وضع داكن
20-04-2024
Logo
خطب الأعياد - الخطبة : 04 - خطبة عيد الفطر لعام 1412هـ - 1992م - خ1 - معنى الله أكبر( الحفاظ على الطاعة لما بعد رمضان ) ، خ2 - المبادرة إلى الأعمال الصالحة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا، الله أكبر ما تعالت أصوات الناس بالتكبير، الله أكبر ما تفتحت أبواب السماء، في هذا الصباح الكبير، الله أكبر ما تنزلت علينا رحمة ربنا العلي الكبير، الله أكبر ما تقاربت قلوب المسلمين، الله أكبر ما تظافرت جهودهم، وصدقت عهودهم، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله وبحمد بكرة وأصيلا.
 أيها الإخوة المؤمنون، كلمة الله أكبر هذه الكلمة ثقيلة في الميزان، لأن المؤمن الحق إذا عرف معناها، وعرف مدلولها، وعرف مؤداها، أصبحت حياته حياة منتظمة، أصبحت حياته حياةً مستقرة، كيف لا؟ وقد رأى الله أكبر من كل شيء، آثر طاعته على طاعة المخلوقين، آثر رضاه على رضاء الناس أجمعين، آثر الاستقامة على منهجه، وترك منهج الآخرين.
أيها الإخوة الأكارم، لا يعقل أن تقول الله أكبر وأن تطيع مخلوقاً وتعصي الله عز وجل، لا يعقل أن تقول الله أكبر وأن ترى رضاء المخلوقين أكبر عندك من رضاء رب العالمين.
 مرة خاطب الإمام الغزالي نفسه، قال: يا نفس! لو أن طبيباً حذرك من أكلة لا تحبينها ووعدك عليها مرضاً وبيلاً لا شك أن هذه النفس تتحاشى هذه الأكلة، وتتقي أن تقترب منها، سل الإمام الغزالي نفسه، قال: يا نفس! أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟ أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟ إذاً ما أكفرك، أيكون المرض أشد عندك من الموت؟ من النار؟ إذاً ما أجهلك.
 يا أيها الإخوة الأكارم، هذا الذي يقول الله أكبر بلسانه، ويرضي المخلوق ويعصي الخالق، هذا المخلوق أكبر عنده من الله، ورضا هذا المخلوق أغلى عليه من رضاء الله، وغضب هذا المخلوق أشد عنده من غضب الله، إذاً هذا الإنسان ما قال بلسانه الله أكبر ولا مرة، ما قالها بقلبه ولا مرة، ولو قالها بلسانه ألف مرة ومرة.
يا أيها الإخوة الأكارم، كلمت الإسلام، كلمات لا إله إلا الله، كلمة الله أكبر، كلمة سبحان الله، كلمة الحمد لله، هذه الكلمات يرددها المسلمون ولو عرفوا مضمونها لكانت حالتهم غير هذه الحالة.
 يا أيها الإخوة الأكرم، شتان بين أن تقول مليون بلسانك، ولا تملك درهماً في جيبك وأن تملك هذا المبلغ، فرق كبير بين أن تلفظ هذا الرقم، وبين أن تملكه، وكذلك فرق كبير بين أن تقول الله أكبر وبين أن تكون في مستوى هذه الكلمة، نحن في العيد نكبر، وهذا التكبير استنبطه النبي عليه الصلاة والسلام من قوله تعالى:

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

[ سورة البقرة]

