وضع داكن
18-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 048 - حجب المسلمون عن دينهم .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عزلة المسلمين عن دينهم هي المشكلة التي يعاني منها المسلمون اليوم :

 أيها الأخوة الكرام: كنت في حيرة من موضوع هذا الدرس، ولكن وجدت أن هناك مشكلة يعاني منها المسلمون وهي عزلتهم عن دينهم، هو مسلم ويصلي صلاة الجمعة، والصلوات الخمس، ويعتز بالإسلام وهو معجب به، ويتمنى رفعة المسلمين، ويهتم بهم، ويتتبع أخبارهم، هذا كله واقع، ولكن الإسلام الحقيقي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، والذي رفع أصحابه إلى القمم، والذي نقلهم من رعاة للأمم إلى قادة للأمم، هذا الإسلام الذي أعزّ الله به العرب، والذي جعلهم يفتحون شرق الدنيا وغربها، نحن في عزلة عنه، ولعل هذا الكلام يبدو لكم غريباً! الدين له مظاهر وهذه والحمد لله متوافرة في أعلى مستوى، والله المساجد التي تبنى الآن العقل لا يصدق فخامتها، وأناقتها، وروعتها، وجمالها، واتساعها، ومرافقها، وكل أسباب الراحة فيها، لكن هل تقام فيها الصلوات كما أراد الله عز وجل؟
 الكلمة الدقيقة: نحن في عزلة عن ديننا، الدين الذي أساسه صحة العقيدة والالتزام نحن في عزلة عنه.
 لو سأل أحدكم: ما الذي يعزلنا عن ديننا؟ أول شيء: الغرب، فقد غزانا غزواً ثقافياً، فهل تصدقون أن في الأرض ديناً جديداً هو الكرة مثلاً! اهتمام الناس بالكرة يفوق حدّ الخيال، وكأن الناس صرفوا عن دينهم إلى شيء آخر.
 مرة كنت في مكة وركبت سيارة إلى جدة انفعال السائق لأن أحد الفريقين أدخل هدفاً على الفريق الثاني يكاد يخرج من جلده ونحن في موسم الحج، انفعالاتنا من أجل الكرة، إعجابنا بهؤلاء الذين خطفوا أبصار الناس بحذقهم في التمثيل فحجبونا عن ديننا، هذه الشاشة وهذه الكرة وتتبع الأخبار بشكل سلبي لا تفعل شيئاً تستمع فقط، تتلقى تتلقى تتلقى... إلى أن تمتلئ معلومات ولا تستطيع أن تفعل شيئاً.
 أخواننا الكرام: أقول كلاماً والله من معاناة ومما أشاهد، حدثني أخ: امرأة لها مظهر إسلامي يُحقق معها كيف ذهبت معه إلى المدينة؟ قالت: من أجل الزواج منه، لمَ لا تتزوجين وأنت في بلدك؟ لأنه ليس مسلماً، امرأة لها مظهر ديني تنحرف هذا الانحراف، الشباب ينحرف والنساء تنحرف، في البيوت مشكلات لا يعلمها إلا الله، نحن في عزلة عن ديننا، الذي يجري الآن من محن للمسلمين ليست بعيدة عن التصور العام، هناك تفلت، أنا لا أريد هذه المظاهر، في شهر المولد تقام الموالد في أعلى مستوى، نخطب ونمدح ونتناول الحلوى ولا نفعل شيئاً.

عزلة المسلم عن دينه من خلال الشاشة والمناهج التي وضعت :

 أيها الأخوة: أنا أدعوكم إلى فعل شيء، تتلقى طوال حياتك، تتلقى درس علم، تسمع الأخبار، تقرأ الصحف والمجلات ماذا فعلت وقدمت لهذه الأمة؟ فالذي يحجب عن الدين نموذج طرأ حديثاً هو التلقي، يتلقى شيئاً ينفعه ولا ينفعه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَقَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَنَفْسٍ لَا تَشْبَعُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ ))

[ النسائي عن أنس]

 أذن لا تسمع، حينما أخاطب طلاب العلم في مسجد من شدة حرصي على من حولهم، المسلم معزول دون أن يشعر عن دينه بهذه الشاشة، وطبعاً يوجد مناظر بالشاشة لا ترضي الله عز وجل.
 هناك نقطة دقيقة أحاول أن أوضحها لكم ذكرتها سابقاً: لو أن تياراً كهربائياً عالي الشدة وكتب ممنوع الاقتراب من هذا التيار، فيوجد إنسان بسذاجة ما بعدها سذاجة قال: لا يوجد شرطي! الموضوع ليس وجود الشرطي عقوبتك من التيار فوراً، موضوع المخالفة والشرطي لا معنى له إطلاقاً حينما تقترب من هذا التيار يعاقبك التيار مباشرة، فلو أن الناس جميعاً ابتلوا بهذه المخالفة الشرعية يرون على الشاشة ما لا يرضي الله.
 لماذا سمح الله لك أن تتأمل وردة ساعة؟ لم يقل غض البصر عنها، لماذا سمح لك أن تنظر إلى جبل أخضر؟ إلى بحر موجه هادئ؟ إلى شجرة؟ إلى شيء محبب؟ لمَ لم يأمرنا الله أن نغض البصر عن هذه الجماليات؟ لم الأمر أن نغض البصر عن المرأة؟ لأن الله سبحانه وتعالى وهو العليم الخبير أودع في نفوسنا هذه الغريزة، فلمجرد أن تتأمل لا يمكن أن تقتنع بالتأمل فقط، التأمل ينتقل إلى حركة وقد تنتقل بالفاحشة، فحينما تمتع عينيك بما لا يسمح الله لك به فأنت في عزلة عن هذا الدين، الشاشة عزلتك، وحينما تكون في المدرسة وتقرأ أن هذا الكون بدأ بنظريات لا تقدم ولا تؤخر، وأن الإنسان كان قرداً فصار إنساناً، فكل ما يطرح في دروس التعليم ليس إسلامياً يتناقض مع القرآن، فأنت في عزلة ثانية حينما تصدق المناهج التي وضعت.
 قد يسأل سائل لماذا وضعت هذه المناهج هكذا؟ لأن الغرب في العصور الوسطى عانى معاناة شديدة جداً من تسلط رجال الدين هناك، وهناك صفات وأحوال العقل لا يصدقها، فمن يقول: الأرض كروية يقتل، رجال الدين كانوا ضد العلم، فمن شدة حدة الصراع بين العلم والدين بحثوا عن نظريات افتعلوها كي تصدم أصل الدين، أخطاء أنشتاين وفرويد ونظرية التطور دارون وأخطاء ماركس هذه ليست أخطاء علمية ولكنها أخلاقية، هم تكلموا بخلاف ما يعلمون، يوجد خطأ علمي وخطأ أخلاقي، القاضي أحياناً يقضي بجهل فله عند الله عقاب شديد، أما هناك قاض يقضي بخلاف ما يعلم، هذا ليس مخطئاً فحسب هذا مجرم، والمفتي يفتي بخلاف ما يعلم، وهذا العالم الذي جاء بنظرية دارون افتعلها افتعالاً بخلاف ما يعلم، الهدف أن يضرب مبادئ الدين في أصلها، وكلهم يهود، العلماء الأربعة الذين قامت عليهم نظرية الجنس فرويد، ونظرية التطور دارون، ونظرية الاقتصاد ماركس، والنظرية النسبية أنشتاين، هؤلاء الأربعة كلهم يهود، فهناك مكر كبير دبر لنا، فالابن يدرس في الجامع أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم، ويدرس في المدرسة أصل الخلق أن الإنسان كان قرداً وتطور القرد فأصبح إنساناً ! يوجد فرق كبير جداً.
 بدأ الله البشرية بنبي يأتي بعد رسول الله تماماً كما قال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ ))

[الترمذي عن أبي سعيد ]

 فقد بدأت البشرية بنبي كريم وانتهت بسيد الأنبياء، نحن نقرأ عن الإنسان الحجري الذي كان يستخدم الحجر ثم إنسان الغابة ثم المتوحش، الذي نقرأه خلاف ما في القرآن الكريم، فأنت في عزلة عن دينك من خلال هذه الشاشة التي تريك ما يحق لك أن ترى، وأنت في عزلة عن دينك من خلال هذه المناهج.

المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف :

 الآن وأنت في عزلة عن دينك من خلال هذه المناشط، أنا مع الرياضة لأنها تقوي الجسم، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ....))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 لكن أن تغدو الرياضة ديناً ننسى من خلالها كل شيء!!
 أحد خطباء مصر توفي رحمه الله وجد المصلين في المسجد على خلاف المألوف قلّة! فسأل ما الخبر؟ فقالوا: هناك أحد من لاعبي الكرة اعتزل اللعب واسمه زيزو، فقال في الخطبة: ماذا فعل زيزو لعله حرر القدس!! تساءل لعله وحّد المسلمين!! لعله قضى على اليهود!! ذكر أهداف الأمة الكبرى هدفاً هدفاً وكان يتساءل هل فعل زيزو هذا؟ ! فلما أنبئ أن هذا اللاعب اعتزل اللعب، وكانت له آخر مباراة، وزحفت القاهرة عن بكرة أبيها لحضور هذه المباراة، رفع يديه وقال: اللهم انفعنا ببركات زيزو، اللهم احشرنا معه يا رب، اللهم لا تحرمنا من بركات زيزو !
 تجد صحابة كراماً، وأبطالاً عظاماً، وأئمة أعلاماً، ومجاهدين و أبطالاً ردوا ستاً وعشرين دولة أوروبية كصلاح الدين، ولكن نحن أبطال شبابنا هم لاعبو كرة، والدرجة الثانية الممثلون والممثلات الأحياء منهم والأموات، أيعقل أمة أعلامها لاعب كرة أو مغنّ؟! لاعبو الكرة في بلاد الغرب منحرفون جنسياً أكثرهم مثلي في غريزته الجنسية، أيعقل أن يكون لاعبو الكرة هم أعلام أمة المسلمين؟ معقول إنسانة وقفت في مؤتمر صحفي وخطبت وقالت: إنها زنت سبع مرات وقد سمع هذه المقابلة أكثر من ثمانين مليون إنسان في أكثر من عشر محطات فضائية وهي ملكة في بريطانية! بعد أن ماتت في حادث يشتري أحد الأثرياء في الخليج سيارتها المحطمة بملايين الدولارات لأن هذه من ذكراها، هل هذه أمة تنتصر؟

 

الغزو الثقافي لنا يلغي ديننا و ورعنا :

 أقول لكم شيئاً دقيقاً: نحن معزولون عن حقيقة الدين الذي جاء به سيد المرسلين، والذي أعزنا الله به، والذي اختاره الله لنا، وجعلنا أمة وسطاً وحملنا هذه الرسالة، معزولون بالشاشة، الشاشة أسميها غزواً غربياً ثقافياً، ألم يكن الغزو في بلاد المسلمين بجيوشه؟ الأمر كان أهون لأنه سهل أن تقاومه، ومن يقاومه يصبح مناضلاً، أما الغزو الثقافي فيحل الأمة، بين أن تصب على النار الزيت، وحينها تستفز المسلمين كما يفعل أعداؤنا يقوي فينا العزيمة.
 أذكر قصة قرأتها: إنسان مسلم ذهب إلى أوروبا وغرق في المعاصي والآثام والفساد والأخلاق كان هناك ملهى ليلي امرأة ترقص تلف جسمها بعلم بلده الذي كتب عليه لا إله إلا الله، فاستفزت كل مشاعره الدينية، وصعد إلى المسرح وضربها، وتاب من وقتها، العالم كله يحارب هذا الدين.
 فأنا أقول حينما يحاربك العالم حرباً مباشرة يستفز مشاعرك الإسلامية، هؤلاء الأبطال الذين يضحون بحياتهم في سبيل إعلاء كلمة الله إن شاء الله ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يكونوا من الشهداء هؤلاء من الذي صنعهم أبطالاً؟ العدو الذي استفز أعمق ما عندهم من مشاعر إسلامية، الذي قهرهم، واغتصب أرضهم، وهدم بيوتهم، وقتل أهلهم، فحينما يحاربك العدو مباشرة القضية سهلة جداً يجعلنا أبطالاً، أما عندما يغزونا العدو ثقافياً فيلغي دينك وورعك وحرصك على طاعة الله عز وجل.

عزلة المسلمين عن دينهم باختيارهم :

 موضوع الدرس: المسلمون معزولون عن دينهم باختيارهم، الشاشة تعزلهم، الكرة تعزلهم، الغزو الثقافي يعزلهم، المناهج التعليمية التي تستنبط من بلاد الغرب تعزلهم.
 كنا في الجامعة جاءنا أستاذ التاريخ، درس في السوربون، وألّف كتاباً لعله ترجمه، وضعه بين أيدينا، في مقدمة الكتاب أن العرب خرجوا من جزيرتهم واتجهوا نحو البلاد المفتوحة من أجل أن يبحثوا عن أماكن خيرة ليعيشون بها لفقرهم الشديد! أستاذ مسلم في الجامعة يعطينا التاريخ الإسلامي أغفل نشر الدعوة إغفالاً كلياً، وأغفل الفتوحات الإسلامية إغفالاً، وجعل خروج العرب من بلادهم بحثاً عن مجال حيوي يعيشون فيه فقط. فالمناهج تعزلنا، قد تنتسب لكلية من كليات الآداب في الجامعة، تجد شعر الغزل يضغى على كل شعر، قد تذهب إلى الأندلس وتقرأ الشعر الذي ساد في أواخر عصر الأندلس كله إباحي تقريباً، فالمسلم معزول عن دينه الذي رفعنا الله به، الدين الذي أعزنا الله به ونصرنا، وحقيقة الدين نحن في عزلة عنه، أما مظاهر الدين والحمد لله فمتوافرة في أعلى مستوى، المظاهر لا تقدم ولا تؤخر ولا تعصمنا من عدونا.

الاهتمام بجانب واحد من الدين و إهمال باقي الجوانب مزق المسلمين :

 سأدخل في موضوع ثالث: أول موضوع أتمنى على كل أخ كريم أن يزيل هذه الحواجز بينه وبين الدين، فحينما لا تضع هذه الحواجز بينك وبين الله عز وجل وتعود إلى منابع الدين الأصيلة، تعيش جو الإسلام، وقيمه، وراحة النفس التي ينعم بها المسلم، وتعيش حالة الأمن التي وعد الله بها المؤمنين، وحالة الثقة بالمستقبل التي أكدها القرآن الكريم من خلال قوله تعالى:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

[ سورة التوبة: 51 ]

 نعيش حالة التفاؤل التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يحضنا عليها، أما حينما نعزل عن حقيقة ديننا، ونعزل عن أعلامنا والصحابة الكرام وعن أبطالنا وعلمائنا، حينما نعزل عن تاريخنا الحقيقي فنصاب بحالة من الإحباط لا يعلم أبعادها ونتائجها إلا الله هذه واحدة.
 أيها الأخوة: المشكلة الثانية: يوجد مشكلة أنت معزول عن الدين بجزئيات الدين كيف؟ إنسان فرضاً تفوق في الدعوة إلى الله ولم يعتن بالعلم الشرعي، ولم يعتن فرضاً بعباداته التي ينبغي أن يتقنها، هو حينما تفوق في جانب وأهمل جانبين أو ثلاثة ليته أهملها واعترف أن يهملها، لكن أهملها وازدرى من يعتني بها‍! هنا النقطة، فصار الدعاة يرون أنهم في القمة وما سواهم لا شيء، أصحاب العلم الشرعي يرون أنهم في قمة الدين وسواهم لا شيء، الذين اعتنوا بالتفسير يرون أنهم قمة الدين وسواهم لا شيء، الذين كان نشاطهم في إنشاء المساجد يرون أنهم في القمة وغيرهم لا شيء، الذين أتقنوا التجويد يرون أنهم في القمة، المشكلة أن كل إنسان أخذ من الدين جانباً، أنا مع الحقيقة التي تقول: الإنسان له فروق فردية، وله ميول شخصية، هذا شيء لا يشك فيه، لكن ليس لك الحق أن تختار من الدين جانباً واحداً وتجعله الدين كله وتزدري بمن اهتم بموضوع آخر عندئذ تنشأ العداوة والبغضاء.
 اسمعوا الآية:

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[ سورة المائدة : 14]

 فكل إنسان اكتفى بجانب ضيق في الدين واعتنى به عناية بالغة حتى تفوق فيه، وأغفل الجوانب الأخرى وازدرى الجوانب الأخرى، وازدرى من تفوق بالجوانب الأخرى هذا سبب له عجبة وشعوراً بالتفوق وازدراءً لمن حوله، هذا سبب عداوات، فتجد خصومات بين المؤمنين والمسلمين والدعاة والجماعات الإسلامية لا تصدق، بسبب أنهم لم يأخذوا الدين من كل جوانبه، أنا معك قد تتفوق في الفقه ولكن لابد من أن تلم بالعقيدة والتفسير والحديث، تفوق في جانب وألم بكل الجوانب، الاتجاه الجيد أن تتقن اختصاصاً وأن يكون لك إلمام بكل اختصاص في الدين، فحينما تختص بجانب واحد وتهمل بقية الجوانب وتزدري من تفوق بها وتظن أنك وحدك المتفوق هذا يسبب تمزق المسلمين.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾

[ سورة الأنعام: 159 ]

 فالذي أتمناه على كل إخوتنا الكرام أن يبجلوا ويحترموا كل فروع الدين، الله عز وجل أكرمك بالتفوق في فرع من فروع الدين ينبغي أن تحترم من تفوق في فروعه الأخرى، وينبغي أن تلم ببقية الفروع، وينبغي أن تلم بالدين من كل جوانبه، لا يفرح الإنسان إلا إذا أحاط الدين من كل جوانبه، أما أن يكون فرعك أو اختصاصك الذي أنت فيه سبب عزلتك عن جوانب الدين فهذا شيء مؤسف جداً.
 أخواننا الكرام: ما من وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى أن نتعاون ونزيل كل فرقة بيننا كهذا الوقت، وترون أن الإسلام مستهدف بكل فئاته، وكل شرائحه، وجماعاته، ومذاهبه، وطوائفه، فحينما يعي المسلم أن الإسلام مستهدف بكل شمولياته يجب أن يغير النمط الذي ساد فيه.

الغلو في الدين :

 أخواننا الكرام: هذه الآية دقيقة جداً: في القرآن تقرأ الآية تظن أنك استوعبتها، ثم تنتبه إلى معنى ما خطر لك في بال سابقاً، أنا أعد هذه الآية سابقاً قانون العداوة والبغضاء، أنت حينما تعصي الله عز وجل وتلتقي مع أخيك قد تبغضه وتعاديه، السبب أنه ما تحاب اثنان في الله ففرق بينهما إلا بذنب أصابه أحدهما، حينما تنسى حظاً مما ذكرت به تنشأ العداوة والبغضاء، وأكثر شيء يمزق المسلمين العداوة والبغضاء فيما بينهم، وهذه ليس لها تفسير إلا تفلتهم من منهج الله، كقاعدة: اثنان مؤمنان تصاحبا لا يمكن أن يفرق بينهما إلا إذا أصاب أحدهما ذنباً، زوجان، صديقان، خليلان، جاران، أخوان، شريكان، إذا أصاب أحدهما ذنباً فرق بينهما، هذه الآية هذا معناها المتبادر، لكن المعنى الثاني أنك إذا أخذت حظاً من الدين ونسيت حظاً آخر تعتز بحظك من الدين، وتزدري من أخذ الحظ الآخر، ترى أن الله لك وحدك لأنك أخذت بهذا الحظ، وتزدري من تفوق في الحظ الآخر، ترى أن الجنة لك وحدك لأنك أخذت هذا الحظ، وتظن أن الطرف الآخر ليس له إلا النار، نشأت العداوة، وهي نشأت من أنك اعتززت باختصاصك ولم تعتز باختصاصات الآخرين، هذه النقطة اسمها الغلو في الدين.

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ﴾

[ سورة المائدة : 77]

 الغلو في الدين أن تأخذ أحد كليات الدين وتجعله الدين كله، وأن تأخذ بعض جزئيات الدين وتجعلها أصلاً في الدين، فلذلك حينما تتفوق في جانب من جوانب الدين ينبغي ألا تنسى أن أخاك الذي اختص بعلم الحديث لا يقل عنك، والذي اختص بعلم الفقه وبالتفسير لا يقل عنك، احترام فروع الدين ومن يعنى بفروع الدين هذا يسبب المودة والتحابب والتعاون والتآلف فلتكن هذه الآية محور هذا اللقاء.

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾

[ سورة المائدة : 14]

 معنى ذكروا حظاً ونسوا حظاً، الآية لا تشير إلى أنهم نسوا كل حظوظ الدين، نسوا حظاً واحداً من حظوظ الدين ليتهم نسوا هذا الحظ واعتذروا.
 مرة قال الإمام الغزالي: بضاعتي في الحديث مزجاة – قليلة-، في أحد كتبه قال: بضاعتي في علم الحديث ضئيلة، الإمام الغزالي حجة الإسلام، خذ الأحيا وبع اللحية، موضوع الإحياء من أضخم الكتب، ومع ذلك يقول هذا الإمام الكبير: بضاعتي في الحديث مزجاة اعترف، أما إنسان أخذ حظاً ونسي حظاً وازدرى أصحاب هذا الحظ فصار هناك عداوة، فكل يدعي وصلاً بليلى، وليلى لا تقر لهم بذاك.

 

العمل الذي يستغرق كل أوقاتنا خسارة كبيرة لأنه ألغى وجودنا :

 أردت أن يكون محور هذا اللقاء لماذا نحن معزولون عن ديننا؟ ما الذي يعزلنا؟ الإنسان إذا كان مستهلكاً ينتهي، أحياناً كيف قال الله عز وجل:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾

[ سورة الفرقان: 63 ]

 أحياناً الحياة تأخذ الإنسان، يستيقظ صباحاً ليذهب إلى العمل، في العمل مشكلات، حلّ بعضها و لم يحل بعضها الآخر، جاء للبيت، تناول الطعام، نام على هموم العمل، استيقظ في اليوم التالي على هموم جديدة، صار في دوامة إلى أن وافته المنية، نقول: هذا الإنسان استهلكته الحياة. الإنسان يقبر في عمله أحياناً، كنت أقول: العمل الذي يأخذ كل وقتك لو جاءك بمليارات، هذه المليارات ألغت إنسانيتك وسبب وجودك في الدنيا، أنت مخلوق لمعرفة الله.
 أخ من أخواننا الكرام مقيم ببلاد بعيدة قال: أذهب إلى عملي الساعة الخامسة فجراً أعود الساعة الثانية عشرة، جراح من أدق الاختصاصات ودخله لا يصدق، وكل عملية بمبالغ فلكية، وعنده باليوم خمس أو ست عمليات، فهذا الأخ الكريم فجأة أصابه مرض عضال، وشعر بقربه من الآخرة فناجى ربه وعاهده على أن يتجه إليه بمعظم وقته، وهذا الذي حصل، استجاب الله له وشفاه !الآن يعمل باعتدال لكن الوقت الأكبر يصرفه في طاعة الله، فيقول لي مرة: لولا أن الله سبحانه وتعالى ساق لي هذه المصيبة لكنت في غفلة عن آخرتي، فالعمل الذي يمتص كل وقتك هذا خسارة في خسارة، أنت إنسان ينبغي أن تقتطع من وقتك وقتاً لمعرفة الله، وللدعوة إلى الله، فهي فرض عين، ولتربية أولادك، ووقتاً لمؤانسة زوجتك، لذلك العمل الذي يستغرق كل أوقاتنا خسارة كبيرة لأنه ألغى وجودنا.
 الحقيقة يعبر عن هذه الفكرة بأسلوب آخر: لابد من وقت فراغ تملؤه بما يلبي حاجة قلبك.

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾

[ سورة الفرقان: 63 ]

 لا يسمحون لأعمالهم أن تمتص كل وقتهم، ولا أن تصرفهم عن آخرتهم، ولا يسمحون لهموم العيش أن تنسيهم الآخرة، ولا لضغط العمل أن يقصروا في عبادتهم.

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾

[ سورة الفرقان: 63-64]

وقت الفراغ من نعم الله الكبرى :

 أخواننا الكرام: الإمام أبو حنيفة رضي الله قرأ حديثاً هو سبب تفوقه في العلم معناه: من طلب العلم تكفل الله له برزقه، بمعنى أنه يهيئ له رزقاً معه وقت فراغ، لا أفهم هذا الحديث إلا على الشكل التالي يهيئ له عملاً يسمح له أن يقضي وقتاً في طلب العلم، وكل إنسان طلب العلم بصدق يهيئ الله له عملاً فيه وقت فراغ، ووقت الفراغ من نعم الله الكبرى، أنت بوقت الفراغ يحيا قلبك، وترتب أوراقك الداخلية، وتعرف سر وجودك وغاية وجودك.
 فأتمنى على كل أخ كريم أن ينظم وقته، إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله في الليل، ولابد من وقت تأتي به إلى المسجد، وتحضر به درس علم، لابد من أن تشحن، عندنا أمثلة صارخة: هذا الهاتف المحمول لابد من أن يشحن وإلا لا ينطق، وأنت كمؤمن هكذا لابد لك من شحنة من خلال الصلاة، أو درس علم، أو جلسة دعوية، أو لقاء مع إخوة كرام، هذا الشحن ضروري.

عوامل عزلة المسلمين :

 أؤكد مرة ثانية: إن المسلمين في عزلة عن دينهم الذي أراده الله لنا، عن الدين الحقيقي الذي يسعدهم ويسليهم، ما هي عوامل هذه العزلة؟ الشاشة بما فيها من غزو خارجي وثقافي أجنبي، هذه تبعدك عن الدين جرب واجلس مع مؤمنين أسبوعاً تحبهم وتحب الجلوس معهم وأن تكون مثلهم، وتحب الآخرة والقرآن والعمل الصالح والطهر والعفاف، واجلس بعدها مع رفقاء السوء أسبوعاً تشتهي أفعالهم وانحرافهم وانغماسهم في الملذات، والله نحن مسرورون لا نرى شيئاً، فموضوع البيئة مهم جداً، الله عز وجل قال:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[سورة التوبة: 119]

 القصة المشهورة أرددها كثيراً:

((لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا))

[ مسلم عن حنظلة الأُسَيِّدِىِّ رضي الله عنهما ]

 حينما تأوي إلى بيت من بيوت الله يوجد رحمات في البيت وتجليات إلهية، و رحمات تتنزل، وعناية تحفك، ما جلس قوم في بيت من بيوت الله إلا غشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، أنت الآن في بيت الله وفي ضيافته، قد يملأ قلبك غنى، أو يلهمك الحكمة وهي أثمن شيء يملكه الإنسان، قد يلهمك الصبر والرضا، راض، صابر، حكيم، وقد يلهمك التفاؤل.
 والله أيها الأخوة: ممكن أن تعيش بأحوال مسعدة بدرجة غير معقولة، الأحوال في المجتمع كلها قلق وخوف وتمزق، يوجد أسر بيتها جحيم، وأسر فقيرة بيتها نعيم وقطعة من الجنة، بسبب وجود الاستسلام والرضا عن الله عز وجل والتوجه لله، بيت يذكر فيه القرآن ويصلى فيه.
فالذي أتمناه أن هذه الحواجز الذي أقامها أعداء الدين وتحجبنا وتعزلنا عن إسلامنا ينبغي أن تزول.
 مرة كنت ببلد بعيدة في أمريكا أحد الأخوة الكرام الذي استمع لهذه الأشرطة ألغى هذه الشاشة ! هناك يوجد مئتا محطة قال: والله وجدت نفسي سعدت بأهلي وأولادي، رأيتهم أحببتهم وأحببت أهلي، هذه حواجز وأتمنى أن تفكروا ملياً هناك أشياء تعزلنا عن ديننا، ابنك يجب أن تنبهه، الحق ما جاء به القرآن وهذه النظريات لا أصل لها، وضعها أناس ماكرون أرادوا ضرب أصل الدين، ونحن قلدناهم مع الأسف الشديد، أما أن تترك ابنك يضيع بين دارون والقرآن الكريم فمشكلة كبيرة، متمزق بينهما، فالمناهج تعزلنا عن ديننا، والشاشة، والغزو الثقافي يعزلنا، والكرة تعزلنا.
 حدثني أخ: كان هناك مسلسل كل من أراد أن يبني مخالفة يبنيها في هذا الوقت لمنع التجول، هذه أمة تعلق عليها الآمال أن تخيف أعداءها؟ الأمة التي سقطت في حمأة الشهوة لا تستطيع أن تقابل نملة.
 الإنسان المنهزم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة، ضعيف جداً، فدققوا في هذه الآية لها معنى مذهل:

﴿فَنَسُوا حَظّاً﴾

[ سورة المائدة : 14]

 أخذوا بحظ ونسوا حظاً، أخذوا من الدين جانباً واحداً، فكبروه وكبروه وجعلوه الدين كله، ولم يأخذوا الحظوظ الأخرى والاتجاهات الأخرى وازدروا من اعتنى بهذه الحظوظ، فنشأت العداوة والبغضاء، فتجد المسلمين ممزقين بسبب هذه الحظوظ المتفاوتة. نعود للآية الكريمة:

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ﴾

[ سورة الفرقان: 63 ]

على الإنسان أن يتوازن في كل فروع الدين :

 بقي ملاحظة مهمة: أن الله عز وجل حينما أرادك أن تتوازن في كل فروع الدين لا ينكر أنه يوجد إنسان يصلح للجهاد ولا يصلح لطلب العلم، تجد أخاً عنده طاقات يبذلها في الأعمال الصالحة، لكن لا يوجد عنده جلد أن يقرأ كتاباً، أو يتتبع قضية علمية دقيقة، فهذا الإنسان اختياره أن يكون طالب علم، هذا اختياره أن يعمل أعمالاً صالحة، هذا اختياره أن يطلب العلم العميق ويؤلف، فكل إنسان له اختيار، لكن هذا الكلام لا يعني أن تجهل بقية فروع الدين، لذلك قالوا: تعلم كل شيء عن شيء، وتعلم شيئاً عن كل شيء، هذه الجمع بين الثقافة الموسوعية والثقافة الاختصاصية. أنت مثلاً اختصصت بفرع معين، إذا فكرت بالكون أو بجسم الإنسان وظهر معك دلائل قوية عن إعجاز القرآن تسأل طبيباً، هل الطبيب وحده مكلف أن يعرف آيات الله في جسم الإنسان؟ هذه ينبغي أن يعرفها كل مؤمن، إذا تكلمت بقضية جغرافية هل تسأل مختصاً بالجغرافيا؟ لا، ليس كذلك، لكن الجغرافيا آيات الله عز وجل دالة على عظمته، فتعلم كل شيء عن شيء، وشيئاً عن كل شيء.

أركان الدعوة إلى الله أن تعرف الله من خلال آياته :

 كنت في جلسة ذكرت آية سبحان الله هذه الآية منهج للدعاة! قال:

﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[سورة الجمعة : 2]

 لاحظ أركان الدعوة إلى الله:

﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾

[سورة الجمعة : 2]

 أي آيات؟ القرآنية؟ بعد قليل يعني الآيات غير القرآنية.

﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾

[سورة الجمعة : 2]

 لو فسرنا الآيات بأنها الكتاب، الكتاب جاء بعد قليل، عندنا شاهد يؤكد هذا الشاهد.

﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 177 ]

﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾

 هل هي الزكاة؟ لا ! الزكاة جاءت بعد قليل، إيتاء الزكاة شيء وإيتاء المال على حب الله شيء آخر.

﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾

[سورة الجمعة : 2]

 واضحة، آياته الدالة على عظمته.

﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[سورة الجمعة : 2]

 أركان الدعوة إلى الله أن تعرف الله من خلال آياته هذا أول بند.

منهج الدعاة إلى الله :

 ما لم تزك نفسك لن تنتفع من الدين إطلاقاً والدليل:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾

[ سورة الشمس: 9-10]

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾

[سورة الأعلى: 14-15]

 أربع آيات: التزكية تكون كاملاً ورحيماً ومخلصاً ولطيفاً ومنصفاً وصادقاً وأميناً وعفيفاً، إذا لم تتمثل مكارم الأخلاق لن تنتفع من الدعوة إطلاقاً.

﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾

[سورة الجمعة : 2]

 الكتاب القرآن، والحكمة قال بعض العلماء: الحديث والسنة، أي دعوة ينبغي أن تقوم على التعريف بالله، وعلى تزكية النفس، ومعرفة الكتاب، ومعرفة السنة، بالكتاب يوجد كليات وبالسنة تفصيلات بالضبط، هذا منهج الدعاة لو أنهم أغفلوا معرفة الله، وأغفلوا معها الاستقامة على أمره، صار الدين ثقافة ليس غير، لو أنهم أغفلوا التزكية يصبح هناك انحرافات وأخطاء ومعاص في الدين لا تقبل أبداً، لو ألغوا الكتاب والسنة لكانوا في جهل، أفرأيت إلى هذه الأركان الأربعة ؟

﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[سورة الجمعة : 2]

 هذا منهج الدعاة إلى الله، فأرجو الله سبحانه وتعالى أيها الأخوة أن يلهمنا أن نعود إلى ينابيع الدين.
 وازن اذهب لنبع الفيجة ثم اذهب لمصب هذين النهرين ترى الماء أسود، فالدين نبع صاف لما مشى جاءته روافد رفدته، قد تكون مياه مالحة، وقد تكون مياه آسنة، في نهاية هذا النهر أصبح الماء آسناً، فنحن لا حل عندنا إلا أن نعود للينابيع ولأصول الدين والكتاب والسنة، فمن شدة حرصي على إخوتنا الكرام أسميها انتفاضة وليس بقصد السياسية بل انتفاضة دينية فهناك انتفاضة اجتماعية وأخلاقية ونفسية أن نراجع حساباتنا ونزيل كل حجاب بيننا وبين الله عز وجل.
 غض البصر، والاستقامة على أمر الله، وأن تنفق من مالك، الإنفاق وغض البصر والاستقامة وضبط اللسان والجوارح هذه تسمو بك، تعيش الدين الذي عاشه أصحاب رسول الله وتقطف ثماره ولو أن الناس محرومون من قطف ثماره.

من اتجه إلى الله فهو على بينة من أمره :

 أيها الأخوة: ما من آية تهز مشاعر الإنسان، قال:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾

[سورة هود: 28]

 الأمور واضحة يوجد إله عظيم، الكون مظهر لأسمائه الحسنى، الحياة الدنيا مدرسة، الإنسان مخلوق أول.

﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ﴾

[سورة هود: 28]

 السعادة والرضا والأمن.

﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾

[سورة هود: 28]

 أنتم لم تطلبوها فقد كفرتم بها، لم تعبؤوا بها واستغنيتم عنها.

﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾

[سورة هود: 28]

 إذا اتجهت إلى الله فأنت على بينة من ربك ومع هذه البينة الوضوح:

((عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ..... ))

[ أحمد عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي]

 أنت مع هذه البينة، معك رحمة من الله سمّها رضا أو حكمة أو تفاؤلاً أو سعادة، إذا ليس لك ميزات صارخة من خلال إيمانك إذاً هناك مشكلة في إيمانك، أن تكون مؤمناً تصلي وأنت كالناس تماماً تخاف كما يخافون، تتشاءم كما يتشاءمون، تنسحق كما ينسحقون، وتحتار كما يحتارون، فأنت ليس لك ميزة، أنت مؤمن يجب أن يكون الفرق بينك وبين الآخرين صارخاً:

﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾

[سورة هود: 28]

﴿وَآتَانِي رَحْمَةً﴾

 بصراحة إذا لم تقل لي: أنا أسعد الناس فعليك مأخذ، يجب أن تقول لي: أنا أسعد الناس لأنني عرفت ربي ومنهجي، وعرفت أن الآخرة هي المقصد الأسمى، وأنني مخلوق للآخرة، وعرفت الطريق إلى الله، وعلاقتي معه طيبة، وقلبي عامر بذكر الله.

﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾

[سورة هود: 28]

إخفاء الصور