وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 021 - المرض 3 - عبادة المريض
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الوسع لا يحدده الإنسان بل رب الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام: لازلنا في موضوع المرض والحديث اليوم عن عبادة المريض، لابد من مقدمة لهذا الموضوع تتعلق بأن الوسع لا يحدده الإنسان بل رب الإنسان، لأن معظم الناس لا أقدر عليه، لا أستطيعه، أين أذهب بعيوني؟ الاستقامة مستحيلة الآن، الاستقامة فوق الطاقة، يقول لك المحامي: لابد من أن أخالف أمر الله وإلا أموت من الجوع، هذه الحرفة مبنية على غير ما يرضي الله، على الاحتيال، على الكذب.
 يقول لك الطبيب: إن أعطيت المريض الدواء الشافي النباتي لا يقنع بي، لابد من قائمة أدوية غالية جداً حتى يقنع بعلمي، أي إنسان سألته يعطيك كلاماً غير إسلامي.
 حدثني أخ وقال لي- والله وأنا ما أقررته على هذا ونبهته-: تأتي امرأة تريد قماشاً معيناً يقدم لها ثوباً، تقول: أريد أفضل، أقول لها: يوجد ولكن أغلى بكثير، تقول له: لا يوجد مانع، آتيها بثوب آخر من القماش نفسه ومن اللون نفسه ولكن يوجد حركات معينة هذا غير، وآخذ ثمنه الضعف، تقريباً تكاد تكون معظم المصالح مبنية على الكذب، والغش، والتزوير، والإيهام، والمخاتلة، وتزوير منشأ البضاعة، ومواصفات البضاعة، وعرضها بشكل مغر، هذا الحديث لا ينتهي بسنوات، الحديث عن أساليب الغش التي يفعلها الناس وهم يزعمون أنهم إن لم يفعلوا هذا ماتوا من الجوع، قال تعالى:

﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة القصص : 57]

الابتعاد عن عبارة إن طاعة الله خسارة و معصيته ربح :