 تكبر الله على ماذا؟ على ما هداكم، معنى ذلك أن فرحة العيد في أصلها أنك فرحت بالصلح مع الله عز وجل، إنك في رمضان اصطلحت مع الله، إنك في رمضان أنبت إلى الله، إنك في رمضان استقمت على أمر الله، إنك في رمضان ضبط جوارحك، وحواسك وفق شريعة الله إنك في رمضان تلوت القرآن، إنك في رمضان قمت الليل، إنك في رمضان غضضت البصر عن محارم الله، إنك في رمضان تحريت الحلال، إنك في رمضان أنفقت مالك في سبيل الله، هذا الإنجاز العظيم، هذا الصلح مع الله الكبير، هذه الإنابة المسعدة، هذا الإقبال العظيم، هذا نصر كبير لك.
 أيها الإخوة الأكارم، قد تستغل قوى الطبيعة كلها، ولا تستطيع أن تنتصر على نفسك قد تنتصر على عدوك اللدود، قد تحقق انجازاً عظيماً في الدنيا ولكنك لا تنتصر على نفسك من هم الأنبياء؟ هم الذين انتصروا على بشريتهم، هم الذين وضعوا شهواتهم تحت أقدامهم والمؤمنون الصادقون على نهج الأنبياء والمرسلين، إنك في رمضان انتصرت على نفسك، حققت عبوديتك لله عز وجل، أنبت إلى الله، هذا إنجاز عظيم، هذا نصر كبير، هذا انتصار على شهواتك، انتصار على بشريتك، انتصار على حظوظك، هذا الإنجاز العظيم لو تساهلنا بعد رمضان لعدنا إلى ما كنا عليه قبل رمضان.
 أيها الإخوة الأكارم، المعنى الأول الذي ينبغي ألا يغادرنا في هذا اليوم العظيم هو أنه ليست البطولة أن نضبط ألسنتنا في رمضان، فننزهها عن الغيبة والنميمة وقول الزور ثم نطلقها بعد رمضان إلى حيث الكذب والبهتان، ولكن البطولة أن نستقيم منا الألسن، وأن تصلح فينا القلوب ما دامت الأرواح في الأبدان، هذه البطولة.
 الآن دقق خلت في شوال، دخلت في شهور العام، دخلت في الأيام التالية في رمضان، هل أنت على منهجك في رمضان؟ هل أنت على ورعك في رمضان؟ هل أنت على استقامتك في رمضان؟ إياك أن تضيع هذا النصر العظيم، إياك أن تضيع هذا النصر على نفسك إياك أن تضيع هذا الإنجاز الكبير، ليست البطولة أن نغض أبصارنا عن محارم الله في رمضان وأن نضبط شهواتنا غير المشروعة، ثم نعود إلى ما كنا عليه بعد رمضان إنا إذاً:

﴿ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ﴾

[ سورة النحل الآية: 93]

 ولكن البطولة أن تصوم جوارحنا عن كل معصية في رمضان وبعد رمضان فلا تفطر الجوارح حتى تلقى الواحد الديان، ليست البطولة أن نتحر الحلال في رمضان خوفاً من أن يرد علينا صيامنا، ثم نتهاون في تحريه بعد رمضان على أنه عادة من عوائدنا، ونمط شائع من سلوكنا، ولكن البطولة أن يكون الورع مبدأ ثابتاً وسلوكاً مستمراً، ليست البطولة أن نبتعد عن المجالس التي لا ترضي الله عز وجل إكراماً لشهر رمضان، ثم نعود إليها وكأن الله ليس لنا بالمرصاد في بقية الشهور والأعوام، ليست البطولة أن نراقب الله في أداء واجباتنا، وأعمالنا ما دمنا صائمين، فإذا ودعنا شهور الصيام آثرنا حظوظ أنفسنا على أمانة أعمالنا وواجباتنا.
 أيها الإخوة الأكارم، هذه الكلمة كلمة الله أكبر كلما أقدم الإنسان على معصية ليعلم علم اليقين أنه ما قالها بقلبه ولا مرة، ولو قالها بلسانه ألف مرة ومرة، هو ليس في مستواها، كلمة الله أكبر، وكلمة سبحان الله، وكلمة والحمد لله، وكلمة لا إله إلا الله، هذه الكلمات قليلة في حروفها عميقة في دلالاتها، قليلة في حجمها، كبيرة آثارها.
 أيها الإخوة الأكارم، من شأن أعياد المسلمين أن تأتي بعد عبادة عظيمة، أليس عيد الأضحى المبارك يأتي بعد أداء فريضة الحج؟ أليس عيد الفطر السعيد يأتي بعد شهر رمضان ما معنى العيد بعد الصيام؟ وما معنى العيد بعد الحج؟ إنه فرحة بالعودة إلى الله، إنها فرحة بالرجوع إليه، إنه فرحة بالاستجابة له.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية: 24]

 دعوة الله عز وجل لحياة القلوب، دعوة الله عز وجل لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، إن حب وجودك، إن حرصك على وجودك، وحرصك على سلامة وجودك، وحرصك على كمال وجودك، وحرصك على استمرار وجودك، هذه الميول الفطرية لا تتحقق إلا في معرفة الله عز وجل.
أيها الإخوة الأكارم، ليست الفرحة بالعيد في لبس الجديد، ولا في أكل الثريد، ولا أن تفعل في هذه الأيام ما تريد، ولكن فرحة الحقيقة هي فرحة في العودة إلى الله.

﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

[ سورة البقرة]

 فيا أيها الإخوة الأكارم، البطولة أن ننتصر على أنفسنا، البطولة أن نضبط شهواتنا البطولة أن نتعرف إلى ربنا، البطولة أن نتعرف إلى منهجه، البطولة أن نحمل أنفسنا على طاعته البطولة أن نعرف سر وجودنا، البطولة أن نعرف ماذا بعد الموت، هذا الشهر الذي مر بنا بمر سريعاً.
معناً آخر يا أيها الإخوة الأكارم، يمكن أن يستنبط من هذا الشهر الكريم: وهو أن الزمن يمضي، قبل أيام كنا نستقبل هذا الشهر الكريم، ومضت هذه الأيام الثلاثون كأنها ساعة كذلك العمر إنه ساعة، ألم يقل الله عز وجل:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر]

 أيها الإخوة الأكارم، لا شك أن الجمادات لها أبعاد ثلاثة، طول، وعرض، وعمق أو ارتفاع، لكنها إذا تحركت لها بعد رابع ألا وهو الزمن، والزمن بعد رابع للأجسام المتحركة، فما دمنا نتحرك على وجه الأرض فنحن من بعض معاني وجودنا أننا جزء من الزمن، أو نحن زمن لذلك اقسم الله عز وجل بأثمن ما يملكه الإنسان، أقسم الله عز وجل بهوية الإنسان، قسم لله عز وجل برأس مال الإنسان، أقسم الله عز وجل بهذا المخلوق الأول الذي خلقه ليسعد بقربه قال:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

انظر مضي الزمن وحده، تتابع الأيام، تتابع الليالي، تتابع الأسابيع، تتابع الشهور تتابع السنين، إنه يذهب منك جزءاً، إنه يقربك من لحظة النهاية، إنه يستهلكك، لذلك قال الله عز وجل:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

 ، ما دامت الأيام تمضي فأنت في خسارة، ما دامت الأسابيع تمضي فأنت في خسارة، هذا ليس كلامي أيها الإخوة هذا كلام خالق الكون، ما دامت السنين تمضي فأنت في خسارة،

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

، أي إنسان؟ أي إنسان في الكون، أي إنسان على وجه الأرض، ما دام الزمن يمضي فهو في خسر، إذاً مضي الزمن ليس في صالح الإنسان، مضي الزمن خسارة محققة له، مضي الزمن اقتراب من ساعة الصفر، مضي الزمن اقتراب من نهايته، إذاً هو زمن.
يا أيها الإخوة الأكارم، من هذا الذي استطاع أن يتلافى هذه الخسارة؟ من هذا الذي استطاع أن ينجو من هذه الخسارة المحققة؟ من هذا الذي استطاع أن لا يكون خاسراً بل أن يكون رابحاً؟ الله عز وجل استثنى، قال:

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر]

 إنك إن لم تؤمن، وتعمل الصالحات، وإن لم تدعو لله عز وجل، وإن لم تصبر على الأوامر، وإن لم تصبر عن النواهي، وإن لم تصبر عن أمر الله التكويني فأنت في خسارة، ولكنك إذا أنفقت الوقت إنفاقاً استثمارياً، شتان بين أن تنفق الوقت إنفاقاً استهلاكياً أن تأكل، وأن تشرب وأن تجلس في البيت، وأن تكسب المال، وأن تنفق المال، وأن تمضي الأيام والسنون وأن يأتي الأجل هذا استهلاك للوقت، وبين أن تؤمن، وبين أن تطلب العلم، وبين أن تحضر مجالس العلم وبين أن تتفكر في الكون، وبين أن تتدبر كلام الله عز وجل، وبين أن تنظر في أفعال الله عز وجل، وبين أن تحمل نفسك على منهج الله، ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾، أربعة أشياء إذا توافرت في يومك نجوت من الخسارة، أربعة أشياء إذا توافرت كل يوم من أيام حياتك لأن كل يوم من أيام حياتك يناديك ويقول:

 

(( يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ))

 في اليوم الذي تؤمن فيه، أو في اليوم الذي تزداد فيه إيماناً، في اليوم الذي تزداد فيه علماً، في اليوم الذي تزداد فيه قرباً، في اليوم الذي تزداد فيه تعمل الصالحات، هذا اليوم مستثنى من الخسارة، هذا اليوم هو ربح كبير، لماذا؟ لأن آثار هذا اليوم تستمر بعد الموت.
أيها الإخوة الأكارم، يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، دققوا في هذه الكلمة: كل ما لم يصطحبك بعد الموت فهو من الدنيا.
ما الأعمال التي ترقى بها؟ ما الأعمال التي تربح بها؟ ما الأعمال التي تزيدك قرباً من الله عز وجل؟ الأعمال التي يعود أثرها بعد الموت، أو الأعمال التي يستمر أثرها بعد الموت.
فيا أيها الإخوة الأكارم، دقق أي عمل تعمله، أي نشاط تبذله، أي حركة تتحركها، أي سلوك تسلكه، إن انقطعت آثاره عند الموت فهو من الدنيا وهو خسارة في خسارة، وإن استمرت آثاره بعد الموت هو ربح في ربح.
 لهذا هذه السورة القصيرة لأن رمضان البارحة دخلنا فيه، البارحة فرحنا بقدومه البارحة اختلفنا في إثبات هذا اليوم، يا ترى الإثبات صحيح، هذا الشهر الكريم البارحة دخلنا فيه ومضت هذه الأيام الثلاثون، أو التسعة والعشرون، وتمضي الشهور وتمضي السنون، فإذا فجأة يواجه الإنسان قراراً بمغادرة الدنيا، دون أن يعود إليها، ترك ماله، ترك بيته الذي تعب في تأسيه ترك مكانته الاجتماعية، ترك حجمه المالي، إلى أين؟ هذا هو السؤال الخطير، ماذا بعد الموت؟ ماذا في القبر؟ ماذا بعد القبر؟ ماذا يوم يقوم الناس لرب العالمين؟.
أيها الإخوة الأكارم، إنك في خسارة محققة ما لم تؤمن بالله، وتعمل صالحاً، وتدعو إلى الله، وتصبر على كل أولئك، هذه السورة القصيرة في كلماتها الخطيرة في مدلولاتها، العظيمة في آثارها، هذه السورة يجب أن تكون نبراساً لنا في حياتنا.
شيء آخر يا أيها الإخوة الأكارم: الله عز وجل يقول:

 

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾

[ سورة التكاثر]

 الإنسان حين تستهلكه الدنيا، أحياناً يدخله في متاهاتها، يدخل في نشاطاتها التي ألفها الناس، فإذا هو حلقة في سلسلة تتحرك، لا يدري لِمَ يتحرك، يبحث عن ماذا؟ عن التكاثر عن جمع الدرهم والدينار، عن تكديس الأموال،

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾

، واللهو أيها الإخوة الاشتغال بالخسيس عن النفيس، الاشتغال بالفانية عن الباقية، الاشتغال بما تتركه عن ما أنت بحاجة إليه.
يا أيها الإخوة الأكارم:

﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة التكاثر]

 إذا أردت أن تشتري بيتاً وقال لك أحدهم سوف تعلم، ألا تقف؟ كلمة سوف تعلم، لعل هذا البيت مباع مرة ثانية، لعل هذا البيت مرهون، لعل في أساس البيت خللاً، لعل في هذا البيع خداعاً، كلمة

﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾

، ألا تجعلك تقف متريثاً؟

﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾

 ، الإنسان قد يرى المال كل شيء، قد يرى اللذائذ كل شيء، قد يرى العلو كل شيء، فإذا مضت السنون رآها شيئاً من بعض الأشياء، فإذا اقترب من أجله لم يرها شيئاً، رأى الله كل شيء، رأى معرفة الله هي كل شيء.
فيا أيها الإخوة المؤمنون، أقول لكم هذه الكلمات، وأنا أعني ما أقول: ليست قضية الإيمان أن تؤمن أو ألا تؤمن، أبداً لأنه لا بد من أن تؤمن، القضية قضية أن تؤمن بالوقت المناسب، أو أن تؤمن بعد فوات الأوان، ألم يقل فرعون:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات]

 هل بعد هذا الكفر من كفر؟ هل بعد هذا الإلحاد من إلحاد؟ هل بعد هذا التبجح من تبجح؟ ومع ذلك حينما جاءه الموت قال:

﴿ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾

[ سورة طه]

 عندما جاءه الموت قال:

 

﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

 

[ سورة يونس].

إذاً آمن، هذا الذي قال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

 ، آمن، إذا قضية الإيمان أن تؤمن أو أن لا تؤمن، يجب أن تؤمن قبل فوات الأوان، وأنت صحيح شحيح، يجب أن تؤمن وأنت قوي، يجب أن تؤمن وأنت غني، يجب أن تؤمن وأنت شاب، أما هذا الذي يلتفت إلى آخرته حينما يدنو من آخرته، أين ضيع شبابه؟.

 

(( لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ـ وعن علمه ماذا عمل به ـ ))

 

[أخرجه الطبراني عن أبو الدرداء]

أيها الإخوة الأكارم، من كلمة الله أكبر استوحيت شطر هذه الخطبة، ومن مضي الأيام التي شعرنا بها في رمضان استوحيت الشطر الثاني.
 أيها الإخوة الأكارم، لو سألت إنساناً تاب إلى الله توبة نصوحة، واصطلح مع الله صلحاً حقيقياً لا تجد أسعد في الدنيا منه، الصلح مع الله، التوبة إلى الله، الإنابة إلى الله، الالتزام بمنهج الله عز وجل، نحن في أول أيام العيد، وبإمكانك أن تجعل من أيام السنة كلها رمضان بإمكانك أن تتوب في أي وقت، بإمكانك أن تقبل على الله في أي شهر، بإمكانك أن تزداد قرباً في كل أشهر العام، إذا كان رمضان فرصة للرقي ليس معنى هذا أنه فرصة وحيدة، إذا فاتك أن تتوب في رمضان فأيام السنة كلها في رمضان مجال رحب للتوبة، إذا كانت أبواب الله عز وجل مفتحة في رمضان فأبواب الله عز وجل مفتحة على مصاريعها في كل أشهر العام.
 هذا المعنى الدقيق أيها الإخوة، أتمنى أن يبقى عندكم، أتمنى أن يكون ماثلاً في أذهانكم، معنى أنني انطلقت ولن أعود إلى ما كنت عليه، أنني حققت إنجازاً ولن أخسره بعد رمضان، أنني ألفت صلاة الفجر في جماعة ولن أتركها ما حييت، أنني ألفت قراءة القرآن ولن أدعه طوال العام، أنني ألفت الإنفاق في سبيل الله، ولن أدع هذا الإنفاق طوال أشهر العام.
 أيها الإخوة الأكارم، هذه المعاني يجب أن تكون في العيد، ويجب أن يكون العيد كما أراده الله ورسوله مزيداً من الطاعات، لا مانع من لهو بريء، لا مانع من أن تكون بين أهلك وأولادك، لا مانع من أن تفعل ما أباحه الله لك، أما أن يكون العيد مزلقاً لارتكاب بعض المعاصي أما أن يكون العيد مزلقاً لاجتراح بعض المخالفات، فهذا ليس عيداً، وليس العيد من لبس الجديد ولا من أكل الثريد، ولا من فعل ما يريد، ولكن العيد هو عودة لله عز وجل.
أيها الإخوة الأكارم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( بادروا بالأعمال الصالحة))

 معنى بادروا تسابقوا إليها، لأن الزمن يمضي، يقول الله عز وجل:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾

[ سورة البقرة الآية: 148]

 أنت لك وجهة هي من اختيارك، ومن كسبك

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 148]

 ما معنى

﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

 إنك في سباق مع الزمن، إن الزمن يمضي فإن لم تتحرك في الزمن سبقت،

﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً ﴾

[ سورة البقرة الآية: 148]

 هذه الحرية،

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾

 حرية الاختيار التي أكرمك الله بها حرية الاختيار التي أنعم الله بها عليك، حرية الكسب التي هي سبب سعادتك، هذه الحرية ليست إلى ما شاء الله، إنها محدودة بالموت، دققوا في الآية:

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

 ، تسابق مع الزمن،

﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً ﴾

 لهذا قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( ماذا ينتظر أحدكم من الدنيا))

 هذه الدنيا لو خلت من معرفة الله عز وجل، لو خلت من طاعته، لو خلت من حبه لو خلت من الالتزام بشرعه، لو خلت من طلب العلم، لو هذه الدنيا خلت من معرفة الله عز وجل ماذا فيها؟ ماذا ينتظر الإنسان فيها، أجاب النبي عن هذا السؤال، أجاب النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

 

((بادروا بالأعمال الصالحة، فما ينتظر أحدكم من الدنيا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا ))

 

 

 قد يأتي فقر مفاجئ، وعلى الرغم من الذكاء الشديد، والدقة البالغة في كسب المال وفي تثمير المال قد يأتي فقر مفاجئ.

((أو غناً مطغياً))

 وقد يأتي وعده النبي مصيبة كبيرة، الغنى الذي يحملك على معصية الله، هذا مصيبة.

 

(( أو مرضاً مفسداً أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال والدجال شر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر))

 

[أخرجه الحاكم عن أبو هريرة]

أيها الإخوة الأكارم، هذا العقل الذي أودعه الله فينا هذه الجوهرة الثمينة التي هي أثمن ما في الوجود، هذا العقل الذي أكرمنا الله به لم يكرمنا الله به من أجل أن نوقع بين الناس من خلاله.
 لذلك الإنسان إذا وقع في شر أعماله الكلمة الوحيدة التي تقال له: أين عقلك؟ لِمَ لم تعمل عقلك؟ لِمَ لم تفكر في هذا المصير؟ لِمَ لم تتوقع هذه النتائج؟ لِمَ لم تصطلح مع الله؟ لِمَ خرجت عن منهج الله؟ هذا الذي يعطل عقله، أو يعمله في غير ما خلق له، يدفع الثمن باهظاً.
أيها الإخوة الأكارم، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
* * *
 الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا.
أيها الإخوة الأكارم، يقول الله عز وجل فيما ورد في الأحاديث القدسية:

(( إني والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى الناس نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي))

هذه الحواس الخمس، نعمة الأهل، نعمة الأولاد، نعمة المأوى، نعمة العقل.

((أتحبب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي))

 ذكرت هذا الحديث للتأكيد على أن أبواب التوبة مفتوحة طوال العام.

 

(( أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم )).

 ربنا عز وجل حبيب لنا أو طبيب، حبيب إن أطعناه، وطبيب إن عصيناه.

 

 

(( أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب))

 يجب أن تعلم علم اليقين كما قال الله عز وجل:

 

﴿ وَمَا أَصَابكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

[ سورة الشورى]

((لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ـ ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام ـ فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ))

[أخرجه مسلم والترمذي عن أبو ذر الغفاري]

(( أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها))

 

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، واقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا ورضَ عنا اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك يا رب العالمين.
 اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
 اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
 اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم فأقررنا أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
 اللهم بارك لنا في أيام العيد، اجعلها أيام طاعة، اجعلها أيام قرب، اجعلها أيام عمل صالح، اجعلها صلة للرحم يا أكرم الأكرمين.
 اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين وخذ بيد ولاة المسلمين إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور