وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 036 - الصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الصّلاة على النبي :

 أيها الأخوة: موضوع الدرس اليوم الصلاة على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
 بادئ ذي بدء حينما يوجد في كتاب الله، الذي أنزله الله على نبيه، والذي تعبدنا بقراءته وفهمه وتدبره والعمل به، حينما تشغل الصلاة على النبي بضع آيات في كتاب الله، فهذا أمرٌ كبيرٌ جداً، أي لمجرد أن يذكر هذا في كتاب الله، كتاب الله فيه كليات، والنبي عليه الصلاة والسلام بين من هذه الكليات كل التفاصيل والجزئيات، فحينما يكون الموضوع في كلام الله فهو خطيرٌ جداً، الله جل جلاله يقول:

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 أنا مضطر أن أقول كلمة باللغة الدارجة: هناك مسلمون كثيرون جداً جداً لا يقبضون هذا الكلام، الله عز وجل يقول لك:

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 الحقيقة الأمر أكبر بكثير من أن يكون كلمات نرددها، بل ألفنا تردادها، بل إن هذه الكلمات كأنها فرغت من مضمونها، فإذا إنسان اشتد غضبه يقال له: صلِّ على النبي، نشعر أن هذا الكلام لا يعينه شيئاً، أما أن يأتمر المؤمن بأمر الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 فهذا أمرٌ يحتاج إلى بحثٍ طويل.

الأمانة تطبيق عملي و ليست أفكاراً مجردة :

 قبل أن نمضي في الحديث عن فوائد الصلاة على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لابد من ذكر حقيقة خطيرة، وهي أن المبادئ مهما تكن عظيمةً، لا تعيش إلا بالمثل العليا، مبادئ بلا أشخاص لا قيمة لها، مفهوم الأمانة، يمكن أن تستمع إلى محاضرة رائعة جداً في الحديث عن الأمانة، وعن أبعادها، وعن دقائقها، وعن حدودها، وعن فضائلها، وعن أخطارها، أما حينما تجد إنساناً أميناً فتُشدَه و تؤخذ.
 سمعت عن سائق سيارة وجد مبلغاً كبيراً - بضعة عشر مليوناً في محفظة- ظل يبحث عن صاحبها عشرين يوماً، يحوم حول المكان الذي ركب منه صاحبها، إلى أن عثر عليه، وقدمها له، ثمانية عشر مليوناً يحلون مليون مشكلة، يشتري بيتاً فخماً، وسيارة فخمة، يتاجر فيهن، فهذا السائق قد تكون قلامة ظفره أفضل عند الله من مئة ألف إنسان لأنه بحث عن صاحب هذا المبلغ، فأنت لا تعجب بالمفهوم النظري للأمانة هكذا، أمانة مجردة، مفهوم نظري، كلام، قراءة، معلومات، كتب، أما حينما ترى إنساناً أميناً فستعجب به، لكن صاحب المال ماذا فعل؟ أخذه فوراً إلى سوق السيارات واشترى له سيارةً جديدة، مباشرة قال عليه الصلاة والسلام:

((‏إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل ))

[الخطيب عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ‏، وابن عساكر عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها، تصحيح السيوطي: حسن‏ ]

 ففرق كبيرٌ جداً بين أن تتعرف إلى مفهوم الأمانة وبين أن ترى بعينك إنساناً أميناً، ما الذي فعله النبي في أصحابه؟ لأنهم رأوه قرآناً يمشي، تواضع إلى أعلى درجة، إنصاف إلى أعلى درجة، صدق إلى أعلى درجة.

((كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه))

[ أحمد ‏عن أم سلمة ‏]

 هذا النبي الكريم، أنا قناعتي الآن الإسلام الآن لا ينهض بالأفكار المجردة، ولا بالكتب وحدها، الإسلام ينهض بشخص مسلم، صادق، أمين، عفيف، متواضع، ورع، مبدئي، يركل مبلغاً ضخماً بقدمه إذا كان فيه شبهة، لا تأخذه بالله لومة لائم، يقول ما يفعل، ويفعل ما يقول، عنده صدق اعتقادي، لا يقول إلا ما يعتقد، ولا يفعل إلا ما يقول، نحن بحاجة ماسة أيها الأخوة إلى مسلم متحرك، لسنا بحاجة إلى كتاب يقرأ، ولا إلى شريط يسمع، نحن بحاجة إلى إنسان أمامك مسلم، والغرب والشرق والعالم كله لا يمكن أن يقنع بالإسلام من خلال الكتب والمحاضرات، يقول لك: ائتوني بمجتمع مسلم، وقد طبق الإسلام، وقطف ثماره، حتى نصدقكم، هذه المشكلة، والأزمنة الآن أزمنة تطبيق، والله كل مسلم عنده من المعلومات ما لو طبق واحد بالألف منها لكان صدّيقاً فالمعلومات غزيرة جداً، أما التطبيق فقليل جداً.
 إذاً حينما تجد في كتاب الله آيةً تدعوك إلى أن تصلي على النبي فينبغي أن تأخذ هذه الآية منك مأخذاً كبيراً، أي وجود المثل الأعلى ضروري جداً.

مهمة النبي صلى الله عليه و سلم :

 بعضهم يقول: ما مهمة النبي عليه الصلاة والسلام؟ مهمة النبي مهمتان: واحدة كبيرة، والثانية كبيرة جداً جداً جداً، الكبيرة الإبلاغ.

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾

[ سورة المائدة: 67 ]

 مهمة النبي التبليغ، ولكن أي إنسان ذكي، وعنده ذاكرة قوية، وعنده نصوص قوية، وطليق اللسان، يسمونه بعلم النفس متحدثاً لبقاً يجذب الآخرين، هذا يبلغ، لكن المهمة الكبرى للنبي عليه الصلاة والسلام أنه قدوة. فلذلك هناك من يعتقد وأنا من هؤلاء أن معرفة سنة النبي القولية فرض عين، ذلك أن الشيء قد يكون فرضاً لأنه سبب لفرضٍ كالوضوء، الوضوء فرض، لأن الصلاة لا تتم إلا بالوضوء، لأن الصلاة فرضٌ هذا الفرض العظيم لا يتم إلا بالوضوء، فما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، إذاً حينما قال الله عز وجل:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[ سورة الحشر: 7 ]

 من لوازم تطبيق هذا الأمر أن تعرف ماذا أتاك الرسول وعن أي شيءٍ نهاك، هذه واحدة، وحينما قال الله عز وجل:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب: 21 ]

 كيف يكون النبي أسوة لك حسنة إن لم تعرف سيرته؟ إذاً شهادة الإسلام، تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، هذه شهادة التوحيد، وأشهد أن محمداً رسول الله، أي هذا المنهج واقعي، والدليل أن إنساناً طبقه بأكمله وقطف كل ثماره، وأن هذا الكمال الذي ينتظره الله من بني البشر هو كمال في مقدورهم، وفي إمكانهم، لذلك النبي هو هذا الإنسان، المثل الأعلى في الكمال.

بطولة المؤمن مراجعة حساباته لتكون وفق الكتاب و السنة :

 أنا الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم أن كل واحد منا في ذهنه شخص كبير، إخواننا التجار، يكون تاجراً متوسطاً، يعرف تاجرين أو ثلاثة، أرباحهم بالملايين المملينة، مكاتبهم فخمة جداً، اسمهم طيب، دائماً هذا التاجر الكبير بذهن التاجر الصغير، مثل أعلى له، إنسان بالجامعة، معيد في الجامعة، له أستاذ قديم، وله مكانة علمية مرموقة وبحر بالعلم، وأخلاق عالية، فهذا الأستاذ الجامعي بذهنه أستاذه الكبير، فالغني بذهنه إنسان أغنى، والقوي بذهنه إنسان أقوى، لذلك قال بعض الأدباء: لا بد من شخصية نكونها، وشخصية نتمنى أن نكونها، وشخصية نكره أن نكونها، بحياتك ثلاث شخصيات، واحدة أنت، والثانية تتمنى أن تكونها، والثالثة تكره أن تكونها، أي أنت لك واقع وتعجب بإنسان وتحتقر إنساناً، أنا قناعتي أن الشخصية التي يجب أن تكون في مخيلة كل مؤمن هو رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا قاعدة أساسية، المؤمن قدوته رسول الله، يقول لك مثلاً: اقطع رأس القط من ليلة العرس، هذه آية أم حديث؟ هذا كلام فارغ هذا النبي قال:

((‏ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيما ))

[ابن عساكر عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ‏، تصحيح السيوطي: صحيح‏]

 قال:

((‏لا تكرهوا البنات، فإنهن المؤنسات الغاليات))

[أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقاة]

 ما قال لك: اضربها من ليلة العرس، هذا كلام الجهلة، كلام الذين تربوا على غير منهج الله عز وجل، فأنت دائماً راجع معلوماتك، عندك قواعد، قد تكون قاعدة لإنسان منحرف، قد تكون مثلاً ساقطاً، من أخذ أمي عمي، ما هذه القاعدة؟ معنى هذا أنك منافق، ضع رأسك بين الرؤوس وقل: يا قطاع الرؤوس، ما هذا الكلام؟ إذا الناس هلكت أهلك معهم!! إذا انحرفوا أنحرف معهم!! راجعوا كل حساباتكم، راجع كل الأقوال التي تعتقد أنها صحيحها، قد تكون غير صحيحها، قد تكون مناقضة للدين، امش بجنازة ولا تمش بزواج، ما هذا؟ كلام فارغ، أفضل شفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح، أفضل شفاعة، حتى بالأثر ورد:" من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة قالها، وبكل خطوة خطاها عبادة سنة قام ليلها وصام نهارها" هذا كلام مقبول، فراجعوا أنفسكم، هناك ركام من أقوال العوام، لا تقف، ولا تثبت، وليست صحيحة، ولا أصل لها، أفكار جاهلية، أفكار شيطانية، أفكار عهود الظلام، عهود القهر، عهود الخوف، عهود النفاق، يجب أن تراجع حساباتك، أنت كمؤمن بطولتك ألا تعتقد إلا بما جاء في الكتاب والسنة، كلام خالق الأكوان، وكلام سيد الأنام، عندك مقياس، أي كلمة، أي قصة أي حركة تسمعها، عندك ميزان، هذا الميزان تبني عليه هذا الكلام.

الصلاة على النبي تكون بالاتجاه لمعرفة هذا الإنسان الكامل :

 المقدمة اليوم، طبعاً الموضوع عن الصلاة على رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن هذا الأمر عند عوام المسلمين ليس له معنى، فرغ من مضمونه، أما هذا الأمر عند كبار المؤمنين فله معنى كبير، أي دور القدوة في حياة المؤمن، كيف إذا دخل النبي بيته، كيف يعامل أهله، كيف يعامل بناته، كيف يعامل أولاده، كيف يعامل جيرانه، كيف يعامل أصحابه، كيف كان متواضعاً، كيف كان رحيماً، كيف كان إذا كان في البيت كواحد من أهل البيت، كان يصغي الإناء للهرة، ويحلب شاته، ويخصف نعله، ويرثو ثوبه، وكان في مهنة أهله، كيف كان حليماً، وكيف كان يخاف الله عز وجل، أرسل غلاماً بحاجة، عاد متأخراً معه سواك قال له:

(( والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك ))

[ورد في الأثر]

 لكن لم يستخدمه، خاف من الله، هذه رحمة النبي، كيف كان يعامل زوجته، يا رسول الله كيف حبك لي؟ قال لها: كعقدة الحبل، تقول له من حين لآخر: كيف العقدة يا رسول الله؟ قال: على حالها.
 زواج الرجل أحد فصول حياته، فصل واحد، هناك فصل عمله، و فصل دينه، و فصل إخوانه، وفصل جامعه، فصول كثيرة، أحد هذه الفصول زواجه، أما زواج المرأة كل فصولها، فإذا خاب أملها أو شعرت بالإحباط دمرت، لذلك النبي الكريم علمنا أن نتكلم كلاماً يطمئن الزوجة، أتحبني ؟ نعم أحبك، هذا كلام لو فرضنا خلاف الواقع، لا يوجد مانع مسموح به، وبالمقابل طبعاً لو أن الزوج سأل زوجته أتحبينني؟ تقول له: نعم، وهل لي أحد غيرك؟ وقد تكون خلاف ذلك، في هذا الموضوع بالذات لا ينبغي أن تكون صريحاً، لأنه ينتج عنه تدمير إنسان.
 إذاً موضوع الصلاة على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تتجه لمعرفة هذا الإنسان الكامل، إذاً الله عز وجل ندبنا إلى ذلك، قال:

﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 69 ]

 أي ينبغي أن نعرف رسولنا.

 

الصلاة على النبي تعني معرفة أخلاقه و شمائله :


 بل هناك آية دقيقة جداً:

﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

[ سورة هود: 120 ]

 إذا كان قلب النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلأن نستمع نحن لقصة النبي، ولشمائل النبي، ولصفات النبي هذا من باب أولى.
 محور الدرس أن تسعى جاهداً لمعرفة هذا الإنسان لأنه سيد الأنام، ولأنه المخلوق الأول، الأول رتبةً، ولأنه المثل الأعلى، ولأنه القدوة الحسنة، ولأنه بشر، يرضى كما يرضى البشر، ويغضب كما يغضب البشر، إياك أن تنزع عنه بشريته، إذا عندئذٍ ليس عظيماً، لو أنه ملك لا يكون قدوة لنا، لأنه يشتهي كما نشتهي، ويخاف مما نخاف، ويرجو ما نرجو، ويحب ما نحب، لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، لأنه بشر، وتجري عليه كل خصائص البشر وانتصر على نفسه، كان إذاً سيد البشر، هذا الشخص الذي أقسم الله بعمره.

﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 72]

 لعمرك يا محمد، تجد شخصاً يعيش ثمانين سنة، آخر أربعين سنة من عمره طوال الليل يلعب بالطاولة، لمتى؟ ماذا تستفيد من هذا؟ هناك أعمار سخيفة جداً، أعمار تافهة، هناك أشخاص ولا مليون شخص يساوون أفاً، شخص شهواني، أناني، يحب ذاته، لا يوجد عنده همّ يحمله، و لا مبدأ يعترضه، أبداً، إنسان يبحث عن لذته من أي جهة كانت، فرق كبير كبير بين أن يكون الإنسان إنساناً تافهاً و أن يكون جاداً عاقلاً، أحياناً يكون الواحد رقماً، رقم فقط، ليس له معنى إطلاقاً، ليس له أي تميز، أي كائن له فم مفتوح يجب أن يأكل، ويجب أن يتزوج، أو أن يزني فقط، له شهوتان شهوة البطن وشهوة الفرج، ولا يبحث عن شيء آخر.
 مرة التقيت مع مندوب شركة من هولندا، ذكرت له كلمة عن الله عز وجل قال لي: هذه الموضوعات لا تعنيني أبداً، ولا أهتم لها، ولا ألقي لها بالاً، يعنيني في حياتي أشياء ثلاثة، امرأة جميلة، وبيت واسع ،ومركبة فارهة.

﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾

[ سورة الأنفال: 23]

﴿أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾

[ سورة الأنعام: 124 ]

﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾

[ سورة الكهف: 105]

 الكافر سبحان الله! مهما كان قوياً، مهما تألق اسمه، نهايته وخيمة، نهايته تافهة، إذاً العبرة من الصلاة على النبي أن تعرف هذا النبي، أن تعرف أخلاقه، أن تعرف شمائله، وأن يكون هو الشخصية الأولى في ذهنك، أي إذا دخل لبيته والطعام لم يجهز بعد، يكسر الباب؟! ويكسر البلور ؟! يشتم ؟! ماذا يفعل؟ النبي الكريم يصبر، قال مرة: غضبت أمكم. فأنت يكون قدوتك، إذا كنتم في نزهة، النبي كان يرتاح ويقعد والناس يخدمونه؟ قال: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك ذلك؟ قال: أعلم أنكم تكفونني ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .
 بكل موقف، ببيتك، بعملك، بارتداء ثيابك، بزينتك الظاهرة والباطنة، يجب أن يكون النبي قدوةً لك، هذه معنى الصلاة على النبي الحقيقية، أن تكون مشدوداً لهذا الإنسان العظيم.

إرضاء الله عين إرضاء النبي :

 بالمناسبة لما الله عز وجل قال:

﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾

[ سورة التوبة: 62 ]

 ضمير مفرد، قواعد اللغة ينبغي أن تكون الآية والله ورسوله أحق أن يرضوهما، لأنهما اثنان، لكن حينما قال الله عز وجل:

﴿ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾

[ سورة التوبة: 62 ]

 أن إرضاء الله عين إرضاء النبي، وإن إرضاء النبي عين إرضاء الله، لأن النبي عليه الصلاة والسلام كالبلور الصافي يشف لك عن حقيقة الله عز وجل، هناك أشخاص كالبلور المزخرف لا ترى ما وراءه، ترى زخارفه، وأنا أقول لكم: - هذا المثل دقيق جداً- العالم الصادق المخلص المطبق ترى من خلاله حقيقة هذا الدين، وكمال سيد المرسلين هو لا يلفتك إلى شخصه، بل إلى أصول الدين، أما إنسان له مصالح معينة فيلفتك إلى شخصه، ولا تشف شخصيته عن حقيقة تعتمل في داخله.

الشفافية :

 الآن هناك عبارة مستخدمة: الشفافية، الإنسان كلما كان أكثر صفاءً كان أكثر شفافية، تشف شخصيته عن حقيقة هذا الدين، فالنبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تحتل معرفته، ومعرفة شمائله، ومعرفة أخلاقه، ومعرفة دعوته حيزاً كبيراً في شخصيتنا، والدليل:

﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾

[ سورة سبأ: 46 ]

 يجب أن نقوم مثنى وفرادى، وأن نتفكر في أخلاق هذا النبي، وفي دعوته، وفي منهجه، هو المثل الأعلى، بأخلاقه، وسلوكه، وأقواله، وصفاته، بعض العلماء أحصوا لفضائل الصلاة على النبي عدداً كبيراً جداً من هذه الفضائل أنك إذا صليت على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلسانك وقلبك، بقلبك تعظيماً، وبلسانك ذكراً، قال: أول فائدة أنها امتثالٌ لأمر الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 امتثال لأمر الله.

 

صلاة الله على نبيه صلاة تجلّ وتكريم وصلاتنا عليه صلاة اقتباس وتطهير :

 طبعاً صلاة الله عز وجل على نبيه صلاة تجلّ وتكريم وتنوير، وصلاتنا على النبي صلاة اقتباس وتطهير.

﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾

[ سورة التوبة: 103]

 دقق في هذه الآية:

﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾

[ سورة التوبة: 103]

 يا محمد:

﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾

[ سورة التوبة: 103]

 وهناك أمثلة كثيرة جداً، أنت الآن مؤمن زر أخاً مؤمناً أقوى منك إيماناً، أقرب إلى الله منك، أكثر اعتصاماً بالكتاب والسنة، محباً لرسول الله، مطبقاً لسنته، وقافاً عند الحلال والحرام، زره في بيته تفرح كثيراً، تشعر بالراحة، لأن هذا الأخ له صلة بالنبي الكريم، إذاً لو أخذت أخاً أكبر منه تشعر بسعادة أكبر.
كان الصحابي الجليل ربيعة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ‏ يخدم النبي، انتهى الوقت، أذن العشاء وصلوا، قال له النبي: انصرف إلى بيتك، ينام على عتبة بيت النبي، من شدة محبته له هناك قوة جذب.
 هناك شخص الآن له صلة بالله محدودة تجده يجذبك بحديثه، بقلبه، بمؤانسته، بحاله، فكيف سيد الخلق؟ الحقيقة الصحابة سحروا به طبعاً من باب المجاز، أي أخذوا بكماله، أخذوا برحمته، أخذوا بتواضعه، محور هذا الدرس يجب أن تكون مأخوذاً بكمال النبي، أن يكون النبي في ذهنك، وفي مخيلتك، وفي كل حركة وسكنه تتحركها في الحياة.

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 صلاة الله على النبي صلاة تجلٍ، وتنوير، ورحمة، وصلاة المؤمن على النبي صلاة اقتباس وتطهير، وكلما كنت أقرب إلى النبي كنت أقرب كمالاً.

 

من بدأ دعاءه بالصلاة على النبي كان دعاؤه أقرب إلى الإجابة :

 هناك بعض الأحاديث تؤكد أنك إذا قدمت في دعائك الصلاة على النبي كان هذا الدعاء أقرب إلى الإجابة، لذلك كل العلماء إذا دعوا يبدؤون دعاءهم بالصلاة على النبي، أي إذا بدأت دعاءك بالصلاة على النبي كان دعاؤك أقرب إلى الإجابة من ما لو لم تبدأ بالصلاة على النبي، وقد علمنا النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقول:" اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمداً الفضيلة والوسيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته" ورد في بعض الأحاديث أن النبي الكريم يقول:

(( سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة ))

[مسلم عن ابن عمر]

 أيها الأخوة الكرام، الناس أحياناً يلتقون مع بعضهم، يتحدثون عن الآلام، يتعكرون، في أي مجلس حاول أن تتحدث عن سيد الأنام، تجد أن المجلس قد تعطر، شعرت براحة، شعرت بحيوية، شعرت بتفاؤل، بذكر الصالحين تتعطر المجالس، بذكر محمد تحيا القلوب، أي حاول بكل جلسة أن تتحدث بشيء عن رسول الله، عن أخلاقه، عن حلمه، عن تواضعه، عن محبته للخلق، عن رحمته بالحيوان.
 رأى ناقة تذرف عيناها فتقدم منها ومسح ذفريها، وقال: من صاحب هذه الناقة ؟ قالوا: فلان، قال: ائتوني به، قال لصاحبها: أما تخشى الله بهذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي إنك تجيعه وتدئبه.
 مرة جذع النخلة التي كان يخطب عليها حينما صنع أصحابه له منبراً حنت إليه، فكان يضع يده عليها إكراماً لها.
 وكلما كنت قريباً من الله يصبح عندك شفافية عالية ترى كل ما في الكون تحبه ويحبك، تجد نفسك تحب أن تخدم العصفور وهذه الحيوانات الأليفة، وتطعمهم، وتكرمهم، وتعالجهم، المؤمن صديق الكائنات كلها، متناغم مع كل خلق الله عز وجل.

أمية النبي وسام شرف له و أميتنا وصمة عار بحقنا :

 العبرة من الدرس يا أخوان ليست كلمات يرددها الناس، اللهم صلّ عليه، لا، العبرة أن تعرف رسول الله، أن تعرف أن هذا الإنسان هو الإنسان الأول، هو الإنسان الذي عرف كيف يربح الحياة الدنيا، كيف أن الله أقسم بعمره، إنسان عاش بالدعوة ثلاثاً و عشرين سنة، ترك علماً، يأتي إنسان آخر بعد ألف و خمسمئة عام يأخذ خمسة أحاديث أو ستة فيحصل على الدكتوراه عند دراستهم، إذاً أين مقام النبي؟

يا أيها الأمي حسبك رتبة  في العلم أن دانت لك العلماء
***

 أميته وسام شرف، لأن وعاءه مطهر من كل ثقافة أرضية.

﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾

[ سورة النجم: 5]

 أميته وسام شرف، أما أميتنا فوصمة عار، نحن ما عندنا وحي يعلمنا، فإذا ما تعلمنا عن طريق الكتابة والقراءة نغدو جهلاء، فأميته وحده وسام شرف له لأن الله طهر قلبه من أية ثقافة أرضية.

 

الصلاة على النبي سبب لقرب العبد منه :

 هناك شيء آخر: الصلاة على النبي سبب لقرب العبد منه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والقرب منه لأنه شفاف عليه الصلاة والسلام قرب حكمي من الله عز وجل، أي إذا أحببت النبي فكأنك أحببت الله، وإذا اقتربت من النبي فكأنما اقتربت من الله عز وجل، إذا إنسان لم يجد ما ينفق فصلى على النبي الكريم فصلاته تقوم مقام الصدقة بنص حديث رسول الله، الفقير إذا صلى على النبي صلاته تقوم مقام الصدقة، والصلاة على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبب لقضاء الحوائج، وهناك أمثلة كثيرة، والصلاة على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبب لصلاة الله على هذا المؤمن.

((من صلى عليّ مرةً صلى الله عليه عشرا))

[البخاري في الأدب المفرد]

 والصلاة على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاة للمصلي وطهارة له.

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

الصلاة على النبي سبب لطيب المجالس :

 الصلاة على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة، والصلاة على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فحواها الحقيقي بمضمونها ببيان عظمة النبي سبب لطيب المجالس، وطن نفسك، اقرأ كتاب السيرة، اقرأ سيرة النبي، اسمع أشرطة في شمائل النبي، عبارة عن ثلاثين شريطاً، هناك موضوعات كثيرة عن الصحابة، طبعاً رسول الله يحتل المقام الأول في كل شريط عن الصحابة، تعلم من هذا الإنسان العظيم؟ كيف أحب الله، وكيف ذكر الله، وكيف خشع لله، وكيف أخلص لله، وكيف كان مع الله، وكيف كان نهاره في خدمة الخلق، وليله في مناجاة الحق، هكذا إذاً الصلاة على النبي سبب لطيب المجلس، لكن:

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيهِ إِلاَّ قامُوا عَنْ مثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً))

[عن أبي داود، وعن أبي هريرة رضي اللّه عنهما ]

 والله أيها الأخوة أحياناً الموضوع بالدنيا، والأسعار، وغلاء الأسعار، وماء لا يوجد، وجفاف، وأعداء يتحدون كل شيء، والناس يقتلون، معه حجر واجه رصاصاً، وصاروخاً، ومدفعاً، والإنسان إذا كان مقطوعاً عن الله كان وحشاً، لا يوجد رحمة، ولا إنصاف، ولا عدل، إنما غطرسة وكبرياء، أي إذا كان الحديث كله بهذا الموضوع الإنسان يكاد لا يستطيع أن يقف على قدميه، فعليك دائماً بالصلاة على النبي و تذكر جهاده، وتذكر صبره.

 

سيرة النبي تعطي الإنسان طاقة كبيرة جداً في التّحمل :

 النبي الكريم نزل بالطائف كذبوه، وسخروا منه، وضربوه بالحجارة، حتى التجأ إلى حائط، فقال:

((يا رب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى))

[مجمع الزوائد للهيثمي عن عبد الله بن جعفر]

 أي سيرة النبي تعطيك طاقة كبيرة جداً في التحمل، الحياة كلها متاعب، فيها هموم، فيها قهر أحياناً، فلما قهر في الطائف كان مع الله، أي أروع ما قال النبي الكريم:" إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي"، في القهر هكذا قال، وفي النصر في فتح مكة دخلها مطأطئ الرأس حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره من شدة تواضعه لله عز وجل. ‏ قال: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.‏
 الله امتحنه بالقهر فصبر، وامتحنه بالنصر فتواضع، وامتحنه بالفقر فشكر، أعندكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم، امتحنه بالغنى لمن هذا الوادي؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لك والله، قال: أشهد أنك رسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، امتحنه بأن أهل المدينة تكلموا في سمعة زوجته عائشة، وأنها زنت، والله أحدنا لا يحتملها فصبر، صبر أربعين يوماً حتى برأها الله عز وجل، الامتحان صعب، امتحنه بالخندق، أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى و أحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته، امتحنه.

﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾

[ سورة الأحزاب: 11]

 أي أنت عندما تقرأ السيرة تجد النبي دخل بمضائق صعبة جداً يمكن لم يرتح يوماً، هذه طبيعة الحياة الدنيا، دار ابتلاء، دار صبر، دار جهاد، دار عمل، دار سعي، العوام يقولون: سعي، تريد الدنيا سعياً هي سعي، والآخرة دار جزاء، ودار عطاء، ودار تكريم، ودار تشريف، فالنبي عليه الصلاة والسلام تطلع إلى الآخرة، ولم يعبأ بالدنيا، قال:

((لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء))

[ الترمذي والضياء عن سهل بن سعد]

 تجد أنت أحياناً شخصاً قوياً جداً، غنياً جداً، بثانية صار خبراً صار بصندوق، بثانية واحدة.

 

الصلاة على النبي تنفي عن العبد صفة البخل :

 إذاً: سبب لطيب المجلس، وألا يعود هذا المجلس حسرة على جالسيه يوم القيامة. وتنفي عن العبد صفة البخل يقول عليه الصلاة والسلام:

(( البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَليَّ))

[ الترمذي رويناه في كتاب النسائي من رواية الحسين بن عليّ رضي اللّه عنهما ]

 مرة صعد المنبر قال: آمين، ما فهم أصحابه شيئاً، صعد درجة ثانية قال: آمين، صعد الثالثة قال: آمين، فقالوا: علامَ أمنت يا رسول الله؟ قال:

(( جاءني جبريل فقال لي: رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى؟ وجاءني في الثانية فقال: رغم أنف عبد أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

 معنى هذا أن بر الوالدين سببٌ كافٍ لدخول الجنة، ثم جاءه في الدرجة الثالثة فقال:

(( رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصلّ عليك، فقال: آمين))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

الصلاة على النبي سبب لنيل رحمة الله :

 ثم إن الصلاة على النبي سبب لنيل رحمة الله عز وجل، كلمة رحمة لما ربنا عز وجل يريد أن يكافئ إنساناً يملأ قلبه رحمة، تجد الإنسان رحيماً جداً، متفائلاً، متوازناً، يشعر بقيمته، يشعر أن هذه الدنيا ثمينة، هذه رحمة الله صعب شرحها بالتفصيل لكن آثارها واضحة جداً فمن صلى على النبي كانت صلاته سبباً لنيل رحمة الله عز وجل.
 الحب كما قال النبي الكريم:

(( إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم))

[الطبراني عن أبي الدرداء ]

 لو قسنا الحب على ذلك، الحب بالتحبب، أنت إذا قرأت سيرة النبي، ورأيت تواضعه، ورحمته، وكماله أحببته، فإذا قرأت كثيراً عنه عشت معه، عشت معه تماماً، إنسان يعيش في عام ألفين، وحقيقته أنه يعيش مع بعثة النبي، تصوراته، تخيلاته، طموحاته كلها نابعة من هذا العصر عصر الأبطال، إن الصلاة على النبي متضمنة لذكر الله عز وجل، أي إذا الله عز وجل قال:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ﴾

[ سورة الأحزاب: 41 ]

 من لوازم ذكر الله أن تذكر رسول الله، أي جزء من ذكر الله أن تذكر النبي.

 

السيرة النبوية منهج لنا علينا قراءتها و تمثلها :

 عود على بدء، أنت لا تفهم مبدأ من دون تطبيق، لا تفهم مُثلاً من دون مَثل، لا تفهم كمالاً من دون إنسان كامل، فنحن نريد كمالاً واقعياً، كمالاً متمثلاً بأشخاص هو سيد هؤلاء النبي عليه الصلاة والسلام، فأنا أتمنى أنه إذا صليت على النبي ألا تكون صلاتك جوفاء كصلاة عوام المسلمين، عينه على المرأة و يصلي على النبي، لا يوجد التزام ولا تناسب بين صلاته وبين عمله، أما المؤمن إذا صلى على النبي فكله طاعة لرسول الله، بل إن الله عز وجل لم يقبل دعوة محبته إلا بالدليل، والدليل الصلاة على النبي وطاعة رسول الله.

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾

[ سورة آل عمران: 31 ]

 أي أنا لا أنه أصدق مؤمناً لم يطلع على سيرة النبي، هذا أعظم إنسان في حياتك، هذا قدوة لك، حركاته، وسكناته، وغضبه، ورضاه، ووصله، وقطعه، منهج لك، فينبغي أن تقرأ سيرة النبي، أو أن تستمع إليها، الحقيقة أن للسيرة طريقتين إما أن تستمع أو تقرأ سيرة النبي متسلسلة زمنياً، أو أن تأخذها كوحدات عملية عن طريق شمائله، وكلا الطريقين ممتع، فأنت ينبغي أن تحرص على سماع سيرة النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو أن تسمع شمائل النبي، أو أن تقرأ عن أصحاب رسول الله، ففي سيرته وقصصهم تتمثل علاقتهم بالنبي عليه الصلاة والسلام، فكلمة اللهم صلّ عليه يجب أن تكون ذات مضمون عميق جداً، ذات مضمون أن تعرفه، لما النبي قال عليه الصلاة والسلام:

((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبياء الله وأصفيائه))

<

[رواه أبو النصر عبد الكريم بن محمد الشيرازي في فوائده وابن النجار في تاريخه عن علي رضي الله عنه]

 معقول تقول لابنك: أحبب النبي يا بني، سأرضى عنك إن أحببت رسول الله، ما معنى هذا الحديث: أدبوا أولادكم على حب نبيكم؟ أي بيّن لهم بكل لقاء، بكل سهرة شمائل النبي، أخلاق النبي، صفات النبي، كرم النبي، عفو النبي، حب النبي، أدب النبي، تواضع النبي، حتى يحبوه، النفوس جبلت على حب الكامل، كل إنسان يحب الكمال والجمال.
 طبعاً أنا ذكرت شيئاً قليلاً من فضائل الصلاة على النبي ذلك لأنها وردت في آية قرآنية:

﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾

[ سورة التوبة: 103]

 نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى، فلما جاءا النبي عليه الصلاة والسلام فقال لهما: يا أخي أما أنتم فساعة وساعة، أما نحن معاشر الأنبياء فتنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة، لذلك المؤمن يحتاج إلى صحبة، لا يكفي أن يقرأ لوحده، يحتاج إلى من ينهض به إلى الله حاله، ويدله على الله مقاله.

 

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور