وضع داكن
19-04-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 059 - قيمة العمل
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة و العلم، و من وحول الشهوات إلى جنات القربات.

قيمة العمل :

أيها الأخوة الكرام، اخترت لكم في هذا اللقاء الطيب موضوعاً هو قديم وحديث في وقت واحد.
عمل المؤمن منضبط بمنهج الله
المجتمعات القوية التي تفرض الآن ثقافتها وانحرافها وإباحيتها على العالم كله قوية لأنها تعمل، أنا لا أُقيّم عملها أنا أقول قوية لأنها تعمل، وقد قال تعالى:

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا ﴾

[ سورة التوبة: 105]

فرق كبير بين عمل المؤمن وعمل غير المؤمن، عمل المؤمن بادئ ذي بدء منضبط بمنهج الله، عمل المؤمن يهدف إلى هدف نبيل، عمل المؤمن مبني على العطاء لكن العمل الذي يفعله الطرف الآخر عمل بعيد عن منهج الله، عمل مبني على الأخذ لا على العطاء، محصلة عمل الأقوياء أن الثروات في الأرض تجمعت في أيديهم، وبناءً على هذا فرضوا على العالم كله ثقافتهم وأنظمة حياتهم، ونموذج الإنسان عندهم أصبح معمماً على كل القارات، لذلك سوف أتحدث عن قيمة العمل ولكن لا بد من أن يسبقها أن النبي عليه الصلاة والسلام ذم سؤال الناس من دون سبب قاهر، الإنسان أحياناً يستمرئ أن يسأل الناس فإذا قدم له شيء بلا تعب بلا جهد يؤثر البطالة على الطاعة، على العمل، والحقيقة البطالة وراءها مفاسد لا تعد ولا تحصى.

 

ذم سؤال الناس من دون سبب قاهر :

من فتح على نفسه باب المسألة فتح الله عليه باب الفقر
أريد بادئ ذي بدء أن أبين لكم مقالة النبي عليه الصلاة والسلام في قضية ذم المسألة، كبداية ما فتح أحد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، أنا أتمثل هذا البيت: ملك الملوك إذا وهب البيت أصله لا تسألن عن السبب أنا عدلت كلمة.

ملك الملوك إذا وهب قم فاسألن عن السبب
الله يعطي من يشاء فقــــــف على حد الأدب
***

أريد أن أبين لكم أن المسألة وصمة عار بحق الإنسان إلا إن كانت عن ضرورة يقول عليه الصلاة والسلام: عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ))

[ متفق عليه عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ ]

مزعة أي قطعة لحم، أي يبذل ماء وجهه، والنبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا أن ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير.

 

ارتقاء الإنسان بأخلاقه :

الإنسان أيها الأخوة الكرام يرقى بأخلاقه، بعض الأخوة الكرام أرى من عفتهم الشيء الذي لا يتصور، إنسان طالب علم من بلد بعيد يأخذ من إنسان محسن مبلغاً بسيطاً من المال لعله لا يفي بحاجته، قال الأخ الذي يعطيه هذا المبلغ كل شهر طالب علم، هذا إنسان ضيف بلدنا وفقير، ويتعلم ليعلم، وقد يعود إلى بلده داعيةً كبيراً، أو إماماً كبيراً، أو مدير معهد شرعي أو مفتياً هناك، أنا لا أنسى هذه القصة التي رواها لي بعض علماء دمشق، قال لي أحد الشيوخ المحترمين - توفاه الله عز وجل- طالب من تركيا التحق بمسجدنا، فرزت له بعض المدرسين، وبعد عشرين عاماً طرق باب بيتي فإذا مركبتان كبيرتان كل مركبة فيها قريب خمسين طالب علم تلامذة هذا الطالب الذي غاب عشرين عاماً، صار مفتياً في تركيا، ورئيس معهد، وعلّم الطلاب، وجاء بهم إلى الحج وزار الذي علمه.
من الأعمال العظيمة تكفل طلاب العلم
كنت في مؤتمر إسلامي في مصر ألقى مندوب نيجريا كلمة والله لا أنساها، لا أنسى عمقها، ولا أنسى فصاحته باللغة العربية، ولا أنسى، ولا أنسى، وفي نهاية الكلمة قال: أنا تعلمت في دمشق، تكاد كلمته تفوق كل الكلمات التي ألقيت في المؤتمر، ومرة دعوت بعض طلاب العلم إلى مكان جيد، فقام أحدهم أيضاً وألقى كلمة والله ما سمعت أقوى منها من طلاب دمشق وهو من بلد إفريقي بلغة وفصاحة ما بعدها فصاحة، إذا إنسان تكفل طالب علم أنا والله أحض الأخوة الذين لهم أعمال كبيرة، أصحاب معامل، أصحاب متاجر كبيرة، أنك إذا عينت عندك طالب علم بنصف دوام، أعطيته ما يساوي دواماً بكامله بنصف دوام بعد الظهر لا تأت ادرس، فهو أعطاك نصف جهده ونصف جهده الثاني بذله من أجل تحصيل العلم، هل تصدق أيها الأخ المحسن أن كل دعوته المستقبلية في صحيفتك، لكن لا أحد يعلم ماذا في الآخرة؟
قلت مرة: النبي عليه الصلاة والسلام يمشي في الطريق مع أصحابه فإذا بقبر فقال عليه الصلاة والسلام ودققوا في هذا الكلام:

(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم ....))

[ابن المبارك عن أبي هريرة ]

الله أكبر قرأ الفاتحة مدهامتان الله أكبر، قال له: معقول مدهامتان بركعة واحدة؟ كل ركعة مدهامة، من كثرة السرعة.

(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم))

[ابن المبارك عن أبي هريرة ]

هذه الدنيا مليارات الدولارات، معامل عملاقة، بوارج، هناك شركات تصنع من الإبرة إلى الطائرة، كل هذه الشركات، كل هذه الأموال، كل هذه المؤسسات:

(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم))

[ابن المبارك عن أبي هريرة ]

العفة بالإنسان قيمة عالية جداً :

لذلك أنا خرجت من قصة أن أحد الأخوة الكرام يتولى طالب علم، ويعطيه مبلغاً على الحدود يكفيه طعاماً وشراباً من الطعام الخشن، ويكفيه خُمس أجرة بيت، خمسة طلاب يسكنون في بيت واحد، أي ألف كل شهر، أربعة آلاف طعام وشراب، قال لي في أحد الشهور: لا أريد النقود هذا الشهر، قلت: لماذا؟ قال: والدتي أرسلت لي خمسة آلاف، أرأيت إلى هذا التعفف؟ هل نعلم نحن أن أمه جاءته بهذا المبلغ، فالعفة بالإنسان قيمة عالية جداً ومع ذلك بالمقابل أقول لكم كلمة معاكسة: إذا إنسان عنده قضية خطيرة ولم يسأل فهو آثم.
العفة قيمة غالية عالية
حدثني إمام مسجد في بلدة حول دمشق شعرت امرأته بآلام في بطنها، فذهبت إلى الطبيب، فقال: لا بد من تنظير والتنظير يكلف خمسة آلاف، وهو لا يملك الخمسة آلاف فألغى معالجتها، وإذا ورم خبيث في المعدة كان من الممكن أن يستأصل لكن عدم متابعة المعالجة انتشر هذا المرض في كل جسم زوجته وماتت، معقول تكون سبباً في وفاة زوجتك؟ لا تملك هذا المبلغ ولا تسأل؟ في مئات المسلمين والله أحياناً هناك بذل لأي مشروع طبي إسلامي لخدمة المؤمنين الفقراء بأرقام فلكية.
حدثني بعض الأخوة الكرام رئيس صندوق العافية قال لي: مخبر عملاق تعاملنا معه أول شهر، فكان المبلغ مئتين وستين ألفاً، فسامحنا به، في الشهر الثاني ثلاثمئة وخمسون ألفاً فسامحنا أيضاً، قال لي: لا أتحمل، عدة مؤسسات خيرية هو مخبر تحليل، لكن لا تظن أنك وحدك تريد الله عز وجل، تريد الآخرة، كل مسلم يريد الله لكن حينما يتاح له العمل الجيد والصحيح والنظيف والهادف يقوم به، إذاً قضية العفة:

(( لا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ))

[ابن المبارك عن أبي هريرة ]

على الغني أن لا يزاحم الفقير في المشفى العام وأن يلجأ لمشفى خاص
أحياناً أتألم أنا أن هناك مستشفيات مجانية للفقراء ما بال بعض الأغنياء يأتون إليها؟؟ هذه دعها للفقراء، دعها لأصحاب الدخل المحدود، والله مرة كنت في أمريكا وأنا ألقي محاضرة شعرت بارتباك، ثم علمت أن قريب من دعوني إلى هذه المحاضرة في دمشق مات في أثناء العمل الجراحي، مات بمستشفى تأخذ عشر أجور العمليات بواسطة وهو غني كبير، قلت: غني كبير تحاول أن تستخدم مستشفى فيها تخفيضات، وفيها دعم من أجل أصحاب الدخل المحدود وأنت في بحبوحة!! دع هذا المكان، وهذا الطبيب، وتلك العملية إلى الفقير، فلذلك قضية العفة ليس لها علاقة بالغنى، قد يكون الإنسان معه مئات الملايين ونفسه تتمنى أن تأخذ حصة الفقير، أنتم هل تصدقون بعهد سيدنا عمر بن عبد العزيز أكبر مشكلة يعاني منها المسلمون أنهم يطوفون في أطراف البلاد من أجل أن يجدوا إنساناً يقبل زكاة مالهم و لم يجدوا، الإسلام أغنى الناس.

(( لا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ ))

[ متفق عليه عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ ]

أنا قدمت كلام توازن، إذا إنسان بحاجة ماسة لمرض يعاني منه ابنه أو زوجته ولا يملك ثمن العلاج ولا يسأل أنا أعده آثماً معك دليل، أما لأشياء تافهة، لأشياء ثانوية، كمالية، فيتضعضع أمام الغني قال عليه الصلاة والسلام:

(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))

[ البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود]

ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير.
و في حديث آخر رواه الإمام مسلم:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

تكثراً ليستكثر منها، يسأل جمراً يحرق به، ما بال سلفنا الصالح كان إذا إنسان فتح محله التجاري و جاء من اشترى منه، و جاء إنسان آخر يقول له: لا، اذهب إلى جاري أنا بعت، و الله بعض الأطباء الأكارم جزاهم الله خيراً يحملون أعلى اختصاص من أمريكا أرادوا أن يقدموا خدمة لهذا البلد، اتفقوا و استأذنوا وزير الصحة أن يسافروا للمحافظات و يعلموا اختصاصهم للأطباء الذين لم يتح لهم السفر إلى أمريكا، إنسان يبذل علمه الذي تعلمه و كلفه أموالاً طائلة لإنسان يعالج الناس لكن علمه محدود جداً.

 

حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :

بصراحة أريد أن أقول لكم: يجب أن يكون لك عمل تبتغي به وجه الله، عمل تلقى الله به، يا رب فعلت هذا من أجلك هل تقبلني؟ لكن كل حركته مبنية على مصالحه، لا يتحرك حركة.
قم بعمل تبتغي به وجه الله
مرة حدثني أخ قال لي: كنا مقطوعين بالطريق عندنا الرافعة بالسيارة غير موجودة و العجلة فسدت، نحتاج إلى تبديل عجلة، و مكان الانقطاع بأول طلعة عالية، و اليوم جمعة، و السير كثيف جداً، و لم يتوقف أي إنسان ليعيننا، ومعنا نساء محجبات، انتظرنا ساعة ثم ساعتين و لم يتوقف أحد، ثم وقفت مركبة، يا الله لا تخلو الدنيا من إنسان شهم وقف وقال لهم: ائمروا، قال له صاحب المركبة: نريد رافعة، قال لهم: تفضلوا، يقول لي الأخ كل من حوله بأنفسهم ما شاء الله لا تخلو الدنيا من إنسان خير، إنسان طيب، إنسان رأى سيارة مقطوعة، و يوجد نساء محجبات و الدنيا ليل و توقف و تعطل، بعدما انتهى من استخدام الرافعة قال له: اسمح لي بخمس ليرات، قال له صاحب المركبة: و الله لو طلبت مئة لأعطيك لكن ليتك لم تطلب هذه الخمس ليرات.
الغني يجب أن يكون متواضعا
عمل عظيم صار عند الله بخمس ليرات انتهى، القصة طبعاً من خمس و عشرين سنة قديمة انتهت الآن يطلب خمسمئة، قال له: لو طلبت مئة لأعطيتك لكن ليتك لم تطلب شيئاً.
أتمنى عليكم عملاً لوجه الله، لا سمعة و لا شكراً و لا ترحيباً و لا ثناء و لا رخامة، أنشأ هذه المئذنة المحسن الكبير الفلاني، يوجد شخص إذا ما كتبت رخامة لا يعطيك، يريد رخامة.
حدثني أخ بتركيا قال لي: و الله دفع صناعي كبير لجمعية خيرية مبلغاً فلكياً ثلاثمئة مليون دولار، و كان هناك عالم من دمشق سمع بهذا الخبر لم يصدقه، قال لهم: اجمعوني معه، فدعوه إلى طعام الفطور صباحاً، و جاء العالم الدمشقي ليرى هذا المحسن الكبير الذي دفع مبلغاً فلكياً للتعليم وغيره، فانتظر ساعة لم يأت هذا الغني، قال: أين هذا الذي دعوتموه من أجلي؟ قالوا له: جاء قبلك و هو يجلس إلى جانبك، فقال هذا العالم الدمشقي: من شدة تواضعه لم أتوقع أنه هو.
أحياناً الإنسان يعطي مع التواضع، فأنت حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، كل شخص يسأل نفسه بصراحة: لك عمل صالح لله تلقى الله به، يا رب هذا العمل لا أبتغي منه شيئاً لا جزاء و لا شكوراً:

﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 9]

تعلق العفاف بكل شيء في حياة الإنسان :

إذاً:

(( مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا ... ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

أي ليزيد ماله بها.

(( ...فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا ... ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

من تضعضع للغني ذهب ثلثا دينه
أي يحرق به.

(( ....فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

نحن كلمة عفاف نتوهمها متعلقة بالنساء، الحقيقة العفاف متعلق بكل شيء، الإنسان أحياناً يتعفف عن المال، أحياناً يتعفف عن مكسب يضعفه أمام الآخرين يقول: معاذ الله، و عن أبي عبد الرحمن بن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَبِيبُ الْأَمِينُ أَمَّا هُوَ فَحَبِيبٌ إِلَيَّ وَأَمَّا هُوَ عِنْدِي فَأَمِينٌ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ قَال:

(( كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ فَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ قَالَ عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتُطِيعُوا وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ ))

[ مسلم عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ]

أخواننا الكرام: يوجد ثلاث قواعد وضعها النبي عليه الصلاة والسلام في بعض ما نقل عنه، برئ من الكبر من حمل حاجته بيده، برئ من الشح من أدى زكاة ماله، برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله.

 

أعظم أنواع الزكاة التي تحول آخذ الزكاة إلى دافع زكاة :

أيها الأخوة الكرام، تعلمون الحديث الذي أرويه كثيراً:

(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))

[ البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود]

و الحديث الآخر حكمة:" احتج إلى الرجل تكن أسيره، و استغن عنه تكن نظيره، و أحسن إليه تكن أميره" و عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: علم النساء صنعة تكفيهم مذلة السؤال

(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى.......))

[متفق عليه عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ]

أنا أذكر أن محسناً كبيراً قدم بيتاً بأرقى أحياء دمشق لجمعية خيرية، ترأستها إحدى أخواتنا، فهذا المحسن قدم هذا البيت و أصبح هذا البيت مركز تأهيل مهني للفتيات الفقيرات، أي فتاة فقيرة تعلم الخياطة بأعلى مستوى، ثم تعطى آلة خياطة، ثم يقدم لها القماش، و تخيط هذا القماش أثواباً، ثم تباع هذه الأثواب بمحل بمنطقة راقية بدمشق، و تعود أرباح هذه الأثواب لهذه الخياطة، كانت متسولة فأصبحت منفقة، كانت تمد يدها فأصبحت تعطي، أقول لكم دائماً: أعظم أنواع الزكاة التي تحول آخذ الزكاة إلى دافع زكاة، لا تطعمني سمكاً علمني كيف أصطاد السمك.
عند بعض الأئمة الكبار أن الزكاة ينبغي أن تغني الفقير طوال العمر، لا تفهموا هذا الكلام فهماً ساذجاً، أي بالشهر عشرة آلاف، بالسنة مئة و عشرون، هذا عمره ثلاثون سنة و يعيش ثلاثين سنة أخرى، ثلاثون بمئة و عشرين، لا ليس هذا هو الحساب، اشتر له آلة حياكة، مركبة نقل، أعطه آلة يكسب رزقه بها، هذا شيء يعلم الإنسان الكرامة، يعلمه أن يأخذ مالاً من تعبه، من عرق جبينه و كد يمينه، فلذلك: علمني كيف أصطاد السمك.

 

من جبر خاطر الناس كافأه الله بمكافآت لا تعد و لا تحصى :

جبران الخواطر يورث الرزق الوفير
إذاً هذا الذي قدم البيت الغالي بأرقى أحياء دمشق قدمه لوجه الله، و صار الآن مركز تأهيل مهني للفتيات الفقيرات، أقيم له حفل تكريم في مطعم، و قام الخطباء يشيدون بإحسان هذا المحسن إلا أن واحداً منهم قال كلاماً غريباً، رئيس الجمعية قال كلاماً غريباً غير مقبول بهكذا مناسبة، قال له: أيها المحسن الكبير كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا فتقف في طابور طويل كي تأخذ خمسمئة ليرة قبل العيد بيومين، و أن تأتي بهويتك، و أن تبصم على الجدول، و لكن الله جعلك تنفق، ما معنى هذا الكلام؟ أنت إذا أنفقت يجب أن تذوب لله شكراً أنه جعلك تنفق و لم يجعلك تأخذ و مهما كنت ذكياً:

و لو كانت الأرزاق تجري على الحجا هلكن إذاً من جهلهن البهائم
***

قال بعض الشعراء:

أغرب خلف الرزق و هـو مشرق و أقسم لو شرقت راح يغرب
***

قد تكون في أعلى درجة من الذكاء و لا تستطيع أن تكسب ليرة واحدة، و يأتي إنسان بسيط ساذج لكن نظيف اليد، طيب النفس، الله عز وجل يعطيه بغير حساب.
أنا لا أنسى هذه القصة أرويها لكم لكن للموعظة، إنسانة تريد الزواج و لم تكن صادقة، يوجد عندها عرج ثماني سنتمترات، الفرق بين كل رجل ثماني سنتمترات، فاستخدمت حذاء عالياً للقدم الأولى و الثانية من دون علة إطلاقاً، و لبست ثوباً طويلاً فهذا العرج اختفى، خطبت و قبلت و يوم العرس كشفت، فأم هذا الشاب الذي تزوجها و كذبت عليه تحضه على تطليقها فوراً، هذا الشاب يحب الله، فتاة تبحث عن زوج و جيدة و أخلاقها عالية لكن هذا الشيء ليس بيدها قال لها: و الله لا أطلقها، و الله لا أكسر قلبها و لا أطلقها و أنا قبلت بها، و أمه ألحت عليه إلحاحاً شديداً لكنه أصر على موقفه، هو يعمل في تجارة متواضعة جداً كيف خلال عدة سنوات ملك مئات الملايين لا أحد يعرف، عندما أنت تجبر خاطر الناس الله عز وجل يكافئك مكافآت لا تعد و لا تحصى.

 

اليد العليا خير من اليد السفلى :

أنا أقول لكم دائماً عامل الله عز وجل و كن محسناً: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ....))

[متفق عليه عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ]

نظر إليه، و تمناه، و كان كالذي يأكل و لا يشبع:

((..... كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى... ))

[متفق عليه عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ]

الله كريم، و الله عزيز، كن عزيزاً، قل له: يا رب أعطني حتى أعطي، فسيدنا رسول الله عندما قال لحكيم بن حزام:

((فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ))

[متفق عليه عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ]

أي أخذه بعفة.

((بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ))

[متفق عليه عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ]

أي بطمع.

((لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى))

انتبهوا لما قال حكيم:

((.....قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا....))

[متفق عليه عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ]

اليد العليا خير من اليد السفلى
أي بحسب توجيهك لن آخذ من أحد شيئاً:

((.... فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى الْعَطَاءِ ـ كان بالجهاد من حقه ـ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ ))

[متفق عليه عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ]

انظر لهؤلاء الصحابة، النبي وجهه توجيهاً واحداً فحلف ألا يأخذ شيئاً، لما قال عليه الصلاة و السلام: لا تسألوا الناس شيئاً، كان الصحابي يركب ناقة و يقع زمامها على الأرض فينزل من على الناقة و يأخذ الزمام و يعلوها ثانية و لا يسأل أحداً أن يناوله الزمام، فالعفة رائعة جداً.
أيها الأخوة الكرام، الحقيقة الهدف من هذا الدرس تعزيز قيم العمل، و قيم الكسب المشروع، و قيم اليد العليا خير من اليد السفلى، و لكن بدأنا بأن النبي عليه الصلاة والسلام أثنى على التعفف و ذم الطمع، و أنا أؤكد لكم أن هذا لا يعني أنك إذا كنت مضطراً فاسأل، أنت بين إخوة يحبونك، اسأل لأنك إن لم تسأل و صار هناك خطر كبير فأنت مؤاخذ.

 

تحميل النص

إخفاء الصور