وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 012 - حقوق الإنسان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

حقوق الإنسان:

أيها الأخوة الكرام: موضوع درس اليوم جديد عليكم، فالإنسان لا يفتأ يستمع إلى الأخبار حول حقوق الإنسان، وأن هذه الدولة لا تحترم حقوق الإنسان، وأن تلك الدولة تُعاقَب لأنها لا تحترم حقوق الإنسان، وكأن حقوق الإنسان إنجاز عالمي كبير، والذي يؤلم أشد الألم أن أجهل الناس بما في الإسلام من حقوق للإنسان هم المسلمون، يتبجحون بحقوق الإنسان وفي الدين الإسلامي من صيانة حقوق الإنسان ما لا يصدق، لذلك هذه الكلمة كثيراً ما نستمع إليها في الأخبار حقوق الإنسان، صون حقوق الإنسان، رعاية حقوق الإنسان.

حقوق الإنسان متعددة منها:

1 ـ حق الحياة

أيها الأخوة الكرام: أول حق من حقوق الإنسان هو: حق الحياة، فالحياة هبة الله سبحانه وتعالى، وقد أجمعت جميع الشرائع والأديان على تقديس حق الحياة واحترامه وحفظه ورعايته، وبالتالي حرّمت الاعتداء على صاحبه تحريماً قطعياً، لا نجد صوناً لهذا الحق كما نجده في الإسلام، دققوا في هذه الآية: 

﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)﴾ 

( سورة المائدة )

حق الحياة مصون لأعلى درجة في الإسلام:

الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله، يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً، أما أن تُغتَصب ثلاثمئة وخمسون ألف فتاة في البوسنة، وأما ما يفعله هؤلاء بما يسمى بالتطهير العرقي، ليس هذا انتهاك لحقوق الإنسان ؟ هل تجدون نصاً يرعى حق الحياة كهذا النص ؟ هل تجدون نصاً في الكون كله يرعى حق الحياة كقوله صلى الله عليه وسلم:

(( يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً ))

[ ورد في الأثر ]

وهذه آية أخرى:

﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93)﴾

( سورة النساء )

شيء لا يصدق من يقتل مؤمناً متعمداً، فجزاؤه جهنم خالداً فيها، وإليكم آية ثالثة:

﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)﴾

( سورة البقرة )

﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)﴾

( سورة النور )

حق الحياة مصون في الإسلام في أعلى درجة، الذي يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها، الذي يقتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً.

القصاص في القتل:

بأحكام الفقه، القصاص في القتل يتساوى فيه جميع الناس، فيقتل العالم بالجاهل، شخص يحمل أعلى شهادة في العالم (بورد) قتل إنساناً جاهلاً أمياً، الذي يحمل أعلى شهادة في العالم يُقتل بهذا الجاهل، لأنه اعتدى على حق الحياة.
يُقتل الشريف بالوضيع، ولو كان من أرقى أسرة، ولو أنها منسوبة، لو حدثت جريمة قتل يقتل الشريف بالوضيع.
يُقتل العاقل بالمجنون، عاقل قتل مجنوناً يقتل العاقل بالمجنون.يُقتل الكبير بالصغير، يُقتل الرجل بالمرأة، يُقتل المسلم بغير المسلم، هكذا بالفقه، هل هناك من حق للحياة أعلى من هذا؟

 

أحكام القتل الخطأ:

والآن إليكم حكم ما دون القتل، قال تعالى: 

﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)﴾ 

( سورة المائدة )

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)﴾

( سورة البقرة )

أما القتل بالخطأ، فإن قُتل شخص خطأً فلا بد من رعاية حق عام وحق خاص.

1 ـ الحق الخاص:

أما الحق الخاص دية مسلّمة إلى أهله.

2 ـ الحق العام:

أما الحق العام كما أنه أزهق نفساً مؤمنةً في مجتمع مؤمن فعطل مصالح المؤمنين بقتل هذا الإنسان خطأً فينبغي أن يدخل إلى مجتمع المؤمنين نفساً مؤمنةً يعتقها لتكون فديةً له أو ديةً له نظير الحق العام.
حالياً لا يوجد عبيد فرادى، يوجد أمم مستعبدة لذلك لابد من صيام شهرين متتابعين، إذا الإنسان قتل إنساناً خطأً في حادث سير فلابد من أن يقدم إلى أهله دية كاملة ولا بد من أن يصوم شهرين متتابعين، هذا حق الحياة في الإسلام.

حقوق الإنسان في الإسلام معلنة بآيات من كتاب الله:

حينما تستمعون إلى حقوق الإنسان ينبغي أن تعتزوا بإسلامكم، حقوق الإنسان أعلنت في عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين عقب الحرب العالمية الثانية، بعد أن قتلت الحرب أكثر من ثلاثةٍ وستين مليون إنسان، عدا المشوهين، انتهت الحرب العالمية الثانية بمجموع قتلى يساوي ثلاثةٍ وستين مليون إنسان، ودمرت كل شيء.عقب هذه الحرب أعلنت حقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول عام ألف و تسعمئة وثمانية وأربعين، بينما حقوق الإنسان في الإسلام معلنة بآيات من كتاب الله قبل ألف و أربعمئة عام.

 

فائدة استخدام السواك:

أوربا استعملت الفرشاة قبل مئتي عام فقط، وقبلها كيف كانت تنظف أسنانها ؟ كانت تنظف أسنانها بالتمضمض بالبول، بينما السواك شرع للمؤمنين قبل ألف و أربعمئة عام.
ذكرت يوم الجمعة أن عالماً ألمانياً متخصصاً بعلم الجراثيم والأمراض قرأ كتاباً لرحالة بريطاني زار الشرق الأوسط، وكان هذا الرحالة يتهكم على قطعة من الخشب ينظف بها المسلمون أسنانهم، عدّ هذا همجيةً وتخلفاً، وكان ساخراً لاذعاً في سخريته، هذا العالم قرأ هذه المذكرات لهذا الرحالة البريطاني، قال: لعل في الأمر شيئاً لا نعرفه، وكان يتمنى أن يؤتى بسواك ويفحصه، إلى أن زار صديقاً له بالسودان وأتى ببضعة عيدان من السواك، قال هذا العالم: سحق أحد هذه العيدان وبللها ووضعها فوق مزرعة للجراثيم، ثم فوجئ أن مفعول مسحوق السواك في مزرعة الجراثيم يشابه تماماً مفعول البنسلين، فالسواك فرشاة مع معجون مع دواء في وقت واحد، والآن هناك معاجين مصنوعة من خلاصة السواك.
هم قبل مئتي عام بدؤوا ينظفون أسنانهم بالفرشاة، وقبلها كانوا ينظفون أسنانهم بالتمضمض بالبول، بينما المسلمون أرشدهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى استخدام السواك. 

(( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ))

[أخرجه النسائي عن عائشة ]

من مستلزمات حق الحياة:

1 ـ تأمين الأرزاق:

الفقهاء قالوا: مِن رعاية حقوق الإنسان ولا سيما حق الحياة تأمين الأرزاق، وحماية المنتجات، وعقاب المحتكرين، لأن حق الحياة من لوازمه تأمين الطعام والشراب، كل من يحتكر الطعام يعاقب في الدنيا ويعاقب في الآخرة لأنه ضعضع قضية حق الحياة، من لوازم حق الحياة أن يأكل هذا الإنسان، لسيدنا أبي ذر كلمة رائعة: إذا جاع المسلم فليس لأحد مال، يجب أن يوزع الطعام بين المسلمين، من لوازم حق الحياة أن تؤمن للناس حياتهم الأساسية.
سيدنا عمر قال لأحد ولاته: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب، قال الوالي: أقطع يده، فقال عمر: إذاً إذا جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا على خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفرنا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك في المعصية.
حق الحياة من فروعه حق تأمين الأرزاق، وأي دعوة إلى الله ينبغي أن ترافقها دعوة إلى العمل دعوة إلى كسب الرزق، دعوة إلى الكفاية، لأن الإنسان كما قال سيدنا علي: كاد الفقر أن يكون كفراً، وطلب الحلال فريضة بعد الفريضة.
وإني أرى الرجل ليس له عمل يسقط من عيني. 

2 ـ حق الدفاع عن النفس و العرض و المال و الدين:

ومن مستلزمات حق الحياة إباحة حق الدفاع عن النفس وعن العرض وعن المال وعن الدين، حق الدفاع عن النفس مشروع، بالقضاء بنصوص واضحة: إذا الإنسان هاجمه إنسان ليقتله فسبقه وقتله يعد هذا القتل دفاعاً عن النفس، هذا حق مشروع من لوازم حق الحياة.
من لوازم حق الحياة تأمين الطعام والشراب والمأوى والكساء هذه أساسيات، من لوازم حق الحياة أن تبيح للإنسان حق الدفاع عن النفس وعن العرض وعن المال، وهذه مقاصد الشريعة الخمسة، الدين، النفس، العرض، العقل، المال، يقتضي حق الحياة كما قلنا قبل قليل تحريم الاعتداء على النفس، تحريم التمثيل في القتلى.
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: مثل بهم يا رسول الله ( يعني قتلى الكفار)، فقال عليه الصلاة والسلام: 

((لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً.))

تحريم القتل بغير حق:

التمثيل في الجثة اعتداء على حق الحياة.
تحريم المبارزة بين شخصين في غير الحق، المصارعة الحرة التي تنتهي بقتل أحد المتصارعين هذه محرمة شرعاً لأنها عدوان على حق الحياة، هذه جريمة يصارعه إلى أن يرديه قتيلاً، ثم يقال: أخذ بطولة العالم. شيء مضحك، هذا محرم بالشرع لأنه عدوان على حق الحياة.
تحريم الإذن بالقتل، قال يا أمير المؤمنين: إن أناساً قد اغتصبوا مالاً ليس لهم ولست أقدر على استخراجه منهم إلا أن أمسهم بالعذاب، فإن أذنت لي فعلت، قال: يا سبحان الله، أتستأذنني بتعذيب بشر، وهل أكون لك حصناً من عذاب الله، وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله أقم عليهم البينة فإن قامت فخذهم بالبينة، فإن لم تقم فادعهم إلى الإقرار فإن أقروا فخذهم بإقرارهم، فإن لم يقروا فادعهم إلى حلف اليمين، فإن حلفوا فأطلق سراحهم، و أيم الله لأن يلقوا الله بخيانتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم.

 

حق الحياة ليست ملكاً للإنسان بل الإنسان ملك المسلمين:

وبعد: فإن الإنسان إذا مرض مرضاً خطيراً وما عالج نفسه يموت عاصياً صوناً لحق الحياة، وإنسان نام على سطح بلا سور يحيط بالسطح فسقط ودقت رقبته يموت عاصياً، إنسان ركب ناقةً حروناً ودقت رقبته يموت عاصياً والنبي أبى أن يصلي عليه، قال:

((من كانت ناقته حروناً فلا يركبها.))

أحد الصحابة أراد أن يكسب شرف الجهاد ركب ناقةً حروناً فرمته من على ظهرها ودقت رقبته فمات، أبى النبي أن يصلي عليه، يقاس عليها الآن مركبة درجة عاشرة، مكابحها متآكلة، ميكانيكها تعبان، والسفر طويل فإذا جرى له حادث يموت هذا الإنسان عاصياً، صوناً لحق الحياة، لأن حق الحياة ليس ملكك بل أنت ملك المسلمين، وأنت ملك أسرتك وأنت ملك من تعول، هذه كلها أحكام فقهية، أرأيتم إلى هذا الحق.

بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بحق الحياة:

هل تصدق أن تناول الطعام والشراب من أجل صون الحياة فرض عين على كل إنسان، لو أن إنساناً ترك أكل الطعام والشراب فهذا الصوم حتى الموت انتحار.
أيضاً إذا أصابك مرض ولم تعالج نفسك تموت عاصياً، إذا أهملت صحتك فإنك تعصي الله عز وجل، قال تعالى: 

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)﴾ 

( سورة البقرة )

الاعتداء على الجنين محرم صوناً لحق الحياة، حتى إن معظم العلماء قالوا: إن البويضة إذا تلقحت من الحوين يحرم إسقاطها ولو لأول لحظة.
هناك فتوى ضعيفة أنه خلال الأربعين يوماً الأولى يجوز إسقاط الجنين، لكن أكثر العلماء على أنه لا يجوز، لأن هذه البويضة عندما تلقحت أصبحت كائناً حياً وبدأ الانقسام فلو تمّ الإسقاط في هذه الفترة فهذا عدوان على حق الحياة.
هذه بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بحق الحياة، إذا أحدكم سمع في الأخبار يتحدثون عن حقوق الإنسان، فليعلم أن حقوق الإنسان مصونة في أعلى درجة في الإسلام، لكن موضوع التطبيق شيء آخر، نسعى إلى تطبيق هذا، لا تربط الإسلام بالواقع، افهم الإسلام نقياً وحاول أن تجعل الواقع يرتقي إلى مستوى الإسلام، قد لا نجد هذا في الواقع ولكن حق الحياة في الإسلام مصون في أعلى درجة من درجات الصون. 

2 ـ حق الكرامة الإنسانية:

الحق الثاني حق الكرامة الإنسانية، الإنسان مكرم قال تعالى: 

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾

( سورة الإسراء )

الإنسان يحيا بالطعام و الشراب و تحيا نفسه بالتكريم، أما الإذلال والقهر والإهانة فهذا محرم، النبي عليه الصلاة و السلام نهى عن ضرب الوجه لأنه موضع كرامة الإنسان، و الشيء الثابت في علم النفس أن الإنسان يأكل و يشرب حفاظاً على حياة الفرد و يتزوج حفاظاً على النوع و يؤكد ذاته حفاظاً على الذكر، فالإنسان عنده حاجة أساسية جداً بعد أن يأكل ويشرب، ويقضي حاجاته الأخرى، هو بحاجة إلى أن يكون ذا شأن في المجتمع، حق الكرامة، وقد يأتي هذا الشأن من إتقان عمله، قد يأتي هذا الشأن من إيمانه، من طلبه للعلم، ومن تعليمه العلم، من أعماله الصالحة، وقد يأتي هذا الشأن من إيذاء الناس، شر الناس من اتقاه الناس مخافة شره، فهو لجهله يبحث عن تأكيد ذاته بطريق قذر، الذي يؤذي الناس ويشعرهم أنه مخيف، وأنه بإمكانه أن يزعجهم هذا إنسان يؤكد ذاته بطريق شيطاني، أما المؤمن يؤكد ذاته عن طريق معرفة الله ومعرفة منهجه والعمل بطاعته، وخدمة خلقه، وطلب العلم، وتعليم العلم، هناك آلاف الأبواب ترقى بها وتؤكد ذاتك وتحقق الهدف الأساسي من وجودك.

حق الكرامة حق لجميع المسلمين:

إذاً: حق الكرامة حق لجميع المؤمنين، لجميع بني البشر، سيدنا عمر حينما داس أعرابي من فزارة طرف رداء ملك من ملوك الغساسنة في أثناء الطواف، التفت الملك وضربه ضربةً هشمت أنفه، البدوي شكاه إلى عمر فاستدعاه عمر، قال: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ (انظروا إلى الإسلام كيف حفظ حق الكرامة !!) قال: لست ممن يكتم أو ينكر شياً، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي، فقال له: أرضِ الفتى لابد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك، قال: كيف ذاك يا أمير ؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟ قال: نزوات الجاهلية هذه ورياح العنجهية قد دفناها وأقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس لدينا أحراراً وعبيداً، قال: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، قال: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه كل صدع فيه بشبا السيف يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.

الاستقامة و الإحسان سبب الكرامة:

حق الكرامة، كل إنسان له الحق أن يتمتع بأعلى درجة من الكرامة وفي القرآن الكريم آية كريمة فيها قانون الكرامة: 

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)﴾ 

( سورة يونس )

الكرامة سببها الاستقامة والإحسان، وكل إنسان بعمله فإذا كان متقناً يرفع رأسه، أقول لكم هذه الكلمة أيها الأخوة: كن نظيفاً، وكن واضحاً، وكن مستقيماً، ولا تخشَ أحداً، ارفع رأسك يا أخي لا تُمَوِّتْ علينا ديننا، إنسان كان يمشي مطأطئ الرأس علاه عمر بالدرة وقال له: ارفع رأسك فالإسلام عزيز.
أما عندما تأكل مالاً حراماً تطأطئ الرأس، وتقبّل الأقدام، والإنسان يضعف مركزه عندما يرتكب إثماً، أما إذا كان طائعاً لله ينبغي أن يكون رافع الرأس، لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.
ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير، وسيدنا عمر بن الخطاب عندما استدعى ابن عمرو بن العاص من مصر لأنه ضرب مواطناً من مصر بغير حق، قال له: اضرب ابن الأكرمين، قال كلمته المشهورة التي تكتب بمداد من ذهب، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.

على الإنسان أن يحترم كرامة الآخرين و حقوقهم:

حق الكرامة الإنسانية، أنت في مكان عملك وعندك موظفون مرؤوسون حاسبهم، ناقشهم، حاورهم، بين لهم خطأهم لكن لا ينبغي أن تهينهم، لا ينبغي أن تذلهم، أنا أقول لكم أيها الأخوة: الإنسان أحد رجلين إما مسلم أو عنصري، العنصري يعتز ببيئته، بقبيلته، بعشيرته، بطائفته، بمكانته، بماله، بمنصبه، هذا الذي يعتز بشيء وينظر إلى الناس من عل ويحتقر الناس من دونه فهذا إنسان عنصري وهذه أكبر تهمة في عصرنا الحاضر، أن يكون الإنسان عنصرياً، مستعلياً على الآخرين.
كانوا في سفر وعندهم شاة، فقال أحدهم عليّ ذبحها يا رسول الله، وقال الثاني: وعلي سلخها، أما الثالث: علي طبخها، فقال النبي: وعليّ جمع الحطب، أمعقول هذا ؟ نحن نكفيك ذلك، قال:

((لا، أعلم أنكم تكفونني ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً عن أقرانه.))

أول حق: حق الحياة، والحق الثاني: حق الكرامة أذكر هذا لئلا تؤخذون إن استمعتم إلى الأخبار وأن بلداً ما لا يحترم حقوق الإنسان، فاعلموا أنه ما من دين على وجه الأرض احترم حقوق الإنسان كالإسلام، حقوق الإنسان معروفة في الإسلام قبل ألف وأربعمئة عام.

3 ـ حق الحرية:

أما حق الحرية: فأولاً حرية الاعتقاد، قال تعالى:

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)﴾

( سورة البقرة )

﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)﴾

( سورة البقرة )

﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)﴾

( سورة القصص )

﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)﴾

( سورة هود )

﴿قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)﴾

( سورة الأنعام )

حرية الاعتقاد:

حرية الاعتقاد مصونة في الدين، لكن وأنت في مجتمع مسلم اعتقد ما شئت لكن لن تستطيع أن تفعل شيئاً خلاف منهج الله، يوجد نقطة دقيقة جداً، الحرية يفهمها الآخرون في الطرف الآخر في مجتمع الغرب أن تفعل ما تشاء، ولو أدت هذه الحرية إلى إفساد المجتمع، لكنه في الإسلام هناك تشريع من عند خالق الكون، هذا التشريع مصون، يعني هذه المرأة التي تمشي في الطريق تظهر كل مفاتنها وتفسد شباب المسلمين عملها هذا ليس حريةً، هذا ممنوع، هي حرة أن تفعل في بيتها ما تشاء أما ليست حرة في الطريق.
سمعت عن امرأة في مركبة عامة في سفر، سائق المركبة وضع شريطاً من الأغاني الساقطة التي قلما توضع، وقفت امرأة ملتزمة وقالت للسائق أوقف هذه المسجلة، لأن هذه المركبة ملك كل الراكبين، هذا الشريط تسمعه في بيتك فقط، هذه المركبة فيها شابات وشباب، هذا الغناء تسمعه وأنت في بيتك.
الإنسان في الإسلام حر لكن هذه الحرية تنتهي حينما تبدأ حرية الآخرين. أنا لا أستطيع أن أفسد المجتمع باسم الحرية، أفتح نادياً ليلياً باسم الحرية، أجعل المرأة تمشي وكأنها عارية باسم الحرية، لا، هذا فهم خاطئ للحرية، هذا فهم مشوه، الشيء الذي شرعه الله عز وجل فوق الجميع، نحن نتحرك وفق منهج الله عز وجل.

 

التفكير من لوازم حرية الاعتقاد:

التفكير من لوازم حرية الاعتقاد، حرية الاعتقاد مصونة لقوله تعالى: 

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)﴾ 

( سورة البقرة )

والتفكير الحر من لوازم حرية الاعتقاد، قال تعالى:

﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾

( سورة يونس )

﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)﴾

( سورة المؤمنون )

فهل عندك برهان على شريك، الإسلام حينما قال: لا إكراه في الدين صان حرية الاعتقاد، وحينما دعانا إلى التفكير أعطانا لوازم حرية الاعتقاد، ولحكمة بالغة بالغة أن أحداً في الأرض لا يستطيع أن يطلع على ما في رأسك، وهذه أعظم حرية، قولك قد يكون مراقباً، أما تفكيرك غير مراقب، اعتقادك غير مراقب، لك أن تعتقد ما تشاء، فإذا إنسان أكره وقلبه مطمئن في الإيمان فهو عند الله مؤمن.

دعوة الله الإنسان إلى التفكير و البرهان:

تصور أنك في المجتمع لو اعتقدت بخلاف ما يعتقد هؤلاء لقتلوك فرضاً، فهل يستطيع هؤلاء أن يطلعوا على اعتقادك ؟ لا. أبداً، كفل الله لك حرية الاعتقاد، ودعاك إلى التفكير والبرهان قال تعالى: 

﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36)﴾ 

( سورة الإسراء )

أعطاك سمعاً وبصراً، نوافذ للعالم الخارجي، أعطاك قوة إدراكية، قوة محاكمة، اتخذْ قراراً واعتقدْ ولا تعبأ بأحد، بل إن التعبير عن الرأي مصون في الإسلام، الدعوة إلى الله قال تعالى:

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

( سورة آل عمران )

هذه اللام لام الأمر، ولتكن منكم أمة، معنى هذا أن الإسلام صان حرية الاعتقاد، ودعا إلى التفكير الحر، وأمر بالتعبير الحر.

صون الإسلام لحرية الاعتقاد و دعوته إلى التفكير الحر:

أنت حر فكر تفكيراً حراً وعبّر تعبيراً حراً، قال تعالى:

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(125)﴾

( سورة النحل )

رجل واعظ دخل على ملك قال له: سأعظك و أغلظ عليك، قال له: و لِمَ الغلظة يا أخي ؟ لقد أرسل الله مَن هو خير منك إلى من هو شر مني ؛ أرسل موسى إلى فرعون، لا أنت موسى ولا أنا فرعون، قال تعالى:

﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾

( سورة طه )

حرية الاعتقاد مصونة في الإسلام لا إكراه في الدين، والدعوة إلى التفكير قال تعالى:

﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾

( سورة يونس )

حرية التعبير مصونة في الإسلام بشرط إدراك فقه الأولويات:

حرية التعبير وقول ما فيه الخير مصونة في الإسلام قال تعالى:

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾

( سورة آل عمران )

ولكن:

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(125)﴾

( سورة النحل )

هناك دعاة إلى الله ليسوا على إدراك عميق بفقه الأولويات، كأن يدخل شخص إلى بيت، لعل أهل هذا البيت لا يصلون، لعل أهل هذا البيت لا يلتزمون بالحجاب، نساؤهم لسن محجبات، لعل دخلَ صاحب البيت دخلٌ حرام، مع كل هذه السلبيات رأى عصفوراً حبيساً فقال: هذا حرام، قبل هذا العصفور هناك أشياء كثيرة، هناك أشياء كثيرة جداً فلا بد أن تبدأ بالأولويات، كنت أضرب مثلاً وأكرره: تصوروا طبيباً جراحَ قلبٍ، جاءه مريض يعاني من أزمة قلبية حادة وهو بحاجة ماسة إلى فتح قلبه فوراً، نظر هذا الطبيب إلى أظافره فإذا هي طويلة فترك قلبه وقص أظافره، هل هذا الطبيب يفهم حكمة الأولويات ؟ إن دعوت إلى الله فقبل أن تأتي على تفاصيل الشريعة انظر إلى عقيدة هذا الإنسان لعله لم يؤمن بعد بالله، لعله لم يؤمن بالآخرة، كيف تحاسبه على صورة في بيته، أو على عصفور، أو على شيء من فروع الشريعة لا من أصولها.

4 ـ حق العمل:

وبعد أن ذكرت حرية الاعتقاد، أذكر: حق العمـل، إخواننا الكرام قبل قليل ذكرت نصاً لسيدنا عمر، هل تعتقدون أن هناك نصاً أوضح من هذا النص ؟
سيدنا عمر قال لأحد ولاته: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال: أقطع يده، فقال عمر: إذاً إذا جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، معنى هذا أن أكبر مرض اجتماعي هو البطالة، وفي زماننا هناك بيانات الانتخابات في أمريكا وأوربا وأول موضوع يعالجه المرشح للفوز بالانتخابات موضوع البطالة، يقول لك: في بريطانيا أربعة ملايين إنسان عاطل، في أمريكا عشرة ملايين، شيء مخيف إنسان بلا عمل يصبح كتلة شر.
مرة أخ من إخواننا سألني فقال: عندي معمل ولا يوجد ربح أبداً وعندي ثمانون عاملاً، وأنا مكتفٍ والحمد لله يمكن أن أنفق مهما امتد بي العمر وعندي ما يكفيني، يفكر هذا الأخ بإغلاق هذا المعمل، فكان جوابي له: هل تظن أن الربح الوفير ما يفيض لديك آخر العام ؟ أنت إذا أمنت لهؤلاء العمال الثمانين رزقهم ورزق أسرهم فهذا أكبر ربح، أنت مهيئ ثمانين فرصة عمل، بالاقتصاد يقولون المشروع الفلاني يهيئ ألف فرصة عمل مثلاً، فبقدر ما يهيئ من فرص عمل يكون نفعه.

 

تأمين فرص عمل للشباب شيء عظيم في الإسلام:

الشاب عندما يكون له عمل مهما كان دخله قليلاً صار له أمل في أن يتزوج، وقد يشتري أرضاً خارج دمشق في بستان ويعمر بها غرفة، عنده دخل، يستأجر بيتاً سياحياً يدفع ثلاثة آلاف ويبقى معه ثلاثة، صار له أمل، هذا شاب في أول حياته والطرق كلها مغلقة مشكلة بل جحيم، لا تتصور إذا كان شخص معه مبلغ من المال ووضعه في البنك وأخذ فائدته أهو مرتاح ؟ لا، ضميره متعب، بينما إنسان أسس مشروعاً يحتاج إلى عشرة موظفين، هذا أَمَّنَ عشرة فرص عمل، هذا عمل صالح، أنت أمنت عشرة فرص عمل، عشرة أسر يعيشون من هذا العمل، صار ربحك ليس الربح المادي الذي تتأمله ربحك تأمين فرص عمل للناس.
إخواننا الكرام: موضوع تأمين فرص عمل للناس شيء جليل وعظيم، لماذا حرم الله الربا ؟ لأن الربا أساسه المال يلد المال، أما الأعمال التجارية والصناعية فأساسها الأعمال تلد المال، الأعمال تحتاج إلى أيدٍ عاملة، العمل الصناعي يحتاج إلى عمال، العمل التجاري يحتاج إلى موظفين، أحياناً يستخدم الإنسان مئة شخص أو مئتي شخص بشكل غير مباشر، لا بد من نقل البضاعة ولها هناك مكاتب نقل، ولا بد من المراسلات وهناك بائعون للقرطاسية، الحسابات هناك محاسبون، ترى مؤسسة تجارية متواضعة جداً مئة شخص يعملون من خلالها، الأعمال عندما تلد المال فالناس جميعاً ينتعشون فمن كان صاحب معمل أو مؤسسة وعنده موظفون فهذا عمل عظيم ربح أم لم يربح، ربحك الحقيقي أنك قد أمنت فرص عمل للناس ويعيشون بكرامة.

 

حق العمل حق أساسي لكل إنسان:

من عامل الناس وصبر على أذاهم خير ممن لم يعاملهم، فإذا جاءه ملك الموت يقول: ماذا فعلت ؟ ستموت قرير العين لذلك قال تعالى: 

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)﴾ 

( سورة الملك )

حق العمل حق أساسي، لذلك وصف الله سبحانه الأنبياء بأنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق حياتهم ليست ذاتية بل هي متوقفة على تناولهم الطعام، وتأمين طعامهم متوقف على بذلهم للجهد، يعمل فيكسب فيأكل، إذاً بشر.

الإسلام لا يُعرف من واقع المسلمين يعرف من مصادره الأصيلة:

إخواننا الكرام:
" من هوي الكفرة حشر معهم ولا ينفعه عمله شيئاً "
يؤلمني أشد الألم، أن مسلماً يجهل دينه ويعتز بأفكار مستوردة، ويزهو بها ويتباهى بها، وهذا الموضوع خير شاهد، يعتز بعض المسلمين أن حقوق الإنسان إنجاز حضاري، دينك قبل ألف وأربعمئة عام جاء بحقوق للإنسان ما وصل إليها العالم بأجمعه.
لكن لا تفهم حقيقة الإنسان المسلم من واقع المسلمين، هذا خطأ كبير، الحقيقة أن قلة قليلة من المتنورين يستطيعون أن يفهموا الدين من مصادره وينابيعه الأصيلة، العوام يفهمون الدين من ممارسات المسلمين وهذا غلط كبير، أكثر الناس يحكم على المسلمين من أعمالهم، فلان أعماله سيئة، الإسلام لا يُعرف من واقع المسلمين يعرف من مصادره الأصيلة المؤصلة من الكتاب والسنة، ومهمتنا أن نرقى بالواقع إلى مستوى الإسلام الصحيح هناك أخطاء كبيرة جداً، هناك من يحاول أن يقرب الإسلام من الواقع، بعض الأخطاء في كسب المال، في إنفاق المال، في الاختلاط، في تقاليد الأجانب، نحاول أن نبحث عن نصوص تبين صحة ما نفعل هذا سلوك مضحك، تريد أن تنزل بالإسلام من صفائه ومن نقائه ومن سموه إلى وحل الواقع العكس هو الصحيح أن ترقى بالواقع إلى مستوى الإسلام، الآن حالياً ظهر تفكير انتهى إلى أن الاختلاط مباح، الربا مباح، المرأة لها أن تظهر أمام أبيها كما خلقها الله، قراءات معاصرة، شيء مضحك نريد أن نجعل من الواقع المتفلت الإباحي ديناً، هذه عملية ضالة: تفجير الدين من داخله أجل يحاولون تفجير الدين من داخله، ذلك هو الضلال البعيد.

على المسلم أن يعتز بدينه و ألا يكون عالة عليه:

الأصح أن نسمو بالواقع إلى مستوى الإسلام الصحيح، والأصح من هذا وهذا ألا نفهم الإسلام من واقع المسلمين، أن نفهمه من مصادره المؤصلة، هذا هو الإسلام، هذه حقوق الإنسان في الإسلام، أما أن تكون مطبقة أو غير مطبقة فهذا موضوع آخر، نرجو أن تصير مطبقة ونسعى إلى تطبيقها تطبيقاً كاملاً، ونفعل كل شيء من أجل تطبيقها، أما أن نتهم المجتمعات الإسلامية بأن الإسلام لا يرعى حقوق الإنسان فهذا كلام غير صحيح، الإسلام رعى حقوق الإنسان إلى أعلى درجة.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يتنور المسلمون، وأن يكونوا في المستوى الذي أرادهم الله فيه، وأن يعتزوا بدينهم وألا يكونوا عالة على ثقافات تأتينا من الغرب، رجل اسمه ديل كارينجي، ألف كتاباً: كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء فأول طبعة كانت خمسة ملايين نسخة، وهو كتاب مشهور جداً، جاء عالم من مصر وأخذ قواعد هذا الكتاب وجاء بقواعد من الكتاب والسنة أبلغ مما في ذلك الكتاب، نحن لافتقارنا للعلم نعتقد أنه كتاب رائع جداً، كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء.

 

العاقل من يُذَكِّر الآخرين بحسناتهم و إيجابياتهم ثم يبين لهم خطأهم:

أضرب لكم مثلاً صغيراً، الذين يعملون في مراكز قيادية، مدير معمل، مدير مستشفى مثلاً، مدير مدرسة، رب أسرة، صاحب متجر، يستخدم موظفين فإذا الموظف أخطأ ماذا عليه أن يفعل ؟ قال عليه أن يذكره بإيجابياته وحسناته أولاً ثم يبين له خطأه، حينما ذكر له ميزاته وإيجابياته اطمأن هذا الموظف إلى أن رب العمل منصف يعرف قيمة أمانتي وإخلاصي وخبرتي، لكن هناك تأخر يومي، فقال له أنا أعلم بأنك أمين ومخلص ومتفوق لكن هذا التأخر مزعج أريد أن أعالجه أنا وإياك، هذا أكمل سلوك في إدارة الموظفين، أن تبين لهم ميزاتهم أولاً ثم تذكرهم بأخطائهم، مؤلف الكتاب الذي ردّ على كتاب ديل كارينجي قال: دخل أحد أصحاب رسول الله المسجد وقد بدأ النبي بالصلاة فلحرصه على أداء الصلاة مع رسول الله وعلى ألا تفوته ركعة مع رسول الله، أحدث في المسجد جلبةً وضجيجاً ليتمكن من تدارك الركعة مع النبي، فلما انتهى النبي من صلاته قال له عليه الصلاة والسلام برقة بالغة: 

((... زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ )) 

[ أخرجه البخاري عن أبي بكرة ]

عَدَّ هذه الجلبة والضجيج من حرصه على أداء الصلاة مع رسول الله، هذه هي الميزة، ثم نهاه عن أن يعود إليها فقال: ولا تعد، فالكتاب الذي ألفه بعض علماء مصر رد على كتاب كارينجي أعلى رد، يعني كل قاعدة جئت بها هي في كتابنا وفي سنة نبينا، قواعد، أنت أمام دين عظيم منهج كامل، منهج يدخل إلى التفاصيل.

الإسلام دين علينا الاعتزاز به لأنه من عند خالق الأكوان:

إنسان يسافر أحياناً ثم يطرق أهله عائداً من سفره ليلاً الزوجة في عمل المنزل طيلة النهار ومتعبة، ولا يُعجبه وضعها، ما جاء النبي من سفر إلا وأقام بظاهر المدينة يوماً حتى يعلم كل النساء أن أزواجهن عادوا من سفرهم، فتستعد تنظف أولادها وتعتني بنفسها، وتتزين لتبدو لزوجها في أحسن مظهر، فإذا دخل الزوج من سفر ينبغي أن يرى شيئاً حسناً، من ينتبه إلى هذه القضايا ؟ يوجد أشياء تفصيلية حتى في العلاقات الزوجية لا تصدق من منهج رسول الله، فنحن نقلد الأجانب ونستورد عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان تتناقض مع تقاليدنا وإسلامنا، ونزهو بها، ونتباهى بها، وننسى أن لنا ديناً عظيماً.
أردت من هذا الدرس، هذا المحور، وألا تنخدع بكل ذي بريق فتحسبه ذهباً، بل اعتز بإسلامك، فأنت تدين بدين من عند خالق الكون، كماله مطلق قال تعالى: 

﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾ 

( سورة المائدة )

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور