وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 079 - واجب المسلم حيال الفتن.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

من يقبل سنة الله في خلقه يوطن نفسه على الصبر والعمل :

 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا تحت تأثير ما حدث مؤخراً، ولابد من بيان كلمة الحق، وأردت أن يكون هذا الدرس إن شاء الله تعالى تعريفاً بما ينبغي أن يفعله المسلم بعد هذه الأنباء المؤلمة التي سمعها في أحدث تطورات العدوان على إخوتنا في العراق.
أيها الأخوة: بعض أمراض المسلمين أن كل أفعالهم ردود فعل وليست فعلاً، هم أناس تحركهم الأحداث، ولا يحركون الأحداث، فنحن قد يقع عدوان نفكر بالجهاد، تقع مشكلة نفكر بحل، يأتينا استفزاز ندرس ماذا نفعل؟ الأصل أن الاستعداد ينبغي أن يكون مستمراً لأن معركة الحق مع الباطل معركة أزلية أبدية، وشاءت حكمة الله أن يصطرع الحق و الباطل، وكان من الممكن ألا يصطرعا، وأن يحجز الله أهل الإيمان عن أهل الكفر، ولكن لحكمة بالغة بالغة أرادها الله عز وجل ابتلي أهل الحق بأهل الباطل، وابتلي أهل الباطل بأهل الحق، والصراع من سنن الله في خلقه، وهذه الدنيا ليست دار استواء إنما هي دار التواء، ليست منزل فرح إنما هي منزل ترح، الجنة هي التي وعدنا بها، فكل إنسان يستبق الأمور ويريد أن تكون الدنيا جنته هذا الأمر لا يسلم له، لذلك من المنغصات الشديدة على الضعاف والأقوياء، الأقوياء منغصاتهم القلق، أقوياء لكنهم قلقون، والضعاف منغصهم عدم الاستقرار، فحينما تقبل سنة الله في خلقه، وأن هذه الحياة دار التواء أنت تريدها دار استواء، أنت تريدها دار جزاء، أما هي فدار بلاء، لا يستقيم حال على حال، لا يدوم شيء على حال واحد، كل شيء يزول، فأنت حينما تفهم فلسفة الحياة الدنيا على أنها دار ابتلاء توطن نفسك على الصبر والعمل، والنقطة الدقيقة أن أهل الكفر والضلال والفسق والفجور يألمون كما تألمون، لكن أهل الإيمان يرجون من الله مالا يرجون ! فرق كبير بين إنسان يقاتل من أجل الدنيا من أجل الثروة والسيطرة والعنجهية، وبين مؤمن مجاهد يقاتل في سبيل إعلاء كلمة الله.

العدوان على العراق أكّد أنه لا سلام مع العدو :

 أيها الأخوة: الذي أراه أن هذه الأحداث الخطيرة ينبغي أن تدفعنا لحياة أخرى، وفهم آخر، وأسلوب آخر، ولتصرف آخر، وحركة أخرى

أما لعل الله سبحانه وتعالى بهذا العدوان الأليم حرك المسلمين، ولعل هذا الدرس البليغ وصل لأعمق أعماق المسلمين، فضلاً عن حديثي في الأحد الماضي عن إيجابيات هذا العدوان، وكيف أن قيم الغرب سقطت في الوحل، وكيف أن هذه الأحداث وحدتنا، وقربت ما بيننا، وكشفت حقائق كل الناس، وأن هذه الأحداث أكدت لنا أنه لا سلام مع العدو، أما أن نقول: لسنا بحاجة لأن نقاتله، سوف نسوي معه أمورنا سلمياً، فهذا أبعد من السماء عن الأرض، هو لا يقبل إلا بالحرب، والسيطرة، والتفوق، وإذلال الطرف الآخر، والذي شهدتموه ورأيتموه وسمعتم به في هذه الأيام يكاد العقل لا يحتمله من مستوى الإذلال الذي أعدّ لكل شيء عدة تفوق حدّ الخيال، لم لا يعد لضمان أمن الناس ولضمان أموالهم؟ هذا مخطط له يُظهر المسلمين في العالم على أنهم متخلفون، ولا يستطيعون أن يحكموا أنفسهم، ولابد لهم من وصايا، وكأن منطق الأربعينيات والانتداب عاد مجدداً، هذا التراخي في ضبط الأمن مهمته أن يرى العالم كله من هم المسلمون، هم أناس متخلفون يسرقون ويعيشون على جراحات غيرهم !

الإعداد المستمر لأعدائنا هو طريق النصر :

 أيها الأخوة: أنا سأقول كلمة إعداد إن لم نعد لهم كما أمرنا الله عز وجل فلا سبيل للنصر، وأنا مؤمن أنه ما من مسلم في العالم الإسلامي إلا وكاد يتمزق ألماً لما أصاب المسلمين، وما من مؤمن في العلام الإسلامي إلا وكانت أكثر أمنياته أن يستمع لخبر يملأ قلبه فرحاً، ولكن هذا لم يحصل فلابد من درس بليغ نتعلمه من هذه الأحداث، الدرس الأول أننا مهما دعونا، ومهما رفعنا أصواتنا بالدعاء، ومهما التجأنا إلى الله، التجأنا دون أن نقدم ثمن هذا الالتجاء، التجأنا بألسنتنا يا رب ليس لنا إلا أنت، الله عز وجل لا يحابي أحداً، ولا يعبأ بكل أقوالنا، ولا بمظاهرنا، ولا بأشكالنا، ولكن يعاملنا على أعمالنا، فما لم يطرأ تطور جذري على أعمالنا، ما لم يكن هناك منعطف تاريخي في علاقاتنا وسلوكنا ومحبتنا لبعضنا وفي فعل الخيرات وإلغاء الخصومات والتقرب من الحق الذي هو رائدنا فالطريق ليس سالكاً إلا الله عز وجل.
 سأقول البند الأول: الإعداد المستمر، أنا لا أريد إعداداً نوبياً، أريد إعداداً مستمراً، كيف أنهم لمئتا عام سأبقى أعدوا إعداداً دقيقاً، وخططوا تخطيطاً محكماً، وملكوا ناصية القوة، وبقوتهم فرضوا إرادتهم على كل الشعوب، هذا درس لنا، وأنا أنتظر أن العالم كله سوف يستفيد من هذا الدرس، وأن هذه الحرب التي رأيتموها هي إهانة لكل شعوب الأرض، لا للمسلمين وحدهم، أي دولة تلفق لها تهماً وما أكثرها، ثم تعد هذه التهم للعدوان عليها وإذلالها ونهب ثرواتها وخيراتها، ثم إننا نرى أن الغرب يكذب كذباً صفيقاً، يوجد كذب محكم وكذب صفيق.

الابتعاد عن المواقف النوبية الطارئة التي تأتي لوقت محدد وتزول :

 أيها الأخوة: لا ينجينا إلا إيمان يحملنا على طاعته، ولا ينجينا إلا تنفيذ أمر الله أن نعد لهم ما نستطيع، أما لا يوجد إيمان يحمل الناس على طاعة الله، ولا إعداد كما أمر الله عز وجل، ونحن ننتظر أن تأتي معجزة من السماء فتنصرنا، فهذا شيء مستحيل، المعجزات للأنبياء، والتدخل الإلهي لصالح المؤمنين الصادقين، وحينما يقول الله عز وجل:

﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾

[ سورة البقرة: 249]

هذا للمؤمنين الصابرين، المطيعين، المخلصين، المحبين، وإذا ارتكب بعض أصحاب النبي أخطاء - في أحد - سلوكية فلم ينتصروا وفيهم رسول الله، فإذا أحصينا الأخطاء التي نحن فيها فهي لا تعد ولا تحصى، وليس عندنا هذا الإيمان الذي يحملنا على الصبر، فالبند الأول لا نريد ردود فعل، ولا إسلام مناسبات، ولا إسلام نوبي، مناسبة وبعدها ينتهي كل شيء، الشعوب كما ترون ضعيفة الذاكرة، تغضب سريعاً وتنسى سريعاً، وما أكثر المواعظ وما أقل المتعظين، وما أكثر العبر وما أقل المعتبرين، نحن المواقف النوبية الطارئة الآنية التي تأتي لوقت محدد وتزول هذه لا قيمة لها.
 مثل بسيط أضربه: أيقن المسؤولون عن نظام السير في هذا البلد أنه لابد من حزام الأمان، نشأت فورة والناس وضعوا الحزام، وبعد مدة انتهى الأمر، لاحظوا أكثر حياتنا هكذا تأتي موجة ننضبط لحين ثم ننسى وكأن شيئاً لم يكن، أنا لا أريد أن يكون العدوان مع العراق موجة تفاعلنا فيها وتألمنا وبكينا وتابعنا الأخبار أحبطنا ثم عدنا لما كنا عليه من تقصير، وتفلت، وإهمال للطاعات، لا !! هذه مشكلة المسلمين إسلام مناسبات.
 لاحظ: المسلمون أحياناً لا يوجد بهم دين، يأتي الخامس عشر من شعبان فيقولون: يجب أن نصوم، هم كانوا قد ألغوا كل استقامتهم وطلبهم للعلم، حتى صار ديننا دين مناسبات نذكره في المناسبات، أما حياتنا اليومية فليس فيها التمسك والالتزام الذي أراده الله عز وجل، أول نقطة في هذا اللقاء الطيب لا ينبغي أن يكون ديننا دين مناسبات، ولا أفعالنا ردود فعل، ولا تديننا مناسبات طارئة، هذا موقف اسمه تكتيكي وموقف استراتيجي بالمصطلح الحديث، الإنسان إيمانه بالله موقف ثابت ومصيري ومنته، أما كلما نشأ حدث نسأل، ونتأثر، ونتفاعل، وندعو، وينتهي الحدث، ونمل من الأخبار، ونعود لما كنا عليه، فهذا الذي أتمناه ألا يكون بعد عدوان العراق، لأن هذا العدوان بداية وليس نهاية، وكأن الخطط الجهنمية التي وضعها الطرف الآخر لا تنتهي باحتلال العراق، طموحهم أن كل دول المنطقة لابد من أن يكون بها كما في العراق سيطرة، واستلاب للثروات النفطية، والخيرات، والفلزات، وقهر للشعوب، وإلغاء هذا الدين، ماذا يملك من سمح الله أن يدعو إليه إلا أن يبين؟ هذه أمانة التبيين، التبيان لابد فيه من التوضيح أن هذا الإسلام النوبي، إسلام المناسبات، إسلام ردود الفعل، إسلام الفوران العاطفي ثم إنطفاء العاطفة، هذا الإسلام لا يجدي إطلاقاً، الطرف الآخر تخطيط ماكر، خطط محكمة بنفس طويل، وإعداد متقن، وبدراسة عميقة، وبأعصاب باردة، يخططون وينفذون ويسخرون منا، نحن موقفنا ينبغي أن يكون الموقف المخطط الواعي، كما أقول دائماً: أعداؤنا أذكياء وأقوياء وأغنياء، فأن نفور ونموت بشكل رخيص دون أن نحقق لهذه الأمة شيئاً!! مثلاً: لا نريد أن نبتعد معلم في الصف يريد أن يعلم طلابه علماً متيناً عميقاً ويقوم بواجبه ولا يربط دخله بعمله، أي إنسان يقول: والله أنا أعمل على قدر المعاش، هذا مقبول إسلامياً؟ لا، إن لم يكن المعاش يكفيك دع العمل كله وابحث عن آخر، أما تبقى فيه ولا تؤدي الرسالة، ولا تعتذر لقلة الراتب، فهذا أساسه غير إسلامي، هذا أول شيء، نريد استعداداً مستمراً ولا نريد فورة طارئة، نريد إسلام رسالة لا إسلام مناسبات، هذا أول درس يمكن أن نستخلصه من هذه الأحداث الأليمة.

على الإنسان إقامة أمر الله فيما يملك ليكفه ما لا يملك :

 أخواننا الكرام: الدرس الثاني أقول: مهما أردت أن تقول قل: أنا مسلم، أنا من أهل القبلة، أنا أشهد أنه لا إله إلا الله، أنا من أتباع سيد المرسلين، نحن أمة مختارة، وأمة كرمها الله بهذا الدين، ونحن خير أمة أخرجت للناس، هذا كلام بكلام بكلام، الله عز وجل لا ينظر لصورنا، ولا يلقي بالاً لأقوالنا، هو ليس عند أقوالنا، ولكن عند همتنا، فأن تكون وحدك لا تعمل شيء، لكن إذا أنت وأنا وفلان وعلان وزيد وعبيد....كل واحد منا عاد لنفسه، وأصلح ما هو عليه، لعل الله يرحمه، هذا البند الأول.
أيها الأخوة: البند الثاني أحياناً إبليس له تلبيس حتى هناك كتاب اسمه تلبيس إبليس، إبليس اللعين له أسلوب عجيب، أحياناً يقنع المسلمين الشيء الذي هم قادرون عليه وبإمكاناهم أن يفعلوه من دون مساءلة، ولا محاسبة، ولا حرج، ولا قلق، ولا خوف، وهو بإمكانهم، وبين أيديهم يزهدهم فيه، يزهدك بإتقان صلاتك، يزهدك بتربية أولادك، أي جهة في الأرض تحاسبك لو ربيت الأولاد على الصدق؟ أو لو أمرت أهلك بالصلاة؟ أو لو كنت صادقاً؟ لو كنت أميناً؟ لو كنت متقناً لعملك؟ أية جهة في الأرض تقلقك لو كنت أباً ناجحاً؟ أو زوجاً مخلصاً؟ أو أخاً ودوداً؟ عندك آلاف الأعمال بإمكانك أن تعلمها وتتقرب لله، وتشعر أنك قريب من الله ولا أحد يسائلك، هذا الذي بين يديك، وأنت قادر عليه يزهدك فيه إبليس، ألا يمكن لواحد منا أن يغض بصره ويضبط لسانه ويكون مثلاً أعلى لأولاده؟ أن يربي أولاده؟ أن يجلس معهم ويكون صادقاً وأميناً ووفياً وعفيفاً؟ هذا الشيء المتاح والذي بيدك وأنت قادر عليه إبليس اللعين يزهدك فيه، الآن ليس وقتها، والشيء الذي لا تستطيعه لا أنت ولا أكبر منك ولا أمة بأكملها ولا زعماء العالم بأكملهم يطمعك به، عجيب يزهدك فيما تستطيع ويطالبك بما لا تستطيع، أنت اعكسها.

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الرعد: 11 ]

 أقم أمر الله فيما تملك يكفك ما لا تملك، والقصة واضحة جداً، لا تستطيع أنت أن تطفئ عدوان الكافر ولا أن تقنعه بكف يده، أنا أظن أنني أسمع هذه الكلمة حوالي مليون مرة والله لا أبالغ ! أن هذا العدوان مخالف للشرعية الدولية، صحيح هل عبئوا بهذا الكلام؟ سمعت استنكاراً قبل العدوان، ومع العدوان، وبعد العدوان، وشجباً، وتنديداً، ومساءلة، واستدعاء للسفير، وتبليغه رسالة، وحرق العلم الأميركي وبعدها ؟؟؟؟ احرق مليون علم، وقم بمليون شجب واستنكار، دخول هذا العدوان مخالف للشرعية الدولية، والعدوان صفر.
 سأقول كلمة لكنها طرفة من خمسين سنة: يروى أن بريطاني كان في بلاد المسلمين، واضطر أن يستأجر دابة وصاحب الدابة عربي، وهذا العربي توهم أن هذا البريطاني لا يفهم العربية، بدأ يكيل له السباب بلا حساب، والبريطاني صامت راكباً الدابة، جاء رجل يعرف الاثنين، يعرف أن هذا البريطاني يعرف العربية، واستمع لصاحب الدابة يسب هذا البريطاني أخبره أنه يسبه قال: أسمعه لكن الدابة تسير!! هذه القصة كلها، سب واشتم حتى تمل، السباب لا يجدي، كفى كلاماً نريد عملاً، طالب مجتهد يكون الأولي، طبيب يتفوق يعالج المرضى بإخلاص، المهندس يتقن عمله يحضر صبّ السقف، لا يدع أخطاء يعدلها لاحقاً، كل إنسان يجب أن يعرف كيف يحسب عمله، وكل إنسان يعرف كيف يكون أباً كاملاً وأن تكون الأم كاملة وهذا الطريق و والله لا يوجد طريق ثان، إلا أن نبني أمة ونتقن أعمالنا، أريد أم مخلصة فوق أولادها، ليست مسيبة لأولادها، دائماً في بيت الجيران، أريد زوجاً رحيماً بزوجته وأولاده وليس زوجاً يأكل أشهى الطعام بأجمل المطاعم وفي بيته لا يوجد طعام !! يوجد خلل بأسرنا، وبمعاملنا، وبمجتمعاتنا، وبمستوصفاتنا، يوجد مصطلح جديد تفكك، والمجتمع متفكك الآن، لا أب ولا أم ولا زوجة تهتم بزوجها، ولا رب عمل يهتم بعماله، ولا عامل يخلص لصاحب المعمل، ولا إنسان يؤثر مصلحة المسلمين على مصلحته، فعندنا خلل كبير هذا الخلل ظهر بهذا العدوان، لا تلم الأعداء هذا شأنهم، أنت إذا وضعت لحم هبرة أمام القط هل تلومه؟ هذا طبيعته، القط يأكل اللحمة هذا شأنه، لكن شأنك أن تضعها في حرز حريز.

من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر :

 فأول بند في هذا الدرس إن شاء الله نريد إسلاماً مستمراً وليس إسلاماً نوبياً، الشيء الثاني الذي بين يديك لا تزهد به، عملياً لا أحد يفعل شيئاً، لأن الذي تهتم به ليس بيدك كأن تلغي عدواناً ليس بيدك، لا أنت ولا أكبر منك، والذي مكلف به لم تؤده بالنهاية لم تفعل شيئاً !!! بالنهاية قعود تام، وبأنك مهتم بشيء مستحيل وزاهد بشيء بيدك، هذا أكبر تلبيس لإبليس، الشيء الذي بإمكانك زاهد فيه، ليس بيدك تطمع فيه، بالنهاية لم يحدث شيء!! الشيء الذي بعده من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر !
هذه الأحداث الأليمة، المذلة، القاسية، الثروات نهبت، إطفاء بئر يكلف مليار دولار على حسابنا، أنا ما سمعت إنساناً يأكل عقوبة على حسابه !! كل نفقات هذا الحرب من البترول العراقي على حسابنا، يأكل قتلة ويدفع أجرة ويجب أن يمدح، شيء مفيد جداً كان لنا، هذا منتهى القهر، والله عز وجل قال:

﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً ﴾

[ سورة الفتح: 3]

﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾

[ سورة الحج: 40]

 يوجد سلبيات كثيرة جداً، الآن الشيء الذي أتمنى أن أقوله لكم في مناسبة هذا الخبر المؤلم خبر سقوط بغداد أن الإنسان إذا انحرف سلط الله عليه قوة لا يمكن أن تنزاح عنه لماذا ؟ لأن الله سلطها، بكل بساطة لا يوجد قوة تستطيع أن تزيح هذا الذي حصل، إلا بحالة واحدة أن نرجع ونستقيم، نحن انحرفنا فجاءت هذه القوة، نستقيم تذهب، سئل تيمور لنك: من أنت ؟ قال: غضب الرب !! الرب إذا غضب يأتي بتيمور لنك، أو بإنسان كهؤلاء الذين نراهم في العالم الغربي.

التوبة النصوح و الدعاء اللحوح أحد أسباب النصر :

 أخواننا الكرام: لا يوجد موضوع يعلو على هذا الموضوع، ولا موضوع يشد الناس كهذا الموضوع، فأولاً كنت أقول: لا بد من توبة نصوح ودعاء لحوح، واعمل عملاً مهما ظننته صغيراً فهو عند الله كبير، مهما ظننته لا يقدم ولا يؤخر هو عند الله بالعكس.
زارني أخ البارحة راجع نفسه، يوجد بعمله بعض المخالفات فاستفتى بها، بينت له الحكم الشرعي أنه حرام، فاستجاب وكف عنها، والله سررت، وجدت حركة، راجع نفسه، الأستاذ قال: أن نراجع أنفسنا، ونضبط أمورنا، ونلتزم بعملنا، يوجد بعض المخالفات بعمله جاء مستفتياً وذكر لي ماذا يفعل في عمله؟ بينت له أنه حرام وهذا هو الدليل، فعقد العزم على ترك هذه المخالفة، ثم أخبرني بعد قليل وأقسم لي أنه لمجرد ترك هذه المخالفة فتح له باب رزق جديد، عامل الله بإخلاص، فإذا كل منا راجع عمله، عنده إنسان مظلوم، مخالفة شرعية، بضاعة محرمة، بنت من بناته ثيابها لا ترضي الله عز وجل، يوجد حفلة مختلطة لا ترضي الله عز وجل، يوجد دخل مشبوه، أو إنفاق مشبوه، أو سهرة مختلطة لا ترضي الله، عنده مواقف غير إسلامية، أو تصديق لشيء خلاف القرآن الكريم، معجب بجهة كافرة، راجع نفسك، الآن وقت المحاسبة يا أخوان، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.

متى تغضب ؟

 أخ كريم رجاني أن أعيد قصيدة ألقيتها في خطبة سابقة عنوانها:" متى تغضب!" الحقيقة هذه القصيدة في أثناء العدوان لم يكن من المناسب أن أعيدها، هو الرجاء قديم، لكن بعد النتائج المؤلمة جداً التي حلت بأمتنا وجدت من المناسب أن أعيدها: يقول صاحب هذه القصيدة:

أخي في الله أخبرني متى تغضبْ ؟
إذا انتهكت محارمنا
إذا نُسفت معالمنا ، ولم تغضبْ
إذا قُتلت شهامتنا ، إذا ديست كرامتنا
إذا قامت قيامتنا ، ولم تغضبْ
فــأخبرني متى تغضــبْ ؟
إذا نُهبت مواردنا ، إذا نكبت معاهدنا
إذا هُدمت منازلنا ، إذا قطعت طرائقنا
وظلت قدسنا تُغصبْ
ولم تغضبْ
فأخبرني متى تغضبْ ؟
عدوي أو عدوك يهتك الأعراض
يعبث في دمي لعباً
إذا لله.. للحـــرمات.. للإسلام لم تغضبْ
فأخبـــرني متى تغضبْ ؟!
رأيتَ هناك أهوالا
رأيتَ الدم شلالاً
رجالاً شيعوا للموت أطفالاً
رأيتَ القهر ألواناً وأشكالاً
ولم تغضبْ
فأخبـــرني متى تغــضبْ ؟
وتجلس كالدمى الخرساء بطنك يملأ المكتبْ
تبيت تقدس الأرقام كالأصنام فوق ملفّها تنكبْ
رأيت الموت فوق رؤوسنا ينصب
ولم تغضبْ
فصارحني بلا خجلٍ لأية أمة تُنسبْ؟!
***

يليق بأمة تنزف جراحها أن يتسلى شبابها بالكرة؟ هل يليق؟
 الآن يوجد شيء يطرح على الساحة اسمه فقد الهوية، أنت من؟ إنسان حضاري أنت متخلف عن حاضرة العصر ‍‍!! إنسان جاهلي يعتز بالجاهلية متخلف عن أخلاق الجاهليين، كان يوجد مروءة، كان عنترة يقول: أغض طرفي إن بدت لي جارتي، أنت إسلامي متخلف عن إسلامك، أنت من؟

فصارحني بلا خجلٍ لأية أمة تُنسبْ؟!
إذا لم يُحْيِ فيك الثأرَ ما نلقى
فلا تتعبْ
لست لنا ولا منا ولست لعالم الإنسان منسوبا
فعش أرنبْ ومُت أرنبْ
ألم يحزنك ما تلقاه أمتنا من الذلِّ
ألم يخجلك ما تجنيه من مستنقع الحلِّ

وما تلقاه في دوامة الإرهاب والقتل ِ
ألم يغضبك هذا الواقع المعجون بالذلِ
وتغضب عند نقص الملح في الأكلِ!!
ألم يهززك منظر طفلة ملأت
مواضعَ جسمها الحفرُ
ولا أبكاك ذاك الطفل في هلعٍ
بظهر أبيه يستترُ
فما رحموا استغاثته
ولا اكترثوا ولا شعروا
فخـــرّ لوجهه ميْتـــاً
وخرّ أبوه يُحتضرُ
متى يُستل هذا الجبن من جنبَيْك والخورُ ؟
متى التوحيد في جنبَيْك ينتصرُ ؟
متى بركانك الغضبيُّ للإسلام ينفجرُ
فلا يُبقي ولا يذرُ ؟
أتبقى دائماً من أجل لقمة عيشكَ
المغموسِ بالإذلال تعتذرُ ؟
متى من هذه الأحداث تعتبرُ ؟
وقالوا : الحرب كارثةٌ
تريد الحرب إعدادا
وأسلحةً وقواداً وأجنادا
وتأييد القوى العظمى
فتلك الحرب ، أنتم تحسبون الحرب
***

 نابوا عنا أطفال الحجارة، ضربوا الحجارة وانتهى الأمر، هذه الحرب، الحرب أسلحة فتاكة.
 والله رأيت صورة في الأخبار عند أحد أصدقائي؛ بغداد كلها على شاشة رادار، يوجد هدف كبره الطيار ثم كبره أكثر حتى البيت بمسبحه ملون على شاشة الطيار، وضع إشارة فوق البيت وضغط زراً دمر البيت، تقنية العقل لا يصدقها، كل جندي معه هاتف موصول بالأقمار الصناعية يقول: ماذا يفعل، ماذا يشاهد، ماذا يواجه.

تريد الحرب إعدادا
وأسلحةً وقواداً وأجنادا
وتأييد القوى العظمى
فتلك الحرب ، أنتم تحسبون الحرب
أحجاراً وأولادا ؟
نقول لهم : وما أعددْتُمُ للحرب من زمنٍ
أألحاناً وطبّالاً وعوّادا ؟
***
بيانات مكررة بلا معنى؟
كأن الخمس والخمسين لا تكفي
لنصبر بعدها قرنا!
أخي في الله! تكفي هذه الكُرَبُ
رأيت براءة الأطفال كيف يهزها الغضبُ
وربات الخدور رأيتها بالدمّ تختضبُ
رأيت سواريَ الأقصى لكالأطفال تنتحبُ
وتُهتك حولك الأعراض في صلفٍ
وتجلس أنت ترتقبُ
ويزحف نحوك الطاعون والجربُ
أما يكفيك بل يخزيك هذا اللهو واللعبُ ؟
وقالوا : كلنا عربٌ
سلام أيها العربُ !
شعارات مفرغة فأين دعاتها ذهبوا
وأين سيوفها الخَشَبُ ؟
شعارات قد اتَّجروا بها دهراً
أما تعبوا ؟
وكم رقصت حناجرهم
فما أغنت حناجرهم ولا الخطبُ
فلا تأبه بما خطبوا
ولا تأبه بما شجبوا
***

 هذا وصف مؤلم جداً لواقع الأمة، وصف معبر ودقيق وشفاف لما هي عليه الأمة، فأرجو الله أن نصحو ونتعاون، ونضع خلافاتنا تحت أقدامنا.

على المسلمين أن يتعاونوا ليرقوا بأمتهم :

 أرجو الله أن يفكر المسلم بأخيه المسلم، وأرجو أن نهب ما وهبنا الله إياه في سبيل أمتنا، وفي سبيل هذا الدين العظيم، أرجو الله أن نغار على هذا الدين، نحن أمام جائحة جديدة، الأطماع كبيرة جداً، صدقوني العراق بداية وعندهم تهم جاهزة لكل بلد، فنحن أمام خطر كبير، هذا الخطر لا يتحمل خلافات، ومظاهر، ومنافسة، وتقصير مع الله عز وجل، ولا معاصي باطنة، ولا بيوت مفككة، ولا عمل غير متقن، ولا هروب من المسؤولية، ما نحن فيه يحتاج لوقفة واحدة، فلذلك توبة نصوح ودعاء لحوح وعمل تقوي به أمتك وتخفف عن المسلمين العبء.
موظف التقيت معه تأتيه بضاعة بالميناء، أعتقد أول سبعة أيام بدون مقابل بعدها كل يوم يوجد مبلغ كبير جداً، يصل لمئتين أو ثلاثمئة ألف، تأخير خمسة أيام أو ستة، نظام التخليص يوجد رسم يجب أن يدفع فوراً حتى يستفيد صاحب البضاعة من الأيام المجانية، أما إذا لم يدفع فتبدأ الفترة الأولى مأجورة، صاحب البضاعة البعيد لم يتبلغ، يأتي هذا الموظف ويدفع منه ألف ليرة – الرسم- هذا يكون قد وفر عليه مئتين أو ثلاثمئة ألف، ويعطيه فوراً دون تأخير، لكن هذا من غيرته على المسلمين عوضاً أن ندفع للشركات الأجنبية أربعمئة ألف أو خمسمئة ألف من مال الأمة إذا كان دفع ألفاً وقال: هذا الوصل تفضل، وأنا أقسم بالله أثق به لا يأخذ قرشاَ زائداً لكن ماذا فعل؟ وفر على مسلم أو إنسان يقيم في هذا البلد الطيب أربعمئة أو خمسمئة ألف ليرة تأخير تفريغ حاويات، هذا المسلم، سد ثغرة، ممكن بكل دائرة وبكل مكان أن تخدم الناس، وتعينهم، وتخفف عنهم، وتعينهم على قضاء حوائجهم، أنت مجاهد كأن تلبي مريضاً وتعاون أخاً، أنت مجاهد هذا الجهاد واسع جداً، لا تفهمه قتالاً، أو موجة متنا ورجعنا، متنا ولم نعد، افهمه أعمق من هكذا، افهم أنها أمة يجب أن تقويها، أنا لا أملك إلا هذه الموضوعات، وإن شاء الله الأمور تهدأ لاحقاً و نعود لدروس الدين، لكن هذه الموضوعات مهمة جداً، ماذا ينبغي أن نفعل؟ عندما كنا صغاراً لم يكن هناك غاز، بل بابور بريموس، يشحّر نأخذه للسمكري يضعه على بابور ضرب ليصبح الرأس مثل الجمر ثم ينفضه، نحن يلزمنا نفض، طبعاً المشهد أذكره تماماً، يوضع على بابور ضرب ليصبح مثل الجمر، ثم يضعه على منفاخ، وينفخ يقول: نفضنا الرأس، يبدو أننا يجب أن ينتفض هذا الرأس قليلاً.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور