً صالحاً ، قال عليه الصلاة والسلام وقد سأله سائل : يا رسول الله أي الصدقة أعظم ؟ قال :

((أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر))

[ مختصر تفسير ابن كثير عن أبي هريرة ]

 أناسٌ كثيرون إذا قاربوا الموت ، هم على فراش الموت ، قد امتد بهم العمر ، ودخلوا في النزاع تجدهم يوصون : هذا البيت لفلان ، وهذا لفلان ، وهذا لفلان ، أفضل صدقةٍ أن تصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ ، تخشى الفقر وتأمل الغنى .

 

الإنسان مكرّم من انتقده في لونه أو شكله انتقد الله :

 وببلاغة النبي عليه الصلاة والسلام يبين أن الكلمة التي تلفظها ، والتي لا تلقي لها بالاً ، والتي تظن أنها كلمة قيلت وانتهى الأمر ، ماذا حدث ؟ يقول عليه الصلاة والسلام : دققوا أيها الأخوة أحياناً كلمة تسبب طلاقاً ، تشرد أولاداً ، أحياناً كلمة ينتكس من سمعها فيتنكر لدينه قال :

((إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّم))

[ الأذكار النووية عن أبي هريرة ]

 قرأت مرةً أن بعض المدن الكُبْرَى على المحيط الأطلسي ، مياهها المالحة تسير في البحر بشكلٍ ظاهر ما يزيد عن خمسين كيلو مترًا ، مياهٌ سوداء مالحة تصب في البحر وتبقى واضحة المعالم لخمسين كيلو متراً ، ومع ذلك البحر ماؤه طاهر ، أما حينما قالت السيدة عائشة عن أختها صفية : " إنها قصيرة " ، قال :

((يا عائشة لقد قلتِ كلمةٍ لو مزجت بمياه البحر لأفسدته))

[ أبو داود عن عائشة ]

 بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام أن الإنسان مكرَّم ، فإذا اتهمته بصفة لا شأن له بها ؛ إذا تحدثت عن شكل الإنسان ، عن خلقه ، عن طوله ، عن لونه ، هذا شيءٌ ليس بيده ، كأنك تنتقد حضرة الله عز وجل ، تنتقد خالق الكون ، قال لها :

((يا عائشة لقد قلتِ كلمةٍ لو مزجت بمياه البحر لأفسدته))

[ أبو داود عن عائشة ]

((إن الرجل ليتكلم الكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار))

[ الجامع الصغير عن أبي هريرة ]

 وأناسٌ كثيرون يتمنون الموت ، ويدعون على أنفسهم بقصف العمر ، وبالموت، هذا كلامٌ شيطاني ، قال عليه الصلاة والسلام :

((لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به ، فإن كان لا بد متمنياً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي))

[الجامع لأحكام القرآن ]

 هذا دعاء النبي كله أدبٌ ، وكله حكمة .

 

تشجيع الآخرين و الثناء على أعمالهم :

 وكان عليه الصلاة والسلام قد وفد عليه النابغة الجعدي وهو أحد الشعراء وأنشده قصيدته الرائية المشهورة إلى أن قال :

لا خير في حُلُمٍ إذا لم تكن  له بوادر تحمي صفوه أن يُكَدَّر
* * *

 فقال عليه الصلاة والسلام :

((لا فَضَّ اللّه فَاك))

[ من الأذكار النووية ]

 هذا الذي يقوله الناس عقب خطبة بليغةٍ : " لا فض الله فاك " هذه سَنَّها النبي عليه الصلاة والسلام ، " لا فض الله فاك ، ولا فض فوك " . كلمة ثناء ، علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نشجع الآخرين ، علمنا أن نثني على أعمالهم ، علمنا أن نقدر إمكاناتهم ، قال له :

((لا فَضَّ اللّه فَاك))

[ من الأذكار النووية ]

انتزاع العلم بقبض العلماء :

 ويحدثنا عليه الصلاة والسلام كيف أن العلم يقبضه الله لا انتزاعاً ولكن بطريقةٍ أخرى ، فقال عليه الصلاة والسلام :

((إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً - أي علماء جهالاً - فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

 كيف ينتزع العلم ؟ بموت العلماء .

 

بلاغة النبي عليه الصلاة و السلام :

 وأراد عليه الصلاة والسلام بعد أن جاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وانتهت مهمة النبي ، أراد أن يخبر الناس أنه قد اقترب أجله ، فقال كلاماً فهمه بعض الصحابة ، قال عليه الصلاة والسلام :

((إن عبداً خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله))

[ تخريج الإحياء عن عائشة ]

 يريد نفسه ففهم أبو بكرٍ رضي الله عنه ما يعني ، فبكى وهو يقول : " بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا يا رسول الله " ، فقال عليه الصلاة والسلام : " على رسلك يا أبا بكر" .
 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه لفتاتٌ من بلاغة النبي ، اقرؤوا أحاديث رسول الله ، احفظوا أحاديث رسول الله ، علموا أولادكم أحاديث رسول الله ، ألزموهم أن يحفظوها ، كافئوهم على حفظها ، لأننا كما تعلمنا أن أعلى كلامٍ بعد كلام الله هو كلام النبي عليه الصلاة والسلام، بلاغةٌ ما بعدها بلاغة ، رقةٌ ما بعدها رقة . دخلت عليه فتاةٌ من أقربائه تلبس ثياباً شفافة ، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يوجِّهها وأن يعظها ، وابتعد عن كل كلمةٍ تثير الغريزة قال :

((يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامكِ))

[ أحمد والطبراني عن أسامة بن زيد]

 اختار كلمةً لا تثير الغريزة إطلاقاً ، وأية كلمةً أخرى ربما أعطت عكس الهدف.
 أيها الأخوة الكرام ؛ أقوال النبي كلها بليغة ، عليكم بأحاديثه الشريفة الصحيحة ، لأنه :

((مَن كذب عليَّ مُتعمِّدا فليتبوأ مقعدَهُ من النار ))

[أبو داود والترمذي عن علي بن أبي طالب ]

 عليكم بكتب الحديث الصحيحة . .

(( مَنّ حدّث عنِّي بحديث يُرى أنه كذِب، فهو أحد الكاذبين ))

[متفق عليه عن المغيرة بن شعبة ]

اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً .
* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الكلمة الطيبة صدقة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ يقول عليه الصلاة والسلام :

((الكلمة الطيبة صدقة . . .))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 صدقة .

((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم))

[ أبو يعلى عن أبي هريرة ]

 الكلمة الطيبة ، كلمة الاعتذار ، كلمة الترحيب ، البشاشة ، كلمة الثناء الحقيقي ، المديح الحقيقي ، هذه الكلمة التي تطيب بها النفوس هي صدقة عند الله ، إذاً إذا اعتقدت أن كلامك جزءٌ من عملك ضبطت لسانك ، " لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " .
 الحياء لا يأتي إلا بخير ، الحياء من الإيمان ، الكِبْرُ بطر الحق ، أن ترد الحق ، أن ترفض الحق ، أن ترفض حكم الله عز وجل ، أن ترفض تفسير القرآن للكَوْن ، أن ترفض حُكْمَاً شرعياً ، أن ترفض إنساناً يدعو إلى الله ، بطر الحق ، وغَمْطُ الناس ، أن تبخسهم حقهم ، ألا تعطيهم حقهم هذا كبر ، قال عليه الصلاة والسلام :

((اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))

[ البخاري عن ابن عباس ]

 قال عليه الصلاة والسلام :

((يسروا ولا تعسروا ، بشروا ولا تنفروا))

[ الجامع الصغير عن أنس ]

 هذا كلام للموظفين يسروا ولا تعسروا ، كن محل هذا الذي يقف أمام المكتب ، تصور أنه عانى ما عانى حتى وصل إليك ، قضيته واضحة ، لا تحتاج إلى تعقيد ، فإذا عقَّدت عليه الأمور ، وإذا أربكته ، وإذا ضيَّقت عليه المسالك ، الله سبحانه وتعالى يغضب ، النبي عليه الصلاة والسلام قال :

((يسروا ولا تعسروا ، بشروا ولا تنفروا))

[ الجامع الصغير عن أنس ]

 قال :

((أسْرَعُ الدُّعاءِ إجابَةً دَعْوَةُ غائِبٍ لِغائب))

[الأذكار النووية عن ابن عمر ]

العبرة لا ما يقوله الناس في حضرتك ، لا ما يقوله الناس لك ، هذا قد يكون نفاقاً، هذا قد يكون خوفاً ، هذا قد يكون اتقاءً لشرِّك ، ولكن بطولتك الحقيقية ، ولكن كمالك الحقيقي يتمثَّل فيما يقوله الناس في غيبتك ، وما يدعون لك في غيبتك . . " أسرع الدعاء إجابةً دعوة غائبٍ لغائب " .
ويقول عليه الصلاة والسلام :

((بحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم))

[الجامع لأحكام القرآن ]

 لو كنت في أعلى مرتبة ولك أخٌ مؤمن حاجبٌ على بابك ، إن احتقرته أو رأيته دونك ، أو رأيت أنك فوقه بكثير فأنت لا تعرف الله :

((رب أشعث أغبر ذي طمرين ، تنبو عنه أعين الناس ، لو أقسم على الله لأبره))

[ الجامع الصغير عن أبي هريرة]

 لذلك :

((بحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم))

[الجامع لأحكام القرآن ]

((ما ضلَّ قوم بعد أنْ نهاهم اللّه إلاَّ أُتوا الجدل ))

[ الموطأ عن محمد بن الحصن ]

 الإنسان حينما يحب أن يناقش ، وأن يحاور ، وأن يُفْحِم خصمه ، وعمله ضعيف، هذا قلَّ عمله فطال لسانه ، لكن المؤمن يكثر عمله ، فيَخْزِن لسانه .

((ما ضلَّ قوم بعد أنْ نهاهم اللّه إلاَّ أُتوا الجدل ))

[ الموطأ عن محمد بن الحصن ]

 هذه من بلاغة النبي عليه الصلاة والسلام .

((الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد السائل))

[ أحاديث الإحياء عن ابن عباس ]

 حينما تعطي الصدقة ، حينما تأخذ من دخلك الحلال ، حينما تأخذ المال الحلال الطيِّب وتضعه في يد الفقير ، يجب أن تعلم كما قال النبي إن هذا المبلغ يكون في يد الله قبل أن يكون في يد الفقير .

((البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد وإن أفتاك المفتون وأفتوك))

[أحمد عَنْ وَابِصَةَ الأَسَدِيِّ ]

 فأحياناً أنت مختل التوازن ، هناك قضية تُقْلِقك ، فذهبت إلى من تسأله أعطاك فتوى ، أنت لست مرتاحاً لهذه الفتوى ، ما دمت لست مرتاحاً لهذه الفتوى فمقياسك قلبك ، لأن الإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس .

((من فتح على نفسه باباً من سؤالٍ ، فتح الله عليه سبعين باباً من الفقر))

[ من تخريج أحاديث الإحياء ]

 اطلب من الله . .

اجعل لربك كــل عزك يسـتقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
* * *

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور