وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0790 - وسائل الدعوة إلى الله .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا مما يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

أيها الأخوة المؤمنون عالم من علماء المسلمين سئل: هل يصل ثواب قراءة القرآن على روح الميت إلى الميت ؟ فقال: دعونا من الأموات وهل بإمكانكم أن توصلوا هذا القرآن إلى الأحياء ؟ الأحياء الذين يعيشون بين أظهرنا، هؤلاء المسلمون الشاردون عن الله عز وجل هل بإمكانك أن توصل إليهم هذا القرآن ؟ لذلك حين قال الله عز وجل:

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

[سورة آل عمران:110]

علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بما عرفته النفوس السليمة من خير وهو الدين، وما أنكرته الفطر السليمة من الشر، الفطر السليمة تعرف الخير ابتداء، وتعرف المعروف ابتداء، وتنكر المنكر ابتداء.
أيها الأخوة الكرام ؛ لعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة في الإسلام، إن صح أن هناك فريضة سادسة فهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما سكوت المسلمين عن المنكرات، ومجاملتهم لأصدقائهم، وإيثار أسلوب المديح على أسلوب النصيحة فهذا أوقع المسلمين في شرّ أعمالهم، مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي 

عن المنكر مسؤولية عظيمة و شاقة، لأنها تصطدم بالأهواء و الشهوات

هذه الأهواء والشهوات أصبحت جزءاً من كيان كثير من الناس، تصطدم أيضاً بالاعتزاز بالقيم السائدة و الموروثة والطارئة، وما يتلبس بها من مصالح مادية و نفعية، تصطدم هذه المهمة مع أعداء الإسلام الذين يرفضون الهداية و يكيدون لمن حمل لواءها، تصطدم هذه المهمة مع ما يحمله الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر من رغبات في حبّ الراحة، والخلود إلى الرخاء، لذا فالأسلوب الأفضل لإنجاح هذه المسؤولية هي أن نعمل بها، قال تعالى:

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[سورة آل عمران:104]

وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، ينبغي ألا تسكت عن الخطأ، ليس المقصود أن تفضح، المقصود أن تنصح، انصح هذا المسلم فيما بينك و بينه، دون أن تشهر به، الذنب شؤم على غير صاحبه، إن ذكره فقد اغتابه، شهر به، وإن رضي به شاركه في الإثم، وإن عيّره ابتلي به، ينبغي ألا تشهر به، وألا ترضى به، وألا تعيره، ينبغي أن تنصحه، ينبغي أن تقيم الفريضة السادسة.

 

نماذج ووسائل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتاب الله و سنة نبيه :

1 ـ أسلوب الخطاب :

أيها الأخوة الكرام ؛ الله جلّ جلاله وعز نواله جعل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتابه الكريم وفي سنة نبيه عليه الصلاة و السلام نماذج ووسائل وطرائق، الأسلوب الأول في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أسلوب الخطاب، أن تتوجه بالخطاب إلى هؤلاء الناس، بحكمة وموعظة حسنة، النبي عليه الصلاة و السلام جمع عشيرته الأقربين، كما قال الله له:

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾

[ سورة الشعراء: 214 ]

قال: يا بني عبد المطلب إني واللهِ لا أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة، و قد أمرني الله أن أدعوكم إليه:

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾

[ سورة الشعراء: 214 ]

أول شيء أقرب الناس إليك، عليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة مبدئياً، مبدؤك: عليك بخاصة نفسك، وإخوانك، وجيرانك، وأصدقائك، وزملائك، وأولادك، وأقربائِك:

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾

[ سورة الشعراء: 214 ]

بخطاب مباشر، بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

2 ـ أسلوب القصة :

أيها الأخوة الكرام ؛ هناك أسلوب آخر يفعل فعلاً لا يصدق، أسلوب القصة، إنسان استمع إلى قصة في شريط، و كان مقيماً على عمل من أقذر الأعمال، يرتب الأفلام الإباحية، فلما قرأ قوله تعالى:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج:12]

وشُرحت هذه الآية بقصة أو بعدة قصص، القصة أحياناً تفعل في النفس فعل السحر، ذلك أن طبيعة القصة تشد المستمع إليها، تجعله متعلقاً بها، بشخصياتها، بحوارها، بحوادثها، ببدايتها، بعقدتها، بنهايتها، بعظتها، بعرضها، بسردها، بتحليلها، بوصفها، القصة عمل فني رائع جداً، والله عز وجل في أطول قصة في القرآن الكريم، قصة يوسف عليه السلام، حوادث، وشخصيات، وبداية، وعقدة، ونهاية، وسرد، وتحليل إلى أن تؤمن:

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[سورة يوسف: 21]

لو قلت للناس:

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾

[سورة يوسف: 21]

من دون هذه القصة، هذه العبارة المجردة المباشرة لا تفعل فعلها في النفس، أحياناً القصة تعطيك حقائق كثيرة، لكن القصة لها ميزة أنها تعطيك الحقائق مع البرهان عليها، واقعية، لأنها وقعت، فكم من مجلس انعقدت فيه توبة بقصة تليت، كم من إنسان ارتدع عن منكر بقصة مؤثرة استمع إليها، بل إن القصة لا تنسى، طبيعة حوادثها، و طبيعة تسلسلها تجعلها تُحفظ، فالقصة تشد الآذان إليها، تتعلق النفس بها، تتفاعل مع النفس أشدّ التفاعل، لأنها تتحدث عن أحياء، عن بشر، لذلك السعيد من اتعظ بغيره، والشقي يتعظ بنفسه:

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾

[سورة يوسف:111]

﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾

[سورة يوسف:3]

فحينما تستمع إلى قصة من بدايتها إلى نهايتها، وفيها دلالة صارخة على عظمة الله، أو على روحانية الله، أو على عدل الله، أو على رحمة الله، هذه القصة سجلها في دفترك، وحاول أن تسمعها الآخرين في مجالسك.
أيها الأخوة ؛ الجهاد ذروة سنام الإسلام، ومن لم يحدث نفسه بالجهاد، من لم يجاهد، ومن لم يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق، و الجهاد الدعوي فرض عين على كل مسلم، أن تعلم الناس ما تعلمت، الدعوة كفرض عين أن تعلم ما تعلمت، أن تعلم في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، فقصة مؤثرة، إنسان مرابٍ دُمِّر ماله، إنسان زان أفقره الله عز وجل، إنسان معتد أثيم أهلكه الله عز وجل، قصة متقنة بتسلسلها، و حوادثها، و بيئتها، و تفاعلها، هذه إحدى أكبر أساليب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أسلوب القصة، لا سيما أن أساليب القصة هي أسلوب حديث جداً، و له تأثير كبير، فبدل أن يستخدمه أهل الكفر لترسيخ قيم الإباحية و قيم التفلت من منهج الله عز وجل، ينبغي أن يستخدمه المؤمنون في سبيل ترسيخ قيم الحق و إشاعة الفضيلة.

 

3 ـ أسلوب المثل :

أيها الأخوة الكرام ؛ وفوق القصص هناك أسلوب آخر هناك أسلوب المثل، فقد قال الله عز وجل:

﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾

[سورة إبراهيم: 25]

أحياناً الفكرة مجردة بعيدة عن الأذهان، معقدة، يأتي مثل فيوضحها، و المثل أسلوب رائع جداً في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أنا لا أريد من إخوتنا الأكارم أن يفهموا أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أن تقف في الناس خطيباً تقول: افعلوا و لا تفعلوا، هذا أسلوب الوعظ أصبح الآن بعيداً عن قبول الناس، دعك من أسلوب الوعظ، دعك من أسلوب الخطاب عالي النبرات، الحقيقة لها وهج، الحقيقة لها قوة تأثير كبيرة جداً، و لو ألقيتها همساً، والكلام الفارغ الذي لا يعني حقيقة مهما علا صوتك به لا يهز طفلاً صغيراً، فلذلك حينما تتكلم بهدوء و بحقائق و أدلة، الإنسان يحب وجوده، و غاية وجوده، و سلامة وجوده، و يحب استمرار وجوده، فإنه يتأثر بالأمثلة، و يتأثر بالقصة والمثل أضعاف ما يتأثر بالأسلوب الخطابي.
أيها الأخوة الكرام ؛ الله عز وجل ضرب أمثالاً كثيرة في كتابه، و النبي صلى الله عليه و سلم ضرب أمثالاً كثيرة في سنته، فقال تعالى:

﴿كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

[سورة العنكبوت: 41]

الحقيقة هذا الوهن وهن اجتماعي، خيط العنكبوت لو سُحب بقطر ميليمتر لكان أمتن من الفولاذ، خيط العنكبوت أمتن من أمتن عنصر، لكن ضعف هذا البيت من سوء العلاقة بين الزوجين:

﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾

[سورة العنكبوت: 41]

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر: 29]

النبي الكريم حدثنا عن قوم ركبوا سفينة، واستهموا أماكنهم فيها، فكان بعضهم في أعلاها و بعضهم في أسفلها، أراد الذين في أسفلها أن يخرقوا ليأخذوا الماء مباشرة، فقال عليه الصلاة و السلام: فإن أخذوا على يديه نجا ونجوا، وإن تركوه هلك و هلكوا، المسلمون في قارب واحد، ما من مثل جاء به النبي أبلغ من هذا المثل، نحن جميعاً في قارب واحد، فالذي ينحرف إن تركناه هلك وهلكنا معه، وإن أخذنا على يديه نجا ونجونا معه، فلو تتبعت أحاديث النبي عليه الصلاة و السلام رأيت المثل رائعاً، الصلاة عماد الدين- عود الخيمة- من أقامها فقد أقام الدين، و من هدمها فقد هدم الدين، لو نزعت عمود الخيمة، يبقى القماش فقط، كانت بيتاً فأصبحت قماشاً.
هناك أحاديث كثيرة، وهناك قصص رائعة رواها النبي عليه الصلاة و السلام، مثلاً قال تعالى:

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5 ]

لو حملت على دابتك كتاباً ماذا وعت من هذا الكتاب؟ ماذا وعت هذه الدابة من هذا الكتاب؟ و قال تعالى:

﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾

[ سورة الأعراف: 176 ]

قال تعالى:

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾

[سورة المدثر: 50]

وقال تعالى:

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

قال:

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

أيها الأخوة الكرام ؛ قيمة المثل أنه يجسد الحقيقة المجردة في شكل حسي ملموس: من يهن يسهل الهوان عليه، فكرة كيف نفهمها ؟ قال: ما لجرح بميت إيلام، معنى ذلك أن الإهانة إذا تكررت على إنسان ميت القلب لا يتأثر بها.

 

4 ـ التمثيل العملي :

شيء آخر التمثيل العملي، ماذا فعل سيدنا إبراهيم ؟ كسر أصنام قومه، وحينما سئل قال:

﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾

[سورة الأنبياء: 63]

أجرى لهم صدمة، إذًا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس معناه أن تقف خطيباً وتعظ الناس، و الخطابة كما قلت قليل ملّها الناس لأن المصداقية لم تكن واضحة فيك، فلذلك حينما تنوع من خطاب إلى قصة، إلى مثل، إلى تمثيل عملي، هذا كله يؤدي إلى أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون بأساليب منوعة. 

5 ـ الحوار :

شيء آخر ؛ هناك أسلوب آخر هو الحوار، أنت حينما تحاور إنساناً، وتتخذ معه قواعد ثابتة، أسساً ثابتة، مقاييس ثابتة، عندئذ يحاصر، حينما تجعله مستمعاً فقط هو يريد أن يعبِّر عن نفسه، عن فكرته، عن قناعته، وإذا منعته أن يتكلم و أمليت عليه إملاء نفر من هذه الدعوة، أما لو جلست معه بحوار هادئ، سألك و أجبته، سألته وأجابك، لا بد من أن يصل المتحاوران بهدوء وبقناعة، والمؤمن يستخدم الأساليب الحديثة في الحوار، حينما توضع ثوابت للحوار، نعتمد الكتاب، نعتمد السنة معه، نعتمد أفعال الصحابة، نعتمد البرهان العلمي، نعتمد البرهان الفطري، البرهان الواقعي، حينما تتخذ البراهين بشكل منظم، وتبدأ بالحوار، لاشك أن هذا الحوار ينتهي إلى الهدى إن شاء الله.
مثال على الأسلوب العملي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا))

[ أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ]

أرض جرداء ليس فيها شيء، جاء كل صحابي بعود، أصبح عندهم كمّ كبير، فإذا أُشعل أصبح ناراً عظيمة، كذلك المسلم ترك الكبائر و انغمس في الصغائر، هذه كلها تجتمع عليه حتى تهلكه، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يجري دعوة عملية. هناك أيها الأخوة في أسلوب الحوار عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:

((لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي وَمَا أَنَا قَالَ فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مقَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالُوا بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ قَالَ أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَالُوا وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا ))

[ أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

أرأيتم الحوار و التمثيل لما قال: اجمعوا لي عيداناً؟ أرأيتم أسلوب القصة؟ أرأيتم أسلوب المثل؟ أرأيتم أسلوب الخطاب المباشر؟

6 ـ أسلوب الاقتداء :

أيها الأخوة الكرام ؛ أما الأسلوب الأخير فهو أسلوب الاقتداء، يكفي أن تكون أنت صادقاً، فصدقك دعوة إلى الله، يكفي أن تكون أميناً، أمانتك دعوة إلى الله، يكفي أن تكون عفيفاً، عفتك أمر بالمعروف و نهي عن المنكر، أنت حينما تطبق أحكام الشرع تكون داعية من أكبر الدعاة وأنت صامت، أسلوب القدوة.
توصلنا في هذه الدقائق المعدودة من هذه الخطبة إلى أن الخطاب المباشر، وأسلوب القصة، وأسلوب المثل، و الأسلوب العملي و الحوار و القدوة، هذه بعض الأساليب التي ينبغي أن يتبعها المسلمون في الدعوة إلى الله، عندك مثل رائع سجله عندك، عندك قصة مؤثرة اكتب رؤوس أقلامها في دفترك، إذا جلست في وليمة، في ندوة، في سهرة، في لقاء، في عيادة مريض، في مناسبة اجتماعية، في سفر، حاول أن تنقل الحق بأطر جديدة، حاول أن تنقل الحق بأساليب فريدة، حاول أن تنقل الحق بأسلوب يتغلغل في أعماق الإنسان، ذلك أن كل إنسان عنده أفكار قد تكون مغلوطة، و عنده قيم قد تكون مهترئة، و عنده تصورات قد تكون غير صحيحة، هذه تمسك بها، وألفها، و اعتاد عليها، من الصعب جداً أن تخترقها بخطاب مباشر، لا بد من أسلوب آخر، فأسلوب القصة يتغلغل في خطوط دفاع الإنسان، يتغلغل، فقد تنتصر على الطرف المتمسك بتقاليد عمياء، وأعراف جهلاء، أنت بأسلوب الحوار أو القصة أو المثل أو التمثيل العملي، أو القدوة تستطيع أن تفعل فعلاً كبيراً.
أيها الأخوة الكرام ؛ إن شاء الله في أسبوع قادم أتحدث عن الدعوة الصامتة بالتفسير، كيف يمكن أن تكون أكبر داعية إلى الله و أنت ساكت، و أنت في عملك يمكن أن تفعل فعل السحر فيمن حولك، وأنت ساكت لا تنبس ببنت شفة، لأن القيم التي تتمثلها، و المبادئ التي تعتنقها، والأساليب التي تنتهجها هي في حدّ ذاتها دعوة كبيرة.

أساليب الدعوة إلى الله ينبغي أن تسير في مراحل معينة :


أيها الأخوة الكرام ؛ بقي شيء آخر هو أن هذه الأساليب، وهذه الخطط ينبغي أن تسير في مراحل، و هذه المراحل يمكن أن تفيدنا فائدة عظيمة، الطرف الآخر له قيمه الأرضية، له مبادئه الشيطانية، له أساليبه الخبيثة الماكرة ينبغي أن تفندها، إن فندت ما عند الطرف الآخر من أعداء الدين تكون قد فعلت شيئاً دقيقاً و هو الوقاية من الكفر، الله عز وجل يقول:

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾

[سورة محمد: 1]

معنى ذلك أن الذي تاه عن الله و شرد عنه لا بد من أن يفعل شيئاً فيه انحراف خطير.
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ لا بد من أن يكفر الإنسان بالكفر حتى يؤمن، ما دامت قيم الكفار كبيرة، قيم الكفر عالية، مادمت أساليب الكفار في الحياة في مطمح الإنسان فالطريق إلى الله ليس سالكاً، هذه حقيقة أيها الأخوة نعلق عليها أهمية كبيرة، ينبغي أن تجرح القيم السائدة التي أساسها انحراف الإنسان عن ربه.
شيء آخر في هذا الموضوع وهو تحطيم الحواجز النفسية بين الناس و العقيدة الصحيحة، لا تأت بكمٍّ كبير فجائي يرهق المدعو، ائته بفكرة واحدة، بعلاقته بأولاده، لا تحاول أن تعطيه المنهج دفعة واحدة، هذا لا يستطيعه، و قد يرفضه كله، و هذا معنى قول الله عز وجل:

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾

[ سورة النحل: 125]

التدرج في الدعوة إلى الله شيء مهم جداً :

إذًا التدرج في الدعوة مهم جداً، إن سألك أجبه، أما أن تعطيه كل المحرمات دفعة واحدة، و قد ترسخت في كيانه، و تغلغلت في بنيته النفسية، عندئذ يرى الدين شيئاً فوق طاقته، أما حينما تستعين على حاجاته الأساسية، كل إنسان يحتاج إلى الأمن، فإذا بيّنت له أن المؤمن يملأ الله قلبه أمناً، إن الله يعطي الصحة و الذكاء والجمال للكثيرين من خلقه، و لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، هذا شيء دقيق جداً، فإذا استعنت بحاجات الإنسان الأساسية، حاجته إلى الرزق، قال تعالى:

﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾

[ سورة الجن: 16-17]

وقال تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة الأعراف 96 ]

فالإنسان متعلق برزقه، فإذا رأى الإنسان أنه إذا استقام على أمر الله هيَأ الله له رزقاً حلالاً، فأنت استعنت بحاجاته الأساسية، وأنت حينما تطمئنه أنك إذا عرفت الله ملأ قلبك أمناً، أحد أساليب نجاح الدعوة أن تستعين على المدعو بحاجاته الأساسية التي يسعى إليها.
يا أيها الأخوة الكرام ؛ ثم إن إبعاد الناس عن السلوك الجاهلي، حفلة مختلطة يجب أن تنصحه، هذا الاختلاط يدمر حياتك الزوجية، هذا الوضع، هذه العلاقة لا ترضي الله عز وجل، هذه العلاقة لغم قد ينفجر في وقت لست مهيأ له أنت، فحينما يتبين لهذا المدعو أن كل شيء يفعله مخالف لمنهج الله عز وجل هو قنبلة سوف تدمره في وقت ما يبتعد عنه. ثم إن في الدعوة إلى الله كما ذكر الله عز وجل أسلوب المودة، قال تعالى :

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

[سورة سبأ: 24]

أي لا تجعل نفسك وصياً، لا تجعل نفسك منظراً، لا تجعل نفسك مستعلياً، ينبغي أن تتواضع لمن تعلِّم، تواضع لمن تعلم، و ينبغي أن تتواضع لمن تتعلم منه، مودة الداعية مع الآخرين أحد أساليب سلوك الحقيقة إليه.
ثم أيها الأخوة لا بد من أن تهيئ لهذا المدعو جوًّا مريحاً، فالأجواء الإيمانية تقربه إلى الله، و الأجواء الشيطانية تبعده عن الله، فلا بد للمدعو من مجلس علم، من مجلس مذاكرة، من سهرة فيها شباب مؤمنون، لا بد من جو اجتماعي يوضع فيه هذا المدعو، أما إذا كان من حوله فسقة، ومنحرفون، فهذا الجو جو معصية، جو إباحية، جو كفر، جو دنيا، ليس في هذا الجو ما يقرب إلى الله عز وجل، فهذا المدعو لا ينبغي أن تتركه وحده، ألقيت عليه محاضرة وتركته، هو محاط بأصدقاء منحرفين، محاط بأناس شهوانيين، أما إذا أتيت به إلى مجلس علم فيه أدب ووقار وعلم، فحينما تأتي به إلى حفلة لأناس مؤمنين، يرى الكلمة الطيبة والإيناس، يقترب من الحق، إذًا يجب أن تعوِّده على ارتياد المساجد، يجب أن تعوده على صحبة الصالحين، القاعدة أيها الأخوة أن : "الجليس الصالح خير من الوحدة، لكن الوحدة خير من جليس السوء " .
هذه بعض معالم التطبيق لعل الله سبحانه وتعالى يلهمكم أن تستخدموها، ذلك أن الحق إن لم ينمُ، الباطل ينمو، الباطل ينمو ويحاصر الحق، والباطل يضيق على الحق.

 

أركان النجاة :

لذلك جعل الله أركان النجاة أربعة، أحد هذه الأركان " وتواصوا بالحق..." أركان النجاة فقط، من أجل الحفاظ على وجود الحق، ينبغي أن تدعو إليه، وكما قلت لكم من قبل: حينما تؤصل حقائق الدين، و تأتي بالبراهين القوية عليها، فهذه دعوة إلى الله كبيرة، وحينما تؤصل أيضا قواعد الخير في المجتمع، وحينما تهيئ أجواء إيمانية، أكبر شيء الآن يبعد الناس عن الدين الأجواء غير الإيمانية، حفلات مختلطة، جلسات فيها منكرات، فيها غيبة، فيها نميمة، فيها شهوات مبذولة، بشيء رخيص بلا ثمن، فالإنسان بحكم تعلقه بالشهوات ينجذب إلى هذه المجالس، فإن كان هناك مجالس أخرى، مجالس إيمان، مجالس ذكر، فأن يرتاد الإنسان بيوت الله، و يكون له مجلس علم يحضره، هذا من أكبر الأسباب التي تحثه على طاعة الله.
أيها الأخوة الأكارم ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز مـن أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني.

* * *

الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فضل المساجد و آدابها و أحكامها :

أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الإمام عليٌّ كرم الله وجهه: "من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان ؛ أصاب أخا في الله ..."، قد تنشأ أخوة صادقة عن طريق المسجد، من يرتاد المساجد ؟ المؤمنون، من يرتاد المساجد ؟ الورعون، 

المستقيمون، من يرتاد المساجد ؟ الذين يطلبون العلم، فأنت حينما تأتي إلى المسجد ترى نخبة من الأخوة الكرام

فلو اتخذت منهم صديقاً أو صاحباً أو معيناً؟ والنبي عليه الصلاة و السلام أمرنا أن نتآخى اثنين اثنينِ، الحد الأدنى ينبغي أن تتخذ لك أخاً مؤمناً، تتفقده و يتفقدك، و تنصحه و ينصحك، وترشده و يرشدك، و تأخذ بيده و يأخذ بيدك، هذا تستفيده من المسجد، لكن في أمكنة أخرى قد تجد المكر و الخداع، و الضغينة و الحقد، و الإيذاء، لذلك: " من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى ثمان؛ أخاً في الله، أو علماً نافعاً- قد تغيب عن ذهنك حقيقة، وهي في غاية الخطورة، تأخذها من المسجد من خلال آية، أو حديث، أو حكمة، أو لفتة، فالإنسان كائن يدرك، وهذه القوة الإدراكية تحتاج إلى غذاء، ألا هو العلم- أو آية محكمة- وقد تُفسَّر آية في هذا المسجد، أنت في أمس الحاجة إليها، تفسَّر آية تحل مشكلة عويصة في حياتك، تفسر آية تحل عندك مشكلة عويصة في معتقدك، تفسر آية تحل عندك مشكلة عويصة في علاقتك الاجتماعية، إنه شفاء للصدور، القرآن الكريم شفاء، كما أن العسل شفاء للأجسام، القرآن الكريم شفاء للصدور- فالمسجد تكتسب فيه أخاً في الله أو علماً نافعاً أو آية محكمة أو رحمة منتظرة، لأن النبي عليه الصلاة و السلام قال:

((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))

[ أبو داود عن أبي هريرة ]

تشعر براحة، ومع الراحة حكمة، وأقول دائماً:

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

بالحكمة أيها الأخوة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، بالحكمة تكسب المال الحلال، فيبارك الله لك فيه، و من دون حكمة تكسب المال الحرام فيكون سبب تدميرك، بالحكمة تقلب العدو إلى صديق، ومن دون الحكمة تقلب الصديق إلى عدو، لذلك جعل الله الحكمة من أكبر ثمرات الإيمان:

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269 ]

هذه رحمة منتظرة:

((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))

[ أبو داود عن أبي هريرة ]

أو كلمة ترده عن ردى، مقبل على معصية لم ينتبه لها، مخالفة شرعية كبيرة، استمع إلى حكمها فانتهى، إذًا قد تكون هناك موانع تمنعه من عمل لا يرضي الله عز وجل، أو كلمة تسوقه إلى هدى، تدله على عمل صالح، على خدمة الفقراء والمساكين، على إنقاذ المحتاجين، فإن فعل هذا تألقت نفسه، أو يترك ذنباً خشية، أو يتحلى بحياء رغبة، أن تدع ذنباً، أو أن تكون حيِيًّاً، أو أن تسمع كلمة تردك عن ردى، أو تسوقك إلى هدى، أو رحمة تنتظرها من الله عز وجل، أو آية محكمة، أو علماً نافعاً، أو صديقاً في الله، لذلك:

(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر ))

[أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري]

الدعاء :

أيها الأخوة الكرام ؛ إني داعٍ فأمِّنوا ؛ اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليه، وإنه لا يذل مَن واليت، ولا يعز مَن عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، أصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم، فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين، اللهم صُن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد مَن أعطى وذم مَن منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء، اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الخوف إلا منك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء مولانا رب العالمين.

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور