وضع داكن
20-04-2024
Logo
فقه السيرة النبوية - الدرس : 12 - سرية الدعوة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

غربة المسلم المنضبط بمنهج الإسلام في عصر التفلت:

 

أيها الأخوة, مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية، وصلنا إلى موضوع الدعوة السرية, فالدعوة الإسلامية بدأت سرية لأربع سنوات بدءاً من نزول الوحي، وقد ورد: " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء "

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح]

الحديث عن الغربة موضوع دقيق في هذا الدين، حينما تشعر أن الناس أخذتهم الدنيا، وأنهم لم يعبؤوا بمنهج الله عز وجل لا بد من أن تشعر بغربة، فالمسلم غريب في الناس، لأن قيمه تتناقض مع قيم الناس، عرف أنه خُلق للجنة، وعرف أن الجنة هي عطاء لا نهائي، وعرف أن هذه الجنة لها ثمن، وأن ثمنها معرفة الله وطاعته في الدنيا، فلذلك حينما آمن باليوم الآخر لا بد من أن تنعكس كل مقاييسه، فمقياس المؤمن يُحس أنه ناجح وفالح لا فيما يأخذ بل فيما يعطي، همه الأول العطاء، بينما الغافل عن الآخرة همه الأول الأخذ، فلا بد من تناقض واضح بين مبادئ المؤمن ومبادئ غير المؤمن، ما الذي يسعدك أن تأخذ أم أن تعطي؟ ما الذي يسعدك أن تستهلك جهد الآخرين أم أن تقدم جهدك لهم؟ ما الذي يسعدك أن يعيش الناس لك أم أن تعيش للناس؟ ما الذي يسعدك أن تقتنص لذة عابرة أم أن تنال سعادة أبدية؟.
لذلك القضية مصيرية، الإنسان في عصر التفلت، في عصر الانحراف يشعر بالغربة، لذلك حينما قال عليه الصلاة والسلام: " كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟ "

[ ورد في الأثر]

بيان النبي لأمته محدودية الدعوة إذا كان الإسلام في زمن غربة:

 

أيها الأخوة, لا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام وضح أشراط الساعة، لكن أنت حينما ترى شحاً مطاعاً، مادية مقيتة، يبيع الإنسان دينه بعرض من الدنيا قليل، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، حينما يعبد الدرهم والدينار، حينما يعبد شهوته، حينما يعبد بطنه، حينما يعبد فرجه، حينما بعبد خميصته، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " تعس عبد الدرهم والدينار، تعس عبد البطن، تعس عبد الفرج، تعس عبد الخميصة "

[ ورد في الأثر]

المال يُعبد من دون الله, قال تعالى:

﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾

( سورة الفرقان الآية: 43 )

اللذائذ الحسية هي شغل الناس الشاغل، ولا بد من وقفة متأنية عند اللذة وعند السعادة،اللذة الحسية طابعها مادي، اللذة تأتيك من الخارج، تحتاج إلى وقت, إلى صحة، إلى مال، تأتي اللذة من الطعام، من الشراب، من البيت، من البستان، من المرأة, أما السعادة تنبع من الداخل، اللذة متناقصة وتنتهي بالكآبة، أما السعادة متنامية وتنتهي بالجنة.
الآن في كبر وإعجاب، كل إنسان بجهله الفاضح يرى نفسه محور العالم، تعرض عليه قضية، نص حديث، حكم فقهي، يفكر، ما أعجبني هذا! هو المرجع، هو المقياس، هو الفيصل، هو الحكم, صدق القائل:
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ
قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((" إذا رأيت شحاً مطاعاً وَهَوًى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ))

[ ورد في الأثر]

الحديث له عدة روايات,

(( فلزم بيتك، وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، ودع عنك أمر العامة، وعليك بخاصة نفسك ))

[ ورد في الأثر]

يعني أقرباءك، أخوانك، أصدقاءك، زملاءك، جيرانك، الذين تعرفهم معرفة يقينية، والذين تطمئن لهم، في هذه الظروف الصعبة، حينما يشرد الناس عن منهج الله, وحينما يبتعدون عن أوامر الشرع، وحينما تحل الشهوة محل القيم، وحينما تحل القوة محل الرحمة، وحينما يعد العقل المغلق البعيد عن الوحي مرجعاً لكل شيء عندئذٍ نكون في زمن الغربة، لذلك: " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء "

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح]

يبدو أن حينما تكون الغربة مستحكمة ينبغي أن نقلد النبي صلى الله عليه وسلم في أن يدعو الإنسان إلى الله عز وجل دعوة محدودة وليست دعوة عامة.

الحكمة الربانية في انتشار الدعوة الإسلامية في جميع العشائر التي تضمها قريش:

 

أيها الأخوة, بدأت الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة بشكل سري، وتتراوح مدة هذه المرحلة بين ثلاث وأربع سنوات، وكانت مكة تخضع لقريش بعشائرها الأربعة عشر، لكل منها كيانها الخاص، مع تحالفها ضمن إطارها العام، وكان من المتوقع أن ينتشر الإسلام في عشرية النبي صلى الله عليه وسلم ثم في قريش التي ينتمي إليها أخيراً, ولكن الذي حصل على خلاف ذلك، حصل أن الإسلام انتشر في كل العشائر من دون استثناء، وهذه من حكمة الله عز وجل.
أيها الأخوة, هذه الميزة أن الإسلام انتشر في كل العشائر كانت ميزة إيجابية يمكن أن تعود بالخير العميم على الدعوة الإسلامية في مراحل قادمة، لنأت بالأمثلة:
أبو بكر الصديق من عشيرة تميم التيمي، عثمان بن عفان أموي، الزبير ابن العوام أسبي، علي بن أبي طالب هاشمي، مصعب بن عمير داري، عمر ابن الخطاب عدوي، عبد الرحمن ابن عوف زهري، عثمان بن مظعون جمحي.
إذاً: العشائر كلها انتشر فيها الإسلام على قدر المساواة، إذاً: الإسلام لا يفرق بين عشيرة وعشيرة، ولا بين قبيلة وقبيلة، ولا بين أبيض ولا أسود، ولا بين قريب وبعيد, الإسلام بالتعبير المعاصر أممي، كل من دخل في الإسلام فهو منا ونحن منه، كل ما دخل في الإسلام له ما لنا، وعليه ما علينا.

تقسيم القرآن للبشر:

 

أيها الأخوة, لا يضاف على كلمة مؤمن ولا كلمة، كل التقسيمات التي تواضع الناس عليها تقسيمات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان, تقسيمات من صنع البشر، تقسيمات نحن اخترعناها، أما في الحقيقة الناس صنفان، الناس رجلان، الناس نموذجان، واحد عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسعد في الدنيا والآخرة، وواحد غفل عن الله, وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه, فشقي في الدنيا والآخرة، ولن تجد نموذجاً ثالثاً.
هذا تقسيم القرآن، هذا تقسيم الواحد الديان، هذا تقسيم السماء، تقسيم الأرض مئة ملة وملة، ملل، ونحل، وطوائف، ومذاهب، وأديان, وأعراق، وأنساب، وغني وفقير، وأبيض وأسود، ودول الشمال ودول الجنوب، والعرق الأصفر، والعرق الآري، والعرق السكسوني، هذه تقسيمات الأرض ما أنزل الله بها من سلطان، وما لم تعتمد تقسيم السماء، وما لم تعتمد القيم التي رجحها القرآن للتمييز بين البشر فأنت بعيد عن الإيمان, قال عليه الصلاة والسلام:

(("سلمان منا أهل البيت ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

فارسي, كذلك قال النبي:

(( نعم العبد صهيب ))

[ورد في الأثر]

رومي, قال تعالى:

﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾

( سورة المسد الآية: 1)

من قريش، هذا الإسلام, قال تعالى:

﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾

( سورة المسد الآية: 2 )

ما لم نعتمد قيم السماء لن نقف على أقدامنا.

هذه نماذج من الرعيل الأول الذين تشرب الإسلام أفئدتهم فحكموه بينهم:

 

أيها الأخوة, لا أريد أن تبقى هذه الأفكار نظرية يجب أن تكون عملية، يجب أن تحب المؤمن كائناً من كان، يعني سليمان بن عبد الملك خليفة أموي كبير، حج بيت الله الحرام، وصل إلى مكة المكرمة، ومعه الوزراء والأمراء، وأمراء الجيش، والخواص، والحاشية، ومعه أولاده، سأل أحد خواصه, من عالم مكة؟ فأشير إلى إنسان ابن رباح أسود اللون، مشلول القدمين، رأسه كالزبيبة، أنفه أفطس، هذا عالم مكة، اقترب منه وسأله وأثنى عليه، وقال: أنت الذي تفتي في الحرم، اختلف مع أولاده في قضية, فتوجها إليه وكان حوله جمع غفير, فقال له: مكانك أمير المؤمنين، هؤلاء جاؤوا قبلك، فانتظر حتى وصل إليه، فسأله: فأجاب، قال لأحد أولاده: يا بني, أرأيت إلى ذلي أمامه؟ عبد أسود، حبشي، أفطس الأنف، مشلول القدمين، هو سيد علماء مكة، يقف خليفة المسلمين أمامه ذليلاً, وينتظر دوره، هذا هو الإسلام.
أيعقل أن يكون سيدنا بلال العبد الحبشي، يأتي أبو بكر الصديق ليشتريه من أمية بن خلف، وأمية بن خلف, يقول: والله لو دفعت لي درهماً لبعته لك، فيقول الصديق: والله لو طلبت مئة ألف لدفعتها لك، ويضع يده تحت إبطه, ويقول: هذا أخي حقاً، هذا هو الإسلام، هذا أخي حقاً.
أما سيدنا عمر خرج إلى ظاهر المدينة ليستقبل بلالاً، وكان أصحاب النبي رضوان الله عليهم إذا ذكروا الصديق, قالوا: هو سيدنا وأعتق سيدنا.
ما لم تكن هذه القيم محكمة في حياتنا فالطريق إلى الله ليست سالكة.

نموذج آخر من نساء الصحابة حطم الإسلام قيم الجاهلية فيها:

 

أيها الأخوة, صحابي جليل عنده فتاة بارعة الجمال، توفي زوجها، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أصحاب النبي رجل فقير لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، اسمه جليبيب أعور، دميم الخلقة، قصير القامة، أسمر اللون، كل عيوب الجسد مجتمعة فيه، إضافة إلى فقره الشديد، فقال له النبي الكريم: يا جليبيب ألا تتزوج؟ قال: يا رسول الله, من يزوجني؟ يعني على ماذا أتزوج؟ ليس معي شيء, وأنا بهذا الشكل، النبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجة من الفهم، قال: اذهب إلى بيت فلان, وقل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني ابنتكم، ما في تناسب أبداً، فتاة بارعة، والنبي علم أنها بارعة الجمال، وهذا الذي أرسله ليتزوجها أمامه، فطرق بابه، وقال: إن رسول الله يخطب ابنتكم، فتوهموا أنه يخطبها له، فهشوا وبشوا وطاروا من الفرح، قال: ليخطبها لي، صعق الأب، قال له: أريد أن أستأمر أمها, فذهب إلى أمها, وبدأ الحديث كما بدأ جليبيب توهمت أن هذه البنت لرسول الله، فلما قال هي لجليبيب, قالت: معاذ الله، مستحيل، سمعت البنت حوار الأب والأم، فقالت: أنا موافقة, ورسول الله لن يضيعني. هذا الإسلام يا أخوان، شيء لا يحتمل، ما في أي تناسب بينه وبينها, لكن أراد النبي أن يحطم قيم الجاهلية، هذا مؤمن، جمع له بعض المال ليشتري به حاجاته الأساسية, ويوم عرسه نودي بالجهاد، فذهب إلى معركة أحد، وكان استشهاده في هذا اليوم, كأن الصحابة الكرام أناس غير هؤلاء البشر، كأن هؤلاء الصحابة الكرام اصطلحوا مع الله فوضعوا تحت أقدامهم كل قيم البشر المادية.
لو عدنا إلى قيمهم، وإلى مبادئهم لتحقق وعد الله فينا بالنصر، نحن إسلامنا إطار خارجي، المضمون غير إسلامي، وحينما نعود إلى الله يتم النصر الذي وعدنا به ربنا، ذكرت هذه القصص الصارخة ليحطم الإسلام قيم الجاهلية، قيم القوة، قيم الوجاهة، لذلك هذه الجاهلية عادت على شكل أوسع وأشد.

ما الحكمة الربانية بأن جعل طريق النصر غير معبد ؟

 

أيها الأخوة, من هم السابقون إلى الإسلام؟ لا تنسوا أن الله عز وجل حينما قال:

﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾

 

( سورة الواقعة الآية: 10- 11)

يعني أحياناً تكون القوة بيد المسلمين، فالذي ينخرط في الإسلام له ميزات كثيرة, لكن هل تعلم ما البطولة؟ أن يكون الإسلام ضعيفاً، وأن يكون متهماً بالإرهاب، وأن يكون الإسلام ملاحقاً، وأن يكون المسلم في الدرجة الدنيا في المجتمع في نظر الأقوياء والأغنياء ومع ذلك يسلم.
بربكم سؤال دقيق, أريد أن تتأملوا فيه، لماذا كان النبي ضعيفاً؟ حينما مر على عمار بن ياسر وهو يُعذب، هل استطاع النبي أن يخلصه؟ قال:

(( اصبروا يا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة ))

[أخرجه الطبراني عن عثمان بن عفان في المعجم الكبير]

 

النبي يرى أصحابه يعذبون ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، لماذا لم يكن النبي قوياً كأقوياء الأرض؟ لعل أحدهم يتوهم أن الدعوة عندئذٍ تكون سهلة، لا، الأقوياء إذا دعوا إلى شيء أقبل الناس بمئات الملايين، لا قناعة، ولا رغبة، ولا إيماناً، ولا حباً، ولكن خوفاً فقط، الله عز وجل جعل هذا الدين أساسه الحب، أساسه أن تأتي طائعاً، أساسه أن تأتي مختاراً، أساسه أن تأتي محباً، الحب أساس العلاقة بين العبد وربه، لأن الله سبحانه وتعالى قادر أن يهدي الناس جميعاً قسراً, قال تعالى:

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾

( سورة هود الآية: 118 )

فالله عز وجل أردنا أن نأتيه مختارين، أن نأتيه محبين، أن نأتيه بمبادرة منا, لماذا كان النبي ضعيفاً في بدء الدعوة؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يملك شيئاً يغري الناس، ولا شيئاً يخيف الناس، فالذي يؤمن به يؤمن به إيماناً حقيقياً عن قناعة، وهذا الذي أراده الله عز وجل، بعد حين أصبح النبي قوياً، لكن في بداية الدعوة الإسلام ضعيف، والمسلم يعاني من متاعب كبيرة جداً.

ما هي الحكمة الإلهية في تداول الأيام بين الناس ؟

أيها الأخوة في ظرف قوي فيه الكفر، وفي ظرف اشتدت شوكة أهل الضلال, وفي ظرف أصبح المؤمن متابعاً، وكل حركة وسكنة يحاسب عليها، في ظرف صعب يأتي شاب يلتزم طريق الحق، وينتعش قلبه بهذا الدين العظيم، ولا يخشى في الله لومة لائم هذا هو الأجر،هذا هو السبق, أما إذا قوي الدين، والذي يدخل عندئذٍ في الدين, ليس له أجر من سبق, فلذلك قال تعالى:

﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ،أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾

 

( سورة الواقعة الآية: 10- 11)

بالمناسبة شاءت حكمة الله أن تكون القوة متداولة بين بني البشر, قال تعالى:

﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾

( سورة آل عمران الآية: 140 )

فقد يأتي وقت أهل الكفر أقوياء جداً، يملكون ناصية الدنيا، معهم أسلحة فتاكة, وقد يأتي وقت يكون أهل الإيمان أقوياء جداً، لكن جئنا في زمن ضعف المؤمنين، فلو أن الله جعل القوة بيد المؤمنين إلى أبد الآبدين, لأصبح معظم أهل الأرض منافقين، تحقيقاً لمصالحهم، وضماناً لسلامتهم، ولو أن الله جعل القوة مع أهل الكفر والعناد لخرج الناس من دين الناس أفواجاً، فالحكمة تقتضي أن تكون الأيام متداولة بين بني البشر, قال تعالى:

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 140 )

إليكم أوائل ممن دخلوا في الإسلام:

1- من النساء خديجة زوجة الرسول:

 

أيها الأخوة, أول من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من البشر كما هو واضح من حديث بدء الوحي عندما بشرته وصدقته فيما أخبرها به خديجة، لذلك قال:

(( مرة كذبني الناس وصدقتني "))

[ ورد في الأثر]

والنبي عليه الصلاة والسلام كان في أشد الوفاء لها في حياتها وبعد وفاتها، أحياناً قيسوا على ذلك، إنسان يتزوج وهو فقير, يتزوج امرأة ترضى به وتعتني به وتخلص له، بعد حين يغتني, هذا الإنسان بعد أن اغتنى يريد امرأة أخرى، ينسى وفاءها, وينسى إخلاصها، وينسى أنها رضيت به، وينسى أنها وقفت معه في أيامه العصيبة، يتمنى امرأة أخرى، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يمدح خديجة طوال عمره، حتى مرة ضجرت عائشة, وقالت: ألم يبدلك الله خيراً منها ؟ قال: لا والله لا والله لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها, هذا هو الوفاء، وكما تعلمون لما فتح مكة المكرمة، ركز لواء النصر أمام قبرها ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر،وهذا أعلى درجة من الوفاء.
بالمناسبة الدعاة الكبار إلى الله عز وجل الذين أرادوا تغيير جذري في المجتمع يلقون معارضة كبيرة، من حكمة الله لهم أن الله يخصهم بامرأة صالحة تخفف من أعبائهم، ومن تكذيب الناس لهم، ومن المؤامرات التي تحاك ضدهم.

الحديث الشريف الذي ورد بحق أم المؤمنين خديجة بنت خويلد:

 

لذلك السيدة خديجة كانت سند النبي من الداخل، ويجب أن تعلموا أيها الأخوة علم اليقين, أن المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف وفي التشريف وفي المسؤولية، وربما أقول: إن قلامة ظفر امرأة مؤمنة صالحة تائبة عابدة منيبة تعدل مئة ألف رجل شرد عن الله عز وجل، هذا هو الدين، أما الجاهلية لها مقاييس أخرى، حتى إنه قد ورد في الأحاديث الشريفة هذا النص ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: (

( يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي ))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح ]

رب العزة يسلم عليها، وجبريل يسلم عليها, قال:

(( فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ ))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة في الصحيح ]

لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

(( اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة وزجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[ ورد في الأثر]

(( ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله))

[أخرجه الطبراني عن أبي أمامة في المعجم الكبير]

2- من الصبيان علي بن أبي طالب:

 

أما من الصغار, فسيدنا علي بن أبي طالب كان يعيش في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تأثر بالنبي فكان أول من أسلم من الصغار، أو من الشباب، وكان في العاشرة من عمره.
أيها الأخوة, لا أغبط إلا شاباً في مقتبل حياته أقبل على الدين, ومن لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة.

3- من الموالي زيد بن حارثة:

 

من أوائل من أسلم زيد بن حارثة مولى رسول الله، مرةً خطر في بالي خاطر أن هذا زيد بن حارثة مولى لرسول الله، أهدته له خديجة، لماذا لم يعتقه النبي؟ جاءت في السيرة لما جاء أبو زيد وعمه ليفتديانه من رسول الله, قال: لا، لا أريد شيئاً دونكم زيد، فلما عرضوا عليه, قال: لا والله لا أترك محمد، ماذا رأى منه؟ رأى منه كمالاً أنساه أباه وأمه، هذا المؤمن، المؤمن محسن، فزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي.

4- من الرجال أبو بكر الصديق:

 

أما من اسلم من الرجال، من خارج بيت النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الجمهور هو أبو بكر الصديق، جاء في بعض الروايات

(( ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر))

[ ورد في الأثر]

كان أبو بكر رجلاً مؤلفاً لقومه، محبباً لهم، سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش, وأعلم قريش بها، وبما كان فيها من خير وشر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الله, وإلى الإسلام من وثق به من قومه.

ممن أسلم على يدي أبو بكر:

 

أسلم على يديه، عثمان بن عفان، كل أعمال عثمان بن عفان بصحيفة سيدنا الصديق،والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص, وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك هذا الصديق في أعلى مرتبة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ويذكر أن عبد الله بن مسعود أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وأنه أسلم وهو غلام.

لكل مقام مقال:

 

أيها الأخوة, يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))

 

[أخرجه الطبراني عن عويمر بن ساعدة في المعجم الكبير ]

من أعظم إكرام الله لرسوله أنه أحاطه بأصحاب في أعلى مستوى، وكلما علا شأنك عند الله يجمعك الله بأناس يعرفون قيمتك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور