وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0413 - الرزق و أسباب ازدياده - آثار الخمرة في الجسم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر .
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر .
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

ملخص الخطبة السابقة :

أيها الأخوة المؤمنون ، في الخطبة السابقة بدأنا بموضوع دقيق دقيق يهتم له كل إنسان على وجه الأرض بعد وجوده ألا وهو الرزق ، وبينت لكم بفضل الله تعالى أن الإنسان يتوهم أحياناً أن الرزق يعني المال ، ولكن كلمة الرزق أوسع بكثير مما يتوهمه المتوهمون ، فهناك رزق القيم ، ورزق المعرفة ، ورزق السلامة ، ورزق السمعة الطيبة، ورزق الصحة، ورزق الزوجة الصالحة ، ورزق الأولاد الأبرار ، كل هذه أرزاق فلو قيمت بالمال كانت أغلى من المال ، فأول نقطة في الخطبة السابقة أن من الوهم والسذاجة وضيق الأفق أن نظن أن رزق الإنسان هو ماله ، وبينت لكم بفضل الله تعالى نقطة ثابتة هو أن هناك فرقاً دقيقاً بين الرزق وبين الكسب ، فالرزق هو الذي تنتفع به حصراً ، وأما الكسب فكل ما كان تحت يديك من مال ، إن انتفعت به فهو رزقك ، وإن لم تنتفع به فهو كسبك ، والرزق وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت ، بينما الكسب تحاسب عليه مرتين من أين اكتسبته ؟ وفيم أنفقته ؟ تحاسب عليه ولا تنتفع به ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام لثعلبة : " يا ثعلبة قليل يكفيك خير من كثير يطغيك " ، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تؤدي شكره ، قليل يدفعك إلى أبواب الله خير من كثير يصرفك عن أبواب الله .

تكفل الله تعالى برزق العباد :

هذا ملخص ما في الخطبة السابقة ، في هذه الخطبة أيها الأخوة الأكارم نقاط كثيرة ، من أبرز هذه النقاط أن الله سبحانه وتعالى متكفل برزق العباد ، وهو المسؤول في الرزق ، لذلك حينما حثنا على أن نعين بعضنا بعضاً ما سمى هذا العطاء من قبل إنسان لإنسان عطاءً ، ولا سماه منحة ، ولكن سماه قرضاً لله عز وجل ، قال تعالى :

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾

[سورة البقرة: 245]

إنك إن أعطيت إنساناً مالاً لتعينه على مشكلات الحياة ، لتسد حاجته ، لتستر عورته ، لتسد جوعته ، إنك ما فعلت هذا فضلاً ولا منة ، ولكنك أقرضت الله عز وجل .
أيها الأخوة الأكارم ، هذا المعنى إذا تمثلناه ، ووعيناه ، شعرنا بمدى ما نحن مدينون به إلى الله عز وجل ، الله جل جلاله خالق السموات والأرض يطلب منا أن نقرضه قرضاً حسناً ، كيف نقرضه ؟

(( مرضت فلم تعدني ، قال : كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : مرض عبدي فلان فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ، ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني ، قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين ؟ قال : استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ))

[مسلم عن أبي هريرة]

أيها الأخوة الأكارم ، إذا أحبّ الله عبداً جعل حوائج الناس إليه ، إذا أحبّ الله عبداً وجه الناس إليه ، طرقوا بابه ، سألوه ، فهذا العبد الفقير إذا أكرمه الله بالمال وطُرق بابه ليلاً نهاراً لا ينبغي أن يتأفف ، ولا ينبغي أن يضجر ، لأن رزق هؤلاء العباد أودعه الله عنده، رزق هؤلاء العباد السائلين أودعه عنده لتقوم العلاقات الطيبة ، وليرتقي الإنسان إلى الله عز و جل .

الحكمة من تسمية الزكاة بهذا الاسم :

قلت لكم سابقاً : إن الزكاة سماها الله زكاة لأسباب ثلاث ، لأن الفقير يزكو بالزكاة ، تزكو نفسه ، يشعر بقيمته في المجتمع ، يشعر أن المجتمع أسرة ، وأن هذا المجتمع لا ينسى الفقراء ، ترتفع معنوياته ، يشعر بأهميته ، يشعر بالعلاقات الإنسانية بينه وبين الآخرين .
سميت الزكاة زكاة لأن بها تزكو نفس الفقير ، وسميت الزكاة زكاة لأن الغني تزكو نفسه ، يرى نتائج علمه ، يرى أسرة تعلو البسمة على وجوه أفرادها ، لولا أنه أعانهم ، وكشف ما بهم ، ومسح عنهم عبراتهم ، لما علت البسمة الوجوه ، يشعر الغني بنمو في نفسه، يشعر الفقير بأهميته في مجتمعه ، وفوق هذا وذاك الزكاة تزكي المال ، أي تنميه ، بالقوانين التي وضعها الله عز وجل ، وبالعناية المباشرة التي لا تحكمها قوانين، وفضلاً عن هذا وذاك فإن الزكاة تطهر الغني من الشح ، وتطهر الفقير من الحقد، وتطهر المال من تعلق حق الناس به ، تطهير وتزكية للدافع والمدفوع له والمال نفسه .

الرزق السلبي والرزق الإيجابي :

أيها الأخوة الأكارم : نقطة دقيقة في الرزق قد لا نلتفت إليها ، سماها بعض العلماء : الرزق السلبي ، والرزق الإيجابي ، فالرزق السلبي ربنا جل جلاله قد يحفظك من نفقات كثيرة لا طائل لها ، إذا وفر عليك بعض النفقات فكأنه رزقك رزقاً ليس ملحوظاً لديك، فحينما تنفق المال في الطعام والشراب والكساء لا تنفقه في إتلاف ما فسد ، ولا في إصلاح ما اختل ، فهذا رزق سلبي ، لو أن الله عز وجل فتح على الإنسان النفقات قد لا يحتملها ، وقد ينوء ظهره بحملها ، وقد يعجز عن دفعها ، وقد يبيع بيته من أجل سدادها، فهناك عاهات وعاهات .. حدثني رجل أن ابنه لم يزل في العاشرة من عمره أجرى له تسع عمليات جراحية، كلفته مبالغ طائلة ، فحينما يهبك الله غلاماً سليماً صحيحاً معافى ، فهذا رزق سلبي.. حينما لا تشكو شيئاً في جسدك هذا رزق سلبي ، حينما يحفظ الله مالك هذا رزق سلبي ، فيجب أن تشكر الله مرتين ، أن رزقك مالاً ، وأن حفظك من نفقات أنت في غنى عندها .

الرزق مضمون و مقسوم :

أيها الأخوة الأكارم ، سؤال دقيق ، الرزق مضمون ومقسوم ، هل يزداد الرزق وينقص ؟ إن كان يزداد وينقص فما هي عوامل ازدياده ؟ وما هي عوامل نقصانه؟
من الثابت أن الرزق مضمون ، لقوله تعالى :

﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾

[سورة الذاريات: 23]

﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾

[سورة الذاريات: 22]

الرزق مضمون ، ولكنه مقسوم ، ومعنى أنه مقسوم يزداد وينقص .

عوامل ازدياد الرزق :

1 ـ الاستقامة :

في القرآن الكريم آيات دقيقة تؤكد أنه يزداد لقوله تعالى :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن: 16-17 ]

إذاً يزداد ، ما عوامل ازدياده ؟ أيها الأخوة الأكارم ، أول عامل من عوامل ازدياد الرزق كما نطق به القرآن الكريم هو الاستقامة، فمن استقام على أمر الله يستحق وعد الله القطعي في آيتين اثنتين ، بل في ثلاث آيات في القرآن الكريم .
الآية الأولى :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن: 16]

الآية الثانية :

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾

[سورة الأعراف:96]

الآية الثالثة :

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾

[سورة نوح: 10-14]

أيها الأخوة الأكارم ، الاستقامة على أمر الله سبب ثابت في نص القرآن الكريم لازدياد الرزق . وليس معنى هذا أنه بمجرد أن تستقيم يسقط عليك من السماء سبائك الذهب ، هذا فهم ساذج ، الله جل جلاله لابد من أن يمتحنك ، ولكن في الوقت المناسب يأتي الرزق المناسب ، والعاقبة للمتقين .

2 ـ الأمانة :

شيء آخر : النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( الأمانة غنى ))

[أخرجه القضاعي عن أنس]

هذا قانون قننه الله عز وجل ، وهذه سنة سنها الله عز وجل ، الأمانة غنىً ، الإنسان إذا كان أميناً وثق الناس به ، وحينما يثق الناس به يقدمون له شقيق أرباحهم ، وهي أموالهم ، غنى بالمعنى المادي ، وإن كان الأمين يشعر بغنى في نفسه لا يوصف ، الغنى غنى النفس ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام ما قصد من كلامه أنك إذا كنت أميناً فأمانتك سبب لرزقك وازدياد رزقك .
ألا ترون معي أن أية مؤسسة تجارية الموظف الأمين فيها يغدق عليه العطاء بغير حساب ، لأن الأمانة أثمن ما في العمل الوظيفي ، في أي عمل من الأعمال ، فالأمانة عامل من عوامل ازدياد الرزق كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ، ولكن أريد أن نفهم هذين العاملين فهماً دقيقاً ، لأنه إن استقمت على أمر الله وبقي الرزق قليلاً ، أو إذا كنت أميناً وبقي الرزق قليلاً فهذه حالة تفسر بحديث شريف آخر :

((إن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ، فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه ))

[أخرجه(ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء وأبو نعيم في الحلية ، وابن عساكر ) وفيه صدقة ابن عبد الله السمين ضعفه وقال أبو حاتم محله الصدق وأنكر عليه القدر فقط]

هذا الحديث الشريف يبين أن مراد الله عز وجل أن نصل إلى دار السلام بسلام ، خلقنا لجنة عرضها السموات والأرض ، فإذا كانت المقاومة هشة ، وإذا كانت طبيعة النفس - وقد لا يعلمها صاحبها - لا تحتمل الغنى ، فدخله المحدود أعون له على طاعة الله عز وجل، فإذا جاءه دخل غير محدود ربما حمله هذا الدخل على التفلت من قواعد الشرع ، هذا لا تعلمه، ولكن الله تعالى يعلمه لقوله تعالى :

﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾

[سورة طه: 7]

أي ما كان سراً تضمره في نفسك ، وما خفي عنك وأنت لا تدري ، فلذلك في مثل هذه الحالة تقرأ قوله تعالى فتذوب نفسك إن كنت مؤمناً :

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 216 ]

والنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال :

(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا : هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ؟ أَوْ غِنًى مُطْغِيًا .....))

[الترمذي عن أبي هريرة ]

قد عُدّ الغنى المطغي مصيبة من أكبر المصائب ، المال الذي يحمل صاحبه على المعاصي والآثام ، فهذا الذي آتاه الله رزقاً يكفيه أصابته دعوة النبي عليه الصلاة والسلام : " اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً " .
من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
القلب أحياناً لا يحتمل هذه الأموال الطائلة ، ولا إدارتها ، ولا استثمارها ، فإذا هو في همّ ، همّ وضيق وقلق إلى أن يُصاب قلبه لأنه لا يحتمل كل هذه الأمور ، من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .

3 ـ الصدقة :

أيها الأخوة الأكارم :
شيء آخر : النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( استنزلوا الرزق بالصدقة ))

[ البيهقي في شعب الإيمان عن علي ابن عدي في الكامل عن جبير بن مطعم، أبو الشيخ عن أبي هريرة وورد بلفظ استعينوا على الرزق بالصدقة]

الأمانة أحد أسباب ازدياد الرزق ، والاستقامة أحد أسباب زيادة الرزق ، وقد تنطوي الأمانة في الاستقامة، ولكن حينما تتصدق وفي نيتك أن تُرزق فهذه الصدقة أحد أسباب ازدياد الرزق ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( استنزلوا الرزق بالصدقة ))

[ البيهقي في شعب الإيمان عن علي ابن عدي في الكامل عن جبير بن مطعم، أبو الشيخ عن أبي هريرة وورد بلفظ استعينوا على الرزق بالصدقة]

أعرف رجلاً قل دخله إلى درجة غير معقولة ، إلى درجة أنه لا يكفيه ولا يكفي عشر ما يحتاجه ، فدُل على الصدقة ، دله عليها رجل بدأ يدفعها كل يوم ، وأقسم لي وهو صادق أن رزقه بدأ يزداد ويزداد إلى درجة أن الله كفاه وأغناه .
شيء معروف وثابت ، استنزلوا الرزق بالصدقة ، فلعل الله جل جلاله يفتح لك باب رزقه .

4 ـ الإتقان :

بقي عامل آخر : الأمانة ، الاستقامة ، الصدقة ، الإتقان .. هذا القانون أي إنسان طبقه قطف ثماره ولو كان كافراً ، وأي شركة ، أو مصنع ، أو حرفة أتقن صاحبها دخائلها وخوارجها إلا تهافت الناس عليه ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ))

[ الجامع الصغير عن عائشة ]

أية مهنة ، وأية حرفة إذا كان الإتقان فيها هو الهدف جاء الرزق رغداً ، ويسيراً، ووفيراً ، أما إذا كان الهدف هو المال على حساب الإتقان انتهى هذا الإنسان ، فإذا أردت رزقاً وفيراً أتقن صنعتك ، أتقن تجارتك ، أتقن حرفتك ، الإتقان سبب أساسي في ازدياد الرزق .

من يعزو الرزق إلى الأسباب فقد أشرك :

أيها الأخوة الأكارم ، أفكار دقيقة متعلقة بالرزق ، الإنسان حينما يعزو الرزق إلى الأسباب فقد أشرك ، لأن الله عز وجل يرزق بأسباب ، ويرزق بلا أسباب ، ويرزق مع توقف الأسباب ، قد يأتي الرزق بأسباب ، وقد يأتي بلا أسباب ، وقد تعطل الأسباب ، كل هذا من أجل أن تؤمن أن السبب لا يخلق الرزق ، ولكنه مفتاح له ، من أجل ألا تعصي ربك من أجل الرزق ، من أجل ألا تعد للرزق أسباباً ثابتة فتأخذ بها وتنسى ربك ، هذه فكرة دقيقة في الموضوع . ربنا عز وجل يقول :

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾

[سورة الإسراء : 31]

هذا الفقر المتوقع ، قيل : أنت من خوف الفقر في فقر ، ومن خوف المرض في مرض ، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها .

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾

[سورة الإسراء : 31]

استنبط العلماء أن الأب الذي يعمل ، ويسعى ، ويشتري الطعام ، ويدفعه لأولاده، هذا كله في الظاهر ، لكن في الحقيقة الله جل جلاله يرزقهم عن طريقه ، أي أودع رزقهم عنده ، يسر له أسباب الرزق ليطعمهم ، فليس هو الذي يرزقهم ولكن الله الذي يرزقهم وما هو إلا سبب ظاهري .
الآية الثانية :

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ * ﴾

[ سورة الأنعام: 151]

من إملاق : من فقر حاضر ، والآيتان في التقديم والتأخير تلفتان النظر ، الآية الأولى :

﴿ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾

والثانية :

﴿ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾

خشية الفقر يطمئن الله الإنسان إلى أن الله يرزق هذا الطفل الذي جاءك ولم تكن تريد ذلك ، والآية الثانية أنك إذا كنت في فقر حاضر فالله عز وجل يرزقك وإياهم .

علاقة الرزق بطريقة استقبال المولود :


أيها الأخوة الأكارم : قيل : إذا جاء المولود يتسع رزق الأب أو يضيق ، كيف تستقبل هذا المولود ؟ إن تشاءمت منه ، ورأيت أن دخلك محدود ، وأن بيتك ضيق ، وكيف سأنفق على هذا المولود ؟ والحياة صعبة ، كيف سأزوجه حينما يكبر ؟ كيف سأبحث لهذه الفتاة عن خاطب ؟ وسوق الزواج بائرة ، إذا استقبلت المولود بضيق وهم ..

((أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء ))

[الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن واثلة]

وإن استقبلت المولود بفرحة ورضى وتوكل على الله عز وجل النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاءته فاطمة الزهراء أمسك بها وضمها وشمها وقال : "ريحانة أشمها وعلى الله رزقها ".
وقد تسمعون أن أسرة كان دخلها قليلاً ، جاءت بنت ، فاستقبلوها أحلى استقبال ، رحبوا بمقدمها ، تفاءلوا بمقدمها ، فإذا رزق الأب أصبح وفيراً.
يزداد الرزق حينما يأتيك مولود أو يضيق بحسب طريقة استقبالك لهذا المولود ، هذه حقيقة .

الله عز وجل جعل رزق عبده المؤمن من غير ما يحتسب :

شيء آخر : الله جل جلاله طمأن العبد فقال :

﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

..قد نفهم هذه الآية فهماً بسيطاً سطحياً ، ما معنى بغير حساب ؟ أي حينما تفقد كل أسباب الرزق لا تيئس من رحمة الله ، حينما يحترق المحل التجاري ، حينما تخسر رأسمالك كله ، حينما تنعدم كل أسباب الرزق ، لا وظيفة ، ولا عمل ، ولا رأسمال ، ولا شهادة ، ولا محل تجاري ، ولا إرث ، حينما تفقد كل أسباب الرزق ، لا تنس قوله تعالى :

﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

بغير حساب : من دون أسباب تعارفتم عليها ، أبى الله إلا أن يجعل رزق عبده المؤمن من غير ما يحتسب .

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾

[ سورة الطلاق: 2-3]

5 ـ التوكل على الله والاستعانة به والتزام أمره :

أيها الأخوة الأكارم : شيء آخر : قدرة الله عز وجل لا يحدها شيء ، قد يكون التدمير في التدبير ، قد تدبر ، وتخطط ، وتهيئ ، وتتخذ الأسباب ، وتكون هذه الأسباب وبالاً عليك ، وقد يأتيك رزق رغيد بسبب يسير ، هذا التنوع في رزق العباد الهدف منه أن تؤمن أن الله وحده هو الرزاق ، وأن الأسباب أمرنا بها ، ولكن الأسباب التي أمرنا بها لا تخلق الأرزاق ، ولكنها مفتاح لها ، فإذا أعطاك الله مفتاح الرزق جاءك رزق وفير ، أما إذا صنعت أنت مفتاحاً فهذا المفتاح قد لا يفتح ، تبذل جهداً كبيراً من دون جدوى ، فلذلك التوكل على الله، والطلب من الله ، والاستعانة بالله ، والتزام أمر الله هذا كله سبب من أسباب الرزق ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( من أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفورًا له ))

[ابن عساكر عن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده]

أنت عليك أن تسعى وليس عليك إدراك النجاح .
يقول سيدنا عمر : " لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة " .

﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

.. أي حينما لا تملك الأسباب ترزق بلا أسباب .

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[سورة النمل: 62]

القصد أن تبقى متعلقاً بالله ، أن تبقى موقناً أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، القصد ألا تعصي ربك من أجل الرزق ، ربما كان التدمير في التدبير ، القصد ألا تسلك طريقاً منحرفاً من أجل الرزق ، القصد ألا تطيع مخلوقاً في معصية الخالق من أجل الرزق .

الأخذ بالأسباب و الاعتماد على رب الأرباب :

أيها الأخوة الأكارم : من الثابت أننا نسعى في سبيل الرزق ولا نصيبه مع الأسباب ، ونصيبه بلا أسباب ، معنى ذلك أن الأسباب لا علاقة لها لكنها ترافق أمرنا بها ولكنها لا تخلق الأرزاق ، خيط دقيق بين الشرك وبين المعصية ، إن تركت الأسباب فقد عصيت ، وإن أخذت بها واعتمدت عليها فقد أشركت ، الإيمان الكامل أن تأخذ بها وأن تعتمد على الله وهذه بطولة ، أن تأخذ بالأسباب وأن تعتمد على رب الأرباب ، إن أخذت بها يأتي الشيطان فيقول : أنت أخذت بها الأمور كلها مضبوطة ، غطيت كل ثغرة ، الأسباب كلها بيدك ، لابد من أن تُرزق ، هذا هو الشرك ، إن أخذت بها واعتمدت عليها فقد أشركت وإن لم تأخذ بها فقد عصيت .

((إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا))

[أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس ]

﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾

[سورة الملك]

أيها الأخوة الأكارم : حتى لا يعتقد الإنسان أن الأسباب وحدها تزيد الرزق ، وحتى لا يظن أن الطمع وحده يزيد الرزق ، وحتى لا يعتقد أن المعصية إذا فعلها وأرضى مخلوقاً وعصى الخالق تزيد الرزق :

﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

لذلك ورد : " لا حيلة في الرزق " ، يعبر عنها التجار بألا نذكي مع الله أحداً ، مهما كان التاجر ذكياً قد يكون تدميره في تدبيره ، قد يُدمر من صفقة رآها رائجة ، لا حيلة في الرزق ولا شفاعة في الموت ..

ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجا هلكن إذاً من جهلهنّ البهائم
***

الله هو الرزاق ذو القوة المتين و هو المسعر :

أيها الأخوة الأكارم : آية حاسمة في هذا الموضوع ، يقول الله عز وجل :

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً ﴾

[سورة الأعراف]

إذا كان عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فأن لا يملك لغيره من باب أولى ..

﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾

[سورة الأعراف]

إلا أن يشاء الله شيئاً .

﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ﴾

[سورة الأعراف]

هذا الكلام كلام الله عز وجل يتذوقه التجار كثيراً ، لو علم التاجر أن هذه البضاعة سيرتفع ثمنها أضعافاً مضاعفة لباع كل أملاكه واشترى منها ، ولكن لا يعلم الغيب إلا الله ، في المستقبل ما الذي سيرتفع ؟ لا نعلم ، وما الذي سينخفض ؟ لا نعلم ، قد ترتفع أشياء يُرجح أنها سينخفض سعرها ، وقد تنخفض أشياء يُرجح أنها سيرتفع سعرها . لذلك الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، والله هو المسعر .

الرزق و الكسب :

الفكرة الأخيرة والأساسية ، هي أن الرزق ما انتفعت به ، وأن الكسب الذي لا تنتفع به ، حصلته بجهدك ، وعرق جبينك ، وسُجل عليك كيف حصلته ، باستقامة أم بانحراف ، بصدق أم بكذب ، بإخلاص أم بخيانة ، بيمين صادقة أم يمين كاذبة ، بإخفاء عيب أم بمعصية من معاصي البيع والشراء ، كسبت هذا المال الذي لا تستخدمه ولا تنتفع به ، ولا تنفق عليه ، لذلك قيل : شر الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً .
يا أهلي يا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حل وحرم ، فأنفقته في حله وفي غير حله ، فالهناء لكم والتبعة علي .

عطاء الربوبية وعطاء الألوهية :

مرة ثانية وثالثة : قال العلماء : هناك عطاء الربوبية ، وعطاء الألوهية .. كلنا عباد الله عز وجل ، تكفل الله لنا بالرزق ، يطعمنا ويسقينا ، ويزوجنا ويؤوينا جميعاً ، هذا عطاء الربوبية ، هو ربنا ، ليس لنا رب سواه ، أما أن يتجلى علينا بالسكينة ، أما أن يهبنا العلم به ، أما أن يرزقنا العمل الصالح ، فهذا عطاء الألوهية . قد يعطي الله الإنسان مالاً وهو لا يحبه ، قال تعالى :

﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾

[سورة القصص: 76]

أنت كأب عندك أولاد كثر ، أحدهم بار بك ، أحدهم أديب معك ، أحدهم يعطف على أخوته ، وولد آخر شرس ، كذاب ، سيئ الخلق ، أنت تطعمهم جميعاً ، كل أولادك يجلسون على مائدتك ، وكل أولادك تلبسهم الثياب في كل موسم ، ولكن قلبك كأب متعلق بهذا الابن البار ، فأن نأكل ونشرب ، وان نسكن في البيوت ، وأن نتزوج ، هذا عطاء الربوبية ، عطاء رب العالمين ، ولكن أن يعلمنا الله عز وجل ، أن يعرفنا بذاته ، أن يعرفنا طريق الحق، طريق الخير ، طريق الاستقامة ، أن يتجلى علينا بالسكينة ، أن يتجلى علينا بالنور ، فنرى الخير خيراً والشر شراً هذا عطاء المؤمنين فقط ، فلذلك إن الله يعطي الصحة والذكاء والجمال والمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.
فرعون قال :

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات]

آتاه الله ملكاً عريضاً وهو لا يحبه ، سيدنا سليمان آتاه الله ملكاً وهو يحبه . إذاً يؤتي الملك لمن يحبه ولمن لا يحبه ، يؤتي المال لمن يحبه ، سيدنا عبد الرحمن بن عوف ، قال : والله لأدخلن الجنة خبباً أي هرولة ، وما عليّ إن كنت أنفق مئة في الصباح فيؤتيني الله ألفاً في المساء ، سيدنا عبد الرحمن بن عوف يحبه الله عز وجل أعطاه مالاً ، لكن قارون لا يحبه ، إذاً يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب ، ويعطي القوة لمن يحب ولمن لا يحب ، لكن :

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾

[سورة القصص]

لكن الله عز وجل إذا علمك ما لم تكن تعلم ، إذا تجلى عليك ، إذا أعطاك ، إذا منحك من الحكمة والعلم والعمل الصالح ، فهذا عطاء الألوهية ، لذلك علينا أن نتنافس ، قال تعالى :

﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾

[سورة الصافات]

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[سورة المطففين]

عطاء الربوبية ينتهي عند الموت ، وعطاء الألوهية يبدأ مع الموت وشتان بين عطاء ينتهي مع الموت ، وعطاء يبدأ بعد الموت .

المال عطاء حيادي :

أيها الأخوة الأكارم : أختم الخطبة بهذه الآية الدقيقة أذكرها على مسامعكم كثيراً لعلاقتها بهذا الموضوع .

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾

[سورة الفجر]

ابتلاه ربه بالمال ، بالصحة ، بالذكاء ، بالجمال ، بالوسامة ، بالقوة ، إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه بمقياس البشر ، ونعمه فيقول ، هو يقول ، هذه هذا مقولته ، هذا توهمه ، فيقول: ربي أكرمن ، ألا ترون أن بعض الناس الذين وهبهم الله المال الوفير ، يقبلون أيديهم، ويضعونها على جبهتهم ويقولون: الله يحبنا ، أعطانا هذا المال الوفير ، أعطانا هذه الصحة .

﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾

[ سورة الفجر ]

هو يقول ، وهذا توهمه ، وهذه مقالته ليست صحيحة ،

﴿ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾

﴿ كَلَّا ﴾

[ سورة الفجر :17 ]

ردع وزجر ونفي ، كلا ليس عطائي إكراماً ، وليس منعي حرماناً ، إنما عطائي ابتلاء وحرماني دواء .
مثل بسيط ، أعطاك مالاً لا نعمة ولا نقمة ، عطاء حيادي ، موقوف على نوع التعامل معه ، عطاء حيادي ، ابتلاء موقوف على طريقة إنفاقه ، فإن أنفقته في طاعة الله وعادت خيراته في الآخرة ، انقلب هذا الابتلاء إلى نعمة ، الآن صار نعمة، وإذا أنفق في معصية الله ، وكان في الأصل حيادياً انقلب إلى نقمة ، فأهلك صاحبه في الدنيا والآخرة ، فأي عطاء من الله عز وجل لا يُسمى نعمة ، ولا يُسمى نقمة ، ابتلاء بحسب تعاملك مع هذا العطاء ، إن استخدمته في طاعة الله أصبح نعمة ، وإن استخدمته في معصية الله أصبح نقمة، لذلك يقول الإمام علي كرم الله وجهه : " الغنى والفقر بعد العرض على الله " .

الرزق و الحياة أخطر ما يعني الإنسان :

مرةً ثالثة : أخطر ما يعني الإنسان حياته ورزقه ، والله جل جلاله قطع الحياة والرزق عن أن تكون بيد العباد ، إنها بيد رب الأرباب ، لذلك كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرب أجلاً ، إذا أيقنت هذا انتهى النفاق ، وانتهى التزلف ، وانتهى التملق ، وانتهى الكذب ، وانتهى قبول الضغوط ، هذا كله ينتهي ، أما إذا اعتقد الإنسان أن زيداً يرزق ، وأن زيداً يمنع ، عاش في متاهة ، وانطبق عليه قول الله عز وجل :

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء]

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم فيا فوز المستغفرين .

* * *

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العامين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، و أشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلّ و سلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

آثار الخمرة في الجسم :

أيها الأخوة الكرام : ربنا جل جلاله يقول :

﴿ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ﴾

[ سورة الأعراف:157]

أي الشيء الذي تطيب النفس به ، ويطيب الجسم به ، و تطمئن به ، و ترقى به هو الحلال ، والشيء الذي تخبث به النفس ، فتحتجب عن الله عز وجل ، ويخبث به الجسد هو الحرام . إذاً هناك علاقة علمية بين المعصية ونتائجها ، وبين الطاعة ونتائجها ، ليس هناك تحريم رمزي ، بل تحريم حقيقي ، كل طاعة فيها أسباب نتائجها ، وكل معصية فيها أسباب نتائجها ، فهناك علاقة علمية ، أي علاقة سبب بنتيجة بين ما حرم وبين النتيجة ، وبين ما أحل وبين النتيجة ، هذا شأن الدين ، لأن الذي أنزل هذا القرآن هو خالق الأكوان ، لأن الذي قنن القوانين ، وسن السنن ، وشرع الشرائع هو الذي أنزل هذا الكتاب ، فالتحريم يقبله العقل ، وترتاح له الفطرة ، ويؤكده الواقع ، وأتى به النص ، فالحق هو ما جاء به النص وأقره العقل ، وارتاحت له الفطرة وأيده الواقع ، لذلك الخمرة التي يتهافت الناس عليها وهم لا يعرفون الله عز وجل تسبب خطراً كبيراً على صحة الإنسان ، تسد الشرايين وتمزقها ، تصيب الإنسان بقصور في قلبه ، بذبحة في صدره ، بتشمع في كبده ، بالتهاب غشاء معدته، بصداع ، بالتهاب أعصابه ، بفقدان ذاكرته ، بضعف عقله ، بتشتت فكره ، بتغيير في تركيب دمه ، بضعف مقاومته للأمراض ، بفقدان رجولته ، بقرحة معدته ، بالتهاب كليتيه ، بالتهاب الاثني عشر ، بتقرح الكولون بالتشنج العصبي ، هذا ما جاء في بعض كتب الطب عن آثار الخمرة في الجسم ، فلما قال الله عز وجل :

﴿ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ ﴾

[ سورة الأعراف:157]

معنى ذلك أن الله ما حرم هذا إلا لخبثه في الجسم وفي النفس ، يجب أن نعتقد أن الفوز كل الفوز ، وأن الفلاح كل الفلاح ، وأن التوفيق كل التوفيق ، وأن الذكاء كل الذكاء ، وأن العقل كل العقل في طاعة الله ، وأن الدمار والهلاك في معصية الله .

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك .
اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، ارضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين .
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك .
اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين .
اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين .
اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء .
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير .

تحميل النص

إخفاء الصور