وضع داكن
18-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 057 - كلمة توجيهية بشأن قرب الامتحانات
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

عبادة الهوية و عبادة الظرف:

أيها الأخوة الكرام، هذا الدرس يتعلق بأبنائنا الطلاب، وهم على مشارف الامتحان، فأولادنا أكبادنا تمشي على الأرض.
والحقيقة أن كل أب أو كل أم لا تسعد إلا إذا نجح ابنها في الحياة، والآن الشهادات والدراسة الجامعية ممر لا بدّ منه لأي عمل يمكن أن يدر على صاحبه دخلاً يليق بكرامة الإنسان، حتى لو أردت أن تشتغل عاملاً، الآن العامل المثقف هو المفضل، بشكل أو بآخر لا مكان في المجتمعات المعقدة لعمل يدوي مع جهل مطبق.
كنت أقول لكم أيها الأخوة الكرام: إن هناك عبادة الظرف، و هناك عبادة الهوية من أنت ؟ إن كنت غنياً فالعبادة الأولى لك إنفاق المال، وإن كنت قوياً فالعبادة الأولى إحقاق الحق، وإن كنت عالماً فالعبادة الأولى تعليم العلم، وإن كنتِ امرأة فالعبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد، هذه هي عبادة الهوية.
فماذا عن عبادة الظرف ؟ لا سمح الله ولا قدر لو أن أحد أقربائك كان مريضاً، أو أن الأب أو الأم كانا مريضين، أو كان أحدهما مريضاً، فالعبادة الأولى العناية بهما.
الآن إذا كان عندك ضيف فالعبادة الأولى أن تعتني بهذا الضيف.
أقول لكم الآن: الذي عنده أولاد في المدارس، في الشهادات، في الجامعات، هذا الشهر العبادة الأولى أن توفر للأولاد جواً هادئاً مريحاً للدراسة، الإسلام هو الحياة، ماذا يعني أن تكون مستقيماً وأنت متخلف عن ركب الحضارة ؟ لا مكان لك.

هجرنا للقرآن الكريم سبب ضعفنا و إذلالنا:

وذكرت لكم في درس سابق أن العالم الإسلامي قام ولم يقعد لتدنيس المصحف، أليس كذلك ؟ لكن الحقيقة نحن السبب، نحن هجرنا هذا القرآن الكريم، بقي القرآن يتلى في المناسبات، ولاسيما مناسبات الموت، والآية الكريمة تقول:

﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً﴾

( سورة يس: 70)

لا لتقرأه على الأموات، فهذا القرآن الكريم وحي السماء، منهج الإنسان، دستور البشرية، هجرناه، فلما هجرناه ضعفنا، فلما ضعفنا أرادوا إذلالنا، والخبر البارحة أنه تمّ تدنيس المصحف خمس مرات، وضع في المرحاض، وبال بعض الجنود عليه، ومزق، إلى آخر ذلك، نحن الذين سببنا تدنيسه، لأننا هجرناه في حياتنا، وأبقيناه مع مناسباتنا، الحقيقة جعلناه تراثاً.
وشيء يؤلم الإنسان أشد الألم حينما يعلم أن القرآن الكريم قرئ في باريس في حفل على أنه فلكلور شرقي، لما هجرناه ضعفنا، فلما ضعفنا أرادوا أن يبالغوا في إذلالنا، وفي استفزازنا، استفزونا قبل ذلك بأن جاؤوا بامرأة، وخطبت خطبة الجمعة، والذين سمعوا خطبتها كانوا خمسين رجلاً، و كان هناك خمسون وكالة فضائية إخبارية من أجل المبالغة في إذلالنا، مع أن المرأة في الأصل لا تجب عليها صلاة الجمعة، لكن نحن نلعب بدينكم كما نريد، هذه نتائج ضعفنا.

 

على كل إنسان أن يتجاوز مرحلة إلقاء الكلام وسماع الكلام إلى العمل:


لذلك أيها الأخوة الكرام، صدقوني ولا أبالغ، لسنا بحاجة إلى كلام، والله الذي لا إله إلا هو كل واحد منكم وأنا معكم لو طبق من هذا الدين العظيم جزءاً يسيراً لكنا جميعاً في حال غير هذا الحال، لأن الحرب بين حقين لا تكون، وبين حق وباطل لا تطول، لا تكون بين حقين، لأن الحق لا يتعدد، وبين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، القوة المطلقة في الكون مع الحق، إذاً لا تطول، وبين باطلين لا تنتهي.
هناك رغبة لدى الواعين، لدى المخلصين، لدى الغيورين، لدى العلماء الربانيين، أن نتجاوز مرحلة إلقاء الكلام وسماع الكلام إلى العمل، هم انتصروا علينا بعلم متقن، وأعدوا لنا أسلحة فتاكة، فلذلك لا سبيل إلى أن ننتصر عليهم إلا بشرطين معاً، وكل واحد منهما شرط لازم غير كاف:
الشرط الأول: أن نكون مؤمنين إيماناً يحملنا على طاعة الله، هذا الشرط الأول، لقوله تعالى: 

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾ 

( سورة الروم )

والشرط الثاني: أن نعد لهم ما استطعنا من قوة، لكن رحمة الله سمحت لنا أن نعد لهم القوة المتاحة لا القوة المكافئة، الآن القوة علمية، سألني طفل صغير ـ أعتقد أنه في الصف السادس ـ قبل أسابيع، قال لي: ماذا أفعل بعد الدرس ؟ قلت له: كن الأول، وهي أكبر خدمة تقدمها لأمتك، تفوق.

التعلم طريق كسب الرزق فعلى كل إنسان أن يوفر للآخرين الأجواء المناسبة للدراسة:

وأنا الآن أقول لكم من أعماقي: الذي عنده طفل، عنده فحص كفاءة، أو ثانوي، أو حادي عشر، أو جامعة، يجب أن يكون جو البيت في أعلى درجة من الهدوء، أتمنى على أولياء أحبابنا الصغار والشباب، الولائم، الزيارات، الاحتفالات، المشكلات، الصراعات، هذه كلها تجمد، وتؤجل إلى ما بعد الامتحانات، وأتمنى أيضاً أن يعفى الطالب أو الطالبة من أعمال يقوم بها في العادة، اجعل الجو مريحاً، واجعل الجو العام جوًّاً دراسيًّاً، والله الذي لا إله إلا هو لا أرى إنساناً أشد غلظة، وفظاظة، وقلة ذوق، من الذي يحلو له أن يسمع الناس الأغاني، في العالم كله لو سافرت إلى أطراف الدنيا هناك سلوك حضاري، أنه ينبغي أن تسمع وحدك ما تحب، تركب طائرة أمامك شاشة خاصة، ولاسيما في الدرجة الأولى، لك أن ترى مئة نوع من الأفلام، ولك أن ترى موضوعات علمية، ولك أن تسمع القرآن، هذا احترام للإنسان.
أتمنى أيضاً أن الإنسان الذي يرفع صوت هذه الأجهزة للغناء، أو للأخبار، ليسمع الطرف الآخر هذا شيء بعيد عن الذوق، أو إنسان زوجته عند أهلها، وتريد أن يعلمها أنه جاء ليأخذها، وهي في الطابق الرابع، لا يكلف نفسه الصعود إلى بيت عمه، يستخدم بوق السيارة الساعة الواحدة، هناك طالب نام ليستيقظ باكراً ليدرس، أنت أقلقته بهذا التصرف السيئ، إلى متى لا نتعاون ؟ إلى متى لا نسهل لأبنائنا الأجواء المناسبة للدراسة ؟ طبعاً هي معلومات عامة لا أعتقد مؤمنًا إلا ويتحلى بحد أدنى من الذوق والحكمة في تهيئة الأجواء المناسبة لأولاده، كما ترون حالات نادرة جداً، الأب الغني الذي يمكن أن يفتح لابنه معملا أو محلا تجاريًّاً أو مشروعاً، هذه حالات نادرة جداً، أما الشريحة الواسعة في المجتمع فطريق كسب الرزق هو التعلم.
أقول لكم مراراً: لابد من أن تملك اختصاصاً، الآن اللغة الإنكليزية، الكومبيوتر، المحاسبة، الترجمة مثلاً، الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات، الطريق الوحيد للحصول على عمل له دخل يليق بكرامة الإنسان.
مرة يبدو أن إنساناً لم يدرس، فسيق للخدمة الإلزامية، فكان حارساً، مرّ أمامه شاب، قال له: ادرس، لأنني ككلب الحراسة، تألم، عرف قيمته حينما ترك الدراسة، صار عمله سائقاً، أو حارساً، أو ما شاكل ذلك، أما لو معه شهادة عليا لذهب إلى كلية الضباط فتخرج ضابطاً، مادام غير متعلم مكانه في الدرجة الدنيا حتى في الخدمة الإلزامية.

العناية بالأبناء و توفير الجو الدراسي لهم واجب على كل أسرة:

أيها الأخوة الكرام، آن الأوان أن نعتني بأولادنا، وبأجوائهم الدراسية، ما من بيت إلا فيه شاب أو شابة عنده امتحان انتقالي، أو امتحان شهادة، أو امتحان جامعي، فنحن واجبنا أن نهيئ الأجواء للأولاد كي يحققوا هذا النجاح، لكن أريد أن أقول لكم بعض النصائح، هذه تنفع كل إنسان، ولو لم يكن معدوداً في حساب الطلاب، وأمامه امتحان:

نحن ندرس بلا أصول، ندرس بلا فن، والدراسة لها أصول، ولها فن، أكثر الطلاب يجلس جلسة مريحة هو والنوم قاب قوسين، مقعد وثير جداً، أو يضطجع على سريره، ويقرأ، يقول لك: أقرأ ثماني عشرة صفحة.
أريد أن أقول لكم حقيقة هامة جداً، تمهيدها كما يلي: العلوم الآن تتطور من طابع وصفي إلى طابع رياضي، لو فرضنا، أنا أقول لك: الضجيج، هذا الضجيج فيه وصف، الآن هناك أجهزة تقيس الضجيج بوحدات، يقول لك: إقلاع الطائرة ضجيجها يساوي 125 ديسيبلاً، الضجيج يقاس بوحدة قياسية اسمها ديسيبل، الآن كطموح، لو كان من الممكن أن نخترع وحدة يقاس بها الجهد لدراسة كتاب، لو فرضنا أن هذا الكتاب يحتاج إلى مئة وحدة لفهمه، سوف أسميها وحدة جهد الضجيج، وحدته ديسيبل، لو أن هذا الكتاب يحتاج إلى مئة وحدة جهد كي نستوعبه، ولكي نؤدي امتحانًا، وننجح، هذا الذي يضطجع على السرير، أو يجلس في مقعد وثير أمام نافذة تطل على الشارع، أو في شرفة يرى فيها من حوله، أو في غرفة الجلوس وأخوته الصغار يتصايحون، وأبوه يحدث أمه، هذه الدراسة كي أطمئنكم بعد سبعة أيام لا تذكر مما قرأت شيئاً، ولا كلمة، بقى انطباع فقط، هذا الكتاب ممتع، أو غير ممتع، فالدراسة التي ليس فيها جهد لا تساوي وقتها.

بعض النصائح لكل إنسان كي يحقق النجاح:

قالوا: كل اتفاقياتنا مع إسرائيل لا تساوي ثمن الورق، تعبير جديد، لا تساوي ثمن الورق، وأقول لكم: كل دراسة يقوم بها الطالب من دون جهد لا تساوي الوقت الذي بذل من أجلها، هو ضيع الوقت، لأنك لن تذكر شيئاً بعد هذه الدراسة، لكن كيف الدراسة مع الجهد ؟ يجب أن تجلس على طاولة، وفي غرفة هادئة، أو في مكتبة عامة، أو في مكان ليس فيه ضجيج، وأن تقرأ الفقرة، وأن تضع خطاً تحت أبرز فكرة في الفقرة، وأن تلخص الفقرة على الهامش، وأن تضع لهذه الفقرة عنواناً، قد تقرأ قراءة بطيئة جداً، لكن هذه القراءة تساوي تسعين وحدة، قراءة واحدة بهذه الطريقة الفقرة فكرتها الأساسية كذا، هذا تمهيد، هذا برهان، هذا شاهد، هذا تعليق، هذا تمهيد، إذا قرأت بهذه الطريقة، وأسئلة بقلم رصاص وقلم أحمر، إذا كان السؤال حول كلمة أو مصطلح بالخط الأحمر تحت الكلمة، وخط متعرج تحت الجملة، كي تسأل، ولابد من أن يكون لك أصحاب، ولو على الهاتف، لعل صديقك يغرف هذه القضية، وأنت لا تعرفها، لا تقرأ قراءة سطحية، هذا العلم أيها الأخوة الكرام لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.

1 ـ إراحة النفس من الهواجس التي ليست في صالح الدراسة:

أول فكرة، ألح عليها لكل من فتح كتاباً ليقرأ، لكل من انتسب إلى معهد شرعي، أو علمي، لكل طالب في الانتقالي، والشهادات، والجامعات، أن تفتح الكتاب، وتقرأ هكذا، اذهب، ونم، واسترح، هذه ليست قراءة، لكن إنسان يتوهم أنه درس

يقول لك: قرأت اليوم 235 صفحة، تفضل اكتب من هذه المئتي صفحة صفحة واحدة لا تستطيع، أول فكرة في هذا الدرس المتعلق بإخواننا الطلاب ـ أرجو لهم النجاح والتوفيق ـ لابدّ من أن تبذل جهداً كبيراً في القراءة الأولى.
لكن الإنسان أحياناً يحب أن يطلع على الكتاب اطلاعاً سريعاً، هذه رغبة بالإنسان، كما لو أنك صعدت إلى جبل قاسيون، وألقيت على دمشق نظرة، هذه المزة، هذا حي الميدان، هذا حي القابون، هكذا، ممكن أن تتصفح الكتاب، وتتصفح فهرسه، تقرأ بعض الفقرات التي تجذبك إليه، هذه قراءة أولى، قراءة اطلاع، نسميها قراءة تصفح، أما القراءة المعتمدة الأساسية فتكفي مرة واحدة، والمرة الثانية مراجعة فقط، مرة واحدة بهذه الدقة لا تنسى، أخواننا الطلاب عندهم مشكلة، المشكلة في أثناء الدراسة ترتابهم هواجس مزعجة جداً، أنجح، لا أنجح، أتذكر، لا أتذكر، أستطيع أن أكتب، لا أستطيع أن أكتب.
أولاً: أطمئن الطلاب، هذا الهاجس ليس في صالح الدراسة، أنت حينما تجلس على مقعد الامتحان، وحينما يأتي السؤال بالذات أبعد عن ذهنك كل ما عداه، وحاول أن تسترجع الأفكار، والمعلومات، والشواهد، والتعليقات حول هذا الموضوع، فأنا أطمئن أي طالب أنك إذا جلست في الامتحان يمكن أن تجيب عن السؤال إذا درسته دراسة متقنة، أما هواجس شيطانية أو مثبطة طوال الامتحان، لا أنجح، لا أتذكر، أتذكر، أرح نفسك من هذه الهواجس، هذه واحدة.

2 ـ محاولة التدرب على كتابة المعلومات التي نقرأها:

شيء ثان أحب أن أوضحه: أنت تقرأ حاول أن تكتب ؟ عندنا مشكلة، الله عز وجل أودع في الإنسان ذاكرة تعرفية، و ذاكرة استرجاعية، الذاكرة التعرفية هذه متوافرة عند جميع الناس.
كمثل بسيط، أنت حينما تفتح أي كتاب، وتقرأ العبارة التالية، علاقات وشيجة، ما معنى وشيجة ؟ لكن معظم الطلاب لا يستطيعون استخدام كلمة وشيجة أبداً هي في ذاكرتهم التعرفية، وليست في ذاكرتهم الاسترجاعية، فلذلك حينما تقرأ كتاب الفلسفة في الشهادة الثانوية حاول أن تكتب من حين إلى آخر بحثاً قرأته، اكتبه، ترى فيه صعوبة كبيرة جداً، الامتحان كتابة، تلقي المعلومات شيء، ومحاولة التدرب على كتابة هذه المعلومات شيء آخر، تتفاجأ أن معظم الكلمات التي قرأتها ففهمتها لا تستطيع استخدامها في قراءتك، لأنها ليست في الذاكرة الاسترجاعية، هي في الذاكرة التعرفية، مشكلة كبيرة، إذاً ما لم تحاول كتابة موضوع في التعبير، موضوع في الفلسفة، موضوع في الفيزياء، موضوع في الكيمياء، موضوع في التشريح، ما لم تكتب لن تتفوق في الامتحان، تتلقى معلومات فقط.

3 ـ نقل الكلمات والتراكيب والعبارات من ذاكرة إلى ذاكرة عن طريق الكتابة:

شيء آخر، كلكم تستمعون إلى دروس علم من سنوات طويلة، أنت حاول أن تتكلم في جلسة تجد نفسك لا تتذكر الحديث، ولا كلمات الحديث، ولا عندك عبارة يمكن أن تصيغها، ولا عندك قدرة أن تأتي بالدليل، وأنت إعجابك بالدروس لا نهاية له، هذه مشكلة، حاول أن تتكلم، أو تكتب شيئاً، صعب جداً، التلقي سهل، السماع سهل، القراءة سهلة أكثر، الكلمات والمعلومات مودعة في الذاكرة التعرفية، وليست مودعة في الذاكرة الاسترجاعية.

اللغة العربية من أوسع اللغات اشتقاقاً لكنها تضعف بضعف أهلها وتقوى بقوتهم:

أنا آتيكم بهذا المثل، افتح أي كتاب تقرأه، اقرأ صفحة واحدة، وحاول أن تكتب، لا يوجد عندك كلمات إطلاقاً، مثلاً لو توقف رسام أمام منظر طبيعي جداً في الربيع، أشجار بيضاء، أزهار حمراء، أزهار زرقاء، سماء زرقاء، بيت عليه سقف قرميدي، شيء جميل جداً، لو أعطيناك لونين، أبيض وأسود، هل تستطيع بهذين اللونين أن تظهر جمال هذا المنظر ؟ لا تقدر، هذا الكلام ينسحب على الكلمات، أنت تعرف، نظر فقط، لكن إذا نظر إنسان، واستشرف، هذا اسمه استشراف، النظر مع التمطي اسمه استشراف، إذا عرضوا عليك قماشاً، هذا اسمه استشفاف النظر مع التحسس، إذا نظرت إلى منظر جميل بحر هادئ إلى جانب جبل أخضر، تنظر هكذا بمتعة بالغة تقول: رنا إلى هذا المنظر، نظر مع المتعة، تنظر إلى ابنك الذي تحبه، وهو في أعلى درجة من الأدب والتودد إليك، تحدجه، نظر مع الحب، ورنا نظر مع المتعة، وإذا سمعت صوتاً في السقف، وقيل: البناء عليه خطر، وسمعت حركة في السقف، فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا.
شخص النظر مع الخوف، حدج النظر مع المحبة، رنا النظر مع المتعة، استشرف النظر مع التمطي، استشف النظر مع اللمس، سمعت صوت طائرة في أيام الشتاء، السماء فيها غيوم، لكن غيوم متقطعة، غائم جزئياً، كأنها ظهرت بين غيمتين، ثم اختفت، تقول: لاحت الطائرة، لاح الشيء الذي تحاول أن تراه ظهر واختفى، لكنك تمشي في الطريق، ورأيت باباً مفتوحاً بفضول غير مقصود، نظرت إلى البيت، فإذا امرأة في صحن البيت، فغضضت النظر عنها فوراً، هذا اسمه لمح، لمح لها معنى، ولاح لها معنى، واستشف لها معنى، واستشرف لها معنى، ونظر شزراً لها معنى، وشخص لها معنى، ورنا لها معنى، وحدج لها معنى.
حدق اتسعت حدقة العين، حملق ظهر باطن الجفن الأحمر، ظهر حملاق العين، لو أنك تملك هذه الكلمات تأتي العبارة بالغة الدقة، فما لم تقرأ قراءة أسلوبية كلما مررت على كلمة ليست في قاموس الاسترجاع، ليست في الذاكرة الاسترجاعية تضع خطاً، حاول أن تستخدمها في كتاباتك القادمة.
أول بند: يمكن أن تتصفح الكتاب تصفحاً سريعاً، ثم ينبغي أن تقرأه قراءة مع جهد كبير، بتلخيص، بخطوط، بتعليقات، بأسئلة، باستفهامات، بعنونة، بربط، وبعدها تحاول أن تنقل الكلمات والتراكيب والعبارات من ذاكرة إلى ذاكرة عن طريق الكتابة، لذلك إذا أردت أن تحفظ فاكتب، هذه قاعدة ذهبية، إذا أردت أن تحفظ فاكتب.

تبديل الكتب والاكتفاء بقراءة فصل من كل كتاب شيء مهم جداً في الدراسة:

الآن ما الذي يحصل مع طلابنا الأحباء ؟ يضع برنامجاً، يقول لك: أربعة أيام فيزياء، خمسة أيام رياضيات، أبدأ بالفيزياء، أول فصل ضاقت نفسه منها، يذهب إلى المطبخ، يأكل، يخبر صديقه، يجلس مع أخته قليلاً، لأنه ألزم نفسه أربعة أيام فيزياء، ضاق بها ذرعاً، وينوي أن يطبق المنهاج، يتهرب، يضيع الوقت

أنا أنصح الطلاب، عندك عشرة كتب، يجب أن تقرأ كل يوم عشرة كتب، كيف ؟ هذه قضية علمية، لو وضعنا كيلو على كفك، وقلنا: حرك مرة، اثنتين، ثلاثاً، لا تستطيع بعد ذلك أن تتابع، هذا العدد يصيب العضلة بحالة الإعياء، لا تستطيع، ضع نصف كيلو، تابع مئة مرة أخرى، ضع خمسين غراماً، مئة مرة ثالثة، فأنت تمسك الكتب، أصعب الكتب، مثلاً الفيزياء، أو الرياضيات، بعد الرياضيات الفيزياء، بعد الفيزياء الكيمياء، بعد الكيمياء التشريح، بعد التشريح اللغة الإنكليزية، بعد اللغة الانكليزية اللغة العربية، بعد ذلك مثلاً مادة توجيهية، ترتب الكتب تبدأ بفصل من كل كتاب، تقرأ فصل الفيزياء، تتعب، ترتاح عشر دقائق، المادة الثانية أهون، صار فيك نشاط، أنهيت فصلا آخر بالكيمياء، ترتاح عشر دقائق، بالتشريح، بعد هذا لغة إنكليزية، لغة عربية، يجب أن تقرأ الكتب كلها كل يوم، يمكن أن تدرس عشر ساعات، واثنتي عشرة ساعة كل يوم، أولاً الموضوعات تتبدل، فيها تنويع، وجهد أقل، يمكن أن تقرأ آخر مادة قبل أن تنام، تستطيع، هناك كلام يسمونه كلاماً إنشائيًّاً معروفاً، حفظته عن غيب.
تبديل الكتب والاكتفاء بقراءة فصل من كل كتاب أيضاً شيء مهم جداً في الدراسة، أتمنى مرة ثانية أن هاجس أنجح، لا أنجح، أتذكر، لا أتذكر، ابتعد عنها، أنت حينما تدرس هكذا بحسب قوانين الذاكرة تذكر كل شيء، وقد تأتي بعلامة تامة دون أن تشعر.

متعة العلم لا تعدلها متعة لكن تحتاج إلى عمق ودقة بكل اختصاص:

هناك ملاحظة ثانية، أحياناً تمسك فصلاً، هذا الفصل فرضاً في علم النفس عن الهيجان، قبل أن تقرأ الهيجان، ما تعريف الهيجان ؟ ضع سؤالاً، ما أنواع الهيجان ؟ ما تقييم الهيجان ؟ ما ردود الفعل حينما تهتاج عند من حولك ؟ أنت حاول أن تضع أسئلة، هذا العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، العلم ليس فيه حل وسط، العلم ممتع جداً، لكن بالتعمق، من دون تعمق متعب جداً، بين ممتع جداً ومتعب جداً هو التعمق، فكل إنسان يقرأ قراءة سطحية العلم صار عبئاً، وحفظه صعب، وتشعر بملل وضجر، أما حينما تتعمق يصبح العلم أعلى متعة في الكون، الحقيقة متعة العلم لا تعدلها متعة، لكن تحتاج إلى عمق وإلى دقة بكل اختصاص، كل إنسان له اختصاص معين، لكن عندما يحاول أن يفهم كل شيء، فأنت في النهاية طالب علم، تتعامل مع النص، ففهم النص شيء مهم جداً، أكثر الطلاب يأتي إلى الامتحان مضطرباً جداً، وهذا كلام دقيق جداً، والآن بدأ الدرس المهم.

من أهم الملاحظات أثناء الامتحان:

1 ـ التأكد من فهمك للسؤال ومن تعليمات الأسئلة:

فأول شيء، أنت حينما تحاول أن تكون هادئاً، وأن تقرأ السؤال مرة ومرتين بهدوء، كم من طالب رسب لسرعة في فهم السؤال، مرة جاء في الامتحان في منهج الأدب العربي في الشهادة الثانوية الأدب القومي، والأدب الاجتماعي، والأدب المهجري.
في الأدب القومي عنوانات: الأدب ما قبل الحرب، ما بين الحربين، ما بعد الحرب.
وبالأدب الاجتماعي: وصف الفقر، والإصلاح الاجتماعي، وعنوانات أخرى، جاء السؤال بالأدب الاجتماعي، لكن قال: ما بين الحربين، عدد كبير من الطلاب غير معقول كتب القومي، السؤال كله اجتماعي، لأن هناك كلمة ما بين الحربين هذه عنوانات في الأدب القومي، كتب الأدب القومي، طبعاً يأخذ الصفر، الكل أخذوا أصفاراً، ونسبة النجاح متدنية جداً.
أنت حينما تقرأ السؤال اقرأه بهدوء، وحاول أن تفهم أبعاده، أغلق القلم، وضعه أمامك، وتأمل في الأسئلة، أن تضيع عشر دقائق في فهم الأسئلة، وفهم أبعادها خير ألف مرة من تكتب سؤالاً مكان سؤال، فتأخذ صفراً.
أول ملاحظة: التأكد من فهمك للسؤال، ومن تعليمات الأسئلة.
أيها الأخوة مستحيل في الأسئلة أن يوضع الطالب أمام مشكلتين، أول مشكلة هل تعلم ماذا نريد منك ؟ فإذا علمت، هل تعلم الجواب ؟ هذا ممنوع في الأسئلة، حتى أطمئنكم، الأسئلة ليس فيها غدر، أنت أمام مشكلة واحدة، السؤال واضح جداً، لكن المشكلة هل تعرف الجواب أم لا تعرف ؟ أيضاً الطالب يتوهم أنهم يريدون أن يضعوا عقبات ومشكلات أو ألغازاً، هذا كله ممنوع في الأسئلة، يوضع الطالب أمام سؤال واضح كالشمس، العقبة هل يعرف الجواب أو لا يعرف فقط.

2 ـ التريث:

التريث، الآن بماذا تبدأ، هنا السؤال ؟ ابدأ بالذي تعرفه، هناك سؤال لا تعرفه، اتركه، كل شيء تعرفه ابدأ به، ولا تهتم بالتسلسل، آخر سؤال واضح جداً، اكتب السؤال الرابع، ودع عدة أسطر حتى لو جاءني خواطر متعلقة بالسؤال الرابع يمكن أن أضيف هذه الخواطر، أنا أكتب الرابع، خطر في بالي السؤال الثالث، فكرة مهمة جداً جاءت إلى ذاكرتك، اكتبها على المسودة، هذه كلها من تجارب الطلاب، ممكن للطالب أن يستفيد منها استفادة كبيرة جداً، ابدأ بالذي تعرفه، واكتب في أثناء الكتابة الخواطر التي تخدم سؤالا آخر.

3 ـ التنقيح و الأداء الحسن:

أحياناً تخسر علامات كثيرة لعدم التنقيح، حاول أن تنقح، أن تقرأ ما كتبت، يمكن أن تحذف همزة، تضيف كلمة، تحذف حرفاً، هذا كله يرفع مستوى الأداء، دائماً الأداء الحسن له علامات تعطى للطالب في عقل المصحح الباطن دون أن يشعر.

على الآباء أن يختاروا الرفيق المنضبط لأبنائهم و يخففوا الرهبة عنهم:

أيها الأخوة الكرام، إذا أردت أن تحفظ فاكتب، وإذا أردت أن تحفظ فتحدث، أنا أتمنى أن يكون كل أخ عنده ابن في البكالوريا أو الكفاءة أن يكون له رفيق منضبط، أخلاقه عالية، يجلسون من حين لآخر جلسة يتذاكرون المواد، أنت عندما تسأل تأخذ الجواب، النشاط الفكري يقدم لك ترسيخ للمعلومات.
أيها الأخوة الكرام، الامتحان فيه رهبة، ودائماً الأب الواعي والأم الواعية تخفف على الطالب هذه الرهبة، ولما تكون دراسة الطالب جيدة يؤدي الامتحان أداء حسنًا.

4 ـ تحسين الخط:

الخط الحسن له دور كبير، الخط الحسن ينال علامات تفوق الاستحقاق، والخط السيئ يخسر صاحبه علامات من حقه أن يأخذها، لكن في أثناء التصحيح ما قرأناها.

5 ـ التوضيح:

التوضيح: السؤال الأول، السؤال الرابع، السؤال الخامس، على الهامش، واجعل بين الأسئلة خطوطًا فارغة، والتنقيح هذا مهم جداً في قراءة ما كتبت.

فهم النص أحد أكبر وسائل الدراسة:

الآن أنت تتعامل مع القرآن الكريم طوال حياتك، بالنهاية أنت أمام كتاب فيه نصوص، فيزياء، كيمياء، رياضيات، تاريخ، جغرافيا، فلسفة، تربية إسلامية، أنت أمام كتاب فيه نصوص، الآن فهم النص أحد أكبر وسائل الدراسة، النص دائماً فيه فكرة أساسية، وفيه شواهد على هذه الفكرة، قد يكون الشاهد نص آية قرآنية أو حديث، قد يكون الشاهد حديثاً نبويًّاً، قد يكون الشاهد حقيقة علمية، قد يكون الشاهد واقعة، قد يكون الشاهد قصة، فأنت حينما تكشف موضوع الفقرة والشواهد تحفظ، كان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه أن يعقلوا القرآن، ثم يحفظوه، قال تعالى:

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)﴾

( سورة الزمر: 73)

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾

( سورة الزمر: 71)

لو فهمت لماذا هنا جاءت الواو، وهنا ليس فيها واو، مرة واحدة تفهم سر الواو هنا، وهنا، ولا تنساه أبداً، لكن لو لم يحاول الإنسان أن يفهم لماذا هنا فيها واو، وهنا لا يوجد واو، يقضي حياته كلها:

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾

( سورة الزمر: 71)

الضيف الكبير إذا قدم إلى بيت مضيفه الأبواب مفتحة من قبل، أما المجرم إذا سيق إلى السجن الباب مقفل، يقرع الباب، يفتحون له، قال تعالى:

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾

( سورة الزمر: 71)

فتحت حينما جاؤوا، أما الضيف الكبير فتفتح قبل أن يأتي.

الابتعاد عن الحفظ الحرفي لأنه يرهق الذاكرة ويقلل العلامة ويجعل الإنسان نسخة:

إذًا تستطيع في القرآن الكريم والسنة المطهرة أن تعقل كل الآيات المتشابهة وكل الآيات القريبة من بعضها أولاً، و أن تحفظها ثانياً، وأنا ضد الحفظ الآلي، هذا مرهق، يتعب الدماغ إلى درجة مذهلة، وهذا يسميه الطلاب البصم.
مرة حجاج وراء مطوف، ينقلون كلامه نقلاً حرفيًّاً، لبيك اللهم لبيك، فواحد داس رجله، فقال آخ: يا رجلي، فقالوا: آخ يا رجلي.
فأنت تريد أن تحفظ هذا شيء مرهق، والحقيقة البصيم محتقر عند كل الناس، حاول أن تفهم، وتستخدم لغة قوية للتعبير، يمكن لإنسان أن يضع خمس كلمات، يلقي محاضرة رائعة، لأن عنده قدرة على التعبير، يحتاج إلى رؤوس أقلام، فأنت بهذه الطريقة يخف الجهد إلى درجة غير معقولة إطلاقاً، يخف الجهد لدرجة كبيرة، وصار الإبداع كبيراً جداً، وأكثر المدرسين في أثناء التصحيح الطالب الذي يتكلم من عنده بأسلوبه، ويستخدم أفكار الكتاب يأخذ علامة كاملة، أما الطالب الذي يذكر التفاصيل بشكل آلي، وعندئذ قد لا يأخذ إلا بعض العلامة، وهذا شيء معروف، ابتعد عن الحفظ الحرفي، هذا شيء يرهق الذاكرة، ويقلل العلامة، ويجعل الإنسان نسخة.
مرة الإمام الغزالي قيل له: فلان حفظ كتاب الأم للشافعي، كتاب الأم من أكبر كتب الفقه، تسعة أجزاء، فما زاد عن أن تبسم، وقال: زادت نسخة، لذلك: كن للعلم واعياً، ولا تكن له حافظاً فقط، الحفظ ضروري، وقالوا: إن الذاكرة لها علاقة بالذكاء، كل إنسان ذكي في الأعم الأغلب عنده ذاكرة قوية، وكل إنسان عنده ذاكرة قوية في الأعم الأغلب ذكي، لكن في النهاية الذاكرة شيء، والذكاء شيء آخر، هناك إنسان ذاكرته ضعيفة، لكن محاكمته قوية جداً، و الحقيقة أن الإنسان مكرم بالعلم.

كل إنسان مفطور على حبّ وجوده وسلامة وجوده وكمال وجوده:

يا أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل أودع في الإنسان قوة إدراكية، قال تعالى:

﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾

( سورة الرحمن )

الشيء المؤلم أن ترى الطرف الآخر معظم الشباب بأعلى درجة من الثقافة، يتقنون عدة لغات، أنا أتألم ألماً شديداً أن ترى المسلم ضارب آلة كاتبة، آذناً، أو حاجباً، أو ساعي بريد، كلها مهن بسيطة جداً، دخلها قليل، ويتحكم فيك من هم أعلى منك، لماذا لا تكون أنت اسماً لامعاً بحرفة راقية، بدخل تعين من حولك، وإذا فات الإنسانَ القطارُ يحقق هذا الشيء بأولاده، كثير من الأشخاص فاتهم القطار، عندنا أخوان ما تعلموا، لكن أولادهم أطباء ومهندسون، الإنسان مفطور على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، فالأب الذي فاته العلم يحقق وجوده في ابنه، فأحياناً الأب يكون فاته العلم، لكن يعتني بأولاده، الأولاد كلما كانوا من معدن طيب يبالغون في احترام والدهم أمام الناس.
كنت أسمع أن في القلعة سرية عسكرية فيها ضابط شاب، وأبوه مساعد في الجيش، ويجب على المساعد أن يقدم الصف للضابط صباحاً بحسب الرتب العسكرية، فكان المساعد يقدم الصف لابنه، ثم يأتي ابنه، ويقبل يد والده أمام كل من في الثكنة، فالأدب موجود، وأحياناً يكون الأب بطلاً.
مرة أحد أخواننا درس الطب، والذي ينفق عليه أخوه، وهو عامل بسيط، لكن له عمل، فأنا قلت له: أخوك الذي أنفق عليك لا تقل قيمته عنك ولا شعرة.
الإنسان أحياناً يتنكر على من كان سبب دراسته، وسبب تفوقه العلمي، لذلك قال له: يا بني، نحن إلى أدبك أحوج منك إلى علمك، كثير من الحالات يستحي الابن من أبيه، يقول: هذا خادم عندنا، تقع، يكون الابن طبيباً، وعنده أصدقاء، وأبوه هو الذي علمه، هو هذبه، لكن لباسه عربي فرضاً، أو غير حديث، وليس متعلماً، فيتلقى إهانات من ابنه لا تحتمل، فلذلك:

أعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ فَلَمَّا اشتدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافِي فَلَمَّا قَالَ قَافِيَةً هَجَانِـي
***

النجاح في الحياة مسعد جداً:

أيها الأخوة الكرام، نحن في عصر علم، وأتمنى أن يكون في كل بيت طلاب متفوقون، لأن العمل اليدوي من دون خبرات فنية عالية لا يقدم ولا يؤخر، يتحكم فيه الناس، وهو ذليل أمامهم، وما عنده إمكانية أن يتعلم، ولا عنده إمكانية أن يفتح بيتاً، ولا إمكانية أن يتزوج، هذا واقع، فلذلك أتمنى أن يكون هذا الشهر، وأنتم آباء، وفي بيتكم زوجاتكم أن تعطوا هذا الدرس ملخصه لمن حولكم، ولمن في بيتكم، فلعلهم ينجحون بتفوق، والنجاح في الحياة مسعد جداً.
واللهِ كنت أدرس أحياناً ست عشرة ساعة، ترى الثمرة تقطفها بيدك، قال تعالى: 

﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾ 

( سورة النساء )

أنا لا أرى أن هناك متعة تفوق متعة العلم، بل إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، والعالم شيخ ولو كان حدثاً، والجاهل حدثٌ ولو كان شيخاً.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور