وضع داكن
20-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 070 - حقوق الإنسان في الإسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

إيمان الطرف الآخر بذاته :

 أيها الأخوة الكرام: كتمهيد لبعض الحقائق التي أود أن أعرضها بين أيديكم في هذا الدرس الطيب إن شاء الله أنه لو أدعى أحد أنه يستطيع أن يبني بناءً شامخاً من دون حديد من إسمنت غير مسلح، هذا الكلام يعد ثورة في عالم البناء، لأن ثمن الحديد باهظ جداً، أيهما أفضل أن نرد عليه نظرياً وقد يرد على ردنا أم أن نسمح له أن يبني بناء من دون حديد، فإذا انهار البناء انهارت نظريته مع انهيار البناء وانتهى الأمر؟
 نحن معنا كتاب الله، معنا وحي السماء، معنا حقائق من عند خالق الأكوان، هذه الحقائق لأنها من عند خالق السموات والأرض لا يمكن أن تكون خاطئة، لأن هذا القرآن كما قال الله عز وجل:

﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾

[ سورة فصلت: 42 ]

 الآن الطرف الآخر الذي لا يؤمن بالله، يؤمن بذاته، أنا سأسميه الإنسان المتأله، يستطيع في ظروف مديدة أن يطرح شعارات رائعة، أن يتحدث عن حقوق الإنسان، أن يتحدث عن الحرية، عن المساواة، عن حق التقاضي، عن العدل للجميع، والله طرحت قيم تأخذ بالألباب، ودول غنية، وبلادها جميلة، وفكرها مفلسف، فهؤلاء خطفوا الأبصار، الله ماذا فعل كي يحطمهم؟ استفزوا، وهذا الاستفزاز في الحادي عشر من أيلول دفعهم إلى أن ينتقموا، فظهرت وحشيتهم بشكل يتبرأ منه الوحوش، الوحوش يتبرؤون من وحشيتهم، الآن ماذا حصل أيها الأخوة؟ الآن هناك إنجاز والله لو دفعت ألوف المليارات من قبل أهل الحق لا يستطيعون أن يحصلوا هذه النتائج التي تحققت، ما هي النتائج؟ أننا كفرنا بالكفر.

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾

[ سورة الماعون : 1-2]

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾

[ سورة القصص : 50 ]

سقوط قيم الغرب و طروحاته :

 الآن قيم الغرب جملة وتفصيلاً كل طروحات الغرب سقطت في الوحل، قبل أن آتي إليكم جاءني اتصال هاتفي من أمريكا، يقول الذي اتصل بي: والله لا نعلم عن الحرب شيئاً، نحن في تعتيم إعلامي لم يسبق له مثيل، ونظن بحسب إخبارهم أنهم وصلوا إلى بغداد واحتلوها كلها، أين حرية الكلمة؟ أين الخبر الموضوعي؟ سبحان الله! وصلوا إلى مستوى من الكذب، هناك كذب صفيق، كذب محبوك، أحياناً الإنسان الذكي يكذب لكن الذكي غير المؤمن طبعاً، يكذب كذبة محبوكة، أما صار هناك كذب صفيق، كذب فاضح، فالكذب والجريمة والقتل وقتل الأبرياء من صفاتهم، وقبل مجيئي إليكم في موقع معلوماتي وجدت أنهم سيغيرون خططهم في قصف المدن، سيستهدفون المدنيين من دون استثناء، فقدوا صوابهم، كل قيمهم أصبحت تحت أقدامكم، تحت أقدام الصغار، والكبار، والمتوسعين بالفهم، والمقتصدين بالفهم، والله أحد الأخوة الكرام قال لي كلاماً سمعه في الأخبار أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ بكى في المجلس عندهم، سئل لمَ تبكي؟ قال: هذه الدولة العظيمة تفقد مصداقيتها في العالم، ترتكب جرائم يندى لها الجبين، ترتكب جرائم تتناقض مع كل مبادئها المطروحة سابقاً، فقدنا كل الأصدقاء.
 حدثني أخ - جزاه الله خيراً - الذي ألقى كلمة في الدرس الماضي يعرف رجلاً يحمل جواز سفر من هذه البلاد المعتدية من ثلاثين سنة، وقد درس هناك في أرقى الجامعات، وهو يعتز بهذه البلاد اعتزازاً لا حدود له، التقى به قبل يومين من مجيئه إليكم، فسمع منه شتماً وسباباً لهذه البلاد بلا حدود، الإنجاز الذي حصل أيها الأخوة والله لو أنفقنا ألوف المليارات لا نستطيع أن نحصله، وقد حصل، الحمد لله أن أكبر عقبة في طريق الإسلام قد تلاشت، ولم يبقَ في الساحة إلا الإسلام، وأن كل الذي يتبجحون به تحت أقدامكم، وحشية ما بعدها وحشية، إذلال ما بعده إذلال، تناقض بين ما يقولون وما يفعلون ما بعده تناقض، جئنا كي نحرركم، يضعون بأيديهم القيود، ويعصبون عيونهم، ويركلونهم بأقدامهم، قالوا: جئنا كي نحرركم، جئنا فاتحين فإذا هم مستعمرون، قالوا: جئنا مخلصين، فإذا هم مجرمون، الحمد لله الذي كشفهم الله عز وجل، فهذا الذي يدعي أنه يستطيع أن يبني بناء من دون حديد، لو ناقشناه نظرياً لتملص و ردّ أقوالنا، وفند أدلتنا، ودخلنا في متاهة لا تنتهي، قلنا له: ابنِ بناء من دون حديد، وقع البناء، سقوط البناء هو سقوط لنظريته، أي أقول لكم كلمة واضحة صريحة من دون مواربة، لا يمكن أن تكون كاملاً إلا عن طريق الدين، لا يمكن، ومستحيل وألف ألف مستحيل وألف ألف مستحيل، وحينما ترى كمالاً من كافر يجب أن تعلم علم اليقين أنه كمال تمثيلي، وأن قلبه ينطوي على قسوة أقسى من الحجر، وأنه ليس منضبطاً لا بقيمة ولا بخلق ولا بمبدأ، والذي حصل كما قال أحد أعضاء مجلس الشيوخ قال: فقدنا مصداقيتنا، أصبح العالم كله عدواً لنا، ناقضنا كل القيم التي طرحت على الساحة من قبلنا، أصبحنا أمة في أشدّ أنواع التخلف، والله كأنهم وحوش، حينما كنت أقرأ عن المغول والتتار والله أيها الأخوة كنت أعتقد أن هذه القضية انتهت، قضية الاجتياحات والقهر والإذلال والقتل وقتل الأبرياء بدون سبب انتهت، هذه انتهت مع هولاكو، مع التتار والفرنجة، فإذا بنا نجدها من جديد، على يد من يدعون التقدم، والرقي الحضاري، والعلم، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، لا ديمقراطية، ولا حقوق إنسان، ولا رحمة، ولا، الله عز وجل قال:

﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾

[ سورة الحديد: 27 ]

 النبي عليه الصلاة والسلام لما مثلوا بعمه حمزة رضي الله عنه قيل له: يا رسول الله مثّل بهم؟ المعاملة بالمثل فتروي بعض الآثار أنه قال: "لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً ".
أرأيت إلى هذا الانضباط.

إنسانية الإسلام :

 أيها الأخوة: الذي حدث يؤكد أنه لا يمكن أن يسمو الإنسان إلا من خلال اتصاله بالله، فإذا أراد أن يسمو بعيداً عن الله، وبعيداً عن الدين، يستطيع أن يصل إلى أمد لا بأس به، لكن الله سبحانه وتعالى متكفل أن يكشفه على حقيقته، متكفل أن يعريه، والله عز وجل يقول:

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[ سورة آل عمران: 179 ]

 أخوتنا الكرام ، صدقوني أنه ينبغي ألا نحترم إلا المنهج الإنساني، قد تجد إنساناً يعتني بشعبه عناية تفوق حدّ الخيال، يوفر لهم رخاء ما بعده رخاء، يوفر لهم دخلاً مرتفعاً ما بعده دخل مرتفع، يوفر لهم حرية ما بعدها حرية، ولكن هذه الميزات على حساب الشعوب المقهورة والضعيفة والمسلوبة الحق والتي أذلت، هذا اتجاه عنصري، يجب أن نحتقرهم، النبي عليه الصلاة والسلام كان إنسانياً، الذي لا يقبله للمؤمنين لا يقبله لغيرهم، الإسلام إنساني، أي يعامل البشر جميعاً معاملة إنسانية.

 

حقوق الإنسان من زاوية الإسلام :

 أنا في إعدادي لهذا الدرس كنت في حيرة ماذا أقول؟ السلسلة السابقة سلسلة تربية الأولاد في الإسلام انتهت، وأنا مقدم إن شاء الله على سلسلة من دروس العقيدة، وأعلق عليها آمالاً كبيرة إن شاء الله، لكن قبل أن بدأ هذه الدروس أردت أن نستروح في موضوعات يكثر الحديث عنها، من هذه الموضوعات حقوق الإنسان، عثرت على حقوق الإنسان من زاوية الإسلام، فمن هذه الحقوق: البشر جميعاً أسرة واحدة، الدليل:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾

[ سورة الحجرات : 13]

 فالبشر جميعاً أسرة واحدة، جمعت بينهم العبودية لله، والنبوة لآدم، وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية، أنا مضطر أن أريكم بعض التناقضات التي لا تحتمل، أي الأسرى يضربون بشكل مهين، ويدفعون، ويركلون، وتعصب عيونهم، وتوضع القيود في أيديهم، وقد يضربون ضرباً مبرحاً من دون حياء ولا خجل، أما إذا عرض أسير من بلادهم فتقوم الدنيا ولا تقعد، قالوا: خالفنا اتفاقية جنيف، ومتى استمعتم إلى هذه الاتفاقية؟ البشر جميعاً أسرة واحدة، جمعت بينهم العبودية لله عز وجل والنبوة لآدم، وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية، بحسب السلم الاجتماعي، بالمقاييس المادية من يعمل في جمع القمامة مرتبته الاجتماعية في أدنى مستوى عند الناس، وقد يكون هذا الذي يقوم بجمع القمامة قد يكون مؤمناً طاهر القلب كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه لو أقسم على الله لأبره ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

 أقول: عند الناس يقع في الدرجة الدنيا اجتماعياً.
 امرأة تقم المسجد في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لما توفيت الصحابة الكرام وجدوا أن شأنها الضعيف، وأن عملها الذي لا يلتفت إليه، أقل من أن يخبروا النبي بموتها، النبي سأل عنها، قالوا: والله ماتت يا رسول الله، قال لمَ لم تعلموني؟ خجلوا، معقول نعلمك بموت امرأة تقم المسجد؟! وبشكل استثنائي ذهب إلى قبرها وصلى عليها ودعا لها، هذا الإسلام.
 يقول سيدنا عمر لما جاء سيدنا بلال وهو عبد حبشي وعمر شريف قرشي، قال: قوموا بنا نستقبل سيدنا بلال، خليفة المسلمين على رأس أمة عالية يقول: قوموا بنا نستقبل سيدنا بلال، وكان أصحاب النبي رضوان الله عليهم يقولون إذا ذكر الصديق: هو سيدنا و أعتق سيدنا- أي بلال- وسيدنا الصديق حينما رأى بلالاً يعذب اشتراه من أمية بن خلف، فقال له أمية احتقاراً لبلال: والله لو دفعت به درهماً لبعتكه، فأجابه سيدنا الصديق ليجبر قلب بلال: والله لو طلبت به مئة ألف لأعطيتك، وأعتقه ووضع يده في يده وقال: هذا أخي حقاً، هذا الإسلام.
 الناس جميعاً متساوون في أصل الكرامة الإنسانية، وفي أصل التكليف، والمسؤولية، دون تمييز بسبب العرق- قال: اسمعوا وأطيعوا ولو تولى عليكم عبد رأسه كالزبيبة- أو اللون، أو اللغة، أو الجنس، أو الوضع الاجتماعي، أو غير ذلك من الاعتبارات، أنا والله أيها الأخوة أقول هذه الكلمة، إذا قلت: مؤمن لا يمكن أن يضاف عليها ولا كلمة أبداً، تعجب به فقيراً، عفيفاً، متجملاً، صابراً، تعجب به غنياً، متواضعاً، سخياً، تعجب به غير متعلم، يطلب العلم، تعجب به عالماً متواضعاً يعطي العلم، تعجب به مدنياً، تعجب به ريفياً، الإسلام صبغه ولا يمكن أن نرقى إلا إذا وضعنا تحت أرجلنا كل الفروقات الجاهلية، مؤمن وكفى.

﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات: 13 ]

 سيدنا عمر قال لسيدنا سعد وقد قال عنه النبي: هذا خالي أروني خالاً مثل خالي، يداعبه، إذا دخل عليه كان يقول سيدنا رسول الله لسيدنا سعد: هذا خالي أروني خالاً مثل خالي، وما فدى أحداً بأبيه وأمه إلا سعداً، قال له: ارم سعد فداك أبي وأمي، لما التقى سيدنا عمر بسيدنا سعد قال له :يا سعد لا يضرنك أنه قد قيل خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له، هذه حقوق الإنسان في الإسلام.

الإيمان مرتبة خلقية و إنسانية :

 مادة ثانية:

(( الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللّهِ ))

[أبو يعلى عن أنس بن مالك ]

 والله أيها الأخوة إذا قلبك لا يرق لإنسان معذب لا تعرفه، ولا ينتمي إليك، لإنسان أي إنسان لست مؤمناً، الإيمان مرتبة خلقية، مرتبة إنسانية.

(( الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللّهِ، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالهِ ))

[أبو يعلى عن أنس بن مالك ]

 ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح هذا بند ثان من بنود حقوق الإنسان في الإسلام.
 وحينما نادى الإسلام بحقوق الإنسان أين كان الغرب؟ حينما قال سيدنا عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ كان الغرب غارقين في الظلم الاجتماعي، والله قرأت قصة عن سمرقند لا تصدق لعلي ذكرتها لكم سابقاً، فتحها المسلمون، بعد أن فتحوها واستقروا زمناً طويلاً بدؤوا يتعلمون أحكام الشريعة، وجدوا أن القائد الذي فتحها لم يكن فتحه لها شرعياً أي ما عرض عليهم الإسلام قبل فتحها، ولا عرض عليهم دفع الجزية، قاتلهم ففتحها، فذهب وفد منهم سراً إلى خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز وأطلعوه على هذه المخالفة الشرعية، تروي كتب التاريخ أن سيدنا عمر أمر القائد أن ينسحب، وأن يعرض عليهم الإسلام أولاً ثم الجزية ثانياً ثم ليقاتلهم إن رفضوا ثالثاً، تخيل بلداً محتلاً كفلسطين من خمسين سنة دخل وفد وأعطى شارون ورقة أن اخرج!! الآن قل لهم: اخرجوا من العراق هل يخرجون؟ ما هذا الإسلام؟ والله لما وصلوا وقدموها قبلها وقال: سمعاً وطاعة، لما رأوه بهذا الانضباط قالوا: نحن أسلمنا، هذا الإسلام شيء كبير، لكن نحن مساكين، فهمنا الإسلام فقط صلاة وصوم وحج وزكاة، ما فهمناه خلقاً، ما فهمناه انضباطاً، ما فهمناه منظومة قيم.

الحياة هبة الله ولا يمكن أن ينزعها إلا الله :

 أيها الأخوة ، قد يغيب عنا جميعاً أن أي دم يسفك من آدم إلى يوم القيامة لا بد من أن يتحمله الذي سفكه يوم القيامة، هذا الجهل الفاضح، مات!! نعتذر، ماتوا ثلاثين!! خطأ لا تأخذونا، ماتوا مئة بعرس أثناء قصف!! خطأ، السلاح غير دقيق، هؤلاء الذين ماتوا من الذي يحمل دماءهم؟ القاتل إذا قتل يحمل دمه الله لأنه حدّ شرعي، فقط، وما سوى الحد الشرعي أي قطرة دم تراق لا بد من جهة تتحملها يوم القيامة، لذلك يظل المسلم بخير ما لم يسفك دماً، القتلى بالألوف، الجرحى بعشرات الألوف.
 سيدنا نعيم بن مسعود والله لا أنسى قصته، هذا الرجل كان زعيم غطفان، وجاء ليحارب النبي في معركة الخندق، وكان في خيمته وقد أصابه الأرق، فخاطب نفسه خطاباً ذاتياً، قال: يا نعيم لماذا جئت لمقاتلة هذا الرجل؟ هل نهب مالاً؟ هل سفك دماً؟ هل انتهك عرضاً؟ لماذا تقاتله؟ أين عقلك يا نعيم؟ وجد نفسه على خطأ، فقام واتجه إلى معسكر المسلمين، ودخل إلى خيمة النبي، قال له النبي: نعيم! قال له: نعيم، هذا قائد جيش العدو، قال له: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال له: جئت مسلماً، ائمرني ماذا أفعل؟ قال له: أنت واحد، قال: خذل عنا، وقام بخطة بأعلى درجات الذكاء، أسلم ولم تعلم قريش بإسلامه، وأسلم ولم يعلم اليهود بإسلامه، فجاء إلى قريش قال: إن اليهود ندموا على خيانة النبي، واتفقوا معه سراً على أن يأخذوا منكم سبعين رهينة ليقتلوهم تكفيراً لذنب خيانتهم لعهدهم مع رسول الله، وأنا ناصح لكم أمين إياكم أن تتابعوا القتال إلا إن أخذتم منهم الرهائن، وأنا لكم ناصح أمين، قالوا له: بارك الله بك ما عهدنا عنك شيئاً، جاء لليهود، قال: هؤلاء قريش يذهبون وأنتم باقون أمام النبي فينتقم منكم، فأنصحكم ألا تعاونوا اليهود على حربهم، أوقع بينهم فاشتبكوا مع بعضهم- وإن شاء الله الآن يشتبك هذا مع هذا- ثم أرسل الله رياحاً قلبت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، وانهارت خيامهم، والله عز وجل قال:

﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 25 ]

 إذا تدخل الله فالأمر يحسم، الحاسم هو الله، الذي يحسم هو الله لكن على أن نكون معه، على أن نكون طائعين له، لذلك الحياة هبة الله مكفولة لكل إنسان، وأية جهة تعتدي عليها تدفع الثمن، الحياة مقدسة، والدليل:

﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء : 93]

 هل رأيتم في القرآن وعيداً كهذا الوعيد؟ قال تعالى:

﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾

[ سورة التكوير : 8-9]

 من حقوق الإنسان في الإسلام أنه لا يجوز قتل من لا مشاركة له في القتال، كالشيخ والمرأة والطفل والجريح والمريض، هذا كله ممنوع أن يعتدى عليه، لقوله تعالى:

﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾

[ سورة البقرة: 190 ]

 أما هذه الأسلحة الفتاكة فليس فيها شجاعة فيها جبن، فيها قذارة، يرى المدينة من ارتفاع شاهق، يراها بدقائقها رأي العين على شاشة الكمبيوتر، ثم يضع هذه الإشارة - إشارة الضرب- فوق أحد المباني بعد أن يكبر المبنى يضغط على زر الصاروخ فيدمر، أين الشجاعة؟ أين البطولة؟ أين الجرأة؟ الحرب بين آلتين فيها شيء من الشجاعة، أما الآن فالحرب بين عقلين.
 فلذلك الحياة هبة الله، ولا يمكن أن ينزعها إلا الله، أي إنسان يعتدي على إنسان من دون ذنب هو فعل جرماً عند الله كبير، والله المشكلة أن هذه الشعوب الإسلامية تجهل حقيقة دينها، فتترنم بكلمة حقوق إنسان، ولو عادوا إلى قرآنهم، وإلى سنة نبيهم، لوجدوا من الحقوق ما لا يوصف، إنها أوسع وأشمل وأعمق وأكثر واقعية، لكن جهل المسلمين بدينهم يجعلهم يتسكعون على فتات الأمم وفتات مبادئها وفتات قيمها.

الإنسان حرّ و عبوديته لا تكون إلا لله :

 يولد الإنسان حراً وليس لأحد أن يستعبده، أو يذله، أو يقهره، أو يستغله، ولا عبودية لغير الله، كان المسلمون يقولون: الحمد لله الذي أخرجنا من جور الحكام إلى عدل الإسلام.
 هارون الرشيد كان ببيت الله الحرام وهو خليفة المسلمين، وهو الخليفة الذي لا تغيب الشمس عن مملكته، بل كان يقول للغيمة: اذهبِي أينما شئتِ يأتيني خراجك، قال: أريد عالماً أنتفع بعلمه، فاذهبوا إلى إمام دار الهجرة الإمام مالك، أنه أجب أمير المؤمنين، قال: قولوا له: يا هارون العلم يؤتى ولا يأتي، بكل بساطة، لأن الإسلام أخرج الناس من جور الحكام إلى عدل الإسلام، قال لهم: صدق أنا آتي، بلغوه فقال لهم: قولوا له إذا جاء إلى مجلسي لا ينبغي أن يتخطى الرقاب، يجب أن يجلس حيث ينتهي به المجلس، قال لهم: صدق، فلما وصل إلى مجلسه أعطوه كرسياً فقال الإمام مالك: من تواضع لله رفعه، ومن تكبر وضعه، قال: خذوا عني هذا الكرسي، هذا الإسلام، الإسلام فيه حرية، فيه كرمة.
 النبي كان مع أصحابه الكرام في سفر أرادوا أن يعالجوا شاة فقال: أحدهم عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفيك ذلك يا رسول الله؟ قال: " أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه".
هذا الإسلام. والدعاة إلى الله أيها الأخوة إذا قلدوا رسولهم بأصول الدعوة إلى الله تألقوا ولمع نجمهم، أما إذا خالفوه وأثاروا حولهم جدلاً طويلاً فالنبي الكريم له سنة في الدعوة، كيف دعا إلى الله، وكيف عامل أصحابه، وكيف أحبهم، وكيف خدمهم، وكيف تواضع لهم، وكيف قلق على سلامتهم، وكيف آلمه ألمهم، وكيف أفرحه فرحهم، هكذا عامل النبي.
 أسأل الله سبحانه وتعالى أن تسقط قيم الغرب كلياً، وأن نحتقرها، وأن نزدريها، وأن نركلها بأقدامنا، وأن ننظر إلى قيم الإسلام على أنها هي الملاذ الوحيد لنا، أن نعتز بهذا الدين، الآن الساحة فارغة يا أخوان، الساحة فارغة إلا من هذا الإسلام العظيم، وما سوى هذا الإسلام سقط سقوطاً مريعاً وكأن الله كشفه على حقيقته، وأظهر الخلل الخطير، والعيب الكبير.

تحميل النص

إخفاء الصور