 أخواننا الكرام: حينما تنطلق من أنك إذا أطعت الله تخسر، وأنك إذا عصيته تربح، فعلامتك بالإيمان صفر، لا تعرف الله أبداً ولا ذرة، إذا توهمت فقط أنك بطاعة الله تخسر، وتصبح وراء الناس، وعندما تعصي هكذا الدنيا تسير الله لا يؤاخذنا إن شاء الله، وكأن الله عز وجل ليس هو المعني بمعرفة وسع الإنسان، وسع الإنسان لا يحدده الإنسان، يحدده الله عز وجل، يوجد حالات بكل مجتمع ولكن قليلة، بكل الحرف حالات قليلة جداً، هذه الحالات هي شاهد معاكس.
 قال لي شخص: أربعون سنة في الجمرك ما أكلت قرشاً حراماً الآن هو في الثانية والثمانين، صحة، مكانة، أولاد، ويوجد أناس بالعكس، إذاً ممكن ألا تأكل قرشاً حراماً، يمكن أن تكون محامياً لا تستلم إلا دعوة محق، الله هو الرزاق، أما الذي يحدث فخلاف ما تتوقع، الذي يحدث أن هذا الذي وضع أعراف الناس تحت قدمه واستقام على أمر الله هو الذي سيربح الدنيا والآخرة، سيربح الدنيا، ما كان الله ليكافئ مطيعاً بحرمانه من الدنيا، ولا كان الله ليكافئ عاصياً بإعطائه الدنيا، أما العاصي فيجمع هذه الأموال بالحرام ثم يدفعها مئة مليون دفعة واحدة بطريق أو بآخر، وأساليب خسارة المال كبيرة جداً، والله عز وجل إذا أعطى أدهش وإذا أخذ أدهش، أنا أتمنى على إخواننا الكرام إياك ثم إياك أن تتوهم أنك تخسر إذا أطعت الله وأنك تربح إذا عصيت الله.
 أخ من أخواننا أنا أظنه مستقيماً ولا أزكي على الله أحداً قال لي: هذا الطفل الصغير يأخذ من والده خمس ليرات، عشر ليرات هل من المعقول أن أطعمه مادة منته مفعولها؟ قال لي: أفضل المواد بأعلى المواصفات وعلى الحسابات يجب ألا أربح، لكن الله عز وجل كريم تقريباً يعمل وحده ومن حوله واقفون، لا يوجد كساد سوق بحكم الله عز وجل، الله هو الفعال وأنت في سوق كاسد بمنافسة غير معقولة تعمل وحدك وتربح إذا النية طيبة والمنهج صحيح. قال لي أخ من أخواننا من طلاب كلية الطب: من بعد أن اصطلحت مع الله واستقمت على أمره علاماتي أخذت تغييراً نوعياً، كلها صارت امتياز، جيد، وأنا قدمت امتحاناً من أعقد الامتحانات أخذت سبعاً وثمانين علامة، قال: أنا ما تغيرت ولكن غيرت سلوكي مع الله والله شجعني بمعاملة لم تكن من قبل.
 أريد منكم هذه النقطة: لا تقل لي يوجد كساد، والأمور كلها مغلقة، والطرق غير سالكة، ويوجد وضع غريب، وجود عجيب، مع الله عز وجل لا يوجد شيء، الله عز وجل طليق الإرادة، فإن كنت له كما تريد كان لك كما تريد، عبدي أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمتني فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد.
 الوسع لا تحكمه أنت، يا رب أين أذهب بعيوني؟ هناك آلاف مؤلفة من الشباب يغضون أبصارهم ولا يعبؤون بأي تقليد اجتماعي، معقول ألا أصافحها؟ نعم معقول، أنا مسلم، هل من المعقول ألا أجلس معهم؟ معقول دعيت إلى عرس لا أحضره؟ سمعت تعليقاً أعجبني جداً إنسان دعاك إلى عرس مختلط، و هذا الإنسان غال عليك مثلاً ما هو الحل؟ أذهب قبل يوم العرس وآخذ له هدية ثمينة وأقول له: أنا شاكر جداً لدعوتك وأنا أتمنى أن ألبيها ولكنها تتناقض مع منهجي وهذه هدية. ترى الناس كأن أمر البشر أقوى من أمر الله تعالى، فالتعليق على قضية الوسع، الوسع لا يقرره إلا الله، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، هو العليم.

عبادة المريض :

 فلذلك عبادة المريض رخص الإسلام للمريض ما لم يرخص لغيره في قوله تعالى:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾

[ سورة البقرة : 286]

 فخفف عنه، وعطف عليه، فسمح له بالصلاة جالساً، أو مضطجعاً، أو إيماءً بعينيه بحسب استطاعته، أي سمح له أن يصلي بعينيه، سمح له أن يقصر الصلاة، هناك قصر كمي وقصر كيفي، القصر الكمي وأنت مسافر، الرباعية تصبح ثنائية، وفي أغلب المذاهب معفى من السنن عدا الوتر، وسمح لك أن تقصر الصلاة كيفياً، لو كانت الصلاة سبب لقتلك حالات قد تقع في التاريخ في زمن هولاكو، تيمور لنك، يوجد حالات سمح لك أن تصلي وأنت واقف باستعداد، سمح لك أن تصلي وأنت في السرير، صلاة الخوف قصر كيفي، لك أن تصلي بأي وضعية تكون، لأن الصلاة هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، لا يمكن أن يسقط يجب أن تصلي بأية طريقة، لكن الله عز وجل تفضل علينا في هذه البلاد الإسلامية بالآذان والصلوات القائمة ودروس العلم الكثيفة جداً، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، في بعض البلاد لا تستطيع أن تدخل إلى المسجد ولا مرة، مرة واحدة تدينك، اشكروا الله على هذه النعمة، مساجد مفتحة أبوابها والدروس كثيفة جداً، إقبال الناس على الدروس كثيف، وهذا من فضل الله علينا. مثلاً قبلة الخائف جهة أمنه، قبلة المريض جهة راحته، قبلة المسافر جهة دابته، الله عز وجل خفف على المريض، وعلى المسافر، وعلى الخائف.
 يوجد حكم إنسان تزوج فتاة شابة عمرها سبعة عشر عاماً، أخذ لها بيتاً في طرف قرية من القرى، وليس حوله بيوت، عنده أرض عمرها بيتاً، والجامع بعيد عنه، الشرع يأمره أن يدع صلاة الجماعة سبعة أيام حتى تأنس به زوجته عدا الجمعة، قد يتركها الفجر فتخاف، يتركها العشاء فتخاف، حديثة عهد بالزواج والبيت متطرف لا يوجد حوله أحد لا تتحمل أن تجلس بمفردها، الشرع حكيم.
 الأغرب أن هذا المرض لا يحرمه أن يكون إماماً، يصلي بالناس جالساً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم آخر حياته، صلى جالساً وأصحابه قياماً خلفه، يجوز للمريض أن يصلي جالساً إماماً، وفي صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ))

[البخاري عن عمران بن حصين]

 لكن يوجد أشخاص يتخففون من أعباء الصلاة، أي لأتفه سبب صلى قاعداً، مرة الحجاج وقف عند بائع يصلي في دكانه قاعداً يبيع قدور، ويبدو أن المحل عال جداً، ويوجد سلم، فقال لي: أريد ذاك القدر فصعد إلى فوق، فقال له: ليس هذا الذي بجانبه، الذي على اليسار فصعد خمس مرات، صاعد ونازل، فقال له: من أجل أن تبيع قدراً تصعد وتنزل أما أربع ركعات أنت قاعد، هذا يقع. والإسلام أيضاً يسمح للمريض أن يفطر في رمضان وعليه قضاء عدة من أيام أخر، بعد العيد يصوم ما أفطره من الأيام، وله أن يتابع بينها وله أن يفرق بينها، هذا إذا كان مرضه مؤقتاً، أما إن كان مزمناً لن يشفى، أو كان يضر معه الصوم، بشهادة طبيب مؤمن، موثوق، ورع، يفطر وعليه فدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم وجبتين تكفيانه لفطوره و سحوره.

من لا يستطيع تأدية الواجبات فعليه كفارات :

 يوجد بالفقه قضية دقيقة جداً هي أن الإنسان حينما لا يستطيع أن يؤدي الواجبات هناك كفارات، أما أن تستحل بالكفارات الواجبات فهذا الشيء مستحيل أن يقبل، أوضح مثل إنسان ركب في الطائرة ذاهباً إلى الحج، يركب الطائرة أول مرة في حياته، وضع المناشف في المحفظة، و المحفظة ذهبت إلى الوزن، ثم إلى الطابق الأرضي في الطائرة، ركب الطائرة، اقترب من الميقات قال: أين المحفظة؟ أية محفظة؟ التي يوجد فيها المناشف؟ حديث عهد بالطائرة، هذا لا يوجد حل إطلاقاً، السيارة تقف على اليمين نفتح الصندوق نأخذ الحقيبة أما فوق فلا يوجد وقوف على اليمين، فهذا دخل الميقات غير محرم و الإحرام واجب، الشرع واقعي، قال: وصل إلى جدة أمامه خيارين: إما أن يعود إلى رابغ فيحرم و إما عليه هدي، هذا معناه حج بثيابه العادية، دخل الميقات بالثياب العادية، جاء رجل غني قال: أخي أنا هذه المناشف لم أحببها أريد أن ألبس كلابية مريحة، كم فدية هذه؟ سمعت خاروفاً، أو عشرة خراف، كلا و لا مئة خاروف و لا ألف و لا مليون مستحيل أن تتخذ الكفارة وسيلة لإلغاء الواجب، أما إذا لم تستطع أن تؤدي هذا الواجب فيوجد كفارة، أما أن تستحل واجباً بكفارة فمستحيل، هذه قضية أساسية في الدين، أحياناً ينتج أشياء غير مقبولة، يقول لك: أسقط الصلاة، حسبوها مثل تلك إطعام مسكين!! مثلاً رجل ترك خمسمئة مليون و لم يصلِّ في حياته هذه القضية سهلة، عاش مثلاً سبعين عاماً وبدأ التكليف في سن الثالثة عشرة، فثلاثة عشر ناقص ستين، يكون الرقم سبعة و خمسين مثلاً، فسبعة و خمسون ضرب ثلاثمئة و خمسة و ستين ضرب خمسة ضرب إطعام مسكين يكون الرقم مثلاً ثمانمئة و خمسين ألفاً أو مليوناً، هل يوجد عندي شيء لكم؟ لا، لو تدفع ألف مليون قال تعالى:

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾

[ سورة النجم : 39-41]

 هذا الوهم أنه يوجد إسقاط صلاة و إسقاط صيام، هذه العبادات لا تقبل إلا أداءً من صاحبها، عدا الحج يوجد حج بدل ولكن ممن إذا وصى، أي اقتطع من ماله في حياته، عند بعض المذاهب لا يقبل الحج تطوعاً إلا من إنسان واحد ابنه الذي من صلبه، عندما ابنه تطوع وحج عن أبيه أي أنه رباه تربية إسلامية، هذه التربية وهذا الورع من أثر أبيه، الابن وحده في بعض المذاهب مقبول أن يحج حجة بدل عن أبيه تطوعاً دون أن يوصي الأب. يسمح للحاج المريض في رأسه أن يحلق رأسه وهو محرم في حج أو عمرة وعليه فدية وهي على التخيير، فإما أن يصوم ثلاثة أيام، أو أن يطعم ستة مساكين، أو أن يذبح شاة للفقراء، الحجاج دائماً يرتكبون أخطاء كثيرة وكل خطأ له سبب، يوجد مفت كلما سأله حاج: يقول له تحتاج إلى ذبح أي عليك ذبح، قال تعالى:

﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾

[ سورة البقرة: 196]

 الملاحظ أن المريض والمسافر إذا كان معذوراً يكتب لهم أجر كل عباداته مقيماً صحيحاً، لأن السفر والمرض أمر قاهر.
 أوجب الإسلام الجهاد في سبيل الله على ذوي الكفاءة والقابلية البدنية والعقلية وعفا عن المرضى والضعفاء ومن لا يستطيع القتال لعلة فيه تقعده عن الجهاد، قال تعالى:

﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة التوبة : 91]

﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً ﴾

[ سورة الفتح : 17]

الرّخص و العزائم :

 يوجد نقطة دقيقة أحب أن تكون واضحة عندكم يوجد رخص ويوجد عزائم، هناك قصتان توضحان تماماً معنى الرخصة والعزيمة، صحابيان جليلان وقعا أسيرين بيد مسيلمة الكذاب، فقال للأول: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لم أسمع شيئاً، فأمر بقتله، الثاني عندما رأى زميله قتل شهد له بالرسالة، بلغ ذلك النبي، هنا الجواب، هو لم يصدق أن مسيلمة نبي ولكن لينجو من القتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " رحم الله الأول فقد أعز الإسلام، وأما الثاني فقد أخذ برخصة الله".
 هل ترى عظمة الإسلام؟ يوجد موقفان وأنت مخير، هذا مسموح، هنا الأجر بالعملة التركية وهنا الأجر بالدولار، مرة كنت في تركيا رأيت كتيباً عن استنبول، قلت له: بكم هذا؟ قال بمليون ليرة تركي أي خمسمئة سوري، كل شيء بثمن، الذي قال له: لا أشهد وقتل هذه سعرها غال جداً، وهناك رجل على أتفه سبب يفطر، أنا مسافر لبيروت الطريق ساعتان والنهار ست ساعات!! وسمعت ببعض البطولات التي قدمها بعض الطيارين في حرب تشرين، هناك طيارون كانوا صائمين ولم يفطروا وهم في معركة جوية، وظهرت منهم بطولات مذهلة.
 قصة رائعة عمار بن ياسر نطق بكلمة الكفر، خاف، قال له النبي: لا تخف وإن عادوا فعد، فنزل قوله تعالى:

﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

[ سورة النحل : 106]

 وسيدنا بلال وضعوا صخرة كبيرة فوق صدره، أحد أحد فرد صمد، كل شيء بسعر، ولكن الأول ليس مؤاخذاً ولكن أجره قليل، أخذ بالرخصة.
 يوجد نقطة أحبّ أن تكون واضحة أمامكم، يأتي يوم عاشوراء، يوم رجب، أناس يصومون وأناس يفطرون، ألا تصوم؟ إذا أنت كنت صائماً وتتباهى بهذا الصيام اترك الآخرين هذا ليس فرضاً، ويريد أن يسأل الآخرين هل أنت صائم؟ جحا سهر ليلة ويريد أن ينام الدهر كله هذا سوء أدب، إذا قضية نفل النبي صلى الله عليه في بعض الغزوات في رمضان، النبي أمام كل أصحابه أمسك كأس ماء وشرب رحمةً بأمته، يوجد بعض الناس لم يفطروا، هذا بالتعبير الحديث يعملون مزايدة، فقال عليه الصلاة والسلام:" أولئك العصاة " كن واقعياً لا تحمل نفسك ما لا تطيق، لا تحمل نفسك على كره الدين، النبي أورع منك، أشدكم لله خشية أنا، أنام وأقوم، يوجد قصص غير معقولة عمل أربع ختم في الليلة، ستمئة صفحة الجزء يحتاج إلى نصف ساعة، وثلث ساعة بصعوبة بالغة، ثلاثون جزءاً بثلث ساعة عشر ساعات، أربع ختم بأربعين ساعة، كن واقعياً.
 والله يا أخوان يوجد قصة أحجمت عن روايتها على المنبر يمكن عشر سنوات ما اقتنعت بها، جاء من أذربيجان رسول كره أن يدخل على عمر في الليل أمير المؤمنين، والله أحياناً يخبرني أخ الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ويقول لي: فلان رقمه عندك أستاذ، أنا دليل، يوجد أناس لا يوجد عندهم ملاحظة إطلاقاً، يوجد نقطة ثانية تؤلم كثيراً، رجل بآخر الدنيا لا يوجد عندي بيت قل للأستاذ راتب، يبعث لي بهذا الرجل، كلما إنسان شكا لك تبعثه إلى عندي، أنت ما عملت شيئاً وأحرجتني، هل أستطيع أن أؤمن خمسة منازل للناس في اليوم؟ بيت يريد أن يتزوج، أن يسكن، أن يعمل، لا أعرفه ولا يعرفني، ولا يلتزم عندنا، من الذي أرسلك إلينا؟ إنسان يحبك كثيراً وقد حلفني ألا أذكر اسمه.

((عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنَ الْمَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ وَصَامَ بَعْضٌ فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ))

[النرمذي عن جابر]

(( عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا آكُلُ اللَّحْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))

[ البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 أيها الأخوة: مرة صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه في سفر برمضان بعض أصحابه أفطروا وأخذوا بالرخصة، وبعضهم بقي صائماً، يبدو أن الحر كان شديداً، فالذين بقوا صائمين وقعوا من شدة التعب، أما المفطرون فذبحوا الجزور ونصبوا الخيام وخدموا إلى أن جهزوا الطعام للصائمين، ماذا قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَنَزَلْنَا فِي يَوْمٍ حَارٍّ وَاتَّخَذْنَا ظِلالاً فَسَقَطَ الصُّوَّامُ وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَسَقَوُا الرِّكَابَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأجْرِ ))

[ مسلم عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 الإنسان عندما يكون واقعياً يحبه الله، المفطر أقوى خدم إخوانه، لذلك ورد في الحديث:

(( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه))

[البزار والطبراني وابن حبان عن ابن عباس]

 إذا الله رخص لك أن تصلي ركعتين لا يوجد مانع في السفر، الله عز وجل سمح لك، يوجد تعب وانتظار والمسجد مغلق لم تتمكن أن تصلي براحة، في مكتب السفريات وراء الباب صلِّ ركعتين، أما يوجد شخص فيحمل نفسه ما لا يطيق.

ثواب المريض :

 أما ثواب المريض ادخر الله جل جلاله للمريض أجراً عظيماً، إن تناول الدواء وصبر ورجا من الله الشفاء، شبه النبي عليه الصلاة والسلام المؤمن بالنبتة الطرية تعرض عليه المصائب ولكنه يجابهها بشجاعة وصبر على أمل أن الله عز وجل أعدّ له فيها أجراً عظيماً فقال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِبْتُ لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ لَيْسَ ذَلِكَ لأحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ وَكَانَ خَيْرًا وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ وَكَانَ خَيْرًا ))

[ مسلم عَنْ صهيب ]

 في الحالتين شاكر.

 

من عاش تقياً عاش قوياً :

 أحياناً الإنسان يحب الحياة، وأحياناً يدعو على نفسه بالموت، كلا الحالين غلط، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ))

[ البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

 شيء لطيف جداً دعاء متوازن، يوجد أشخاص، أي أقرب الناس لهم يتمنون موتهم، يوجد حالات شلل، حالات ضعف، قال لي: والدتي نربطها من يديها وقدميها، لماذا ؟ قال: لو أطلقنا يديها أكلت من غائطها وخلعت كل ثيابها، الموت رحمة.
 رجل دعا على رجل -هكذا سمعت- اللهم أصبه بشلل في يديه، وعمىً في عينيه، وسرطان في يده، حتى يتمنى الموت فلا يجده، أحياناً الموت رحمة من الله، ادع الله عز وجل أن يكون خريف العمر خريفاً سعيداً لأن غير المؤمن يرد إلى أرذل العمر.
 قال: يا سيدي ما هذه الصحة؟ ست وتسعون سنة، منتصب القامة، حاد النظر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، زوجته معه، قال: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً، التقوى أقوى، هكذا كلام العامة.
 إنسان ضبط سمعه ما استمع إلى الغناء، ضبط بصره ما أطلقه في عورات المسلمين، ضبط لسانه، الأعضاء الذي ضبطها في سبيل الله نرجو الله سبحانه وتعالى أن يمتعنا بها طوال الحياة، مرة زرت والد صديق لي، عمره ستة وتسعون عاماً في العيد، هكذا قال لي بالضبط: يا بني أجريت البارحة تحليلاً وكانت النتيجة كله طبيعي، تحليل كامل، قال: والله ما أكلت قرشاً حراماً في حياتي، استقيم و انظر تصبح ملكاً عظيماً، الله عز وجل يدعمك، يحفظك، يرفع شأنك، يعلي قدرك، استقيموا ولن تحصوا.

(( عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))

[ الترمذي عَنْ أبي سعيد ]

المؤمن صابر شاكر :

 أيها الأخوة الكرام: قضية المرض قضية عامة وقضية متكررة، المرض يصيب معظم الناس، يوجد مرض طارئ، ومرض دائم، على كل حال المؤمن صابر، والمؤمن شاكر، والمؤمن يرى أن هذا المرض فيه حكمة بالغة.
 يوجد أخ حدثني عن وضعه طبعاً في بلد غربي، قال لي: أخرج من البيت الساعة الخامسة فجراً وأرجع الساعة الحادية عشرة دخلي فلكي، يجري خمس عمليات، كل عملية بخمسة آلاف دولار، خمسة وعشرون ألفاً في اليوم، قال: بقيت على هذا الحال ستاً وعشرين سنة لا أرى سوى العمل، جاءه مرض صحي واصطلح مع الله وغيّر كل حياته، قال لي: كنت في الغفلة ميتاً، والآن صحوت، هذا المرض لفته، والله عز وجل شفاه، والآن يدعو إلى الله ليلاً نهاراً بسبب مرض أصابه، فكلما عرف الإنسان حكمة الله عز وجل رضي بقضاء الله وقدره، وفي درس قادم إن شاء الله نتحدث عن معالجة المريض وهذا موضوع مهم جداً.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور