وضع داكن
18-04-2024
Logo
الخطبة : 0694 - عرفة ركن الحج الأكبر - مشروعية الأضحية - الكعبة مركز العالمين القديم والحديث.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيَّته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أن سيدنا محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم، رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٍ بخبر.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذرِّيته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الحج عرفة :

أيها الأخوة المؤمنون، ركن الحج الأكبر هو الوقوف بعرفة، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

(( الحـج عرفة ))

[ الترمذي و أبو داود عن النعمان بن بشير]

لذلك أيها الأخوة، يعدُّ يوم عرفة يوم اللقاء الأكبر بين العبد المنيب المشتاق وبين الربِّ الرحيم التوَّاب، فيوم عرفة يوم المعرفة، ويوم عرفة يوم المَغفرة، ويوم عرفة يومٌ تتنزَّل فيه الرحمات على العباد من خالق الأرض والسموات.

يوم عرفة يوم المعرفة والمَغفرة :

وقد قيل: من وقف في عرفات ولم يغلب على ظنِّه أن الله قد غفر له فلا حجَّ له، وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:

(( ما من أيامٍ عند الله أفضل من عشر ذي الحجَّة. فقال رجلٌ: هنَّ أفضل أم عدَّتهن جهاداً في سبيل الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هنَّ أفضل من عدَّتهنَّ جهاداً في سبيل الله، وما من يومٍ أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، يقول: انظروا عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوني من كل فجٍ عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم يُر يومٌ أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة))

[صحيح ابن حبان قريبا منه عن جابر رضي الله عنه]

وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن علي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

(( وقف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعرفات وقد كادت الشمس تثوب فقال: يا بلال أنصت لي الناس، فقام بلالٌ فقال: أنصتوا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأنصت الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: يا معشر الناس أتاني جبريل عليه السلام آنفاً فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله عزَّ وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام، وضمن عنهم التبِعات، فقام عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله هذه لنا خاصَّة؟ فقال: هذه لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب))

[ابن المبارك عن أنس بن مالك رضي الله عنه ]

وروى الإمام مسلمٌ وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

(( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ))

[مسلم عن عائشة ]

أرادوا المغفرة.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

((مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلا أَدْحَرُ وَلا أَحْقَرُ وَلا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلائِكَةَ ))

[ مالك عن عبيد الله بن كريز]

أي يقودهم، وروى الإمام أحمد والترمذي أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

(( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير))

[الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده]

أيها الأخوة الكرام، يروى عن الحسن المروزي قال: "سألت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة، فقال: لا إلا الله لا شريك له، فقلت له: هذا ثناءٌ وليس بدعاء، فقال: أما تعرف حديث مالك بن الحارث هو تفسيره".

القصَّة التالية قانون إلى يوم القيامة :

أيها الأخوة الكرام، سيدنا يونس - عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام- وجد نفسه فجأةً في بطن حوت، كيف دعا الله عزَّ وجل؟

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 87]

هذا دعاء، والدليل:

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

وانتهت القصّة، وجاء التعقيب ليجعلها قانوناً إلى يوم القيامة مع كل مؤمن:

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

هل هناك مصيبةٌ أكبر من أن ترى نفسك في بطن الحوت؟ في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة الليل الأليَل، وفي ظلمة البحر، وتنادي وأنت في بطن الحوت..

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 87]

الثناء أيها الأخوة دعاء، والدليل:

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

وجعل الله هذه القصَّة قانوناً إلى يوم القيامة..

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

المظلوم والمضطر يُستجاب لهما :

أيها الأخوة الكرام، المؤمن إذا دعا ربَّه مضطراً فإن الله تعالى يجيبه، لا بحسب حال الداعي بل بحسب رحمة المدعو، والمظلوم إذا دعا الله عزَّ وجل يستجيب له، لا بحسب حال الداعي ولكن بحسب عدل الله عزَّ وجل.

(( اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ ))

[ متفق عليه عن عبد الله بن عباس ]

المظلوم والمضطر يُستجاب لهما ولو لم يتوافر فيهما شروط الدعاء، لأن المظلوم يستجيب الله له لا بحسب حال الداعي بل بحسب عدل الله عزَّ وجل، والمضطرُّ يُستجاب له لا بحسب حال الداعي بل بحسب رحمة الله عزَّ وجل.
يا رب.. حينما قال الله عزَّ وجل لموسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام:

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾

[ سورة طه : 43-44]

قال أحدهم: يا رب إذا كانت هذه رحمتك بمن قال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات: 24]

فكيف رحمتك بمن قال: سبحان ربي الأعلى؟ إذا كانت هذه رحمتك بمن قال:

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص: 38 ]

فكيف رحمتك بمن قال: لا إله إلا الله؟

الباقيات الصالحات :

أيها الأخوة الكرام، لا يسع الحاجَّ بعد أن أصاب من عرفات وقد حصل له هذا اللقاء الأكبر، وأشرقت في نفسه أنواره، واصطبغت نفسه بصبغة الله، لا يسعه وقد ذكر فضل الله عليه عند المشعر الحرام، ذكره وشكره على نعمة الهُدى والقُرب، لا يسعه وقد عبَّر تعبيراً رمزياً عن عداوته للشيطان برمي جمرة العقبة، لا يسعه بعد أن لبَّى دعوة ربِّه وحظي بقربه، ورأى طرفاً من جلال ربِّه وكماله، لا يسعه إلا أن يكبِّر الله على نعمة الهدى، والقبول، والقرب، لذلك قطع النبي صلى الله عليه وسلَّم التلبية بعد رمي جمرة العقبة والحلق وبدأ بالتكبير وقال: " الله أكبر". وغداً نكبِّر إن شاء الله.
الله أكبر أيها الأخوة، مع أخواتها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، هي الباقيات الصالحات، لقوله تعالى:

﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا﴾

[ سورة الكهف: 46]

أيها الأخوة الكرام، المرء إذا سبَّح الله حقيقةً، وحمده حقيقةً، ووحدَّه وكبَّره فقد عرفه، وإذا عرفه أطاعه، وإذا أطاعه استحقَّ جنَّته، وما عند الله خيرٌ وأبقى من الدنيا.

معنى الله أكبر :

الله أكبر أيها الأخوة، نفتتح بها الأذان، ويختم بها الأذان، ليشعر المسلم وهو يسمع الأذان، وهو منغمسٌ في عمله وتجارته أن ما عند الله حينما يمتثل العبد أمره بتلبية النداء أكبر من كل شيءٍ بين يديه مهما يكن كبيراً، ما معنى الله أكبر يفتتح بها الأذان؟ الله أكبر من كل شيءٍ بين يديك مهما كان كبيراً، والله أكبر نفتتح بها صلاتنا، ونرددها في أثناء الصلوات الخمسة ما يزيد عن مئتي وخمسين مرَّة في اليوم الواحد

وقد أصاب بعض الفقهاء حينما عدَّها أقرب إلى الشرط منها إلى الرُكن، الشرط مستمر، كيف أن الطهارة ينبغي أن تكون مستمرَّة، وكيف أن استقبال القبلة ينبغي أن يكون مستمرَّاً، فالتكبيرة عدَّها بعض الفقهاء شرطاً، ينبغي أن تستحضر عظمة الله طوال الصلاة.
أيها الأخوة الكرام، والله أكبر نردِّدها عقب انتصارنا على أنفسنا في عيد الفطر السعيد، ونردِّدها عقب انتصارنا على أنفسنا وتلبيه دعوة ربنا في الحج عقب عيد الأضحى المبارك..

(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله))

[ورد في الأثر]

والله أكبر يردِّدها المؤمن السالك إلى الله، فتعني عنده أنه كلَّما كُشِفَ له جانبٌ من عظمة الله، جانبٌ من قدرته، جانبٌ من رحمته، جانبٌ من إكرام الله له، تعني عنده أن الله أكبر مما رأى، الإمام الشافعي يقول: " كلَّما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي ".
مجمل القول أيها الأخوة أن المؤمن مهما ازداد معرفته بربِّه فالله أكبر مما عرف، والعبرة كل العبرة لا في ترديد لفظها؛ بل في معرفة مضمونها.
والله الذي لا إله إلا هو، وغداً تردِّدونها جميعاً عقب الصلوات الخمسة في كل أيام عيد الأضحى المبارك، والله الذي لا إله إلا هو لو أطعت مخلوقاً وعصيت الخالق ما قلتها ولا مرَّة ولو ردَّدتها بلسانك ألف مرَّة، لأنك رأيت الذي تطيعه أكبر من الله.
والله الذي لا إله إلا هو، لو أرضيت أهل بيتك وعصيت الله عزَّ وجل ما قلتها ولا مرَّة ولو ردَّدتها بلسانك ألف مرَّة، لأنك رأيت واهماً أن إرضاء الزوجة أكبر من إرضاء الله، امرأةٌ طلبت من زوجها في عهد الصحابة الكرام، من صحابيٍ جليل حاجةً لا يطيق تأمينها فقال لها: اعلمي أيتها المرأة أن في الجنَّة من الحور العين ما لو أطلَّت إحداهنَّ على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بكِ من أجلهن أفضل من أن أضحي بهنَّ من أجلك.
لو أن إنساناً غشَّ المسلمين وعصى خالق الأكوان، والله ما قالها ولا مرَّة، ولو ردَّدها بلسانه ألف مرَّة، لماذا؟ لأنه رأى أن هذا المبلغ - مهما كان كبيراً - الذي حصَّله من غشِّ المسلمين، ومن ابتزاز مالهم، ومن الاحتيال عليهم، أكبر عنده من طاعة الله.
لماذا ضعف المسلمون؟ لأن الكلمات التي يردِّدونها فُرِّغَت من مضمونها، لا مضمون لها، هذه الله أكبر لو ردَّدناها كما أراد الله عزَّ وجل، والله لأزلنا بها الجبال، لأزلنا بها الجبال، أما حينما نضعف أمام أعدائنا، حينما يقوى أعداؤنا علينا، ما رددناها ولا مرَّة ولو قلناها بلساننا ألف مرَّة.

امتثال إبراهيم لربه أعلى درجة من درجات العبوديَّة لله :

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الحج، في بيت الله الحرام آياتٌ بيِّنات مقام إبراهيم، أي أن هناك آيات كثيرة في مقام إبراهيم من هذه الآيات- آياتٌ كثيرة وجاءت جمعاً - من هذه الآيات البينات في مقام إبراهيم أنه أُمِرَ أن يذبح ابنه الوحيد إسماعيل وهو في سنِّ الشباب..

﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ﴾

[ سورة الصافات: 102]

وأبوه شيخٌ كبير، وزوجته عاقر، لم يتباطأ في التنفيذ، ولم يدعُ الله أن يرحم شيخوخته كما نفعل نحن، وأن يعفو عن ابنه، وعلى الرغم من قسوة الابتلاء فقد شرع في التنفيذ، أن يقدم الإنسان على ذبح ابنه الوحيد الشاب، والأبُ شيخٌ كبير، والزوجة عاقر لا تنجب، إن من يفعل هذا يحبُّ الله حُبَّاً يفوق الدنيا وما فيها، حبَّاً أعلى من كل حبّ، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ))

[ البخاري عن أنس]

هذا ابتلاءٌ حاد ما كُلِّف به المؤمن، ولكن نستفيد من هذه القصَّة، أنه لو استقبلنا كل حكمٍ من الله بالرضى نأخذ ثواب الطاعة لأمر الله ويرفع الله عنَّا القضاء..

﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾

[ سورة الصافات: 103-106]

الله عز وجل رحيم بالمؤمنين :

لعلَّ هذه القصَّة أيها الأخوة لا تفعل فعلها في نفوسنا لسببٍ بسيط هو أننا عرفنا النتيجة، أن الله فداه بذبحٍ عظيم، ولكن حينما أمره أن يذبح ابنه لم يكن الفداء وارداً إطلاقاً، لذلك قال:

﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾

[ سورة الصافات: 106]

أيها الأخوة الكرام، نستفيد من هذا..

كن عن همومك معرضا وكل الأمور إلى القضا
وابشر بخيــر عاجل تنسى به ما قـد مضى
فلرب أمر مسخـط لك في عواقبـــه رضا
ولربما ضاق المضيـق ولربما اتســع الفضا
اللـــه يفعل ما يشاء فلا تكـــن معترضا
الله عودك الجميـــل فقس على ما قد مضى
* * *

هذا الأمر أيها الأخوة يعدُّ امتثاله أعلى درجة في العبوديَّة لله عزَّ وجل، لكن الله عزَّ وجل يرحم المؤمنين، ما كلَّفهم بمثل هذا الأمر، كلَّفهم أن يصلوا، كلَّفهم أن يغضوا بصرهم، كلَّفهم أن يصدقوا، أن يكونوا أمناء، كلَّفهم ما يطيقون ومع ذلك هم مقصِّرون.

من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً :

أيها الأخوة الكرام، حينما يقبل المؤمن على تنفيذ أمر الله وهو يرى رؤيةً قاصرة أن تنفيذ هذا الأمر يضرُّ بمصالحه الماديَّة والمعنويَّة، لكنَّه يؤثر طاعة الله والقرب منه على دنياه، عندئذٍ ينال ثواب الطاعة وسعادة القرب

وبقانونٍ خفي لا نعرفه تتحقَّق مصالحه الدنيويَّة في أعلى مستوى، وهذا معنى القول المأثور: " من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً ".
أيها الأخُ الكريم، إذا كلَّفك مساوٍ لك، ندّ لك إذا أمرك بأمرٍ تسأله دائماً: لماذا أفعل هذا؟ ولكن إذا أمرك الله جلَّ جلاله، خالق السموات والأرض، العليم الحكيم، الرحمن الرحيم، إذا أمرك الله أمراً ينبغي أن تأخذ أمره بالطاعة، بمقدار ثقتك في علمه، ورحمته، وحكمته، فالله جلَّ جلاله لا يريدُ لنا إلا الخير، ولا يقضي لنا إلا بالخير، وكلَّما قصر الفكر البشري عن إدراك الخير كان الخير أضخم وأكبر، لأن الخير في هذه الحالات أكبر من أن يدركه الإنسان.

امتثال إبراهيم لربه أعلى النصر لا يتم إلا بالعودة إلى الله :

درجة في العبوديَّة لله : ما يجري في العالَم الإسلامي من قتلٍ، وتنكيلٍ، وتجويعٍ، وإذهابٍ للثروات، لعلَّ الله سبحانه وتعالى، لعلَّ هذه الآية تنطبق علينا، معشر المسلمين في شتَّى بِقاع الأرض:

﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾

[ سورة القصص: 5-6]

ولكن لابدَّ من عودةٍ إلى الله، لابدَّ من صلحٍ مع الله، لابدَّ من إنابةٍ إليه، لابدَّ من أن نقيم الإسلام في بيوتنا، لابدَّ من أن نقيم الإسلام في أعمالنا، لابدَّ من أن نستقيم على أمره، قال تعالى:

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 216]

فقرات من خطبة النبي في حجة الوداع :

1 ـ الإنسانيَّة متساويةٌ في القيمة :

أيها الأخوة الكرام، في يوم عرفة - ونحن في يوم عرفة - خطبة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حجَّة الوداع خطبةً جامعةً مانعةً، تضمَّنت مبادئ إنسانيَّة، سيقت في كلماتٍ سهلةٍ سائغة، كيف لا وقد أوتي جوامع الكَلِم؟ لقد استوعبت هذه الخطبة جملةً من الحقائق التي يحتاجها العالَم اليوم الشارد المعذَّب ليرشُدَ ويسعد.
أيها الأخوة الكرام، من فقرات هذه الخطبة الجامعة المانعة، أن النبي صلى الله عليه وسلَّم أشار فيها إلى أن الإنسانيَّة متساويةٌ في القيمة في أي إهابٍِ تبرز - هذه قضية تطهير عرقي، قضية الذبح على الهوية هذه من جاهليَّات هذا العصر - إن الإنسانيَّة متساوية القيمة في أي إهابٍ تبرز، على أية حالةٍ تكون، وفوق أي مستوى تتربَّع: "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلُّكم لآدم وآدم من تراب..

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات: 13]

ليس لعربيٍ فضلٌ على أعجمي إلا بالتقوى، اللهمَّ هل بلَّغت اللهمَّ فاشهد"، هذه فقرة، هذه جاء بها النبي قبل أن يتكلم العالَم الغربي بحقوق الإنسان، البشريَّة كلُّها متساوية؛ بأي إهاب، من أي لون، من أي مستوى، من أي حرفة..

((وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))

[ مسلم عن عائشة ]

هكذا قال عليه الصلاة والسلام، مرَّةً قال أحدهم في عهد النبي: يا بن السوداء، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ))

[ متفق عليه عن الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ]

كان يضعُ أسامة بن زيد وكان أسود اللون، أفطس الأنف، يضعه في حجره، ويشمه، ويقبِّله، وكان حِبّ النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان الصّدّيق رضي الله عنه يضع يده تحت إبط بلال ويقول: "هذا أخي حقَّاً ".
وكان الصحابة إذا ذكروا الصّدّيق قالوا: " هو سيدُنا، وأعتق سيِّدَنا " بلالاً.
وخرج عمر بن الخطَّاب وهو خليفة المسلمين إلى ظاهر المدينة لاستقبال بلال، هكذا الدين:

(( سلمان منَّا أهل البيت ))

[ الحاكم والطبراني عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده ]

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾

[ سورة المسد: 1]

﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات: 13]

هذه أول فقرةٍ في خطبة حجَّة الوداع.

2 ـ ابتعاد النفس الإنسانية عن الحرام :

والنفس الإنسانيَّة أيها الأخوة ما لم تكن مؤمنةً بربِّها، مؤمنةً بوعده ووعيده، مؤمنةً بأنه يعلم سرَّها وجهرها

لأن النفس الإنسانيَّة تدور حول أثرتها، ولا تبالي بشيءٍ في سبيل غايتها، فربَّما بنت مجدها على أنقاض الآخرين، ربَّما بنت غناها على فقرهم، ربَّما بنت عزَّها على ذلِّهم، ربَّما بنت حياتها على موتهم، كما يجري الآن في أطراف العالَم الإسلامي، لذلك قال عليه الصلاة والسلام في خطبة حجَّة الوداع:

((… فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَهُ، ... إِنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ وَمَالٍ وَمَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ… ))

[رواه أحمد عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ]

كم دعوى في قصر العدل موضوعها اغتصاب مال من قِبَل المسلمين بعضهم مع بعض؟ آلاف الدعاوى؛ آلاف الدعاوى أساسها اغتصاب بيتٍ، أو أرضٍ، أو مالٍ، أو شركةٍ، أو دكَّانٍ، أو محلٍ، أو وكالةٍ..

((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا))

[مسلم عن أبي بكرة عن أبيه]

3 ـ نبذ الربا :

أيها الأخوة الكرام، فقرةٌ ثالثة من فِقرات خطبة حجَّة الوداع، المال قِوام الحياة، وينبغي أن يكون متداولاً بين كل الناس، وأنه إذا ولد المالُ المالَ من دون جهدٍ حقيقي يسهم في إعمار الأرض، وإغناء الحياة، عندئذٍ تجمَّع المالُ في أيدٍ قليلة، وحُرِمَت منه الكثرة الكثيرة، عندها تضطرب الحياة، ويظهر الحقد، و يُلْجَأ إلى العُنف، ولا يلد العنفُ إلا العنف، والربا يسهم بشكلٍ أو بآخر في هذه النتائج المأساويَّة التي تعود على المجتمع البشري بالويلات، لذلك قال عليه الصلاة والسلام في خطبة حجَّة الوداع:

(( أَلا إِنَّ كُلَّ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ أَلا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى أَنَّ أَوَّلَ رِبًا يُوضَعُ - أي أسقطه - رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ..))

[ الدارمي عن أبي حرَّة الرشاقي]

4 ـ المساواة بين الرجل و المرأة :

الفقرة الرابعة في خطبة حجَّة الوداع: النساء شقائق الرجال، ولأن المرأة مساويةٌ للرجل تماماً من حيث أنها مكلَّفةٌ كالرجل؛ بالعقائد، والعبادات، والمعاملات، والآداب، والأخلاق، ومساويةٌ له تماماً من حيث استحقاقها الثواب و العقاب، مساويةٌ له تماماً في التشريف والتكريم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام في خطبة حجَّة الوداع: " اتقوا الله بالنساء واستوصوا بهنَّ خيراً اللهمَّ هل بلَّغت اللهمَّ فاشهد".

5 ـ العودة إلى منابع الإسلام :

ثمَّ يتابع النبي صلى الله عليه وسلَّم خطبته فقال:
أيها الناس:

(( وَيْلَكُمْ لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ))

[ مسلم عن عبد الله بن عمر]

" أيها الناس إنَّ الشيطان يئس أن يُعْبَد في أرضكم هذه، ولكنَّه رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه من أعمالكم فاحذروه على دينكم، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً أمراً بيِّناً كتاب الله وسُنَّة نبيِّه"
فالأنهار وليكن نهر بردى، له نبع ماء صافٍ عذب كالزلال، وله مصب مياه سوداء، محصِّلة المجاري، مياه مالحة سوداء قاتمة، إن أردت أن تشرب عليك أن تذهب إلى النبع، ونبع الإسلام الكتاب والسُنَّة، نبع الإسلام ما كان عليه النبي وأصحابه - ما أنا عليه وأصحابي - نبع الإسلام القرون الثلاث الأولى التي شهد الله لها بالخيريَّة، وأي إضافةٍ، وأي تعديلٍ، وأي تبديلٍ، وأي حذفٍ، وأي تأويلٍ، وأي شدٍ للنص، وأي ليِّ لعنق النص هذا من البدع التي ما أرادها الله عزَّ وجل..

(( كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضلالَةٍ فِي النَّارِ ))

[ الترمذي عن جابر بن عبد الله ]

إلى أن أصبح الإسلام فلكلوراً، رقصاً، رُقِصَ في هذا المسجد، أصبح الإسلام فلكلوراً؛ تقاليد، عادات، ولائم، أناشيد، أما كمنهج قويم يهدي إلى الطريق المستقيم فهذا ما ينقص المسلمين.
أيها الأخوة الكرام، قال أصحاب النبي بعد أن قال:

((وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ))

[مسلم عن جابر بن عبد الله ]

أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا.. الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ، والحمد لله رب العالمين

* * *

الخطبة الثانية :

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مشروعية الأضحية :

أيها الأخوة الكرام، الأضحيَّة شعيرةٌ من شعائر المسلمين في عيد الأضحى المبارك، مشروعيَّتها أن الإمام أحمد وابن ماجه رويا عن أبي هريرة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال، دقِّقوا في قول النبي - لا ينطق عن الهوى -:

(( مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلا يَقْرَبَنَّ مُصَلانَا ))

[ابن ماجة عن أبي هريرة ]

استنبط الأحناف من هذا الحديث الشريف أنها واجبة، فمثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير واجب، وقال غير الأحناف: إنَّها سُنَّةٌ مؤكَّدة ولهم أدلَّتهم.
هي واجبةٌ مرَّةً في كل عام على المسلم الحر البالغ العاقل المقيم الموسر، ومن حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

((ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله تعالى من إراقة الدم - أي الأضحية - إنَّها - الأضحية - لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وإنَّ الدم ليقع من الله عزَّ وجل بمكانٍ قبل أن يقع على الأرض تطيب بها نفساً ))

[رواه ابن ماجه والترمذي عن عائشة]

ومن حديثٍ أنسٍ رضي الله عنه قال:

((ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ))

[البخاري عن أنس]

الحكمة من الأضحية :

وحكمتها أن المسلم الموسر يعبِّر بها عن شكره لله تعالى، على نعمه المتعدِّدة منها نعمة الهدى، ومنها نعمة البقاء على قيد الحياة من عامٍ إلى عام:

(( خيركم مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ))

[الترمذي عن أبي بكرة عن أبيه ]

ومنها نعمة السلامة والصحَّة، ومنها نعمة التوسعة في الرزق، وهذا العمل التعبدي تكفيرٌ لما وقع من الذنوب، وتوسعةٌ على أسرة المُضَحِّي، وأقربائه، وأصدقائه، وجيرانه، وفقراء المسلمين.

شروط الأضحية :

من شروطها بل من شروط وجوبها: اليسار، أي الغنى، فالموسر هو مالك نصاب الزكاة زائداً عن حاجاته الأساسيَّة، أو هو الذي لا يحتاج إلى ثمن الأضحية أيَّام العيد، الذي لا يحتاج إلى ثمن الأضحية أيَّام العيد عدَّه بعض الفقهاء موسراً، أو هو الذي لا يحتاج إلى ثمن الأضحية خلال العام كلِّه، هذا على اختلاف بعض المذاهب في تحديد معنى الموسر.وينبغي أن يكون الحيوان المضحَّى به سليماً من العيوب الفاحشة، كالتي تؤدِّي إلى نقصٍ في لحم الذبيحة، أو تضرُّ بآكلها، فلا يجوز أن يضحي بالدابَّة البيِّن مرضها، ولا العوراء، ولا العرجاء، ولا العجفاء، ولا الجرباء، ويُستحبُّ في الأضحية أسمنها وأحسنها، وكان صلى الله عليه وسلَّم يضحي بالكبش الأبيض الأقرن.

وقت الأضحية :

وقت النحر - نحر الأضحية - بعد صلاة عيد الأضحى وحتَّى قبيل غروب شمس اليوم الثالث من أيام النحر، على أن أفضل الأوقات هو اليوم الأول ما بعد صلاة عيد الأضحى وقبل زوال الشمس، يُكره تنزيهاً الذبح ليلاً.
ولا تصحُّ الأضحية إلا من النَعَم؛ من الإبل، والبقر، والغنم من ضأنٍ ومعزٍ، بشرط أن يتمَّ الضأن ستَّة أشهرٍ، وأن تتمَّ المعز سنةً كاملةً عند بعض الأئمَّة، ويجزئ المسلم أن يضحي بشاةٍ عنه وعن أهل بيته المقيمين معه، والذين ينفق عليهم، وهم جميعاً مشتركون في الأجر.

مندوبات الأضحية :

من مندوبات الأضحية: أن يتوجَّه المضحي نحو القبلة، وأن يباشر الذبح بنفسه إن قدر عليه، وأن يقول: بسم الله والله أكبر، اللهمَّ هذا منك وإليك، اللهمَّ تقبَّل مني ومن أهل بيتي.
وله أن يوّكل غيره وعندها يستحبُّ أن يحضر أضحيَّته، لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:

(( قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لكِ عند أول قطرة من دمها ))

[ الترغيب والترهيب عن أبي سعيد ]

ويُستحبُّ أن يوزعها أثلاثاً فيأكل هو وأهل بيته الثُلث، ويهدي لأقربائه وأصدقائه وجيرانه الثُلث، ويتصدَّق بالثلث الأخير على الفقراء والمساكين من المسلمين..

﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾

[سورة الحج: 36 ]

* * *

الكعبة مركز العالمين القديم والحديث :

أيها الأخوة الكرام، بيت الله الحرام مركزٌ لدائرةٍ تمرُّ بأطراف قارات العالمَيْن القديم والجديد، الكعبة المشرَّفة مركزٌ لدائرةٍ تمرُّ بأطراف قارات العالمَين القديم والجديد، والأرض اليابسة موزَّعةٌ حول بيت الله الحرام بصورةٍ منتظمة، هذه الحقيقة أكَّدتها أحدث الدراسات العلميَّة لمركز البحوث الفلكيَّة في أحد الأقطار العربيَّة الشقيقة، وذلك باستخدام الحاسب الآلي في حساب المسافات بين مكَّة وعددٍ من المدن التي تقع في أطراف العالمَين القديم والحديث.
وقد ثبت بعد الحسابات التي أجريت على الحاسب الآلي أن أقصى أطراف الأرض في إفريقيا وأوروبا وآسيا - وهذا هو العالَم القديم - تقع على مسافة ثمانية آلاف كيلو متر من مكَّة المكرَّمة، أطراف العالَم القديم في قارة إفريقيا وأوروبا وآسيا، هذه القارات القديمة أطرافها تقع على بعد ثمانية آلاف كيلو متر من مكَّة المكرَّمة.
أيها الأخوة، وتقع على مسافة ثلاثة عشرَ ألف كيلو متر من مكَّة المكرَّمة للعالَم الجديد - أستراليا والأمريكتان - إذاً هي مركز العالَم القديم والجديد معاً، أطراف العالَم الجديد ثلاثة عشر ألف كيلو متر، أي مدينة في طرف هذا العالَم تبعد عن مكَّة المكرَّمة، والعالَم القديم ثمانية آلاف.
بحسب هذه الدراسة تبيَّن أن بيت الله الحرام هو المركز الهندسي لليابسة، وهذه من آيات الله الدالَّة على عظمته..

﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 96-97 ]

الدعاء :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، و أشهد أن سيدنا محمداً عبده و رسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ و سلم على سيدنا محمد و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور