وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 067 - موقعة بدر .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أيها الإخوة الكرام، موقعة بدر كانت في 17 من رمضان، ولهذه المعركة دلالات كثيرة، بل إن موضوع المعارك التي تمت في الدعوة الإسلامية لها دلالات كبرى، فقد قال الله عز وجل:

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

( سورة آل عمران الآية: 123 )

النصر و الإفتقار إلى الله و الهزيمة و الإعتاد بالنفس

 معنى [أَذِلَّةٌ ] في الآية أي: أنكم مفتقرون إلى الله عز وجل، فالإنسان حينما يأخذ بالأسباب، ويعتمد عليها، وينسى مسبب الأسباب يتخلى الله عنه، لأنه وقع في الشرك، وهذا حصل للصحابة الكرام في موقعة حنين، حينما قالوا:

(( ولا يُغلَبُ اثنا عشَرَ ألفاً مِنْ قِلةٍ ))

[ رَوَاهُ اللّ).ُ بن سعدٍ عن عُقَيْلٍ عن الزّهْرِيّ ]

 قال تعالى:

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾

( سورة التوبة )

 إذاً في بدر افتقروا، فنُصِروا، وفي حنين اعتدوا بعددهم فلم ينتصروا، ماذا نستنبط من هاتين الواقعتين ؟ أن اتعالى:إذا أعلن أنه مفتقر إلى الله، وكان في حقيقته مفتقراً إلى الله، وتوكل على الله، ولجأ إليه، واستعان به، واعتقد يقيناً أن النصر من عنده وحده، وأخذ بالأسباب المتاحة عندئذٍ ينتصر، هل هناك من هدف تتوق له نفوس المسلمين في العالم كهدف النصر ؟ قال تعالى:

﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾

(سورة آل عمران الآية: 126 )

 ( ما ) و( إلا ) تفيدان الحصر والقصر، يعني لا يمكن أن ينتصر إنسان، أو قوة إلا إذا سمح الله بذلك،

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 160 )

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) ﴾

( سورة الصافات )

شروط النصر

 إذاً النصر يحتاج إلى شرالصحيح،ن، كل واحد منهما شرط لازم غير كافٍ:

الشرط الأول: أن نكون مؤمنين بالمعنى الصحيح

 أن نكون مؤمنين بالمعنى الصحيح، حقيقة، وعلامة الإيمان الحقيقي أن يحملك إيمانك على طاعة الله، فما لم تطع الله عز وجل لا يمكن أن تنتفع من إيمانك شيئاً،
إيمان إبليس
 ذلك لأن إالآية:ذي تزعمّم لإضلال البشر قال: رب، فآمن بربه:

﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾

( سورة ص الآية: 82 )

 آمن به عزيزاً، قال:

﴿خَلَقْتَنِي﴾

( سورة الأعراف الآية: 12 )

 آمن به خالقاً، قال:

﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)﴾

( سورة الأعراف )

 آمن باليوم الآخر، ومع ذلك تزعّم إضلال البشر، فلا يمكن أن تقطف من ثمار الإيمان شيئاً إلا إذا كنت مؤمناً، وعلامة الإيمان الذي يرضى الله عنه أن يحملك على طاعة الله، وعلى الحركة في سبيل الله.

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾

( سورة الأنفال الآية: 72 )

الإيمان الصحيح
 إخواننا الكرام، الإيمان حركي، فما لم تتحرك وفق إيمانك فإيمانك لا يقدم ولا يؤخر، ولا وزن له عند الله، ولا أثر له في حياتك، ما لم تتحرك، ما لم تأتمر بما أمر، وتنتهي عما عنه نهى وزجر، ما لم تعطِ لله، وتنع لله، ما لم تصل لله وتقطع لله، ما لم ترضَ لله وتغضب لله، ما لم تتحرك وفق منهج الله فإيمانك لا يمكن أن تنتفع منه، وأكبر دليل أن مليار وثلاثة مئة مليون مسلم لا وزن لهم في الأرض، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم إليهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، لأن أمر الله هان عليهم فهانوا على الله، والعدد لا قيمة له إطلاقاً.

﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾

( سورة البقرة )

 أيها الإخوة، لا بد من تحقيق شرطين، ونحن في ذكرى موقعة بدر، لا بد من تحقيق شرطين اثنين، كل منهما شرط لازم غير كافٍ:
الشرط الأول: الإيمان بالمعنى الصحيح، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

( سورة الروم )

 فكلمة [ عَلَى] إذا جاءت عقب لفظ الجلالة معنى ذلك أن الله ألزم ذاته العلية بذلك، وشواهد هذا كثيرة، من هذه الشواهد:

﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

( سورة هود )

 أي ألزم ذاته العلية بالاستقامة مع خلقه،

﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾

( سورة هود الآية: 6 )

 عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

(( بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))

[ متفق عليه ]

 هذا حقك أيها المسلم على الله، أنشأ الله لك حقاً عليه أنك إذا أطعته ألا يعذبك في الدنيا ولا في الآخرة.
 يا ابن آدم، كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمنِي بما يصلحك، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
 ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه.
 الإيمان الذي هو شرط لازم غير كافٍ للانتصار في بدر، وفي حنين، وفي أُحد وفي أية معركة إلى يوم القيامة، لأن الله أنشأ للمؤمنين حقاً عليه، قال:

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

 ودققوا أيها الإخوة، ذكرت آيتين اثنتين أخريين،

﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾

 الله عز وجل أنشأ لمخلوقاته حقاً عليه، أن يرزقهم.

﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾

( سورة النحل الآية: 9 )

 أنشأ الله لنا حقاً عليه أن يهدينا إليه:

﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

 الله عز وجل ألزم ذاته العليّة بالاستقامة مع خلقه.

((... يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ... يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ... يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[ رواه مسلم عن أبي ذر ]

 ذلك لأن عطائي كلام، كن فيكون، وأخذي كلام زل فيزول.
 عبدي، خلقتُ لك السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه كل حين، لي عليك فريضة ولك علي رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك، ولا أبالي، وكن عندي مذموماً.

مظاهر الإيمان الصحيح
 الإيمان حركة، استقامة، التزام، ضبط لسان، ضبط جوارح، غض بصر، صدق، أمانة، عفة، إنجاز للوعد، تحقيق للعهد، رحمة، رأفة، هذا هو الدين، فإن التزمنا بهذا قطفنا ثمار الإيمان، ومن أبرز ثمار الإيمان أن ننتصر على أعدائنا، لذلك نحن في ذكرى موقعة بدر التي وقعت في 17 من رمضان، وهذه الموقعة تم فيها النصر، لأن الله عز وجل يقول:

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 بالمناسبة، في موقعتين لم ينتصر بها المسلمون، في حنين، وفي أُحُد، لماذا ؟ في أُحُد لم يطيعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلو أن الله نصرهم لسقطت طاعة رسول الله.
 لو أنّ طالبا ما درس ونجح، كانت الدراسة لا معنى لها، لو أنّ طالبا غش بالامتحان ونجح كانت الدارسة لا معنى لها.
 في بدر لأسباب تكتيكية إن صح التعبير، لم يطيعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم، أما في حنين فلأسباب عقائدية، اعتقدوا أن عددهم الكبير سيكون سبب نصرهم

﴿ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾

 ولو أنهم انتصروا في حنين مع أنهم قالوا:

﴿لن نغلب من قلة ﴾

 لسقط التوحيد، إذاً المؤمنون تجري عليهم قوانين الله عز وجل.
 كلكم يعلم كيف أن المسلمين استطاعوا فتح بلاد الأندلس، فتحوها، وأقاموا فيها حضارة ما بعدها حضارة، ويوم مالوا إلى الموشحات، وإلى الجواري والقيان، وإلى شرب الخمور خرجوا منها، وقالت أم أحد آخر حكام الأندلس:

ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعا  لم تحافظ عليه مثل الرجال
***

 إذاً الشرط الأول من شرطين، وكل منها شرط لازم غير كافٍ: الإيمان الذي يحمل على طاعة الله، والإيمان الذي لا يحمل على طاعة لا قيمة له إطلاقاً، ولا شأن له عند الله.
 أيها الإخوة الكرام، نقطة دقيقة: المعركة بين حقين لا تكون، مستحيل أن تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، معية الله حاكمة، أما المعركة بين باطلين فلا تنتهِي، معركة العمر لا تنتهِي، السبب إذا لم يكن الطرفان المتحاربان مؤمنين فالحديث عن الأسلحة، وعن مداها المجدي، وعن تطويرها، وعن دقة إصابتها، وعن سرعتها، وعن ثمنها، وعن الدولة الصانعة لها، هكذا، إن لم يكن إيمان عند الطرفين فالأقوى ينتصر، والأذكى ينتصر، ومن يملك الأقمار الصناعية ينتصر، ومن يملك الصواريخ العابرة للقارات ينتصر، ومن يملك أسلحة مداها المجدي بعيد ينتصر، ومن يملك القنبلة الذرية ينتصر، فقط.
 المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، ومعيته حاسمة.

﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾

( سورة البقرة )

 أما بين باطلين فلا تنتهي، الحديث عندئذٍ عن السلاح، وعن القوة، وعن العتاد وعن الإعداد، وعن التدريب، وعن القيادة، إلخ... هذه نقطة.
 الشرط اللازم الثاني: أول شرط الإيمان الذي يرافقه التزام، وانضباط.

الشرط الثاني: هو الإعداد

 قال تعالى:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

( سورة الأنفال الآية: 60 )

 هناك ملمح دقيق في كلمة: [ مِنْ]:
لو أن إنساناً عرض عليك شراكة، فقلت له: كم تحتاج ؟ قال لك: أحتاج إلى مليون ليرة، مني مليون، ومنك مليون، فإذا قلت له: ليس معي مال لهذا المشروع، يعني ليس معك مال يساوي المليون، ما معك مال يكافئ شراكتي معك، أما إذا قلت له: ما معي من مالٍ أدخلت "من"، ولا ليرة واحد ة، ما معي مال يكافئ نصيبي من المشروع، أما ما معي من مال، أي لا أملك ولا درهماً واحداً، قال تعالى:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 أي يجب أن تعدوا لهم كل أنواع القوى، قوة جاءت نكرة، وهذا التنكير تنكير شمول، ليشمل كل أنواع القوى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾

( سورة الأنفال الآية: 60 )

 الخيل قوة، الذي عنده خيل وجمال وسيوف ينتصر، بعد حين صار هناك منجنيق، بعد حين صار هناك سفن، الآن القوة تعني كل شيء، تعني الإعلام، تعني الأقمار، تعني التدريب، تعني الأسلحة،

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 ولكن قد نغفل عن كلمة: ﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾، أنتم لستم مكلفين، وهذا من رحمة الله بنا أن نعد القوة المكافئة، وقد يبدو مستحيلاً أن نعد القوة المكافئة، ولكن الله أمرنا أن نعد القوة المتاحة،

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 هذا اسمه القوة المتاحة، فإذا أعددتم ما استطعتم من قوة يتولى الله ترميم النقص هذا، كلام قرآني، وما من مسلم إلا وفي هاجسه النصر، متى ننتصر ؟ متى تكون كلمة المسلمين هي العليا ؟.
أذكر لكم حادثة، أن قيصر الروم مات، وجاء من بعده قيصر آخر، اسمه نقفور فأراد أن ينقض عهده مع هارون الرشيد، أو ألا يدفع الجزية، فجاء أمير المؤمنين هارون الرشيد الخليفة كتابٌ من هذا الإمبراطور، فأجابه الخليفة بكتاب فيه: أما بعد ؛ من هارون الرشيد إلى كلب الروم نقفور الجواب ما ترى لا ما تسمع، انتهت الرسالة، وحاربهم، وانتصر عليهم.
 هل يستطيع واحد في العالم الإسلامي مهما علا شأنه أن يخاطب الطرف الآخر بهذا الخطاب ؟ مستحيل، لأنهم ضعاف.

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 إذاً الإيمان الذي يحمل على طاعة الله، وإعداد القوة المتاحة شرطان أساسيان، كل واحد منهما شرط لازم غير كاف للنصر، ومهما بحثنا عن أسباب نصر أخرى فالطريق مسدود، مهما ارتمينا على جهة أو على أخرى مسدود، مهما تنازلنا، وقدمنا تنازلات لا يمكن أن نتنازلها، فالنصر مفقود، ما لم نعتصم بالله، ما لم نقم أمره في حياتنا، ما لم نرجع إليه، ما لم نعتمد عليه، ما لم نثق به، ما لم نعتقد أنه وحده هو الناصر، فالطريق إلى النصر ليس واضحاً.

تصورات خاطئة لتعاليم الدين

 إخواننا الكرام، كلمات الإسلام هذه التي نرددها فيها تصور خاطئ لها،

لا إله إلا الله

 مثلاً نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، الحمد لله، فلان نطق بالشهادة، لو تنطق بها مليار مرة ولست مستقيماً فلا قيمة لها، الدليل:

((من قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها ؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))

[الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال]

 فإذا لم تحجزك لا إله إلا الله عن محارم الله فلا قيمة لها، حتى صلاتك لا قيمة لها إطلاقاً إن لم تنهك عن الفحشاء والمنكر.

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾

( سورة العنكبوت الآية: 45 )

الصيام

 حتى الصيام لا قيمة له إطلاقاً إن لم تبتعد عن كل المعاصي والآثام.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))

[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة أحمد في مسنده]

إنفاق المال

 حتى المال الذي تنفقه إن لم ترافقه استقامة لا يقبل.

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53)﴾

( سورة التوبة )

 أقرأ عليكم آية تدهشون في معناها:

﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

( سورة التوبة الآية: 80 )

﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)﴾

( سورة التوبة )

الصلاة

 يعني أنه يمكن أن تصلي، وأن تنفق، وأنت عند الله كافر، الآية صريحة جداً:

﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾

﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)﴾

التمسح بالدين

 إذاً قضية التمسح بالدين، التزيّ بالدين، قضية أن تجهر شيئاً، وتخفي شيئاً، أن تركب موجة الدين، أحياناً يبدو للناس أن الخلاص في الدين، كل النظريات التي استوردناها، أو التي اخترعناها لم تحقق شيئاً، إذاً يغلب على حس الناس، وعلى عقلهم الباطني أن الخلاص بالإسلام فقط، فهذه الحالة اسمها قوة موجة الدين، هناك من يركب هذه الموجة، يتاجر به، وليس ديناً، الآن الشيء الرائج هو الدين، كتاب إسلامي، معرض كتاب، مؤتمر إسلامي، تقاليد إسلامية، أقواس إسلامية، زخرفة إسلامية، فلكلور إسلامي، فن إسلامي، هذا موجود، الحمد لله، لكن ليس هناك إسلام، كيف ؟.

لا يوجد إسلام

 إخواننا الكرام، النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، يقول:

(( لن ـ بتأبيد النفي في المستقبل ـ لن تغلب أمتي من اثني عشَرَ ألفاً مِنْ قِلةٍ ))

[أبو داود عن ابن عباس بسند صحيح]

 اثنا عشر ألف مؤمن حقيقي كما أراد الله لن يغلبوا في الأرض، في العمرة برمضان أربعة ملايين، يجتمع بالعمرة أربعة ملايين، والنبي عليه الصلاة والسلام:

(( لن تغلب أمتي من اثني عشَرَ ألفاً مِنْ قِلةٍ ))

حال المؤمن؟ و ما هو حال المسلمين؟

 المؤمن الواحد كألف، بل كالمئة ألف، بل كالمليون، سيدنا خالد في معركة نهاوند كان عدد جنوده ثلاثين ألفاً، مقابل ثلاثمئة ألف مقاتل، فطلب من سيدنا الصديق النجدة و المدد، وطلب منه خمسين ألف مقاتل، بعد حين جاء المدد، رجل واحد، اسمه القعقاع بن عمرو، قال له سيدنا خالد: أين المدد ؟ قال: أنا المدد، قال: أنت ! قال: أنا، وهذا الكتاب، أرسل معه سيدنا الصديق كتابا يقول: والذي بعث محمداً بالحق يا خالد لا تعجب أن أرسلت لك واحداً، والذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيف القعقاع بن عمرو لا يهزم.
واحد ! والآن مليار وثلاثة مئة مليون مسلم، عقب سقوط بغداد تم من دولة إسلامية 64 مليون اتصال من المسلمين إلى ستار أكاديمي، محطة فضائية ساقطة تعرض المرأة بأبشع طريق ؟! من دولة إسلامية بعشرين يوما من سقوط بغداد،هؤلاء المسلمون، والسودان تموت من الجوع، كنت بجنوب السودان، قال لي أحدهم: يأكلون كل شيء عدا السيارة، وفي الجو يأكلون كل شيء عدا الطائرة، وفي النهر يأكلون كل شيء عدا القارب، من شدة الجوع، هذه أمة تستحق النصر ؟ مثل هؤلاء المسلمين يحتاجون إلى مثل هذه الضغوط، والتحديات، ويحتاجون إلى تدنيس مصحفهم، هذا من ضعفهم، نحن السبب في تدنيس المصحف، لأننا ضعاف، أرادوا استفزازنا، أرادوا أن يأتوا بامرأة لتخطب في خمسين إنسان في أمريكا مع خمسين محطة فضائية، ومراسلين، هذا تحدّ ما بعده من تحدٍّ، امرأة سوف تخطب في المسلمين، وليس عليها في الأصل صلاة جمعة، لذلك مليار وثلاثة مئة مليون مسلم:

﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105)﴾

( سورة الكهف الآية: 105 )

 عَنْ سَهْلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا، سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي ))

[متفق عليه]

 أيها الإخوة، أنا لا أريد أن نجلد ذواتنا، لكن أريد أن أعطيكم مبررا لتخلي الله عنا، هان أمر الله علينا فهنا على الله.
 في مناسبة موقعة بدر سبب النصر هو الإيمان الذي يحمل على طاعة الله.
 والشرط الثاني: أن نعد لأعدائنا ما نستطيع من قوة، أعدوا لنا طائرة، تنطلق من أمريكا، وتطير إلى الشرق الأوسط، أو إلى أفغانستان، وتقصف، وتعود دون أن تتزود بالوقود، هذه صنعت عام 1960، وصالحة لـ 2040، هذه (ب 52 )، أعددنا لهم أم أعدوا لنا ؟ أعدوا لنا، فلما أعدوا لنا فرضوا علينا إباحيتهم، لما أعدوا لنا فرضوا علينا ثقافتهم، لما أعدوا لنا فرضوا علينا أنظمتهم، ولا يسمحوا لتركيا أن تدخل في السوق المشتركة إلا إذا أقرت أن الزنا ليس فيه شيء، يجب أن ينتزعوا منها تصريحات تناقض القرآن حتى يسمحوا لها أن تأكل من فضلاتهم، هذا الوضع المؤلم لا ينجينا منه إلا اصطلاح مع الله، وطاعة له، ونحن في موقعة بدر، في ذكرى موقعة بدر، النصر له ثمن:

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾

( سورة المائدة الآية: 12 )

 فقط ؟ لا:

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾

( سورة المائدة الآية: 12 )

 لذلك أنا أدعو، وأقول دائماً: اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا.

تحميل النص

إخفاء الصور