وضع داكن
26-04-2024
Logo
رياض الصالحين - الدرس : 080 - وجوب التعاون على البر والتقوى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

تمهيد :


أيها الإخوة الكرام؛ اخترت لكم من كتاب رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين, عليه أتم الصلاة والتسليم, بعض الآيات والأحاديث من باب عنون له الإمام النووي رحمه الله تعالى, فقال: 

باب التعاون على البر والتقوى.

الوضع الجديد في العالم, لا يعيش الإنسان وحده أبداً؛ وضع تجمعات، وضع تكتلات، هم يتكتلون على باطلهم، يتكتلون من أجل مصالح مادية، من أجل الاستكبار في الأرض، فالمؤمنون من باب أولى أن يتعاونوا، والله عز وجل في سورة الأنفال, في آية دقيقة جداً يقول: 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)﴾

[ سورة الأنفال ]

وفي آية ثانية يقول: 

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)﴾

[ سورة الأنفال ]

كما أنك تتمنى أن تكون مع أخيك، هم يتعاونون, ويخططون, ويسهرون من أجل أخذ أموال المسلمين، من أجل سلب ممتلكاتهم, من أجل إفقارهم، فالمؤمنون إن لم يتعاونوا، ويتناصروا، ويتكاتفوا, ويتجمعوا، ويذيبوا من بينهم كل خلاف جانبي, لم يستطيعوا أن يقفوا على أقدامهم، بل إن المعركة اليوم:

معركة وجود أو عدم وجود, نكون أو لا نكون.

 

كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب.


أيها الإخوة؛ هناك أمر في القرآن الكريم, وكما تعلمون: كل أمر في القرآن الكريم, يقتضي الوجوب, إلهنا، وربنا، وخالقنا, يقول: وتعاونوا، فكل إنسان لا يتعاون, يخالف نص هذه الآية، وحينما يقول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)﴾

[ سورة الأنفال ]

يعني: يا من آمنتم بي خالقاً، ومربياً، ومسيراً، يا من آمنتم بي موجوداً، وواحداً، وكاملاً، يا من آمنتم بأسمائي الحسنى, وصفاتي الفضلى، هذا أمري.

أيها الإخوة؛ فكل إنسان يستنكف عن طاعة الله تقصيراً, أو استكباراً، كبراً, أو إهمالاً, يدفع الثمن باهظاً، وكما ترون يدفع أعداء المسلمين الثمن باهظاً لخلافاتنا وخصوماتنا، وذهاب قوتنا فيما بيننا.

ومن علامات غضب الله على الأمة: أن يجعل بأسها بينها.

أنا أتمنى أن نعيش الإسلام، الإنسان أحياناً: يسأم من الكلام, والمحاضرات، وإلقاء الكلمات، يحتاج إلى مسلم يعيش الإسلام، يحتاج إلى علاقة إسلامية، يحتاج إلى حب، يحتاج إلى إنسان, ولو أن معلوماته قليلة, ولكنه يطبقها.

أنا لا أحتاج إلى موسوعة متنقلة غير مطبقة.

مرة قيل للإمام الغزالي: فلان حفظ كتاب الأم للشافعي، ابتسم وقال: زادت نسخة، يوجد في السوق خمس نسخ, صاروا ستة.

النبي عليه الصلاة والسلام ربى أصحابه تربيةً عالية، فكانوا أبطالاً.

أقول لكم هذه الكلمة: والله الذي لا إله إلا هو, لو فهم المسلمون الأولون، لو فهم أصحاب رسول الله رضوان الله تعالى عليهم, وصلوات الله تعالى عليه، لو فهموا الإسلام كما نفهم نحن الآن, والله ما خرج الإسلام من مكة المكرمة.

كيف وصل الإسلام إلى أطراف الدنيا؟.

ذكرت لكم: أن سيدنا عبد الله بن رواحة الصحابي الجليل, أرسله النبي عليه الصلاة والسلام إلى يهود خيبر, ليقيم ثمارهم، فيأخذ نصفها بحسب اتفاق بين النبي الكريم وهؤلاء، فأرادوا أن يرشوه بحلي نسائهم.

فقال هذا الصحابي لليهود: والله لقد أتيت من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض, وبهذا غلبتمونا.

بالحق.

وطن نفسك, الكلام ليس له قيمة، العبرة أن تعيش الإسلام، أن تكون وقافاً عند كلام الله عز وجل.

 

درسنا اليوم في التعاون.


 يوجد تعاون، يوجد إنكار للذات، هل تسير مع أخيك إلى نصف الطريق؟.

لاحظت ملاحظة: شركات ضخمة تنهار، مؤسسات ضخمة, كان من الممكن أن تكون مفخرة للمسلمين, بسبب خلافات شخصية تنهار.

معنى ذلك: أن الإنسان لا يحمل هم المسلمين, يحمل همه هو، إلى متى يبقى المسلم فقيراً، مشرداً، بلا مأوى، بلا عمل؟ شيء مؤلم جداً، الكفار بتعاونهم سيطروا على العالم، ونحن كوننا مؤمنين, يجب أن نتعاون, قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[ سورة المائدة ]

حدثني أخ قال لي: هناك في بلاد الغرب, اليهود يتعاونون على خمسة بالمئة من القواسم المشتركة، والمسلمون يتقاتلون، وبينهم خمسة وتسعون بالمئة من القواسم المشتركة ، أليس هذا وصمة عار؟.

أنا أتمنى أن ينهض المسلمون، أن ينهضوا اقتصادياً.

ويل لأمة تأكل ما لا تزرع، ويل لأمة تلبس ما لا تنسج، ويل لأمة تستخدم معدات لا تصنعها.

يوجد الآن شيء اسمه: حرب قطع التبديل، يبيعونك طائرة تعمير, محركها خمسة ملايين دولار، فيها أربعة محركات، ثمنها مليار، هذا تعمير محرك طائرة، حينما نعيش على فتات الحضارة الغربية، ولا نفعل شيئاً.

أنا أحياناً: إذا رأيت أخًا صناعيًا مستقيمًا، وله عمل أتقنه، وكسب منه المال، وصار قوة للمسلمين.

نحن دائماً من ضعفنا نحطم بعضنا، لا ندع أحدًا ينجح، وإذا نجح ننزلـه، ننافسه، نكسر السعر، حتى تصبح كل المصالح غير مربحة، بأكثر الأسواق إذا كان في قضية تنافس, تنافسَ التجار فيها, حتى تباع برأس مالها، هذا شيء واقع، هذا ضعف وعي، اسمح لأخيك أن يربح، لذلك صار حصر الربح بالمئة ثلاثة، ودخلَ الاحتكار، كأن الناس لجؤوا إلى الاحتكار، والمسلم دائماً يجب أن يكون مستخدمًا، ضاربًا على آلة كاتبة فقط، حاجبًا فقط، أين المسلم الصناعي؟ أين المسلم التاجر الكبير؟ أين العالم الجليل؟ أين أستاذ الجامعة الكبير؟ هذا الذي ينبغي أن يكون، لا يوجد في الدنيا شيء إلا العمل الصالح, والعمل يحتاج إلى قوة.

أيها الإخوة؛ نحن يجب أن نفهم النصوص فهماً عاماً.

أنا لا أكلف الإنسان ما لا يطيق، إذا كان الطريق سالكًا إلى أن تكون قوياً, فيجب أن تكون قوياً، إذا الطريق سالكًا إلى أن تكون غنياً, يجب أن تكون غنياً، إذا كان الطريق سالكًا إلى أن تكون في موضع حساس, بإمكانك أن تنصف المظلومين، فيجب أن تصل إلى هذا المكان، أمّا أن أرضى بالفتات، أن أرضى بأقل معيشة ممكنة كسلاً أو زهداً, فليس هذا هو الدين.

سيدنا عمر سأل أناس:

من أنتم؟ قال: نحن المتوكلون، قال: كذبتم, المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله

 

سألني أخ سؤالا منذ يومين.


قال لي: أنا محتار، النبي عليه الصلاة والسلام أثنى على المؤمن القوي.

(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ, وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))

[ أخرجه مسلم ]

ما هي القوة؟. 

المال قوة، يجب أن نتعاون. 

أهل الدنيا يتعاونون, الشاردون عن الله يتعاونون، أهل الباطل يتعاونون، يتعاونون على إفقار المسلمون، على السيطرة عليهم، على أخذ ما في أيديهم، والحديث الذي يقوله النبي, أنا أعده من دلائل نبوة النبي، وإذا نقض المسلمون عهد الله وعهد رسوله, سلط الله عليهم من يأخذ ما في أيديهم.

يوجد تقديرات مبلغ, انتقل من الشرق إلى الغرب، فعندما انتقل هذا المبلغ حدث الكساد، وبوار بالأسواق، أزمة بطالة، هذا كله من عدم تعاوننا، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) من أجمل الآيات، البر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة.

يقول لك أخ: أريد ألا أشاركه، لأني إذا شاركته, أخاف أن أخسره، انظر إلى هذا الكلام، هذا كلام الشيطان، إذا شاركت مسلمًا, وخسرته.

معنى هذا: أن الإسلام غير صحيح، غير مقبول كمنهج، يجب أن تشاركه، وأن تزداد حباً له، أن يأخذ ما له، وأن يعطيك ما لك؛ من دون حيف، من دون ظلم، من دون تجاوز.

أي: تجد شركات ضخمة, سبب تراجعها وإفلاسها سوء الإدارة، وراء سوء الإدارة تنافس شخصي.

ذكرت لكم من قبل: لي صديقًا, ذهب إلى بلد غربي، وقرأ بالجريدة عرضاً - إعلان على وظيفة-, طلبوا سنًّا معينةً، شهادة معينة، خبرة معينة، أدى الخدمة الإلزامية، قال لي: جميعها أشياء واضحة، ولكن لفت نظري شرطًا نادرًا، قال: أن يصلح للعمل ضمن فريق. 

أنت عندك إمكان أن تعمل بمؤسسة، بشركة، بجامع، تتعاون، تكون واحدًا من المجموع، إذا كنت الرأس، وإذا لم تنفذ رأيك, تحطم الموضوع، هذا يحصل في أكثر من مجال، إذا لم تنفذ رأيك, تعد نفسك مهانًا, فتخرّب، عندك إمكان أن تساهم كعضو فعال، تعرف حدودك، تتفاهم مع إخوانك، تتعاونون، إلى متى نريد أن نكون، هناك تخلف، هل يجب أن يكون المسلم متخلف دائماً؟ أنا أتمنى ألاّ ينفرد الباطل بالساحة.

أيها الإخوة؛ لماذا الكافر ذكي؟ لماذا يتعاون؟ واللهِ هناك تعاون يفوق حد الخيال، تجد شرذمة بالعالم منبوذة, ملكت بتعاونها العالم كله، قال تعالى:

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54)﴾

[ سورة الشعراء ]

ملؤوا الآفاق بتعاونهم, سيطروا.

أيها الإخوة؛ فمن باب أولى أن نتعاون نحن، نسمع عن شركة صاعدة, أشعر بالاعتزاز، عندما أجدها هابطة أحزن.

هناك شركة أدوية, فيها مهندس متفوق جداً، لدرجة أن دولة غربية, عرضت عليه راتبًا شهريًا فلكيًا، وجنسية، وفيلا، وسيارة، استطاع أن يصنع حبوبًا فوارة من دون سبيرتو، بالماء، هذا شيء نادر، والشركة تأسست، وبدأ إنتاجها، وقدموا لي عبوة، انهارت الشركة بخلافات شخصية، ممكن أن نصنع من مصنع حبًّا فوارًا، فيتامين (c)، ونستغني عن الاستيراد؟ ممكن بالتعاون.

أتمنى على أخ عنده هذا الفكر التعاوني، أنا لا يعمل مشكلة، لا يضع العصي بالعجلات، أن لا يقول: أنا لا أنفذ رأيي, وإلا أحطم المشروع، لا، بالمشاورة، من أنت أمام رسول الله سيد الخلق، حبيب الحق، المعصوم، الذي يوحى إليه، الذي معه معجزات؟ قال الله له:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

أيها الإخوة؛ أنا قناعتي إن شاء الله, لا أقبل بكل من حولي أحدًا ينفرد برأيه، يسمونها قيادة جماعية، المجموع من الصعب أن يخطئ، قال النبي: لا تجتمع أمتي على خطأ.

الحديث:

(( عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يجمع أمَّتي - أو قال : أمة محمد - على ضلالة ، ويَدُ الله على الجماعة، ومن شَذَّ شَذَّ إلى النار. ))

[  أخرجه الترمذي ]

كل عمل دع فيه المجموع يتعاونون، ويتناقشون، ويتحاورون، ويصوتون، لا يكن هناك رأي واحد، رأي مستبد، مدرسة صغيرة، مجلس إدارة مستشفى، مجلس إدارة، تناقشوا، الأمة تسعد برأي الجماعة، وتشقى برأي الفرد.

 

وجوب التعاون على البر والتقوى.


الإمام النووي رحمه الله تعالى, افتتح هذا الباب، باب التعاون على البر والتقوى بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) وأذكر وأعيد: 

كل إنسان يتوهم الدين خمس عبادات, فهو جاهل، الدين مئة ألف بند, رقم لا على التعيين، لا أقصده بالذات, وكل آية قرآنية فيها فعل أمر، أو في فعل مضارع مع لام الأمر، أو في فعل شرط وجواب شرط، أو فعل طلب وجواب طلب، هذه الآية ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك تقتضي الوجوب، أحصي ما في القرآن من أوامر, تجد آلاف الأوامر, أحصي ما في السنة من أوامر، يوجد مئات ألوف الأوامر، معنى ذلك: أنت أمام منهج تفصيلي كامل، يجب أن يطبق.

درسنا اليوم: وتعاونوا، تعاونوا في العمل التجاري، تعاونوا في العمل الصناعي، تعاونوا في العمل الدعوي، والله شيء يثلج قلبي بلقاء، بعقد قران، العلماء يحترمون بعضهم، يتعاونون على نشر الحق، أما حينما يتنافسون, والله يسقطون من عين الناس جميعاً.

إذا قال لك طبيب: أين تحكّمت؟ قلت له: عند فلان، يطعن فيه.

أنا أحتقر هذا الطبيب، زميلك له أسلوب رخيص وقذر، حتى أكسب ود المريض, أطعن في زميلي الطبيب، آن الأوان أن نخرج من هذا المستنقع الآثم، مستنقع الطعن ببعض، مستنقع التنافس، مستنقع الأسف، مستنقع إثبات الذات, ولو على الخطأ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) أنت قدمت البيت، أخي أنا أجرته، لا يوجد بيت أجرته بالليلة عشرة آلاف ليرة، أفخر فندق ثلاثة آلاف، ليست قضية نوم عادية، هناك مشكلة، أنا لا دخل لي، بلى لك دخل ، تعلم علم اليقين: أن هذا البيت ما دفعت في ليلة واحدة عشرة آلاف, إلا لعمل غير شرعي، وأنت آثم وتتحمل.

قال لي شخص: أنا كنت شارب خمر، كانت توبتي على يد سائق تاكسي، صعدت معه وقت الازدحام الشديد، فلمح زجاجة خمر معي، فأوقف السيارة، وقال له: انزل، قال لي: لم أجد سيارة، انتظرت ساعة ونصفًا، شعرت بالذل، هذا قدم شيئاً بتوبته.

جراح قلب, أجرى عملية ناجحة, لإنسان شارد, هو وأهله، أحضروا له زجاجة خمر غالية جداً، قال له: أنا لا أقبل هذه الهدية، قال له: قدمها هدية، قال له: لا أقدمها، بعد شهر قابله الذي قدم الهدية, قال له: والله أقلعت عن شرب الخمر تقديراً لك.

 

الحث على التعاون والاستقامة.


(( عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا يستقم بكم ))

[ رواه الطبراني في الصغير والأوسط ]

يجب أن تخرج من قوقعة الذات، من فرديتك إلى التعاون، والآن عصر تعاون كفار، عصر تكتلات، عصر سوق مشتركة، عصر اتفاقية اللغات، إذا لم تتعاون تنتهي، يجب أن نتعاون، شركاء في التجارة تعاونوا، أنكروا ذواتهم في سبيل المصلحة العامة.

 الآية الأولى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)﴾

[ سورة المائدة الآية: 2 ]

تعاون على البر صلاح الدنيا، وتعاون على صلاح الآخرة.

أنا حضرت في هذا الأسبوع أربعة عقود قران أو خمسة، كل عقد قران يوجد على مدخل مكان الاحتفال, صندوق العافية عوضاً عن الورود، يوجد عقود قران فيها ثلاثة ملايين ورود، أربعة ملايين ورود، وكتبوا في بطاقة الدعوة: يرجى التبرع مقابل إرسال الزهور إلى صندوق العافية، هذه واحدة.

أحد إخواننا الكرام زوج ابنته، فأرسل إلى كل مدعو وصلا بألف ليرة لمعهد، لمدرسة شرعية في داريا، دفع للمدرسة مئتين وخمسين ألف ليرة، كانوا ثمن علب.

أخ ثان, يأتي إلينا أحياناً: زَوّج أخاه، وهو رجل ميسور، ما قدم هدية أبداً، خطيب الحفل قال: ثمن الهدية ضرب بألف مدعو، الناتج مليون، هذا مودع عند جهة, من أجل إنفاقها, لتزويج شباب المسلمين.

إنسان ثالث صار يقدم كتابًا شرعيًّا، كتاب حديث، كتاب فقه، كتاب سيرة، فإذا حضر الإنسان عقود قران, صار عنده مكتبة، أيضاً شيء جيد، آن الأوان أن نخرج من التقاليد البالية، ممّا ألفناه، مما ورثناه عن الآباء والأجداد، يجب أن نطبق السنة.

في مصر شيء أعجبني، كنت في القاهرة, في مؤتمر، يريد إنسان أن يتزوج، وثمة محل يبيع بضاعة تجهيز البيوت، فأي إنسان يريد أن يقدم له هدية, يراجع صاحب المحل، هناك تنسيق.

في بعض البيوت, يأتيك أحياناً خمسون هدية من نوع واحد، وأنت تحتاج إلى واحدة، يأتيك عشرون ساعة حائط، وأنت بحاجة إلى واحدة أو اثنتين، لو كان ثمة تنسيق، هذه مادة، مال دفع ثمنه، لماذا هذا الشيء؟.

أنا اليوم اقترحت اقتراحًا، قلت لهم: أتمنى من كل أخ, يريد أن يتزوج, أن يكون له أخ إداري، أي إنسان يريد أن يقدم له هدية, يجب أن يأخذ موافقة الأخ، أنت تريد أن تقدم خمسمائة ليرة، هذا الإنسان يلزمه مروحة وطنية ثمنها خمسمئة ليرة، عندنا شيء ثان، خمسة آلاف نشتري له بها سجادة، أربعة رجال يريد كل واحد أن يقدم ألفًا، يجب أن يكون هناك إداري, يعرف ما حاجته؟ كل حاجات الأخ بدأً من الثريات، والبراد، والغسالة، والسجادة، فكل أخ يريد أن يشتري هدية, يراجع هذا الإنسان، كم تريد أن تقدم له؟ خمسمئة ليرة، عندنا هذه الحاجة، عندنا هذه الهدية.

إذا تزوج أخ, وجد كل حاجاته مؤمَّنة من دون زيادة، فعدم التنسيق في تقديم الهدايا, تنشأ منه مشكلة إتلاف المال.

أنا أعرف أن في أكثر بيوتنا حاجات متراكمة, ليس لها استعمال، الآن في عقود القران يقدمون صحنًا أو زبدية، إلى متى كل صحن بشكل ليس لهم فائدة إطلاقاً، قدّم كتابًا ، تبرع لمعهد شرعي، قدم شيئًا ثمينًا، زوّج شابًّا، يجب أن نتعاون.

كلمة أعيدها مرتين: 

قضية المسلمين نكون أو لا نكون، إما أن نعيش أو يقضي علينا أعداؤنا قضاء مبرمًا، لا يوجد رحمة الآن، أنتم ملاحظون.

مثلاً: إنسان بائع بللور, أين مصلحته؟ أن تأتي طائرة، وتخترق جدار الصوت, تكسر مليون لوح بللور، يصبح مليونيرًا.

هذا المثل البسيط يقول لك: هدمنا البنية التحتية لهذا البلد، ما تركوا مصفاة نفط ولا جسرًا، ليس لنا علاقة بالأمثلة، ولكن مبدأهم لا يتركون شيئًا، في النهاية نحتاج أن نشتري معامل جديدة من عندهم، ومصافي نفط جديدة، وجسورًا نعمرها.

في حرب الخليج، وفي مناقشة, تمت بين قائد فرنسي وبين جندي، قال لهم: أي شيء متحرك اضربوه، فيبدو أن أحد عناصر الفرقة, قال له: ولو سيارة مدنية فيها ركاب؟ قال لهم: اضربوها، قال له: لماذا؟ هذا مخالف للقوانين الدولية؟ قال له: لأنك إن دمرت هذه السيارة, سوف يشترون من عندك أخرى جديدة، فتعمل معاملنا، يقتل خمسين مدنيًا، هذا ليس له قيمة، هذا الذي جرى في المناقشة، أنت تلاحظ الآن الحروب في العالم كلها, هدفها ليس قضية انتصار، بل قضية تحطيم البنية التحتية، لا يُترك شيءٌ.

أيها الإخوة, قال تعالى:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)﴾

[ سورة التوبة ]

(تُطَهِّرُهُمْ) : الزكاة تطهر الغني من مرض البخل، والزكاة تطهر الفقير من مرض الحقد، لا الغني بخيل، ولا الفقير حاقد. 

الآن: (وَتُزَكِّيهِمْ) الفقير يشعر بقيمته في الحياة, مجتمعه يهتم به, والغني يشعر بعمله الطيب, الذي أنقذ مئات الأسر من الفقر والضياع.

أنا أحب أن يكون الإسلام حركيًا، وليس سكونيًا، ليس ستاتيك، ولكن ديناميك، هكذا مستسلمون، هذا غير مقبول.

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمعوا هذا الحديث، حديث عميق جداً، جاءه رجل, طلب منه مساعدة.

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ, جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ, فَقَالَ: لَكَ فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى, حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ, وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ, وَقَدَحٌ نَشْرَبُ فِيهِ الْمَاءَ، قَالَ: ائْتِنِ بِهِمَا, قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا, فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ, ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ, فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ, وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ, فَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ, وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا, فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ, وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا, فَأْتِنِ بِهِ, فَفَعَلَ, فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَشَدَّ فِيهِ عُودًا بِيَدِهِ, وَقَالَ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ, ولا أَرَاكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا, فَجَعَلَ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ, فَجَاءَ, وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ, فَقَالَ: اشْتَرِ بِبَعْضِهَا طَعَامًا, وَبِبَعْضِهَا ثَوْبًا, -الإنسان لا يشعر بالطمأنينة إلا إذا كان أهله يأكلون ويشربون، هذه قاعدة، ما تركه يعمل فوراً-, ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ, وَالْمَسْأَلَةُ نُكْتَةٌ فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ, أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ, أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ ))

هذا منهج، إنسان طالب رزقًا من الله، تحرك.

مرة سمعت كلمة راقت لي تماماً: 

أنه لا ينبغي أن يعطى الإنسان مبلغاً من المال دون عمل، يصبح شيئا مريحًا، يستيقظ الظهر، الناس تعطفوا عليه فأعطوه، أمّن طعامه وشربه. 

يوجد أخ من إخواننا؛ أقدره كثيراً، وقع في ضائقة مالية شديدة، قال: أنا إذا تقدمون لي ثمن دراجة صغيرة, أنا أبيع أكياس، قال أخ ميسور: أنا أؤمن له دراجة، وزع أكياسًا، وربح، قدم جهدًا، ورد القرض، ودفع زكاة ماله.

أنا ماذا أقول؟ أفضل مساعدة تكون: عندما تحول آخذ الزكاة إلى دافع إلى الزكاة، إذا استطعت أن تحول آخذ الزكاة إلى دافع للزكاة, فأنت بطل، هذه حكمة الزكاة: أن تجعل الإنسان يعمل رافع الرأس.

أتمنى على الإنسان ألا يعطي إلا مقابل عمل، إلا إذا كان الإنسان عاجزًا، أما الشاب فخذ وكل، يأخذ, ويأكل, وينام إلى الظهر، لا يقبل أن يعمل.

سألوا متسولاً: لمَ تتسول وأنت رجل ميسور؟ قال: قضية مبدأ.

أحد إخواننا؛ جزاه الله خيرًا, ساهم بمكافحة التسول في بلدنا بشكل فعال، قال لي: جمعنا ألفًا وخمسمئة متسول، هذا كلام دقيق، قال لي: أنا حققت معهم واحداً واحِداً: كم عدد الفقراء منهم؟ خمسة أشخاص، والباقون أقسم بالله يملكون أربعين مليونًا، يجلس متسول في زاوية، هذه مصلحة، تأتي سيارة تلمهم مساءً، وتحاسبهم، هذا يده مكسورة، وهذا معصوبة عيناه، وهذا أعطوه ولدًا صغيرًا عاريًا نصفه, أنت بسذاجة تقول: هذا ميت من جوعه, هذا حمق.

قال لي: والله هناك امرأة, تلبس مانطو أسود منذ عشرين سنة -ملمع - قال لي: رأيتها في البنك، هذه ما الذي أحضرها إلى هنا؟ سأل، فقالوا: هذه لها سبعمئة ألف، في المساء يغيرون لباسهم، ويشترون الفواكه الغالية، وأنت لا تملك قرشًا.

يجب أن تنتبهوا، يوجد كذب كثير، يوجد احتيال كثير، لا تعطِ إلا لإنسان مؤمن، وأعطه مقابل عمل, حتى يأخذ المبلغ رافع الرأس، ولا يكون ذليلاً ((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير)) .

أيها الإخوة؛ أنا بشعوري, أنه يوجد ضائقة شديدة، الماء قليل جداً، الأسواق كاسدة, علاجها التعاون، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) يجب أن يحمل الإنسان أخاه.

سمعت أنه سبب تفوق اليابان في الصناعة والتجارة على الغربيين، أن المعامل الغربية مع الأزمات تسرح العمال، أما اليابانيون فلا يفعلون هذا، مهما كان في أزمة, يتحول المعمل إلى صناعة رائجة، ويوجد حد أدنى مضمون للعامل، والعامل مطمئن, حتى عندما كنت في أمريكا, وجدوا تفوقًا كبيرًا في صناعة السيارات في اليابان، حتى إن أمريكا أصبحت أكبر سوق لليابان، وأمريكا متفوقة بالسيارات سابقاً، فصارت في خلل، أرسل وفد رفيع المستوى, ليدرس ما سر تفوق الصناعة اليابانية؟.

وجدوا أن السر اجتماعي، وليس تكنولوجيًا، مدير عام يأكل مع العمال، يوجد ود بينهما، العامل مستقبله مضمون، يوجد حد أدنى لا يهبط عنه، يوجد راحة، يوجد إتقان، والإتقان سبب رواج الصناعة.

أنا أتمنى هذا الدرس: أن ينقلب إلى سلوك, بأي عملك. 

الآية الثانية:

قوله تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر ]

الإمام الشافعي يقول: ((إن الناس أو أكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة)) هل تعلم: أن ربع النجاة التواصي بالحق، معنى ذلك: أن الدعوة إلى الله فرض عين ((بلغوا عني ولو آية)) وحجمك عند الله بحجم عملك الصالح، وأرقى عمل صالح أن تدل الناس على الله، أن تأخذ بيدهم إلى الله، أن تحملهم على طاعة الله، أن تمسكهم بكتاب الله، هذا أعظم عمل على الإطلاق، والدليل قوله تعالى: 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

[ سورة فصلت ]

ليس في الأرض كلها من آدم إلى يوم القيامة، ليس في الأرض رجل أفضل عند الله, ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً، وقال: إنني من المسلمين.

وسأقول لكم كلاماً آخر: الدعوة إلى الله منوعة جداً, بعضها باللسان، بعضها بالعمل، ((استقيموا يستقم بكم)) الأمانة دعوة, والصدق دعوة، والإخلاص دعوة، والتواضع دعوة، والورع دعوة, والعفة دعوة، سيدنا يوسف عبد في بيت سيده، شاب، أعزب، دعته امرأة سيدته، ذات منصب وجمال، فقال: ((إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)) هذه دعوة.

أي إنسان يقف موقفًا أخلاقيًّا هو داعية، ولو لم يتكلم, وأنا قناعتي: أن لغة العمل أبلغ من لغة القول.

 أحد الزعماء الغربيين له كلمة، يقول: أنا أرضي أعدائي، ولا أسترضيهم، الاسترضاء باللسان، أما الإرضاء فبالعمل.

التواصي بالحق ربع النجاة، والتواصي بالصبر ربع النجاة الآخر، فأنت باليوم: إن آمنت بالله، وعملت صالحاً، وتواصيت بالحق، وتواصيت بالصبر, حققت أركان النجاة من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

 

أمثلة على التعاون:


مرة كنت في عقد قران، وقف عريف الحفل، وقال: إما أن تكون داعية، وإما أن تتبنى داعيةً، كل سنة يأتينا إكرام طلاب علم من أفريقيا، من تركيا، من جزر القمر، من أندونيسيا، من الشيشان، من داغستان، وأنا أدرّسهم، وأحتفل بهم، وندعوهم إلى مسجدنا, وإلى وليمة، ونقدم لهم كتبًا، أشرطة، بيننا ود.

مرة أخ من إخواننا الكرام؛ بعد أن انتقل إلى بلده, أعتقد في غينيا، لست متأكدًا من البلد، أرسل إلي رسالة, أنه عنده معهد شرعي, من أفضل المعاهد الشرعية في كناكري، توفي الذي أعطى الأرض لهذا المعهد, فالورثة يريدون أن يخرجوا أصحاب المعهد من أرضهم.

فأخ من إخواننا الكرام؛ درس الوضع، ووجد أنه مناسب جداً, أن يشتري هذه الأرض، وأرسل له شراءها.

اليوم أرسل إلي كتاب شكر الأخ، فهذا إنسان أسس معهدًا في بلد مسلم، هذا تعاون ، والله كتب كلمات شكر مؤثرة جداً، أنتم أنقذتمونا، والأخ الكريم مدّ يد المعاونة، وتحقق تحققًا دقيقًا، وأنقذ معهدًا شرعيًّا من الإغلاق.

الحياة تعاون، وهناك أعمال طيبة جداً في هذه البلدة الطيبة، ليس كل شيء منظور، ولكن ثمة أشخاص يبذلون.

هذا الجامع المتواضع البسيط, يجمع أحيانا مبلغًا ضخمًا، أكبر مبلغ بدمشق لصندوق العافية، أجروا ألف وتسعمئة عملية خلال سنتين، كلفت ستين مليونًا، كلهم فقراء، بالتعاون، وهذا اسمه: ضمان صحي.

إنسان فقير, له حق على المؤمنين أن يعالجوه مجاناً من دون مقابل، صار صندوق زواج، والله سعدت سعادة لا توصف، شاب يعطونه خمسين ألفًا، هذا اسمه إقلاع.

أنا ذهبت إلى بلاد أخرى, صندوق الزواج مخزون, له ستة عشر مليار درهم, والدرهم بستة عشر وسبعين.

يوجد شيء لطيف هناك، يوجد عرس جماعي، خمسون شابًا في عرس واحد على حساب صندوق الزواج، ما تكلف شيئًا إطلاقاً، يدعو كل واحد خمسين شخصًا بمكان كبير، شيء لطيف، شركات البرادات, وغرف النوم تتنافس, ويقدمون للشباب هدايا.

إنسان يقول لك: أنا أقدم خمسين غرفة نوم، هذا خمسين براد، وهذا خمسين غسالة، من التعاون صار التزويج جماعيًّا.

هذا سمعت به في اليمن، وفي مصر، وإيران، ودول الخليج.

إخواننا الكرام؛ بالمناسبة: كلام مؤلم وحقيقي وواقعي، إذا ما يسرنا سبل الزواج, يحل السفاح مكان النكاح.

لو أن الشارع احترق آخر بيت فيه، إذا قال أول بيت: أنا ليس لي علاقة، النار في طريقها إليه، هذا كلام دقيق, قال تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)﴾

[ سورة الأنفال ]

إذا قال إنسان: أنا ليس لي علاقة, النار قادمة، إذا ما نهض المسلمون نهوضًا واحدًا.

الآن: أحد أكبر المهمات الملقاة على عاتق المسلمين: حل مشكلة الشباب، ولا سيما مع تفلت الفتيات.

أنا في الخطبة الإذاعية يوم الجمعة, اخترت للدعاء: اللهم أصلح شباب المسلمين, وأصلح الشابات المسلمات، ويسر لهم ولهن سبل الزواج، ليكون الزواج حصناً لهم.

إذا كانت كل طرق المعصية مفتحة، وطرق الزواج مغلقة, والله هذه مشكلة كبيرة، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)﴾

[ سورة الأنفال ]

(( عن زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رَضِي اللَّه عَنْه, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا, وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أهله بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا ))

[ أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم ]

إذا تبنى إنسان داعية كأنه دعا، تبنى طالب علم كأنه طلب العلم، أعان على نشر الحق كأنه نشر الحق، ((وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا)) .

أيها الإخوة؛ هذه البلدة الطيبة, مرغوبة بشكل كبير من طلاب العلم المسلمين, من خارج هذا البلد، يجد نفسه كأنه بين أهله، وكل إنسان ساعد طالب علم, أعطاه بيتًا، أمن له حاجة.

مرة أذكر أخًا طالب علم، ولكنه عفيف جداً، بقي سنتين على البلاط في الشتاء، وعلمت بعد ذلك، هل يوجد بيت: لا يوجد في السقيفة عشرات القطع منسقة؟ كل بيت فيه براد منسق، غسالة منسقة، فإذا جئت بالأشياء المنسقة.

أنا يوجد عندي براد قديم, هل يلزمكم؟ أنت لا تقدر: أن طالب علم يسكن في غرفة, لا يوجد فيها شيء إطلاقاً، أحضرت له برادًا، ولو كان قديمًا، لا مانع، لا أحد يدع شيئًا مجمدًا، إذا كان عندك براد قديم، عندك حاجة قديمة، يوجد طلاب علم فقراء جداً، تعطيه بساطًا، تعطيه برادًا، تعطيه غسالة قديمة، يجدها نعمة كبرى، فنتمنى أن يكون التعاون واقعًا وليس كلامًا، والتعاون أمر إلهي، وبالتعاون يحبنا الله جميعاً، من دون تعاون نسقط من عين الله جميعاً، وإذا سقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتحطمت أضلاعه, أهون من أن يسقط من عين الله، الإنسان لا يحس بإنسانيته.

عدة أطباء زارونا من بلاد الغرب، عرضوا خدمات ليعالجوا مجاناً، وهم قمم بالاختصاص، شعرت باعتزاز: أن الإنسان قادم ليؤدي إجازة شهر, مستعد ليعالج أي إنسان, عنده مشكلة عويصة، نحن نريد أن نرتب الأمور ترتيبًا، كلما جاء أخ من بلد أجنبي, أحب أن يقدم خدمة للمسلمين, نستفيد من علمه، الحياة بالتعاون, تحل جميع مشاكلنا ، من دون تعاون, تكاد فئة تنفجر من التخمة، وفئة تكاد تموت من الجوع، وهذا لا يرضي الله عز وجل، الله عز وجل أراد بهذا المال, أن يكون بين الخلق جميعاً:

﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾

[ سورة الحشر ]

كل إنسان يستطيع أن يتعاون، أي إنسان ممكن أن يقدم لأخيه خدمة، ساهمت بتحقيق واقع لهذا الدرس، أنا ضد أن يكون الدرس نظريًا.

أتمنى عقب هذا الدرس, أن أسمع من إخواننا، هذا قدم شيئاً، هذا عاون بشيء، و التعاون من ثماره: الصلة بالله عز وجل، ولا تنس أن أي عمل صالح, هو قرض لله عز وجل:

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)﴾

[ سورة البقرة ]

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور