وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0466 - الوقت1 - خصائص الوقت - مكونات التمر ونسبها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله الذي هدانا لهذا ، و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، و ما توفيقي ، و لا اعتصامي ، و لا توكُّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتَّصلت عينٌ بنظر أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذرِّيته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم ارحمنا فإنك بما راحم ، ولا تعذِّبنا فإنك علينا قادر ، والطُف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيء قدير .

قيمة الوقت في حياة المسلم :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ نحن في مناسبة انتهاء العام الميلادي ، ميلاد سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، واستقبال عام جديد ، فالموضوع الذي يقفز إلى أذهاننا موضوع الوقت ، وقيمة الوقت في حياة المسلم ،فالمسلمون الأوائل السلف الصالح

كانوا حرصين على أوقاتهم حرصاً لا حدود له ، كحرص المسلمين الذين جاؤوا بعدهم على أموالهم ، وعلى تنميتها ، وعلى استثمارها ، كان السلف الصالح يحرصون على أوقاتهم من الضياع ، ومن التبديد ، يحرصون على أوقاتهم حرصاً لا حدود له ، لذلك من حصاد هذا الحرص علمٌ نافع ، و عملٌ صالح ، وجهادٌ مبرور ، وفتحٌ مبين ، وحضارة راسخة الجذور ، باسقة الفروع ، بينما نجد بعض مسلمي اليوم قد ضيَّعوا أوقاتهم ، وبدَّدوها حتى أنهم تجاوزوا في تبديدها حدَّ السفه ، حتى غدوا في ذيل القافلة ، بعد أن كانوا في مأخذ الزمام منها ، فلا عملوا لعمارة الأرض كشأن أهل الدنيا ، ولا عملوا للآخرة كشأن أهل الدين ، بل خرَّبوا الدارين ، وحرموا الحسنيين .
 أيها الأخوة الكرام ؛ في القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى قيمة الوقت ، منها قوله تعالى :

﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾

[سورة إبراهيم : 33-34]

 المقصود بالليل و النهار الوقتُ ، الوقت مسخَّر لكم ، كما أن السموات و الأرض مسخَّرة لإنسان لينتفع بها ، و ليتعرَّف بها إلى الله ، كذلك الوقت مسخَّر للإنسان لأنه وعاءُ عمله .
أيها الأخوة الكرام ؛ آية ثانية تشير إلى قيمة الوقت ، وهي قوله تعالى :

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾

[سورة الفرقان: 62]

 أي أن الليل يخلف النهار ، و أن النهار يخلف الليل ، قال تعالى :

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾

[سورة الفرقان: 62]

 أيها الأخوة ؛ لو أن الإنسان وُضِع في غرفة بعيدة عن ضوء الشمس ، لا ضوء فيها ، مُنِع عنه كلُّ ما يشعر بمُضيِّ الزمن ، يختلُّ عقلُه ، لكن تتابع الليل و النهار ، تتابع الأسابيع و الشهور ، تتابع السنوات يشعر الإنسان بمضي الوقت ، بل يشعره بقيمة الوقت ، و يشعره بأن ما مضى فات ، و أن كلَّ يوم ينقضي لا يعود ، هذا بعضُ ما يُفهم من قوله تعالى :

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾

[سورة الفرقان: 62]

 أي أن الليل يأتي بعد النهار ، و النهار يأتي بعد الليل ، من أجل أن تشعر بمضيِّ الوقت ، ليل و نهار ، أسبوع وأسبوع ، شهر و شهر ، عام و عام ، فصل و فصل ، عِقد و عِقد ، فإذا بالزمن يمضي ، وإذا برأس مال الإنسان ينتهي .

 

لفت الله عز وجل نظر الإنسان إلى قيمة الوقت وعظيم نفعه في حياته :

 أيها الأخوة الكرام ؛ قال بعض المفسِّرين في قوله تعالى :

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾

[سورة الفرقان: 62]

أي أن النهار يخلف الليل ، و الليل يخلف النهار ، كي تبادر إلى العمل الصالح، فما فاتك في النهار تدركه بالليل ، و ما فاتك في الليل تدركه في النهار ، ولا أدلَّ على أن قيمة الوقت كبيرة جداً في حياة المسلم ، من أن الله سبحانه و تعالى خالقَ السموات و الأرض أقسم بالوقت أو ببعض أجزاء منه ، قال تعالى :

﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

[سورة العصر: 1-2]

 وقال تعالى :

﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾

[سورة الفجر: 1-2]

 وقال تعالى :

﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾

[سورة الضحى: 1-2]

و قد قال المفسَّرون : إن الله جلَّ وعلا إذا أقسم بشيء من خلقه فذلك ليلفت النظر إلى أن هذا الشيء جليل ، وثمين ، وعظيم النفع في حياة الإنسان ، إذًا حينما أقسم الله بمطلق الزمن ، أو ببعض الزمن أراد أن يلفت نظرنا إلى قيمة الوقت فهو حياتنا ، وإلى أن الوقت وعاء أعمالنا ، وأن الوقت إذا مضى لا يعود ، وكذلك في السنة المطهَّرة ، ففيما رواه البزَّارُ والطبراني بإسناد صحيح عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ :

((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ وَضَعَهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟))

[الدارمي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ]

 مما يلفت النظرَ في هذا الحديث أن الله سبحانه و تعالى يسأل الإنسان عن عمره بعامة ، وعن شبابه بخاصَّة ، عن عمره بعامة ، وعن شبابه بخاصة ، لأن الشباب سنُّ الحيوية الدافعة ، والعزيمة الماضية ، ولأن الشباب مرحلة القوم بين الضعفين ، ضعف الشيخوخة ، وضعف الطفولة ، قال تعالى :

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً﴾

[سورة الروم: 54]

 فأنت بين ضعفين ، ضعف الطفولة ، وضعف الشيخوخة ، وبين الضعفين قوة الشباب ، واندفاع الشباب ، وتوقُّد عزيمة الشباب ، و مضاء عزيمة الشباب .

 

قيمة الوقت تتجلى في أن العبادات مبنية عليه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ لا أدلَّ على قيمة الوقت ، على قيمته الكبيرة من أن العبادات التي تعبَّدنا اللهُ بها سواء العبادات الشعائرية ، أو العبادات المالية ، أو العبادات البدنية ، هذه العبادات مبنية على الأوقات ، فحينما ينصدع الليل ، و يسفر عن وجه الفجر ، يقوم الداعي يملأ الآفاقَ ، حيِّ على الصلاة ، حي على الفلاح ، ثم يقول للناس : الصلاة خير من النوم فينبغي أن تجيبه و تقول : صدقت وبررت ، هذا وقت الفجر ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا))

[البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 يا بن آدم لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفك النهار كله ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ))

[مسلم عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]

وحينما يقوم قائم الظهيرة ، وتزول الشمس عن كبد السماء ، و يغرق الناس في المشاغل الدنيوية ، هذا في مكتبه ، وهذا في دكانه ، وهذا في عمله ، وهذا في حقله ، و يغرق الناسُ في المشاغل اليومية ، يعود المنادي لينادي مرة ثانية مكبِّراً ، ومهلِّلاً ، شاهداً لله بالوحدانية ، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، داعياً إلى الصلاة والفلاح ، هذا المنادي ، وذاك الداعي ليتنزع الناسَ من براثن أعمالهم ، ومتاعب همومهم ، ليقفوا بين يدي خالقهم ، ورازقهم ، ومدبِّر أمرهم دقائق معدودات ، لتكون هذه الصلاة صحوةً واستجماماً ، وراحة يستريح بها المسلمُ من وعثاء هذه الرحلة الشاقة ، وتلك الهموم الكثيرة .
أيها الأخوة الكرام ؛ هذه صلاة وسط النهار ، صلاة الظهر ، و حينما يصير ظلُّ كل شيء مثله ينادي المنادي مرة ثانية يدعو إلى صلاة العصر ، وحينما يختفي قرصُ الشمس، ويغيب وجهها من الأفق يؤذِّن المؤذنُ لصلاة آخر النهار ، صلاة المغرب ، أما حينما يغيب الشفقُ ، و يرتفع صوت المؤذن ليدعوَ إلى الصلاة الأخيرة صلاة الخاتمة صلاة العشاء ، فهذا في اليوم الواحد ، و كلُّ أسبوع تأتي صلاةُ الجمعة ، فينادي المنادي إلى صلاة أسبوعية جماعية، فيها فقرة تعليم ، وتوجيه ، وتذكير ، من تركها ثلاث مرات نكتت نكتة سوداء في قلبه، فعلى المسلم أن يؤدِّيها إذا أقلَّته الشمسُ إلى داره ، وهذه عبارة الفقهاءِ ، أي إذا كنت بعيداً عن مكان تُقام فيه صلاة الجمعة ، وبإمكانك أن تعود من المسجد إلى البيت وقت المغرب ، فعليك أن تؤدِّيها ، لعِظم قيمتها ، و لعظم نفعها في حياة المسلم ، يكفي أنه من ترك الجمعة ثلاث مرات نكتت نكتة سوداءُ في قلبه ثم يكون الرانُ ، كما قال عليه الصلاة و السلام ، هذا في الأسبوع ، أشعرتك صلاةُ الجمعة أنه مضى أسبوعٌ و أتى أسبوع ، وأشعرتك الصلواتُ الخمس أنه بزغ الفجرُ ، وانتصفت الشمسُ في كبد السماء ، وزالت ، وصار ظلُّ الشيء مثليه أو مثله ، و غاب قرصُ الشمس ، وغاب الشفق الأحمر ، أليس هناك دلالات أبلغ من هذه الدلالات على مضيِّ الزمن في أثناء اليوم ؟ وتأتي صلاة الجمعة لتشعرك بمضيِّ الأسبوع ، مضى أسبوع وجاء أسبوع ، وسيأتي أسبوع ، وهكذا ، وفي كل شهر يبزغ الهلالُ ، يستقبله المسلم كما علَّمَنا النبيُّ عليه الصلاة و السلام مهلِّلاً ومكبِّراً ، فَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ :

((اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ))

[الترمذي عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ]

 بزوغ الهلال كل شهر يشعرك بمضيِّ الشهور ، ويأتي شهر رمضان من كل عام، حيث تُفتح أبواب الجنة ، وتُغلق أبوابُ جهنم ، وتُصفَّد الشياطين ، ثم ينادي المنادي : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر اقصُر ، وقد صعد النبي المنبر ، فقال عليه الصلاة السلام مرات ثلاثاً ، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

 ثم ينادي المنادي لعبادة من نوع خاص ، أساسها التفرُّغ التام ، والانتقال إلى بيت الله الحرام ، لتُؤدَّى هذه العبادة في العمر مرة واحدة ، أرأيت أيها الأخ الكريم كيف أن الصلوات الخمس تشعرك بحركة الشمس ، ومع حركة الشمس مضيُّ الزمن في اليوم ، وأن صلاة الجمعة تشعرك بمرور الأسابيع ، و أن هلال كل شهر يشعرك بمضي الشهور ، وأن مجيء رمضان يشعرك بمجيء العام ، و مضي العام ، وأن الحج يشعرك أن العمر كاد ينتهي ، فهو رحلة قبل الأخيرة إلى الله .

 

الحكمة من أن العبادات في الإسلام أساسها الوقت :

 أيها الأخوة الكرام ؛ كان بعض السلف الصالح يسمِّي الصلوات الخمس ميزانَ اليوم ، ويسمي صلاة الجمعة ميزان الجمعة ، و يسمي أداء رمضان ميزان العام ، و يسمي فريضة الحج ميزان العمر ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ إِلَى الصَّلَاةِ الَّتِي بَعْدَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا قَالَ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَالشَّهْرُ إِلَى الشَّهْرِ يَعْنِي رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا قَالَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ قَالَ فَعَرَفْتُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ حَدَثَ إِلَّا مِنْ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ وَتَرْكِ السُّنَّةِ قَالَ أَمَّا نَكْثُ الصَّفْقَةِ أَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا ثُمَّ تُخَالِفَ إِلَيْهِ تُقَاتِلُهُ بِسَيْفِكَ وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ فَالْخُرُوجُ مِنْ الْجَمَاعَةِ))

[ أحمد عن أبي هريرة]

 وتأتي الزكاة عند كل حولان حول ، أو عند كل حصاد ، وجني الزرع ، والثمار ، والزكاة أيضاً متعلِّقة بالوقت .
 أيها الأخوة الكرام ، أرأيتم كيف أن العبادات في الإسلام أساسها الوقت ، من أجل أن تشعر بمضيِّ الوقت ، ومن أجل أن تحرص عليه ، ومن أجل أن يكون الوقتُ وعاءً عليه .

 

خصائص الوقت :

1 ـ سرعة انقضائه :

 يا أيها الأخوة الكرام ؛ للوقت خصائص ينفرد بها ، أولُ هذه الخصائص سرعةُ انقضائه ، فهو يمرُّ مرّ السحاب ، ويجري جري الرياح ، سواء أكان زمنَ مسرَّة وفرح ، أم زمن اكتئاب وتَرح ، و إن كانت أيامُ السرور تسير أسرع ، و أيام الهموم تسير أبطأ ، فدقيقة الألم ساعة وساعة اللذة دقيقة ، قال بعض الشعراء :

مرَّت سنينٌ بالوصال و بالهنـــا  فكأنها من قصرها أيــــامُ
ثم انثنت أيام هجر بعدهــــــــــــــا  فكأنها من طولها أعوامُ
ثم انقضت تلك السنون وأهلها  فكأنها و كأنهم ما كانوا
***

اقرأ كتاباً في التاريخ ، تجد أن الأقوياء قد ماتوا ، و الضعفاء قد ماتوا ، و الفقراء قد ماتوا ، و الأغنياء قد ماتوا ، و الأصحاء قد ماتوا ، والمرضى قد ماتوا ، و أنهم جميعاً تحت أطباق الثرى ، رهنُ أعمالهم الصالحة أو الطالحة .
 أيها الأخوة الكرام ؛ مهما طال العمرُ فهو قصير ، ما دام الموت نهايةَ كل حيٍّ ، كل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة و الجبروت ، و الليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر ، و العمر مهما طال فلا بد من نزول القبر ، و إذا كان آخرُ العمر موتاً ، فسواء قصيرُه والطويلُ .
 يُحكَى أن ملَك الموت جاء شيخَ المرسلين ، سيدنا نوح عليه و على نبيِّنا أفضل الصلاة و السلام ، وقد عاش هذا النبيُّ ألف عام ، لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، سأله ملك الموت : يا أطول الأنبياء عمراً كيف وجدت الدنيا ؟ قال :" وجدتها كدار لها بابان ، دخلت من أولهما و خرجت من الباب الآخر " ، إن صحَّت هذه القصة فإنما تشير إلى أن الزمن يمضي سريعاً ، وهذا ما أكَّده القرآن الكريم ، قال تعالى :

﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾

[سورة النازعات: 46]

 و قال تعالى :

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾

[ سورة يونس: 45 ]

2 ـ ما مضى منه لا يعود و لا يُعوَّض :

 و الخصيصة الثانية من خصائص الوقت أنه ما مضى منه لا يعود و لا يُعوَّض، الإمام الحسن البصري يقول : " ما من يوم ينشقُّ فجرُه إلا و ينادي : يا بن آدم ، أنا خلقٌ جديد و على عملك شهيد ، فتزوَّد مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة" ، و البيت الذي تعرفونه جميعاً:

ألا ليت الشباب يعود يوماً  فأخبره بما فعل المشيبُ
***

 و هذه ليت من أدوات التمني ، والتمني شيء ، والترجِّي شيء آخر ، لعل تفيد الترجي ، لكن ليت تفيد التمني ، و التمني من معانيه استحالةُ وقوعه ، ألا ليت الشباب يعود يوماً .

3 ـ أنفس ما يملك الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ و من خصائص الوقت أنه أنفس ما يملك الإنسان ، مادام الوقت سريع الانقضاء ، و كان ما مضى منه لا يرجع ، ولا يعوَّض ، فصار الوقتُ أثمنَ شيء يملكه الإنسانُ ، تصوَّر أن الوقت واحد ، و أن المال صفر أمامه ، صار عشرة ، و أن الزوجة صفرٌ آخر ، مئة ، والأولاد صفر ثالث ، حظوظ الدنيا كلُّها أصفار إلى جنب الواحد ، فإذا حذفت هذا الواحد فالدنيا كلُّها أصفار ، و لا معنى لها إطلاقاً

فالوقت هو ظرف العمل ، وعاء العلم الصالح ، فإذا انقضى لا ينفع المالُ ، ولا تنفع الزوجة ، ولا الأولاد ، ولا الجاهُ ، ولا المنصبُ ، ولا المكانة ، ولا التجارة ، ولا أيُّ شيء في الدنيا ، إذًا هو أخطر ما في الحياة .

الوقت وعاء لكل عمل و رأس ماله الحقيقي :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الوقت وعاء لكل عمل ، فهو في الحقيقة رأس ماله الحقيقي ، لذلك هناك في سورة العصر نقطة قلَّما ينتبه إليها الناسُ ، حينما قال الله عز وجل :

﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

[سورة العصر: 1-2]

 الخسارة هنا ليست في معصية الله ، ولكن في مضيِّ الوقت وحده ، لأن رأس مال الإنسان هو الوقت ، تتابع الأيام يستهلك هذا الوقت ، إذًا هو في خسارة ، ألم يسارع إلى تمضية وقته بأعمال صالحة تعود عليه بعد مضيِّ الوقت ؟ فإنه في خسارة ، الذي ينفق عمره من دون معرفة بالله ، ومن دون عمل صالح ، ومن دون أن يرجوَ حياته الآخرة ، كمن ينفق من رأس ماله ، فإذا انتهى رأسُ ماله تحقَّقت خسارتُه ، إذًا الخسارة أن يمضي الوقتُ دون أن يمتلئ بالعمل الصالح .
أيها الأخوة الكرام ؛ لو أن إنساناً لا سمح الله و لا قدَّر أصابه مرضٌ عضال ، و هناك عملية بالغة التعقيد يمكن أن تُجرى في بلد بعيد ، لكن هذه العملية تكلِّفه ثمن بيته ، ماذا يفعل ؟ من دون تردد يبيع البيت ليجريَ العملية ، ما معنى إجراء العملية و بيع البيت ؟ معنى ذلك أن قيمة الوقت عنده أو قيمة الحياة أو قيمة استمرار الحياة أجلُّ و أعظم من ثمن البيت ، لذلك ترى أيَّ إنسان من دون تردُّد ينفق كل ماله من أجل أن يعيش سنوات معدودات ، فيما يتوهَّم زيادة على ما كان ينبغي أن يكون ، فالإنسان أيها الأخوة ينطلق إذًا وهو يعتقد اعتقاداً جازماً حتى في فطرته أن الوقت أثمن من المال ، إذا رأيت إنساناً يبدَّد أمواله ، يضعها في الحاويات أو يمزِّقها أو يحرقها ، ألا تحكم عليه بالسفه والجنون ؟ ألا يحجَر على تصرفاته ؟ ألا يُودع في مستشفى الأمراض العقلية ؟ كذلك الذي يبدِّد وقته ، الذي هو أثمن من المال بكثير ، لذلك مرَّ بعضُ الصالحين على قوم في مقهى يلعبون النرد ، قال : يا سبحان الله ! لو أن الوقت يُشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم ، لا يرى المؤمنُ في حياته شيئاً أثمن من الوقت ، لا يرى المؤمن في حياته على الإطلاق شيئاً أثمن من الوقت ، لأنه بالوقت يعرف الله ، و بالوقت يطلب العلم ، و بالوقت يحضر مجالس العلم ، و بالوقت يعمل الصالحات ، و بالوقت يرعى الأيتام ، و بالوقت يتفقَّد الأراملَ ، بالوقت يطعم الفقراء والمساكين ، بالوقت يدعو إلى الله ، فإذا خسر الإنسان وقته خسر كلَّ شيء .

 

بطولة الإنسان أن يستثمر وقته و يعد للساعة التي لابد منها :

 لذلك أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الحسن البصري : " يا بن آدم إنما أنت أيامٌ مجموعة ، كلما ذهب يومٌ ذهب بعضُك " ، و قال العلماءُ : من جهِل قيمةَ الوقت عرف قدره و نفاسته و قيمة العلم فيه بعد فوات الأوان في موقفين اثنين ، الموقف الأول ساعة الاحتضار، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾

[سورة المنافقون: 9-10]

 يأتي الجوابُ :

﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾

[سورة المنافقون: 11]

 هذا الموقف الأول ، في ساعة الاحتضار ، لذلك الإنسان في ساعة الاحتضار يُكشف عنه الغطاءُ ، قال تعالى :

﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾

[سورة ق: 22]

الناس نيامٌ إذا ماتوا انتبهوا ، في هذه الساعة التي يُكشف فيها الغطاء يرى مكانه في النار أو مقامه في الجنة ، فالذي يرى مقامه في الجنة يقول : لم أرَ شرًّا قط ، ينسى كلَّ متاعب الحياة ، و الذي يرى مكانه في النار يقول : لم أر خيراً قط ، ينسى كلَّ مسرَّات الحياة ، فالبطولة أيها الأخوة أن تعِدَّ لهذه الساعة التي لا بدَّ آتية ، و قد تأتي بغتة من دون سابق إنذار، الكيِّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت ، و العاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، لن تكون بطلاً إلا إذا ضحكت و الناسُ يبكون من حولك ، يأتي الإنسان إلى الدنيا باكياً و من حوله يضحك ، و سيأتي يومٌ يبكي من حوله ، فإذا كان بطلاً يضحك في هذه الساعة بلقاء ربه ، يفرح بما أعدَّ الله له من جنة عرضها السموات و الأرض ، يفرح أنه مات على طاعة الله ، يفرح أنه مات في رضا الله عز وجل ، هذا هو الفوز العظيم ، قال تعالى :

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾

[سورة الأحزاب: 71]

 في الآخرة ، قال تعالى :

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾

[سورة فاطر: 36-37]

 يأتي الجوابُ :

﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾

[سورة فاطر: 37]

 يا أيها الإنسان كم مرة رأيت بزوغ الشمس و انتصافها في كبد السماء و ميلها إلى الغروب و غروب الشمس ؟ كم مرة في حياتك ؟ كل يوم ، و كم مرة دُعيت إلى صلاة الجمعة واستمعت إلى الخطبة ؟ و كم مرة صمت رمضان ؟ قال تعالى :

﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾

[سورة فاطر: 37]

التعريف بالنذير :

 الإمام القرطبي يفسِّر النذير بأنه القرآن الكريم ، و يفسِّر النذير بأنه النبيُّ عليه الصلاة و السلام ، ويفسِّر النذير بأنه سنُّ الأربعين ، بلغت أشدَّك و اكتمل عقلُك ، و يفسِّر النذير بأنه سن الستِّين ، و يفسِّر النذير بأنه الشيب ، عبدي ضعف جسمك ، و انحنى ظهرُك ، و ضعف بصرُك ، وشاب شعرُك فاستحِ مني فأنا أستحي منك ، و يفسِّر النذير بالمصائب ، ويفسِّر النذير بموت الأقارب ، تعرفه و يعرفك ، تعرفه معرفة متينة ، إن هي إلا ثوانٍ معدودات حتى صار خبراً بعد أن كان رجلاً ، صار خبراً على الجدران ، نُعي على الجدران ، لذلك أيها الأخوة ألِف الخطباءُ أن يقولوا في آخر خطبهم : اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا و سيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الإنسان يمشي كلَّ يوم في شوارع المدينة فيرى عشرات النعوات ، ما الذي حصل ؟ أن ملك الموت تخطَّاه إلى غيره ، و سيأتي يومٌ يقرأ الناسُ فيه نعوته، و سيتخطَّى ملَك الموت غيرَه إليه في أحد الأيام ، هذا وقتٌ لا بد أن يأتي .
 أيها الأخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطِّانا إلى غيرنا ، و سيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، و العاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، و الحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

فوائد التمر و مكوناته :

 أيها الأخوة الكرام ، الله سبحانه و تعالى خلق هذه الطعوم ، وجعل فيها مادةً تتناسب تناسباً عجيباً مع حاجات أجسامنا ، فهذا التمر الذي نراه و الذي خلقه الله سبحانه و تعالى تكريماً لهذا الإنسان ، فيه مواد قد يُفاجأ الإنسان بها ، ففي التمر سكرٌ من أبسط السكاكر التي يمكن أن تنتقل من الفم إلى الدم في أقصر وقت ، من الفم إلى الدم ، فيه سكر العنب و سكر الفواكه ، وهذان النوعان من السكر سريعا التنقل

لذلك النبي عليه الصلاة و السلام كان يأكل تمرات عند الإفطار ، ويصلِّي ، و ما أن تنتهي الصلاة حتى يشعر بالشبع ، لماذا ؟ لأن سكر التمر وصل إلى الدم في أثناء الصلاة ، و في الدم ألياف ، و ما لم يتناول الإنسان حدًّا أدنى من الألياف فإن الأغذية المعتمدة على العصر و التنقية ، هذه الأغذية ربما تصيب الإنسان بأمراض في أمعائه ، لذلك لا بد من تناول حدٍّ أدنى من الألياف التي جعلها الله قوام الفاكهة , قوام بعض الخضراوات ، لذلك في التمر ألياف نافعة ، و في التمر نسبة جيِّدة من البروتين ، و فيه بعض الدهون ، و فيه خمسة أنواع من الفيتامينات ، و فيه من المعادن الحديد و المغنيزيوم و البوتاسيوم و الصوديوم و الكلور و الكالسيوم و الكبريت و النحاس ، و في التمر اثنا عشر حمضاً أمينياً ، هذه الحموض الأمينية من أشدِّ ما يحتاج الإنسان ، بل هناك حمضاً أمينياً نادراً يوجد أكثر ما يوجد في التمر ، وهناك مواد قابضة و مواد ملينة ، هذه الخيرات كلها عدَّها العلماء سبعة وأربعين عنصراً ، في التمرة الواحدة سبعة و أربعون عنصراً موفَّرة في تمرة تأكلها ، و لا تدري كم ينتفع الجسم بها .
 و في الخطبة القادمة إن شاء الله تعالى أتحدّث لكم عن بعض الأحاديث الشريفة التي وردت في التمر ، وعن بعض المنافع التي يجنيها الجسمُ من تناول هذه المادة التي جعلها الله غذاء أساسياً ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ ، يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا))

[مسلم عن عائشة]

 الحموض الأمينية ، و المواد القابضة ، و المعادن العديدة ، و الفيتامينات ، و الدهون ، و البروتينات ، و الألياف ، و السكاكر ، و طبيعة تركيز السكر في التمر ، هذه النسبة العالية تمتص ماء أيِّ جرثوم ، أو أيِّ حشرة وقفت فوقه ، فتميته ، أساس هذه التمرة أنها معقَّمة في أساسها.
 أيها الأخوة الكرام أفضل الدواء ما كان غذاءً ، و أفضل الغذاء ما كان دواءً .

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور