وضع داكن
25-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 046 - اتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

معرفة رسول الله جزء من الدين والعقيدة :

 أيها الأخوة الكرام: نحن في ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام، بادئ ذي بدء الله عز وجل حينما يقول:

﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾

[ سورة هود: 120 ]

 قلب النبي يزداد ثبوتاً ويقيناً وإيماناً لسماع قصة نبي دونه، فما بال قلب المؤمن إذا استمع إلى سيرة النبي؟ إلى خلق النبي وشمائله وأخلاقه ومكارمه ومنهجه؟ فمعرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء من الدين والعقيدة، أقول لكم: إن معرفة سنة النبي القولية، ومعرفة سنته العملية فرض عين على كل مسلم، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، إن قرأت القرآن فيه مبادئ ومثل وتوجيهات وأوامر ونواه وقصص وعظات وعبر، أما إن قرأت سيرة النبي فأنت أمام قرآن يمشي هذه واحدة.
 الثانية: النبي عليه الصلاة والسلام يتمتع بالتعبير المعاصر بشفافية من أعلى مستوى، أي أن نفسه الشريفة تشف عن الحقيقة الإلهية، فلذلك الاستجابة إلى رسول الله عين الاستجابة لله.

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

[ سورة القصص: 50]

 إرضاء رسول الله عين إرضاء الله، والله ورسوله أحق أن يرضوه بضمير المفرد، طاعة رسول الله عين طاعة الله، يجب أن يخصص وقت مديد من حياة المؤمن لمعرفة هذا النبي الكريم، كلمة الإسلام الأولى لا إله إلا الله محمد رسول الله، الكمال الإلهي الذي جاء في توجيهات القرآن الكريم تمثل به النبي عليه الصلاة والسلام أعلى تمثل، فكأن النبي وصل لقمة الكمال البشري ثم دنا فتدلى.

﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾

[سورة النجم: 8-10]

﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾

[سورة النجم:17-18]

﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾

[سورة النجم: 12]

محبة النبي عين محبة الله و الاستجابة له عين الاستجابة لله :

 أخواننا الكرام: آية والله أراها فيصلاً قال:

﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾

[سورة هود: 28]

 المؤمن أولاً آتاه الله بينة، الأمور واضحة حقيقة، الكون والدنيا والإنسان والخير والشر كل شيء واضح ، كل عمل له نتائجه.

﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾

[سورة هود: 28]

 القضية تماماً أن المؤمن آتاه الله بينة، وأنزل عليه رحمة، لكن هذه البينة وتلك الرحمة عميت على الكفار والمنافقين، والإنسان مخير، الله عز وجل يقول:

﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾

[سورة هود: 28]

 فلذلك أيها الأخوة: لأن النبي عليه الصلاة والسلام شفافيته في أعلى مستوى، كنت أضرب مثلاً لعله طريف: إذا كان عندك باب بلور من أرقى أنواع البلور، وكان نظيفاً جداً يختفي وجوده، وكثيراً ما يصطدم أحدنا بلوح بلور صاف، لأن صفاءه الشديد يلغي وجوده، المؤمن إذا كان إخلاصه عال جداً وفني في محبة الله، إذا اتجهت إليه لا ترى إلا حقائق الذنوب، لا ترى نفسه، أما إذا نظرت إلى بلور خشن بالتعبير العامي اسمه محجر لا ترى ما رواءه، تراه هو، فكلما كان إخلاصك أشد ترى ما وراء البلور.
 تشف حقيقة المؤمن عن حقائق الدين، وتشف نفس النبي عليه الصلاة والسلام عن حقيقة الذات الإلهية، لذلك محبة النبي عين محبة الله، الاستجابة إلى النبي عين الاستجابة لله، طاعة النبي عين طاعة الله، ونحن في ذكرى المولد، طرائق كثيرة نجدها في العالم الإسلامي، ومن هذه الطرائق أن نمدحه، أينما ذهبت في الموالد فرق الأناشيد تمدح النبي الكريم، أنا مع المديح لأنه بذكر محمد تحيا القلوب، لكن إذا اكتفينا بمديحه ولم نتبعه نحن حيث نحن، والنبي حيث هو، ونحن في ذكرى المولد لا ينبغي أن نكتفي بمديحه، ولا بالتبرك بآثاره، في الشام تقاليد قديمة، يوجد شعرة النبي في بعض المقامات، يأتي أناس ويحتفلون كل عام ويخرجونها و يتأملونها، شيء رائع جداً، لكن سنة النبي بين أيدينا، الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

 المشكلة أن حياتنا اليومية التعامل اليومي حركة حياتنا هل هي وفق منهج النبي حتى يكون اتباعنا له مجدياً؟

النبي معصوم بمفرده أما أمته فمعصومة بمجموعها :

 أول فكرة: شفافية النبي في أعلى مستوى، الفكرة الثانية: النبي معصوم بمفرده وأمته معصومة بمجموعها، النبي عليه الصلاة والسلام عصمه الله من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وأحواله، وإقراره، لذلك أمرنا أن نتبعه، والله عز وجل لحكمة بالغة فرغ وعاء النبي من أية ثقافة أرضية، لا درس ثقافة اليونان، ولا الإغريق، ولا الصين، ولا أي ثقافة أخرى.

﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾

[سورة العنكبوت: 48]

 أمية النبي وسام شرف لأنه لم يملأ إلا بالوحي الإلهي.

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[سورة النجم: 3-4]

 بينما أميتنا وصمة عار، كنت قد ضربت لكم مثلاً: النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نذبح الدابة من أوداجها فقط، ما الحكمة من ذلك؟ أي تعليم علمي من هذا التوجيه؟ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أعطى توجيهاً لا علاقة لهذا التوجيه لا بالبيئة، ولا بالثقافة، ولا بالمحيط، ولا بالخبرة، ولا بالاجتهاد.

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[سورة النجم: 4]

 من عند خالق الكون، مضى ألف وأربعمئة عام ولا أحد يدري لماذا أمرنا النبي أن نذبح الشاة من أوداجها فقط وأن يبقى رأسها متصلاً....
 قبل سنوات عدة اكتشف أن القلب يتلقى أمراً بالنبض منه ذاتياً، هناك ثلاثة مراكز كهربائية في القلب إن تعطل الأول عمل الثاني، وإن تعطل الثاني عمل الثالث، لكن هذه المراكز لا تعطي إلا الضربات النظامية فقط، ثمانون ضربة، أما أن يرتفع وجيب القلب إلى مئة وثمانين ضربة فهذا يحتاج إلى أمر استثنائي، يأتي عن طريق الدماغ من الكظر، مهمة القلب بعد الذبح إخراج الدم، لو قطع الرأس تعطل الأمر الاستثنائي وبقي الأمر نظامياً، ضربات القلب النظامية لا تخرج إلا ربع الدم، أما إذا بقي الرأس موصولاً يأتي الأمر الاستثنائي فيرفع ضربات القلب إلى مئة وثمانين ضربة، عندئذ كل الدم في الدابة يطرح إلى خارجها فترى اللحم أزهر اللون، الآن اكتشف، والله أيها الأخوة: يقيني الذي لا يتزعزع والله كل قطرة من دمي وكل خلية في جسمي تؤكد أن الأحاديث النبوية الصحيحة التي فيها توجيهات لا يمكن أن تكون من عنده.

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[سورة النجم: 4]

 من عند الخبير، أستاذ في الجامعة بقي ثلاثين عاماً يتناطح مع بقية زملائه وهو موقن بلا دليل أن شرب الماء مع الطعام مفيد، بينما علماء الطب لثلاثين عاماً سابقة يعتقدون أن شرب الماء مع الطعام يضعف الهضم، لأن في المعدة عصارة هاضمة، فإذا جاء الماء الكثير مددت، وإذا مددت ضعف مفعولها، لذلك ينصح الأطباء ألا تشرب مع الطعام ماء، بعد حين هذا الطبيب المسلم أثبت يقينه من حديث رسول الله:

((عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ))

[الترمذي عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ]

 المفاجأة التي لا تصدق أنه قبل سنتين أو ثلاث اكتشف أن شرب الماء مع الطعام يزيد من فعالية الهضم، النبي أعطى هذا التوجيه.
 شعوري أن أي توجيه صحي أو اجتماعي، لو سألت عن حالات الفاحشة، تجد أن تسعمئة حالة من ألف بسبب الخلوة مع أجنبية، النبي قال:

(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ))

[الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ ]

مخالفة منهج الله أكبر مصيبة يعانيها المسلمون اليوم :

 والله أيها الأخوة: الإنسان لو عنده وقت ما من مشكلة يعانيها المسلمون في كل أقطارهم إلا بسبب مخالفة لمنهج الله، ما من مصيبة إلا بسبب مخالفة، وما من مخالفة إلا بسبب جهل.
 لي قريب يعمل في المطار حدثني عن هذه القصة لعلي ذكرتها لكم: عامل في المطار يعمل على تنظيف الطائرة، أثناء التنظيف اكتشف بغرفة العجلة مكاناً واسعاً، جلس في هذا المكان لينتقل إلى بلد بعيد بلا أجرة، وبلا فيزا، وبلا أي وثيقة، فظن نفسه ذكياً جداً، جلس بهذه الغرفة والطائرة متجهة إلى ليبيا، بعد إقلاع الطائرة بقليل أراد الطيار أن يرفع العجلات فأرخى قعر هذه الغرفة فنزل ميتاً، هو أراد أن يموت؟ أراد أن يكون أذكى من كل الناس، أن يوفر ثمن البطاقة ويدخل بلا وثائق، ما الذي قتله؟ جهله، قال لي أحد الخبراء: هناك مكان في الغرفة ثابت غير متحرك لو عرفه لما وقع، لكن بعد عشر دقائق يموت من البرد، خمسون تحت الصفر، ما الذي قتله؟ جهله، والأزمة أزمة علم فقط، لو أتيح لأكفر كفار الأرض أن يعرف الحقائق التي جاء بها الأنبياء لكان مؤمناً.

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

 أيها الأخوة: أقول لكم هذه الكلمة: أنت لك خيارات عديدة، تختار شراء هذا البيت أو رفضه، تختار الزواج من هذه الفتاة أو ترفضها، تختار هذا السفر أو ترفضه، تختار هذا العمل أو ترفضه، خيارك مع آلاف الأشياء خيار قبول أو رفض، إلا خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط، أي كافر تريد؟ ألا يكفي أن يكون أكفر كفار الأرض عند الموت قال:

﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[سورة يونس: 90]

 الإيمان حاصل، والإيمان الصحيح القطعي اليقيني حاصل لكل إنسان على وجه الأرض عند الموت لكن بعد فوات الأوان.

﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾

[سورة يونس: 91]

 القضية قضية وقت فقط، إما أن تؤمن في الوقت المناسب، أو أن الإيمان بعد فوات الأوان لا قيمة له إطلاقاً، بل يزيد الهلاك هلاكاً وأسفاً وندماً، لذلك ورد في بعض الأحاديث:

((إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون علي مما ألقى وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب))

[ورد في الأثر ]

 أهل النار في النار يقولون:

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

[سورة الملك: 10]

 أزمة علم فقط.

اتباع النبي يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين :

 إذاً علاقتنا بذكرى المولد علاقة اتباع، المديح لا يجدي، مع أنني والله أحبه، يقول أحد الأدباء: إن الشعر مصباح كمصباح علاء الدين يكشف لك عن كنوزك أنت المخبوءة في أعماق نفسك، ولكنه ليس بالكيس المملوء الذي يفرغ في خزائنك الخاوية، أنت بالمديح إذا كان بداخلك حب يتحرك، إنسان عنده مبالغ طائلة في صندوقه الحديدي، فإذا فتح الصندوق وتأمل الذهب والعملات الأجنبية يشعر براحة في تصور أهل الدنيا طبعاً، فعندما تستمع لمديح رسول الله إذا كان هناك محبة له ويقين بكماله تتأثر، لكن المديح لا يزيدك علماً، يكشف ما عندك فقط، كاشف لما عندك من حب، لكن اتباع النبي هو الذي يرقى بك، هذه مقدمة.

أحاديث صحيحة وردت في اتباع النبي عليه الصلاة والسلام :

 محور هذا الدرس أيها الأخوة: الأحاديث الصحيحة التي وردت في اتباع النبي عليه الصلاة والسلام ونحن في ذكرى مولده.

((عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ فَالنَّجَاءَ فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ))

[ البخاري عن أبي موسى ]

 أنت المعني الأول، إن أطعته نجوت في الدنيا والآخرة، وإن عصيته هلكت والناس أمامك.
 أحياناً تنشأ عند الإنسان رغبة بتحليل المصائب، تجد مصيبة أو خيانة أو إتلاف مال أو شقاقاً زوجياً بدأ بمخالفة شرعية، وكأن الله سبحناه وتعالى صانع حكيم، تعليماته لو طبقت لكنا في أحسن حال مع الله ومع خلقه، فمن أطاع النبي فقد نجا، ومن عصاه فقد هلك، ونحن في ذكرى المولد، بالمناسبة الله عز وجل لا يقبل دعوة محبته إلا بالدليل، قل: أنا معي ألف مليون، كلام بكلام، أين الدليل؟ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
 إنسان أراد أن يداعبني بناء عال جداً مطل على دمشق كلها قال: كل هذه البلدة ملكي لكن بلا دليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، فالله عز وجل لا يرضى دعوة محبته إلا بالدليل، والدليل اتباع النبي.

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ سُبُلٌ قَالَ يَزِيدُ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ ﴿ إِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾))

[ أحمد عن عبد الله بن مسعود]

من استوعب الحق فالحق مقياس له :

 أخواننا الكرام: سأتلو عليكم حقيقة والله مهمة جداً: لا عمرك ولا أطول عمر في حياة البشر ولا عمر مليون إنسان كاف لاستيعاب الباطل لأنه متعدد، لو أردت أن تستوعب عقائد فرقة ضالة يلزمك عشرون عاماً، أن تقرأ كل كتبها، وتفهم كل ملابساتها، إن أردت أن تستوعب الباطل لا يكفي عمرك، ولا عمر ألف إنسان معك كي تستوعب الباطل، لكن الحق يستوعب في عمر معقول، فأيهما أولى أن تستوعب الباطل أم الحق؟ إن استوعبت الحق كان مقياساً لك، أما إن لم تستوعب الحق فتضيع في الباطل، أكثر كلمة تردد: والله شيء يحير، كل الناس يزعمون أنهم على حق لأنك لا تملك مقياساً ضعت، أمامك أربعون توباً من القماش على كل توب رقم، مكتوب: عشرة، ثمانية عشر.... يا ترى هذه المقاييس صحيحة؟ قالوا: إنها شركة محترمة، يأتيك شخص آخر لا تصدق كلهم غششة، هذه أرقام وهمية ما الحل؟ أحدهم طمأنك والآخر أخافك؟ ! ما الحل؟ الحل أن تملك المتر، تقيس بيدك وتكشف صحة المقاييس أو خطأها، لذلك أروع شيء أن تملك منهج التلقي.
 أنا أسأل هذا السؤال: لو عرضنا عليك مئة مقولة في الدين بعضها كذب، وبعضها كفر، وبعضها صواب، وبعضها توحيد، وبعضها منحرفة، وبعضها مزورة، لو عرضنا عليك مئة مقولة أسأل: هل عندك مقياس كي تكشف صواب هذه المقولات من زيفها؟ إن كان عندك مقياس فأنت طالب علم، وإذا كنت لا تملك فأنت من عوام الناس ودهمائهم، أينما جلست يقول: باقرأ سمعنا كذا و كذا هل هذا صحيح؟ لا يعرف إن كان صحيحاً أم لا، هكذا أفتوا يا أخي، هكذا قال العالم الفلاني، هكذا قال الخطيب، هكذا سمعنا بالفضائية، أنت معك مقياس، فلو أنك استوعبت الحق، الحق نفسه مقياس.
 أنت ممكن إذا عرفت سنة النبي ونحن في ذكرى مولده أن ترفض أو تقبل أي قضية، ترفض بالدليل وتقبل بالدليل، ولا يمكن أن تكون طالب علم إلا إذا كان معك مقياس تقبل به وترفض به.
 هذا الدواء يطيل العمر غير صحيحة، هناك آية قطعية تنفي طول العمر: " كل نفس لها أجل فإذا جاء أجلها لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون" انتهى الأمر.

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾

[ سورة الأحزاب: 36]

 علامة إيمانك أنه لا يمكن أن تضع على بساط البحث قضية قطع بها الدين، أما إذا لم يكن هناك إيمان؟ ! كنت في أمريكا قبل سنتين وفي أحد مؤتمرات إسلامية قام أحد الأخوة قال: هنا في هذه البلاد ليس هناك شيء مقدس، كل شيء قابل للبحث والدرس والرفض، لا يوجد مسلمات هناك، أما أنت كمؤمن عندك مسلمات مقطوع بها فلا يمكن أن تناقش، ولا تحاور، ولا تبحث، ولا تتمحص صحتها، كلام خالق الكون.

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 153]

رسول الله هو أسعد الخلق يوم القيامة :

 ثم يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

(( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 قبل أن تتكلم بكلمة لست متأكداً من صحتها ينبغي أن تنتبه، إنك إذا نصحت إنساناً بعمل لا يرضي الله، وقع الإنسان في إثم أو في معصية فلك مثل إثمه وعليك مثل وزره، وإذا دعوت إلى هداه كان لك مثل أجره.
 الذي يلفت النظر كيف أن الناس يزهدون في المتاجرة مع الله، العطاء الإلهي العقل لا يتصوره، إذا قدر الله عز وجل على يديك هداية إنسان هذا الإنسان وذريته وذرية ذريته إلى يوم القيامة في صحيفتك من دون أن ينقص من أجورهم شيء، لذلك من هو أسعد الخلق؟ رسول الله، أنتم حينما تصلون عليه تقولون: وعلى أسعدنا محمد، فالمشكلة الآن الناس أخذوا ببريق الدنيا وغفلوا عن حقيقة الآخرة، والله عز وجل وصفهم فقال:

﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾

[سورة الروم: 7]

(( عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَغَيْرِهِ رَفَعَهُ قَالَ: لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ أَمْرٌ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ ))

[الترمذي عن أبي رافع ]

 هذه من نبوءة النبي الكريم، ولا يمكن أن يعلم بذاته إلا أن يعلمه الله وقد أعلمه الله أنه في آخر الزمان تجد فرقاً كثيرة تدّعي: كفانا كتاب الله، إنك حينما تكتفي بكتاب الله تخالف كتابه، لأن الله قال:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[ سورة الحشر: 7 ]

تعلق طاعة أولي الأمر بطاعة رسول الله :

 أخواننا الكرام: حقيقة مهمة جداً وهي أن الرسول الكريم ينبغي أن تطيعه استقلالاً، ما معنى استقلالاً؟ حينما يثبت لك حديث عنه ينبغي أن تطيعه دون أن تسأل عن أصله في القرآن، لأن الله يقول:

﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾

[سورة النساء: 59]

 طاعة أولي الأمر متعلقة بطاعة رسول الله، من هم أولو الأمر؟ العلماء والأمراء، لو أن عالماً أعطاك توجيهاً ليس في سنة رسول الله ينبغي ألا تطيعه، لا يطاع العالم إلا إذا كان أمره مقتبساً من سنة رسول الله، طاعة العالم والأمير تبع لطاعة رسول الله، لكن طاعة رسول الله مستقلة، حديث ثبت نطيعه، أما أن نقول: من أين جاء بهذا الحديث؟ إن وجدت أصله لا مانع، لكن إن لم تطبقه إن وجدت أصله في كتاب الله فأنت لست مؤمناً برسول الله، الله عز وجل يقول:

﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾

[سورة النساء: 59]

(( عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَغَيْرِهِ رَفَعَهُ قَالَ: لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ أَمْرٌ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ ))

[الترمذي عن أبي رافع ]

 هؤلاء اسمهم الآن القرآنيون، والله التقيت مع عدد منهم يقول: يجب أن نلغي السنة كلها ونكتفي بالقرآن! هذا التمهيد لإلغاء كتاب الله بالتدريج، وهذا من دلائل نبوءة النبي الكريم.

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا، فَقَالَ: تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ فَلِأُمٍّ مَا هُوَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي فَذَلِكَ الْهَالِكُ ))

[ أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 أكثر من أخ كريم عنده مشكلة، يقول: أنا في أول الطريق كنت متألقاً تألقاً لا يوصف، أحوالي مع الله لا توصف، خشوعي في الصلاة لا توصف، ذكري في الله لا يوصف، كنت أكاد أطير من شدة هيامي بالله، بعد حين فترت أحواله بقي مطيعاً لله، لكن هذا التألق والغليان والفوران انتهى.

كل شيء في الدنيا له بريق ثم يخفت لحكمة أرادها الله :

 أخواننا الكرام: هذه قضية ثابتة: أنت حينما تكون في جو بارد جداً، ويكاد المرء يموت من البرد، إذا دخل لغرفة هادئة أول فترة يشعر براحة ما بعدها راحة، لكن بعد حين يألف هذه الغرفة المعتدلة، الجو الرائع موجود لكن استمرارك في هذا الجو جعلك تألفه، هذا الذي يحصل مع كل مؤمن، كان بالمعاصي صار مستقيماً، كان له رفقاء سوء أصبحوا مؤمنين، انحرافات تعقبها كآبة، صارت أعماله مستقيمة، ونومه مريحاً، وعلاقاته بالناس لطيفة، في بيته سعادة، كل أحواله السابقة تبدلت، فأول فترة هناك تألق شديد:

((قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا فَقَالَ تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ فَلِأُمٍّ مَا هُوَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي فَذَلِكَ الْهَالِكُ ))

[ أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 بعد فورة الدخول في الإيمان والتألق في الإسلام الآن أحوالك هدأت، استقرت، الحال المضطرب أصبح فاتراً، الآن كيف سلوكك؟ محافظاً على الصلوات، عفة، أمانة، صدق، بارك الله فيك، هذا هو الكمال، أما إذا انتقل الإنسان من الفورة إلى المعصية، على أي شيء تستقر الفورة انتهت، الاندهاش انتهى، يقول الصديق: بكينا حتى جفت مآقينا، لم يعد يبكي بالصلاة، صار هناك طمأنينة وألفة بالأحوال وصدق بالدين، فالإنسان أول الأمر إذا كان على مشارف التخرج إذا نام يقول: غداً سأحصل على الليسانس، وإن كان يحضر للدكتوراه أنا دكتور، يحلم، ولكن بعدما يأخذ الشهادة يصبح عادياً، ولحكمة أرادها الله كل شيء في الدنيا له بريق ثم يخفت، الشهادة بعد أسبوعين أو ثلاثة تصبح شيئاً عادياً، بيت فخم بعد شهرين يصبح عادياً، مركبة فخمة كله يصبح عادياً هذا من حكمة الله، لو أن كل شيء في الدنيا يستمر على تألقه أصبح الأمر صعباً جداً، الإنسان عندئذ يطمئن للحياة الدنيا. طرفة: مرة شكا لي رجل قال: الإنسان قد يكون بيته غير جيد زوجته غير جميلة ما حكمة ذلك؟ قلت له: تعال إلى الجامع لنراك! الإنسان له وقت مع أهله، لكن إذا كان كل وقته مع أهله فهذه مشكلة كبيرة، يجب أن يقدم عملاً للآخرة، تجد بيتاً فخماً جميلاً، له إطلالة جميلة، إذا إنسان جلس في البيت وقضى كل حياته فيه يأتي يوم القيامة مفلساً ليس له عمل صالح.
 هناك رواية أخرى أوضح:

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا فَقَالَ تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ فَلِأُمٍّ مَا هُوَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي فَذَلِكَ الْهَالِكُ ))

[ أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 بعد أن تألقت ودخلت في دين الإسلام واصطلحت مع الله بعد سنتين أو ثلاث كيف يكون وضعك؟ تصلي صلاة متقنة، تصوم، تغض بصرك، تصدق في كلامك، تقول: فقدت الأحوال السابقة، هذه الأحوال في البدايات فقط، مستحيل أن تستمر لأنك ألفتها وأصبحت جزءاً منك، إذا كان هناك برد شديد وكاد يموت من البرد ودخل لغرفة دافئة أول دقائق يشعر بقيمة الدفء، لكن بعد ساعة ألِف الجو، لكن الجو مناسب، والدليل إذا خرجت لعادت إليك أحوالك السيئة، إذا كان الإنسان مستقيماً وأحواله فترت لو ارتكب معصية لا سمح الله ينهار.

 

أعظم كرامة هي كرامة العلم :

 وهناك حديث آخر متعلق بالاتباع ونحن بذكرى المولد:

((مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلَهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ أحمد عَنْ أبي هريرة]

 معنى هذا أن الشيء الثمين الذي منحه الله للنبي هو الوحي.
 أقول لكم: مستحيل أن تخطب ود الله دون أن ترى من الله وداً، سمها إن شئت كرامة، لك استثناء، مستحيل، بدراستك، بعملك، بتجارتك، بصحتك، ببيتك، بزواجك، بإقامتك، بسفرك، مستحيل أن تخطب ود الله دون أن ترى استجابة من الله، بل إنك إن تقربت من الله بشبر تقرب إليك بذراع، وإن تقربت إليه بذراع تقرب إليك بباع، إن أتيته مشياً أتاك هرولة، أي حركة نحو الله تجد استجابة وطمأنينة وسعادة وراحة نفسية وتألقاً، هذا شيء ثابت، الاستجابة أن يخصك بشيء متميز، قد يسميها الناس كرامة، لكن أيها الأخ الكريم: ما هي أعظم كرامة على الإطلاق؟ أن تمشي على وجه الماء؟ أن تطير في الهواء؟ بل كرامة العلم، هذه الكرامة ليس فيها خرق للعادات، لا أحد يكذبك، يقول لك: رأيت رسول الله في منامي أنا أفرح وأهنئه ولكن قد يكون هذا غير صحيح، أي كرامة قد تكذب، لكن إذا وهبك الله علماً صحيحاً هذا العلم لا يكذب بل يصدق، أعظم كرامة كرامة العلم والدليل قوله تعالى:

﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[سورة النساء: 113]

منهج النبي منهج كامل :

 و:

((عَنْ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنِي وَبَرَةُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيَصْلُحُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَنَا مُحْرِمٌ؟ قَالَ: مَا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ فُلَانًا يَنْهَانَا عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ مِنَ الْمَوْقِفِ وَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ مَالَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَأَنْتَ أَعْجَبُ إِلَيْنَا مِنْهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَسُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ مِنْ سُنَّةِ ابْنِ فُلَانٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ))

[ أحمد عَنْ إسماعيل ]

 أنا لا أكتمكم أن أناساً اجتهدوا بعبادات ما شرعت، هؤلاء حينما كلفوا أنفسهم ما لا يطيقون سمعتم قبل شهر كيف أن هناك انحرافاً خطيراً عند بعض رجال الدين، غيّر الإسلام و أظهر مذكرة، الله عز وجل قال:

﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾

[ سورة الحديد : 27]

 ولأن الله لم يكتبها عليهم قال:

﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾

[ سورة الحديد : 27]

 الله له منهج ولا تعمل عليه مزاودة، لا تطلب شيئاً ليس بإمكانك أن تفعله، هذا الذي أراد أن يصوم فلا يفطر، وأراد أن يقوم فلا ينام، والذي أراد ألا يأكل اللحم، والذي أراد ألا يتزوج النساء، بلغ ذلك النبي الكريم فقال:

((سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم يَقُولُ جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))

[ البخاري عن أنس ]

 المنهج الذي جاء النبي به منهج كامل تبلغ به أعلى رتبة، أرفض أي منهج من وضع دعاة إلى الله فيه مزاودة على منهج النبي، نصوم رمضان والأيام الثلاثة من كل شهر والاثنين والخميس أحياناً، أما أن تصوم كل يوم فلا تحمل نفسك ما لا تطيق، لأنك بالمنهج النبوي تصل لأعلى مرتبة، لو أنك تتوهم أن منهج النبي لا يكفيك لتكون في أعلى مرتبة فهذا سوء ظن برسول الله.

(( عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا فَقَالَ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلَادِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ ))

[ البخاري عن مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ]

 قديماً كان إن أراد العالم أن يمتحن صدق المريب يكلفه ما لا يطيق، أحياناً ينزل به أشد العقاب، ليس هذا من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، يكلفه أن يدع الحلال، ليس هذا من سنة النبي، يجب أن نتقيد بسنة النبي الكريم.
 دائماً الزيادة اتهام للسنة بالنقص، والحذف اتهام للسنة بالزيادة، فالذي ينجينا أن نكون وقافين عند كتاب الله وعند سنة رسوله.

(( عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ......))

[أبو داود عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ]

 في بعض التفاسير حينما يقول الله عز وجل: آتاهم الكتاب والحكمة أي السنة، وهي شرح الكتاب، الله عز وجل يقول:

﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾

[ سورة النحل: 44 ]

 سنة النبي بيان لما في الكتاب.

((أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ ))

[أبو داود عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ]

عدم الاكتفاء بالقرآن الكريم بل اتباع السنة أيضاً :

 أخواننا الكرام: هناك نقطة دقيقة هل حرم الكتاب الزواج من العمة أو الخالة؟ لم يحرم، النبي هو الذي حرم أن يجمع الإنسان بين الزوجة وعمتها وبين الزوجة وخالتها، أنصبة الزكاة هل تجدونها في القرآن؟ أبداً، إذا قلت: نكتفي بالقرآن، ألوف الأحكام الشرعية لا تجدها في القرآن بل في سنة النبي العدنان، لو أن في القرآن كل شيء لاقتضى أن يكون عشرة آلاف صفحة، خمسون ألف صفحة، هو كتاب يتعبد بتلاوته، فيه الكليات، وترك للنبي عليه الصلاة والسلام التفاصيل والجزئيات، فنحن معنا كتاب وسنة، كتاب فيه كليات، وسنة فيها تفصيلات، فلذلك أن نكتفي بالقرآن هذا خطأ جسيم إن كان صاحب الخطأ بريئاً، أو مكر شديد إن كان صاحب الخطأ خبيثاً.

((عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ فَقَالَ: أَالْفَقْرَ تَخَافُونَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا حَتَّى لَا يُزِيغَ قَلْبَ أَحَدِكُمْ إِزَاغَةً إِلَّا هِيهْ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ صَدَقَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَنَا وَاللَّهِ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ))

[ابن ماجة عن أبي الدرداء]

 أيها الأخوة: محور الدرس أننا في ذكرى مولد النبي الكريم، العلاقة الوحيدة بيننا وبين هذه الذكرى اتباع النبي، ما سوى ذلك الاكتفاء بالأناشيد والتبرك والمديح، إن ابتعدنا عن منهج النبي فإحياء هذه الذكرى لا معنى له ولا جدوى منه، لا يمكن أن نقطف ثمار هذه الذكرى إلا باتباع النبي، وقد كان محور هذا اللقاء الطيب عدداً من الأحاديث الشريفة كلها بشكل واضح قطعي الدلالة يؤكد اتباع النبي عليه الصلاة والسلام، والدليل أنه لم يقبل دعوة محبته إلا بالدليل، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 31 ]

إخفاء الصور